ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

شكوك

يا رامي السهم يدري أين موضعه
مني ويعلم ما داريت من ألمِ
رميتَ في ساحةٍ موسومة بدمٍ
منقوشةٍ بندوب الحبِّ والندمِ
لا يخدعنَّكَ منها وهي صامتةٌ
صمت القبور فراغُ الموتِ والعدمِ
فكم شفاه جراحاتٍ إذا انطبقت
جرح الإباءِ عليها غير ملتئم
فيم انتقامك من قلب عصفتَ به
لم يبقَ من موضع فيه لمنتقمِ
وفيم لذعة سخطٍ من جوى برمٍ
ترمي بجمرته في جوف مضطرم!


 
صلاة الحب

أحقّاً كنت في قربي
لعلي واهمٌ وهما
تكلَّمْ سيدَ القلبِ
وقل لي: لَمْ يكن حُلما
دنوتَ إِليَّ مستمعا
فُبحْتُ، وفرطَ ما بحْتُ
بعادك والذي صنعا
وهجرُك والذي ذقتُ
وحبِّي! ويحه حبِّي
تَبيعك حيثما كنتَ
تكَلَّمْ سيدَ القلبِ
وقل بالله ما أنتَ ؟!
أرى في عمق خاطركَ
جلالاً يشبه البحرا
وألمحُ في نواظركَ
صفاء الرحمة الكبرى
وأنت رضيً وتقبيلُ
وأنت ضنىً وحرمانُ
وفي عينيك تقتيلُ
وفي البسمات غفرانُ
وأنت تَهَلُّلُ الفجرِ
وبسمتُه على الأفق
وحيناً أنَّهُ النهر
وحزان الشمس في الغَسقِ
وأنت حرارةُ الشمسِ
وأنت هناءةُ الظلِّ
وأنت تجاربُ الأمسِ
وأنت براءةُ الطفل
وأنت الحسنُ ممتعاً
تحدَّى حصنه النجما
وأنت الخيرُ مجتمعاً
وعندك عرشهُ الأسمى
وعندك كل ما أظما
وردّ القلبُ لهفانا
وعندك كل ما أدمى
وزاد الجرح إِثخانا
وعندك كل ما أحيا
وشدَّد عزمه الواهي
حنانُكَ نضرة الدنيا
وقربُكَ نعمةُ اللهِ!
وفيم هواجس القلب
وفيم أطيلُ تسآلي
أحبك أقدسَ الحبِّ
وحبك كنزيَ الغالي
سناكَ صلاة أحلامي
وهذا الركنُ محرابي
بهِ ألقيت آلامي
وفيه طرحت أوصابي
هوىً كالسحر صيّرني
أرى بقريحة الشهبِ
وطهَّرني وبصَّرني
ومزَّق مغلقَ الحجبِ!
سموت كأنما أمضي
إلى ربٍّ يناديني
فلا قلبي من الأرض
ولا جسدي من الطين!
سموت ودق إِحساسي
وجُزتُ عوالم البشر
نسيت صغائر الناسِ
غفرت إِساءَة القدرِ!


 

صخرة الملتقى

سألتكِ يا صخرةَ الملتقى
متى يجمع الدهرُ ما فرَّقا!
إذا نشر الغربُ أثوابَه
وأطلق في النفس ما أطلقا
أريك مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ
والشيبُ ما كلَّل المفرِقا
لنا الله مِنْ صورَةٍ في الضمير
يَرَاهَا الفتى كلما أطْرقا!
ويأبَى الوَفَاء عَليه اندمالاً
ويأبَى التَّذَكُّر أن يشفقا!
أريك مشيبَ الفؤادِ الشهيدِ
والشيبُ ما كلَّل المفرِقا
فلمَّا قضى الحظ فك الأسير ِ
حنَّ إلى أسره مطلقا

 
ظلام

لا تقلْ لي ذاك نجمٌ قد خبا
يا فؤادي كلُّ شيءٍ ذهبا
هذه الأنوارُ ما أضيعها
صِرْن في جنبي جراحاً وظبى
*** ***
فإذا حبُّكِ يطغى مُزبداً
كدفوق السل طُغيان الجنونْ
ما على الهجر معينٌُ أبداً
وعلى النسيان لا شيء يُعينْ
ذلك الحب الذي فُزت بهِ
لا أُبالي فيه ألوان الملامَهْ
إنه مزَّق قلبي قسوةً
وسقاني المرَّ من كاس الندامَهْ
*** ***
ذلك الحب الذي صوَّر من
مُجدِب القفرِ لعينيَّ ربيعا
وجلا لي الكونَ في أعماقه
أعيُناً تبكي دماءً لا دموعا
قدرٌ نكَّس مني هامتي
آذن الدهر ببَينٍ وأِذنتِ
لهفَ قلبي لهفة لا تنقضي
كنت دنياي جميعاً كيف كنتِ؟
كنتِ في برجٍ من النور على
قمة شاهقة تغزو السحابا
فَرِحٌ بالنورِ والنارِ معاً
طار للقمَّةِ محموماً وآبا
*** ***
وهو عمرٌ كاملٌ عشتُ به
كلَّ أعمارِ الورى مجتمعات
*** ***
واغنمي نفح الصّبا وانتقلي
في الصِّبا الممراحِ من غصنٍ لغصن
لن يُحبّوكِ كحبي! لن ترَيْ
ضاحكاً مثلي ولا حزناً كحزني!
زعموا أنيَ قد خلّدْتُها
بأغانيَّ وألحاني العِذاب
لم أزل أقرأُ حتى سجدوا
وجعلتُ الخُلدَ عنوانَ الكتاب
يا ابنة الأصدافِ والبحرُ أبي
قبل أن يُلقي بي الموج هنا
إن هجَرْنا القاعَ والليلَ إلى
قممٍ شُمٍّ وعشنا في السَّنا
*** ***
اسألي عن مقلة مخلصة
خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ
بعدما غوَّر نجمي ودليلي
ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟
الغريبان عليها التقيا
يستعينان على الدربِ الطويلِ
*** ***
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا
ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ
وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً
وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ
*** ***
أدَّعي أني مقيم وغداً
ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها
رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ!
يا دياراً يومها من سُحُبٍ
وغيوم وضباب أُفق غدْ
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا
من هشيم كل ما كنت أعِدْ!
قُم بنا والكون جهم كالدجى
نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن
في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا
*** ***
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ
آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ
*** ***
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي
خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه!
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها
لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن
ذلك الساكنِ روحي والبدنْ
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ
وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ
أنا لا أدري متى كان ولا
أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ
متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ
مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ
واحدٌ حتى الردى متحدان!
*** ***
عاصفٌ عاتٍ تمنيت له
هدأةً أين له ما تطلبينْ
اسألي عن مقلة مخلصة
خبَّأت رسمكِ في جفن أمينْ
سهرتْ ترعاك مهما لقيتْ
في سبيل العهد والودِّ المكينْ
أقسمتْ لا تسأل النومَ ولا
تطلبُ الرحمةَ منه بعض حينْ!
بعدما غوَّر نجمي ودليلي
ما مسيري دون تربٍ وخليلِ؟
في طريق الشوكِ والصخرِ وفي
شُعَب الإرهاقِ والكدِّ الوبيلِ
الغريبان عليها التقيا
يستعينان على الدربِ الطويلِ
ما انتفاعي بحياتي بعدما
ساقكِ التَّيَّارُ في غيرِ سبيلي؟
*** ***
يا لجهل اثنين أقدارهما
آه يا ليتهما قد عَرَفا!
ما الذي نصنعُ بالعيش إذا
ما صحا القلبُ غريباً وغفا؟
ما الذي نصنع بالعيش إذا
ما السبيلان عليه اختلفا؟
ما الذي نصنع بالعيش إذا
صار تذكاراً فأمسى أسفا؟
عندما تُقفِرُ دارٌ من رفاقٍ
وتحسُّ السمَّ في كاسٍ وساقِ
عندما يكشِف بؤسٌ وجههُ
سافِرَ اللعنةِ مفقودَ الخلاقِ
عندما تُمسي بظلٍّ عالقاً
وبخيط الوهمِ مشدودَ الوثاقِ
يا فؤادي انظرْ وفكرْ وأفقْ
أيُّ قيدٍ لكَ بالأحبابِ باقِ؟
*** ***
كلُّ جِدٍّ عَبَثٌ والدهرُ ساخرْ
وخبيءُ السر للعينين ظاهرْ
أدَّعي أني مقيم وغداً
ركبي المضني إلى الصحراء سائرْ
عندما صافحتُ خانتني يدي
ووشى خافٍ من الأشجان سافرْ
كذَبَتْ كفٌّ على أطرافها
رِعشةُ البعدِ وإحساسُ المسافرْ!
*** ***
يا دياراً يومها من سُحُبٍ
وغيوم وضباب أُفق غدْ
كل نبت عبقريٍّ أطْلعتْ
جعلت منه طعاماً للحسَدْ
أَخْلَفَ الميثاقُ من كان بها
كل آمالي فلم يبقَ أحدْ
ضاع عمرٌ وحصاد وغدا
من هشيم كل ما كنت أعِدْ!
*** ***
قُم بنا والكون جهم كالدجى
نتلمَّسْ من جحيمٍ مخرجا
وانجُ منه ببقايا رمَقٍ
أو حطام وقليلٌ مَنْ نجا
لا تُدِرْ رأياً به أضْيَع مَن
في لظاهُ مستعينٌ بالحِجا
واسألِ الرحمنَ أن يُصْلحَ عهداً
كسيحاً وزماناً أعرجا
*** ***
عشتُ وامتدَّتْ حياتي لأرى
في الثرى من كان قبلاً في القممْ
انهيارُ المثُلِ العليا وإنكارُ
آلاءٍ وكُفرٌ بالقٍيَمْ
مَن يكنْ عَضَّ بناناً نادماً
فأنا قطَّعتُ إبهامَ الندَم
وإذا انحطَّ زمانٌ لم تجدْ
عالياً ذا رفعةٍ إلا الألمْ!
*** ***
ضِحكةٌ ساخرةٌ هازلةٌ
وخيالٌ تافهٌ هذي الحياهْ
هذه الأكذوبةُ الكبرى التي
خُدِعَ الناسُ بها وا أسفاه!
ذلَّ فيها المالُ والجاهُ إلى
أن غدا أحقرها مال وجاه
نحمدُ اللهَ على أنَّا بها
لم نصُنْ من ذِلةٍ إلا الجباه
*** ***
عبَثاً أهربُ من نفسي ومن
ذلك الساكنِ روحي والبدنْ
من لقلبٍ مستطار اللَّبّ مَن
كلما عاوده التذكارُ جُنّ
أينما أمضي فحوْلي ذِكَرٌ
وحبيبٌ ومكانٌ وزمنْ
وربيعُ دائمُ الخضرةِ في
روضةِ النفسِ وطيرٌ وفننْ
قصةٌ خالدةٌ لا تنتهي
وهي ما كان لها يومُ ابتداءِ
أنا لا أدري متى كان ولا
أين عند اللهِ أسرارُ اللقاءِ
حينما لاحَ شِهابٌ في سمائي
أسمرُ النورِ رفيعُ الخُيَلاءِ
عبقريٌّ مُوحشٌ منفردٌ
متعالٍ قَلِقُ الأضواءِ ناءِ
هو في الأفقِ بعيدٌ وهو دانِ
هو لي نفسي وروحي وكياني
مخطئٌ من ظَنَّ أنّا مُهجتانِ
مخطئُ من ظَنَّ أنّا توأمانِ
هو شطْرُ النّفسِ لا توأمُها
هو منها هو فيها كل آنِ
نحنُ نبضٌ واحدُ! نحن دمٌ
واحدٌ حتى الردى متحدان!
 
على البحر

هل أنتِ سامعةٌ أنيني
يا غايةَ القلب الحزينِ
يا قِبلة الحب الخفيِّ
وكعبة الأمل الدفينِ
أني ذكرتك باكياً
والأفق مُغبّر الجبينِ
والشمس تبدو وهي تغرب
شبه دامعة العيون
أمسيتُ أرقُبها على
صخر وموج البحر دوني
والبحر مجنون العبابِ
يهيج ثائره جنوني
ورضاكِ أنتِ وِقايتي
فاذا غضبتِ فَمَن يقيني؟!

 
عاصفة

صورةٌ للبحر أم صورةُ نفسِ
عندما النفس من اليأس تثورُ
قد علا الموجُ وقد عز التأسي
لم يعدْ إلا عبابٌ وصخورُ
زلزل البحرُ على راكبه
مثلما زلزل قلبٌ ضجرُ
سفر صار على طالبه ركبُ
ضنك، والمنايا سفرُ..
غرَّب الحظُّ كما مال الشراعْ
هكذا الأعمار في الدنيا تميلْ
وسرتْ في الجو أشباحُ الوداع
وتنادي كل شيء بالرحيلْ
أإذا اشتد على القلب البلاء
أإذا جار عبابٌ وتناهي
تعصف الأمواجُ عصفاً بالرجاء
كيف ننسى أن للكون إلها...

 
عاصفة روح

أين شط الرجاءْ
يا عُباب الهمومْ
ليلتي أنواءْ
ونهاري غيومْ
أعولي يا جراحْ
اسمعي الديّانْ
لا يهم الرياحْ
زورقٌ غضبانْ
*** ***
البلى والثقوبْ
في صميم الشراعْ
والضنى والشحوبْ
وخيالُ الوَداعْ
اسخري يا حياهْ
قهقهي يا رعودْ
الصبا لن أراهْ
والهوى لن يعودْ
الأماني غرورْ
في فم البركانْ
والدجى مخمورْ
والردى سكرانْ
راحتِ الأيامْ
بابتسام الثغورْ
وتولى الظلامْ
في عناق الصخورْ
كان رؤيا منامْ
طيفك المسحورْ
يا ضفاف السلامْ
تحت عرش النورْ
*** ***
اطحني يا سنين
مزقي يا حرابْ
كل برق يبينْ
ومضه كذابْ
اسخري يا حياهْ
قهقهي يا غيوبْ
الصبا لن أراهْ
والهوى لن يؤوبْ


 
عذاب

ألمي محا ذنبي إليك وكفّرا
هبني أسأت ألم يحنْ أن تغفرا
روحي ممزقةٌ وأنت تركتَها
لمخالب الدنيا وأنيابِ الورى
روحي ممزقةٌ ولو أدركتها
جمّعت من أشلائها ما بعثرا
أو ليس لي في ظل حبك موضع
أحبو إليه وأرتمي مستنصرا؟
ما كنت أصبر عن لقائك ساعة
كيف اصطباري عن لقائك أشهرا
من بدّل الثغرَ الجميلَ عبوسة
ومضى إلى وجه السماء فكدرا
يا هاته الأقدار! عينك لا ترى
تحت الدجى سأمان ممتنع الكرى
ظمآن، لو باع الأحبةُ قطرةً
بالعمر والدنيا جميعاً لاشتري
اخفى جراحك واستعز بفتكها
غريدك الشادي المحلق في الذرى
يرنو إليك على البعاد ويعتلي
فيجره الجرحُ المميتُ إلى الثرى
قد عاش وهو معذبٌ بإبائه
ولقد يلاقي يومَه مستكبرا
حتام كتماني وطول تجلدي
يا أيها الجاني عليَّ وما درى
ومتى المآب إلى رحابِك مرةً
لأريك جرحي والدما والخنجرا


 
عتاب

هجرت فلم نجد ظلاً يقينا
أحلماً كان عطفك أم يقينا
أهجراً في الصبابة بعد هجر
أرى أيامه لا ينتهينا
لقد أسرفت فيه وجرت حتى
على الرمق الذي أبقيت فينا
كأن قلوبنا خلقت لأمر
فمذ أبصرن من نهوى نسينا
شغلن عن الحياة ونمن عنها
وبتن بمن نحب موكلينا
فإن ملئت عروق من دماءٍ
فأنا قد ملأناها حنينا

 
عجبا!

يا هاجري، يا من
هجرتَ بلا سببْ
أترى العقاب بغير
إثم قد وجب؟
عجباً لقرص الشمس
في البيت احتجب
عجباً . . لأعجب
ما يكون من العجب

 
عيد

يا أبا الأشواق غنِّ
وانقل الألحان عني
إيه "سونيا" هجتِ شوقي
وشجوني والتمني
إن تغنيني فإني
طائر في كل غصن
إيه "سونيا" ذاك يومي
فاسكبي لي، لا تضني
إنما عيدك عيندي
وهو يوم فوق ظني
لا أهنيك . . ولكن
كل مخلوق أهني
إيه "سونيا" ذاك يومي
فاسكبي لي، لا تضني
أفرغي سحر الهوى في
خاطري من كل دنِ
إنما عيدك عيندي
وهو يوم فوق ظني
لا أهنيك . . ولكن
كل مخلوق أهني

 
عدنا وعدت

عُدنا وعدتِ وعادتْ
إن الحظوظَ أرادتْ
وبالعجائب جاءتْ
وما بذاك غريبَةْ
إن الغريبَ التنائي
فإن فيه شقائي
وإن أردت دوائي
داوي الهوى ولهيبه
أنت المنى والعبادهْ
وليس عندي زيادَةْ
يا هند هذي شهادَهْ
لو أنها مطلوبَهْ
وأنت مني كنفسي
هواك يومي وأمسي
وأنتِ جهري وهمسي
صديقةً وحبيبَةْ


 
عينان

طوى السنين وشق الغيبَ والظلما
برقٌ تألق في عينيك وابتسما
يا ساري البرق من نجمين يومضُ لي
ماذا تخبئُ لي الأقدارُ خلفهما
أجئتَ بي عتبات الخلدِ أم شركا
نصبتَ لي من خداع الوهم أم حلما؟
كأنني ناظرٌ بحراً وعاصفةً
وزورقاً بالغد المجهولِ مرتطما
حملتني لسماءٍ قد سريت لها
بالروحِ والفكرِ لم أنقل لها قدما
شفّت سديماً ورَقَّت في غلائلَها
فكدت أبصر فيها اللوحَ والقلما
رأيت قلبين خط الغيبُ حبهما
وكاتبا ببيان النورِ قد رسما
وسحر عينيكِ إني مقسم بهما
لا تسألي القلبَ عن إخلاصه قسما
واهاً لعينيكِ كالنبعِ الجميل صفا
وسال مؤتلقُ الأمواجِ منسجما
ما أنتما؟ أنتما كأسٌ وان عذُبت
فيها الحمامُ ولا عذر لمن سلما
لمَّا رمى الحبُّ قلبينا إلى القدرِ
له المشيئةُ لم نسألْ لمن ولما
في لحظةٍ تجمعُ الآباد حاضرها
وما يجيء وما قد مر منصرما
قد أودعتْ في فؤاد اثنين كل هوىً
في الأرضِ سارتْ به أخبارُها قدما
كلاهما ناظرٌ في عين صاحبهِ
موجا من الحب والأشواقِ ملتطما
وساحة بتعلاّت الهوى احتربت
فيها صراعٌ وفيها للعناق ظما
يا للغديرين في عينيك إذ لمعا
بالشوق يومضُ خلفَ الماءِ مضطرما
وللنقيضين في كأسين قد جمعا
فالراويان هما والظامئان هما
بأي قوسٍ وسهم صائب ويدٍ
هواك يا أيها الطاغي الجميل رمى
يرمي البريء في آن وأعجبه
ان الذي في يديه البرءُ ما علما
وكيف يبرئني من لست أسأله
برءاً وأوثر فيه السهدَ والسقما
لو أن للموت أسبابا تقربني
إلى رضاك لهان الموتُ مقتحما
إن الليالي التي في العمر منك خلتْ
مرت يبابا وكانت كلها عقما
تلفتَ القلبُ مكروبا لها حسرا
وعض من أسف ابهامَه ندما

 

غيوم

أملٌ ضائعٌ ولبٌّ مشرَّدْ
بين حبٍّ طفى وجُرح تمرّدْ
وضلالٌ مشت إليه الليالي
هاتكاتٍ قناعه فتجرّدْ
وبدا شاحباً كيوم قتيلٍ
لم يكد يلثم الصباحَ المورّدْ
غفر الله وهمها من ليالٍ
صوّرت لي الربيعَ والروض أجردْ
قاسمتني الورقاءُ أحزانَ قلبي
وشجاه وغَرَّدَتْ حين غرّدْ
ثم ولَّتْ والقلبُ كالوتر الدامي
يتيمُ الدموعِ واللحنُ مفردْ
ما بقائي أرى اطِّراد فنائي
وانتهائي في صورةٍ تتجدّدْ
ورثائي وما يفيد رثائي
لأمانٍ شقيةٍ تتبدّد
عبثاً أجمع الذي ضاع منها
والمنايا منِّي ومنها بمرصدْ
وبقائي أبكي على أملٍ بالٍ
وأحنو على جريحٍ موسَّدْ
واحتيالي على الكرى وبجفنيَّ
قتادٌ ولي من الشوك مرقدْ
وشكاتي إلى الدجى وهو مثلي
ضائعٌ صبحهُ ضليلٌ مسهَّدْ
وشخوصي إلى السماء بطرفي
وندائي بها إلى كل فرقدْ
فجعتني الأيامُ فيه فلم يَبْقَ
على الأرض ما يسرُّ ويُحمدْ
ذهبت بالجميل والرائعِ الفخمِ
وطاحت بكل قدسٍ ممجّدْ
مالَ ركنٌ من السماءِ وأمسى
هلهلَ النسج كلُّ صَرحٍ مُمرَّد
ربِّ عفواً لحيرتي وارتيابي
وسؤالٍ في جانحي يتردّدْ
هو همس الشقاء ما هو شك
لا ولا ثورةٌ فعدلك أخلدْ
أين يا رب أين منقبل حيْني
ألتقي مرةً بحلمي الموحّدْ؟
بخليلٍ ما ردَّه كيدُ نمّامٍ
ولم يَثْنِه وشاةٌ وحُسَّدْ
وحبيبٍ إذا تدفَّق إحساسي
جزاني بزاخرٍ ليس ينفدْ
وعناقٍ أُحِسُّه في ضلوعي
دافقاً في الدماءِ كاليمِّ أزبدْ

 
غصن صغير

رأيتِ غصناً صغيرا
منوراً ونضيرا
أرق ما تشتهي النفسُ
منظراً وعبيرا
جذبتُه جذب عنفٍ
قد كاد يذوي الزهورا
فلم يئنَّ لجذبي
وكان غصناً صبورا
لكنني لم أدعْهُ
حتى علا مسرورا
وارتد يضربُ وجهي
ضرباً عنيفاً مثيرا
وعاد ينشر في الأيك
ذا الحديثَ الاخيرا
تضاحك الأيكُ جذلانَ
شامتاً مسرورا
ضحكُ الذي بعد صبر
قد فاز فوزاً أخيرا


 

في لبنان

قلبٌ تقسّم بين الوجدِ والألمِ
هل عند لبنانَ نجوي النيلِ والهرمِ؟
أشكو جوايَ إلى الروحِ التي احتضنتْ
ناري وضَمَّتْ إلى أسقامَها سقمي
وقاسمتني الهوى حتى إذا رحلتْ
ألقت فؤاديْ بضنكٍ غير مقتسمِ
ميثاقُنا أسطرٌ من مدمعٍ ودمٍ
يا طاهر النفحة اذكرْ طاهرَ القَسمِ
يا من أعاتب دهري إذ أودِّعُهُ
وما عتابي على الأقدارِ والقسمِ
إنّ النوى غرَّبتْهُ وهي عالمةٌ
أني رجعتُ أُداري النارَ بالضرمِ
ورنّحتْ بعده خطوي وما عرفت
من عثرة الحظِّ أم من عثرةِ القدمِ
خَلَتْ وران عليها الصمتُ وانقلبتْ
كأنما لَفّها ثوبٌ من العدمِ
بالله أيامَنا هل فيكِ منتَفعٌ
ونحن من سَأمٍ نمشي إلى سَأم؟
وما أُرقِّع ثوباً فيك منخرقاً
لكن أرقِّعُ جُرحاً غيرَ ملتئمِ


 
في ليلة غارة

يا ميَّةَ الحسناء هل يغزو الهوى
قلبيْن ما كانا على ميعادِ؟
لا شيءَ إلا أن ذُكرتِ فهزّني
طربٌ وبات على الحنين فؤادي
وظللتُ أحلم والتفتُّ لساعةٍ
تدنو إليَّ بطيفِكِ الميَّادِ
يا مَيَّ إن قد مُنيت بظلمةٍ
والليلُ يجثم فوق صدر الوادي
فأنرتِ لي قلبي وصرتُ كأنما
هذا السوادُ الجَهْمُ غيرُ سوادِ


 
في معبد

دنا الموعدُ والغرفـ
ـةِ وكر للمواعيدِ
وجاءت ربّة الحسن
كمزمور لداوودِ
فرفّ البشرُ في الصمت الـ
ـذي خيم في الغرفهْ
وثارت حيرتي الهوجاء
بين الفجر والعفهْ
وثارت . . . آه من ثورة
هذي اللهفة الحيرَى
هنا الحسن الذي يدعوك
في بسماته السكرى
وهذا الجسم يا ظمآن
في دارك كم يغري
أطهراً تدعي اليوم؟
فماذا نلت من طهرِ؟
هنا الحلم الذي أبصرتَ
في غفوة حرمانكْ
هنا الكأسُ التي تزري
بما جمّعت في حانكْ
هنا اللهبُ الذي جُسّد
في نهدٍ وفي ساقِ
على مذبحه المعبودِ
قدم طهركَ الباقي
نداءٌ بين عينيك
كهذا الليلِ مجهولُ
يجاوبه حنينٌ ثار
في قلبيَ مخبولُ
فقلت الليل يا من كنت
عند الليل قربانا
لنغرقْ في دخان الجسمِ
أشجاناً وحرمانا
فنام الضوء خجلانا
على مصباح نشوانِ
قريرا لا تنبهه
سوى أنات تحنان
وكان الليل مرتميا
على النافذة الوسنَى
تلصّصَ خلسةً يرنو
إلى معبدنا الأسنى
فشاع السرُّ بين الليل
والأنجم والزهرِ
وإذ بالفجر بساما
إلى إلفين في خدرِ


 
في الأوتوجراف

طلبتِ الكتابةَ يا جنتي
وماذا تريدين أن أكتبا
وما في الجوانح خافٍ عليكِ
وقلبك يعلم ما غيبا
سأكتب أنكِ أنت الربيعُ
وأنكِ أنضر ما في الربى
وأنكِ أنت الجمالُ الفريدُ
وفجرُ الشبابِ وحلمُ الصبا
أهلل باسمكِ عند الصباح
وأطوي على ذكركِ المغربا..

 
في الباخرة

أحبُّ أجلْ أحبُّ كأن نبعاً
سماويّاً تفجّر في دمائي
لقد طاب الوجودُ بحالتيه
شقائي فيك أجمل من هنائي
وليلي فيك أحسن من نهاري
وصبحي فيك أجمل من مسائي
فمفترقان فيه إلى لقاء
وملتقيان حتى في التنائي
أميمةُ إن عمرَ الحبِّ حقاً
لأعجب آية تحت السماءِ
فما أدري لأيهما ثنائي
ثوانيه السِّراع أم البطاءِ
أهذا الحلم يمضي شبه لمحٍ
أم الأبدُ المديدُ بلا انتهاءِ؟
أتفكيري هناك أم انتظاري
لأروعِ هالةٍ حولَ البهاءِ
وأزهى من تثنَّى في حُلِيٍّ
وأبهج من تهادى في رداءِ
وأسنى من تخطَّر في دلالٍ
وأطهر من تعثرَ في حياءِ
سيذكر ملتقانا النيلُ يوماً
غداة تُعَدُّ أيامَ الصفاءِ
وحيدٌُ غير أني في زحامٍ
من الآمالِ تترى والرجاءِ
إلى أن لاح عرشُ النورِ مني
قريباً والهلالُ إلى اعتلاءِ
فمؤتلقٌ على أفقٍ بعيدٍ
ومنعكس على فضِّيِّ ماءِ
كذلك أنت في فكري وروحي
سناك مع الهلال على سواءِ
وطيفٌ عبقر في خيالي
وحيد الذات مختلف الرُّواءِ!


 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى