ديوان الشاعر ... ابراهيم ناجي

هجاء أعمى بغيض. زوج حسناء

يا جمال الصِّبا وأنس النفوسِ
خبِّرينا عن زوجكِ المنحوسِ!
حَدِّثي أنت عن عماه "الحيسي"
وصفي لي الغرام (بالتجسيسِ)!
حدثينا عن اللهيب المفدَّى
وجمالٍ يُصَيِّرُ الحُرَّ عَبْدا
وجنونِ الأعمى إِذا ما استجدى
وهو يعشو لنارهِ كالمجوسِ!
يا جمالاً في التربِ يُلقَى ويُرمَى
يا لَظلمِ الحظوظِ والحظُّ أعمى!
وبلائي أني أسميه ظَلماً
وهو لفظٌ ما جاءَ في القاموس!
آه من قسوةِ الطبيعة شقتْ
ظلمةً في مكان نورٍ ورقتْ
دونَ قصدٍ لعينه فاستَبْقَتْ
كوةً في فضائها المطوسِ!
كوّنً تنفذ الحفيظةُ عنها
ويُطلُّ الدهاءْ والخبثُ منها!
طالعتنا في طلعةٍ لم تزنها
"كالفتيل" الحقيرِ في (الفانوس)
كذليل الأبقار إِذ ربطوه
وتراهم بخرقةٍ عَصَّبوه
فاذا ما عصاهمو ضربوِه
وتمشَّى على غناءِ "الالوس"!
وتراه تقولُ يقطر بغضا
حيوانٌ يريد أن يَنقَضَّا
حسبك الله! عشت تنظر أرضا
فابق فيها! حُرمْتَ نورَ الشموس!


 
هجو

رجل أرى بالله أم حَشَرَهْ
سبحان من بعبيده حشَرَهْ
يا فخر داروين ومذهبه
وخلاصة النظرية القذرهْ
أرأيت قرداً في الحديقة قد
فلت أنثاه على شجرهْ؟
عبدالحميد أعلم فأنت كذا
ما قال داروين وما ذكرهْ
يا عبقرياً في شناعته
ولدتك أمك وهي معتذرهْ

 
هجو شاعر

أيها الحي وما ضر
الورى لو كنت متا
أوَ شعر! ذاك لا بلض
حجر ينحت نحتا
تلقم الناس وترميهم
به فوقا وتحتا
صحت من يأسي لما
بركيك الشعر صحتا
آه يا قاتل يا سفاك!
حتى أنت حتى!
 
وداع المريض

فيم الغدو غداً وأين رواحي
ويح الصباح ! لقد مضى بصباحي
عصفت علينا غير راحمة لنا
ياصفوة الأحباب , أي رياحِ
عبثت بمعبود العيون وصيرّت
كالورس لوناً توأم التفاح
ذهبوا به كالورد جافاه الندى
ومضوا به شبحاً من الأشباح
يا هاتفاً باسمي فديت منادياً
رد النداء عليه حر نواحي
يا آسي الآسي لممت جراحتي
وأسلت يوم نواك أي جراحِ
طأطأت للبين المشتت هامتي
وخفضت للقدر المغير جناحي
أي الليالي العاتيات سهرتها
في أي آلالام وأيّ كفاح
هدم الضنى العادي قوي شكيمتي
وثني معاندتي ورد جماحي
وطغى على الملك الموسد بيننا
في لطف زنبقة وضعف أقاح
كيف المآب الى مكان موحش
متجهم العرصات قفر الساح
في كل ناحية خيال هاتف
ومذكر بجبينك الوضاح
وموسد كالطيف صاح ليله
أمسيت أرعاه بجفنٍ صاح
عاد الشقي إلى قديم شقائه
ومحى من الدنيا السعادة ماحي
ويح الحياة اليوم أين جمالها
وعلام اخفاقي بها ونجاحي
أنت الذي وهب الحياة لميت
في الأرض منفرد بغير طماح
أشرقت في ظلمائها وغمامها
وطلعت مثل البارق اللماح
 
وحيد

إني على كاسي أُعيد السنين
وأبعثُ الماضي البعيدَ الدفينْ
وما الذي يُجدي طعينَ الهوى
لَمْسُكِ يا هندُ جراحَ الطعينْ
كم أزرع السّلوانَ في خاطري
وكيف ينمو في مَحيلٍ جديبْ؟
الجامُ يبكي لوعةً ام أنا
جامي غريبٌ وفؤادي غريبْ
*** ***
لم يَجْرِ همسٌ لك في خاطرٍ
إلا جرى عندي كأني صداكْ
أصونُ حزني لك حتى اللقا
وأحبسُ الفرحَةَ حتى أراكْ
حَبَستُ هذا الصوتَ لم ينطلقْ
إلا على حزنكِ أو فرحتِكْ
*** ***
وَافرَحِي اليومَ بحريَّتي
بأيِّ ليل مدلهمٍّ أطير
كم شُعَبٍ لاحتْ فلم تختلفْ
لأيِّها نغدو وأنّى نسيرْ
*** ***
هيهات تدرين انطلاقَ الهوى
كجمرةٍ نضّاحةٍ بالدمِ
وصارخاً كبحتُه في فمي
وطاغياً كبّلتُه في دمي
لا أنت تدرين وما من أحدْ
بواصف حسنَكِ مهما اجتهدْ
أو مدرك عمق المعاني التي
في لمحةٍ عابرةٍ تحتشدْ
أنكرتُها طُرّاً ولم أعترفْ
إلاّ بطيبٍ جاء من جنّتك!
*** ***
وَافرَحِي اليومَ بحريَّتي
بأيِّ ليل مدلهمٍّ أطير
رُدِّي على قلبي قيودَ الأسير
وذلك الصبحَ الوضيءَ المنيرْ
كم شُعَبٍ لاحتْ فلم تختلفْ
لأيِّها نغدو وأنّى نسيرْ
بعد سِني الأنوار خلّفتِ لي
جهم المساعي وخفِيَّ المصيرْ
*** ***
علمتِ حالي؟ لا وحقِّ الذي
صيَّرني أشفِق أن تعلمي
هيهات تدرين انطلاقَ الهوى
كجمرةٍ نضّاحةٍ بالدمِ
هيهات تدرين وإن خِلتِه
وثبَ الهوى الضاري وفتكَ الظمي
وصارخاً كبحتُه في فمي
وطاغياً كبّلتُه في دمي
*** ***
لا أنت تدرين وما من أحدْ
بواصف حسنَكِ مهما اجتهدْ
أو بالغٍ سرَّ الذكاءِ الذي
يكادُ في لحظِكِ أن يتّقِدْ
أو مدرك عمق المعاني التي
في لمحةٍ عابرةٍ تحتشدْ
أو فاهم فن الصناع الذي
أبدع الاثنين: الحِجا والجسدْ

 
وقفة على دار

قف يا فؤادُ على المنازل ساعا
فهنا الشبابُ على الأحبة ضاعا
وهنا أذلَّ اباءَه متكبرٌ
أمرت عيونٌ قلبه فأطاعا
أحسست بالداء القديم وعادني
جرح أبيت لعهده إرجاعا
ومشى مع الأمل الذهول كأنما
طارت بلبي الحادثات شعاعا
كثرت عليّ متاعبي فمحونني
ومحون حتى السقم والأوجاعا
يا من هجرت لقد هجرت إلى مدى
فإلى اللقاء ولن أقول وداعا


 
يأس على كأس

زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي!
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
*** ***
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي!
غال الزمانُ ضبابَها وحبابها
وتبخرتْ أحلامُها ورؤآها
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها
تلك الوليدة لم تطل بشراها
لمّا تكد تطأ الثرى قدماها
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها
حتى اذا الأقدار شئن وعدت لي
راجعتُ نفسي واهتمت صوابي
أأرى شروقَك في أفولِ مغاربي
وأشم عطرَك في ذبولِ شبابي!
هات اسقني واشربْ على سر الأسى
وعلى بقايا مهجة وشجاها
مهلا نديمي! كيف ينسى حبها
من ينشد السلوى على ذكراها
ما زلت تسقيني لتنسيني الهوى
حتى نسيتْ، فما ذكرت سواها
كانت لنا كأسٌ وكانت قصةٌ
هذا الحباب أعادها ورواها
الآن غشاها الضبابُ وها أنا
خلفَ المآسي والدموعِ أراها
غال الزمانُ ضبابَها وحبابها
وتبخرتْ أحلامُها ورؤآها
لا تبكِها ذهبْت ومات هواها
في القلبِ متسعٌ غدا لسواها
أحببتُها وطويتُ صفحتها وكم
قرأ اللبيبُ صحيفةً وطواها
تلك الوليدة لم تطل بشراها
لمّا تكد تطأ الثرى قدماها
زف الصباحُ إلى الرمال نداءَها
وسرى النسيمُ عشيةً فنعاها

 
يا بحر

يوم أبحرتُ فوق متنكِ تهوي
بيَ امواجك الغضاب وتعلو
راعني حولُك الرهيب فخارت
عزماتي ولم يعد ليَ حول
وترنحتُ بين جنبيك تلهو
بيِ فتطغَى آناً وتهدأ آنا
كانت القطرة الضئيلة من لُـ
ــجك أمضى مني وأخطر شانا
وأنا اليوم أجتليك من الشاطئ
جي الأمواج مثل الجبال
فإذا بي أثور مثلك يا بحــ
ــر وتنزو الأمواج في أوصالي
هو روحي الذي يحاكيك في البأ
س ولكن يؤوده عبء جسمي
فإذا ما اجتلاك والجسم غفلانُ
توخّاك في مضاء وعزم
هو روحي الذي يحاكيك يا بحرْ
ويخشى قلبي الجزوع أذاكا
ضعضع الجسم عزم روحي المُعَنَّى
يا اخا الروح بُث فيه قواكا


 
يا دار هند

غرامكِ لي معبدٌ طاهرٌ
دعائمُهُ شُيِّدتْ من ولوعي
تعهدتُ محرابَه بالوفاء
وأوقدتُ فيه الهوى من شموعي
جوانبُه من دموعيَ قامتْ
وأضلعُه بُنِيتْ من ضلوعي
ومن ذا رأى هيكلاً في الوجودِ
يُقام على عمدٍ من دموعِ؟
*** ***
إني لأقنع من ظلالِ أحبّتي
بحنان أحتٍ أو بكفّ مسلّمِ
وبجلسةٍ طابت لديّ بغرفة
حملت عبيرَ الغائب المتوسّمِ
يا أخت هندٍ خبّريها أنني
صبٌ يعيش بمهجة المتألمِ
صبٌ سئمتُ من الحياةِ بدونِها
أنا لا أحبُّ إذا أنا لم أسأمِ
ومضى النهارُ ولا نهارَ لأنهُ
يمتدُّ عندي كالفراغ المظلمِ
*** ***
يا دار هندٍ إن أذنتِ تكلَّمي
يا دارها عيشي لهندٍ وأسلمي
فدمي الفداءُ لحبّ هندٍ وحدها
وأنا المقصِّرُ إن بذلت لها دمي
ولقد حلفت لها ودمعي شاهدٌ
إني فنيتُ علمتِ أم لم تعلمي!


 
يا نسيم البحر

يا نسيم البحر ريانَ بطيب
ما الذي تحمل من عطر الحبيبِ؟
صافحتني من نواحيك يدٌ
تسمح الدمعةَ عن جفن الغريبِ
وتلقَّاني رشاشٌ كالبكا
وهديرٌ مثلُ موصول النحيبِ


 
يا نسيم البحر

يا نسيم البحر ريانَ بطيب
ما الذي تحمل من عطر الحبيبِ؟
صافحتني من نواحيك يدٌ
تسمح الدمعةَ عن جفن الغريبِ
وتلقَّاني رشاشٌ كالبكا
وهديرٌ مثلُ موصول النحيبِ


 
يوم الجمعة

أصبحتُ يوم الجمعة
ذا غربة ما أضيعهْ!
منفرداً لا خلُّ لي
وأينَ مَنْ قلبي معهْ؟
ضاقت بي الأرضُ فما
في فُسحة الكون سَعَهْ
أقطع يومي مُبْطئاً
كأنني لن أقطعَهْ
إني امرؤٌ يُفضي إلى
أزمانه المرقَّعَهْ
يَلُمُّ من شَتاتها
بجهده ما وَسِعَهْ
فلا يصيبُ غير ما
أمَلّهُ وصدَّعهْ
يا هند من يُعيد لي
آماليَ المزعزعَهْ؟
وإنّ يوماً واحداً
حِبالُه مُقطعّهْ
فكيف لو مرّ بنا
ثلاثةٌ أو أربعهْ؟
قلبي خلا من نسمةٍ
مشرقةٍ مُرَصّعهْ
طالَعَهُ اليوم بها
كأنه قد ودَّعهْ
إن عاشه دونك يا
هند تمنّى مصرعهْ

 
الوسوم
ابراهيم الشاعر ديوان وادي
عودة
أعلى