الإساءات الغربية للإسلام

ياسر المنياوى

شخصية هامة


بسم الله الرحمن الرحيم
مرحبًا
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
أما بعد:
فإن الله ـ تعالى ـ قد أمرنا بتوقير نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ }الفتح9.
وقد أمرنا الله ـ تعالى ـ بحسن الحديث عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعدم ذكر اسمه الكريم مجردًا
فقال: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} [النور:63].
وهو ـ سبحانه جل في علاه ـ لا يخاطبه في كتابه باسمه، وإنما يخاطبة بما يدل على التوقير والتبجيل، كقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ}،{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ}.

ونهانا ـ سبحانه ـ عن رفع الصوت في حضرته، ويدخل في ذلك رفع الصوت في حضرة من يتلو حديثًا شريفًا له:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ }الحجرات2
وبيَّن أن الانتباه لحديثِ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ علامة من علامات التقوى، ـ وقد أخبر الله ـ تعالى ـ أن هذا سلوك من امتحن الله قلوبهم للتقوى، فجعلها خالصة طاهرة، وأن لهم بهذا التوقير ؛ المغفرة والأجر العظيم :
{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} [الحجرات:3].
***
وإلى جانب توقير النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أمرنا الله ـ تعالى ـ بنصرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
بل أخذ الله العهد على الأمم السابقة أن تنصرَ محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
"وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) "[آل عمران : 81 ، 82].
فلم يبعثْ اللهُ نبيًا قط " إلا أخذ عليه الميثاق لئن بُعث محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذها على أمته الميثاق لئن بُعث محمدٌ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم أحياء ليؤمنن به وينصرونه " .
وقال تعالى :
{إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا}.
***
ومن هذين المنطلقين، منطلق التوقير والنصرة؛ قصدتُ الحديث عن الإعلام المضلِّل وحملاته التي تستهدف النيل من نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم ـ؛ فهم بالغوا الطعن فيه، وذلك أمرٌ يخالف الأمر بالتوقير، ونحن قصَّرنا في حق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك أمر يخالف الأمر بالنصرة .

وفي البداية نريد أن نؤكد أن تلك الحملات الإعلامية العاملة على قدم وساق؛ لن تضير الإسلامَ بشيء، ولن تكسر من فيض المد الإسلامي الزاحف بين الشعوب، ولن تؤخر موعود رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بفتح " روما"، وعودة الخلافة الراشدة، وإبادة اليهود عن آخرهم.
يعني الحال كما قال الأعشى الكبير :
ألَسْتَ مُنْتَهِياً عَنْ نَحْتِ أثلَتِنَا ... وَلَسْتَ ضَائِرَهَا مَا أطّتِ الإبِلُ
كناطحٍ صخرةً يوماً ليَفْلِقَها ... فلم يَضِرْها وأَوْهَى قَرْنَه الوَعِلُ

حقائق :
لكن؛ علينا أن نعلم أن :
ـ الإعلامُ سلاح الأقوياء دائمًا؛ دومًا يسير في فلك الأقوى .
ـ العداء للإسلام دائمًا يَقْوى كلما ضعف المسلمون.
ـ في يوم ما مضى ـ أيام الدولة الإسلامية ـ كان الغرب يدور في فلك الإعلام الإسلامي.
ـ بإمكان المسلمين أن يعملوا على التخفيف من ظاهرة "الإسلاموفوبيا" ؛ علمًا أن التخويف من الإسلام قضية قديمة جدًا مرتبطة بنشأة الإسلام نفسه .

معادلة :
ثم علينا أن نفهم هذه المعادلة التاليةَ جيدًا :
إذا كانت وسائل الإعلام الغربية اليوم في ذروة قوتها وسطوتها، وإذا كانت الأمة الإسلامية اليوم في أضعف أطوارها، وإذا كان المسلمون لا يحملون مشروعًا نهضويًا لمحاولة إحداث التوازن الحضاري لها بين الأمم، فإن النتيجة البديهية تقول :" الإساءات لن تتوقف".
والسبب : هو الضعف . أو بالمصطلح النبوي : " الغثائية "
فدومًا الضعيف لا يملك "شرعية " بين الأقوياء؛ هذا على الأقل في زمن العولمة !
محمـد مُسـعد ياقوت
عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
المشرف العام على موقع نبي الرحمة
كُلَيمات
ـ لا توجد دعوة شريفة ـ عبر التاريخ ـ لم تتعرض للطعن والتشويه، وذلك لسبب بسيط أن خصومها دومًا غير شرفاء !
ـ يبذل أعداء الإسلام جهدًا مُضنيًا في اصطناع الشائعات والشبهات المستحدثة حول الإسلام، وبالتالي، فهي تحتاج جهدًا مضنيًا موازيًا للقضاء على أثرها.
ـ تكفَّل اللهُ تعالى وحده بردع المستهزئين الذين يسخرون من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتكفل أيضًا بعقاب الذين خذلوه، وتخلوا عن نصرته :" إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً" [ التوبة39]
ـ النصارى عيال على اليهود في مجال الإعلام، والإعلام بالذات.
ـ الآن، العالم يرى العالم بعيون يهودية، ونحن نصرخ في غرف مغلقة .
ـ حسبك من هواننا أن أحقر دول عند الغرب تسب نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ـ من يقتات بالكذب؛ لن يتطوع بالصدق؛ فلا تنتظروا من الإعلاميين العلمانيين خيرًا.
ـ الأدب العبري يكاد يكون متنفرغًا لدعم قضية "إسرائيل الصامدة ونضالها ضد العرب المجرمين ".
ـ تجفيف منابع الإسلام، مسألة حياة أو موت عند الصهيونية العالمية.
ـ " حوار الأديان "، و" حوار الحضارات"، و" حوار الثقافات " ... كلها يافتات جميلة جدًا ، بيد أنها ما جُعلت إلا لتمرير مشاريع التنصير بالمشرق العربي .
ـ لن ترى أنشطة تنصيرة إلا بين ظهراني المسلمين؛ وهذا الأنشطة لا شأن لها بعباد البقر أو عباد الحجر .
ـ الفرق بين الإعلام الصهيوني والإعلام العربي ـ بين الشعوب الغربية ـ كالفرق بين المدفع والخنجر .
ـ الإعلام الغربي يصور لمواطنيه أن منطقة المشرق العربي هي منطقة الإبل والخيام والأعراب الأجلاف.
ـ الـمُسلم في أفلام هوليود : زير نساء أو إربهابي .
ـ لو بُعث "النصر بن الحارث" في زماننا لكان وزيرًا للإعلام عند الغرب .
ـ وسائل الإعلام الغربية تستهدف المرأة المسلمة بصفة عامة، والمرأة السعودية بصفة خاصة !
ـ يأبى الله إلا أن يقيض للإسلام رجالاً – اصطنعهم الله لنفسه – فَيَجُبّوا ما صنعه الإعلام الغربي، وينفوا عن البلد الإسلامي ما نفثه الإعلام الصهيوني.
ـ إن قارورة الصَّبغ لا تصبغ البحر، ونفخات البشر لا تحرك القمر، ومهما نفخوا في أبواق (إعلامهم) فإن الدائرة عليهم! وإن نَبْأةَ الحق لابد أن تُسمع ! وإن منهج الله لابد أن يعود، ويسود، ويقود.
محمـد مُسـعد ياقوت



 
الفصل الأول
خلفية تاريخية

المبحث الأول : الإعلام الفرعوني

أسلوب محاربة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام؛ أسلوب قديم جدًا، أشار القرآن إلى نماذج منها؛ ولا سيما أنموذج فرعون في حربه الإعلامية ضد دعوة موسى ـ عليه السلام ـ، ذلك أن فرعون كان يرسل المؤذنين في المدائن يحذرون الناسَ من اتباع موسى ـ عليه السلام ـ ، بل كان يستخدم أسلوب الكذب الإعلامي، بتدليس الحقائق واتهام موسى بما ليس فيه، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان فرعون : {... إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ }غافر26

بل بث الفراعنةُ في نفوس الشعب المصري شعورَ التشائم من موسى ومن معه، كلما حلت بالبلاد مصيبةٌ، فزعموا أن موسى والمؤمنين؛ هم سببُ الأزمات، {فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }الأعراف131

وشرَع فرعونُ في بناء صرح إعلامي كبير؛ ليعلوه، وليثْبت للناس ـ بزعمه ـ كذب دعاوى موسى ـ عليه السلام ـ :
{وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ }القصص38
صرحًا عاليًا يراه القاصي والداني؛ وليقول الجميع : إن الملك قد ارتقى هذا الصرح ولم ير الإله الذي يتحدث عنه موسى .

دومًا كان فرعون يجمع الناس في الميادين؛ يخطب فيهم، يدلس، يكذب، يزور، يتهكم، يَقلبُ الحقائق ... اقرأ هذه الآية بعناية :
{فَحَشَرَ فَنَادَى }النازعات23
إنها آيةٌ من لفظتين ، الحشر والنداء؛ أي أسلوب الحشر والحشد، وأسلوب النداء والترديد وكلتاهما من أهم الأساليب الإعلامية .

{وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ } الزخرف51
وهي آيةٌ ـ أخرى ـ تشي بجو الصخب الإعلامي الذي يدور في فلك فرعون، جو الاستعلاء، والاستكبار، والعلو، والعتو، والشخصنة، والعجرفة... حينما تكون الترسانة الإعلامية في يد الباطل، بينما الحق لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلةً قويةً تساعده في نشر رسالته، اللهم إلا الدعوة الفردية ـ سنةُ الأنبياء والدعاة في كل زمان .

ومارس أيضًا أسلوب المباريات الإعلامية، ولم ينس أيضًا أن يحشد الجماهير والغواغاء على موعد إعلامي ومكان إعلامي :
{قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى }طه59
وقبلُ قد أرسل الفرعونُ ـ لعنه الله ـ مبعوثيه إلى المدن والقرى والنجوع في جميع أنحاء مصر، وذلك لجَمع السحرة على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم، فجاءوا بالساحر العادي ، و " السَّحار " الماهر الخبير بالسحر، وكان موعدُ المبارة يومَ الزينة، وقد حُشر المصريون من كل حدب وصوب، وانشغل الإعلام الفرعوني بقضية الساعةِ، تلك المبارةُ المرتقبةُ بين موسى والسحرة، والجماهيرُ المتفرجةُ الساذجةُ ترى أنها مبارةٌ بين موسى الذي يمثل فريق المستضعفين من بني إسرائيل، وبين السحرةِ المصريين أصحابِ العرضِ والملك، وكان لسان حال الإعلام الفرعوني كما وصف القرآن: {وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ . لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ }الشعراء، 39، 40

وأساء فرعون ـ لعنه الله ـ إلى شخص النبي الكريم موسى ـ عليه السلام ـ، فاستهزأ من لسان موسى، وطريقته في الكلام، وزعم أنه عييٌ لا يكاد يتكلم كلمةً واضحة :
{أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ }الزخرف52

بل سَخِرَ من زي موسى ومظهره، فسخر من كون موسى لا يتحلى بالأساور والحلي الذهبية كما كان الفراعنة ـ قبحهم الله ـ يفعلون :
{فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ }الزخرف53

{فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ }الزخرف54
قال سيد قطب : "واستخفاف الطغاة للجماهير أمر لا غرابة فيه؛ فهم يعزلون الجماهير أولاً عن كل سبل المعرفة ، ويحجبون عنهم الحقائق حتى ينسوها ، ولا يعودوا يبحثون عنها؛ ويلقون في روعهم ما يشاءون من المؤثرات حتى تنطبع نفوسهم بهذه المؤثرات المصطنعة . ومن ثم يسهل استخفافهم بعد ذلك ، ويلين قيادهم ، فيذهبون بهم ذات اليمين وذات الشمال مطمئنين"!

ولما أفرط الفرعون في استخدام السلاح الإعلامي بهذه الصورة الخسيسة ضد موسى ـ عليه السلام ـ؛ كان العقاب من جنس العمل؛ إعلاميًا أيضًا، حيث أغرق اللهُ فرعونَ، وأخرج بدنه من البحر، ثم، جسدًا محنطًا، وآيةً خالدة في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة:
{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ }يونس92

العجيب أيضًا أن تمثال فرعون موجودٌ حاليًا في أكبر ميادين مصر، وأجمل ما في الأمر أنك لو سألت طفلاً أو شيخًا يمر في الميدان، لمن هذا التمثال؟ لأجابك على التو : هذا الفرعون الملعون !
{فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ } الزخرف : 56

ولم يكن العقاب الإعلامي مقصورًا عليه في الدنيا فحسب، بل فى الآخرة أيضًا،إذ {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ }هود98
ومن مات على شيء بُعث عليه .
هذا مات يحاربُ الإسلام بالإعلام؛ فقتله اللهُ قتلةً إعلاميةً، وبعثه ـ يوم القيامة ـ بعثةً إعلامية .


 


المبحث الثاني : الإعلام القُرشي
أسلوب محاربة الإسلام باستخدام وسائل الإعلام استخدمته قريشٌ مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن طريق بذل العطايا لشعراء الجاهلية لتشويه صورة الإسلام، إضافة إلى تكثيف السخرية والتكذيب والتسفيه، وبث الشائعات التي تهدف إلى تشويه صورة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
كانوا يبثون الخطباء الفصحاء ـ أمثال سهيل بن عمرو ـ في جموع الحجيج يخطبون فيهم ويحرضونهم ضد الإسلام.

كانوا يتلقفون كبراء القبائل بسبل الطرق قبل قدومهم الحرمَ؛ فيبذلون لهم صور المعروف؛ يغسلون أدمغتهم، ويشحنونهم بأفكار عدائية ضد الدين الجديد.

أرسلوا النضر بن الحارث إلى فارس ليتعلم من أخبار الفرس وقصصهم وحِكَمهم، على طريقة إرسال البعثات العلمية، ليرجع النضرُ مُسلحًا بنفس السلاح الذي يحاربهم به محمدٌ بزعمهم، وهو سلاح الأساطير، فكان النضرُ يعقد مجلسه إلى جوار مجلس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وذلك للتشويش على دعوة الإسلام، وصد الناس عن سبيل الله تعالى .

وبعد أن يجلس النضرُ ويقص على الناس من قصص رُسْتم واسفنديار وغيرهم من ملوك فارس يقول : " بالله، أيهما أحسن قصصًا؟ أنا أو محمد؟ "
كان النضر يقول : { قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَـذَا إِنْ هَـذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ }الأنفال3، وكان يقول : أقص خيرًا من قصص محمد، ، فنزلت: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} يوسف:3.

وكان النضر بن الحارث رجلاً إعلاميًا لبقًا لسِنًا، ناظرَ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غير ما موضع، ومثال ذلك عندما تناظرا في قول الله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ }الأنبياء98، والقصة مشهورة في كتب التفاسير.

واستخدم مشركو قريش أسلوب الترديد والتكرار لكذِبة واحدة، يتكلم بها الجميع، حتى يصدقها الناسُ، وفق نظرية : "اكذبْ، اكذب، اكذب، حتى يصدقك الناس"، فقد اجتمع نفرٌ من قريش حول الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وكان أكبرهم سنًا، وَقَدْ حَضَرَ موسم الحج، فَقَالَ لَهُمْ : يا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّهُ قَدْ حَضَرَ هَذَا الْمَوْسِمُ [ يعني موسم الحج ] وَإِنّ وُفُودَ الْعَرَبِ سَتَقْدَمُ عَلَيْكُمْ فِيهِ، وَقَدْ سَمِعُوا بِأَمْرِ صَاحِبِكُمْ هَذَا ، فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا، ولا تَخْتَلِفُوا، فَيُكَذّبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وَيَرُدّ قَوْلُكُمْ بَعْضُهُ بَعْضًا ؛ قَالُوا : فَأَنْتَ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ، فَقُلْ وَأَقِمْ لَنَا رَأْيًا نَقُولُ بِهِ . قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ فَقُولُوا أَسْمَعْ .
قَالُوا : نَقُولُ كَاهِنٌ .
قَالَ : لا وَاَللّهِ مَا هُوَ بِكَاهِنِ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْكُهّانَ، فَمَا هُوَ بِزَمْزَمَةِ الْكَاهِنِ، ولاسَجْعِهِ.
قَالُوا : فَنَقُولُ مَجْنُونٌ .
قَالَ : مَا هُوَ بِمَجْنُونِ، لَقَدْ رَأَيْنَا الْجُنُونَ وَعَرَفْنَاهُ، فَمَا هُوَ بِخَنْقِهِ، وَلا تَخَالُجِهِ وَلا وَسْوَسَتِهِ.
قَالُوا : فَنَقُولُ شَاعِرٌ.
قَالَ: مَا هُوَ بِشَاعِرِ، لَقَدْ عَرَفْنَا الشّعْرَ كُلّهُ : رَجَزَهُ وَهَزَجَهُ، وَقَرِيضَهُ، وَمَقْبُوضَهُ وَمَبْسُوطَهُ، فَمَا هُوَ بِالشّعْرِ .
قَالُوا : فَنَقُولُ سَاحِرٌ .
قَالَ : مَا هُوَ بِسَاحِرِ، لَقَدْ رَأَيْنَا السّحّارَ وَسِحْرَهُمْ، فَمَا هُوَ بِنَفْثِهِمْ، ولا عَقْدِهِمْ. قَالُوا : فَمَا نَقُولُ يَا أَبَا عَبْدِ شَمْسٍ ؟
قَالَ : وَاَللّهِ إنّ لِقَوْلِهِ لَحَلاوَةً ، وَإِنّ أَصْلَهُ لَعَذِقٌ، وَإِنّ فَرْعَهُ لَجُنَاةٌ، وَمَا أَنْتُمْ بِقَائِلِينَ مِنْ هَذَا شَيْئًا؛ إلا عُرِفَ أَنّهُ بَاطِلٌ، وَإِنّ أَقْرَبَ الْقَوْلِ فِيهِ لأنْ تَقُولُوا سَاحِرٌ جَاءَ بِقَوْلٍ هُوَ سِحْرٌ؛ يُفَرّقُ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَأَبِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَأَخِيهِ، وَبَيْنَ الْمَرْءِ وَعَشِيرَتِهِ .
فَتُفَرّقُوا عَنْهُ بِذَلِكَ، فَجَعَلُوا يَجْلِسُونَ بِسُبُلِ النّاسِ حِينَ قَدِمُوا الْمَوْسِمَ؛ لا يَمُرّ بِهِمْ أَحَدٌ إلا حَذّرُوهُ إيّاهُ، وَذَكَرُوا لَهُمْ أَمْرَهُ .

وَأَنْزَلَ اللّهُ ـ تَعَالَى ـ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ :
" إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ (26) .." [ المدثر].

تفكير بعد تفكير، تقدير بعد تقدير، نظر بعد نظر .. هذه الآيات تبين لك ضخامة الجهد الإعلامي الذي بذلوه لنشر أراجيفهم حول الإسلام !

وهكذا نرى اجتماعَ أبواقِ الباطل على فِرية معينة تلوكها الألسنة، وتجتمع حولها الآراءُ، وينطق بها الجميع من هنا وهناك .
تأمل ذلك في قول هذا الرجل الداهية : " فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا، ولا تَخْتَلِفُوا، فَيُكَذّبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا " .
وقارنْ وتدبرْ كيف اتحدت قوى الشر في المشرق والمغرب على مصطلح واحد ـ هو مصطلح الإرهاب ـ تصفُ به المسلمين على اختلاف مذاهبهم .
فترى أمريكا تقول : نحن نحارب الإرهاب، وترى الكيان الصهيوني يقول : نحن نحارب الإرهاب، وترى بعض الأنظمة العربية تقول : نحن نحارب الإرهاب. وتردد البَبْغَاوَاتُ من خلفهم : نحن نحارب الإرهاب، نحارب الإرهاب، الإرهاب. إرهاب، إرهاب، إرهاب !!

حتى ترى كثيرًا من الكتاب والمثقفين والفنانين العرب يرددون ذلك كصدى الصوتِ الذي يجيب صوت المُنادي، وأكثرهم لا يفقهون أن مصطلح الإرهاب يقصد به المسلمون عامة، والحركيون خاصة، والجهاديون على وجه الأخص . ومسألة القضاء عليهم جميعًا مسألة أولويات؛ فالأولى القضاء على المقاتلين، ثم الحركيين، ثم عامة المسلمين.

وهكذا اتفقت قوى الشر على حملة التضليل؛ فقعدوا بسبل الناس، واعتلوا منابر الإعلام المختلفة، وشرعوا في بث دعاية الكذب والبهتان لصد الناس عن الداعية، لا يَمُرّ بِهِمْ أَحَدٌ إلا حَذّرُوهُ إيّاهُ، ولا تمر بهم فرصة إلا انتهزوها في نفث سمومهم.

عجبًا لهؤلاء المبطلين يبذلون جهدًا كبيرًا في انتاج الشائعات، وقد رأيتَ كيف دخلوا على أسن رجل في قريش وبحثوا أنسب الشائعات، ففَكَّرَ وَقَدَّرَ، ثم فكر وقَدَّرَ، ثم فكر قَدَّرَ ، وكل ذلك للوصول إلى فرية محكمة، ثم نظر وتأمل؛ فالأمر جد صعب مع صاحب الخلق العظيم، ثم عبس؛ فهم يواجهون دعوة صادقة، ثم بسر؛ فقد أعيتهم الحيل، ثم رجعوا إلى أنسب الحلول المقترحة على فسادها، ومع علمهم بفسالتها وهشاشتها، فقالوا : إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ . إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ . المهم أن تتفق الكلمة على مصلطح محدد.


 

الفصل الثاني
إساءات الإعلام الغربي

المبحث الأول : من وراء الإعلام الغربي ؟
ينبغي قبل الحديث عن صور الإساءات الغربية للإسلام أن نعلمَ جيدًا أن القوى الماسونية والصيهونية لها حصة الأسد في إدارة رحى الطاحونة الإعلامية الغربية، بل قُلْ إن شئت : إن اليهود هم ملوك الإعلام الغربي.. ولا غرو؛ فاليهود أينما حلو في بقعة من بقاع الأرض ـ دومًا تراهم في سعي حثيث للإمساك بزمام الاقتصاد والإعلام .. فهم ملوك المال والبنوك في أوربا وأمريكا ـ والتفصيل في هذه المسألة ليس ههنا ـ ، وهم ملوك هوليود، والقنوات والمحطات الفضائية الكبرى ..
وصدق الله إذ يقول فيهم : { وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً }الإسراء6، فجمع لهم القوة الاقتصادية ـ كما في قوله"َأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ" ـ، والقوة الإعلامية ـ كما في قوله :" وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً "، أكثر أنصارًا، والنفير هنا بمعنى البوق الإعلامي الذي يلتف حوله الأشياع ـ.
جاء في البروتوكل الثاني "بروتوكولات حكماء صهيون" :
" من خلال الصحافة اكتسبنا نفوذنًا، وبقينا نحن وراء الستار ، وبفضل الصحافة كدَّسنا الذهب.."

نجح اليهود في تطبيق هذه التعاليم، وهم بالفعل يملكون الآن أعنَّةَ الإعلام الغربي بشكل فعلي، ولقد أدلى الممثل الأمريكي " مارلون براندوا"بتصريح شهير في حوار له في برنامج (لاري كينج شو) الأمريكي، قال فيه :"اليهود يحكمون هوليود، بل إنهم يملكونها فعلاً!".

ولو ترصدتَ بعضَ أسماء المشاهيرِ في هوليود، لوجدتَ أن اليهود هم أصحاب القدح المعلى، والسيف المحلى في صناعة الأفلام الغربية، ومن تلك الأسماء :
مايكل دوجلاس ـ ديفيد دشوفني ـ آلان وودي ـ كريستال بيري ـ مارك فرانكل ـ جيف جولدبلوم ـ ريتشارد جير ـ روبين ويليامز ـ هاريسون فورد ـ مارك فرانكل ـ آري مايرز ـ بول نيومان ـ ليوناردو نيموي ـ ماندي بتينكين ـ إليزابيث تايلور ( صاحبة فيلم كيلوبترا وهي صيهوينة متطرفة مع ذلك تعتبرها الكثيرات من فنانات العرب قدوة ومثل أعلى لهن ) ـ مايكل ريتشاردز ـ ستيفين سبيلبيرج ـ جيري لويس ـ جون إستيوارد ـ باربرا سترايسند ـ بروس ويلز ـ سكوت وولف ـ هنري وينكلر ـ دوستين هوفمان ـ كيفين كوستنر ـ بولا برينتيز ـ روبرت ريدفورد ـ جون بانر ـ روبرت دينيرو ـ مارت فيلدمان ـ شون ولاس ـ ديفيد شتاينبرج ـ جوي أدامز ـ مايكل ليمبيرك ـ كين أولين ـ بول نيومان ـ بيتر فولك ـ ريتشارد بينجامين ... والقائمة طويلة...

 




الجدول التالي يوضّح بعض الشركات والمحطّات اليهوديّة في هوليود:




Cbs TV ويرأسها اليهودي لاري تيش والذي قام بشراء أغلب أسهم هذه المحطة، وبعدها أصبح كل العاملين بهذه المحطة من اليهود!
ABC و يملكها تيد هيرببرت، ليوناردو جولدنسن، ستو بولمبرج وهم جميعا يهود.
NBC و يملكها ليونارد جروسمان، إيرفين سيجليشتين، براندن تاتريكوف وهم جميعا من اليهود‍‍.
Disney ويرأسها مايكل آيسنر، مايكل أوتفيز وكاراتي شامب وجميعهم من اليهود.
Sony Corp. شركة سوني للإنتاج الفني في أمريكا يرأسها جون بيترز، بيتر جربر وهم من اليهود.
Columbia Pictures إشتراها جون بيترز، وبيتر جربر والذين يسيطرون على شركة سوني، ويرأسها بيتر كاوفمان وهو يهودي.
Tri-Star حدث لها ما حدث لشركة كولومبيا، حيث قام هذان اليهوديان بشرائها لتكوين إمبراطورية إعلامية كبيرة في هوليود.
MGM ويملكها أسره ماير اليهودية، ويرأسها كيرك كوركوريان، فرانك مانشو، ألان لاد وهم من اليهود.
MCA ويملكها ويرأسها لو ويسرمان وهو يهودي.
Universal Pictures ويملكها ويتحكم فيها اليهود بنسبة 100 %، ويملكها أيضا لو ويسرمان، ويرأسها سيدني شاينبرج وتوماس بولاك وهم من اليهود.
Fox TV يملكها اليهودي باري ديلر.
20th Century Fox ويرأسها اليهودي بيتر شيرنين.
Paramount Comm ويرأسها مارتن دافيز وهو يهودي.

 

المبحث الثاني : صور من الإساءات

ـ صدور كتاب "نبي الخراب":
صدور كتاب باسم "نبي الخراب" Prophet Of Doom – بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 - للمؤلف كريك ونن Craig Winn الذي وصف النبي – صلى الله عليه وسلم - بقاطع طريق استعمل - حسب زعمه – العنف والغدر للوصول إلى الحكم والسلطة، وكان أيضًا حسب زعم المؤلف شاذًا جنسًيا !
والكتاب له موقع على الشبكة العنكبوتية، ومعروف، ويمكن مطالعة نسخة مجانية من الكتاب على صفحات هذا الموقع .

ـ رسوم كاريكاتيرية :
أعلنت صحيفة (يولاندس بوستن) ، في سبتمبر 2005عن مسابقة في الكاريكاتير، وتم اختيار اثنى عشر كاريكاتيراً كلها تسيء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ، وتصدر إحداها رسماً مزعوماً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يضع على رأسه عمامة على شكل قنبلة. والجريدة أصرت على النشر، ورفضت الاعتذار.
ثم أعادت نشر هذه الرسوم عدة صحف أوروبية بدعوى التضامن مع الصحيفة الدنماركية، ورفضت جميع هذه الصحف الاعتذار عن تلك الرسوم المسيئة، تحت زعم حرية التعبير، كما رفضت الحكومة الدنماركية الاعتذار أيضًا .

ونشرت صحيفة "نيريكيس أليهاندا" -وهي صحيفة سويدية محلية تصدر في أوريبرو- رسومات مسيئة تصور الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم -في أشكال مهينة بعددها الصادر الأحد 26 أغسطس 2007؛ ما أثار موجة احتجاجات محلية من جانب الأقلية الإسلامية في السويد.

ـ كتيبات مسيئة:
قامت شركة دار نشر القمر CRESCENT MOON PUBLISHING، الأمريكية، بنشر كتيب كاريكاتيري، اسمه : "محمد صدق و إلا" ، لحساب رسام استعمل اسمًا مستعارًا وهو "عبدالله عزيز" ، والكتيب عبارة عن 26 صفحة، يتناول السُّنة النبوية بشكل مهين جدًا، بهدف إقناع السود الأمريكين بعدم التحول إلى الإسلام.

ـ تصريحات همجية :
أدلى مارتين هنريكسن النائب عن حزب الشعب الدانمركي، بتصريح نشرته صحيفة "بيرلنسكة يتذته" وبثه "هنريكسن" على موقعه الإلكتروني، والذي قال فيه : "إن الإسلام منذ بداياته كان عبارة عن شبكة إرهابية"، ووصف المسلمين المنحدرين من جذور دانمركية بأنهم أناس "ساقطون أخلاقياً، إلى مستوى يصعب وصفه، وانهم يخونون جذورهم وإرثهم الحضاري باعتناقهم الإسلام"، وأكد "هنيكسن" أنه لن يتراجع عن هذه التصريحات، ولم يكن هنريكسن الوحيد الذي وصف المسلمين بهذه الأوصاف البذيئة بل سبقته بها نائبةٌ من نفس الحزب تدعى "لويسة فيفرش" التي وصفت المسلمين بأنهم" غدة سرطانية" .

ـ تصريحات بابا الفاتيكان :
تطرق البابا بنديكتوس السادس عشر خلال محاضرة الشهيرة المثيرة للجدل في جامعة "ريغينسبورغ" جنوب المانيا – في سبتمبر 2006 - عن العلاقة بين العقل والعنف في الإسلام، واستشهد بهذه المناسبة بكتاب للإمبراطور البيزنطي مانويل الثاني (1350-1425)م، ونقل عنه عبارة تقول :" أرني شيئًا جديدًا أتى به محمدٌ، فلن تجد إلا ما هو شرير ولا إنساني، مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف" .. !!
وقال البابا – في نفس المحاضرة - إنّ العقيدة المسيحية تقوم على المنطق لكن العقيدة في الإسلام تقوم على أساس أن إرادة الله لا تخضع لمحاكمة العقل أو المنطق. كما انتقد فريضة الجهاد في الإسلام بلغة مبطنة.

ـ دعوات بنسف مكة والمدينة ومصادرة المصاحف :
ومن ذلك أيضًا؛ تلك التصريحات المسيئة التي أطلقها نائبا الكونجرس الأمريكي والبرلمان الهولندي حول الإسلام (في أغسطس 2007)؛ حيث طالب "توم تانكريدو " - النائب الجمهوري بالكونجرس - بنسف مدينتَي مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ باعتبارهما مَعقِلَي الإرهاب، أما عضو البرلمان الهولندي" غيرت فيلدرز " فقد دعا إلى منع المصحف الشريف وقراءة القرآن حتي في منازل المسلمين، واصفًا القرآن الكريم بالكتاب اللعين. ودعا "فيلدرز" إلي منع إدخال القرآن إلي المساجد في هولندا ولمنع بيعه في مكتبات هولندا.
ـ فيلم "فتنة ":
بعد سيل السباب الذي أجراه " فيلدرز"، وكثرة تصريحاته المسيئة للمسلمين عامة ولمسلمي هولندا خاصة، خرج على العالم في إساءة جديدة، ولكن نحت هذه المرة المنحى العملي، فقام في 27 آذار 2008 بإنتاج فيلم "فتنة، وهو فيلم يهدف إلى تشويه صورة القرآن، وتخويف أوربا من خطر انتشار المصاحف بين شعوب الاتحاد الأوربي .. وقصة الفيلم غنية عن التعريف.

 

ـ مذيع مشهور يسب الأمة الإسلامية :
شبّه مذيعٌ أمريكي بارز المسلمين بالـ"الصراصير" ، لأنهم يصومون في نهار رمضان، ويأكلون في الليل. ففي برنامجه الإذاعي الذي يُبثّ في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، انتقد "نيل بورتز" طلب عدد من المستشفيات الحكومية في اسكتلندا العاملين بها بتناول الطعام بعيداً عن المكاتب خلال شهر رمضان، حفاظاً علي مشاعر زملائهم المسلمين الصائمين، معتبراً أن هذا دليل علي ما أسماه أسلمة غرب أوروبا .

تقول جريدة الراية القطرية (في عدد 17/8/2007) : وليست هذه المرة الأولي التي يهاجم فيها "بورتز " المسلمين، حتي صار معروفاً بتصريحاته المعادية لهم. ففي أكتوبر 2006وصف الإسلام أنه فيروس مميت، ينتشر في جميع أنحاء أوروبا والعالم الغربي . مضيفاً: سوف ننتظر طويلاً جداّ حتي نطوّر لقاحاً لنكافحه به . وبحسب نص التصريحات قال "بورتز" أعتقد أن المسلمين لا يأكلون أثناء النهار في رمضان. إنهم يصومون خلال النهار ويأكلون بالليل. إنهم نوع من الصراصير.

هذا، وقلما تخلو حلقة من حلقاته، من تلميح أو تصريح يتعرض فيه المذيع لمشاعر المسلمين بالإيذاء.

 

الفصل الثالث
أسباب الإساءات الإعلامية
ها قد علمنا مرجعية القائمين على وسائل الإعلام، وبالإحرى صفة الذين تولوا كبرهم في حملات الإساءة للإسلام .
وههنا يأتي السؤال الذي يفرض نفسه، لماذا يُسيئون ؟
الإجابة : لأربعة أسباب أساسية ـ حسب زعمنا ـ :
السبب الأول : العداء التاريخي بين الإسلام واليهود
السبب الثاني : الخوف من أسلمة أوروبا
السبب الثالث : العمل على تجفيف المنابع الإسلامية
السبب الرابع : مساندة الأنشطة التنصيرية

السبب الأول : العداء التاريخي :
حسبك أن الله ـ تعالى ـ قال في ذلك :
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ} المائدة82
والحق أن اليهود لا يكرهون المسلمين فحسب، بل ويكرهون غيرهم من البشر، بل يعتبرون غيرهم من بني البشر ـ كما في المصطلح الصهيوني ـ : " جُويم "، ومعناه : كلابًا وخدمًا، أو حيوانات حقيرة ليس لها حقوقًا، وفي ذلك يقول الله تعالى : {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }آل عمران75
فهم يرون أن سرقة بني الإنسان – من غير اليهود – جائزٌ ، وقتل بني الإنسان – من غير اليهود - حلالٌ، وهتك عرض بني الإنسان – من غير اليهود- مشروعٌ..
قال الله تعالى :
" وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً" [ النساء : 160، 161]
وقال :
"وَتَرَى كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ " [ المائدة: 62].

واليهود لا ينسون أعداءهم، ولا ينسون تاريخهم . أنت ترهم قد جعلوا من أساطير المحرقة النازية؛ لطيميات وبكائيات .

ترى التربية اليهودية في مؤسسات التعليم الإسرائيلية لا تألوا جهدًا في ترسيخ العداء في نفوس الناشئة منهم، وتدريس جرائم المسلمين ـ بزعمهم ـ في حق اليهود من أول يومٍ دخل فيه الإسلامُ يثربَ، وهم يلقنون الأطفالَ منذ نعومة مخالبهم أن إسرائيل من النيل إلى الفرات، وأن يثرب أرض الأجداد، وأن حدود إسرائيل الجنوبية تنتهي بمدينة خيبر في أرض الحجاز .
هذه المؤسسات هي التي تفرخ النخب الإعلامية التي تتحكم في فلك الإعلام العالمي المعاصر، تلك النخب الإعلامية التي ارتضعت لُبان كراهيةِ الإسلام لا جرم أنها ستنقل تلك التعاليم من حَيِّز الدراسة إلى نطاق الواقع العملي .

لقد أبان التاريخ كيف كان موقف اليهود يومَ دخل النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينةَ. فعن أم المؤمنين صَفِيّةَ بِنْتِ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ – زعيم اليهود - أَنّهَا قَالَتْ :
" كُنْت أَحَبّ وَلَدِ أَبِي إلَيْهِ، وَإِلَى عَمّي أَبِي يَاسِرٍ لَمْ أَلْقَهُمَا قَطّ مَعَ وَلَدٍ لَهُمَا إلا أَخَذَانِي دُونَهُ . فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ- صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْمَدِينَةَ ، وَنَزَلَ قُبَاءَ، فِي بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، غَدَا عَلَيْهِ أَبِي، حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ، وَعَمّي أَبُو يَاسِرِ بْنِ أَخْطَبَ ، مُغَلّسَيْنِ . فَلَمْ يَرْجِعَا حَتّى كَانَا مَعَ غُرُوبِ الشّمْسِ . فَأَتَيَا كَالّيْنِ كَسْلانَيْنِ سَاقِطَيْنِ يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى . فَهَشِشْتُ إلَيْهِمَا كَمَا كُنْتُ أَصْنَعُ فَوَاَللّهِ مَا الْتَفَتَ إلَيّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا ، مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمّ . وَسَمِعْت عَمّي أَبَا يَاسِرٍ وَهُوَ يَقُولُ لأبِي حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ :
-أَهُوَ هُوَ ؟
-قَالَ : نَعَمْ وَاَللّهِ !
- قَالَ : أَتَعْرِفُهُ وَتُثْبِتُهُ ؟
- قَالَ :نَعَمْ !
قَالَ : فَمَا فِي نَفْسِك مِنْهُ ؟
قَالَ : عَدَاوَتُهُ وَاَللّهِ مَا بَقِيتُ ( !!!) ".

هذا حوارٌ ترويه أم المؤمنين صفية ـ رضي الله عنها ـ عن حال أبيها وعمها ـ زعيما يهود بني النضير ـ يوم دخل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مهاجرًا ـ وقد استقبله الأنصارُ استقبال الفاتحين .
كان اليهود ـ من قبلُ ـ يتادرسون صفة النبي المنتظر ـ محمد ـ صلى الله عليه وسلم – في كتبهم
يستفتحون باسم خاتم الأنبياء على المشركين في الحروب والنزاعات قائلين :
" تقارب زمان نبي يُبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم "

قال بعض الأنصار معلقًا :
" فلما بعث الله رسوله- صلى الله عليه وسلم - أجبناه حين دعانا إلى الله تعالى، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة :
( وَلَمّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَلَمّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ )

وما منعهم أن يأمنوا إلا حسدًا من عند أنفسهم، وحقدًا، أن جعل اللهُ النبوة في غيرهم :
"وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " [البقرة :109]
"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ " [المائدة59]

وكيف كان حال حيي بن أخطب وأخيه ياسر ـ لما كان اليوم الذي شرَّف رسول الله أرضَ المدينة بطلعته الكريمة ـ لقد كانت صفتهم كما وصفت صفية:
"كَالّيْنِ، كَسْلانَيْنِ، سَاقِطَيْنِ، يَمْشِيَانِ الْهُوَيْنَى ...مَعَ مَا بِهِمَا مِنْ الْغَمّ "
وي ! لقد أصابهم التعب النفسي والكسل والنصب والهم والغم ! لمجرد أن تبينت لها الحقيقة :
أن خاتم الأنبياء ليس منهم ..
هذه وحدها كفيلة أن تلهب نفوسهم بالغل، فضلاً عن الدغل والنَّغَل والحسد الذي يزداد في قلوبهم المريضة يومًا بعد يوم؛ على المسلمين عامة وعلى رسول الله خاصة .

ولِـمَ لا يـتآمرون على محمد العربي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقد تآمروا على أنبياء بني إسرائيل، وآذوا شيخ أنبياء بني إسرائيل موسى ـ عليه السلام ـ وكادوا يقتلون هارون ؟
قال الله ـ سبحانه ـ على لسان هارون ـ عليه السلام ـ :
" قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " الأعراف150

بل قتلوا طائفة من الأنبياء الإسرائليين أمثال " يحيى " – عليه السلام – وقدموا رأسه هدية إلى إحدى البغايا !
وشقوا "زكريا" بالمنشار نصفين ..
فكيف سيكون حال تلك النفوس الشريرة مع " محمد " – صلى الله عليه والسلام – ذلك النبي العربي الأُمي الذي لا ينتسب إلى اليهود ؟ !

لا جرم أن الحقد سيكون أغور، والعداء أشد، والحسد أكبر ، على هذه النعمة العظيمة التي اختص بها رب العالمين العربَ، أن جعل منهم خاتم الأنبياء، وقد كانت النبوة فيما مضى في بني إسرائيل ردحًا من الزمن حتى خانوا وبغوا :
"مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ "[البقرة:105]
"بِئْسَمَا اشْتَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُواْ بِمَا أنَزَلَ اللّهُ بَغْياً أَن يُنَزِّلُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ"[البقرة:90].

وقد صدق فيهم قول رسول الله – صلى الله عليه وسلم - :
" إن اليهود قوم حُسَّد" .
ولقد بلغ من حسدهم أنهم يحسدون المسلمين على بعض الشعائر– كما قال المصطفى – صلى الله عليه وسلم - :
" إن اليهود ليحسدونكم على السلام و التأمين "
وقال فيهم الحبر العلامُة عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – وقد كان أحد علماء اليهود فأسلم - :
" يا رسول الله ! إن اليهود قوم بهت" .

لذا قرر اللهُ ـ تعالى ـ أن اليهود لن يرضوا أبدًا عن المسلمين، ما بلّ بَحْرٌ صوفةً، وسَرَى نجمٌ وهبّت ريح، قال تعالى :
"وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ " [البقرة:120]

قال الطبرى :
"وليست اليهود، يا محمد، ولا النصارى براضية عنك أبدا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق، فإن الذي تدعوهم إليه من ذلك لهو السبيل إلى الاجتماع فيه معك على الألفة والدين القيم. ولا سبيل لك إلى إرضائهم باتباع ملتهم، لأن اليهودية ضد النصرانية ، والنصرانية ضد اليهودية ، ولا تجتمع النصرانية واليهودية"


 

نماذج من حروب اليهود على المسلمين في المدينة :
1ـ الإيقاع بين الأوس والخزرج :
مَرّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ اليهودي ـ وكان شيخًا من شيوخ اليهود وكبرائهم، عظيم الكفر، شديد الضَّغَنِ عَلَى المسلمين، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ ـ عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ ـ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ . فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ يَتَحَدّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ وَصَلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ الّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيّةِ . فَقَالَ : " قَدْ اجْتَمَعَ مَلأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلادِ ! لا وَاَللّهِ، مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَ مَلَؤُهُمْ بِهَا مِنْ قَرَارٍ ! ".

فَأَمَرَ فَتًى شَابّا مِنْ يَهُودَ كَانَ مَعَهُمْ فَقَالَ: " اعْمِدْ إلَيْهِمْ فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ وَمَا كَانَ قَبْلَهُ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَانُوا تَقَاوَلُوا فِيهِ مِنْ الأشْعَارِ".فَفَعَلَ . فَتَكَلّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا، وَتَفَاخَرُوا، وتنابذوا، حَتّى تَوَاثَبَ رَجُلانِ مِنْ الْحَيّيْنِ عَلَى الرّكْبِ، فَتَقَاوَلا، ثُمّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً ! فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا ، وَقَالُوا : قَدْ فَعَلْنَا !

وتواعدوا على أن يلتقوا في يومهم ذاك بـموضع (الحَرَّة) واندفعوا في دروب المدينة يتداعون إلى الحرب وهم يتصايحون: السلاح السلاح !!
وَجِمتْ دار الهجرة وهي تسمع صيحة الحرب.
وكادت أن تقوم الحرب الأهلية .
فجاء النبيُ ـ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ـ في جماعة من الْمُهَاجِرِينَ ، فأدرك الأوس والخزرج في الحَرَّة وقد هموا بقتال.
فَقَالَ : " يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ !! اللّهَ اللّهَ !! أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ ؟ !! "

فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ أعدائهم الخونة، وتذكروا ميثاق الوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية الذي أخذه رسول الله عليهم، فَبَكَوْا، وَعَانَقَ الرّجَالُ مِنْ الأوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ، ثُمّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَامِعِينَ مُطِيعِينَ قَدْ أَطْفَأَ اللّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ اليهود.
وصدق الله القائل في اليهود :
" كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ" [المائدة:64]


 


2ـ تضامنهم الإعلامي مع الوثنيين :
ذلك كان واضحًا بعد سرية عبد الله بن جحش [رجب 2هـ - يناير 624]، إذ حدث في هذه السرية أن رجلاً من المسلمين ـ هو واقد بن عبد الله ـ قتل رجلاً من المشركين ـ هو عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ ـ وكان ذلك في شهر حرام، ومعروفٌ أن العرب تعظم الأشهر الحرم، وتمنع فيها القتال، علمًا أن هدف السرية في الأصل هدفٌ استخبراتي، وكان مقتل هذا المشركٌ مخالفًا لأمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما بينت السيرة .

وقد استغلت قريشٌ ما حدث في هذه السرية من قتل في الشهر الحرام استغلالاً بارعًا، فعمدت قريش إلى تشويه صورة الإسلام ونبي الإسلام والمسلمين أمام الرأي العام في الجزيرة العربية .
فقَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ ! وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ! وَأَخَذُوا فِيهِ الأمْوَالَ ! وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ ! فرد المسلمون المستضعفون في مكة دفاعًا عن المسلمين وقالوا : إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ.

وهنا تحالف يهودُ المدينة إعلاميًا مع هذه الحملة المغرضة ضد المسلمين، وقالوا بكلام قريش، وَقَالَتْ يَهُودُ - تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - : عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ؛ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَمْرٌو ، عَمُرَتْ الْحَرْبُ وَالْحَضْرَمِيّ ، حَضَرَتْ الْحَرْبُ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَقَدَتْ الْحَرْبُ . فَجَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لا لَهُمْ .

ونزلت الآيات الكريمات ترد الحملة، وتزبر الظَلَمة :
"يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ " [البقرة:217].

قد بدا واضحًا؛ استغلالَ اليهودِ لكل حدث ألـمَّ بالمسلمين، وترويجه إعلاميًا بشكل يسيء للإسلام .
كلما حدثت أزمة بين المسلمين وغيرهم؛ ترى اليهود ينفثون سمومهم، ويروجون للأباطيل بشكل يؤجج الفتن، ويشعل الحرب، ويفرق الصف.

3ـ إثارة زوبعة إعلامية فور تحويل القبلة :
في ثنايا الضجة الإعلامية التي خلفتها سرية عبد الله بن جحش؛ نزل الأمر من الله تعالى في شعبان سنة 2 هـ / فبراير 624م - بتحويل قبلة المسلمين من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.
ونزلت الآيات التي قال الله منها :
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }البقرة144

استغل اليهودُ هذا الحدث للتشكيك في الإسلام، والسخرية من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإشاعة القلاقل والبلابل في أرجاء الوطن الجديد، وقالوا:".. (مَا وَلاّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا) [البقرة - 142] ، لقد اشتاق الرجل إلى مولده ! ما لهؤلاء تارة يستقبلون كذا وتارة يستقبلون كذا ، ما صرف محمدًا عن قبلته التي كان عليها ؟ إن كانت القِبلةُ الأولى حقًا فقد تركها، وإن كانت الثانية هي الحق فقد كان على باطل ...

يا عجبًا لهؤلاء اليهود؛ لا ينعم لهم جارٌ قط؛ إن تبعهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قبلته؛ قالوا : مُقلد تابع، وإن خالفهم في قبلتهم، قالوا : كاذب !!

... المتأمل لآيات تحويل القبلة؛ وهي ترد شبهات اليهود؛ يتبين له مدى ضراوة الحرب الإعلامية والفكرية التي شنها اليهود على الدعوة الإسلامية !
... حتى إنهم شككوا في صلاة المسلمين القديمة نحو بيت المقدس ، ومن ثم أعلنوا أن المسلمين الذين ماتوا قبل تحويل القبلة دخلوا النار؛ لأنهم صلوا إلى القبلة الفاسدة ـ بزعمهم ـ فيرد الله قائلاً : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَءُوفٌ رّحِيمٌ) [: البقرة -143]


 



السبب الثاني : الخوف من أسلمة أوروبا
الخوفُ قديمٌ :
نحن نعتقد أن الخوف من أسلمة أوروبا بدأ بعد صلح الحديبية [ذو القعدة 6هـ ـ مارس 628 م]، حيث انتقلت الدعوة من المرحلة الإقليمية إلى المرحلة العالمية، حيث بدأ النبيُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرسلُ رسلَه إلى ملوك وزعماء العالم .

لا ريب أن النجاحات التي أحرزتها الدولةُ الإسلامية أقلقت أوربا، ثم تحول هذا القلقُ إلى غضب؛ ترجمته الأحداث في غزوتي : مؤتة [جمادي الأول 8 هـ ـ أغسطس 629]، وتبوك [رجب 9هـ ـ أكتوبر630 م].

كانتا معركتان كبيرتنا بين المسلمين والرومان، وقد كان الدافع الأول للرومان في خوض هذا الصدام مع المسلمين هو الخوف من أسلمة أوربا .

لقد كان الخوف من أسلمة أوربا رعبًا يزداد يومًا بعد يوم في قلوب الرومان حتى قال هرقل ـ أكبر ملوك أوربا ـ لأبي سفيان ـ في معرض الحوار التاريخي الذي دار بينهما حول نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
"فَإِنْ كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا فَسَيَمْلِكُ مَوْضِعَ قَدَمَيَّ هَاتَيْنِ ".
وقد كان . فانتشر الإسلام في أوربا، وبلغ ذروته يومَ فُتحتْ أكبرُ عاصمةٍ أوربية ـ آنذاك ـ، أعني : القسطنطينية .

ثم بدأ العدُ التنازلي للإسلام في أوربا يوم سقطت القسطنطينية !
ثم ها هو الإسلام في طور نهوضٍ جديد، أو بمعنى آخر؛ في طريقه لتحقيق البشارة النبوية الثانية؛ فتح روما !
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، َقَالَ : بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ نَكْتُبُ؛ إِذْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، أَيُّ الْمَدِينَتَيْنِ تُفْتَحُ أَوَّلاً قُسْطَنْطِينِيَّةُ أَوْ رُومِيَّةُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ : "مَدِينَةُ هِرَقْلَ تُفْتَحُ أَوَّلاً " يَعْنِي قُسْطَنْطِينِيَّةَ ..
وقد فُتحت قُسْطَنْطِينِيَّة، وبقيت روما، فظاهر السياق يدلك على أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخبر أصحابه بفتح المدينتين؛ وسؤال الصحابة إنما هو سؤال المستفسر عن أيهما ستخضع للإسلام أولاً .

التحركات الحالية :
ونحن نرى أن الإساءات الغربية تشتد كلما زادت نوبةُ التشنجات الباباوية؛ كرد فعل طبيعي على انتشار الإسلام في أوربا .
أنت تسمع بين الفينة والأخرى صراخًا وعويلاً يحذر من أسلمة أوربا، لو تتبعت الأمر لتبين لك أن الصرخة جاءت كرد فعل مباشر أو غير مباشر على فتحٍ إسلامي جديد؛ كدخول فنان أو كاتب في الإسلام ...

في هولندا، كان أول عمل شعبي أوربي لمناهضة المد الإسلامي، كان ذلك تحت مسمى " حركة أوقفوا الأسلمة " stop islamization وهي حركة تضم حفنة من المتطرفين المعادين للإسلام، بدأوا نشاطهم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومن أبرز أنشطة هذه الحركة؛ أنها دعت إلى تجمع ( جماهيري) وسط العاصمة الهولندية " لاهاي"، يوم الجمعة 11 /9/ 2007، لمساندة المتطرف " فليدرز" صاحب فيلم "فتنة" المسيء للقرآن .
كانت معظم الشعارات التي رفعها أفراد هذه الحركة ـ شعارات معادية للمسلمين؛ محذرة من انتشار الإسلام في أوربا، وكان من ضمن الشعارات المرفوعة : "وقف بناء المساجد"، "وقف أسلمة أوروبا، "رفض الشريعة الإسلامية بأوروبا" .

ثم كان تصريح " جيورج جاينزفاين "في يوليو 2007 ـ وهو السكرتير الخاص للبابا "بنديكتوس السادس عشر" ـ الذي حذر فيه من أسلمة أوربا .
كان هذا التصريح دليلاً عمليًا وعلنيًا على موقف الكنيسة الأوربية من المد الإسلامي، ودليلاً على الخوف الذي استكنه القومُ في أنفسهم فترة من الزمن قبل هذه التصريحات .
قال " جيورج جاينزفاين " بكل قِحة : " يتعين على أوروبا ألا تتجاهل المساعي الرامية الى ادخال القيم الإسلامية في الغرب .. وهو ما يمكن أن يهدد حتى هوية القارة".
قال : "إن الخطر الذي يهدد هوية أوروبا يجب ألا يتم تجاهله بمبررات مثل الاحترام القائم على مفاهيم خاطئة" .

وشاركتْ جهاتٌ أوربية مختلفة في حملات محاربة " أسلمة أوربا "، ورأينا شخصياتٍ بارزةً ومؤسساتٍ كبيرةً بل أحزابًا سياسيةً تولت كبرها في مناهضة المد الإسلامي في أوربا.{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }الصف8

طالبتِ الأحزاب السياسية المنتمية لليمين المتطرف في أوروبا، بوقف بناء مساجد جديدة وبمنع الحجاب، وتجريم من يذبح المواشي على الطريقة الإسلامية.

طرح " فيليب ديونتر " ـ زعيم حزب فلامز بلانج ـ اليميني المتشدد في بلجيكا كتاباً في مدينة " أنتويرب "البلجيكية بعنوان "إن شاء الله" ينتقد فيه المد الإسلامي في أوربا وظاهرة دخول الأوربيين في الإسلام.
يقول : إنه "لا يوجد سوى إسلام واحد يدعو إلى العنصرية والتمييز والقتل، خاصة قتل المرتدين عن الإسلام".
يقول : "المرأة مضطهدة في الإسلام" .
يقول : "الإسلام عقيدة خطيرة" و"القرآن يعطي تصريحاً أو رخصة بالقتل".

ثم حذر الخبيث مما وصفه محاولة "أسلمة أوروبا"، خاصة "أن هناك تزايداً في أعداد المسلمين بالدول الأوروبية سواء من خلال الهجرة التي يجب التصدي لها وبحزم، أو من خلال الزيادات الكبيرة في عدد المواليد بين المسلمين المقيمين في الدول الأوروبية" .
وكل ما قاله " فيليب ديونتر " في كتابه، أهون من ضرطة عير !

ومن قبلُ ( في أوائل عام 2008) تم تأسيس تحالف أوروبي يضم عدداً من المنظمات والأحزاب اليمينية المتشدد، التي تحارب "أسلمة أوروبا".
شهد المؤتمر حضوراً إعلامياً بارزاً وخاصة من ألمانيا والنمسا، ويرجع السبب في ذلك ـ والله أعلم ـ إلى مشاركة زعيم اليمين المتشدد في النمسا "هاينز ستراشي" في أعمال المؤتمر، والذي اتفق المشاركون فيه على على المطالبة بمنع بناء المساجد في المدن الأوربية التي قالوا إنها سبب انتشار الأفكار الأصولية بين بعض مسلمي أوروبا !

في هذا المؤتمر قال " فيليب ديونتر " قولته الفَسلة : «لدينا أكثر من 6000 مسجد في أوروبا، وهي ليست دوراً للعبادة فحسب بل رمزاً للتطرف».
"فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ "الأعراف176


 

السبب الثالث : العمل على تجفيف المنابع:
سياسة تجفيف المنابع الإسلامية؛ هي من أصول المذاهب المعاصرة المعادية للإسلام، تلك المذاهب ترى أن السبب في المد الإسلامي هم الأصوليون، والقضاء على هؤلاء الأصوليين يستلزم القضاء على المرجعية التي يتأصلون إليها، أو تجفيف المنابع التي يرِدون عليها، فينبغي إذنْ العمل على زلزلة ثوابت راسية في وجدان المسلمين؛ كالطعن في القرآن، وإنكار حجية السنة، وفصل الدين عن الدولة، وتزوير التاريخ، والترويج لنموذج (الإسلام الحداثي/ الأمريكاني)، ومحاربة حجاب المرأة، ومحاربة الاقتصاد الإسلامي، وهلمَّ جرَّا ، وهلم جرجرة...

ظهر مصطلح " تجفيف المنابع " على الساحة السياسية في عشرينيات القرن العشرين، وكانت خطة تجفيف المنابع تسير على قدم وساق في دول الاتحاد السوفيتي، نظرًا للوجود الإسلامي التاريخي في آسيا الوسطى وبلاد القوقاز، كان هذا يجري ـ دون أدنى شك ـ للخوف من عودة المجد الإسلامي في تلك المنطقة خاصةً في ظل وجود مدن إسلامية عريقة كسرمقند، وبخارى، وطشقند، وغيرها.

كان أشهر المنظرين لفكرة تجفيف المنابع؛ ( المفكر) الشيوعي "سلطان غالييف" ـ وهو من أصل إسلامي ـ ، وكان من أعلام مفكري الحزب الشيوعي، كان إذاك رئيس تحرير مجلة " القوميات الموسكوفية". يعتبره البعضُ اليدَ اليمنى للزعيم الشيوعي " ستالين" .

رسم " سلطان غالييف " سياسة النفس الطويل للقضاء على الإسلام، وأشار إلى الخطوط العريضة في سياسته تلك في مقال نشره في مجلة (جيزن) عام 1920م، ومن ملامح هذه السياسة وجوب " إبعاد المسلمين عن دينهم بمراحل تدريجية لا تثير صداماً أو مقاومة قد تتخذ شكل حرب وطنية وفوق ذلك كان على الدولة الشيوعية أن تبعد عن نفسها ظن المسلمين، وهي تشن حرباً على الإسلام أنها إنما تفعل ذلك استمراراً للحملة التي شنها عليهم المبشرون المسيحيون في القرن التاسع عشر... ".

يقول أحمد بن محمد العيسى : " ويمكن للقارئ هنا أن يتوقف برهة، ويستحضر السياسات الغربية الحالية في البلاد العربية، التي تسعى بشتى الوسائل كي تبعد ظن المسلمين في أن سياساتها الحالية ما هي إلا امتداد للحروب الصليبية في القرون الوسطى والاستعمار الغربي في القرون الحديثة. وهذا يشمل بطبيعة الحال دور المبشرين بالنصرانية الذين وجدوا في المهن التي يحتاجها المسلمون مثل الطب والهندسة وغيرها، فرصة لمتابعة عملهم التبشيري دون اهتمام كبير من المسلمين".

لذا ارتأت العقلية الشيوعية الهجوم على الإسلام بشكل غير مباشر ـ في بداية الأمر ـ واتخاذ سياسية التجفيف على مهل، ومن ثم شرعت الحكومة الشيوعية الهجوم على هذه الثلاثية :
أولا: الأوقاف التي كانت تضمن القوة الاقتصادية لعلماء الدين.
ثانيا: المحاكم الشرعية التي تمنح الإسلام السيطرة على حياة المسلمين الخاصة. ثالثاً: التعليم الديني الإسلامي، وقد شنت هذه الحملات الثلاث في وقت واحد تقريباً.
وتستمر محاربة هذه الثلاثية بهدوء، ويشتدد الأمرُ رويدًا رويدًا، حتى يتم الإلغاء. قالا صاحبا كتاب : "المسلمون في الاتحاد السوفيتي" : «وفي سنة 1925م عمدت الحكومة إلى تصفية الوقف نهائياً فأصدرت جمهورية (أوزبكستان) في 19 كانون الأول 1925م مرسوماً يقضي بأن تتملك مفوضية الشعب للزراعة كل الأوقاف الكائنة خارج المدن باستثناء البساتين والكروم، وبعد ذلك بقليل صادرت أوقاف المدن وأوقاف المساجد، وفي سنة 1930م قضت حكومة موسكو عملياً ونهائياً على المؤسسات الوقفية الكائنة في طول الاتحاد السوفيتي وعرضه، وذلك بوعدها أن توزع الأرضين على الفلاحين، وهكذا قضي على هذه المؤسسة الإسلامية في بضع سنوات، من غير أن تثير أي مقاومة، ومنذ ذلك الحين حُرم علماء الدين من أسباب رزقهم، كما حُرمت المساجد والمدارس من الوسائل المادية لدوام بقائها "
ثم انتقلت دفة الحربُ بعد ذلك إلى ميدان التشريع الإسلامي والعادات الإسلامية تحت غطاء العلمانية. جاء في نفس الكتاب :
"وبدأت الحملة على العادات الإسلامية وعلى التشريع الإسلامي في الوقت الذي بدأ فيه الكفاح ضد قوة الإسلام الاقتصادية، وقد سهل هذه الحملة كونها جاءت في نطاق العلمانية"
وبدأ الحزب الشيوعي يشن حملات إعلامية بهدف الحط من قدر علماء وفقهاء المسلمين، وكانت الحملات في هذا الصعيد متدرجة على حد قول الكِتاب حيث «كانت الدعاية الرسمية تسعى، في بداية الأمر، إلى الحط من أقدار علماء الدين فقط في نطاق عملهم، وتتهمهم بالجهل، وعدم فهم القرآن وعدم معرفة أحكام الشرع، وبالتالي تتهمهم بأنهم أئمة غير صالحين، ثم تطورت حملة التحقير رويداً رويداً، وصار علماء الدين يُتهمون بعد سنة 1926 م بالرشوة والسرقة والإجرام، وأخيراً بسوء السيرة والخلق، وبعد سنة 1928م، قررت السلطات السوفيتية أن تبدل حملاتها غير المباشرة بحملات مواجهة...."

والمراقب لتوجهات الإعلام الغربي، وتحركات المؤسسات الإعلامية المعادية للإسلام؛ ليتجلى له أن القوى" الصهيونية ـ المسيحية" المعادية للإسلام؛ قد استفادت كل الاستفادة من التجربة الشيوعية في مخطط تجفيف المنابع؛ ولسنا في احتياج للتدليل على ذلك؛ فالناظر إلى ضوء النهار لا حاجة لها أن يتجشم عناءً للنظر إلى أعلى؛ حيث قرص الشمس !

وَمَا انْتِفَاعُ أخي الدّنْيَا بِنَاظِرِهِ ... إذا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الأنْوارُ وَالظُّلَمُ
أُعِيذُها نَظَراتٍ مِنْكَ صادِقَةً ... أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمهُ وَرَمُ

أنت ترى الآن الحملات الغربية على مؤسسات العمل الخيري في العالم الإسلامي، وما حدث لمؤسسة الحرمين الخيرية في المملكة خير دليل .
ترى الحروبَ الإعلامية بين الفينة والأخرى على "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر".
ترى الحرب الضروس على المحاكم الشرعية، فمنها ما أُغلق ومنها ما هو في سبيل الإغلاق؛ ثم شرع القوم في إنشاء ما يسمى محاكم الأسرة، وهي مرحلة ثانوية للوصول إلى النمط الغربي العلماني .
ترى كذلك ما فُعل ويُفعل بالأوقاف الإسلامية التي كانت تمنح المشاريع الخيرية والدعوية والعلمية؛ الاستقلالية الاقتصادية .
كذا حملات التشويه وإثارة الشبهات حول الجماعات والجمعيات الإسلامية، ومحاولة الحط من قدر العلماء والدعاة المؤثرين في كل قُطر .
فعلماء الدين الإسلامي هم المراجع الشرعية التي تمشي بين الناس، فإن سقط هؤلاء العلماء في نظر الناس؛ سقط الدين ـ كنتيجة طبيعة ـ بين الناس .

ومن هنا انطلقت حملات الإساءة والتخويف من الإسلام ونبي الإسلام في أوربا؛ وكان من المتوقع دومًا أن الإساءة لعلماء الدين سوف تَخْلُفُها الإساءةُ لسيد المرسلين.

هنا نقول بكل صراحة: إن حملات الإساءة والتخويف من الإسلام ونبي الإسلام كانت لخدمة مخططات "تجفيف المنابع الإسلامية " الماضية على قدم وساق.


 


السبب الرابع : مساندة الأنشطة التنصيرية :
هذا السبب يكاد يكون بديهيًا، لا يحتاج إلى طويل تفصيل، فالحملات الإعلامية الغربية المعادية للإسلام؛ تصب بشكل أو بآخر في خندق التنصير، وتقوي بالضررورة أنشطةَ التنصير، فالتنصيرَ لا ينشط في مكان إلا إذا صنع المنصرون أرضيةً إعلامية لما يَدْعون له؛ وهذه الأرضيةًُ الإعلامية لا تخلو ـ بالطبع ـ من الإساءة للإسلام والعمل على نشر صورة سلبية عنه، بل إن التنصير لا يستهدف سوى المسلمين؛ ونحن لم نسمع قط أن ثمةَ أنشطة تنصيرية في أوساط عباد البقر أو عباد الحجر، نحن لا نرى التنصير إلا بين ظهراني المسلمين .

نحن نرى أن "الإساءة للإسلام " هي مرحلة من مراحل التنصير . يهدفون بهذه الإساءات تهيئة الذهنية المسلمة لتقبل النصرانية، يقومون بهذه الحملات التي ترنو ـ بزعمهم ـ إلى غسل أدمغة الناس؛ كتفريغ الكوب لملئه بمائع جديد.

أعجبُ ما في الأمر أن الصهيونية تخدم أنشطة التنصير وتؤازرها بشدة؛ وهذا دون شك لأن الكفرَ ملةٌ واحدة .
نحن نرى الصهاينةَ يساندون النصرانيةَ ـ إعلاميًا ـ في الحروب الطائفية في لبنان.
ونرى الصهاينة يساندون المتمردين النصارى وحركات التنصير في جنوب السودان، ضد المسلمين، بشكل صراح . بل إن ملف " دار فور " هو ملف صهيوني بالدرجة الأولى .

ولقد ظهر في صفوف المنصرين يهودٌ منصرون، وعمل بعضُهم في المنطقة العربية، وفي هذا الصدد يُذكر "صاموئيل زويمر " ـ "وهو منصر من عائلة يهودية".

يقول عبد الله التل: " وأعجب العجب أن يعلم القارئ بأن صموئيل زويمر هذا ، الذي كان يرأس مؤتمرات التبشير من أدنبرة في أقصى الغرب إلى لكنو في أقصى الشرق ، والذي قاد معارك التبشير طوال ستين عاما انتهت بهلاكه سنة 1952 ، قد كشف عن يهوديته الدفنية الراسخة في أعماق نفسه ، وذلك بأن طلب حاخامًا يلقنه في ساعاته الأخيرة أثناء احتضاره. وقد أخبرني راهب من أصدقائي أيام معركة القدس ، أن الكنيسة تحتفظ بهذا السر المذهل ، ولا تبوح به ، حتى لا تنكشف حيل اليهود الذين يتضاهرون باعتناق النصرانية ، وحتى لا يظهر إخفاق جمعيات التبشير التي تبذل الملايين عبثا، وتنخدع بمكر اليهود وخططهم الخبيثة لبث الفتنَ والبغضاء بين الإسلام والمسيحية".

هنا ترى أن من يحرك التنصير هو من يحرك الإساءة للإسلام . وأن وسائل التنصير هي نفسها وسائل الإساءة للإسلام .
أقول : حملات التنصير وحملات الإساءة للإسلام؛ وجهان لعملة واحدة.



 

الفصل الرابع
مكاسب الإساءات !
أنموذج من التاريخ:
دومًا حملات الإيذاء ضد الدين الإسلامي تأتي بنتائج عكسية؛ وخير دليل على ذلك قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي في المرحلة المكية. وقد نظَّمتْ قريشٌ ما يشبه "لجنة إعلامية"، تترصد القادمين إلى مكة، فترسل إليهم من يُحذرهم من الدعوة الإسلامية، وقد قعدوا بكل صراطٍ يُوعِدُونَ، ويصدون عن سبيل الله، فلا يكاد الغريب تطأ قدماه أرض مكة فلا يصل إلى الكعبة إلا وقد مر بعملية غسيل دماغي من قِبل هؤلاء الإعلاميين، وقد قاموا بصب الشبهات والترهات والخرافات في عقله صبًا.

إذْ قدم الطفيلُ إلى مكة، فمشى إليه رجال من قريش، يتلقفونه بنفث سمومهم الفكرية في عقله ، و"تحصينه" من الدعوة الإسلامية.
قالوا له :
" يَا طُفَيْلُ ، إنّك قَدِمْتَ بِلادَنَا ، وَهَذَا الرّجُلُ الّذِي بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَدْ أَعْضَلَ بِنَا ، وَقَدْ فَرّقَ جَمَاعَتَنَا ، وَشَتّتْ أَمْرَنَا ، وَإِنّمَا قَوْلُهُ كَالسّحْرِ يُفَرّقُ بَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَبِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ أَخِيهِ، وَبَيْنَ الرّجُلِ وَبَيْنَ زَوْجَتِهِ، وَإِنّا نَخْشَى عَلَيْك وَعَلَى قَوْمِك مَا قَدْ دَخَلَ عَلَيْنَا ، فَلا تُكَلّمَنّهُ، وَلا تَسْمَعَنّ مِنْهُ شَيْئًا ".
قال الطفيل محدثًا عن حاله معهم :
"فَوَاَللّهِ مَا زَالُوا بِي، حَتّى أَجْمَعْتُ أَنْ لا أَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا، وَلا أُكَلّمَهُ، حَتّى حَشَوْتُ فِي أُذُنَيّ - حِينَ غَدَوْتُ إلَى الْمَسْجِدِ – كُرْسُفًا، فَرَقًا مِنْ أَنْ يَبْلُغَنِي شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِ، وَأَنَا لا أُرِيدُ أَنْ أَسْمَعَهُ ." .

وهكذا تأثير الإعلام، الذي يفعل بالعقول الأفاعيلَ، فبمثل هذا الطرح يتحول الحق إلى باطل في نظر الناس، ومن خلال وسائل الإعلام يرى الناس الفيل بحجم النملة، والنملة بحجم الفيل . وإذا أُحسن استخدام وسائل الإعلام؛ فهي كالشمعة في يد العاقل يضيء بها، وإذا أُسيء استخدام وسائل الإعلام فهي كالشعلة في يد المجنون يحرق بها .

قَالَ الطفيل بن عمرو :
" فَغَدَوْت إلَى الْمَسْجِدِ ، فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَائِمٌ يُصَلّي عِنْدَ الْكَعْبَةِ . فَقُمْت مِنْهُ قَرِيبًا فَأَبَى اللّهُ إلا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ . قَالَ فَسَمِعْتُ كَلامًا حَسَنًا قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : ثكلتني أُمّي ! وَاَللّهِ إنّي لَرَجُلٌ لَبِيبٌ شَاعِرٌ، مَا يَخْفَى عَلَيّ الْحَسَنُ مِنْ الْقَبِيحِ، فَمَا يَمْنَعُنِي أَنْ أَسْمَعَ مِنْ هَذَا الرّجُلِ مَا يَقُولُ فَإِنْ كَانَ الّذِي يَأْتِي بَهْ حَسَنًا قَبِلْتُهُ وَإِنْ كَانَ قَبِيحًا تَرَكْتُهُ"

هنا نرى قدرة الله ـ سبحانه في علاه ! ـ وكيف يفتح مغاليق القلوب بحكمته، وهي القلوب التي خلقها ويقلبها كيف يشاء، وقد شَعُرَ الرجل بهذه القدرة الربانية تتسلل إلى قلبه شيئًا فشيئًا؛ تسلل النور في حالك الظلمات، فقال : " فَأَبَى اللّهُ إلا أَنْ يُسْمِعَنِي بَعْضَ قَوْلِهِ".
ويأبى الله إلا أن يتم نوره، ويرسل أشعة الإسلام إلى قلوب غبَّرتها وسائل التضليل، وإلى نفوس تربت رزحًا من الزمان على مناهج فاسدة، وإلى أجساد كَبُرتْ و شابت بين ظهراني المضللين والأفاكين .
وكم نرى من شباب قد انغمسوا في حمئة الضلال حتى ظن العدو أن أعدهم معاول هدم في بناء الإسلام، وإذا بيد الله الرحيمة تأخذ بهم وتحملهم حملاً إلى ركب الدعوة ليكونوا عوامل بناء فيها .
وكم نرى وسائل الإعلام الغربية تستهدف بعض بلدان العالم الإسلامية لمحاولة إفساد المرأة المسلمة وتجريدها من أخلاقها وحجابها، ولكن يأبى الله إلا أن يقيض لهذه البقعة رجالاً – اصطنعهم الله لنفسه – فَيَجُبّوا ما صنعه الإعلام الغربي، وينفوا عن البلد الإسلامي ما نفثه الإعلام الصهيوني، وتبقى الصحوة الإسلامية زاحفة كالفيلق الدارع، تنشر نور الله في الوبر والمدر ، في البدو والحضر ، في البيوت والكهوف، في المسارب والغابات.

قال الطفيل :
" فَمَكَثْت حَتّى انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ –صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ – إلَى بَيْتِهِ؛ فَاتّبَعْتُهُ حَتّى إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ؛ دَخَلْتُ عَلَيْهِ؛ فَقُلْت : يَا مُحَمّدُ إنّ قَوْمَك قَدْ قَالُوا لِي كَذَا وَكَذَا ، لِلّذِي قَالُوا، فَوَاَللّهِ مَا بَرِحُوا يُخَوّفُونَنِي أَمْرَك حَتّى سَدَدْت أُذُنَيّ بِكُرْسُفٍ [ أي بقطن ] لِئَلا أَسْمَعَ قَوْلَك ، ثُمّ أَبَى اللّهُ إلا أَنْ يُسْمِعَنِي قَوْلَك، فَسَمِعْتُهُ قَوْلاً حَسَنًا ، فَاعْرِضْ عَلَيّ أَمْرَك .".

وهكذا، كما ترى، يدفع الله بهؤلاء إلى باب الداعية، ويقوم الطفيل بنفسه بالذهاب إلى بيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، ليناقشْ– أمر الدعوة - بطريقة عقلانية موضوعية، على الطريقة المعهودة عند الأدباء العقلاء والشعراء الحصفاء .
أما ترى أن مجهوادت المشركين الإعلامية قد ذهبت أدراج الرياح ؟ وقد تلقف الداعية هذه الثمرة الحلوة سهلة، إنها يد الله أهدتها إلى الداعية المخلص !

قال الطفيل :
" فَعَرَضَ عَلَيّ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- الإسْلام وَتَلا عَلَيّ الْقُرْآنَ، فَلا، وَاَللّهِ ! مَا سَمِعْتُ قَوْلاً قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ، وَلا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ . " .
إنه حسُ الأديب الهِبرزي المصِقَع، يميز جيدًا بين حلو الكلام ومرة، وبين زين الأدب وشينه، وبين سلامة البيان وركاكته.
لقد استمع إلى القرآن، ثم أنصت إليه، ثم عايشه بقلبه، وفي مجلس واحد، وفي ساعة واحدة، حَكم حكمه البلاغي وكأنما أخذته نشوة الناقد الأدبي، فقال :
" مَا سَمِعْتُ قَوْلاً قَطّ أَحْسَنَ مِنْهُ"
إن جزالة النظم وحلاوة العرض وسمو البيان قد ملكت عليه لُبه، فهام الأديب في حُب القرآن، وتالله ! ما رأيتُ أديبًا لبيبًا إلا وله مع القرآن ألفة، وحب لا يضاهيه حب، وإن الأدباء الأتقياء ليتلذذون بالقرآن وكأنما هم العباد المتحنثين في صوامعهم.

وبعد أن تأمل الطفيلُ نظمَ القرآن وبيانه وبلاغته، نراه أيضًا يتأمل المعاني، فالشعراء على ثلاثة: شعراء ألفاظ، وشعراء معاني، وشعراء ألفاظ ومعاني، ويبدو أن الطفيل أراد أن يجمع بين النظرتين بناظريه، فنظر نظرة في الألفاظ، وقد كانت، ونظر نظرة في المعاني فهذه التي قال فيها :
" وَلا أَمْرًا أَعْدَلَ مِنْهُ . "
فقد شدته تلك التعاليم الإسلامية الرفيعة، ومكارم الأخلاق التي يدعو إليه الإسلام، الأمر الذي غاير الصورة التي وصلته عن الإسلام عندما تلقفه مشركو مكة .

قال الطفيل :
" فَأَسْلَمْتُ وَشَهِدْتُ شَهَادَةَ الْحَقّ .. وَقُلْتُ : يَا نَبِيّ اللّهِ ، إنّي امْرُؤٌ مُطَاعٌ فِي قَوْمِي ، وَأَنَا رَاجِعٌ إلَيْهِمْ وَدَاعِيهمْ إلَى الإسْلامِ، فَادْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَ لِي آيَةً تَكُونُ لِي عَوْنًا عَلَيْهِمْ فِيمَا أَدْعُوهُمْ إلَيْهِ . فَقَالَ :اللّهُمّ اجْعَلْ لَهُ آيَةً . قَالَ فَخَرَجْت إلَى قَوْمِي ، حَتّى إذَا كُنْت بِثَنِيّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ، وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، فَقُلْت : اللّهُمّ فِي غَيْرِ وَجْهِي ، إنّي أَخْشَى ، أَنْ يَظُنّوا أَنّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينَهُمْ .. فَتَحَوّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي .. فَجَعَلَ الْحَاضِرُ يَتَرَاءَوْنَ ذَلِكَ النّورَ فِي سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلّقِ، وَأَنَا أَهْبِطُ إلَيْهِمْ مِنْ الثّنِيّةِ ،حَتّى جِئْتُهُمْ فَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ ".

هذا أنموذج من التاريخ أثبت أن حملات الإساءة غالبًا ما تأتي بمكاسب للإسلام !
أما عن إساءات العصر؛ فإليك هذه المكاسب التي خلفتها حملات التضليل.
***

 

المكسب الأول : تزايد عدد الداخلين في الإسلام
إن الذي حدث مع الطفيل بن عمرو هو الذي حدث مع كثير من المواطنين الغربيين !

إذا رأيت الناسَ اختلفوا في رجلٍ ما بين مادح وذام، وشاكر وناكر، وناصر ومؤيد؛ فاعلم أن هذا الرجلَ عظيمٌ مؤثرٌ جذاب !

إن التشنج الإعلامي الذي بدا متحاملاً على الإسلام جعل من شخصية النبي الكريم أمام الغربيين شخصيةً مثيرة للجدل؛ اختلف حولها الناس، بين مسيىء ومؤيد، بين أناس يرسمونه بشكل مهين وأناس يتظاهرون من أجله، مما دفع الموطن الغربي إلى الإقبال على شراء الكتب وتصفح مواقع الإنترنت التي تتحدث عن النبي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى سمعنا أن من أكثر كلمات التي كتبت في محرك البحث العالمي " جوجل " كلمة : Mohamed فتزايد عدد الداخلين في الإسلام، وقد حققت كتب مثل كتاب " حياة محمد"، أعلى مبيعات لها بعد حملتي الإساءة الأولى والثانية ..

وعمومًا فإن عدد الداخلين في الإسلام في ازدياد من بعدِ أحداثِ الحادي عشر من سبتمبر. وذلك لنفس الأسباب.

لقد كان من نتائج هذه الحملات التشويهيةِ أن دخل ألفُ ألمانيٍ في الإسلام في سنة واحدة فقط، وذلك عام 2005م، مما أقلق القوى السياسية المتشددة، وقد اعتبر وزيرُ الداخليةِ الألماني ـ نفسِه ـ أن زيادةَ الداخلين في الإسلام من الألمان، أمرُ يدعو للقلق.

ارتفعت حالات اعتناق الدين الإسلامي في ألمانيا بشكل كبير في السنوات الأخيرة الماضية، والرقم الذي ذكرناه آنفًا شكل سابقة ًفي تاريخ طوائف المواطنين في ألمانيا، ذلك ما أشارت إليه "المؤسسة المركزية لمحفوظات الإسلام" في ألمانيا.

الآن، الإسلام ينتشر بين المواطنين الغربيين انتشار النار في الهشيم، وهناك تعمد واضح لإخفاء هذه النتئاج .
وليس المواطنين الغربيين فحسب، بل غير المسلمين في العالم العربي، وأضف إليهم السائحين الذين يدخلون البلدان الإسلامية بهدف السياحة، ويخرجون منها مسلمين .

فلقدكشفت أرقام رسمية صادرة عن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بالجزائر أن نسبة الأوربيين المعتنقين للدين الإسلامي في الجزائر، في ازدياد ملحوظ، ولاسيما في الفترة التي أعقبت نشر الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم ـ محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

وبينت الإحصائية أن عدد المعتنقين للدين الإسلامي بلغ في السنوات الثلاث الأخيرة، 478 حالة. وجاءت سنة 2008 في المقدمة مسجلة رقما قياسًا بواقع 172 حالة، منهم 123 من الذكور و49 حالة من الإناث، تليها سنة 2007 بواقع 133 حالة اعتناق للإسلام، 95 منهم ذكورا و38 حالة من الإناث.

واحتلت سنة 2006 المرتبة الثالثة بواقع 120 معتنق، منهم 78 حالة من الذكور و42 حالة من الإناث، في حين لم يتجاوز عدد المعتنقين للدين الإسلامي في الفترة الممتدة ما بين 2000 و2005، حوالي 200 حالة، أي بمعدل 40 حالة في كل سنة.

وسجلت الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري أرقاما مشجعة، 53 حالة دخول في الإسلام، بينهم 53 من الذكور و36 من الجنس اللطيف. وتأتي الجنسيات الأوروبية وفي مقدمتها الفرنسية على رأس قائمة المعتنقين للدين الإسلامي في الجزائر، وذلك بحكم الاعتبارات التاريخية وعامل اللغة وكذا الاحتكاك الاجتماعي عن طريق الجالية الجزائرية والمغاربية المتجذرة في المجتمع الفرنسي والأوروبي عموماً، إضافة إلى بعض الحالات من جنسيات إيطالية وإسبانية وألمانية وبلجيكية وحتى صينية، علما أن ما يزيد عن 20 ألف رعية صينية توجد في الجزائر في إطار عقود تشغيل لإنجاز مشاريع في عديد من القطاعات الاقتصادية.

وبالرغم من عمليات التبشير المكثفة التي تقودها أطرافا كنسية كاثوليكية وبروتستانتية أوروبية وأمريكية في منطقة القبائل، ولاسيما بولايتي تيزي وزو وبجاية، إلا أن الكثير من المسيحيين فضلوا النزول بهاتين الولايتين لإشهار إسلامهم، فيما يبدو أنه انسياب في الاتجاه المعاكس، وفي هذا الصدد تكشف الإحصائية التي أعدتها وزارة الشؤون الدينية الجزائرية، أن ولاية بجاية شهدت 11 حالة اعتناق للإسلام في عام 2008، في حين عرفت الأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي، أربع حالات دخول في الإسلام

المكسب الثاني : استفاقة الشعوب الإسلامية :
ومن مكاسب هذه الحملات أيضًا؛ كون هذه الإساءات قد نجحت في شحذ همم الجماهير نحو دينهم، وتحريك مشاعير الشعوب نحو نبيهم، فدمعت العيون، ورقت القلوب، وساد الغضب، وتحرك الناس، وزاد التدين، وكثر القنوت في الصلوات الخمس كما كان يفعل النبي ُ ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النوازل.

تسببت هذه الإساءات في إحداث فيض متدفق من الرقة والحب نحو النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
تسببت هذه الإساءات في إحداث يقْظة في قلب المسلم، ما موقفك من نصرة نبيك ؟
نعم، لقد حركات هذه الإساءات جموعَ الجماهير الإسلامية نحو التظاهر في الميادين، وانبرى ـ على أثر هذه الحملات ـ كلُ مسلم يقدم ما يمكن أن يقدمه لنصرة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فرجل الأعمال تبرع من أجل دعم حركة التعريف بالإسلام، والكاتب كتب كتابًا في صد الهجمة الشرسة، والشاعر جادت قريحته بقصيدة وديوان، والصحفي كتب تحقيقًا وعشرة، والباحث أعد بحثًا وورقة، ورأينا المؤسسات الإسلامية غيرت من استراتيجياتها حيث وضعت محورَ التعريف بالإسلام محورَ الساعة، وطُبعت مئاتُ الآلاف من المطبوعات التعريفية بالإسلام والتي كان من بينها نشر السيرة النبوية بعشر لغات، وكتاب نبي الرحمة لمحمد مسعد ياقوت الصادر عن مشروع نبي الرحمة، وكتاب هدي النبي محمد الصادر عن البرنامج العالمي للتعريف بنبي الرحمة، وكتاب هذا رسول الله الصادر عن منظمة النصرة العالمية، وغيرها من الكتابات التي نشرت على نطاق واسع .

وانتشرت قوائم مقاطعة المنتجات الدنماركية والنرويجية، فضلاً عن الصهيونية والأمريكية...
محاضرات، وندوات، ومؤتمرات، هنا وهناك .
ومشاريع عديدة كثيرة خرجت لمعالجة هذه الأزمة، وكان من أبرز هذه الفعاليات المؤتمر العالمي السنوي لمنظمة النصرة العالمية، والذي تمخض عن عدة مشاريع عملاقة للتعريف بالإسلام بين الشعوب الأوربية ـ وكان من بين تلك المشاريع مشروع : سلسلة أفلام الضباب ينقشع، ومشروع اكتشف محمدًا، ومشروع محمد الإنسان والرسول على سكند لايف.
بل أقل الأمثلة الحية المدللة لذلك كثرة انتشار المواقع والمنديات والمدونات والمجموعات البريدية وصفحات الفيس بوك ـ التي تخصصت في التعريف بالإسلام، فمن موقع للنصرة، إلى منتدى في حب النبي، إلى مدونة لمقامة التنصير، إلى مجموعة بريدية للحوار الإسلامي .

كل هذا؛ وغيرِه؛ يدللُ على هذا المكسب الهام؛ ذلكم الذي حرك قلوبَ الجماهير وحميَّتها نحو الإسلام، وكفى بذلك مكسبًا في ظل هذه الغثائية.

 

المكسب الثالث : اقتراب الفتح :
وهو مكسب سُنني، يرتبط مباشرة بخالق الكون ـ سبحانه وتعالى ـ قال بوضوح :
{فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة137
{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ }الحجر95
وَعْدٌ قرآنيٌ صريحٌ؛ لا ينتطح فيه عنزان، أنَّ يد الله تصرِّفُ الأمورَ؛ لتكون الدائرةُ على الذين أساءوا وبغوا{ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ }الأنفال18 ، {فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ} [غافر: 4]

يؤكد اللهُ ـ تعالى ـ أنه ناصرٌ دينه، ورسوله، والمسلمين الصادقين، في الدنيا والآخرة :
{إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }غافر51
{وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ }الأنفال19

هذا وعدٌ حقٌ صدقٌ مكتوب :
{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ }المجادلة21

هذه الأموال الصهيونية التي أٌنفقت على حملات الإساءة ستصير هباءً منثورًا، ولن تضر الإسلام شيئًا ـ بإذن الله ـ :
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ }الأنفال36.

لذا نحن نقول ـ وكلنا ثقة ـ أن الله ناصرُ دينه وكتابه ونبيه، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33.

وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية :
".. إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظْهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ متعددةٍ في حَصْرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا..
" قالوا: كنا نحن نَحْصُرُ الحِصْنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك،ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه.
***
{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ }الأنبياء18

خاتمة .. فيها البداية
كانت هذه جولة حول الإعلام وكيف استُخدم في محاربة الإسلام، وتطرقنا إلى وسائل الإعلام الغربية وأثرها في بث العداء للإسلام، وقد تناولنا في ذلك طبيعة الجهات المحركة لوسائل الإعلام الغربية وخلفياتها العقدية، وبينَّا دور الصهيونية العالمية في حملات الإساءة للإسلام ونشر العداء للمسلمين خاصة في أوربا، ثم عرضنا أهم المكاسب التي كانت في صالح المسلمين جراء هذه الحملات العدائية .

 

أما عن نتائج هذه الورقة، وتوصياتها، وأفكارها، فهاك على النحو التالي:

أولاً : نتائج :
1ـ استُخدمت وسائل الإعلام على مر العصور في محاربة رسالات الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ، وما يحدث ضد الإسلام ليس بدعًا من سنة الله في تمحيص الدعوات.
2ـ استخدمت قريش في حربها مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ نظرية " اكذب، اكذب حتى يصدقك الناسُ" وهو أسلوب الترديد والتكرار لكذِبة واحدة يتكلم بها الجميع، وفي ذلك قال الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ لصناديد قريش: "فَأَجْمِعُوا فِيهِ رَأْيًا وَاحِدًا، ولا تَخْتَلِفُوا، فَيُكَذّبَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا". وهذه الطريقة المغرضة يستخدمها الإعلام الغربي في حملاته ضد الإسلام .
3ـ استخدم الإعلام الغربي كل السبل المتاحة، وشتى الطرق المتوفرة في صناعة ما يسمى " الإسلاموفوبيا"، فاستخدموا الرسوم، والكتيبات، والأفلام ، والمواقع الإلكترونية، والبرامج الفضائية، وتركيز الضوء على التصريحات البابابوية المعادية للإسلام، وتلميع الشخصيات السياسية المناهضة للمسلمين ... الخ
4ـ الصهيونية العالمية هي الرأس المدبر لمعظم هذه الحملات التشويهية.
5ـ وراء هذه الحملات التشويهية؛ أربعةُ أسباب رئيسية : أ) ـ العداء التاريخي بين المسلمين واليهود. ب) ـ الخوف من أسلمة أوربا. ج) ـ العمل على تجفيف المنابع الإسلامية. د) ـ مساندة الأنشطة التنصيرية .
6ـ هذه الحملات الإعلامية خلفت وراءها عدة مكاسب للإسلام ـ وأتت الرياح على الغرب بما لا تشهي سفنُهم ـ ومن أهم هذه المكاسب : زيادة عدد الداخلين في الإسلام، واستفاقة الشعوب الإسلامية ..
هذا ونسأل الله أن يمن على الأمة الإسلامية بالفتح المبين ودخولِ الغرب في دين رب العالمين .

ثانيًا : توصيات عملية :
1ـ تكثيف الأنشطة الدعوية في المدن الأوربية، والعمل على إنشاء المزيد من المراكز والمؤسسات الإسلامية التي تهدف إلى تعريف الغرب بالإسلام.
2ـ يبنغي مواجهة الإعلام بالإعلام، فلا يفل الحديد إلا الحديد، فالأمة بحاجة إلى قناة فضائية إسلامية غربية تنافس كبرى القنوات الغربية ، وبحاجة أيضًا إلى صحف ومجلات كبرى بلغة القوم .
3ـ تكثيف النشاط الإلكتروني عبر شبكة المعلومات الدولية؛ بدعم المواقع الإسلامية المتخصصة في تعريف الغرب بالإسلام، إضافة إلى إنشاء المزيد من المواقع النتخصص في هذا الباب . فالإنترنت تكاد تكون حلقة الوصل الوحيدة للتواصل المباشر بين الداعية المسلم والرجل الغربي البسيط.

ثالثًا : نصائح لك مسلم :
1ـ احم سمعك وبصرك من خطر الإعلام المضلِّل، الذي يضع السم في العسل، ويقلب الحقائق في رأسك على نارٍ هادئة؛ حتى ترى الحق باطلاً والباطل حقًا : {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36

2ـ راقب أولادك وأهلك ، ولا تترك لهم الحبل على غاربه في التعامل مع المواد الإعلامية المسمومة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ }التحريم6
3ـ تعامل مع وسائل الإعلام بإيجابية ونصح، فلو قرأت ـ مثلاً ـ مقالاً مسيئًا للدين؛ فراسل الصحيفة، ورد، ـ أو ابعث لكاتب إسلامي يتولى الرد.
5ـ قاطع الصحيفة المتصهينة، والمجلة المتغربة، والقناة الكاذبة، وما أكثرها ولا حول ولا قوة إلا بالله، ودومًا ادع لمقاطعتها .
6ـ أكثِرْ من شراء المجلات الإسلامية؛ ضعها في أركان بيتك، فلن تعدم ولدك يتصفحها .. دومًا وفر البديل الإعلامي الإسلامي لأولادك.









الأبواق الكاذبة
" قصة للأذكياء "

ترى في تقاسيم وجهه الأبيض؛ صفحات مطوية على أمجاد منسية.. شواطىءُ تركيا الطويلة، وغدرانها المُترَعة، وأنهارها الرقراقة، وقيعانها ورياضها المُونِقة؛ كلها كلها؛ تبرقُ في لمعة عينيه الحازمتين .
خطواته الواثقة، وهو يتقدم نحو منصة المؤتمر، تضاهي عراقة مسجد أيا صوفيا .
رشاقته الفائقة، تحْلفُ أنه ابن عشرين سنة وليس ابن خمس وخمسين !

... بطمَأنينة وهدوء جلس هذا الرجل الطيب.
لا يبالي أن أجلسوه إلى جوار عدوه؛ ذلك الحاخام الكَهْل، الذي تَقَوَّسَ ظَهْرُهْ تقوسًا مُنكَرًا؛ كأنما طُعن في عموده الفقري بسَهْم الموت النافِذ؛ الذي أحنى جبينه المتقطب؛ الذي تفوح من بين تجاعيده تعاليمُ رجال الدين، ونصوصُ التلمود، وتوصياتُ حكماء صهيون .

نظر إلى الحاخام نظرةً عابرةً، فتولدت منها نظرات أخرى، يبدو أنها تولدت من معانٍ غريبة، وصورٍ بشعة، وجراحٍ غائرة، و ... تاريخ أسود!

و .. ردًا على نظرة الرجل الطيب :
نظر إليه الحاخامُ بعينيه الغائرتين نظرةً ملوثة بأحقاد قديمة، ثم هز له صلعته التي بَرَقت وومضت، هزةَ سخرية، وقد انعكس منها ضوء القاعة .. إضاءةً ذكَّرتْ الرجل الطيب بضوء قنابل الفسفور الأبيض المحرمة دوليًا !
***
قال الحاخام الصهيوني مخاطبًا الجمهور :
ـ وطنُنا فوق كل الأوطان، من النيل إلى الفرات، من بيروت إلى خيبر، لقد ظُلمنا كثيرًا عبر التاريخ، لقد شُردنا كثيرًا بين البقاع والأصقاع، في التِّيه، واللعن، والتشريد، والهجران، من مذابح نبوخذنصر إلى محارق هتلر، ومن حقنا أن نذبح العرب فداءً لوطننا، من حقنا أن نقتل الأطفال، أن نأسر النساء، أن نحرق الشيوخ، أن نحطم المعابد، وليس علينا في العرب سبيل ! لقد سامونا الخسف، لقد أرَّقوا علينا المضجع، لقد قتلونا، لقد ذبحونا، لقد ظلمونا، لقد أراقوا دُموعَنا السخينة، ودمروا عرائس بناتنا البريئة .. أيها العالم المتحضر ! أيها الناس أجمعون ! تضامنوا معنا، ادعمونا، انصرونا، قلوبكم مع قلوبنا، يدكم في يدنا؛ حتى نطهر العالم من الظلم ! ولتنعمي يا أرض بالأمن والأمان، والحب الإحسان، والسلام والإيمان، والوِئام و( ....)ـان ...، ...، ... !
***
ينظر إلي الحاخام، والحاخام يتكلم، تخرج منه هذه الكلمات؛ فتفرقع في قاعة المؤتمر فرقعةً أشبه بفرقعة الجعلان إذا سافد الخنفساء، أوفرقعة حَبِ الكُحْلِ عندما يُطرح على النار، وتَعْلو فرقعاتها وتعلو وتعلو مع هذه السجعات التي هي أفحش من سجع الكهان ... كهان، كهان، كهان، آن، آن، آن !
لكنها كانت كالمطارق الحديدية على رأس الرجل الطيب.
كانت تهزه هز المس الكهربائي إذا تمكن من إنسان .

وتَحوَلَ رياشُ المقعد اللين من تحته إلى أشواك لاهبة لاذعة .
ضاقت به نفسه، وضاقت به القاعة الرحيبة.
وقف وكأنما لسعه عقرب في مقعدته؛ يقول ـ وقد ملئته غضبة ـ موجهًا كلامه لمدير الجلسة، طالبًا منه حق الرد على هذا الشيخ :
ـ دقيقة واحدة !
تردد مدير الجلسة، فبدت عليه علائم التضامن والتأييد لكلام الحاخام، وأخذ ينطق بكلام مرتجل يوّكّد به كلام الحاخام؛ كما يعوي الفصيل في آثار الإبل.
فعاود الرجل الطيب طلبه :
ـ دقيقة واحدة ! دقيقة واحدة !
اصفر وجه مديرِ الجلسة؛ فبدت مخايل صهيونيته من وراء صفرة وجهه، وسكت قليلاً، ولم يأذن بعدُ للرجل الطيب بالكلام .
فكسر الرجل الطيبُ سكوتَ مدير الجلسة، وأكثر عليه، وشدد في سؤْله:
ـ دقيقة واحدة ! دقيقة واحدة ! دقيقة واحدة !
***
رضخ مدير الجلسة؛ فأذن للرجل الطيب بالكلام !
طاب مقعده إذن، فجلس، وتَوَرَّكَ، وتناول المذياع، و فورًا ... أُطفِئت الأنوار، وقُطعت الكهرباء؛ لتظل الحقيقة غائبة عن مسامع الأغبياء، وليبقى الصوتُ الأعلى صوتُ سجعات الكهان !
فالأبواق الكاذبة لا تصدع بالصدق !
***
تمت
بحمد الله
 
الإساءات الغربية للإسلام
 
ما شاء الله
عمل رائع ومجهود متميز
بتوفيق الله
 
الوسوم
الإساءات العربية للإسلام
عودة
أعلى