ماذا تعرف عن التوحيد ?

باب من الشرك أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيره

وقول الله تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ} [يونس: 106].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:
أنه ذكر فيه نوعاً من أنواع الشرك المنافي للتوحيد وهو أن يستغيث بغير الله أو يدعو غيرَه.
أن يستغيث: الاستغاثة طلبُ الغوث وهو إزالة الشدة.
أو يدعو: الفرق بين الاستغاثة والدعاء: أن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب. وأما الدعاء فيكون من المكروب وغيره.
ما لا ينفعك: إن عبدته.
ولا يضرك: إن لم تعبده.
فإن فعلت: أي دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك.
من الظالمين: من المشركين، فإن الشرك أعظم الظلم.

المعنى الإجمالي للآية:
ينهى الله نبيه أن يدعو أحداً من سائر المخلوقين العاجزين عن إيصال النفع ودفع الضر، ثم يبين له حكمه لو فُرض أن دعا غير الله بأنه يكون حينئذ من المشركين، وهذا النهي عام لجميع الأمة.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها النهي عن دعاء غير الله وأنه شركٌ ينافي التوحيد.
ما يستفاد من الآية:
1- أن دعاء غير الله شركٌ أكبر.
2- أن أصلح الناس لو دعا غير الله صار من الظالمين أي المشركين فكيف بغيره.
3- بيان عجزِ آلهة المشركين وبطلان عبادتها.


وقوله: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإن يمسسك: أي إن يصِبْك.
بضر: بفقر أو مرض أو غير ذلك من أنواع الضر.
فلا كاشف: لا رافع.
فلا راد: لا دافع.
المعنى الإجمالي للآية:
يخبر تعالى أنه المتفرد بالملك والقهر والعطاء والمنع والضر والنفع دون ما سواه، فيلزم من ذلك أن يكون هو المدعو وحده المعبود وحده دون غيره ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلاً عن أن يملكهما لغيره.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها بيانَ استحقاق الله للعبادة بالدعاء ونحوه، وأن دعاء غيره شركٌ لأنه لا ينفع ولا يضر.
ما يستفاد من الآية:
1- وجوب إفراد الله تعالى بتوحيد الألوهية لتفرده بتوحيد الربوبية.
2- بطلان دعاء غير الله لعجزه عن نفع من دعاه ودفع الضر عنه.
3- إثبات المشيئة لله سبحانه.
4- إثبات صفتي المغفرة والرحمة لله سبحانه على ما يليق بجلاله.




وقوله: {فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [العنكبوت: 17].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابتغوا: اطلبوا.
واعبدوه: أخلصوا له العبادة. وهو من عطف العام على الخاص، فإن ابتغاء الرزق عند الله من العبادة.
واشكروا له: اعترفوا بنعمته. وافعلوا ما يجب من طاعته واتركوا معصيته.
إليه: لا إلى غيره.
ترجعون: يوم القيامة فيجازي كل عامل بعمله.
 
المعنى الإجمالي للآية:
يأمر الله سبحانه بطلب الرزق منه وحده لا من الأصنام والأوثان، وإفرادِه بالعبادة والاعتراف بنعمه التي أسداها على عباده وصرْفِها في طاعته والابتعاد عن معصيته ثم يخبر أن المصير إليه فيجازي كل عاملٍ بعمله فيجب على العبد أن يحسب لذلك حسابَه.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها وجوب إفراد الله بالدعاء والعبادة والرد على المشركين الذين يعبدون غيره.
ما يستفاد من الآية:
1- وجوب دعاء الله وحده وطلب الرزق منه.
2- وجوب إفراد الله بجميع أنواع العبادة.
3- وجوب شكر الله على نعمه.
4- إثبات البعث والجزاء.
5- أنه لا تنافي بين طلب الرزق والاكتساب وعبادة الله وأن الإسلام فيه خير الدين والدنيا.

وقوله: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ 5 وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من أضل: أي لا أحد أشد ضلالاً.
من دون الله: غير الله.
لا يستجيب له: لا يقدر على إجابته بإعطائه ما طلب منه.
وهم: أي المدعوون.
عن دعائهم: أي دعاء من دعاهم من المشركين.
غافلون: لا يشعرون بدعاء من دعاهم؛ لأنهم إما أموات أو جمادٌ أو ملائكةٌ مشغولون بما خُلقوا له.
وإذا حُشر الناس: جُمعوا يوم القيامة.
كانوا: أي الآلهة التي يدعونها من دون الله.
لهم أعداء: أي يتبرؤون ممن دعاهم ويعادونهم.
كافرين: جاحدين لعبادة من عبدهم.
المعنى الإجمالي للآيتين:
أن الله تعالى حكم بأنه لا أضل ممن دعا غير الله من المخلوقين ممن لا يقدر على إجابة دعوته في الدنيا، ولا يشعر بدعاء من دعاه وإذا قامت القيامة وجُمع الناس عادى من دعاه وتبرأ منه، فليس هذا المشركُ إلا في نكد في الدارين، لا يحصل على إجابةٍ في الدنيا وتجحد عبادته في الآخرة أحوج ما يكون إليها.
مناسبة الآيتين للباب:

أن فيهما الحكمَ على من دعا غيرَ الله بأنه أضل الضالين وأن الدعاء عبادة فمن صرفه لغير الله فهو مشرك .
ما يستفاد من الآيتين :
1 _ أن الدعاء عبادة فمن دعا غير الله فقد أشرك الشرك الأكبر .
2 _ بيان شقاوة من يدعو غير الله في الدنيا والآخرة .
3 _ أن الشرك هو أعظم الضلال .
4 _ إثبات البعث والحشر والجزاء .
5 _ أن الأوثان لا تسمع من دعاها ولا تستجيب له عكس ما يتصور المشركون فيها .
6 _ أن عبادة الله وحده فيها خير الدنيا والآخرة .




وقوله تعالى: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ} [النمل: 62].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أمّن: أي من هو؟
المضطر: المكروب الذي مسّه الضر.
خلفاء الأرض: الإضافة بمعنى في أي يخلف كلُّ قرنٍ القرنَ الذي قبله في الأرض.
أإله مع الله: أي سواه يفعل هذه الأشياء بكُم وينعم عليكم هذه النعم.

قليلاً ما تذكَّرون: أي تذكرون تذكراً قليلاً في عظمة الله ونعمه عليكم، فلذلك أشركتم به غيره في عبادته.
المعنى الإجمالي للآية:
يحتج تعالى على المشركين في اتخاذهم الشفعاء من دونه بما قد علموه وأقروا به من إجابة الله لهم عندما يدعونه في حال الشدة وكشفه السوء النازل بهم وجعْلِهم خلفاء في الأرض بعد أمواتهم، فإذا كانت آلهتهم لا تفعل شيئاً من هذه الأمور فكيف بمن يعبدونها مع الله. ولكنهم لا يتذكرون نعم الله عليهم إلا تذكراً قليلاً لا يورث خشية الله ولذلك وقعوا في الشرك.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها بطلان الاستغاثة بغير الله، لأنه لا يجيب المضطر ويكشف السوء النازل ويحيي ويميت سواه.
 
ما يستفاد من الآية:
1- بطلان الاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله.
2- أن المشركين مقرّون بتوحيد الربوبية ولم يُدخلهم ذلك في الإسلام.
3- الاستدلال على توحيد الإلهية بتوحيد الربوبية.
4- الاحتجاج على المشركين بما أقرّوا به على ما جحدوه.

وروي الطبراني بإسناده: أنه كان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم- منافقٌ يؤذي المؤمنين. فقال بعضهم: قوموا بنا نستغيث برسول الله - صلى الله عليه وسلم- من هذا المنافق. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إنه لا يستغاث بي، وإنما يستغاث بالله""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الطبراني: هو الحافظ الإمام: سليمان بن أحمد صاحب المعاجم الثلاثة.
بإسناده: إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
منافقٌ: هو عبد الله بن أُبي بن سلول رأس المنافقين.
والنفاق هنا: إظهار الإسلام وإخفاء الكفر.
نستغيث برسول الله: نطلب منه كفَّ هذا المنافق عن الأذى.
إنه لا يستغاث بي: كره –صلى الله عليه وسلم- أن يستعمل هذا اللفظ في حقِّه تأدباً مع الله.

المعنى الإجمالي للحديث:
لما قوِيَ الإسلام كان هناك صنفٌ من الكفار رأوا الدخولَ في الإسلام ظاهراً والبقاء على الكفر باطناً سُمُّوا بالمنافقين، وكان يصدر منهم من الأقوال والأفعال ما يضايق المسلمين ومن ذلك ما حصل من هذا الرجل حتى طلب بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم- كفه وزجره. والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقدر على ذلك، لكن لما كانت الصيغة التي تقدَّموا بها إليه فيها إساءة أدب مع الله تعالى –ما ينبغي أن تقال- استنكرها النبي –صلى الله عليه وسلم- تعليماً للصحابة وسداً لذريعة الشرك وحمايةً للتوحيد.
مناسبة الحديث للباب:
إن فيه إنكارَ النبي –صلى الله عليه وسلم- الاستغاثة بغير الله.
 
ما يستفاد من الحديث:
1- أنه لا يستغاث بالنبي –صلى الله عليه وسلم-، وغيرُه من باب أولى.
2- الإرشاد إلى حسن اللفظ وحماية التوحيد.
3- سدّ الطرق المفضية إلى الشرك.
4- مشروعية الصبر على الأذى في الله.
5- ذمّ النفاق.
6- تحريم أذية المؤمنين؛ لأنها من فعل المنافقين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه الطبراني.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد "10/159": رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح غير ابن لهيعة وهو حسن الحديث.


باب قول الله تعالى:
{أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف: 191، 192].
 
باب قول الله تعالى: {أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ، وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ} [الأعراف: 191، 192].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن المصنف رحمه الله بين فيه الأدلة على بطلان الشرك وبيان حال المدعون من دون الله، وفي ذلك تقريرٌ للتوحيد بالبراهين القاطعة.
أيشركون: استفهام إنكار وتوبيخ على من يشرك في العبادة مع الله.
ما لا يخلق شيئاً: أي مخلوقات لا تقدر على الخلق وليس فيها ما تستحق به العبادة.
وهم يُخلقون: أي وهؤلاء المعبودون مخلوقون محدثون والمخلوق لا يكون شريكان للخالق.
ولا يستطيعون لهم نصراً: أي وهؤلاء المعبودون لا يقدرون على نصر عابديهم.
ولا أنفسهم ينصرون: أي ولا يقدرون على أن يدفعوا عن أنفسهم من أراد بهم ضراً فكيف يدفعونه عن غيرهم.
المعنى الإجمالي للآية:
يوبخ الله سبحانه وتعالى المشركين بأنهم يعبدون معه معبودات لا تخلِق شيئاً وليس فيها ما تستحق العبادة به ولا تدفع الضر عمن دعاها، بل ولا تدفعه عن أنفسها وإذا كانت هذه حالتهم بطلت دعوتهم؛ لأن المخلوق لا يكون شريكاً للخالق، والعاجز لا يكون شريكاً للقادر الذي لا يعجزه شيءٌ.
ما يستفاد من الآية:
1- بطلان الشرك من أساسه؛ لأنه تعلق على مخلوق عاجز.
2- أن الخالق هو المستحق للعبادة.
3- الاستدلال بتوحيد الربوبية على توحيد الألوهية.
4- مشروعية محاجة المشركين لنصر الحق وقمع الباطل.

وقوله: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ 13 إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13،14].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
والذين تدعون من دونه: أي الذين تدعونهم غيرَ الله: من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها.
قطمير: القطمير هو اللفافة التي تكون على نواة التمر.
لا يسمعوا دعاءكم: لأنهم أموات أو ملائكة مشغولون بما خلقوا له.
ما استجابوا لكم: لا يقدرون على ما تطلبون منهم.
يكفرون بشرككم: ينكرونه ويتبرؤون ممن أشرك بهم مع الله.
ولا ينبِئك: يخبرك بعواقب الأمور ومآلها.
مثل خبير: عالمٌ بها وهو الله سبحانه وتعالى.
المعنى الإجمالي للآية:
يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه من الملائكة والأنبياء والأصنام وغيرها بما يدل على عجزهم وضعفهم، وأنهم قد انتفت عنهم الشروط التي لا بد أن تكون في المدعو، وهي: ملك ما طُلب منه، وسماع الدعاء، والقدرة على استجابته. فمتى عُدم شرطٌ بطُل أن يكون مدعواً فكيف إذا عُدمت كلها.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها البرهان القاطع على بطلان الشرك والرد على المشركين.
 
ما يستفاد من الآية:
1- بطلان الشرك بالدليل القاطع والبرهان الواضح.

2- بيان الشروط التي يجب توافرها في المدعو المستغاث به وهي:
أ - ملكه لما طُلب منه.
ب - سماعه لدعاء من دعاه.
ج- القدرة على إجابته.
3- أن العقيدة مبناها على البرهان واليقين لا على الظن والتخرص والتقليد الأعمى.
4- إثبات علم الله بعواقب الأمور.


وفي "الصحيح" عن أنس –رضي الله عنه- قال: شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكسرت رباعيته، فقال: "كيف يفلح قوم شَجُّوا نبيهم" فنزلت: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}"1" [آل عمران: 128].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصحيح: أي في الصحيحين.
شُجّ: الشجة الجرح في الرأس والوجه خاصة.
أحد: جبل معروف شمالي المدينة كانت عنده الوقعة المشهورة فنُسبت إليه.
الرباعية: هي السن التي بعد الثنية. والإنسان له أربع رباعيات.
كيف يفلح قومٌ.. إلخ: أي كيف يحصل لهم الفوزُ والظفرُ والسعادة مع فعلهم هذا بنبيهم.
من الأمر: من الحكم في العباد.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر أنسٌ عما حصل للنبي –صلى الله عليه وسلم- في وقعة أحد من الابتلاء والامتحان على أيدي أعدائه من الإصابة في موضعين من جسده الشريف فكأنه –صلى الله عليه وسلم- لحقه يأسٌ من فلاح كفار قريش. فقيل له بسبب ذلك: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128].
أي: عواقبُ الأمور وحكم العباد بيد الله فامض أنت لشأنك ودُم على دعوتك.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه دليلاً على بطلان الشرك بالأولياء
والصالحين، لأنه إذا كان الرسول –صلى الله عليه وسلم- لم يدفع عن نفسه الضر، وليس له من الأمر شيءٌ، فغير من باب أولى.
 
ما يستفاد من الحديث:
1- بطلان الشرك بالأولياء والصالحين؛ لأنه إذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- لا يملك من الأمر شيئاً فغيره من باب أولى.
2- وقوع الأسقام والابتلاء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
3- وجوب إخلاص العبادة لله، لأنه هو الذي له الأمر وحده.
4- مشروعية الصبر وتحمل الأذى والضرر في سبيل الدعوة إلى الله.
5- النهي عن اليأس من رحمة الله ولو فعل الإنسان ما فعل من المعاصي التي هي دون الشرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري تعليقاً في كتاب المغازي باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ} ص 772 ط بيت الأفكار الدولية.

وفيه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الأخيرة من الفجر: "اللهم العن فلاناً وفلاناً" بعدما يقول: "سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد". فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}"1" [آل عمران: 128].
وفي رواية: يدعو على صفوان بن أمية وسُهيل بن عمرو والحارث بن هشام، فنزلت {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ}"2" [آل عمران: 128].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ابن عمر: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما صحابي جليل من عبّاد الصحابة وعلمائهم مات سنة 73هـ.
وفيه: أي في الصحيح والمراد به صحيح البخاري.
أنه سمع رسول الله: أي بعدما شُج وكسرت رباعيّته يوم أحد.
اللهم العن: أي اطرد وأبعد من رحمتك.
فلاناً وفلاناً: منهم صفوان بن أمية، وسُهيل بن عمرو، والحارثُ ابن هشام.
سمع الله لمن حمده: أجاب الله من حمده وتقبّله. لأنه قد عُدِّي باللام.
الحمد: ضد الذم، ويكون على محاسن المحمود مع المحبة له.
يدعو على صفوان... إلخ: لأنهم رؤوس المشركين يوم أحد، وقد تاب الله عليهم فأسلموا وحسن إسلامهم.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر عبد الله بن عمَر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يدعو في الصلاة على أشخاص معينين من الكفار آذوه يوم أحد فعاتبه الله بقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128]. وتاب الله عليهم، فآمنوا بالله ورسوله.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه بيان أن النبي – صلى الله عليه وسلم- لم يقدر أن يدفع أذى المشركين عن نفسه ولا عن أصحابه، بل لجأ إلى ربه القادر المالك، مما يدل على بطلان ما يعتقده عبّاد القبور في الأولياء والصالحين.
 
ما يستفاد من الحديث:
1- بطلان التعلق بالأولياء والصالحين لطلب قضاء الحاجات وتفريج الكربات.
2- جواز الدعاء على المشركين في الصلاة.
3- دليلٌ على أن تسمية الشخص المدعو له أو عليه لا يضر الصلاة.
4- التصريح بأن الإمام يجمع بين التسميع والتحميد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "4069".
"2" أخرجه البخاري برقم "4070".
وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين أنزل الله عليه: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].
فقال: "يا معشر قريش - أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئاً، يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أغني عنك من الله شيئاً، ويا فاطمة بنت محمد سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئاً""1".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو هريرة: قيل: الصحيح أن اسمه عبد الرحمن بن صخر، دوسيّ من فضلاء الصحابة وحفّاظهم وعلمائهم. روى أكثر من خمسة آلاف حديث، توفي سنة سبع أو ثمانٍ أو تسعٍ وخمسين للهجرة.
وفيه: أي في صحيح البخاري.
قام: أي صعد على الصفا.
عشيرتك: عشيرةُ الرجل هم بنو أبيه الأدنون، أو قبيلته.
الأقربين: أي الأقرب فالأقرب منهم.
يا معشر: المعشرُ: الجماعة.
أو كلمة: بنصبِ "كلمةٍ" عطفٌ على ما قبله. أي: أو قال كلمةً نحوها شكٌّ من الراوي.
اشتروا أنفسكم: أي خلِّصوها من العذاب بتوحيد الله وطاعته، ولا تعتمدوا على شرف النسب.
لا أغني عنكم من الله: لا أدفع عنكم عذاب الله، رفعٌ لما قد يتوهم أنه يغني عنهم من الله شيئاً بشفاعته.
عباسُ، وصفيةُ، وفاطمةُ: بالرفع على البناء، ويجوز النصب بالنداء. وابنَ، وعمةَ، وبنتَ: بالنصب لا غير بدلاً من المنادي أو عطف بيان.
سليني من مالي: لأن هذا هو الذي يقدر عليه وما كان من أمر الله فلا قدرة له عليه.
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر أبو هريرة –رضي الله عنه- عمّا صنع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حينما أمره الله في كتابه الكريم أن ينذر قرابته؛ أنه قام ممتثلاً أمر ربه، فنادى قريشاً ببطونها ونادى عمه وعمته وبنته، فأنذرهم نذارة خاصة وأمرهم أن يخلِّصوا أنفسهم من عذاب الله بتوحيده وطاعته وبلغهم أنه لا يدفع عنهم من عذاب الله شيئاً إذا لم يؤمنوا فمجرد قربهم منه غير نافع لهم بدون إيمان.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه أنه لا يجوز أن يطلب من الرسول ولا من غيره من باب أولى إلا ما يقدر عليه من أمور الدنيا. وأما ما لا يقدر عليه إلا الله فلا يجوز أن يُطلب إلا من الله، ففيه الرد على عبّاد القبور الذين يستغيثون بالأموات لتفريج الكربات وقضاء الحاجات.
 
ما يستفاد من الحديث:
1- الرد على عبّاد الأنبياء والصالحين الذين يتعلقون بالمخلوقين في قضاء حوائجهم التي لا يقدر عليها إلا الله.

2- أنه لا يجوز أن يطلب العبد إلا ما يقدر عليه.
3- مسارعة النبي – صلى الله عليه وسلم- إلى امتثال أمر ربه وتبليغ رسالته.
4- أنه لا ينجي من عذاب الله إلا الإيمان والعمل الصالح لا الاعتماد على مجرد الانتساب للأشخاص.
5- إن أولى الناس برسول الله – صلى الله عليه وسلم- أهل طاعته ومتابعته من قرابته وغيرهم.
6- أن مجرد القرابة من الرسول – صلى الله عليه وسلم- لا ينفع بدون إيمان وعمل صالح وعقيدة صحيحة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "2753" ومسلم برقم "206" والترمذي برقم "3184".

باب قول الله تعالى:
{حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23].
 
باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 23].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن فيه بيان حال الملائكة الذين هم أقوى وأعظم من عُبد من دون الله فإذا كان حالهم مع الله ما ذُكر من هيبتهم منه وخشيتهم له فكيف يُدعون مع الله فغيرهم من باب أولى. ففي ذلك ردٌّ على جميع المشركين الذين يدعون مع الله من لا يُداني الملائكة.

فُزِّع عن قلوبهم: أُزيل الفزع عن قلوب الملائكة من الغشية التي تصيبهم عند سماع كلام الله بالوحي إلى جبريل.
قالوا: أي قال بعضهم لبعضٍ استبشاراً: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ: 23].
قالوا الحق: أي: قال الله الحق.
وهو العلي: الذي له علوُّ القدر وعلوُّ القهر وعلوُّ الذات.

الكبير: أي الذي لا أكبر ولا أعظم منه تبارك وتعالى.
المعنى الإجمالي للآية:
يخبر الله سبحانه عن الملائكة أنها إذا سمعت الوحي من الله إلى جبريل فزِعت عند ذلك تعظيماً وهيبةً وأرعدت حتى يصيبها مثل الغشيِّ، فإذا أُزيل الفزع من قلوبهم أخذوا يتساءلون فيقولون: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}؟ فيقولون: قال الحق وهو العالي فوق كل شيء، الذي لا أكبر منه ولا أعظم.
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على جميع فرق المشركين الذين يعبدون مع الله من لا يُداني الملائكة ولا يساويهم في صفة من صفاتهم.
2- إثبات الكلام لله سبحانه وتعالى على ما يليق بجلاله.
3- أن كلام الله سبحانه وتعالى غير مخلوق، لأنهم يقولون: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ}؟ لم يقولوا: ماذا خلق ربكم؟
4- إثبات العلوّ لله سبحانه فوق مخلوقاته.
5- إثبات عظمة الله.

في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خَضَعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان ينفُذُهم ذلك. حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع" ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض. وصفه سفيان بكفِّه فحرَّفَها وبدَّد بين أصابعه: "فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه فيكذب معها مائة كذبة. فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا. فيصدَّق بتلك الكلمة التي سُمعت من السماء""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
سفيان: هو ابن عُيَينة بن ميمون الهلاليّ ثقةٌ حافظٌ حجةٌ من كبار الأئمة، مات سنة 198هـ.
في الصحيح: أي في صحيح البخاري.
إذا قضى الله الأمر: أي إذا تكلم به.

خَضَعاناً: بفتحتين من الخضوع. وروي بضم أوله وسكون ثانيه أي خاضعين.
لقوله: أي لقول الله تعالى.
كأنه: أي الصوت المسموع.
صفوان: هو الحجر الأملس.
ينفذهم ذلك: أي يخلص هذا القول ويمضي في الملائكة.
فيسمعها: أي الكلمة التي قضاها الله.
مسترق السمع: المختطف لكلام الملائكة من الشياطين.
وصفه: أي وصف ركوب الشياطين بعضهم فوق بعض حتى يصلوا إلى حيث يسمعون تحدّث الملائكة بالأمر يقضيه الله.
فحرّفها: أمالها.
وبدد بين أصابعه: أي فرّق بينها.
الساحر: الذي يتعاطى السحر: وهو عبارة عما خفي ولطُف سببه من عمل العُقَد والرّقى وغيرها.
والكاهن: هو الذي يخبر عن الكائنات في مستقبل الزمان ويدّعي معرفة الأسرار.
أدركه الشهاب: أي أدرك المسترق الشهاب: وهو الذي يُرمى به قبل إلقائها فيحرقه.
فيكذب: أي الساحر أو الكاهن.
معها: أي الكلمة التي ألقاها.

 
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- عن تعظيم الملائكة لكلام الله وما يعتريهم من الخوف وتساؤلهم عما قال ربهم وإجابة بعضهم لبعض. وما تعلمه الشياطين الذين يختطفون كلامَ الملائكة في ذلك لتُلقيه إلى السحرة والكهان من الناس وما تلاقيه الشياطين من الرمي بالشهب حينئذ، وأنه قد يتمكن الشيطان من إيصال الكلمة المسموعة من الملائكة إلى الساحر أو الكاهن –لحكمة يعلمها الله وإلا فهو سبحانه لا يفوته شيء- فيُزاد مع تلك الكلمة من قِبل الشيطان أو الآدمي تسعٌ وتسعون كذبة وتُذاع كلها في الناس فيصدِّقونها كلها بسبب تلك الكلمة المسموعة.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه الرد على المشركين. فإنه إذا كان هذا حال الملائكة عند سماع كلام الله مع ما أعطاهم الله من القوة عُلم أنه لا يجوز صرف شيء من العبادة لهم فكيف بمن دونهم.
ما يستفاد من الحديث:
1- الرد على المشركين الذين يعبدون الملائكة والأنبياء والصالحين.
2- تعظيم الله سبحانه وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.
3- إثبات علو الله على خلقه وإثبات تكلمه بكلام يُسمع.
4- إبطال السحر والكهانة وإن صدُق الكاهن والساحر في بعض الأحيان.
5- أن العبرة بالغالب الكثير لا بالنادر القليل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "4701".

وعن النواس بن سمعان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر تكلم بالوحي أخذت السماوات منه رجفة" أو قال: "رعدة شديدة خوفاً من الله عز وجل، فإذا سمع ذلك أهل السماوات صعقوا أوخروا سجداً فيكون أول من يرفع رأسه جبريل فيكلمه الله من وحيه بما أراد. ثم يمر جبريل على الملائكة كلما مر بسماء سأله ملائكتها ماذا قال ربنا يا جبريل؟ فيقول جبريل: قال الحقَّ وهو العلي الكبير. فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل. فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عز وجل""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النواس: هو النواس بن سِمعان –بكسر السين- ابن خالد الكلابي صحابيٌّ جليلٌ رضي الله عنه.
الوحي: أي: كلام الله المنزل على نبي من أنبيائه.
أخذت السماوات: أي أصاب السماوات.
رجفة: بالرفع فاعلُ أخذتْ. أي ارتجفت واضطربت.
خوفاً من الله: لأنها تخاف من الله بما جُعل فيها من الإحساس والمعرفة بالله.
صعقوا: الصعق الغشي.
خروا: خرّ: سقط من أعلى، والمراد هنا انحطوا بالسجود.
أول: بالفتح خبر يكون.
إلى حيث أمره الله: من السماء والأرض.

المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر نبي الله –صلى الله عليه وسلم- عن عظمة ربه عز وجل بأنه سبحانه إذا تكلم بما شاء من وحيه، فإنه يصيب السماوات ارتجافٌ وحركة شديدة من خوف الله عز وجل لمعرفتها بعظمة الله، فإذا سمعت الملائكة كلام الله عز وجل غُشي عليهم وانحطوا بالسجود تعظيماً لله وخوفاً منه، ثم يكون جبريل عليه السلام أو من يرفع رأسه منهم لأنه السفير بين الله وبين رسله، فيكلمه الله بما شاء من أمره، ثم يمر جبريل على ملائكة السماوات فيسألونه عما قال الله؟ فيجيبهم بقوله: "قال الحق وهو العلي الكبير" فيقولون مثل ما قال، ثم يمضي جبريل بالوحي فيبلغه إلى من أمره الله بتبليغه إياه.
مناسبة الحديث للباب:
أن فيه ما في النصوص قبله من بيان عظمة الله وخوف الملائكة والسماوات منه، ففيه الرد على من عبد غير الله.
 
ما يستفاد من الحديث:
1- الرد على المشركين الذين اتخذوا مع الله آلهة من مخلوقاته.
2- بيان عظمة الله جل وعلا واستحقاقه للعبادة وحده.
3- إثبات أن الله يتكلم متى شاء بما يشاء كيف يشاء.
4- إثبات علو الله على خلقه.
5- فضل جبريل عليه السلام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه ابن خزيمة في التوحيد رقم "206" وابن أبي عاصم في السنة رقم "515" والآجري في الشريعة.


يتبع باب الشفاعة
 
باب الشفاعة
وقول الله تعالى: {وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ} [الأنعام: 151].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:

أنه لما كان المشركون يبررون ما هم عليه من الشرك من دعاء الملائكة والأنبياء والأولياء، ويقولون نحن نعلم أنهم مخلوقون ولكنهم لهم جاه عند الله فنحن نريد منهم أن يشفعوا لنا عند الله، أراد المصنف رحمه الله بهذا الباب إقامة الحجج على أن ذلك هو عين الشرك الذي نهى الله عنه، وأبطل كل وسيلة تؤدي إليه.
الشفاعة: مصدر شفع بمعنى ضم الشيء إلى مثله –تقول: شفعت الشيء شفعاً بمعنى ضممته إلى الفرد. وشفع فيه أعانه في تحصيل مطلبه ممن هو عنده.
وأنذِرْ: الإنذار هو: الإعلام بموضع المخافة والتحذير منها.
به: أي: بالقرآن.
يخافون: يخشون.
أن يحشروا: يُجمعوا ويُبعثوا.
ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع: في موضع نصبٍ على الحال أي؛ متخلِّين من كل ولي ينصرهم وشفيع يشفع لهم.
المعنى الإجمالي للآية:

يقول تعالى لنبيه –صلى الله عليه وسلم-: خوِّف بالقرآن الذين يخشون ربهم من أصحاب القلوب الواعية الذين يتذكرون الوقوف بين يدي ربهم متخلّين عن كل قريب ينصرهم وواسطة تشفع لهم –عنده- بغير إذنه لعلهم يعدون العُدة لذلك فيعملون في هذه الدار عملاً ينجّيهم الله به من عذابه يوم القيامة.
مناسبة الآية للباب:

أن فيها الرد على المشركين الذين يدعون الأنبياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة.
 
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على المشركين الذين يتقربون إلى الأنبياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة.
2- مشروعية الوعظ والتذكير بيوم القيامة.
3- أن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالموعظة.


وقوله تعالى: {قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا} [الزمر: 44].
وقوله: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لله الشفاعة: أي: هي ملك لله فليس لمن تطلبونها منهم شيءٌ منها.
جميعاً: حالٌ مؤكدة.
من ذا الذي: أي لا أحد.
يشفع عنده إلا بإذنه: له فيها، فلا أحدٌ يتكلم بشفاعةٍ ولا غيرها إلا إذا أذن الله تعالى له في الكلام.

المعنى الإجمالي للآيتين:
يأمر الله نبيه أن يقول للذين يتعلقون على الأولياء والصالحين يطلبون منهم الشفاعة: ليس لمن تدعونهم من الشفاعة شيء، إنما هي كلُّها ملكٌ لله لا يستطيع أحدٌ شفاعةً لأحد إلا بإذنه، فلا أحدٌ يملك أن يتكلم يوم القيامة إلا إذا أذن الله سبحانه وتعالى له في الكلام.
مناسبة الآيتين للباب:
أن فيهما الرد على المشركين الذين اتخذوا الشفعاء من دون الله من الملائكة والأنبياء والأصنام المصورة على صور الصالحين، يظنون أنهم يملكون من الشفاعة شيئاً فيستطيعون أن يشفعوا عند الله سبحانه وتعالى بغير إذنه.
ما يستفاد من الآيتين:
1- الرد على المشركين الذين يطلبون الشفاعة من المخلوقين.
2- أن الشفاعة ملكٌ لله وحده فيجب طلبها منه وحده.
3- بيان عظمة الله وكبريائه وخضوع جميع الخلق لسلطانه.
4- في الآية الثانية إثبات الشفاعة لمن أذن الله له بها.



وقوله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاء وَيَرْضَى} [النجم: 26].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كم: خبريةٌ في موضع رفعٍ على الابتداء. ومعناها: كثيرٌ من الملائكة.
لا تغني: لا تُجدي ولا تنفع. في موضع رفع خبر المبتدأ.
إلا من بعد أن يأذن الله: لهم في الشفاعة.
لمن يشاء: من عباده.
ويرضى: عنه قولَه وعمَله.
معنى الآية إجمالاً:

يخبر تعالى أن كثيراً من الملائكة مع مكانتهم عنده لا تجدي شفاعتهم في أحد شيئاً، ولا تنفعه إلا إذا أذن الله لهم أن يشفعوا فيمن يشاء الشفاعة له من عباده، وكان المشفوع فيه ممن رضي الله قوله وعمله بأن يكون سالماً من الشرك قليلِه وكثيرِه، وإذا كان هذا في حقّ الملائكة فغيرهم من باب أولى.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها الرد على المشركين الذين يطلبون الشفاعة من الملائكة وغيرهم من المخلوقين.
 
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على المشركين الذين يتقرّبون إلى المخلوقين يطلبون منهم الشفاعة.

2- أن الشفاعة ملكٌ لله وحده لا تُطلب إلا منه.
3- أن الشفاعة لا تنفع إلا بشرطين:
الشرط الأول: إذن الرب للشافع أن يشفع.
الشرط الثاني: رضاه عن المشفوع فيه بأن يكون من أهل التوحيد والإخلاص.


وقوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} الآيتين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآيتين: قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ، وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [سبأ: 22، 23].
قل: أي: للمشركين.
زعمتم: أي: زعمتموهم آلهة.
من دون الله: أي: غيره لينفعوكم بزعمهم.
من دون الله: أي: غيره لينفعوكم بزعمكم.
مثقال: وزن.
ذرة: من خير أو شر، والمراد بالذرة النملة الصغيرة. ويُقال لكل جزء من أجزاء الهباء ذرةٌ.
شرك: شركة مع الله.
منهم: من الآلهة.
من ظهير: معين يعينه على تدبير أمر السماوات والأرض.
ولا تنفع الشفاعة عنده: أي عند الله تعالى ردٌّ لقولهم: إن آلهتهم تشفع عنده.
إلا لمن أذن له: أن يشفع لغيره.
المعنى الإجمالي للآيتين:

يأمر الله سبحانه نبيه أن يقول للمشركين على وجه التحدي: اطلبوا من آلهتكم التي زعمتم أنها تنفعكم وتكشفُ الضر عنكم. فإنهم لا يقدرون على ذلك لأنهم لا يملكون من الكون وزن أصغر نملة ملكاً مستقلاً، وليس لهم في الكون أدنى شركة مع الله، وليس منهم أحد يعين الله في تصريف الأمور، ولا يقدرون على التقدم بين يديه في الشفاعة لكم إلا إذا أذن لهم بذلك وهو، لا يأذن بالشفاعة لمشرك، فهم لا يملكون شيئاً استقلالاً ولا يشاركون في الملك ولا يعاونون المالك ولا يملكون الشفاعة عنده بغير إذنه. فبطُلت عبادتهم من دون الله.
مناسبة الآيتين للباب:

أن فيهما الرد على المشركين الذين يتقربون إلى الأولياء، يطلبون منهم الشفاعة ويدعونهم لجلب النفع ودفع الضر.
 
ما يستفاد من الآيتين:
1- الرد على المشركين الذين يدعون مع الله آلهة من الملائكة وغيرهم، يزعمون أنهم يملكون لهم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً.

2- مشروعية محاجة المشركين لإبطال الشرك ومناظرتهم في ذلك.
3- قطع الأسباب التي يتعلق بها المشركون، وذلك أن المشرك إنما يتخذ معبوده لما يحصل له من النفع. والنفع لا يكون إلا ممن فيه خصلةٌ من أربع:
الأولى: إما أن يكون مالكاً لما يريده منه عابده.
الثانية: وإما أن يكون شريكاً للمالك.
الثالثة: وإما أن يكون ظهيراً أو معيناً له.
الرابعة: وإما أن يكون شفيعاً عنده.
وقد نفى سبحانه وتعالى هذه الأسباب الأربعة في آلهة المشركين. فبطُلت عبادتها.
4- إثبات الشفاعة التي تكون بإذن الله.
5- أن المشركين لا تنفعهم الشفاعة؛ لأن الله تعالى لا يأذن فيها لمشرك.
قال أبو العباس: نفى الله عما سواه كل ما يتعلق به المشركون، فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه، أو يكون عوناً لله، ولم يبق إلا الشفاعة، فبين أنها لا تنفع إلا لمن أذن له الرب، كما قال: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء: 28].
فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم القيامة كما نفاها القرآن، وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده لا يبدأ بالشفاعة أولاً- ثم يقال له: ارفع رأسك، وقل يُسمع، وسل تُعط، واشفع تُشَفّع"1".
وقال أبو هريرة: من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: "من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه""2".
فتلك الشفاعة لأهل الإخلاص بإذن الله، ولا تكون لمن أشرك بالله. وحقيقته أن الله سبحانه هو الذي يتفضّل على أهل الإخلاص فيغفر لهم بواسطة دعاء من أذن له أن يشفع؛ ليُكرمه وينال المقام المحمود.
فالشفاعة التي نفاها القرآن ما كان فيها شرك، ولهذا أثبت الشفاعة بإذنه في مواضع. وقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنها لا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص. انتهى كلامه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبو العباس هو: شيخ الإسلام تقيّ الدين أحد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الإمام المشهور صاحب المصنفات المفيدة، كانت وفاته سنة 728هـ رحمه الله.
قسط: القسط هو النصيب.
الشفاعة التي يظنها المشركون أي: التي يطلبونها من غير الله من الأنداد.
وأخبر النبي: أي في الحديث الثابت في الصحيحين. وغيرهما من حديث الشفاعة.
وقال أبو هريرة: أي: في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة.
أسعد الناس: أكثرهم سعادة بها.
خالصاً من قلبه: احتراز من المنافق الذي يقولها بلسانه فقط.
وحقيقته: أي: حقيقة الأمر في بيان الشفاعة الصحيحة لا كما يظنه المشركون.
المقام المحمود: أي: الذي يحمده فيه الخلائق كلهم.
مقصود المؤلف من سياق كلام شيخ الإسلام هنا.
أن فيه شرحاً وتفسيراً لما في هذا الباب من الآيات، ففيه:
1- صفة الشفاعة المنفية، وصفة الشفاعة المثبتة.

2- ذكر الشفاعة الكبرى وهي المقام المحمود، وماذا يفعل النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى يؤذن له فيها.
3- أن أسعد الناس بالشفاعة أهل الإيمان.
 
فائدة:
له –صلى الله عليه وسلم- ستة أنواع من الشفاعة.

الأول: الشفاعة التي يختص بها نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-، وهي الشفاعة لأهل الموقف، ليفصل الله بينهم ويريحهم من مقامهم في الموقف.
الثاني: شفاعته لأهل الجنة حتى يدخلوها.
الثالث: الشفاعة لقوم من العصاة استوجبوا دخول النار أن لا يدخلوها.
الرابع: الشفاعة في قوم من العصاة دخلوا النار أن يخرجوا منها.
الخامس: الشفاعة في قوم من أهل الجنة لزيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم.
السادس: شفاعته –صلى الله عليه وسلم- في عمه أبي طالب أن يخفف عنه عذاب النار.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "3340" ومسلم برقم "194".
"2" أخرجه البخاري برقم "99".



يتبع باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.

 
باب قول الله تعالى: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآية: {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن فيه الرد على عُبّاد القبور الذين يعتقدون في الأنبياء والصالحين النفع والضر. وذلك أنه إذا كان النبي –صلى الله عليه وسلم- قد حرص على هداية عمّه في حياته فلم يتيسر له، ودعا له بعد موته فنُهي عن ذلك، وذكر سبحانه أن الرسول لا يقدر على هداية من أحبّ، فهذا يدل على أنه –صلى الله عليه وسلم- لا يملك ضراً ولا نفعاً، فبطل التعلق به لجلب النفع ودفع الضر، وغيره من باب أولى.
إنك: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
لا تهدي: هداية توفيقٍ للدخول في الإسلام. وأما هداية الدعوة والبيان فإن الرسول يملكها {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}.
من أحببت: هدايته.
ولكن الله يهدي من يشاء: يوفِّق للدخول في الإسلام.
وهو أعلم بالمهتدين: أي: أعلم بمن يستحق الهداية ممن يستحق الغواية.

المعنى الإجمالي للآية:
يقول تعالى لرسوله –صلى الله عليه وسلم-: إنك لا تقدر على توفيق من تحب دخوله في الإسلام، ولكن ذلك إنما يكون بيد الله، فهو الذي يوفق من شاء له، وهو أعلم بمن يستحقه ممن لا يستحقه.
مناسبة الآية للباب:
أن فيها دلالة واضحة على أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك ضراً ولا نفعاً ولا عطاء ولا منعاً، وأن الأمر كله بيد الله، ففيها الرد على الذين ينادونه لتفريج الكربات وقضاء الحاجات.
 
ما يستفاد من الآية:
1- الرد على الذين يعتقدون أن الأولياء ينفعون أو يضرون ويتصرفون بعد الموت على سبيل الكرامة.
2- أن هداية التوفيق بيد الله سبحانه.
3- إثبات العلم لله سبحانه.
4- إثبات الحكمة لله سبحانه.
5- إبطال التعلق بغير الله.


في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وعنده عبد الله بن أبي أمية وأبو جهل. فقال له: "يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله" فقالا له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فأعاد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم-، فأعادا. فكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب. وأبى أن يقول لا إله إلا الله. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: "لأستغفرن لك ما لم أُنه عنك" فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى} [التوبة: 113].
وأنزل الله في أبي طالب: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}"1" [القصص: 56].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ – ترجمة ابن المسيب: هو سعيد بن المسيب أحد العلماء والفقهاء الكبار من التابعين مات بعد التسعين.
في الصحيح: أي: صحيح البخاري.

عن أبيه: المسيب صحابيّ توفي في خلافة عثمان.
لما حضرت أبا طالب الوفاة: أي: علاماتها ومقدماتها.
يا عم: "عمِّ" منادى مضاف حذفت منه الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها.
كلمة: بالنصب على البدل من "لا إله إلا الله".
أحاج: بتشديد الجيم مفتوحة على الجزم بجواب الأمر –من المحاجة وهي بيان الحجة- أي أشهد لك بها عند الله.
أترغب؟ أتترك؟
ملة عبد المطلب: هي الشرك وعبادة الأصنام، ذكّره بحجة المشركين: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف: 22].
فأعاد عليه النبي: أي: أعاد عليه مقالته وهي قولُه: يا عم قل لا إله إلا الله.
وأعادا عليه: أي: أعاد عليه أبو جهل وعبد الله مقالتهما وهي: "أترغب عن ملة عبد المطلب"؟
هو على ملة عبد المطلب: استبدل الراوي بضمير المتكلم ضمير الغائب استقباحاً للفظ المذكور.
وأبى أن يقول: لا إله إلا الله: هذا تأكيدٌ لما قبله.
ما كان للنبي: أي: ما ينبغي، وهو خبرٌ بمعنى النهي.
المعنى الإجمالي للحديث:

كان أبو طالب يحمي النبي –صلى الله عليه وسلم- من أذى قومه، وفعل من حمايته ما لم يفعله غيرُه من الناس، فكان –صلى الله عليه وسلم- حريصاً على هدايته، ومن ذلك أنه عاده لما مرض فجاءه وهو في سياق الموت وعرض عليه الإسلام؛ ليكون خاتمة حياته ليحصل له بذلك الفوز والسعادة، وطلب منه أن يقول كلمة التوحيد. وعرض عليه المشركون أن يبقى على دين آبائه الذي هو الشرك؛ لعلمهم بما تدل عليه هذه الكلمة من نفي الشرك وإخلاص العبادة لله وحده. وأعاد النبي –صلى الله عليه وسلم- طلب التلفظ بالشهادة من عمه. وأعاد المشركون المعارضة وصاروا سبباً لصده عن الحق وموته على الشرك.
وعند ذلك حلف النبي –صلى الله عليه وسلم- ليطلُبن له من الله المغفرة ما لم يمنع من ذلك. فأنزل الله المنع من ذلك وبيّن له أن الهداية بيد الله يتفضل بها على من يشاء؛ لأنه يعلم من يصلح لها ممن لا يصلح.
مناسبة الحديث للباب:
أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- لا يملك نفعاً لمن هو أقرب الناس إليه، مما يدل على بطلان التعلق عليه –صلى الله عليه وسلم- لجلب النفع أو دفع الضر، وغيره من باب أولى.
 
ما يستفاد من الحديث:
1- جواز عيادة المريض المشرك إذا رُجي إسلامه.
2- مضرة أصحاب السوء وقرناء الشر على الإنسان.
3- أن معنى لا إله إلا الله ترك عبادة الأصنام والأولياء والصالحين وإفراد الله بالعبادة. وأن المشركين يعرفون معناها.
4- أن من قال لا إله إلا الله عن علمٍ ويقين واعتقادٍ دخل في الإسلام.
5- أن الأعمال بالخواتيم.
6- تحريم الاستغفار للمشركين وتحريم موالاتهم، ومحبتهم.
7- بطلان التعلق على النبي –صلى الله عليه وسلم- وغيره لجلب النفع أو دفع الضرر.
8- الرد على من زعم إسلام أبي طالب.
9- مضرة تقليد الآباء والأكابر بحيث يُجعل قولهم حجة يرجع إليها عند التنازع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "1360" ومسلم برقم "24" وأحمد في المسند "5/168، 443".

يتبع باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين


 
الوسوم
التوحيد تعرف ماذا
عودة
أعلى