ماذا تعرف عن التوحيد ?

باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا...} الآيات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآيات: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا، فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 60- 62].
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:

نبه المؤلف –رحمه الله- بهذا الباب على ما تضمَّنه التوحيد واستلزمه من تحكيم الرسول –صلى الله عليه وسلم- في موارد النزاع؛ إذ هذا من مقتضى الشهادتين، فمن تلفظ بالشهادتين ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول فقد كذب في شهادته.
ألم تر: استفهام تعجّب واستنكار.
يزعمون أنهم آمنوا... إلخ: أي: يدّعون الإيمان بذلك وهم كاذبون.
أن يتحاكموا: أي: يتخاصموا.
إلى الطاغوت: هو كثير الطغيان، والمراد به هنا كعب الأشراف اليهودي، وهو يشمل كل من حكم بغير ما أنزل الله.
يكفروا به: أي يرفضوا طاعة الطاغوت.
ويريد الشيطان: بأمره لهؤلاء وتزيينه لهم التحاكم إلى الطاغوت.
أن يضلهم: أن يصدهم عن سبيل الحق والهدى.
ضلالاً بعيداً: فيجور بهم جوراً بعيداً.
إلى ما أنزل الله: أي: في القرآن من الحكم بين الناس.
وإلى الرسول: ليحكم بينهم فيما تنازعوا فيه.
رأيت المنافقين: أي: الذين يدّعون الإيمان وهم كاذبون.
يصدون: يُعرضون، في موضع نصبٍ على الحال.
عنك: إلى غيرك.
صدوداً: مصدر "صدّ" أو اسم مصدر.
فكيف: أي: ماذا يكون حالهم؟ وماذا يصنعون؟
إذا أصابتهم مصيبة: إذا نزلت بهم عقوبة من قتل ونحوه.
بما قدمت أيديهم: أي: بسبب التحاكم إلى غيرك وعدم الرضا بحكمك، هل يقدرون على الفرار منها؟
ثم جاءوك: للاعتذار حين يُصابون، معطوفٌ على إصابتهم، أو على يصدون.
إن أردنا: أي: ما أردنا بالمحاكمة إلى غيرك.
إلا إحساناً: أي: الإصلاح بين الناس.
وتوفيقاً: تأليفاً بين الخصمين ولم نُرد مخالفتك.

 
المعنى الإجمالي للآيات:
أن الله –سبحانه وتعالى- أنكر على من يدّعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء قبله، وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله،ويحاكم إلى الطاغوت الذي أمر الله عباده المؤمنين أن يكفروا به؛ ولكن الشيطان يريد أن يضلّ هؤلاء المتحاكمين إلى الطاغوت عن سبيل الهدى والحق ويبعدهم عنه؛ وإذا دُعي هؤلاء إلى التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله أعرضوا إعراض استكبار وتمتع –فماذا يكون حالهم وصنيعهم إذا نزلت بهم المصائب واحتاجوا إلى الرسول في ذلك؟! ليدعو الله لهم ويحل مشاكلهم –فجاؤوه يعتذرون عما صدر منهم بأنهم لم يريدوا مخالفتهم في عدولهم إلى غيره، وإنما أراد الإصلاح والتأليف بين الناس. فيُبدون هذه الأعذار الباطلة ليُبرّروا فعلهم حينما يفتضحون.

ما يستفاد من الآيات:

1- وجوب التحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله والرضا بذلك والتسليم له.
2- أن من تحاكم إلى غير الشريعة الإسلامية فليس بمؤمن، وليس بمصلح وإن ادعى أنه يقصد الإصلاح.
3- أن من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت، ومن تحاكم إلى غير ما أنزل الله فهو متحاكم إلى الطاغوت، وإن سماه بأي اسم.
4- وجوب الكفر بالطاغوت.
5- التحذير من كيد الشيطان وصدّه الإنسان عن الحق.
6- أن من دعي إلى التحاكم إلى ما أنزل الله وجب عليه الإجابة والقبول، فإن أعرض فهو منافق.
7- أن دعوى قصد الإصلاح ليست بعذر في الحكم بغير ما أنزل الله.


وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} [البقرة: 11].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وإذا قيل لهم: أي: للمنافقين.
لا تفسدوا في الأرض: أي: بالكفر وغيره من أنواع المعاصي.
إنما نحن مصلحون: وليس ما نحن فيه بفساد.

المعنى الإجمالي للآية:
أن الله سبحانه وتعالى يذكر من صفات المنافقين أنهم إذا نُهوا عن ارتكاب المعاصي التي تسبب الفساد في الأرض بحلول العقوبات، وأُمروا بالطاعة التي فيها صلاح الأرض أجابوا: بأن شأننا الإصلاح؛ لأنهم تصوروا الفساد بصورة الصلاح لما في قلوبهم من المرض.
مناسبة الآية للباب:

أن من دعا إلى التحاكم إلى ما أنزل الله أو دعا إلى المعاصي فقد أتى بأعظم الفساد في الأرض.
 
ما يستفاد منها:
1- التحذير من تحكيم النظُم والقوانين المخالفة للشريعة، وإن ادّعى أصحابها أن قصدهم الإصلاح.
2- أن دعوى الإصلاح ليست بعذر في ترك ما أنزل الله.
3- التحذير من الإعجاب بالرأي.
4- أن مريض القلب يتصور الحق باطلاً والباطل حقاً.
5- أن النية الحسنة لا تُسوغ مخالفة الشرع.


وقوله: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا} [الأعراف: 56].
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا: ناهية.
تفسدوا في الأرض: بالشرك والمعاصي.
بعد إصلاحها: ببعث الأنبياء وشرع الأحكام وعمل الطاعات.
المعنى الإجمالي للآية:
ينهى الله سبحانه عباده عن الإفساد في الأرض –بالمعاصي والدعاء إلى طاعة المخلوقين في معصية الخالق- بعد إصلاحه سبحانه إياها ببعث الرسل وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة الله؛ فإن عبادة غير الله والدعوة إلى غيره والشرك به والظلم والمعاصي هي أعظم فسادٍ في الأرض.
مناسبة الآية للباب:

أن من يدعو إلى التحاكم إلى غير ما أنزل الله فقد أتى بأعظم الفساد في الأرض.
ما يستفاد من الآية:
1- أن المعاصي إفسادٌ في الأرض.
2- أن الطاعة إصلاحٌ للأرض.
3- أن تحكيم غير ما أنزل الله إفسادٌ في الأرض.
4- أن صلاح البشر وإصلاحهم لا يكون إلا بتحكيم ما أنزل الله.
وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ...} الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

تمام الآية: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50].
أفحكم: استفهام إنكاري.
الجاهلية: ما كان قبل الإسلام وكل ما خالف الإسلام فهو من الجاهلية.
يبغون: يطلبون.
ومن: أي: لا أحد.
أحسن من الله حكماً: هذا من استعمال أفعل التفضيل فيهما ليس له في الطرف الآخر مشارك.
لقوم يوقنون: أي: عند قومٍ يوقنون فإنهم هم الذين يتدبرون الأمور فيعلمون أن لا أحسن حكماً من حكم الله.
المعنى الإجمالي للآية:

ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله تعالى –المشتمل على كل خير وعدل، والناهي عن كل شر- إلى ما سِواه من: الآراء والأهواء الاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجَهالات والأعراف القبَلية.
مناسبة الآية للباب:

أن من ابتغى غير حكم الله –من الأنظمة والقوانين الوضعية- فقد ابتغى حكم الجاهلية.
ما يستفاد من الآية:
1- وجوب تحكيم شريعة الله.
2- أن ما خالف شرع الله فهو من حكم الجاهلية.
3- بيان مزية أحكام الشريعة وأنها هي الخير والعدل والرحمة.
4- أن تحكيم القوانين الوضعية والنظم الغربية كفرٌ.


عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به" قال النووي: حديث صحيح رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح"1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراجم:

النووي هو: محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف النووي –نسبة إلى نوى قرية بالشام- وهو إمام مشهور صاحب تصانيف، توفي سنة 676 هـ رحمه الله.
الحجة: أي: كتاب الحجة على تارك المحجة للشيخ أبي الفتح نصر بن إبراهيم المقدسي الشافعي.

وهذا الحديث في إسناده مقالٌ- لكن معناه صحيح قطعاً وإن لم يصح إسناده وله شواهد من القرآن كقوله: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء: 65].
لا يؤمن أحدكم: أي: لا يحصل له الإيمان الواجب ولا يكون من أهله.
هواه: أي: ما يهواه وتحبه نفسه وتميل إليه.
تبعاً لما جئت به: فيحب ما أمر به الرسول –صلى الله عليه وسلم- ويكره ما نهى عنه.
 
المعنى الإجمالي للحديث:
أن الإنسان لا يكون مؤمناً الإيمان الكامل الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- من: الأوامر والنواهي وغيرها، فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه.

مناسبة الحديث للباب:

نفيُ الإيمان عمن لم يطمئن إلى شرع الله ويحبه، ويكره ما خالفه من القوانين والنظم الوضعية.
ما يستفاد من الحديث:
1- وجوب محبة كل ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولا سيما من التشريع والعمل به.
2- وجوب بغض كل ما خالف شريعة الرسول –صلى الله عليه وسلم- والابتعاد عنه.
3- انتفاء الإيمان عمن يميل بقلبه إلى مخالفة ما جاء به الرسول –صلى الله عليه وسلم- ولو عمل به ظاهراً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" انظر الأربعين النووية "ص48".


وقال الشعبي: "كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة، فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد، عرف أنه لا يأخذ الرشوة، وقال المنافق: نتحاكم إلى اليهود: لعلمه أنهم يأخذون الرشوة، فاتفقا أن يأتيا كاهناً في جهينة فيتحاكما إليه فنزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

التراجم:
الشعبي هو: عامر بن شراحيل الشعبي، وقيل: عامر بن عبد الله بن شراحيل الشعبي الحميري أبو عمرو الكوفي ثقة حافظ فقيه من التابعين. قيل مات سنة 103هـ رحمه الله، وقيل غير ذلك.
من المنافقين: جمع منافق وهو الذي يظهر الإسلام ويبطن الكفر.
اليهود: جمع يهودي –مِن هاد إذا رجع- وقيل اليهودي نسبة إلى يهودا بن يعقوب عليه السلام.
خصومة: أي جدال ونزاع.
الرشوة: ما يُعطى لمن يتولى شيئاً من أمور الناس ليحيف مع المعطي ومن ذلك: ما يعطيه أحد الخصمين للقاضي أو غيره ليحكم له، مأخوذة من الرشاء الذي يتوصل به إلى الماء.
جهينة: قبيلة عربية مشهورة.
فنزلت: هذا بيان لسبب نزول الآية الكريمة.
المعنى الإجمالي للأثر:

يروي الشعبي –رحمه الله- أن هذه الآية الكريمة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية. نزلت بسبب ما حصل من رجلٍ يدّعي الإيمان ويريد أن يتحاكم إلى غير الرسول –صلى الله عليه وسلم-، تهرباً من الحكم العادل؛ مما حمله على التحاكم إلى الطاغوت من غير مبالاة بما يترتب على ذلك من مناقضة للإيمان؛ مما يدل على كذبه في ادعائه الإيمان؛ فمن عمل مثل عمله فهو مثله في هذا الحكم.
مناسبة الأثر للباب:

أن التحاكم إلى غير شرع الله يناقض الإيمان بالله وكتبه.
ما يستفاد من الأثر:
1- وجوب التحاكم إلى شريعة الله.
2- أن التحاكم إلى غير شريعة الله ينافي الإيمان.
3- فيه كشفٌ لحقيقة المنافقين، وأنهم شرٌّ من اليهود.
4- تحريم أخذ الرشوة؛ وأن أخذ الرشوة من أخلاق اليهود، وقد لعن النبي –صلى الله عليه وسلم- معطيها وآخذها.


وقيل: "نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم-، وقال الآخر: إلى كعب الأشرف، ثم ترافعا إلى عمر، فذكر له أحدهما القصة، فقال للذي لم يرض برسول الله - صلى الله عليه وسلم-: أكذلك؟ قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراجم:

كعب بن الأشرف: يهوديّ عربيّ من طيء وأمه من بني النضير، كان شديد العداوة للنبي –صلى الله عليه وسلم-.
وقيل نزلت: يعني: الآية المذكورة سابقا.
المعنى الإجمالي للأثر:

هذا الأثر فيه بيان قول آخر –غير ما سبق- في سبب نزول الآية الكريمة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} الآية. وأن القصة لما بلغت عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- واستثبتها قتل الذي لم يرض بحكم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
مناسبة ذكره في الباب: أن فيه دليلاً على كفر من احتكم إلى غير شرع الله واستحقاقه للقتل؛ لأنه مرتدٌّ عن دين الإسلام.
ما يستفاد من الأثر:
1- أن تحكيم غير الله تعالى، ورسوله –صلى الله عليه وسلم- في فضّ المنازعات ردةٌ عن الإسلام.
2- أن المرتد عن دين الإسلام يقتل.
3- أن الدعاء إلى تحكيم غير شرع الله من صفات المنافقين ولو كان المدعو إلى تحكيمه إماماً فاضلاً كعمر بن الخطاب رضي الله عنه.
4- مشروعية الغضب لله ولرسوله ولدينه.
5- مشروعية تغيير المنكر باليد لمن يقدر على ذلك.
6- أن معرفة الحق لا تغني عن العمل به والانقياد له.





يتبع باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات


 
باب من جحد شيئاً من الأسماء والصفات

وقول الله تعالى: {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} الآية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآية: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} [الرعد: 30].
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:

لما كان التوحيد ثلاثة أنواع: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، وكان الإيمان بالله لا يحصل إلا بتحقق هذه الثلاثة؛ نبه المصنف بهذا الباب على هذا النوع؛ ليبين حكم من جحده.
باب من جحد... إلخ: أي: أنه يكفر بذلك.
وهم: أي: كفار قريش.

يكفرون بالرحمن: أي: يجحدون هذا الاسم، مع إيمانهم بالله، فالرحمن اسمٌ من أسماء الله، والرحمة صفةٌ من صفاته.
قل: يا محمد رداً عليهم في كفرهم بالرحمن.
هو ربي: أي: الرحمن عز وجل ربي وإن كفرتم به.
لا إله إلا هو: أي: لا معبود بحق سواه.
عليه: لا على غيره.
توكلت: فوضت أموري كلها إليه واعتمدت عليه.
وإليه متاب: مرجعي وتوبتي.
المعنى الإجمالي للآية:

أن الله سبحانه وتعالى ينكر على مشركي قريش جحودهم لاسمه الرحمن، ويأمر رسوله محمداً –صلى الله عليه وسلم- أن يرد عليهم هذا الجحود ويعلن إيمانه بربه وأسمائه وصفاته، وأنه سبحانه هو الذي يستحق العبادة وحده، ويتوكل عليه ويُرجع إليه في جميع الأمور ويُتاب إليه من الذنوب.
مناسبة الآية للباب:

أن جحود شيء من أسماء الله وصفاته كفر.
 
ما يستفاد من الآية:
1- أن جحود شيء من الأسماء والصفات كفر.
2- وجوب الإيمان بأسماء الله وصفاته.
3- وجوب التوكل على الله والتوبة إليه.
4- وجوب إخلاص العبادة لله.


وفي صحيح البخاري: قال علي: "حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله؟""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
صحيح البخاري: أي الكتاب الذي جمع فيه البخاري الأحاديث الصحيحة. والبخاري هو الإمام محمد بن إسماعيل البخاري نسبة إلى بخارى بلدة في المشرق. وكتابه أصح كتاب بعد كتاب الله.
المعنى الإجمالي للأثر:

يرشد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- إلى أنه لا ينبغي أن يحدث عامة الناس إلا بما هو معروف ينفع الناس في أصل دينهم وأحكامه من التوحيد وبيان الحلال والحرام ويُترك ما يشغل عن ذلك؛ مما لا حاجة إليه أو كان مما قد يؤدي إلى رد الحق وعدم قبوله مما يشتبه عليهم فهمه، ويصعب عليهم إدراكه؛ وقد قال ذلك حينما كثر القصاص أي: الوعاظ في خلافته.
مناسبة الأثر للباب:

يأتي بيانها بعد ذكر الأثر الذي بعده.
ما يستفاد من الأثر:
أنه إذا خشي ضررٌ من تحديث الناس ببعض ما لا يفهمون؛ فلا ينبغي تحديثهم بذلك وإن كان حقاً.
* * *
"1" أخرجه البخاري برقم "127".


وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس: "أنه رأى رجلاً انتفض لما سمع حديثاً عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في الصفات؛ استنكاراً لذلك فقال: ما فرق هؤلاء؟ يجدون رقة عند محكمه ويهلكون عند متشابهه" انتهى.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراجم:
1- عبد الرزاق هو: عبد الرزاق بن همام الصنعاني الإمام الحافظ صاحب المصنفات مات سنة 211هـ رحمه الله.
2- معمر هو: أبو عروة معمر بن راشد الأزدي البصري ثقة ثبت مات سنة 154هـ رحمه الله.
3- ابن طاووس هو: عبد الله بن طاووس اليماني ثقة فاضل عابد مات سنة 132هـ رحمه الله.
انتفض: أي: ارتعد.
فقال: أي: ابن عباس.
ما: استفهامية.
فرق: بفتح الفاء والراء أي: خوف.
هؤلاء: يشير إلى أناس يحضرون مجلسه من عامة الناس.
رقة: ليناً وقبولاً.
محكمه: ما وضح معناه فلم يلتبس على أحد.
متشابهه: ما اشتبه عليهم فهمه.
المعنى الإجمالي للأثر:
ينكر ابن عباس –رضي الله عنهما- على أناس ممن يحضر مجلسه من عامة الناس يحصل منهم خوفٌ عندما يسمعون شيئاً من أحاديث الصفات ويرتعدون استنكاراً لذلك، فلم يحصل منهم الإيمان الواجب بما صح عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عرفوا معناه من القرآن وهو حق لا يرتاب فيه مؤمن، وبعضهم يحمله على غير معناه الذي أراده الله فيهلك بذلك.

مناسبة الأثر للباب:
بعدما ذكر المؤلف أثر عليّ –رضي الله عنه- الذي يدل على أنه لا ينبغي تحديث الناس بما لا يعرفون، ذكر هذا الأثر الذي يدل على أن نصوص الصفات ليست مما نهى عن التحديث به؛ بل ينبغي ذكرها وإعلانها؛ فليس استنكار بعض الناس لها بمعناه من ذكرها، فما زال العلماء قديماً وحديثاً يقرأون آيات الصفات وأحاديثها بحضرة العوام والخواص.
ما يستفاد من الأثر:
1- أنه لا مانع من ذكر آيات الصفات وأحاديثها بحضرة عوام الناس وخواصهم من باب التعليم.
2- أن من رد شيئاً من نصوص الصفات أو استنكره بعد صحته فهو من الهالكين.
3- الإنكار على من استنكر شيئاً من نصوص الصفات.


ولما سمعت قريشٌ رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يذكر الرحمن، أنكروا ذلك، فأنزل الله: {... وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ...}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المعنى الإجمالي للأثر:

يذكر الرحمن: يعني حين كتب: "بسم الله الرحمن الرحيم" في صلح الحديبية فقالوا: أما الرحمن، فلا نعرفه، ولا ندري ما الرحمن، ولا نكتب إلا: باسمك اللهم"1" فيكون هذا هو سبب نزول الآية، وقيل: قالوا ذلك حينما سمعوا الرسول –صلى الله عليه وسلم- يدعو في سجوده ويقول:
"يا رحمن يا رحيم" فقالوا: هذا يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو اثنين: الرحمن، الرحيم وهذا سبب آخر لنزول الآية ولا مانع أن تنزل الآية لسببين أو أكثر. وتقدمت هذه الآية وما يتعلق بها في أول الباب.
ما يستفاد من الأثر:
1- ثبوت الأسماء والصفات لله عز وجل.
2- أن تعدد الأسماء لا يدل على تعدد المسمى.
3- مشروعية دعاء الله بأسمائه وصفاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

"1" أخرجه البخاري برقم "2731، 2732".


يتبع باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} الآية.
 
باب قول الله تعالى: {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا} الآية.

قال مجاهد ما معناه: "هو قول الرجل: هذا مالي ورثته عن آبائي. وقال عون بن عبد الله: "يقولون: لولا فلان لم يكن كذا". وقال ابن قتيبة: يقولون: "هذا بشفاعة آلهتنا".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآية: {وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل: 83].
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:

أن المصنف أراد بهذا الباب بيان وجوب التأدب مع الربوبية، بتجنب الألفاظ الشركية الخفية كنسبة النعم إلى غير الله؛ لأن ذلك ينافي كمال التوحيد.
التراجم:
1- مجاهد هو: شيخ التفسير مجاهد بن جبر المكي الإمام الرباني من تلاميذ ابن عباس مات سنة 104هـ على الراجح رحمه الله.
2- عون هو: عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي ثقة عابد مات حوالي سنة 120هـ رحمه الله.
3- ابن قتيبة هو: عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الحافظ صاحب التفسير وغيره من المؤلفات مات سنة 276هـ رحمه الله.
يعرفون: أي: يعرف المشركون.
نعمة الله: اختُلف في المراد بها، وقد ذكر المصنف جملة من أقوال العلماء في ذلك.
ورثته عن آبائي... إلخ: وقاتل هذه الأقوال ونحوها منكر لنعمة الله بإضافتها إلى غيره، جاحد لها غير معترف بها، والآية تعم ما ذكره العلماء في معناها.
المعنى الإجمالي للآية:

أن المشركين يعترفون بنعم الله التي عدّدها عليهم –في سورة النحل وغيرها- أنها من الله، ثم ينكرونها بإضافتها إلى غيره من آلهتهم وآبائهم وغيرهم، فهم متناقضون في ذلك.
 
ما يستفاد من الآية:
1- أن المشركين معترفون بتوحيد الربوبية.
2- وجوب نسبة النعم إلى الله سبحانه وتعالى وحده.
3- التحذير من نسبة النعم إلى غير الله؛ لأنه شركٌ في الربوبية.
4- وجوب التأدب في الألفاظ، وتحريم الاعتماد على الأسباب.


وقال أبو العباس –بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه أن الله تعالى قال: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر.." الحديث -وقد تقدم-: "وهذا كثير في الكتاب والسنة، يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره، ويشرك به. قال بعض السلف: هو كقولهم: كانت الريح طيبة، والملاح حاذقاً... ونحو ذلك مما هو جارٍ على ألسنة كثير".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراجم: أبو العباس: هو شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله.
وقد تقدم: أي: في باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء.
الملاح: قائد السفينة.
السلف: هم المتقدمون من علماء هذه الأمة من الصحابة والتابعين وأتباعهم.
المعنى الإجمالي للأثر:

أن السفن إذا جَرَين بريح طيبة بأمر الله جرياً حسناً نسبوا ذلك إلى طيب الريح وحذق قائد السفينة؛ ونسوا ربهم الذي أجرى لهم الفلك في البحر رحمة بهم؛ فيكون هذا من جنس نسبة المطر إلى الأنواء.
حكم من فعل ذلك: فيه تفصيل:
1- إن كان المتكلم بذلك لم يقصد أن الريح والملاح ونحو ذلك هو الفاعل لذلك من دون خلق الله وأمره، وإنما أراد نسبتها إلى السبب فقط فهذا شرك أصغر؛ لأنه أضاف النعمة إلى غير الله، والواجب إضافتها إلى الله.
2- وإن كان يقصد أن هذه الأشياء تفعل ذلك من دون الله؛ فهذا شرك أكبر.
والأول هو الذي يجري على ألسنة كثير من المسلمين فيجب الحذر منه.



يتبع باب قول الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].


 
باب قول الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].

قال ابن عباس في الآية: "الأنداد هو: الشرك؛ أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل، وهو أن تقول: والله وحياتك يا فلان وحياتي، وتقول: لولا كليبة هذا، لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار، لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلاناً؛ هذا كله به شرك". رواه ابن أبي حاتم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:

أنه لما كان من تحقيق التوحيد الاحتراز من الشرك بالله في الألفاظ، وإن لم يقصده المتكلم بقلبه؛ نبه المؤلف –رحمه الله- بهذا الباب على ذلك وبيّن بعض هذه الألفاظ لتجتنب هي وما ماثلها.
فلا تجعلوا لله أنداداً: أي: أشباهاً ونظراء تصرفون لهم العبادة أو شيئاً منها.
وأنتم تعلمون: أنه ربكم لا يرزقكم غيره ولا يستحق العبادة سواه.
في الآية: أي: في تفسير الآية.
دبيب النمل: مشيه.
على صفاة: الصفا: الحجر الأملس.
كليبة: تصغير كلبة وهي هنا: التي تُتخذ لحفظ المواشي وغيرها.
اللصوص: جمع لصّ وهم: السراق.
البطّ: جمع بطّة وهي: من طيور الماء تُتخذ في البيوت، فإذا دخلها غيرُ أهلها استنكرته وصاحت.
لا تجعل فيها فلاناً: أي: لا تجعله في مقالتك فتقول: لولا الله وفلان، بل قل: لولا الله وحده.
هذا كله به شرك. أي: هذه الألفاظ المذكورة وما شابهها شرك بالله أي: شرك أصغر.
 
المعنى الإجمالي للآية:
أن الله –تبارك وتعالى- ينهى الناس أن يتخذوا له أمثالاً ونظراء يصرفون لهم شيئاً من عبادته؛ وهم يعلمون أن الله وحده الخالق الرازق؛ وأن هذه الأنداد عاجزة فقيرة ليس لها من الأمر شيء. وما ذكره ابن عباس أمثلة لاتخاذ الأنداد؛ لأن لفظ الآية يشملها وإن كانت شركاً أصغر والآية نازلة في الشرك الأكبر؛ فالسلف يستدلون بما نزل في الشرك الأكبر على الشرك الأصغر.

ما يستفاد من الآية:

1- التحذير من الشرك في العبادة.
2- أن المشركين مقرون بتوحيد الربوبية.
3- أن الشرك الأصغر خفيّ جداً وقلّ من يتنبه له.
4- وجوب تجنب الألفاظ الشركية ولو لم يقصدها الإنسان بقلبه.


وعن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك""1" رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن عمر: صوابه عن ابن عمر.
من حلف: الحلف: اليمين، وهي توكيد الحكم بذكر معظّم على وجهٍ مخصوص.
بغير الله: أي: بأي مخلوق من المخلوقات.
كفر أو أشرك: يحتمل أن يكون هذا شكاً من الراوي. ويحتمل أن تكون "أو" بمعنى الواو فيكون كفر وأشرك. والمراد الكفر والشرك الأصغران.
المعنى الإجمالي للحديث:

يخبر –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث خبراً معناه النهي: أن من أقسم بغير الله من المخلوقات فقد اتخذ ذلك المحلوف به شريكاً لله وكفر بالله؛ لأن الحلف بالشيء يقتضي تعظيمه، والعظمة في الحقيقة إنما هي لله وحده، فلا يُحلف إلا به أو بصفة من صفاته.
مناسبة الحديث للباب:

أنه يدل على أنه من حلف بغير الله فقد اتخذ المحلوف به نداً لله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه الترمذي برقم "1535" وأبو داود برقم "3251" والحاكم "4/297".


ما يستفاد من الحديث:
1- تحريم الحلف بغير الله وأنه شرك وكفر بالله.
2- أن التعظيم بالحلف حقّ لله سبحانه وتعالى فلا يحلف إلا به.
3- أن الحلف بغير الله لا تجب به كفّارة؛ لأنه لم يذكر فيه كفارة.


وقال ابن مسعود: "لَأَن أحلف بالله كاذباً أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقاً""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لأن: اللام: لام الابتداء و"أن" مصدرية، والفعل بعدها منصوب في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء.
أحب... إلخ: خبر المبتدأ.
المعنى الإجمالي للأثر:

يقول ابن مسعود –رضي الله عنه-: إقسامي بالله على شيء أنا كاذبٌ فيه أحب إلي من إقسامي بغير الله على شيءٌ أنا صادقٌ فيه؛ وإنما رجح الحلف بالله كاذباً على الحلف بغيره صادقاً؛ لأن الحلف بالله فيه هذه الحالة في حسنة التوحيد، وفيه سيئة التوحيد أعظم من حسنة الصدق. وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك.
مناسبة الأثر للباب:
أنه يدل على تحريم الحلف بغير الله.
ما يستفاد من الأثر:
1- تحريم الحلف بغير الله.
2- أن الشرك الأصغر أعظم من كبائر الذنوب كالكذب، ونحوه من الكبائر.
3- جواز ارتكاب أقل الشرين ضرراً إذا كان لا بد من أحدهما.
4- دقة فقه ابن مسعود رضي الله عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" قال الهيثمي في مجمع الزوائد "4/177": رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.


وعن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان""1" رواه أبو داود بسند صحيح.
وجاء عن إبراهيم النخعي: "أنه يكره أن يقول: أعوذ بالله وبك، ويجوِّز أن يقول: بالله ثم بك"، قال: "ويقول: لولا الله ثم فلان، ولا تقولوا: لولا الله وفلان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تقولوا: لا: ناهية والفعل بعدها مجزومٌ بها وعلامة جزمها حذف النون.
ما شاء الله وشاء فلان: لأن العطف بالواو يقتضي الجمع والمساواة.
ما شاء الله ثم شاء فلان: لأن العطف بثُمّ يقتضي الترتيب والتراخي.
يكره: الكراهة في عُرف السلف يُراد بها التحريم.
أعوذ: العوذ: الالتجاء إلى الغير والتعلق به.
لولا: حرف امتناع لوجود، أي: امتناع شيء لوجود غيره.
 
المعنى الإجمالي للحديث:
ينهى –صلى الله عليه وسلم- أن يعطف اسم المخلوق على اسم الخالق بالواو بعد ذكر المشيئة ونحوها؛ لأن المعطوف بها يكون مساوياً للمعطوف عليه؛ لكونها إنما وُضعت لمطلق الجمع فلا
تقتضي ترتيباً ولا تعقيباً؛ وتسوية المخلوق بالخالق شركٌ، ويُجوِّز –صلى الله عليه وسلم- عطف المخلوق على الخالق بثُمّ؛ لأن المعطوف بها يكون متراخياً عن المعطوف عليه بمهلة فلا محذور؛ لكونه صار تابعاً. والأثر المروي عن النخعي يفيد ما أفاده الحديث.
ويختص هذا الحكم – وهو العوذ بالمخلوق – بالمخلوقين الأحياء الذين لهم قدرة، دون الأموات والعاجزين فلا يجوز أن يسند إليهم شيء.
مناسبة الحديث والأثر للباب:

أنهما يدلان على النهي عن قول: "ما شاء الله وشاء فلان" ونحو ذلك؛ لأنه من اتخاذ الأنداد لله الذي نهتْ عنه الآية التي في أول الباب على ما فسرها به ابن عباس.
ما يستفاد من الحديث:
1- تحريم قول: "ما شاء الله وشئت"، وما أشبه ذلك من الألفاظ مما فيه العطف على الله بالواو؛ لأنه من اتخاذ الأنداد لله.
2- جواز قول: "ما شاء الله ثم شئت"، وما أشبه ذلك مما فيه العطف على الله بثُمَّ؛ لانتفاء المحذور فيه.
3- إثبات المشيئة لله، وإثبات المشيئة للعبد، وأنها تابعة لمشيئة الله تعالى.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه أبو داود برقم "4980" وأحمد في المسند "5/384".


يتبع باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله


 
باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بالله

عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تحلفوا بآبائكم من حلف بالله فليصدق، ومن حُلِف له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله""1". رواه ابن ماجه بسند حسن.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:

أن عدم الرضا بالحلف بالله ينافي كمال التوحيد؛ لدلالته على قلة تعظيم الرب جل جلاله.
ما جاء فيمن... إلخ: أي: من الوعيد.
الحلف: القسم.
لا تحلفوا بآبائكم: نهيٌ عن القسم بالآباء؛ لأنه هو المعروف عندهم ولا مفهوم له؛ لتقدّم النهي عن القسم بغير الله مطلقاً.
فليصدق: أي: وجوباً تعظيماً لليمين بالله، لأن الصدق واجب ولو لم يحلف بالله فكيف إذا حلف به!.

فليرض: أي: وجوبا تعظيما لليمين بالله. وهذا عام الصدق واجب ولو لم يحلف بالل فكيف إذا حلف به!.
فليس من الله: هذا وعيدٌ، أي: فقد برئ الله منه.
معنى الحديث إجمالاً:

ينهى –صلى الله عليه وسلم- عن الحلف بالآباء؛ لأن الحلف
تعظيمٌ للمحلوف به، والتعظيم حقٌّ لله سبحانه، ثم يأمر من حلف بالله أن يكون صادقاً فيما يحلف عليه؛ لأن الصدق مما أوجبه الله على عباده مطلقاً، فكيف إذا حلفوا بالله! ويأمر –صلى الله عليه وسلم- من حُلف له بالله في خصومة أو غيرها أن يرضى باليمين؛ لأن ذلك من تعظيم الله، ثم يبين –صلى الله عليه وسلم- الوعيد الشديد في حق من لم يرض بالحلف بالله؛ لأن ذلك يدل على عدم تعظيمه لله.
مناسبة الحديث للباب:

أن فيه الوعيد الشديد في حق من لم يقنع بالحلف بالله.
ما يستفاد من الحديث:
1- الوعيد الشديد في حق من لم يقنع بالحلف بالله.
2- وجوب الصدق في اليمين.
3- تحريم الكذب في اليمين.
4- حسن الظن بالمسلم ما لم يتبين خلافه.
5- وجوب تصديق من حلف بالله إذا كان من أهل الإيمان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه ابن ماجه برقم "2101".

يتبع باب قول: ما شاء الله وشئت




 
باب قول: ما شاء الله وشئت

عن قُتَيلَة: أن يهودياً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم- إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء ثم شئت""1" رواه النسائي وصححه.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:

أن هذا الباب داخلٌ في باب قول الله تعالى: {... فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً...} وقد سبق بيان مناسبته.

التراجم: قُتَيلة: بضمِّ القاف وفتح التاء مصغّراً بنت صيفي الجهنيّة صحابية رضي الله عنها.

قول: ما شاء الله وشئت: أي: ما حكم التكلم بذلك هل يجوز أم لا؟ وإذا كان لا يجوز فهل هو شرك أو لا؟
تشركون: أي: الشرك الأصغر.
ما شاء الله وشئت: وهذا في تشريكٌ في مشيئة الله.
وتقولون: والكعبة: وهذا قسمٌ بغير الله.

 
المعنى الإجمالي للحديث:
ذكر هذا اليهودي للنبي –صلى الله عليه وسلم- أن بعض المسلمين يقع في الشرك الأصغر حينما تصدر منه هذه الألفاظ التي ذكرَها، فأقره النبي –صلى الله عليه وسلم- على اعتبارها من الشرك، وأرشد إلى استعمال اللفظ البعيد من الشرك بأن يحلفوا بالله، وأن يعطفوا مشيئة العبد على مشيئة الله بثُمَّ التي هي للترتيب والتراخي، لتكون مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله.

مناسبة الحديث للباب:

أن فيه بيان أن قول: "ما شاء الله وشئت" شركٌ.
ما يستفاد من الحديث:
1- أن قول ما شاء الله وشئت، والحلف بغير الله شرك، لأن الرسول –صلى الله عليه وسلم- أقر اليهودي على اعتبارهما من الشرك.
2- معرفة اليهود بالشرك الأصغر.
3- فهم الإنسان إذا كان له هوى.
4- قبول الحق ممن جاء به وإن كان عدواً مخالفاً في الدين.
5- أن الشرك الأصغر لا يخرج من الملة.
6- الابتعاد عن الألفاظ المخلة بالعقيدة واستبدالها بالألفاظ البعيدة عن الشرك بالله.
7- أن العالم إذا نهى عن شيءٍ فإنه يبين البديل الذي يُغني عنه إذا أمكن.
8- أن النهي عن الشرك عامٌّ لا يصلح منه شيء حتى بالكعبة التي هي بيت الله في أرضه فكيف بغيرها؟!
9- إثبات المشيئة لله، وإثبات المشيئة للعبد، وأنها تابعة لمشيئة الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه النسائي "7/6" برقم "3773" وأحمد "6/371- 372"، والبيهقي "3/216"، والحاكم "4/297"، وصححه ووافقه الذهبي.


وله أيضاً عن ابن عباس: أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم-: ما شاء الله وشئت. قال: "أ جعلتني لله نداً؟ بل ما شاء الله وحده""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وله: أي: النسائي.
أجعلتني: استفهام إنكار.
نداً: أي: شريكاً.
المعنى الإجمالي للحديث:

أنكر –صلى الله عليه وسلم- على من عطَف مشيئة الرسول على مشيئة الله بالواو؛ لما يقتضيه هذا العطف من التسوية بين الله وبين المخلوق، واعتبر هذا من اتخاذ الشريك لله، ثم أسند المشيئة إلى الله وحده.
مناسبة الحديث للباب:

أن قول: "ما شاء الله وشئت" وما أشبه هذا اللفظ من اتخاذ الند لله المنهي عنه بقوله: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22].
ما يستفاد من الحديث:
1- النهي عن قول: "ما شاء الله وشئت" وما أشبهه مما فيه عطفُ مشيئة العبد على مشيئة الله بالواو وما أشبه ذلك.
2- أن من سوّى العبد بالله ولو في الشرك الأصغر فقد اتخذه نداً لله.
3- إنكار المنكر.
4- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قد حَمى حِمى التوحيد، وسدّ طرق الشرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه النسائي في عمل اليوم والليلة برقم "988" وأحمد في المسند "1/214، 283، 347".


ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها، قال: "رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود، فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: عُزَير ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله، قالوا: وإنكم لأنتم القوم، لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- فأخبرته فقال: "هل أخبرت بها أحداً؟" قلت: نعم. قال: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد؛ فإن طفيلاً رأى رؤياً أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها، فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التراجم: الطفيل هو: الطفيل بن عبد الله بن الحارث بن سخْبرة الأزديّ صحابيٌّ رضي الله عنه، وليس له إلا هذا الحديث.
على نفر: النفر: رهط الإنسان وعشيرتُه اسم جمعٍ يقع على الرجال خاصّة.
لأنتم القوم: أي: نِعم القوم أنتم.

لولا أنكم تقولون عزيرٌ ابن الله: أي: لولا ما أنتم عليه من الشرك بنسبة الولد إلى الله؛ وهذا لأن عُزيراً كان يحفظ التوراة عن ظهر قلب، فقالوا فيه هذه المقالة وقيل لأنه نبي.
تقولون ما شاء الله وشاء محمد: عارضوه بذكر شيءٍ مما في بضع المسلمين من الشرك الأصغر.
تقولون المسيح: أي: عيسى ابن مريم عليه السلام.
ابن الله: فتشركون بالله بنسبة الولد إليه. وإنما قالوا هذا في عيسى؛ لأنه من أمّ بلا أب.
حمِد الله وأثنى عليه: الحمد هو: الثناء على الجميل الاختياري من الإنعام وغيرِه، والثناء هو: تكرار المحامد.

كان يمنعني كذا وكذا: هو الحياء كما في الرواية الأخرى؛ لأنه حينذاك لم يؤمر بإنكارها.
 
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر الطفيل –رضي الله عنه- أنه رأى في منامه أنه مرّ على جماعة من أهل الملّتين، فأنكر عليهم ما هم عليه من الشرك بالله بنسبة الولد إليه –تعالى الله عن ذلك- فعارضوه بذكر ما عليه بعض المسلمين من الشرك الأصغر الوارد في بعض ألفاظهم، وعندما أصبح قصَّ هذه الرؤيا على النبي –صلى الله عليه وسلم- فأعلنها الرسول –صلى الله عليه وسلم- وأنكر على الناس التكلم بهذه الكلمة الشركية، وأمرهم أن يتلفّظوا باللفظ الخالص من الشرك.
مناسبة الحديث للباب:

أنه أفاد أن التلفظ بما شاء الله وشاء محمد وما أشبهها من الألفاظ شركٌ أصغر كما سبق.
ما يستفاد من الحديث:
1- الاعتناء بالرؤيا وأنها سببٌ لتشريع بعض الأحكام وقتَ حياة الرسول –صلى الله عليه وسلم-.
2- أن قول: "ما شاء الله وشاء فلان" وما أشبه ذلك شركٌ أصغر.
3- معرفة اليهود والنصارى بالشرك الأصغر، مع ما هم عليه من الشرك الأكبر من أجل الطعن بالمسلمين.
4- تقديمُ حمد الله والثناء عليه في الخطَب، وقول: أما بعد، فيها.
5- استحباب قصر المشيئة على الله، وإن كان يجوز أن يقول: ما شاء الله ثم شاء فلان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه ابن ماجه برقم "2118" وأحمد "5/393".


يتبع باب من سب الدهر فقد آذى الله

 
باب من سب الدهر فقد آذى الله

وقول الله تعالى: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} الآية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمام الآية: {وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: 24].
مناسبة الباب لكتاب التوحيد:
أن سبّ الدهر يتضمن الشرك؛ لأن سابّ الدهر إذا اعتقد أنه فاعلٌ مع الله فهو مشرك.
أذى الله: حيث وصفه بصفات النقص.
وقالوا: أي: منكرو البعث.
ما هي: أي: الحياة.

إلا حياتنا الدنيا: أي: التي في الدنيا وليس هناك حياةٌ أخرويةٌ.
نموت ونحيا: أي؛ يموت بعضٌ ويحيا بعضٌ بأن يولدوا.
وما يهلكنا إلا الدهر: أي: مرور الزمان.
وما لهم بذلك: أي: القول.
من علم: أي: لا دليل لهم عليه وإنما قالوه بناءً على التقليد والإنكار لِما لم يحسُّوا به ولم يُحيطوا بعلمه.
المعنى الإجمالي للآية:

يخبر تعالى عن الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار البعث أنهم يقولون: ليس هناك حياةٌ غير حياتنا الحاضرة، لا حياة سواها يموت بعضُنا ويولد البعض الآخر، وليس هناك سببٌ لموتنا سوى مرور الزمن وتكرر الليل والنهار، فردّ الله عليهم بأنهم ليس لهم حجة على هذا الإنكار إلا مجرّد الظن والظنُّ ليس بحجة. والمفروض فيمن نفى شيئاً أن يقيم البرهان على نفيه، كما أن من أثبت شيئاً فإنه يقيم الدليل على إثباته.
مناسبة الآية للباب:

أن من سبّ الدهر فقد شارك هؤلاء الدهرية في سبِّه وإن لم يشاركهم في الاعتقاد.
 
ما يستفاد من الآية:
1- إثبات البعث والرد على من أنكره.
2- ذم من ينسب الحوادث إلى الدهر.
3- أن من نفى شيئاً فهو مطالَبٌ بالدليل على نفيه كالمثبت.
4- أن الظن لا يعتمد عليه في الاستدلال في العقائد.


وفي الصحيح عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "قال الله تعالى: يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر، وأنا الدهر، أُقَلِّب الليل والنهار" وفي رواية: "لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر""1".
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
في الصحيح: أي: صحيح البخاري.
يؤذيني: يتنقّصُني.
يسب الدهر: أي: يذمه ويلومه عند المصائب التي تنزل.
وأنا الدهر: أي: صاحب الدهر ومدير الأمور التي ينسبونها إلى الدهر.
أقلِّب الليل والنهار: بالمعاقبة بينهما وما يجري فيهما من خير وشر.
وفي رواية: أي: لمسلم وغيره.

فإن الله هو الدهر: أي: هو الذي يُجري فيه ما أراده من خيرٍ وشرّ.
المعنى الإجمالي للحديث:

يروي الرسول –صلى الله عليه وسلم- عن ربه عز وجل: أن الذي يسب الدهر عند نزول المصائب والمكاره إنما يسب الله –تعالى- ويؤذيه بالتنقُّص؛ لأنه سبحانه هو الذي يُجري هذه الأفعال وحده؛ والدهر إنما هو خلْقٌ مسخّر، وزمنٌ تجري فيه الحوادث بأمر الله تعالى.
مناسبة الحديث للباب:

أن فيه أن من سبّ الدهر فقد آذى الله أي: تنقّصَه.
ما يستفاد من الحديث:
1- تحريم سبّ الدهر.
2- وجوب الإيمان بالقضاء والقدر.
3- أن الدهر خلقٌ مسخّر.
4- أن الخلق قد يؤذون الله بالتنقص ولا يضرونه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "4826" ومسلم برقم "2246".



يتبع باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه


 
باب التسمي بقاضي القضاة ونحوه

في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "إنَّ أخنع اسم عند الله رجلٌ تسمَّى ملِك الأملاك، لا مالك إلا الله"، قال سفيان: مثل شاهان شاه. وفي رواية: "أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه""1".
قوله: أخنع: يعني: أوضع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:
بيان أن التسمّي باسمٍ فيه مشاركةٌ لله في التعظيم شركٌ في الربوبية.
التراجم: سفيان هو: سفيان بن عيينة بن ميمون الهلاليّ، ثقة حافظ فقيه، وُلد بالكوفة سنة 107هـ وسكن مكة ومات فيه سنة 198هـ رحمه الله.
ونحوه: أي نحو قاضي القضاة مثل: حاكِم الحكام، وسلطان السلاطين، وسيد السادات.
في الصحيح: أي: في الصحيحين.
يسمَّى: مبني للمجهول: أي يُدعى بذلك ويرضى به وفي بعض الروايات: تَسمّى بالتاء أي: سمّى نفسه بذلك.
الأملاك: جمع ملِك بكسر اللام.
لا مالك إلا الله: هذا ردٌّ على من فعل ذلك بأنه وضع نفسه شريكاً لله فيما هو من خصائصه.
شاهان شاهٍ: هو عبارة عند العجَم عن ملك الأملاك، وهذا تمثيلٌ لا حصر.
وفي رواية: أي: لمسلم في صحيحه.
أغيظ رجل: الغيظ: مثل الغضب والبغض، أي: أنه يكون بغيضاً إلى الله.
وأخبثه: أي: أبطله، أي: يكون خبيثاً عند الله مغضوباً عليه.
 
المعنى الإجمالي للحديث:
يخبر –صلى الله عليه وسلم- أن أوضع الناس عند الله عز وجل من تسمّى باسمٍ يحمل معنى العظمة والكبرياء التي لا تليق إلا بالله، كملك الملوك؛ لأن هذا فيه مضاهاةٌ لله، وصاحبُه يدّعي لنفسه أو يُدّعى له أنه ندٌّ لله؛ فلذلك صار المتسمِّي بهذا الاسم من أبغض الناس إلى الله وأخبثهم عنده.

مناسبة الحديث للباب:

أنه يدل على تحريم التمسي بقاضي القضاة ونحوه قياساً على تحريم التسَمِّي بملك الملوك الوارد ذمُّه والتحذير منه.
ما يستفاد من الحديث:
1- تحريم التسمِّي بقاضي القضاة ونحوه.
2- وجوب احترام أسماء الله تعالى.
3- الحث على التواضع واختيار الأسماء المناسبة للمخلوق والألقاب المطابقة له.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
"1" أخرجه البخاري برقم "6205، 6206"، ومسلم برقم "2143".



يتبع باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك


 
باب احترام أسماء الله وتغيير الاسم لأجل ذلك

عن أبي شُرَيح – رضي الله عنه- أنه كان يُكنى أبا الحكم، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: "إن الله هو الحَكَم، وإليه الحُكْم" فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أَتَوني فحكمْتُ بينهم، فرضي كلا الفريقين. فقال: "ما أحسن هذا! فمالك من الولد؟" قلت: شُريح، ومسلم، وعبد الله. قال: "فمن أكبرُهم؟" قلت: شريح. قال: "فأنت أبو شريح""1". رواه أبو داود وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مناسبة هذا الباب لكتاب التوحيد:
أن احترام أسماء الله تعالى وتغيير الاسم من أجل ذلك من تحقيق التوحيد.
التراجم: أبو شُريح اسمه: هانئ بن يزيد الكِنديّ، صحابيٌّ نزل الكوفة وتوفي بالمدينة سنة 68هـ رضي الله عنه.
احترام أسماء الله: أي: تعظيمها، واحترمَه: رعى حرمته وهابه.
تغيير الاسم: أي: تحويله وتبديله وجعل غيره مكانه.
من أجل ذلك أي: لأجل احترام أسماء الله.
يُكنى: الكنية ما صُدِّر بأبٍ أو أمّ.
الحكَم: من أسماء الله تعالى ومعناه: الحاكم الذي إذا حكم لا يُرد حكمه.
وإليه الحكم: أي: الفصل بين العباد في الدنيا والآخرة.
إن قومي... إلخ: أي: أنا لم أُكَنِّ نفسي بهذه الكنية وإنما كنَّاني بها قومي.
ما أحسن هذا: أي: الإصلاح بين الناس والحكم بينهم بالإنصاف وتحرِّي العدل.
فأنت أبو شُريح: كنَّاه بالأكبر رعايةً؛ لأنه أولى بذلك.
 
الوسوم
التوحيد تعرف ماذا
عودة
أعلى