مقارنة بين شروح كتب السنة الستة

فمن ذلكم (معالم السنن) مؤلفه تقدم ذكره في أعلام الحديث أو أعلام السنن أبو سليمان حَمْد بن محمد الخطابي البستي المتوفى سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة، ألفه الخطابي إجابةً لمن سأله ذلك، جاء في مقدمته:
"أما بعد: فقد فهمت مسائلتكم -إخواني أكرمكم الله- وما طلبتموه من تفسير كتاب السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث، وإيضاح ما يشكل من متون ألفاظه، وشرح ما يستغلق من مبانيه، وبيان وجوه أحكامه، والدلالة على مواضع الانتزاع والاستنباط من أحاديثه، والكشف عن معاني الفقه المنطوية في ضمنها؛ لتستفيدوا إلى ظاهر الرواية لها، باطن العلم والدراية بها"، يقول: "وقد رأيت الذي ندبتموني له، وسألتموني من ذلك أمراً لا يسعني تركه، كما أنه لا يسعكم جهله، ولا يجوز لي كتمانه، كما أنه لا يجوز لكم إغفاله وإهماله، فقد عاد الدين غريباً كما بدأ، وعاد هذا الشأن دَارِسَةً أعلامه، خاوية أطلاله، وأصبحت رباه مهجورةً، ومسالك طرقه مجهولة".
 
ثم قسم من ينتسب إلى العلم في زمانه إلى قسمين: أهل الحديث وأثر، وأصحاب فقهٍ ونظر، نظر في من ينتسب إلى العلم في زمنه في القرن الرابع فوجدهم ينقسموا إلى قسمين: أهل حديث وأثر، وأهل فقه ونظر، مع أن كلاً من الفقه والأثر والحديث والنظر لا يتميز كل منهما عن الآخر؛ لأن الحديث بمنزلة الأساس الذي هو الأصل، والفقه بمنزلة البناء الذي هو كالفرع، وكل بناءٍ لم يوضع له أساس فهو منهار، وكل أساس خلا عن بناء فهو قفر وخراب، يقول: "ووجدت هذين الفريقين إخواناً متهاجرين، وعلى سبيل الحق بلزوم التناصر والتعاون غير متظاهرين" ثم بيّن وجه التقصير من كل فريق، وجه تقصير من ينتسب إلى الحديث، ووجه التقصير عند من ينتسب إلى الفقه، يقول: "أهل الحديث مبلغ حاجتهم، وجل قصدهم جمع الروايات والطرق، وطلب الغريب والشاذ، لا يراعون المتون، ولا يتفهمون المعاني، وربما عابوا الفقهاء بمخالفة السنن، وأما أهل الفقه والنظر فإن أكثرهم لا يعرجون من الحديث إلا على أقله، ولا يكادون يميزون صحيحه من سقيمه، وقد اصطلحوا فيما بينهم على قبول الخبر الضعيف والحديث المنقطع، إذا كان ذلك قد اشتهر عندهم، وتعاورته الألسن فيما بينهم، من غير ثبتٍ فيه فكان ذلك ظلةً من الرأي، وغبناً فيه"، يقول: "وهؤلاء -يعني من ينتسب إلى الفقه من أتباع الأئمة- يقول: وهؤلاء -وفقنا الله وإياهم- لو حكي لهم عن واحدٍ من رؤسائهم أو من رؤساء مذاهبهم وزعماء نحلهم قول يقوله باجتهادٍ من قبل نفسه طلبوا فيه الثقة، واستبرؤوا له العهدة"، ثم ذكر الثقاة من أصحاب الأئمة الذين يعول عليهم في نقل المذاهب .. إلى آخر كلامه -رحمه الله-، وهو كلام نفيس جداً.
 
لا شك أن من ينتسب إلى الحديث بحاجة إلى الدرب على الاستنباط، ومعرفة معاني الأحاديث، وما يستفاد منها، وما يخدمها من علوم اللغة، وأصول الحديث وأصول الفقه وقواعد التفسير، المقصود أن النصوص بحاجة إلى من يخدمها، فعلى طالب الحديث أن يعتني بما يسمى علوم الآلة، فيعرف من علوم الحديث ما يستطيع بواسطته أن يصحح ويضعف، ويعرف من علوم القرآن وقواعد التفسير ما يستطيع أن يتعامل به مع الآيات على طريقٍ سديد، على سنة من سلف؛ لأنه إن اقتصر على مجرد النصوص لا يعرف حينئذٍ العام من الخاص، المنطوق، المفهوم، المطلق، المقيد، الناسخ، المنسوخ، والنصوص كلها مشتملة على هذا كله.
ثم أشاد بسنن أبي داود بكلامٍ نقلنا جله، ثم ذكر أقسام الحديث عند أهله، وأنه ثلاثة أقسام، صحيح وحسن وسقيم، وعرف الأقسام الثلاثة، تقسيمه للحديث وحصره الأقسام في الثلاثة حقيقةً لم يسبق إليه، يعني أول من قسم الحديث إلى ثلاثة أقسام هو الخطابي في مقدمة المعالم، نعم الأقسام الثلاثة موجودة في كلام الأئمة، وجد عندهم ذكر الصحيح، ووجد ذكر الحسن ووجد ذكر الضعيف؛ لكن من غير حصرٍ في الأقسام الثلاثة، ولذا انتقد الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى- حصر الأقسام في الثلاثة، وقال: "إن كان هذا التقسيم يرجع إلى ما في نفس الأمر فليس إلا صحيح أو كذب ولا ثالث لهما، وإن كان راجع إلى استعمالهم فالأقسام عندهم أكثر من ذلك؛ لكن الجواب أن هذا التقسيم بالنسبة إلى استعمال أهل العلم، وما عدا الأقسام الثلاثة داخل فيها، كما هو معلوم، وكتاب أبي سليمان الخطابي على اختصاره من أنفس الشروح لإمامة مؤلفه، ورسوخ قدمه، ومن الإمامة في الدين، وإن كان منهجه في الاعتقاد على ما سمعنا سابقاً في كتابه (أعلام السنن) وما نقلناه عن شيخ الإسلام عن كتاب الغنية له.
 
ولعله رجع عما في كتبه هذه إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وكتابه المعالم هذا أجود من الأعلام، أعلام السنن أو أعلام الحديث الذي سبق ذكره في شروح البخاري؛ لأن هذا الكتاب ألفه أصالةً للسنن، لشرح السنن وخدمتها، أما أعلام السنن أو أعلام الحديث ألفه يريده كالتكملة لهذا الكتاب، ومذهب الخطابي الفقهي والعقدي في هذا الكتاب موافق لما في ذلك الكتاب فلا حاجة لإعادته، والكتاب مطبوع، طبعه الشيخ محمد راغب الطباخ في أربعة أجزاء على انفراد، وهي طبعة جيدة، معتنىً بها، مقابلة على نسخ خطية، في أربعة أجزاء صغيرة، طبع أيضاً مع مختصر المنذري وتهذيب ابن القيم في ثمانية أجزاء بعناية الشيخ أحمد شاكر ومحمد حامد الفقيه، وهي أيضاً طبعة نفيسة وجيدة.

شرح ابن رسلان على سنن أبي داود:
 
بعد هذا شرح ابن رسلان، مؤلفه أحمد بن حسين بن علي بن يوسف بن علي بن أرسلان، قال السخاوي: "بالهمزة كما بخطه، وقد تحذف في الأكثر، بل هو الذي على الألسن"، أبو العباس الرملي الشافعي المشهور بابن رسلان المتوفى سنة أربعٍ وأربعين وثمانمائة، ابن رسلان حقيقةً في شرحه فيه شيء من التوسع، فيُعنى ببيان اختلاف النسخ والروايات، سنن أبي داود له روايات، كما أن للصحيحين روايات، رواية اللؤلؤي، رواية ابن داسة، رواية ابن العبد، وغيرها من الروايات، خمس أو ست روايات، فيعنى ببيان اختلاف النسخ المتداولة، والروايات المعروفة المشهورة، وينقل عمن تقدمه ومن عاصره، سواء كانت أقوالهم مدونة، أو ينقلها مشافهةً عنهم، وهو أيضاً ينقد ويمحص ما ينقله ويتتبع، يخرج الأحاديث المشروحة من الكتب المشهورة، يبين درجات الأحاديث من صحة أو حسن أو ضعف باجتهاده أيضاً وبتقليد غيره كثيراً، يعنى بالصناعة الحديثية إلا أن قدمه في الحديث ليست في الرسوخ مثل قدمه في الفقه، فهو من فقهاء الشافعية، لكن هو في الحديث أقل من ذلك، يعرف الرجال ويبين أحوالهم، يُعنى بفقه الحديث والاستنباط، ولعل هذا هو جلّ قصد المؤلف، لتمكّن المؤلف من علم الفقه، وطبيعة الكتاب المشروح، الكتاب المشروح أقرب ما يكون إلى الأدلة، أدلة الفقهاء، يهتم أيضاً بالمباحث اللغوية، فيشرح الألفاظ والعبارات التي تحتاج إلى بيانٍ وإيضاح معتمداً في ذلك على كتب اللغة وغريب الحديث.
أيضاً ابن رسلان يضبط الكلمات التي تحتاج إلى ضبط، وقد يشير إلى الخلاف في الضبط، وهو أيضاً يهتم بالجوانب الصرفية للكلمات، ويعرب ما يحتاج إلى إعراب، وقد يذكر الخلاف في إعراب الكلمة واشتقاقها، يُعنى بالجوانب البلاغية، عرفنا أن ابن رسلان هذا شافعي المذهب، يرجح في الغالب مذهب الشافعية.
 
وأما بالنسبة لمعتقده ومنهجه الذي سار عليه في هذا الكتاب في العقيدة فهو كغيره من غالب الشراح؛ جرى على طريقة الأشاعرة في تأويل الصفات، من ذلكم أنه أول صفة الحياء بعدم الامتناع من بيان الحق، يقول: "فيطلق الحياء على الامتناع إطلاق الاسم الملزوم على اللازم مجازاً" وقال عن حديث النزول: "بأنه يوهم التشبيه، إذ ذكر الرب بما لا يليق به من الانتقال والحركة فيجب تأويله على الوجه الذي يليق بصفاته، وهو أن يراد به إقباله على أهل الأرض بالرحمة والاستعطاف" الكلام في حديث النزول طويل جداً لأهل العلم، حتى الكلام عند من يثبت حديث النزول ويقول بموجبه بالنزول الإلهي، سواء كان في آخر الليل أو يوم عرفة، أو غيرهما من المواضع التي ثبت فيها النزول، من جهة هل النزول يستلزم الحركة والانتقال؟ وهل يخلو العرش من الرب -سبحانه وتعالى- عند نزوله أو لا يخلو؟ كلام طويل حرره وحققه شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-.
أيضاً ابن رسلان في مقابل يعني ما ذكر من عقيدته يتصدى للمعتزلة بالرد؛ لأنه معروف أن بدعة الأشاعرة في كثيرٍ من أبواب الدين أخف من بدعة المعتزلة، فهو يتصدى للمعتزلة بالرد فنقل عن الزمخشري نفيه رؤية الله -سبحانه وتعالى- في الآخرة، ثم رد عليه، وبيّن أن هذا مذهب المعتزلة، وأن مذهب أهل السنة في هذا أن الله -سبحانه وتعالى- يرى يوم القيامة.
والكتاب نفيس ومفيد لقلة الشروح الكاملة بالنسبة للسنن، وإن كان صاحبه غير متميّز في الصناعة الحديثية، لكن جمعه للأقوال الفقهية واستدلاله للمذاهب جمع طيب جداً، يخدم الكتاب ويفيد الطالب، والكتاب محقق؛ لكنه لم ينشر بعد في بضع رسائل دكتوراة.

شرح العيني على سنن أبي داود:
 
بعد هذا شرح العيني على سنن أبي داود، العيني تقدم التعريف به، وهو أيضاً شرح ناقص، وصل فيه مؤلفه إلى باب الشح، وهو آخر أبواب الزكاة، منهج العيني في شرحه يشرح الترجمة شرحاً موجزاً في الغالب، يترجم لرواة الحديث، ويذكر ما قيل في الراوي؛ لكنه لا يرجح ويوازن بين أقوال الأئمة في الراوي، وهذا أمر مهم جداً؛ لأن مجرد النقل لأقوال الأئمة لا يعجز عنه أحد، المهم الخروج بالنتيجة الدقيقة الصائبة من أقوال أهل العلم في الراوي، تأخذ دراسة الأسانيد القسط الأكبر من الشرح، يبين معاني ألفاظ الحديث، ويستدل لما يميل إليه من معنى بالمرويات الأخرى، أو بالروايات الأخرى، يذكر ما يستفاد من الحديث، ويتعرض لكلام العلماء، وانحيازه لمذهبه الحنفي ظاهر، يعني مثل صنيعه في عمدة القاري، يذكر من أخرج الحديث مقتصراً في الغالب على الكتب الستة والموطأ والمسند ومصنف بن أبي شيبة، لا يهتم بالجوانب البلاغية من المعاني والبيان والبديع، كما فعل في أوائل شرح البخاري، وهذا يصدِق مقالة ابن حجر أنه اعتمد في أوائل شرحه على البخاري شرح الركن القريمي الذي اعتنى بهذه الجوانب، أنه لما انتهى شرح القريمي انتهت عناية العيني بهذه الأشياء، وعلى كلٍ شرح العيني طبع أخيراً يعني القطعة الموجودة منه طبعت، وفيه أيضاً خرم يسير في أوله.

(عون المعبود):
 
بعد هذا عون المعبود، عون المعبود اشتهر بين الناس بأن مؤلفه محمد شمس الحق العظيم أبادي؛ لكن جاء في مقدمته بعد البسملة والحمدلة، "أما بعد: فيقول العبد الفقير إلى الله تعالى أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير بمحمد أشرف بن أمير بن علي بن حيدر الصديقي العظيم أبادي، يقول غفر الله له: أن هذه الفوائد المتفرقة والحواشي النافعة على أحاديث سنن أبي داود جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن" هذا كلام من؟ أبو عبد الرحمن شرف الحق الشهير بمحمد أشرف الصديقي، يقول: "جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن -رحمهم الله تعالى- العجيب أنه في طرة الكتاب مكتوب: عون المعبود شرح سنن أبي داود للعلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، وهو غير هذا الذي في المقدمة، يأتي ذكر محمد شمس الحق- جمعتها من كتب أئمة هذا الشأن -رحمهم الله تعالى- مقتصراً على حلّ بعض المطالب العالية، وكشف بعض اللغات المغلقة، وتراكيب بعض العبارات مجتنباً عن الإطالة والتطويل إلا ما شاء الله تعالى، وسميتها بعون المعبود على سنن أبي داود، تقبل الله مني" يقول بعد ذلك: "وأما الجامع لهذه المهمات المذكورة من الترجيح والتحقيق وبيان أدلة المذاهب والتحقيقات الشريفة، وغير ذلك من الفوائد الحديثية في المتون والأسانيد وعللها"، هو .... أخونا العلامة الأعظم الأكرم أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي، يقول: "والباعث على تأليف هذه الحاشية -أولاً محمد شمس الحق له شرح مطول على سنن أبي داود اسمه: (غاية المقصود)، وذكر هنا يقول: "الباعث على تأليف هذه الحاشية المباركة أن أخانا الأعظم الأمجد أبا الطيب شارح السنن ذكر غير مرةٍ في مجلس العلم والذكر أن شرحي غاية المقصود يطول شرحه إلى غير نهاية، لا أدري كم تطول المدة في إتمامه والله يعينني، والآن لا نرضى بالاختصار، لكن الحبيب المكرم .. " الخ، المقصود أنه كلامٍ يطول، إنما قد يميّز ما في الكتاب مما ألفه شرف الحق مما ألفه شمس الحق بأن شرف الحق له يقول: له حلّ الألفاظ الغامضة والمباحث اللغوية وبيان التراكيب، هذا لشرف الحق، أما أبو الطيب له من الكتاب الفوائد الحديثية والكلام على المتون والأسانيد والعلل وبيان أدلة المذاهب
 
والتحقيقات الشريفة.
فعلى هذا يكون قد اشترك في تأليف الكتاب اثنان، جاء في آخر الجزء الثامن من مقتصر شرح تهذيب سنن أبي داود لمحققه محمد حامد الفقهي خاتمة لا بد منها يقول: "وقد كان من أهم ما اعتمدت عليه في عملي في طبع مختصر السنن والتهذيب والمعالم عون المعبود؛ لأنه أجمع شرحٍ لسنن أبي داود، بل لعله أنفع شرحٍ للأحاديث مطبوع، وأوسعها إذا استثنينا فتح الباري"، لكن واقع الكتاب بخلاف هذا، الكتاب مختصر، سماه مؤلفه حاشية، وليس بشرحٍ مستوعب ومستقصي، هذا شرح مختصر، يشرح الحديث الواحد في صفحة أو صفحتين، فكيف يقال: أن هذا أوسع شرح للأحاديث مطبوع؟ لا، يعني باستثناء فتح الباري، يعني تجاهل الشروح الكبيرة لصحيح البخاري، يعني لا نسبة بينها وبين شرح العيني، شرح العيني أطول؛ لكن هذا الكتاب على كل حال الذي هو عون المعبود شرح لسنن أبي داود نافع، له مزايا يشرح الأحاديث بطريق المزج، يمزج كلمات المتن في الشرح، فيميز المهمل من الرواة، ويسمي المنسوب والمكنى، ويضبط ما يحتاج إلى ضبط، ثم يشرح الكلمات الغريبة التي تحتاج إلى شرح، ثم يتكلم على فقه الحديث كل هذا باختصار، ثم يخرج الحديث معتمداً في تخريجه على كلام المنذري في المختصر.
ومع هذا فهو شرح مختصر لا يستوعب جميع الكلمات، ولا يعلق على رجال الحديث كلهم، إنما يكتفي بضبط بعض الأسماء أو تسمية بعض المكنين أو المنسوبين، يعنى ببيان صحة الحديث وضعفه؛ لكن لا عن اجتهاد إنما يعتمد في ذلك على غيره، وقد وصفه مؤلفه بأنه حاشية اجتنب فيها الإطالة، وقصد بيان معنى أحاديث السنن دون بحثٍ في ترجيح الأحاديث بعضها على بعض إلا على سبيل الاختصار، من غير ذكر أدلة المذاهب على وجه الاستيعاب إلا في المواضع التي دعت إليها الحاجة، يتميز الكتاب بأنه شرح كامل للسنن كلها من أولها إلى آخرها، يظهر فيه أيضاً إتباع المؤلف للنصوص، وليس فيه تعصب لأي مذهب من المذاهب، إنما يرجح على ما يقتضيه الحديث، وهو في هذا متأثر تأثر كبير بالشوكاني، أيضاً هو في المعتمد على طريقة أهل السنة والجماعة، يمر نصوص الصفات ويثبتها على ما يليق بجلال الله وعظمته، وهو أيضاً يرد على معظمي القبور ممن فتن بها، ويقرر السنة في كيفية وضع القبر، وكيفية الزيارة، كما في الجزء التاسع صفحة (36 و37) ينكر بعض البدع المنتشرة ...
 
مقارنة بين شروح كتب السنة الستة (4)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

ينكر بعض البدع المنتشرة في الرابع عشر صفحة (141) قال: "المصافحة والمعانقة بعد صلاة العيدين من البدع المذمومة المخالفة للشرع"، ورد على النووي والعز بن عبد السلام بعض ذلك، وفي الحادي عشر صفحة (464 إلى 468) في حوالي خمس صفحات، قال: "ومن المصائب العظمى والبلايا الكبرى على الإسلام أن رجلاً من الملحدين الدجالين الكذابين خرج من الفنجاب من إقليم الهند" في كلامٍ طويل جداً يرد به على القادياني، ويحذر من بعض أتباعه، فعلى كل حال الكتاب مشهور ومتداول، وهو جيد ونفيس لمن يقنع بالشرح المختصر.

(بذل المجهود في حلّ سنن أبي داود):
بعد هذا (بذل المجهود في حلّ سنن أبي داود) ألفه الشيخ خليل بن أحمد السهارنفوري المتوفى سنة ست وأربعين وثلاثمائة وألف، منهج المؤلف اهتم المؤلف اعتنى عنايةً كبيرة بأقوال أبي داود صاحب الكتاب وكلامه على الرواة، وعني بتصحيح نسخ السنن المختلفة المنتشرة، خرّج التعليقات، ووصلها من المصادر الأخرى، يذكر مناسبة الحديث للترجمة، ويذكر الفائدة من تكرار الحديث إن تكرر، يستطرد في الاستنباط وذكر المذاهب؛ لكنه كثيراً ما يتعصب للمذهب الحنفي، ويحاول ترجيحه، معتمداً في ذلك على ما تقرر عند الحنفية من أصول، يُعنى ببيان ألفاظ الأحاديث على طريق المزج، ويبين أصولها واشتقاقها، يعتمد في شرح الأحاديث غالباً كما قال في المقدمة على مرقاة المفاتيح للملا علي القاري، وفتح الباري لابن حجر، عمدة القاري للعيني، بدائع الصنائع للكاساني، تقريب التهذيب لابن حجر، تهذيب التهذيب له، الإصابة له أيضاً، الأنساب للسمعاني، مجمع بحار الأنوار، كتاب للفتني في غريب الحديث، وأيضاً القاموس المحيط، ولسان العرب.
 
يقول: "ولم آخذ من كلام الشارحين صاحب (غاية المقصود) و (عون المعبود) إلا ما نقلاه عن أحدٍ من المتقدمين، لم آخذه مقلداً لمجرد قولهما دون أن أجده في كلام المتقدمين" أما ما يتعلق بتعصبه وتقريره للمذهب الحنفي فهو ظاهر في الكتاب، وقد أشار إليه في المقدمة صفحة (44) من الجزء الأول، يقول: "ومنها أني أذكر مذهب السادة الحنفية تحت حديثٍ يتعلق بمسألة فقهية، فإن كان الحديث موافقاً لهم فبها، وإلا ذكرت مستدلهم، والجواب عن الحديث وتوجيهه" يعني يجعل كلام الحنفية هو الأصل ثم يجيب عن الحديث، وعلى كل حال هو شرح مبسوط يستفاد منه في الكلام على الرواة، وبيان أحكام الأحاديث لا بأس به، وذكر المذاهب الفقهية؛ لكن الترجيح يمكن أن يستفاد من غيره.

(المنهل العذب المورود):
بعد هذا كتاب المنهل العذب المورود، ألفه الشيخ محمود محمد خطاب السبكي، معاصر توفي سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة وألف، وشرح من أطول الشروح المتداولة، وأمتعها وأجمعها لمسائل الحديث وفوائده، لكنه لم يكمل، بل وصل إلى باب في الهدي في عشرة أجزاء، ثم قام ابنه أمين محمود خطاب بمواصلة شرحه إلى آخر كتاب النكاح، المنهج في شرح هذا الكتاب مشابه إلى حدٍ ما لطريقة العيني في عمدة القاري، يشرح الترجمة، يترجم لرجال الحديث، يشرح الكلمات، يشرح الترجمة بكلامٍ طيب وجيد، ويترجم لرجال الحديث ويطيل في التراجم، يشرح الكلمات، ويتوسع في شرحها، يذكر فقه الحديث ومذاهب الأئمة والفقهاء وأدلتهم، يهتم كثيراً بوصل ما علقه أبو داود، يُعنى بذكر لطائف الإسناد، يخرج الأحاديث تخريجاً لا بأس به في الجملة من الكتب المشهورة، منهج الابن مقارب لمنهج الأب، إلا أن الأب أطول نفساً في الشرح، والكتاب مطبوع ومشهور ومتداول.
 
من أنفس ما كتب على السنن -سنن أبي داود- المختصر للمنذري، والتهذيب لابن القيم، وهذان الكتابان لا يكاد يستغني عنهما طالب علم، تهذيب السنن لابن القيم أشبه ما يكون بكتب العلل، مؤلفه كما هو معروف شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر بن القيم الجوزية الإمام المحقق المحدث الفقيه المشهور المتوفى سنة إحدى وخمسين وسبعمائة، جاء في مقدمته من كلام ابن القيم -رحمه الله-: "وكان الإمام العلامة زكي الدين أبو محمد عبد العظيم المنذري -رحمه الله تعالى- قد أحسن في اختصاره وتهذيبه، وعزو أحاديثه، وإيضاح علله وتقريبه، فأحسن حتى لما يدع للإحسان موضعاً، وسبق حتى جاء من خلفه له تبعاً"، يقول: "لذلك جعلت كتابه من أفضل الزاد، واتخذته ذخيرةً ليوم المعاد، فهذبته نحو ما هذب هو به الأصل، وزدت عليه من الكلام على عللٍ سكت عنها، أو لم يكملها، والتعرض على تصحيح أحاديث لم يصححها، والكلام على متون مشكلة لم يفتح مقفلها، وزيادة في أحاديث صالحة في الباب لم يشر إليها"، يقول: "وبسطت الكلام على مواضع جليلة لعل الناظر المجتهد لا يجدها في كتابٍ سواه"، إلى أن قال: "فأنا أبرأ إلى الله من التعصب والحمية، وجعل سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تابعةً لآراء الرجال، منزلةً عليها مسوقةً إليها"، الكتاب أشبه مثلما ذكرت أن يكون كتاب علل، يعلل الأحاديث ويستطرد ويطيل في ذلك، فهو إمام في هذا الباب، وأيضاً له تعليقات نفيسة في بعض المسائل الفقهية، وله أيضاً نفس طويل في بعض المسائل مثل طلاق الحائض، وطلاق الثلاث، وغير ذلك من المسائل بحثها في عشرات الصفحات، فهو مرجع في مثل هذه المسائل، لا يستغني عنه طالب علم، إضافةً إلى إمامة مؤلفه ورسوخ قدمه، وشدة اتباعه للنصوص، والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يقول: هل هناك مؤلف في الفرق بين كتب السنة وشروحها؟
 
قصده مناهج المحدثين في المتون والشروح هنا في كلام متفرق لبعض المعاصرين؛ لكن جمع مناهج الأئمة كلهم والشراح كلهم أو جلهم لا يوجد مجموعاً، ولعل ما ألقي في هذه الدروس يكون نواةً لكتابٍ يجمع بين ما تفرق من كلام طلبة العلم.
يقول: حبذا لو جمعتم مثل هذا الكتاب وأخرجتموه لأجل العلم وأهله وطلبته، وقد لمستم الحاجة إليه.
لي نية -إن شاء الله تعالى- إن أسعف الوقت.
يقول: هل صحيح أن الحافظ أبا داود -رحمه الله- اتهم ابنه بالضعف؟
نعم، صحيح، أهل العلم لا يحابون في علمهم ونقدهم أحداً، علي بن المديني ضعّف أباه، أبو داود ضعّف ابنه.
يقول: لعلكم تشهرون دروسكم الأسبوعية، وما يدرس فيها من كتب ومواعيدها، وحث الطلاب على الحضور طلباً للفائدة وتكثيراً للسواد.
أما بالنسبة للدروس فهي في السبت والاثنين والأربعاء والجمعة، لكن كوننا نشهرها هي لا تستحق من يتكلف العناء إليها، ونحث الطلاب على غيرها مما فيه الفائدة المرجوة، والله المستعان.
طالب: ما هي الكتب التي تدرس؟
الكتب يوم السبت في المغرب في الصحيحين، البخاري ومسلم بعد صلاة المغرب، ويوم الاثنين بعد صلاة المغرب أيضاً في الروض المربع، وقفنا على كتاب البيوع، ويوم الأربعاء بعد المغرب سبل السلام وقفنا على كتاب الجمعة، وأيضاً يوم الأربعاء بعد صلاة العشاء قراءات متنوعة، مجموعة من الإخوان يحضرون كتب ارتبطوا بها من سنين يقرؤون فيها، عصر الجمعة النية أن نبدأ -إن شاء الله- في تفسير الجلالين؛ لأننا جربنا التفاسير المطولة ما أنجزنا منها شيء، تفسير ابن كثير ثلاث سنوات في البقرة، تفسير القرطبي ثمان سنوات في ثمانية أجزاء، في ثمانية مجلدات، فالمطولات تنقطع دونها الأعناق، فرأينا أن يشرح تفسير الجلالين، ويكون مثل المنهج الذي يسار عليه، يعني لا يقتدى به في كل شيء، إنما يكون منهج بأيدي الطلبة توضح معانيه، وتذكر تفاسير الآيات من خلاله ولطائف التفاسير تنقل من غيره -إن شاء الله تعالى-، نبدأ به يوم الجمعة ليس الغد، إنما الجمعة الثانية التي ... لأن العادة جرت أننا نبدأ بالدروس في الأسبوع الثاني من كل فصلٍ دراسي.
يقول: ما هي رسالة أبي داود لأهل مكة، وهل تعتبر كمقدمة لكتاب السنن؟
 
أرسلها إلى أهل مكة لبيان وصف سننه ومنهجه في السنن، وما ذكر فيه من أحاديث، وعدة أحاديثه، وأنه نوعها أنواع منها الصالح، ومنها ما دون ذلك، ذكر فيها الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وذكر أن ما فيه ضعف شديد التزم بيانه، والخلاف في هذا البيان هل هو في السنن أو فيها وفي غيرها من مؤلفاته؟.
يقول: سلسلة الأحاديث الصحيحة والضعيفة للألباني -حفظه الله-؟
هذه من أنفع الكتب لطالب العلم، يمكن أن يتخرج عليها الطالب المبتدئ في كيفية التخريج ودراسة الأسانيد والحكم على الأحاديث.
يقول: هل يتيسر نسخ هذه الدروس في كتاب حتى يسهل تناوله؟
ذكرت سابقاً أنه يمكن أن يزاد عليه ويضاف ما لم يذكر من الشروح، وأيضاً مناهج الأئمة في المتون، ويخرج -إن شاء الله- في كتاب وإن كان قد يطول أمده؛ لكن حسب التيسير -إن شاء الله تعالى-.
يقول: يوجد في المكتبات صحيح البخاري ومسلم في مجلدٍ واحد؟
ويوجد البخاري في مجلد ومسلم في مجلد والسنن كل واحد منها في مجلد، والمسند أيضاً على كبره في مجلد، ثم أخيراً طبعت الكتب الستة كلها في مجلد، وهي لعدة دور نشر فأيها أجود؟ حقيقةً التخفيف في مثل هذه الطريقة، وجمع الكتب كلها في مجلد واحد ما أدري ما قيمته؟ وما فائدته؟ يعني إن كان القصد خفة الحمل فليس بخفيف الحمل حقيقةً، يعني الكتب الستة في مجلد واحد كتاب ثقيل، إن كان القصد منه في الحضر فهذا الكتب ميسورة والمراجع إليها سهلة، وإن تعددت مجلداتها، وإن كان القصد منه السفر فالعناء فيه أشد؛ لأن ورقه لا يتحمل الأسفار، وعلى كلٍ الطبعات القديمة للكتب الأصلية لا يعدل بها شيء.
يقول: كثيراً ما تذكر أن أفضل الطبعات للكتاب الفلاني طبعة بولاق أو المنيرية إلا أنها غير متوفرة.
نعم، طبعة بولاق غالباً غير متوفرة إلا أن فتح الباري طبعة بولاق مصور، وهو أيضاً نادر، حتى الصورة نادرة، المنيرية لكثير من الكتب مصورة، صحيح البخاري المنير مصور، عمدة القاري المنير مصور، وغيره.
يسأل عن مسند الإمام أحمد والطبعة الجديدة؟
الطبعة الجديدة هي من أجود الطبعات وأكثرها خدمة، طبعة جيدة في الجملة.
 
هذا سؤالان يتعلقان بتحية المسجد، وهي مسألة علمية حقيقة، ما كنت أودّ أن أتحدث عنها؛ لكنها ما في شك أن بعض الأخوة يؤدي التحية وبعضهم يجلس، ولعل السائل نظر إليّ أنا على وجه الخصوص.
يقول: ما حكم تحية المسجد وما تقولون .. الخ؟ ينكر بعض الأخوة على من لم يؤد تحية المسجد بعد صلاة العصر؟
الكلام في هذه المسألة، مسألة ذوات الأسباب وفعلها في أوقات النهي كلام يطول جداً، وتحريره يحتاج إلى وقتٍ طويل، والمسألة مسجلة عني في شريطٍ يكاد يكون كامل، لكن ما يمنع أني ألمح إلى هذه المسألة باختصار، المسألة ورد فيها أحاديث، منها ما يبيّن الأوقات، وأنها خمسة، ومنها ثلاثة مضيقة، كما في حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعاتٍ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا"، فذكر الثلاثة المضيقة، ومنها: النهي عن الصلاة بعد الصبح حتى طلوع الشمس، وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس، المقصود أن المسألة خلافية بين أهل العلم؛ لأنه في مقابل هذه الأحاديث وردت أحاديث أخرى مثل حديث: ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) وأحاديث ركعتي الطواف وغيرها في أوقات النهي، فهنا مسألتان: أو هنا بحث المسألة في قطبين:
الأول: في النظر إلى النهي وقوته وشدته.
الأمر الثاني: فيما دخل هذا النهي وعمومه ومخصصاته، حديث النهي عمل بها جمهور العلماء، فقالوا بالنهي مطلقاً يعني الصلاة في هذه الأوقات، خلافاً للشافعية الذين قالوا: بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، وبين هذه الأحاديث أعني أحاديث ذوات الأسباب وأحاديث النهي عموم وخصوص وجهي، ولا يصيب من يقول: أن العموم والخصوص مطلق، كما يذكر كثير من الناس حينما يتكلمون عن هذه المسألة فيقولون: أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، هذا الكلام ليس على إطلاقه، أحاديث النهي عامة في الصلوات، خاصة في الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في الأوقات خاصة في الصلوات، فبين هذه النصوص عموم وخصوص وجهي، فليس قول من قال: إن أحاديث النهي مخصوصة بأحاديث ذوات الأسباب كما يقول الشافعية، ومن يقول بقولهم بأولى من قول من يقول: أن أحاديث ذوات الأسباب عامة مخصصة بالأوقات.
 
وعلى كل المسألة من مضايق المسائل ومن عضلها، والترجيح بين النصوص فيها يحتاج إلى شيءٍ من الإمعان والفهم والإفهام أيضاً؛ لأن المسألة مشتبكة تحتاج إلى مزيد بسط، على كلٍ المسألة تحتاج إلى مرجحٍ خارجي، يعني من نظر إلى أدلة ذوات الأسباب وجدها لا تنهض لمعارضة الأوقات، ومن نظر إلى فعل أو الأمر بذوات الأسباب في أوقات النهي وجدها يمكن تخصيص أحاديث النهي بها، وعرفنا أن مذهب الجمهور الحنفية والمالكية والحنابلة كلهم يمنعون من الصلوات عموماً، اللهم إلا الفرائض في هذه الأوقات المذكورة، وعلى كلٍ الأوقات متفاوتة، فأوقات النهي المضيقة ينبغي أن لا يفعل فيها شيء من التطوعات، أوقات النهي الموسعة بعد صلاة الصبح، أو بعد طلوع الصبح إلى طلوع الشمس هذا موسع، جاء فيه قضاء ركعتي الفجر وهي نافلة، وبعد صلاة العصر صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- راتبة الظهر حينما فاتته؛ لكنه ورد ما يدل على اختصاصه بهذا، وعلى كلٍ من صلى في الأوقات الموسعة لا ينكر عليه ومعه أصل، ومن جلس فمعه كذلك، أحاديث النهي ما زالت قائمة، أما في الأوقات المضيقة فالمرجح أنه لا يفعل فيها شيء من ذوات الأسباب ولا غيرها، اللهم إلا قضاء الفوائت من الفرائض.
الآن عندنا في هذا اليوم سنن النسائي والترمذي إن أمكن، وغداً -إن شاء الله تعالى- نكمل الكلام على سنن ابن ماجه والموطأ؛ لأن الخلاف قائم في السادس هل هو ابن ماجه أو الموطأ أو الدارمي؟ فلذلك نرجيء الكلام على السادس غداً -إن شاء الله تعالى-، وسوف يكون الحضور -إن شاء الله تعالى- غداً من بعد صلاة العصر مباشرة، تكون صلاة العصر هنا ويمتد الدرس إلى أن ينتهي -إن شاء الله تعالى- على أني قبيل الغروب بنصف ساعة أو أكثر لا يمكن أن أرتبط به مع أحد، فينهى الدرس قبل الخامسة والنصف -إن شاء الله تعالى-.

سنن النسائي وشروحه:
 
نبدأ بسنن النسائي وتحديد المراد به، سنن الإمام أبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي الحافظ المتوفى سنة ثلاث وثلاثمائة أحد السنن المشهورة، وأحد الكتب الستة بلا نزاع بين أهل العلم؛ لكن الخلاف في المراد بالسنن عند الإطلاق، إذا أطلق السنن فهل المراد به الكبرى أو الصغرى؟ إذا قيل: رواه النسائي وأطلق هل ينصرف الذهن إلى الكبرى أو الصغرى؟ منهم من قال: أن المراد الكبرى، إذا قيل: رواه النسائي فالحديث في الكبرى، وإذا قيل: هذا الكتاب في رجال النسائي فالمراد به الكبرى أيضاً، وبهذا قال ابن الملقن، وقال صاحب عون المعبود في آخر الجزء الرابع عشر قال: "ثم أعلم أن قول المنذري في مختصره وقول المزي في الأطراف الحديث أخرجه النسائي فالمراد به السنن الكبرى، وليس المراد به الصغرى التي هي مروج الآن في الأقطار"، يقول: "وهذه الصغرى المروجة مختصرة من السنن الكبرى، وهي لا توجد إلا قليلاً"، يعني الكبرى، لا شك أن الذي راج ودرج واشتهر بين الناس هي الكبرى مسماة بالمجتبى، يقول: "فالحديث الذي قال فيه المنذري والمزي أخرجه النسائي، وما وجدته في السنن الصغرى، فاعلم أنه في الكبرى، ولا تتحير لعدم وجدانه فإن كل حديثٍ هو موجود في الصغرى يوجد في السنن الكبرى لا محالة من غير عكس" على أنه قد يوجد -وهذا نادر- في السنن الصغرى ما لا يوجد في الكبرى، ويقول المزي في كثيرٍ من المواضع: "وأخرجه النسائي في التفسير وليس في الصغرى تفسير"، والله أعلم، وفي تدريب الراوي للسيوطي تنبيهات: "الثالث سنن النسائي الذي هو أحد الكتب الستة أو الخمسة هي الصغرى دون الكبرى" صرح بذلك التاج السبكي قال: "وهي التي يخرجون عليها الأطراف والرجال" وإن كان شيخه المزي ضمّ إليها الكبرى، وصرح ابن الملقن بأنها الكبرى وفيه نظر، يقول: "ورأيت بخط الحافظ أبي الفضل العراقي أن النسائي لما صنّف الكبرى أهداها لأمير الرملة فقال له: أكل ما فيها صحيح؟ فقال: لا، فقال: ميّز لي الصحيح من غيره فصنّف له الصغرى" هذه القصة مشتهرة عند أهل العلم مما يدل على أن النسائي هو الذي تولى اختصار السنن بنفسه، ومنهم من يقول: أن الذي اختصر السنن هو تلميذه ابن السني، ويدعمون ذلك بأنه
 
يوجد في الصغرى أحياناً قال ابن السني: قال أبو عبد الرحمن، وهذا ليس بحجة، فإن كتب المتقدمين تذكر فيها أسماء الرواة عن أصحابها، المسند كله من أوله إلى آخره عدا الزوائد حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، الأم قال الربيع: قال الشافعي، الموطأ: حدثنا يحيى بن يحيى قال: أخبرنا مالك .. الخ.
المقصود أن هذه ليست بحجة قاطعة في أن الكتاب من اختصار ابن السني، ولو ذكر اسمه فإن طريقة المتقدمين في التأليف تختلف عن طريقة المتأخرين، يذكر الراوي في أصل الكتاب، كما ذكرنا عن الموطأ والمسند والأم وغيرهم، ومن جهل طرائق ومناهجهم في التصنيف أقدم على ما لم تحمد عقباه، حتى صنف بعضهم (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي) وما يدري أن نسبة الأم للإمام الشافعي استفاضت واشتهرت استفاضةً أكثر من استفاضة نسبته إلى أبيه.
على كلٍ لجهل هذا القائل بطرائق المتقدمين في تصنيفهم قال هذا الكلام، وألف في ذلك رسالة، وعلى كل حال الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله تعالى- تصرف في المسند تصرفاً غير مرضي، فحذف أوائل الإسناد، حذف عبد الله وحذف الإمام أحمد فمباشرة حدثنا فلان يعني شيخ الإمام أحمد، وهذا تصرف، لا شك أنه تصرف غير مرضي وإن كان من الشيخ أحمد شاكر على جلالته وإمامته -رحمه الله-، التصرف في كتب الآخرين غير مرضي عند أهل العلم حتى قالوا: أنه إذا وجد الخطأ في الكتاب، الخطأ الذي لا يحتمل الصواب لا يجوز تغييره، ولا تصويبه، بل يروى على الخطأ؛ لكن ينبه على الصواب في الحاشية أو أثناء قراءة الكتاب، يقول: "وفي كشف الظنون .. ذكر القصة السابقة، القصة السابقة قصة أمير الرملة معروف أنها تكلم فيها كثير من أهل العلم وعلى رأسهم الذهبي -رحمه الله تعالى- في ترجمة النسائي من السير، في كشف الظنون ذكر القصة السابقة فلخص النسائي السنن الصغرى منها، وترك كل حديث أورده في الكبرى مما تكلم في إسناده بالتعليل وسماه المجتبى، وهو أحد الكتب الستة".
 
"وإذا أطلق أهل الحديث على الحديث على أن النسائي رواه فإنما يريدون المجتبى"، يعني موافق لكلام السيوطي، سنن النسائي -رحمه الله تعالى- من الأهمية بمكانٍ عظيم، لكن الباحث عن شرح لهذا الكتاب حقيقةً ما يجد ما يكفي ويشفي عند المتقدمين، ابن الملقن وهو متأخر في المتوفى سنة أربع وثمانمائة شرح زوائده على الأربعة، والسيوطي أيضاً له حاشية وهو شرح مختصر جداً يأتي ذكره، وأيضاً السندي له حاشية، هؤلاء كلهم لهم خدمة لسنن النسائي، وهي خدمة لا توازي قيمة الكتاب، كتاب عظيم، هناك شروح؛ لكنها مفقودة، شرح ابن رشد قالوا عنه: أنه كتاب حافل، لكن لا يعلم عن وجوده شيء، وشرح لأبي الحسن علي بن عبد الله بن نعمة اسمه (الإمعان في شرح مصنف النسائي لأبي عبد الرحمن) وهو أيضاً مفقود، على كلٍ الكتاب بحاجة إلى عناية، وفيه شرح معاصر نأتي على ذكره -إن شاء الله تعالى-، وهذه الخدمات من السابقين لا تليق بمقام الكتاب، حواشي وتعليقات يسيرة على الكتاب، ولعل الذي صرفهم عن خدمة هذا الكتاب صعوبته؛ لأن الكتاب أشبه ما يكون بكتب العلل، فتراجمه علل، يعلل الأحاديث بالتراجم.

(زهر الربا على المجتبى):
أولاً: نأتي إلى (زهر الربا على المجتبى) مؤلفه جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة إحدى عشر وتسعمائة، وهو تعليق مختصر جاء في مقدمته يقول: "هذا الكتاب الخامس مما وعدت بوضعه على الكتب الستة، وهو تعليق على سنن النسائي أبي عبد الرحمن على نمط ما علقته على الصحيحين، وسنن أبي داود وجامع الترمذي" يعني علق على البخاري في مجلد، وعلق على مسلم في مجلد، كل واحد من الستة علق عليه في مجلد، وليس بالكبير أيضاً، يقول: "وهو حقيق بذلك"، حقيق بالخدمة لا شك، لكن حقيق بهذه الخدمة المختصرة جداً؟ لا.
"إذ له منذ صنّف أكثر من ستمائة سنة ولم يشتهر عليه من شرحٍ ولا تعليق، وسميته زهر الربى على المجتبى" ستمائة سنة بين النسائي والسيوطي لا يوجد شرح مناسب لهذا الكتاب، مع أن شرح السيوطي حقيقةً لا يناسب هذا الكتاب، افتتح السيوطي شرحه بمقدمة ذكر فيها شروط الأئمة نقلاً عن ابن طاهر، وأن ما يرويه أبو داود والنسائي على ثلاثة أقسام:
 
الأول: الصحيح المخرج في الصحيحين.
والثاني: صحيح على شرطهما.
الثالث: أحاديث خرجاها من غير قطعٍ منهما بصحتها.
يقول: "وقد أبنا علتها بما يفهمه أهل المعرفة" أشبه ما يكون بالألغاز كتاب السيوطي، منهج السيوطي في الشرح أولاً: السيوطي لا يتعرض للتراجم بشرحٍ ولا تعليق مع أنها من أولى ما يتكلم عليه في سنن الترمذي، ثانياً: يترجم للرواة على طريقة المزج باختصارٍ شديد.
ثالثاً: يشرح ما يحتاج إلى شرحه من المفردات، وهو أيضاً بإيجاز.
رابعاً: يذكر بعض الفوائد والأحكام باختصار نقلاً عن من تقدمه كالنووي وابن حجر.
خامساً: يذكر اختلاف الروايات في بعض الألفاظ، والكتاب مطبوع مراراً مع النسائي، كما طبع مختصره، يعني على اختصاره له مختصر، السيوطي كتبه وشروحه على الكتب الستة المختصرة جداً لها مختصرات، قام باختصار الكتب الستة كلها شخص مغربي يقال له: علي بن سليمان الدمنثي البجمعوي، له اختصار (التوشيح على الجامع الصحيح) سماه (روح التوشيح)، (الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج) سماه (وشي الديباج)، (زهر الربا على المجتبى) سماه (عرف زهر الربى) .. الخ، (مرقاة الصعود على سنن أبي داود) قال: (درجات مرقاة الصعود) .. الخ.

حاشية السندي على النسائي:
 
الوسوم
الستة السنة شروح مقارنة
عودة
أعلى