مقارنة بين شروح كتب السنة الستة

(إكمال المعلم): مؤلفه أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصَبي أو اليحصِبي، وقد يقال: بضمها أيضاً، السَّبتي أو السبِّتي، كما يقال: البَصري والبِصري؛ لكن الفتح أشهر، المالكي القاضي المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ألفه القاضي عياض إكمالاً لكتاب المعلم، هذا الكتاب ألفه القاضي -رحمه الله تعالى- تكميلاً لكتاب المعلم للمازري تلبيةً أيضاً لرغبة كثيرٍ من تلاميذه الذين لمسوا من درسه في الصحيح الفوائد الجمة والزيادات المهمة، التمس منه الطلبة أثناء تدريسه لصحيح مسلم أن يشرح الكتاب شرحاً مستقلاً نظراً لكثرة ما يبديه لهم ويذكره من الفوائد والشوارد والنفائس، التمسوا منه ذلك فاعتذر أولاً لانشغاله بالقضاء، ثم لما ترك القضاء اتجه إلى التأليف، في البداية قد عزم على تأليف كتاب مستقل في شرح مسلم؛ لكنه رأى أن من العدل والإنصاف لسابقيه أن يجعل الكتاب مكملاً للنقص الكثير الوارد في المعلم مع اعتماده أيضاً على تقييد المهمل للجياني، لا شك أن الاعتراف بالسابق أمر مهم ينبغي أن يربى عليه الطلبة، فإذا كان هذا من مثل القاضي عياض الذي يستطيع أن يؤلف ابتداءً مثل ما كتبه تبعاً أو أفضل إلا أنه من باب الاعتراف للسابقين، يعني الإنسان يأنف أن يتعلق بأذيال غيره، بل يكتب ابتداءً، لكن الحافظ ابن حجر أكثر مصنفاته تبعاً لغيره، مع إمامته، إما أن يختصر كتاب أو يعلق عليه أو ينكت عليه، هذا من باب الاعتراف، والسبق له وزنه عند أهل العلم، في مطلع الألفية لما تكلم عن ألفية ابن معطي الإمام ابن مالك وأن ألفيته فائقة ألفية ابن معطي قال:

وهو بسبقٍ حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا

السبق لا شك أن السابق له فضل على اللاحق، له فضل كبير على اللاحق، الذي فتح له الأبواب، والكلام في هذا طويل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لما سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام وهل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو دونهم قال: "شيخ الإسلام تخرج على كتب الأئمة الأربعة وكتب أتباعهم، فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، ولكونهم -رحمه الله- أحاط بما كتبوه، ولما كتبه أتباعهم فهو أوسع منهم من هذه الجهة".
 
(إكمال المعلم): مؤلفه أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض اليحصَبي أو اليحصِبي، وقد يقال: بضمها أيضاً، السَّبتي أو السبِّتي، كما يقال: البَصري والبِصري؛ لكن الفتح أشهر، المالكي القاضي المتوفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، ألفه القاضي عياض إكمالاً لكتاب المعلم، هذا الكتاب ألفه القاضي -رحمه الله تعالى- تكميلاً لكتاب المعلم للمازري تلبيةً أيضاً لرغبة كثيرٍ من تلاميذه الذين لمسوا من درسه في الصحيح الفوائد الجمة والزيادات المهمة، التمس منه الطلبة أثناء تدريسه لصحيح مسلم أن يشرح الكتاب شرحاً مستقلاً نظراً لكثرة ما يبديه لهم ويذكره من الفوائد والشوارد والنفائس، التمسوا منه ذلك فاعتذر أولاً لانشغاله بالقضاء، ثم لما ترك القضاء اتجه إلى التأليف، في البداية قد عزم على تأليف كتاب مستقل في شرح مسلم؛ لكنه رأى أن من العدل والإنصاف لسابقيه أن يجعل الكتاب مكملاً للنقص الكثير الوارد في المعلم مع اعتماده أيضاً على تقييد المهمل للجياني، لا شك أن الاعتراف بالسابق أمر مهم ينبغي أن يربى عليه الطلبة، فإذا كان هذا من مثل القاضي عياض الذي يستطيع أن يؤلف ابتداءً مثل ما كتبه تبعاً أو أفضل إلا أنه من باب الاعتراف للسابقين، يعني الإنسان يأنف أن يتعلق بأذيال غيره، بل يكتب ابتداءً، لكن الحافظ ابن حجر أكثر مصنفاته تبعاً لغيره، مع إمامته، إما أن يختصر كتاب أو يعلق عليه أو ينكت عليه، هذا من باب الاعتراف، والسبق له وزنه عند أهل العلم، في مطلع الألفية لما تكلم عن ألفية ابن معطي الإمام ابن مالك وأن ألفيته فائقة ألفية ابن معطي قال:

وهو بسبقٍ حائز تفضيلا ... مستوجب ثنائي الجميلا

السبق لا شك أن السابق له فضل على اللاحق، له فضل كبير على اللاحق، الذي فتح له الأبواب، والكلام في هذا طويل، يعني شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- لما سئل الشيخ محمد رشيد رضا عن شيخ الإسلام وهل هو أعلم من الأئمة الأربعة أو دونهم قال: "شيخ الإسلام تخرج على كتب الأئمة الأربعة وكتب أتباعهم، فلهم الفضل عليه من هذه الحيثية، ولكونهم -رحمه الله- أحاط بما كتبوه، ولما كتبه أتباعهم فهو أوسع منهم من هذه الجهة".
 
المقصود أن السابق له الفضل على اللاحق، والإنسان لا يولد متعلم، إنما يستفيد ممن سبقه، القاضي عياض في كتابه شرح المقدمة شرحاً وافياً، وشرح أيضاً ما لم يتعرض إليه المازري، المازري من متون الأحاديث ببيان المعاني وضبط الألفاظ، واستنباط الأحكام والفوائد وبيان الغامض، وأكمل ما قصر فيه المازري من كلام على بعض الرجال والأسانيد والعلل، ووضح أيضاً كلام المازري والجياني, واستدرك, وصحح عند الحاجة، الكتاب ككثيرٍ من الشروح، شرْح مصدر بالقول، يورد ما يريد أن يشرحه من الصحيح بعد كلمة قوله، كما هو الشأن في كثير من الشروح، ومن ذلكم فتح الباري وغيره.
في مقدمة الكتاب ذكر القاضي عياض -رحمه الله- السبب الباعث على التأليف، وأنه اعتمد على كتاب المازري وكتاب (تقييد المهمل) لأبي علي الجياني، ثم ذكر أسانيده التي يروي بها صحيح مسلم، ثم بدأ ينقل ما في المعلم مع تعقيبه وتتميمه وتكميله لكلامه، ويلقب المازري بالإمام فإذا قال القاضي عياض: قال الإمام فمراده المازري، يشير إلى صحيح مسلم بلفظ الأم، فيقول: "ذكر في الأم أو جاء في الأم كلام" وإن كان يوهم أنه الأم للشافعي؛ لكن الأم واحدة الأمهات نعم، ومستفيض عند أهل العلم أن الكتب الستة يقال لها: الأمهات الست، فلا نستغرب أن يقال لصحيح مسلم: الأم، نعم بلفظ المفرد استعمال نادر لكن المجموع استعمال شائع يقال: الأمهات الست، هذا معروف عند أهل العلم، لكن لكتابٍ واحد يقال له: الأم، هذا غريب، وهو ملبس أيضاً حيث أن للإمام الشافعي كتاباً اسمه الأم.
وقول الناس: (الأمهات) الذي يراه بعض أهل التحقيق أن جمع أم في غير بني آدم بدون هاء، في بني آدم يقال: (أمهات)، وبذلك جاء القرآن والنصوص، في غير بني آدم يقول: (أمات) دون هاء، ثم ساق ترجمةً مختصرةً في عيون من أخبار الإمام مسلم، وبيان فضل كتابه وقيمته، وثناء الأئمة عليه، ثم شرح المقدمة، ثم بدأ بشرح كتاب الإيمان، ثم الطهارة وهكذا إلى آخر الصحيح.
 
والقاضي عياض -رحمه الله تعالى- لا يسوق متن الصحيح كامل، كما هي عادة غالب الشراح، وإنما يورد منه ما يريد شرحه فقط، الطبعات الجديدة تورد الصحيح كامل، وهو أيضاً لا يضع تراجم للأبواب، ما التزم أن يترجم لجميع الأبواب، وإنما أحياناً إذا كان الحديث طويلاً قال: باب حديث كذا، أو ذكْر حديث كذا، ذكْر حديث الإسراء، ذكْر حديث التيمم، وما أشبه ذلك، إذا كان الحديث طويلاً، إنما التزام جميع التراجم كما فعل النووي أو غيره لا.
طريقته في الشرح أن يجمع في شرح الحديث بين طريقة الشرح بالمأثور، فيبين المراد من الحديث، ويذكر ما له علاقة به من آيةٍ أو حديث آخر أو ما أشبه ذلك، ويذكر ما يروى في ذلك عن السلف الصالح، فقد اعتمد أساساً في بيان المعاني على الكتاب والسنة والآثار ولغة العرب، كما أنه استفاد من الشراح السابقين كابن عبد البر في التمهيد، والمهلب في شرح البخاري، والخطابي في معالم السنن، والباجي في المنتقى، والداودي في شرح البخاري، وغير ذلك، هذه من أهم مصادر القاضي عياض في شرحه، على أن القاضي عياض -رحمه الله- لم يكن مجرد ناقل، بل كان ناقداً بصيراً ممحصاً خبيراً، فكثيراً ما يتعقب غيره بإصلاح الغلط، وبيان الوهم، القاضي -رحمه الله تعالى- مالكي المذهب كما هو معروف، غالباً ما يرجح مذهب الإمام مالك، لكنه يخرج عنه ويرجح غيره إذا كان الدليل بخلاف ما رآه الإمام مالك، وهذا من إنصافه -رحمه الله-.
 
بالنسبة لمسائل الاعتقاد قاسم يشترك فيه المازري والقاضي عياض والأُبي والسنوسي وأيضاً النووي كلهم يشتركون على تقييد مسائل الأسماء والصفات، أو الأسماء والصفات على مذهب الأشاعرة كلهم، قبل ما نذكر شيء من هذه الصفات هنا مسألة في صدر الصحيح، الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- يقول: "وظننت حين سألتني تجشّم ذلك أن لو زعم لي عليه، وقضي لي تمامه، كان أول من يصيب نفعُ ذلك إياي خاصةً" يعني أول من يستفيد المؤلف في التأليف، أول من يستفيد المعلم في التعليم، هذا معنى كلامه، لكن ما معنى عزم لي؟ والفعل مبني للمجهول من فاعله؟ يقول القاضي عياض: "قال الإمام -يقصد المازري- لا يُظن بمسلم -يعني بالإمام مسلم- أنه أراد لو عزم الله لي عليه؛ لأن إرادة الله لا تسمى عزماً، ولعله أراد: لو سهّل لي سبيل العزم، أو خلق فيّ قدرة عليه" هذا كلام المازري، القاضي عياض قال: "قد جاء هذا اللفظ في الكتاب من كلام أم سلمة -في الكتاب الذي هو الأم صحيح مسلم- من كلام أم سلمة في كتاب الجنائز قالت: ثم عزم الله لي فقلتها" يعني إذا كان المبني للمجهول محتمل، فمثل هذا لا يحتمل شيء، العازم هو الله -سبحانه وتعالى-.
يقول: "أصل العزم القوة، ويكون بمعنى الصبر، وتوطين النفس وحملها على الشيء، والمعنى متقارب، ومنه قوله -عز وجل-: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [(35) سورة الأحقاف] .. الخ، المقصود أن صفة العزم لله -سبحانه وتعالى- كلهم ينفونها عن الله -سبحانه وتعالى- بما في ذلكم النووي، وهذه الخلاف فيها أمر يسير، أمره يسير؛ لأنه ما ثبت شيء مرفوع، لا من الكتاب ولا من السنة في إثبات صفة العزم؛ لكن أقوى ما فيه قول أم سلمة "ثم عزم الله لي فقلتها".
ولذا شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- ذكر أن لأهل السنة في هذه المسألة في إثبات صفة العزم ونفيها قولان، لكنه رجّح إثبات صفة العزم لله -سبحانه وتعالى-.
طالب: طريقة القاضي عياض لما يذكر كلام المازري ثم يكمل عليه، يعني هل إكمال المعلم يتضمن كتاب المعلم .. ؟
 
بعد ذلكم (إكمال إكمال المعلم) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن خلفة الوشتاني الأبي المالكي المتوفى سنة سبع وعشرين وثمانمائة، قد يقول قائل: الأبي هذه ليش تضم الهمزة والمشهور عند الناس في اليمن إيش؟ إب بالكسر، لا هذا ليس منسوباً إلى إب وإنما منسوباً إلى أُبه -المغرب-
 
غالباً غالباً، قد يقول إلى آخره، وحينئذ فلا يستغنى عن كتاب المازري، قد يقول إلى آخره، قال الإمام كذا .. إلى آخره، فالخلاف في مثل هذه يسير؛ لكن في مثل تأويل صفة الضحك، في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا يزال يدعو)) يعني آخر الناس دخولاً للجنة يقول في الحديث في صحيح مسلم: ((لا يزال يدعو حتى يضحك الله منه، فإذا ضحك منه قال: ادخل الجنة)) قال الإمام: "الضحك من الله -سبحانه وتعالى- محمول على إظهار الرضا والقبول، إذ هو في البشر علامة على ذلك، ويقال: ضحكت الأرض إذا ظهر نباتها، وفي بعض الحديث: ((فيبعث الله سحاباً فيضحك أحسن الضحك)) فجعل انجلاءه عن البرق ضحكاً على الاستعارة، كأنه تعالى لما أظهر له رحمته استعير له اسم الضحك مجازاً" هذا في الجزء الأول من إكمال المعلم صفحة (558) قال القاضي: "الضحك في البشر أمر اختصوا به، وحالة تغير أوجبها سرور القلب فتنبسط له عروقه، فيجري الدم فيها، فيقبض إلى سائر عروق الجسد، فيثور لذلك حرارة يبسط لها الوجه ويضيق عنها الفم، فينفتح وهو التبسم، فإذا زاد السرور وتمادى ولم يضبط الإنسان نفسه واستخفه سروره قهقه، والمتغيرات وأوصاف الحدث منتفية عن الله تعالى، وجاءت الآثار الصحيحة بإضافة الضحك إليه، فحمل العلماء ذلك على الرضا بفعل عبده ومحبته للقائه وإظهار نعمه وفضله عليه وإيجادها له؛ وقد حملوه أيضاً على التجلي للعبد، وكشف الحجاب عن بصره حتى يراه، والضحك يعبر به عن الظهور ومنه:

. . . . . . . . . ... ضحك المشيب برأسه فبكى

هذا كلام المازري وتعقيب القاضي عياض، ومثله وقريب منه ما ذكره الأبي في شرحه، في الجزء الأول صفحة (341) ومثله السنوسي أيضاً في نفس الموضع، والنووي أيضاً في الجزء الثالث صفحة (43) ومثله أيضاً تأويل الغضب عند الأبي في الأول صفحة (363) وكذلك عند السنوسي، وغير ذلك، آيات الصفات لا سيما الفعلية أولها هؤلاء الشراح كلهم؛ لكن مثلما ذكرنا سابقاً أن هذه الشروح يستفاد منها على حذر، يعني تؤخذ الفائدة الكبرى التي توجد في هذه الكتب، ويحذر مما يخالف فيه المؤلف من عقائد.

(إكمال إكمال المعلم) للأُبي:
 
يقول في مقدمته: "أما بعد: فإن هذا تعليق أمليته على كتاب مسلم، ضمنته كتب شراحه الأربعة، المازري وعياض والقرطبي والنووي، مع زيادات مكملة، وتنبيه على مواضع من كلامهم مشكلة، ناقلاً لكلامهم بالمعنى لا باللفظ حرصاً على الاختصار، مع ما في ذلك من بيان ما قد يعسر فهمه من كلامه بعضهم لتعقيده، لا سيما من كلام القاضي عياض، يقول: "سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن عرفة -رحمه الله تعالى- يقول: "ما يشق علي فهم شيءٍ ما يشق من كلام عياض في بعض المواضع من الإكمال" الآن الإكمال يقرؤه طالب العلم يستفيد منه كثيراً، نعم قد يشكل عليه بعض الأشياء؛ لكن هذا كلام ابن عرفة، ماذا يقول: "ما يشق علي فهم شيءٍ ما يشق من كلام عياض في بعض المواضع" هذا كلام ابن عرفة، لكن اسمعوا كلام ابن عرفة في تعريف الإجارة -الإجارة قد يقول قائل: أنها لا تحتاج إلى تعريف- لننظر هذا الشخص الذي يقول: أن كلام عياض يشق عليه، ابن عرفة يقول في تعريف الإجارة -انتبهوا يا إخوة، هذا استطراد لا علاقة له بما عندنا لكن يقول في تعريف الإجارة: "بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينةٍ ولا حيوانٍ لا يعقل، بعوضٍ غير ناشئٍ عنها، بعضه يتبعّض بتبعيضها" هذا تعريف الإجارة عند ابن عرفة، ابن عرفة هذا الذي يشق عليه كلام القاضي عياض، كلامه الذي يحتاج إلى ... يعني إذا كان موجود يمكن يوضح، لكن ما استطاع أيضاً التوضيح لمن استدرك عليه في نفس المسألة يقول: "بيع منفعة ما أمكن نقله، غير سفينةٍ ولا حيوانٍ لا يعقل، بعوضٍ غير ناشئٍ عنها، بعضه يتبعّض بتبعيضها" فاعترض عليه أحد تلاميذه بأن كلمة (بعض) تنافي الاختصار، وأنه لا ضرورة لذكرها، فتوقف الشيخ يومين ثم أجاب بما لا طائل تحته، هذا الذي يقول مثل هذا الكلام المعقد، يقول: أنه يشكل عليه فهم كلام القاضي عياض، يعني بالنسبة لهذا الكلام كلام القاضي عياض يصلح للمبتدئين من سهولته ووضوحه.
 
يقول الأبي: "ولم أتعرض للكلام على الخطبة -الأبي لم يشرح الخطبة- لأنها في علم الحديث، وذلك شيء آخر، ورأيت الأهم البداية بشرح الأحاديث، وإن أنسأ الله في الأجل وسهّل، فسأتكلم عليها -إن شاء الله تعالى-، ولما كانت أسماء هذه الشراح يكثر دورانها في الكتاب اكتفيت عن اسم كل واحدٍ بحرف من اسمه فجعلته (م) للمازري و (ع) لعياض و (ط) للقرطبي و (د) لمحي الدين النووي، ولفظ (الشيخ) لشيخنا أبي عبد الله المذكور -يعني ابن عرفة- وما يقع من الزيادات المشار إليها أترجم عليها بلفظ: قلت، وسميته بإكمال الإكمال".
الكتاب ضمنه مؤلفه الشروح الأربعة التي ذكرها، شرح المازري وعياض والقرطبي والنووي، أيضاً الشارح ينقل من المصادر بالمعنى لا باللفظ طلباً للاختصار كما تقدم، وهو أيضاً يوضح ما يشكل من هذه النقول، ولم يشرح المقدمة؛ لأنها في علوم الحديث، واهتمامه بالأحاديث نفسها، استعمل الرموز في الشروح التي اعتمد عليها، وعرفنا أن طريقة الأبي كسابقيه في تقرير مسائل الاعتقاد فلا نحتاج إلى إعادة، هنا إحالات كثيرة على تأويل الصفات موجودة.

(مكمل إكمال الإكمال) للسنوسي:
رابعاً: (مكمل إكمال الإكمال) مؤلفه أبو عبد الله محمد بن محمد بن يوسف السنوسي الحسيني المتوفى سنة خمس وتسعين وثمانمائة، جاء في مقدمته يقول: "كان من أحسن شروح صحيح مسلم وأجمعها شرح الشيخ العلامة أبي عبد الله الأُبي -رحمه الله تعالى- أردت أن أتعلق بأذيال القوم، وإن كنت في غاية البعد منهم إلا أن يمنّ الوهاب تعالى باللحاق بعد اليوم" يقول: "فاختصرت في هذا التقييد المبارك -إن شاء الله تعالى- معظم ما في هذا الشرح الجامع من الفوائد، وضممت إليه كثيراً مما أغفله مما هو كالضروري لا كالزوائد، وأكملته أيضاً بشرح الخطبة، فتمّ النفع -والحمد لله تعالى- بشرح جميع ما في الكتاب، وجاء بفضل الله تعالى مختصراً يقنع أو يغني عن جميع الشروح، وما فيها من تطويل أو مزيد إطناب، فهو جدير -إن شاء الله تعالى- أن يسمى لذلك بمكمل إكمال الإكمال".
 
استعمل الرموز أيضاً فـ (ب) للأبي و (ع) لعياض و (ط) للقرطبي و (ح) للنووي -يعني محي الدين- و (ص) للأصل، يعني صحيح مسلم و (ش) للشرح، شرحٌ هو شرح أيضاً بالقول كسوابقه، المقصود أن هذا الشرح لا شك أن فيه شيء من التكميل لمن تقدمه، كما أن إكمال الإكمال مكمل لما قبله، وإن كانت الزوائد في هذين الكتابين يسيرة جداً، الزوائد عند الأبي والسنوسي يسيرة جداً بالنسبة لما ذكره القاضي عياض، ثم ما في شرح النووي على ما سيأتي.
يعني لو قيل: على ما نقتصر بالنسبة للبخاري؟ نقول: الذي لا يريد أن يقتني إلا شرح واحد فعليه بفتح الباري، وإن كان قد يحتاج في غالب الأحوال أو يحتاج في كثير من الحالات إلى القسطلاني لضبط الألفاظ. فإذا جمع بين إرشاد الساري وفتح الباري اكتفى بهما عن غيرهما، بالنسبة لصحيح مسلم يعني لو اقتصر على شرح القاضي عياض مع شرح النووي كفاه ذلك؛ لأن زيادات الأبي والسنوسي قليلة نادرة، لا تستحق أن يفرد لها شرح، نعم لو علقت على شرح النووي أو شرح القاضي عياض كان جيد.
طالب:. . . . . . . . .
المفهم فيه زيادات، وفيه بسط لكثير من المسائل الفقهية والأصولية، وما يتعلق باللغة العربية؛ لكنه ليس بشرح للصحيح، إنما هو شرح للمختصر، لكن يستفاد منه في فهم الصحيح بلا شك.

(المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) للنووي:
بعد ذلكم (المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج) لمؤلفه محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة ستٍ وسبعين وستمائة، عن كم؟ ستٍ وسبعين وستمائة، مولده متى؟ واحد وثلاثين، عمره كم؟
طالب: خمس وأربعين سنة.
 
نعم خمس وأربعين سنة، يكون مولده سنة إحدى وثلاثين وستمائة، خمس وأربعين سنة قد خلف هذا العلم العظيم الذي يستفاد منه منذ تأليف هذه الكتب إلى يومنا هذا في مشارق الأرض ومغاربها، لا سيما الأذكار، ورياض الصالحين، شرح مسلم، شرح المذهب كتاب عظيم، لو قدر تمامه لأغنى عن كثير من كتب الفقه، هذه بركة من الله -سبحانه وتعالى- هذا القدر اليسير من العمر ينتج فيه هذا الإنتاج العظيم مع أنه لم يكن يشغل عمره أو جلّ وقته في التصنيف، لا، عنده في اليوم اثنا عشر درس، في اليوم الواحد اثنا عشر درس، والعبادة تأخذ من وقته الشيء الكثير، فهو معدود من العباد -رحمه الله-، ما يعتذر الشخص بأنه مشغول أو إذا قيل له: ما تحضر الدرس الفلاني؟ قال: أنا مرتبط، أنا مشغول، أشغالي كثيرة، أو طلب منه تأليف تعلل بأعذار واهية، لا، الوقت فيه بركة لمن استغله وصدق النية، يعينه الله -سبحانه وتعالى-، يعني إذا كان يعرف أناس يداومون الدوام الكامل في هذه الأيام يدرسون لهم حلقات، وعندهم أعمال أخرى، ويوجد وإن كان نادر ممن يختم القرآن ممن هذه صفاته كل يوم، ويزور المقابر في كل أسبوع، يزور المستشفيات، يصل الأرحام، ودوامه كامل، يعني من ثمان إلى ثنتين، إعانة من الله -سبحانه وتعالى-، وإلا أكثر الناس يضيع عمره سدى، فالنووي من هذه الشاكلة، مؤلفات، قصر عمر، عبادة تذكر، كثرة دروس، شفاعات كثيرة جداً لذوي الحاجات عند الولاة، حتى أنه أمر بالكف عن هذه الشفاعات فما امتثل -رحمه الله-.
 
الإمام النووي -رحمه الله تعالى- افتتح كتابه بمقدمةٍ أوضح فيها منهجه في شرحه، وأنه شرح متوسط بين المختصرات والمبسوطات، لا من المختصرات المخلات، ولا من المطولات المملات، يقول: "ولولا ضعف الهمم -يعني كما قال في شرح البخاري- وقلة الراغبين، وخوف من عدم انتشار الكتاب لقلة الطالبين للمطولات لبسطته فبلغت به ما يزيد على مائة من المجلدات، من غير تكرار ولا زيادات عاطلات، بل لكثرة فوائده، وعظم عوائده الخفيات والبارزات ... إلى أن قال: "فأذكر فيه -إن شاء الله تعالى- جملاً من علومه الزاهرات من أحكام الأصول والفروع والآداب والإشارات الزهديات، وبيان نفائس من أصول القواعد الشرعيات"، يقول: "وإيضاح معاني الألفاظ اللغوية وأسماء الرجال، وضبط المشكلات، وبيان أسماء ذوي الكنى وأسماء آباء الأبناء والمبهمات، والتنبيه على لطيفة من حال بعض الرواة وغيرهم، واستخراج لطائف من خفيات علم الحديث من المتون والمسانيد المستفادات، وضبط جملٍ من الأسماء المؤتلفات والمختلفات، والجمع بين الأحاديث التي تختلف ظاهراً ويظن بعض من لا يحقق صناعتي الحديث والفقه وأصوله كونها متعارضات، وأنبه على ما يحضرني في الحال في الحديث من المسائل العمليات، وأشير إلى الأدلة في كل ذلك إشارات إلا في مواطن الحاجة إلى البسطة للضرورات" يقول: "وحيث أنقل -نبهنا عليه قريباً- يقول: وحيث أنقل شيئاً من أسماء الرجال واللغة وضبط المشكل والأحكام والمعاني وغيرها من المنقولات فإن كان مشهوراً لا أضيفه إلى قائله؛ لكثرتهم إلا نادراً لبعض المقاصد الصالحات" يعني إذا أردت أن تشير إلى من قال بالكلام المشهور يحتاج أن تعدد جميع أهل العلم أو جلّ أهل العلم إلا من خالف في هذه المسائل، أما المسائل غير المشهورة النادرة يقول: "وإن كان غريباً أضفته إلى قائليه إلا أن أذهل عنه في بعض المواطن لطول الكلام أو كونه مما تقدم بيانه في الأبواب الماضيات" وإذا تكرر الحديث أو الاسم أو اللفظة من اللغة ونحوها بسطت المقصود منه في أول مواضعه، وإذا مررت على الموضع الآخر ذكرت أنه تقدم شرحه وبيانه في الباب الفلاني من الأبواب السابقات".
 
ثم قدم بين يدي الشرح أصولاً مهمة جداً، ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها، وأن يقرأها ويفهمها، بدأ بإسناده في الكتاب إلى الإمام مسلم، ترجم لرواته من شيوخه إلى مسلم تراجم مختصرة، تحدث عن صحيح مسلم وشهرته وتواتر نسبته إلى مصنفه، وبيّن منزلته بين كتب السنة، ثم ذكر الخلاف فيما يفيد الخبر الواحد إذا صح، المسألة فيما يفيده الخبر الواحد إذا صح مسألة طويلة الذيول، لكن الجمهور على أن خبر الواحد إذا صح إنما يفيد الظن؛ لاحتمال الخطأ والوهم والنسيان على الراوي، وإن كان حافظاً ضابطاً ثقة، ومعنى إفادة الظن أنه لا يقطع به، يعني لا يعني أن الحديث صح وتوافرت فيه شروط القبول أنه يحلف عليه، وأن نسبته ثابتة إلى قائله مائة في المائة، هذا ما قرره النووي في صدر كتابه، وإن قال بعضهم أنه يفيد القطع، يعني إذا جاءنا حديث من طريق مالك عن نافع عن ابن عمر نحلف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال هذا الحديث؟ يفيد القطع؟ نسبته إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- مائة بالمائة، ألا يحتمل أن نافعاً وهم؟! مالك ضبطت عليه أوهام وإن كان نجم السنن؛ لكن بعض أهل العلم يرى أن خبر الواحد إذا صح يفيد القطع بثبوته ويحلف عليه، وإن كان هناك قول ثالث وهو الراجح -إن شاء الله تعالى- أنه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة، أما إذا خلى عن القرائن فهو على أصله لا يفيد إلا الظن، إذا احتفت به قرينة أفاد القطع؛ لأن احتمال الخطأ والوهم ضعيف، المسألة مفترضة في الراوي الثقة، احتمال الخطأ والوهم عليه، يعني نسبته مرجوحة، وإلا لو كانت نسبة راجحة ما احتمل ولا الظن، هذه النسبة الضعيفة يقدر أن نسبة الخطأ 10% تقابل هذه الـ10% القرينة، وحينئذٍ يرتفع احتمال الخطأ، احتمال النقيض، فيرتقي إلى القطع، والمسألة مهمة ومبحوثة في كثيرٍ من الكتب، ولا محظور في كون الخبر الواحد إذا صح يفيد الظن؛ لأنه وإن كان يفيد الظن فيجب العمل به وإن كان لا يفيد إلا الظن، وكونه يفيد القطع إذا احتفت به قرينة هو قول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وابن حجر وغيرهم خلافاً لمن يقول: أنه يفيد القطع مطلقاً؛ لكن هذا القول مرجوح بلا شك، أو كونه يفيد الظن مطلقاً كذلك.
 
ثم ذكر مراد الإمام مسلم في تقسيمه للأحاديث إلى ثلاثة أقسام أحاديث صحيحة، وبيان مراتب الرواة عنده، ثم ذكر بعض المسائل الاصطلاحية كالصحيح والحسن والضعيف والمرفوع والموقوف وزيادات الثقاة والتدليس والاعتبار والمتابعات والشواهد والاختلاط والناسخ والمنسوخ ومعرفة الصحابة والتابعين ورواية الحديث بالمعنى وغير ذلك.
وهذا الشرح على اختصاره لا شك أنه عظيم النفع، جمّ الفوائد، لا يستغني عنه طالب علم؛ لإمامة مؤلفه وحسن انتقائه وجمعه وتنبيهاته العجيبة ولطائفه النفيسة، الحافظ ابن حجر له نكت على هذا الشرح، والشرح لا شك أنه قابل للتنكيت، قابل للحاشية، يعني تبسط مسائله وتوضح، والمؤلف -رحمه الله تعالى- شافعي المذهب، يرجح مذهب الشافعي غالباً، وينتصر له، وقد يرجح غيره لا سيما إذا قوي دليل المخالف، وهذا من إنصافه، أما في مسائل الاعتقاد فهو على ما تقدم في سوابقه أنه يقرر مذهب الأشاعرة في الصفات، ولا يسلك مسلك السلف في إمرارها كما جاءت، وهذا لا شك أنه قدح في الكتاب لكنه يستفاد من الكتاب بقدر ما فيه من فوائد، ويعرض عما فيه أو يعلق لو تيسر من يعلق على جميع الكتاب فيما يخالف فيه المنهج الصالح، وأما الإعراض بالكلية عن الكتاب هذا ليس بمنهجٍ سليم، شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- اعتذر عمن هذا مسلكه في مجموع الفتاوى بأعذار كثيرة، حتى أنه اعتذر عمن يظن كثير من طلبة العلم أنه يحرف النصوص، يعني مثلاً فرق بين النووي في تأويله مسائل الصفات مع ما نعرفه عنه من حسن القصد، وبين ما يسلكه الرازي في تفسيره من تأصيله وتقريره وتقعيده، فهو مجتهد مذهب، مجتهد عند الأشاعرة، يقرر هذا المذهب بقوة، ويدافع عنه ويناضل، ويرمي من يخالفه بالعظائم، يعني في تفسير الرازي، في تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [(11) سورة الشورى] يقول: "وصنف محمد بن إسحاق -بعد أن رماه بأبشع الألفاظ يعني ابن خزيمة- كتاباً سماه كتاب التوحيد، والأولى أن يسمى كتاب الشرك".
 
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى-: "أن الناس يشكون في صدق نيته، والذي يغلب على الظن أنه يعمل بما بلغه، وفهمه من النصوص" كلام شيخ الإسلام يعني إذا كان يقال مثل هذا الكلام في الرازي وصنيعه مثلما سمعتم؟ فكيف بمثل ابن حجر والنووي وغيرهم ممن عرف حسن مقصده، وسلامة منهجه في اتباعه للسنة، وعنايته بها؟.
ولا شك أن الكلام على صحيح مسلم وشروحه يحتاج إلى شيءٍ من البسط، وشيء من الزيادة؛ لكن الوقت لا يحتمل أكثر من ذلك، وغداً -إن شاء الله تعالى- نعرض باختصار لشروح سنن أبي داود والنسائي، وبعده لشروح الترمذي وابن ماجه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يقول: هل الأفضل لطالب العلم أن يقرأ مختصر الصحيح أو أصله مع الأسانيد، إذ بقراءة المختصر يختصر الوقت، تكرر القراءة مع الإسناد، والمكرر يطول الوقت، وقد لا يستفيد الطالب من قراءة الإسناد خاصة بالصحيح؛ لأن رجاله قد جازوا القنطرة؟
 
الأصول، الكتب الصحاح، والسنن والمسانيد وغيرها لا تغني عنها المختصرات بحال، نعم الطالب غير المتخصص، أو الطالب المشغول بأمورٍ أخرى غير العلوم الشرعية لو اقتصر على المختصرات كان جيداً بالنسبة له؛ لأن الوقت لا يستوعب قراءة الأصول، أما المكررات في الكتب الأصلية وذكر الأسانيد، ذكر الطرق والمتابعات والشواهد، هذه أمور لا يستغني عنها طالب العلم، بل لا بد له منها، وكون رجال الصحيحين على وجه الخصوص جاوزوا القنطرة، كما قال أهل العلم لا يعني أنه ينبغي أن لا يعتنى بهم، يعتنى بهم، هؤلاء الرجال رووا أحاديث خارج الصحيحين، فهل حكم روايتهم للأحاديث غير الصحيحين مثل الأحاديث التي رووها في الصحيحين؟ بمعنى أن من رجال البخاري مثلاً أبو عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري، لو جاءت روايته في سنن أبي داود هل معنى هذا أن روايته في القوة في سنن أبي داود في حكم رواية البخاري قوةً؟ أو أن الشيخين انتقيا من أحاديث الراوي ما ووفق عليه، لا سيما من وجه إليه شيء من النقد؟ وعلى هذا فكون الراوي من رجال الصحيحين لا يؤخذ قضية مسلمة إذا روى خارج الصحيحين؛ لأن الشيخين مع شدة تحريهما وانتقائهما للرجال خرجوا لرواة تكلم فيهم من قبل غيرهم، تخريجهم لهم في الشواهد مثلاً أو فيما توبعوا عليه ووفقوا عليه وعرف أنهم ضبطوه، والإمام مسلم بيّن منهجه في مقدمة صحيحه، وأنه يخرج أحاديث الرواة الضابطين المتقنين من الدرجة الأولى، وقد ينزل إلى رواة الطبقة الثانية ممن يلونهم في الحفظ والإتقان، لكنهم دونهم إذا عرفت ملازمتهم للشيوخ، وقد ينزل قليلاً إلى من مسّ بضربٍ من التجريح لا سيما فيما ووفق عليه، ولذا يقول الحافظ العراقي في معرض كلامه على سنن أبي داود نقلاً عن ابن سيد الناس يقول:

وللإمام اليعمري إنما ... قول أبي داود يحكي مسلما
حيث يقول جملةُ الصحيح لا ... توجد عند مالكٍ والنبلا

فاحتاج أن ينزل يعني الإمام مسلم:

فاحتاج إن ينزل في الإسنادِ ... إلى يزيد بن أبي زيادِ
 
يعني قول أبي داود: "ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما سكت عنه فهو صالح، وما فيه وهن شديد بيّنته"، يقول: هذا كونه ذكر الصحيح وما يشبهه ويقاربه من الحسن يشابه إلى حدٍ ما على حد زعم ابن سيد الناس أبي الفتح اليعمري يشابه إلى حدٍ ما مقالة مسلم في صدر صحيحه، ولذا قال:
وللإمام اليعمري إنما
قول أبي داود يحكي مسلما

فإذا وقفت على رواية يزيد بن أبي زياد مثلاً عند الإمام مسلم وجدتها عند غيره هل روايته في مسلم مثل رواية غيره عنه؟ لا، الإمام مسلم ينتقي، وأيضاً الإمام مسلم يذكر حديث الراوي المتكلم فيه في الشواهد، وكذلك البخاري.
المقصود أن قولهم رجال الصحيحين جازوا القنطرة ليس على إطلاقه، هذا هو الأصل وهو الغالب في رواة الأحاديث الأصول عندهم، أما من أخرجوا لهم في المتابعات والشواهد فالأمر فيهم أقل، ولذا يختلفون في شرط البخاري ومسلم، والأكثر على أن شرطهما رجالهما، فإذا وقفنا على حديث في غير الصحيحين روي برجال أخرج لهما الشيخان بالصورة المجتمعة، بنفس الصورة ونفس الصيغ، صيغ الأداء، صح أن نقول: أن الحديث على شرط الشيخين، مع أنه لا يوازي ما في الصحيحين من رواية، ولو كان بالصورة المجتمعة على ما سمعنا.
يقول: أفضل طبعات الشروح؟
هذه طلبت كثيراً، لعلها في آخر الوقت ينبه عليها.
يقول: هل ينصح الطالب بحفظ صحيح مسلم أولاً أم صحيح البخاري؟
لا شك أن حفظ صحيح مسلم أسهل وأيسر للطالب، فالبداءة به أنسب من هذه الحيثية، وإلا فالأصل هو أنه ينبغي أن يعتنى بصحيح البخاري لا سيما من أراد أن يتفقه من السنة، أما من أراد الحفظ فأيسر له أن يبدأ بصحيح مسلم.
يقول: درست أن مسلماً وضع الصحيح بدون تراجم للأبواب، وكذلك النووي في شرحه؟
لا، النووي في شرحه وضع تراجم، تراجم للشرح، لا لأبواب الأصل، لا، ولذا فإن إدخال هذه التراجم في الأصل خطأ، فعله محمد فؤاد عبد الباقي وغيره، لكنه الكتاب في الأصل لم يترجم، أخلاه مؤلفه من التراجم، لكن الشراح اجتهدوا في وضع تراجم، كلٌ وضع تراجم خاصة.
يقول: ما أفضل طبعات شروح مسلم؟
هذا تابع لما قبله.
 
يقول: ذكر السنوسي أنه اختصر شرح الأبي لكن المتأمل له يجد أنه يعيد نفس كلام الأبي بحيث لا يلحظ القاري أي فرق بين الشرحين؟
لا توجد فروق تذكر بين هذين الشرحين أو بينهما غيرهما من الشروح التي تقدمتهما مما يُزعم أنه تكميل لها، نعم هناك تعليقات يسيرة من الأبي على القاضي عياض، ومن السنوسي أيضاً على الأبي، لو جردت هذه التعليقات، وكل طالب يعلق على نسخته ما يستحق أن ينقل من هذه الشروح، وإلا كله تكرار في تكرار، يعني ما يوجد في الأبي والسنوسي مكرر مع ما عند القاضي عياض.
يقول: هل هناك شرح متوسط أو مختصر لكتاب اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان؟
لا يوجد، هناك كتاب اسمه (زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم) لكنه مرتب على الحروف ويصعب الاستفادة منه، وترتيبه أيضاً على الحروف فيه شيء من الخلط، وعليه حاشية وشرح لا بأس به لمؤلفه شنقيطي من الشناقطة، وعلى كلٍ (اللؤلؤ والمرجان) في بابه كتاب نفيس، أنفس من زاد المسلم، فيمكن مطالعة شروح الأحاديث من الشروح المعتبرة، من فتح الباري وشرح النووي مثلاً.
يقول: لو تكرمتم بذكر أهم الشروح التي لا يستغنى عنها للكتب الستة مع ذكر الطبعة التي تنصحون باقتنائها؟ وكذلك أفضل الطبعات للمسانيد؟
هذا آخر المقام -إن شاء الله- ينبه على شيءٍ من ذلك، وحقيقةً لا أدري هل أتمكن غداً من تكملة الكلام على بقية الكتب أو نضطر إلى إضافة عصر الجمعة، فإن استطعنا بها ونعمت، فإن لم نستطع فلعلنا نتدارك البقية في عصر الجمعة.
يقول: الأخوة بحاجة إلى التعريف بكتب السنن وصحيح مسلم أكثر من الفترة المتبقية للدورة؟
يقول: هذا يطلب زيادة مدة الدورة ولو إلى الأسبوع القادم حتى لا يكون الاختصار مخلاً؟
على كل حال نحن إذا بدأت الدروس عندنا في المسجد الدروس المنتظمة من سنين طويلة لا أستطيع أن أرتبط مع أحد، فحدنا يوم الجمعة؛ لأنه يوم السبت تبدأ دروسنا في المسجد، دروس منتظمة من سنين ارتبط عليها جمع من الأخوة لا أستطيع أن أتركهم.

سنن أبي داود مختصراته وشروحه:
 
فنبدأ بسنن أبي داود وشروحه، فسنن أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني المتوفى سنة خمسٍ وسبعين ومائتين أحد الكتب الأصول الستة اتفاقاً، اعتنى به العلماء وأشادوا به، يقول ابن القيم -رحمه الله- في مقدمة تهذيبه: "ولما كان كتاب السنن لأبي داود -رحمه الله- من الإسلام بالموضع الذي خصه الله به، بحيث صار حكماً بين أهل الإسلام، وفصلاً في موارد النزاع والخصام، فإليه يتحاكم المنصفون، وبحكمه يرضى المحققون، فإنه جمع شمل أحاديث الأحكام، ورتبها أحسن ترتيب، ونظمها أحسن نظام، مع انتقائها أحسن انتقاء، واطراحه منها أحاديث المجروحين والضعفاء".
ويقول المنذري: "فإنه يعني -سنن أبي داود- أحد الكتب المشهورة في الأقطار، وحفظ مصنفه وإتقانه وتقدمه محفوظ عند حفاظ الأمصار، وثناء الأئمة عليه وعلى مصنفه مأثور عن رواة الآثار" والكتاب بالمحل المعروف عند أهل الحديث، وهو ثالث الكتب عند جماهير العلماء، وإن قدم بعضهم سنن النسائي عليه؛ لكن المعتمد عند أهل العلم أن سنن أبي داود يقدم على سنن النسائي، فإنه أنظف أسانيد.
وذكرنا أن ابن سيد الناس زعم أن سنن أبي داود بمنزلة أو ينبغي أن يكون بمنزلة أو قريب من صحيح مسلم، وهذا ذكرناه سابقاً، لا شك أن ابن سيد الناس لم يوافق على ذلك؛ لأن أبا داود لم يكلف نفسه انتقاء الرواة والروايات مثل الإمام مسلم.
يقول أبو سليمان الخطابي في معالم السنن: "كتاب السنن لأبي داود كتاب شريف، لم يصنف في علم الدين كتاب مثله، وقد رزق القبول من الناس كافةً، فقد صار حكماً بين فرق العلماء، وطبقات الفقهاء على اختلاف مذاهبهم، وعليه معول أهل العراق، وأهل مصر وبلاد المغرب، وكثير من أقطار الأرض" يقول: "وأما أهل خراسان فقد أولع أكثرهم بصحيحي البخاري ومسلم، ومن نحى نحوهم في جمع الصحيح على شرطهما إلا أن كتاب أبي داود أحسن رصفاً، وأكثر فقهاً".
وهو أقرب -حقيقةً- فائدة لمن أراد أن يتناولها بدون عناء من صحيح البخاري، صحيح البخاري فيه شيء من المشقة للطالب المبتدئ، أما سنن أبي داود فالفائدة منه متيسرة؛ لكن دون هذه الفائدة النظر في ثبوت الحديث بخلاف ما في الصحيحين من أحاديث فإنه لا يحتاج إلى أن ينظر فيهما.
 
ويقول ابن رسلان في مقدمة شرحه: "ينبغي للمشتغل بالفقه وبغيره الاعتناء بسنن أبي داود، فإن معظم أحاديث الأحكام التي يحتج بها فيه مع سهولة تناوله وتلخيص أحاديثه، وبراعة مصنفه واعتنائه بتهذيبه" ولا شك أن سنن أبي داود مظنة للأحاديث الصحيحة والحسنة وفيها الضعيف، خفيف الضعف، وفيه شديد الضعف، إلا أن ما كان ضعفه شديداً فقد التزم الإمام أبو داود بيانه، كما في رسالته إلى أهل مكة، قال:

ومن مظنة للحسنِ ... جمع أبي داود أي في السننِ
فإنه قال جمعت فيهْ ... ما صح أو قارب أو يحكيهْ
وما به ضعف شديد قلتهُ ... وحيث لا فصالح خرجتهُ

المقصود أن الكلام على سنن أبي داود يطول، كذلكم بقية السنن، ولأهمية هذا الكتب حظي من العلماء قديماً وحديثاً بالشروح والتعليقات والمختصرات، فشرحه جماعة من الأئمة واختصره آخرون، فممن شرحه أبو سليمان الخطابي في كتابه الشهير: (معالم السنن)، شرحه أيضاً النووي لكن شرحه لم يتم، وشرحه مسعود بن أحمد الحارثي، وهو أيضاً لم يكمل، وممن شرحه مغلطاي وهو أيضاً لم يكمل، وممن شرحه أحمد بن محمد بن هلال المقدسي، وشرحه أيضاً الإمام أبو زرعة أحمد بن الحافظ العراقي -رحمهم الله-، ولكنه أيضاً لم يكمل، وممن شرحه أحمد بن رسلان الرملي الشافعي، وهذا شرحه كامل وموجود، وممن شرحه أيضاً بدر الدين العيني، كتابه أيضاً طبع أخيراً وهو ناقص، وشرحه أيضاً باختصارٍ شديد السيوطي في (مرقاة الصعود) وهناك حاشية لأبي الحسن السندي اسمها: (فتح الودود)، وهناك أيضاً شرح لم يكمل أيضاً لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي اسمه: (غاية المقصود)، وأيضاً هناك (عون المعبود) على خلافٍ في مؤلفه؛ لكن الأكثر على أنه لصاحب (غاية المقصود)، وهناك كتاب اسمه: (بذل المجهود) لخليل بن أحمد السهارنفوري.
ومن المتأخرين ممن شرحه الشيخ محمود خطابي السبكي في كتابه (المنهل العذب المورود) ونقتصر على الكلام على بعضها، خمسة أو ستة منها فقط.

(معالم السنن) للخطابي:
 
الوسوم
الستة السنة شروح مقارنة
عودة
أعلى