فتاوى الأزهر الشريف

أجرة الطبيب وكفن الزوجة

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
ذى القعدة 1341 هجرية - أول يوليو 1923 م

المبادئ
1 - يجب على الزوج شرعا أن يكفن زوجته المتوفاة من ماله ولو كانت غنية بفعل ما تحتاج إليه من حين موتها إلى حين دفنها .
2 - مصاريف العلاج التى صرفها عليها والدها لا تلزمه ولا تلزم الزوج ولكن للأب الرجوع بذلك فى تركتها متى كان الصرف بإذنها

السؤال
مرضت امرأة ثم توفيت عن تركة .
وقد صرف عليها والدها أثناء مرضها مصاريف عند الأطباء لعلاجها وجهزها حين موتها، وقد استدان والدها كل هذه المصاريف على حسابها .
فهل ما صرفه والدها فى كلا الحالين يلزم به أو يلزم الزوج أو يكون دينا فى تركتها فيؤخذ منها

الجواب
المقرر شرعا أنه يجب على الزوج أن يجهز زوجته المتوفاة من ماله ولو كانت غنية على قول أبى يوسف المفتى به .
وذلك بأن يفعل ما تحتاج إليه من حين موتها إلى حين دفنها .
ويدخل فى ذلك تكفينها الكفن الوسط من جهة العدد والقيمة وأجرة الحمل والمصاريف للازمة للدفن حتى القبر .
وأما المصاريف التى صرفها والدها أثناء مرضها عند الأطباء لعلاجها فإنها لا تلزم الزوج ولا تلزم الأب، ومتى ثبت أن والدها صرفها بإذنها فيكون له الرجوع بما صرفه عليها من تركتها .
وهذا حيث كان الحال كما ذكر فى السؤال، والله أعلم
 
ثمن الدواء والكفن للزوجة

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
جماد آخر 1342 هجرية - 27 يناير 1924 م

المبادئ
1 - كفن المثل للمرأة وتجهيزها بما يلزم فعله من وقت وفاتها إلى دفنها بدون إسراف ولا تقتير على زوجها وما عدا ذلك فليس على الزوج والورثة شىء منه .
2 - مصاريف العلاج إن كانت بإذنها فهى من مالها الخاص، وإلا فلا حق لمن صرف فى الرجوع على تركتها لأنه متبرع فى هذه الحالة

السؤال
زوجة توفيت عن زوجها ووالدتها وولدها القاصر، وهى موسرة فمن الملزم بمصاريف علاجها وخرجتها ودفنها وجنازتها ومأتمها، مع العلم بأن زوجها موسر .
وهل يلزم القاصر بجزء من المصاريف المذكورة وما المفروض شرعا فى تجهيز المتوفاة

الجواب
المنصوص عليه شرعا أن كفن المرأة على زوجها ولو كانت غنية على ما هو المعتمد .
ومنه يعلم أنه لا يلزم ابنها القاصر ولا غيره من ورثتها بشىء منه سوى زوجها .
والواجب على زوجها إنما هو كفن مثلها، وتجهيزها بما يلزم فعله من وقت وفاتها إلى دفنها بدون إسراف ولا تقتير .
وما عدا ذلك فليس على الزوج ولا الورثة شىء منه .
أما مصاريف علاجها قبل وفاتها فإنها تكون من مالها الخاص إذا كان ذلك بإذنها، فإن لم يكن الصرف بإذنها فلا حق لمن صرف فى الرجوع على تركتها، لأنه متبرع فى هذه الحالة .
والله أعلم

 
لا يلزم الكفيل بتجهيز زوجة مكفولة المتوفاة

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
شوال 1343 هجرية 16 مايو 1925 م

المبادئ
لا يلزم الكفيل فى أمور الزوجية بتجهيز وتكفين زوجة مكفوله لأن ذلك ليس من النفقة والكسوة والمسكن المكفول بها

السؤال
من عبد اللطيف محمد .
فى رجل كفل ولده بقسيمة الزواج بما نصه (كفلت ولدى فيما يتعلق بحقوق الزوجية من النفقة والكسوة والمسكن لزوجته ولأولادها) فهل بموت الزوجة يدخل التجهيز والتكفين والمصاريف الأخرى التى تلزم لحين دفنها فى رمسها فى الكفالة ويكون الكفيل ملزما بتجهيزها وتكفينها أم لا - أفيدونا الجواب

الجواب
لا يدخل التجهيز والتكفين والمصاريف التى تلزم لحين دفن الزوجة المتوفاة المذكورة فى كفالة الأب ابنه الزوج فيما يتعلق بحقوق الزوجية من النفقة والكسوة والمسكن لزوجته ولأولادها - وذلك لأن التجهيز والتكفين والمصاريف المذكورة ليست من النفقة والكسوة والمسكن المكفول بها .
والله أعلم

 
تكفين الميت

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
جمادى الثانية 1344 هجرية - 31 ديسمبر 1925 م

المبادئ
1 - يبدأ من تركة الميت بتجهيزه ودفنه بلا تبذير ولا تقتير إلى حين دفنه والعبرة فى ذلك بأمثاله .
2 - للمنفق الرجوع على التركة بما أنفق فى الحدود المذكورة أما ما زاد عليها فإن كان بإذن الورثة أو بعضهم فله الرجوع وإلا فلا

السؤال
من الأستاذ / الشيخ محمد جاد بما صورته .
فى رجل يدعى صالح محمد توفى عن وارثيه الشرعيين هما زوجته التى مات وهى على عصمته وابن عمه الشقيق، وترك لهما نصف منزل فقط، وقد صرف على مأتمه من تكفين وتجهيز وأجره حانوت وأجرة فراش وثمن طعام وأجرة وغير ذلك .
فهل تلزم التركة بجميع ذلك أم لا أفيدونا بالجواب

الجواب
المنصوص عليه شرعا أن يبدأ من تركة الميت بتجهيزه وتكفينه بدون تبذير ولا تقتير إلى حين دفنه .
ويعتبر فى التجهيز والتكفين ما يجرى فى أمثاله ومازاد على ذلك من مصاريف المأتم وأجرة الفراش والفقهاء وثمن الطعام وغير ذلك يلزم به من أنفقه لأنه متبرع .
إلا إذا أذنه به الورثة أو بعضهم فإنه يلزم من أذن به والله أعلم

 
تكفين المراة غير لازم على أخيها

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
ربيع الأول 1344 هجرية - أكتوبر 1926 م

المبادئ
لا يلزم الأخ بشىء من تكفين أخته وتجهيزها كأمثالها إلى أن توارى التراب .
وإنما ذلك على زوجها ولو كانت غنية

السؤال
من محمود قناوى .
فى امرأة توفيت فى منزل زوجها ولها أخ شقيق، والمطلوب هل الملزم بتكفينها وتجهيزها وغير ذلك فيما يحتاج إليه شرعا زوجها أو أخوها، وما المطلوب لها شرعا لحين دفنها فى قبرها

الجواب
المنصوص عليه شرعا أن كفن المرأة وتجهيزها كأمثالها إلى أن توارى فى قبرها واجب على الزوج شرعا ولو كانت غنية .
وبه علم أنه لا يلزم الأخ فى هذه الحادثة شىء مما ذكر .
والله أعلم

 
تشييع النساء للجنازة وتلقين الميت

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
ربيع الآخر 1341 هجرية - 26 نوفمبر 1922 م

المبادئ
1 - خروج النساء لتشييع الجنازة مكروه كراهة تحريمية .
2 - تلقين الميت بعد دفنه غير ممنوع

السؤال
ما الحكم الشرعى فى منع تشييع النساء للجنازات أو تعقهن لها ومنع تلقين الموتى داخل حدود الجبانات

الجواب
أما تشييع النساء وإتباعهن للجنائز فهو مكروه تحريما .
كما صرح به فى الدر المختار .
واستدلوا له بما رواه أبو يعلى على أنس رضى الله عنه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جنازة فرأى نسوة فقال أتحملنه قلن لا، قال أتدفنه قلن لا، قال فارجعن مأزورات غير مأجورات نقله العلامة الطهطاوى فى حاشيته مراقى الفلاح عن شرح البدر البين على البخارى ومتى كان حكم الخروج الكراهة التحريمية كما علم كان المنع عنه سائغا وأما تلقين الميت بعد دفنه فقيل فى حكمه إنه مشروع، وقيل لا يلقن وقيل لا يؤمر به ولا ينهى عنه .
والذى أجنح إليه عدم المنع أخذا مما روى عن القاضى الكرمانى حينما سئل عنه فقال ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، وإنما لا ينهى عن التلقين بعد الدفن لأنه لاضرر فيه، بل فيه نفع فإن الميت يستأنس بالذكر على مارود فى الآثار - ملخصا من حاشية مراقى الفلاح ورد المحتار - وتحرر هذا للمعلومية

 
حمل الميت للدفن

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
ذى القعدة 1344 هجرية 26 مايو 1926 م

المبادئ
1 - حمل الميت على أعناق الرجال هو المتعارف بين المسلمين من الصدر الأول إلى اليوم، أما حمله على دابة أو غيرها فمكروه، لأن فيه تشبيها للأموات بالأمتعة، وهو مناف لكرامتهم .
2 - إن كان البعد شاسعا والمشقة عظيمة بين مكان الوفاة ومكان الدفن فإنه فى هذه الحالة يسوغ حمل الميت على أداة من أدوات الحمل لذلك العذر

السؤال
بخطاب المحافظة رقم 10 مايو سنة 1926 بما صورته لا يخفى على فضيلتكم أن مدينة القاهرة قد أصبحت مترامية الأطراف، وأن المبانى اتسعت فيها اتساعا كبيرا بحيث إن الإنسان قد يقضى بضعة ساعات سائرا على الأقدام لأجل الوصول من جهة إلى أخرى .
كذلك لا يخفى على فضيلتكم أن موتى المسلمين ينقلون إلى الجبانات المراد الدفن فيها بطريقة الحمل على الأكتاف، ويسير المشيعون خلف النعش من الجهة التى حصلت فيها الوفاة إلى المدفن، ويتحمل المشيعون فى هذا السبيل الكثير من العناء والمتاعب .
وبما أنه من المرغوب فيه معرفة رأى فضيلتكم عما إذا كان يحوز من الوجهة الشرعية تشييع جنازة المتوفى بالطريقة الجارية الآن إلى أقرب مسجد للمسكن الذى حصلت فيه الوفاة وبعد الصلاة على الجثة يحمل النعش على عربة أو ما يشاكلها، ويركب خلفه المشيعون على عربات أيضا إلى المدفن، وذلك لعرض الأمر على لجنة الجبانات المنظور عقدها قريبا .
فالأمل الإفادة عما يرى فى ذلك

الجواب
علم ما جاء بخطاب سعادتكم رقم 10 مايو سنة 1926 نمرة 653 والموافق للسنة هو حمل الميت على أعناق الرجال كما هو المتعارف بين المسلمين من من الصدر الأول إلى اليوم، أما حمله على دابة أو غيرها من أدوات الحمل فمكروه، لأن فيه تشبيها للأموات بالأمتعة وهو مناف لإكرامهم، ولا ينبغى أن يصار إلى هذا المكروه رفقا بالمشيعين الأحياء الذين لا يقومون بحمل الميت - نعم إن كان البعد شاسعا والمشقة عظيمة كما لو كان الميت فى مصر الجديدة والدفن فى قرافة الإمام الشافعى رضى الله عنه فإنه يسوغ حمل الميت فى هذه الحالة على أداة من أدوات الحمل لذلك العذر وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

 
حمل الميت للدفن

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
شوال 1345 هجرية 18 ابريل 1927 م

المبادئ
1 - السنة هى حمل الميت على أعناق الرجال تكريما .
إلا إذا كان هناك بعد شاسع بين مكان الوفاة ومكان الدفن وكانت المشقة عظيمة، فإنه يجوز حمل الميت على أداة من أدوات الحمل .
2 - لا تقدير للمسافة بين محل الميت وبين المقبرة

السؤال
بخطاب المحافظة رقم 16 المرسل فى سنة 1927 رقم 6159 وبالمستخرج من محضر جلسة اللجنة الفرعية الجبانات المرافق له ونص الخطاب كالآتى أتشرف بأن أحيط فضيلتكم علما أنه بالنسبة لما سبق وروده رقم 57 فتاوى فى 26 مارس سنة 1926 بخصوص تشييع جنازة الموتى ، قد اجتمعت اللجنة الفرعية للجنة جبانات المسلمين بمدينة القاهرة بديوان المحافظة اليوم، وبعد أن تناقشت فيه قررت ما هو واضح بالمستخرج المرفق طيه .
فنرجو التكرم بالإفادة بما يرى قبل الموعد المحدد، وصورة المستخرج نصها ( نظرت اللجنة الفرعية للجنة جبانات المسلمين بمدينة القاهرة والمنعقدة بديوان المحافظة فى يوم السبت 16 أبريل سنة 1927 فى موضوع تشييع جنازة الموتى إلى أقرب مسجد، وحمل النعش بعد ذلك على عربة أو ما شاكلها للمدافن، وذلك منعا لتحمل المشيعين كثيرا من العناء والمتاعب لسبب بعد المدافن، وقررت اللجنة بعد المناقشة أن تستوضح من فضيلة المفتى فى المسافة البعيدة بالكيلو متر، بأن تجعل مازاد عن كيلو واحد فيه المشقة محققة والعذر فيه واضح، وخصوصا فى أيام الصيف والأمطار، فضلا عما فيه من رجوع المشعين على القدم فى الغالب الكثير من الجماهير مما يضاعف المسافة والشقة .
هذا فضلا عن اتساع مناطق البنيان فى مدينة مصر الآن . وأصبحت المقابر بعيدة جدا عن الأحياء التى أنشئت حديثا مع ملاحظة أنه فى الزمن الماضى كان لكل حى مقابر خاصة، تجاوره أو بلصقه مثل المقابر التى كانت بحى العتبه الخضراء وبجوارها حى قسم الموسكى، ومقابر معروف بجوار قصر النيل، وكانت مخصصة لأحياء بولاق وعابدين وشبرا، ومقابر سيدى زينهم مخصصة لجهة قسم السيدة، وكان سكان هذه الأحياء كلها وما يماثلها لا يتحملون أى مشقة فى دفن موتاهم، وغير خاف ما عليه الآن حالة المرور فى مدينة مصر وشوارعها، وخصوصا الرئيسية منها التى توصل للمقابر فإنها مزدحمة جدا بالترام والسيارات والعربات والحركة التجارية وما شاكلها مما يترتب عليه حوادث فضلا عن شل حركة هذه المواصلات سواء كان للمارة أو المشيعين .
فى حين أن حالة الدفن فى بلاد الأرياف الآن لا تكبد المشيعين أقل عناء لعدم بعد قرافاتها عن المساكن إذ تقدر المسافة بأقل من كيلومتر بكثير .
وفى النهاية ترجو اللجنة من حضرة صاحب الفضيلة مولانا مفتى الديار المصرية أن ينور اللجنة بما اقترحته فى هذا الصدد قبل اجتماعها يوم السبت القادم 23 أبريل سنة 1927، لإمكانها تقرير المصير فى هذه المادة

الجواب
اطلعنا على خطاب سعادتكم رقم 16 أبريل سنة 1927 نمرة 6159 وعلى المستخرج المرافق له .
ونفيد أنه سبق لنا أن أبدينا رأينا فيما يختص بتشييع جنائز المسلمين بالفتوى 57 المؤرخة 26 مايو سنة 1926، وبينا فيها أن السنة هى حمل الميت على أعناق الرجال تكريما له كما هو المتعارف بين المسلمين من صدر الإسلام إلى اليوم، ولا يصار إلى مخالفته وارتكاب المكروه إلا إذا كان هناك بعد شاسع بين محل الميت وبين المقبرة التى يدفن فيها، وكانت المشقة عظيمة، كما لو كان الميت مثلا بمصر الجديدة والمدفن بقرافة الإمام الشافعى، فإنه فى مثل هذه الحالة اتقاء لتلك المشقة يجوز حمل الميت على أداة من أدوات الحمل .
ومطلوب الآن بإفادتكم تقدير ذلك بالكيلومتر، ولقد رأينا فى كثير من الجنائز أن سار الشيوخ الذين يتجاوزون الثمانين من أعمارهم فى تشييعها من محطة مصر أو محطة كوبرى الليمون إلى قرافة الإمام الشافعى وإلى مسجد الرفاعى ولم يصبهم فى ذلك نصب ولم تلحقهم مشقة، ولذا لا أوافق على التقدير الذى جاء فى المذكرة المرسلة مع خطاب المحافظة، وعلى الجملة فقد بينت المبدأ الشرعى فيما هو سنة وما هو مكروه، ومتى يصار غلى ارتكاب ذلك المكروه وبذلك قمت بواجبى، والسلام عليكم

 
موت ناظر الوقف مجهلا

المفتي
محمد عبده .
جمادى الآخرة 1318 هجرية

المبادئ
1 - المجهل هو من يموت ولم يبين حال ما بيده من مال .
2 - يشترط فى المجهل أن لا يكون عالما بأن وارثه يعلم تلك الحال .
3 - كون الوارث عالما بأى طريق من طرق العلم لا يكون معه الميت مجهلا .
4 - السكوت عن الألفاظ اعتمادا على علم الوارث يكون بيانا .
5 - جريان العرف قديما وحديثا على اعتبار الكتابة بشروطها من أفضل أنواع البيان فى هذا المجال .
6 - ما وجد بعد وفاة الناظر من صكوك ودفاتر حجة عليه ولا يكون معها قد مات مجهلا لمال الوقف .
7 - يعتبر الناظر ضامنا لما هو ثابت بالدفاتر من أموال الوقف وتؤخذ من تركته

السؤال
من السيد حسين فى ناظر على أوقاف عين واقفها لكل منها مصرفا وشرط فى بعضها أن يبدأ من غلته بعمارته وتكملته وفى بعضها أن ما يتجمد من إيرادها بعد المصارف المخصوصة يبقى بيد الناظر إلى أن يصير مبلغا جسيما فيشترى به ما يعود نفعه على الوقف من عقار وخلافه .
وتولى ذلك الناظر العمل فى تلك الأوقات وجمع إيراداتها وصرفها ووضع لذلك دفاتر جمعت حسابها وقيد فيها الريع، وما صرف منه وجرى العمل فى تلك الدفاتر على أن يصدر إذن منه لكاتب الوقف بختمه أو خطه بصرف مبلغ كذا ويقيد ذلك الإذن بدفتر الحساب بنمرته على طريق تكون النمر به متسلسلة وبين فى تلك الدفاتر ما بقى بيد الناظر من إيرادها ثم مات ذلك الناظر وتولى النظر على تلك الأوقاف غيره وأراد محاسبة التركة وأن يأخذ منها ما بقى عند الناظر الأول بمقتضى تلك الدفاتر .
فهل يكون له ذلك ولا يقال بعد هذا البيان إن الناظر الأول مات مجهلا، وإذا قيل إنه مع هذا يكون مجهلا أفلا يكون ضامنا لما تحقق أنه لم يصرف فى المصارف التى عينها الواقف خصوصا إذا شرط الواقف البداءة بالعمارة وتكملة بعض الأعيان ولم يفعل الناظر شيئا من ذلك ولا يكون التجهيل حينئذ نافيا للضمان وهل إذا كان شىء من تلك الأوقاف على معينين لا تسقط حقوقهم بمضى المدة مع استمرار استجرارهم من الناظر بعضها حال حياته وهل إذا وجدت أوراق بالإذن بالصرف خالية من ختم الناظر وخطه وليست منمرة بنمرة متسلسلة حسبما هو متبع فى أمثالها لا تعتبر وتكون بمنزلة حشو بين بقية النمر لو وجدت واردة فى دفاتر الحساب أفيدوا الجواب

الجواب
بين الفقهاء ما يقصدون من لفظ المجهل الذى ناطوا به حكمه سواء كان ناظر وقف أو وصيا أو مودعا، وصرحوا أنه الذى يموت ولم يبين حال ما بيده من المال فإن كان مودعا مثلا كان هو الذى لم يبين حال الوديعة ومقرها وهل هى موجودة أو مفقودة وهل فقدت بإهماله أو بسبب قاهر ونحو ذلك مما يتعلق بها، وشرطوا فى كون غير المبين مجهلا أن لا يكون عالما بأن وارثه يعلم تلك الحال التى وصفنا، فإن كان المودع يعلم أن الوارث يعرف حال المال الذى عنده وصاحب الوديعة يعرف كذلك أن الوارث يعلم ولم يبين بالفظ لم يعد مجهلا لأنه لا داعى إلى البيان فيكون سكوته اعتمادا على علم الوارث وعلم صاحب الوديعة .
فإن كان من بيده المال قد جرى فى تصرفه أيام حياته على طريقة توجب على الوارث بحال المال الذى عنده وصاحب الوديعة أو من يخلف الميت على مال اليتيم أو الوقف يعلم أن تلك الطريقة موجبة لعلم الوارث بما يجرى فى المال من صرف وحفظ أو ضياع فلا ريب أنه لا يسمى مجهلا ولا يجرى عليه حكم المجهل بل يعتبر مبينا بل أشد الناس حرصا على البيان، وقد جرى العرف قديما وحديثا على أن الكتابة على شروطها المعروفة من أفضل أنواع البيان خصوصا الصكوك والوصول والدفاتر، فقد صرح الفقهاء بأن هذه الأنواع من المحررات حجة على صاحب الخط أو الختم فى حياته وبعد موته متى لم تكن شبهة فى نسبتها إليه، وقد عظم الاعتماد على الكتابة وإفادتها العلم فى زماننا هذا حتى كاد يهمل العمل بالقول المجرد عنها إلا فى بعض الشئون، أما فى أعمال الدوائر ومعرفة ما يرد وما يصرف من الأموال فلم يبق طريق للعلم سواها، فإن كان متولى الوقف فى حال حياته يعتمد فى بيان ما يدخل فى يده من مال الوقف وما يصرفه فى وجوهه وما يبقى فى ذمته على الدفاتر والصكوك والوصول فلا شك فى أنه على ثقة من كون الوارث يعلم ذلك كله بالاطلاع على ما يكتبه أو يختمه .
فإذا مات - مات عالما بأن الوارث يعلم ذلك وعالما بأن المستحق ومن يتولى الوقف بعده يعلمان بعلم الوارث به بل ويعلمان أن هذه هى طريق علمهما أنفسهما وما يذكره الفقهاء فى حال المجهل لا ينطبق على من يجرى فى معاملاته على هذه الطريقة، وإلا لم يبق مبين فى هذا الزمان وهل للورثة ما دخل عليهم من مال الأوقاف والأيتام إذ لا يخطر ببال من ضبط الريع وما أنفق منه فى دفتر أن يحصى ما ورد وما صرف وينطق بلفظ وبقى فى ذمتى كذا لاعتماده على أن ذلك كله قد أحصى فى وقته - وسيصل إلى أيدى الوارث ومن يتولى الوقف بعد موته، وهذا من البديهيات التى لم يكن تحتاج إلى البيان لولا خفاء البديهيات على بعض من يزعم أن الشرع الإسلامى ينكر من طرق العلم ما اتفق عليه الناس أجمعون، وبعد ما تبين معنى المجهل والمبين ظهر أن ناظر الوقف فى حادثتنا لا يعد مجهلا وأن ما وجد من الصكوك والوصول والدفاتر يعد حجة عليه، فما ثبت بها أنه ورد من الريع يعتبر واردا داخلا فى يده وما ثبت بها أنه صرف فهو ما خرج من يده وما عدا ذلك فهو الباقى فى يده إلى موته فيؤخذ من التركة لا محالة ثم لو فرض أن الناظر مات مجهلا فى حادثة مثل حادثتنا ولم يكن فيها بيان بالطريقة المتقدمة لم يكن حكمه عدم الضمان بل إن كان الريع مشروطا لمستحقين فغلة الوقف مملوكة لهم وهى فى يده وديعة فيضمنها بلا نزاع وإن كان الواقف قد عين مصارف ولم يصرف الناظر فيها مخالفا شرط الواقف، كما فيما خصص للعمارة والترميم وتكملة الناقص ولم يصرف فى وجوهه فالشأن فيه الضمان كذلك لأنه قد حفظ المال تحت يده وديعة إلى أن يصرف فى وجهه وليس بمأذون أن يصرفه فى غير وجهه أما ما ذكروه فى مسألة الناظر على مسجد وأنه لا يضمن لو مات مجهلا فمرادهم من يكون ناظرا على صرف ما تقوم به الشعائر وهو مأذون فيه، فيحتمل أنه صرفه، فلو كان حيا صدق فى أنه صرفه بيمينه ولو مات مجهلا لا يضمن لاعتباره كأنه صرفه، أما من يخالف شرط الواقف كما فى حادثتنا فلا يقبل منه قول فيما صرفه إلا ببيان .
وعلى ذلك يكون حال ورثته فالناظر فى حادثتنا ضامن على كل حال خصوصا إن كان يغمز عليه فى سيرته ولا يحمد الناس عفته واستقامة حاله أما المستحقون فما داموا يأخذون مما يستحقون ويقيد لهم فى دفاتر الحساب ما يصرف وما يبقى فلا يسقط حقهم فيما بقى مهما طال الزمان لأن العمدة عندهم على الحساب وليس ما يوجب المحاسبة فى وقت دون وقت خصوصا إذا سبقت لهم مطالبة بالحساب وبيانه ولم يصدر من الناظر جحود لاستحقاقهم من أصله وإنما وكل الأمر إلى ما هو مقيد فى صكوكه ودفاتره، وأما الأوراق التى لا يوجد عليها إمضاء الناظر ولا ختمه وليست عليها نمرة توافق ما قبلها وما بعدها ففيها شبهة أنها ليست صادرة منه وإن قيدت فى الدفاتر فلا تعتبر حجة للناظر ما لم يقم دليل على أن ما احتوت عليه قد صرف حقيقة واللّه أعلم .
ے
 
حكم إقامة مأتم الأربعين

المفتي
حسنين محمد مخلوف .
ذى الحجة 1366 هجرية - 13 نوفمبر 1947 م

المبادئ
1- إقامة مأتم الأربعين بدعة مذمومة، لا ينال منها الميت رحمة ولا ثوابا، ولا ينال منها الحى سوى المضرة، ولا أصل لها فى الدين .
2- فيها تكرير للعزاء وهو غير مشروع، لحديث (التعزية مرة)

السؤال
ما حكم إقامة مأتم الأربعين

الجواب
(أ) أحوال الروح فى البرزخ .
1- تبقى الروح فى البرزخ بعد مفارقتها الجسد حية مدركة تسمع وتبصر، وتشعر بالنعيم والعذاب، وترد أفنية القبور، وتأوى إلى المنازل غير محددة بمكان ولا محصورة فى حيز، ولا ترى كما ترى الماديات .
2- قد يأذن الله لها أن تتصل بالبدن كله أو بأجزائه الأصلية اتصالا برزخيا خاصا، كاتصال أشعة الشمس بالعوالم الأرضية اتصال إشراق وإمداد وقد لا يأذن لها بذلك وهذا هو مذهب أهل السنة، وبه وردت الأحاديث والآثار .
3- تتصل بالأرواح الأخرى وتناجيها وتأنس بها، سواء أكانت أرواح أحياء أم أرواح أموات .
4- كل ما يقال أو يؤثر عن العلماء فى معنى الروح من قبيل ذكر الأوصاف والأحوال التى هى من باب الآثار والأحكام، وليست من قبيل الكشف عن حقيقتها الذاتية، لأن ذلك مما استأثر الله بعلمه فلا تحيط به عقول البشر .
(ب) الحياة فى القبر والسؤال فيه .
1- حياة القبر ثابتة بأحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، دلت عليها وعلى سؤال الميت فى قبره ونعيمه أو تعذيبه فيه .
2- لا بعد ولا نكير فى كون الميت يعذب برد الروح إليه عارية تعذيبا لا يقدر البشر على رؤيته .
3- يسمع الموتى ويجيبون ويردون السلام، لحديث القليب ولحديث المرأة التى كانت تقم المسجد (تكنسه) فقد ثبت منه ردها على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بقولها (قم المسجد) إجابة على سؤاله أى الأعمال وجدت أفضل ولحديث ابن عباس ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه .
4- يسأل الميت ملكان ويجيبهما، ولا عبرة بمن ينكر ذلك .
5- رأى ابن تيمية وتلميذه ابن القيم فى عذاب الروح أو نعيمها وهل هو خاص بها أم يشمل بدن الميت أيضا .
(ج) وصول ثواب جميع الطاعات للميت .
1- مذهب الحنابلة والحنفية وصول ثواب جميع الطاعات إلى الميت انية كانت أو مالية، ومن ذلك قراءة القرآن بغير أجر وإهداؤها إليه، فإن كنت بأجر فلا ثواب فيها للقارئ حتى يمكن إهداؤه إلى الميت .
2- الاستئجار على مجرد تلاوة القرآن لم يقل به أحد من الأئمة وإنما اختلفوا فى الاستئجار على تعليمه، فأجازه المتأخرون ضرورة حفظه .
3- الدعاء للميت ينفعه باتفاق ويصل أثره إليه، والصدقة عنه يصل أجرها إليه، للأحاديث والآثار الواردة فى ذلك، ولا يشترط فى أى منهما أن يكون من ولده .
4 - الحج عن العاجز بموت أو عضب ( المغضوب الضعيف والزمن الذى لا حراك به ) جائز عند الجمهور، سواء أكان عن فرض أو نذر أوصى به الميت أم لا وبجزىء عنه .
وهذا مذهب الجمهور وعند مالك الليث لا يجوز الحج إلا عن ميت وعن حجة الفرض فقط غير أن ما ذهب إليه الجمهور هو الحق .
5- آية { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } عام مخصوص بالأحاديث الواردة فى جواز ذلك ولا تعارض بينهما .
6- الصوم عن الميت مستحب عند الجمهور ومنهم الشافعى فى القديم ، وعند بعض السلف الصالح فرضا كان الصوم أم نذرا .
وذهب مالك وأبو حنيفة والشافعى فى الجديد إلى أن الولى لا يصوم عنه لا فى النذر ولا فى غيره ولكن يطعم عنه مسكينا عن كل يوم، لأنه عبادة بدنية وهى لا ينوب فيها أحد عن أحد كالصلاة .
وذهب أحمد والليث إلى أنه لا يصوم عنه إلا فى النذر فقط ويطعم فى غيره عن كل يوم مسكينا .
7- المراد بالولى هنا هو القريب وارثا أو غير وارث، وقيل هو الوارث خاصة .
وقيل هو العصبة خاصة . وقال الحنفية إنه المتصرف فى المال ويشمل عندهم الوصى ولو أجنبيا عن الميت .
8- هل يختص الولى بالصوم أم يقبل منه ومن غيره قيل .
وقيل لا يختص به، ويقبل ممن تبرع به ولو أجنبيا .
9- الولى يطعم عن الميت من ثلث ماله وجوبا إن أوصى بذلك وجوازا إن لم يوص، فإن تبرع به جاز معلقا على مشيئة الله، وكان ثوابه للميت عند الحنفية، والصلاة فى ذلك كالصوم استحسانا .
10- لا يجوز عند الحنفية أن يصوم الولى أو يصلى عن الميت ليكون هذا قضاء عن الميت عما وجب عليه، ولكن له ولغيره أن يجعل ثواب صومه أو صلاته للميت بمثابة الصدقة، وبهذا يصل ثواب ذلك إليه، وعليه عمل المسلمين من لدن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا .
11- قراءة سورة يس على الموتى وعلى المقابر مستحب، وتخصيصها بالقراءة لما فيها من التوصية والمعاد والبشرى بالجنة للمؤمنين، وللتخفيف عن الموتى بشرط ألا تكون بأجر عند الحنفية وابن تيمية وابن القيم .
12- مذهب الشافعية فى العبادات البدنية المحضة عدم وصول ثوابها إلى الميت ولو كانت تبرعا كالصلاة وتلاوة القرآن .
وهذا هو الشهور عندهم .
والمختار عند بعضهم وصول ثوابها إلى الميت لأن طلب إيصال ثوابها دعاء وهو جائز بما ليس للداعى، فيجوز بما هو له من باب أولى .
وهذا لا يختص بالقراءة بل عام فى جميع الطاعات إذا اقترنت بسؤال الله إيصال ثوابها إلى الميت، فإنه يصل إليه شأنها فى ذلك شأن كل دعاء ترجى استجابته .
13- قراءة القرآن عند المالكية مكروهة للموتى وأجازها المتأخرون منهم بشرط أن تخرج مخرج الدعاء للميت، فإن كانت كذلك وصل ثوابها إلى الميت قولا واحد .
14- رأى الإمام القرافى فى أنواع القربات أنها ثلاثة قسم لا يجوز نقله إلى غير صاحبه كالإيمان والتوحيد .
وقسم أذن الله سبحانه وتعالى فى نقله للميت كالصدقة .
وقسم اختلف فيه وهو الصيام والحج وقراءة القرآن وما شابه ذلك .
وهذا لا يصل منه شىء للميت عند مالك والشافعى ويصل ثوابه عند أبى حنيفة وأحمد ، ورفع الإمام القرافى الخلاف فى لك بحصول بركة للميت بالقراءة ولا يحصل له ثوابها .
15- قراءة القرآن للميت لا ينبغى إهمالها، فلعل الحق هو وصول ثوابها .
لأن ذلك من الأمور الخفية، وليس الخلاف فى حكم شرعى وإنما فى أمر واقع هل هو كذلك أم لا .
(د) حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن وتعلمه .
1- الاستئجار على تلاوة القرآن أو تعليمه غير جائز عند الحنفية وكثير من السلف .
فلا تجب به أجرة ولا يجوز أخذها ولا إعطاؤها . 2- استثناء متأخرى الحنفية جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن كان خشية ضياعه، وترغيبا فى حفظه وكان ذلك للضرورة وعليه الفتوى لذلك .
3- قراءة القرآن بالأجر لا ثواب فيها للقارئ، وآخذ الأجرة ومعطيها آثمان وأجازها المالكية فى قول .
تأسيسا على وصول ثوابها لمن قرئت لأجله كالميت .
4- الأفضلية بين القراءة بأجر على رأى المالكية فى قول وبين الصدقة بالنقود تختلف باختلاف مقدار الصدقة ونفعها للفقير ومال المتصدق واختلاف القراءة وما يدفع للقراء من أجر .
(هاء) حكم زيارة القبور .
1- زيارة القبور مستحبة للعظمة والاعتبار وتذكر الموت، وهى واجبة عند ابن حزم ولو فى العمر مرة .
2- الزيارة للرجال باتفاق، وهى مكروهة للنساء، إلا إذا أمنت الفتنة وكانت للاعتبار والترحم من غير بكاء .
3- للزيارة آداب .
منها عدم الجلوس، وأن يكون الزائر مستدبر القبلة مستقبلا الميت .
ومنها السلام على أهل القبور، ولا يمسح ولا يمس ولا يقبل قبرا، وإن يدعو عنده بما أثر عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ثم ينصرف عقب ذلك .
4- أفضل أيامها يوم الجمعة، وقيل هو ويوم قبله ويوم بعده .
(و) سنة حسنة .
1- فتوى فى الاحتفال بذكرى الأربعين نشرت الأهرام الكلمة الآتية تحت هذا العنوان فى عدد يوم الأحد التاسع من شهر رمضان سنة 1366 (27 من يوليو سنة 1947) .
لقد ابتلانى الله بفقد الولد ( توفى إلى رحمة الله فى يوم الأربعاء 29 من رجب سنة 1366 الموافق 18 من يونية سنة 1947 ولدى عبد الحميد الطالب بكلية العلوم بجامعة فؤاد الأول ) فصبرت، واقتطع من فلذة الكبد فيما تبرمت، فله الحمد على نعمة الرضا بالقضاء .
ومنه وحده المثوبة وعظيم الجزاء . وقد تساءل أصدقائى عن ليلة الأربعين فأخبرتهم أن إحياءها على النحو المتبع بدعة مذمومة لا أصل لها فى الدين .
وإنى مكتف فيها وفى غيرها من الأيام بما بينى وبين ربى من عمل يرجى ثوابه بمشيئته لمن افتقدته .
ولهم منى مع عظيم الشكر أطيب التمنيات . مفتى الديار المصرية حسنين محمد مخلوف .
2- وعلى إثر ذلك ورد إلى السؤال الآتى فأجبت عنه بالفتوى المسجلة برقم 377 بتاريخ 14 أغسطس سنة 1947 بدار الافتاء ونشرت الأهرام خلاصتها مع السؤال فى عدد يوم الثلاثاء 112 من أغسطس سنة 1947 بالنص الآتى مأتم الأربعين سؤال لفضيلة المفتى ورده عليه .
تلقينا من صاحب التوقيع الكلمة التالية إلى فضيلة الأستاذ مفتى الديار المصرية .
أتقدم بكل تجلة واحترام إلى فضيلة الأستاذ الأكبر مفتى الديار المصرية بمناسبة فتواه الحقة فى موضوع الاحتفال بذكرى الأربعين المنشورة فى الأهرام راجيا أن يتفضل علينا بتبيان الأعمال التى يرجى ثوابها للميت، كما جاء فى كلمة فضيلته القيمة، أنى ممن اتبع فعلا السنة الحسنة التى استنها فضيلته فى عدم إحياء ليلة الأربعين رغم إجماع الناس عليها إجماعا باطلا وأنتهز هذه الفرصة فألتمس من فضيلته أن يتكرم علينا بنشر ما يجهله الناس أو يتجاهلونه من أحكام الشريعة الغراء فى المآتم، وما يجرى فيها من بدع وسخافات .
أجزل الله أجر الأستاذ الأكبر وأنزل السكينة فى قبله الحزين وأدام عليه نعمة الرضا بالقضاء، وله من الله أوفى الجزاء .
3- رد المُفْتى .
وقد أحالت الأهرام هذا الكتاب إلى صاحب الفضيلة المفتى فرد بالكلمة التالية (ونشرت الأهرام الخلاصة المشار إليها) أما الفتوى فنصها ما يأتى إقامة مأتم الأربعين بدعة مذمومة يحرص كثير من الناس الآن على إقامة مأتم ليلة الأربعين لا يختلف عن مأتم يوم الوفاة، فيبلغون عنه فى الصحف ويقيمون له السرادقات، ويحضرون القراء وينحرون الذبائح .
ويفد المعزون فيشكر منهم من حضر ويلام من تخلف ولم يعتذر .
وتقيم السيدات بجانب ذلك مأتما آخر فى ضحوة النهار للنحيب والبكاء وتجديد الأسى والعزاء .
ولا سند لشىء من ذلك فى الشريعة الغراء، فلم يكن من هدى النبوة ولا من عمل الصحابة ولا من المأثور عن التابعين .
بل لم يكن معروفا عندنا } إلى عهد غير بعيد .
وإنما هو أمر استحدث أخيرا ابتداعا لا اتباعا وفيه من المضار ما يوجب النهى عنه .
فيه التزام عمل ممن يقتدى بهم وغيرهم، ظاهره أنه قربة وبر، حتى استقر فى أذهان العامة أنه من المشروع فى الدين وفيه إضاعة الأموال فى غير وجهها المشروع، فى حين أن الميت كثيرا ما يكون عليه ديون أو حقوق الله تعالى أو للعباد لا تتسع موارده للوفاء بها مع تكاليف هذا المأتم، وقد يكون الورثة فى أشد الحاجة إلى هذه الأموال، ومع هذا يقيمون مأتم الأربعين استحياء من الناس ودفعا للنقد، وكثيرا ما يكون فى الورثة قصر يلحقهم الضرر بتبديد أموالهم فى هذه البدعة .
وفيه مع ذلك تكرير العزاء وهو غير مشروع لحديث (التعزية مرة) لهذا وغيره من المفاسد الدينية والدنيوية أهبنا بالمسلمين أن يقلعوا عن هذه العادة الذميمة التى لا ينال الميت منها رحمة أو مثوبة .
بل لا ينال الحى منها سوى المضرة إذا كان القصد مجرد التفاخر والسمعة أو دفع الملامة والمعرة .
وأن يعلموا أنه لا أصل لها فى الدين قال تعالى { وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا } الحشر 7 .
----- (1) أى عند جمهور المسلمين بمصر بهذه الصورة الراهنة .
(2) كما فى نيل الأوطار للعلامة محمد بن على بن محمد الشوكانى قاضى قضاة القطر اليمانى المتوفى سنة 1255 هجرية على منتقى الأخبار للإمام المجتهد المطلق مجد الدين أبى البركات عبدالسلام ابن تيمية الموفى بحران سنة 652 وهو جد الإمام تقى الدين أبى العباس ابن تيمية المشهور شيخ الإمام ابن القيم .
----- .
4- ما يعمل لأجل الموتى أما الذى يعمل فى هذا الموطن لا فى خصوص الأربعين فهو ما فيه نفع للميت وثواب يرجى أن يصل إليه من غير أن يقترن به ضرر للحى أو مالا يسوغ شرعا من الأعمال .
5- بحث فى أحوال الروح الإنسانى فى البرزخ وقيل أن نبينه نمهد له بأنه ينبغى أن يعلم أن عالم الأرواح (1) يختلف عن عالم المادة اختلافا كثيرا فى أحواله وأطواره، فالروح يسلكها الله تعالى فى البدن فى الحياة الدنيا فتوجب له حسا وحركة وعلما وإدراكا ولذة وألما ويسمى بذلك حيا .
ثم تفارقه فى الوقت المقدر أزلا لقطع علائقها به فتبطل هذه الآثار، ويفتى هيكل البدن ويصير جمادا، ويسمى عند ذلك ميتا ولكن الروح تبقى فى البرزخ { ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون } المؤمنون 100 ، وهو ما بين الحياة الدنيا والحياة الآخرة من يوم الموت إلى يوم البعث (2) والنشور حية مدركة تسمع وتبصر وتسبح فى ملك الله حيث أراد وقدر .
وتنصل بالأرواح الأخرى وتناجيها وتأنس بها سواء أكانت أرواح أحياء أو أرواح أموات .
وتشعر بالنعيم والعذاب واللذة والألم بحسب حالتها، وما كان لها من عمل فى الحياة الدنيا .
وترد أفنية القبور (3) وتأوى إلى المنازل وهى فى كل ذلك لطيفة لا يحدها مكان ولا يحصرها حيز ولا ترى بالعيون والآلات كما ترى الماديات .
وقد يأذن الله لها وهى فى عالم البرزخ أن تتصل بالبدن (4) كله أو بأجزائه الأصلية اتصالا برزخيا خاصا لا كالاتصال الدنيوى، يشبه اتصال أشعة الشمس وأضواء القمر بالعوالم الأرضية وهو اتصال إشراق وإمداد فيشعر البدن كذلك بالنعيم والعذاب ويسمع ويجيب بواسطة الروح .
وقد لا يأذن الله لها بالاتصال بالبدن فتشعر الروح بذلك كله شعورا قويا، ويستمر ذلك الشأن لها إلى ما شاء الله حتى يوم البعث والنشور .
هذا هو مذهب جمهور أهل السنة وبه وردت الأحاديث والآثار .
----- (1) الروح الإنسانى جسم نورانى لطيف مبدع من غير مادة سار فى جوهر الأعضاء سريانا يشبه سريان الماء فى النبات أو النار فى الفحم لا يتبدل ولا يتحلل وهو الحامل لصفات الكمال من العقل والفهم .
وهو الإنسان فى الحقيقة والمشار إليه بلفظ نادون الهيكل المخصوص القابل للزوال .
وإلى هذا ذهب مالك وجمهور المتكلمين والصوفية والرازى وإمام الحرمين واختاره ابن القيم وقال أنه هو الذى دل عليه الكتاب والسنة وانعقد عليه اجماع الصحابة وأقام عليه زهاء مائة دليل فى كتاب الروح - وهناك مذاهب أخرى فى معنى الروح ولك م يؤثر عن العلماء فى ذلك إنما هو من قبيل ذكر الأوصاف والأحوال التى هى من باب الآثار والأحكام لا من قبيل الكشف عن الحقيقة الذاتية لأنها مما استأثر الله بعلمه فلا تحيط به عقول البشر ولذلك لما سأل اليهود النبى صلى الله عليه وسلم عن حقيقة الروح وكنهه امتحانا له وتعجيزا لم يجبهم بها بل أجيبوا بقوله تعالى { قل الروح من أمر ربى } أى العلم بكنهه من شأنه تعالى وحده (المطالب القدسية وتفسير العلامة شهاب الدين السيد محمود الألوسى البغدادى المتوفى سنة 1270 لقوله تعالى فى سورة الإسراء { ويسألونك عن الروح } الإسراء 85 ، والروح لغة يذكر ويؤنث .
(2) فى الإحياء لحجة الإسلام أبى حامد الغزالى المتوفى بطوسى سنة 505 الحق الذى تنطق به الآيات والأخبار أن الموتى انتقال وتغير حال وأن الروح باقية بعد مفارقة الجسد منعمة أو معذبة ومعنى مفارقتها له انقطاع تعرفها عنه وكل ما هو وصف للروح بنفسها من إدراك وحزن وغم ونعيم، وفرح يبقى لها بعد مفارقتها للجسد وماهو وصف لها بواسطة الأعضاء كبطش باليد وسمع بالأذن وبصر بالعين يتعطل بموته إلى أن تعاد الروح إلى الجسد .
أما إدراكها المسموعات والمبصرات من غير آلة كإدراك الملائكة والجن فهو من جملة معارفها الثابتة لها بنفسها كما هو ظاهر .
(3) فى زاد المعاد لابن المقيم أن الموتى تدنوا أرواحهم من قبورهم وتوافيها فى يوم الجمعة فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ويسلم عليهم ويلقاهم أكثر من معرفتهم بهم فى غيره من الأيام فهو يوم تلتقى فيه الأحياء والأموات وروى أن الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده .
(4) ذهب أبو محمد بن حزم الأندلسى المتوفى سنة 456 فى كتاب المحلى إلى أنه لا مساءلة فى القبر إلا للروح وأنها لا تعود إلى الجسم بعد مفارقته إلا يوم القيامة ورد عليه العلامة ابن القيم فى كتاب الروح بما دحض حجته .
----- .
6- الحياة فى القبر والسؤال فيه قد ورد فيها حديث سؤال القبر (1) ونعيمه وعذابه، وأن المعذب والمنعم فيه الروح والبدن معا، وحديث سماع الموتى وإجابتهم وحديث السلام على من سلم عليهم (2) .
واستقر رأى سلف الأمة على ذلك - ولا عبرة بمن ينكره، فإن شأن الأرواح يدق ويسمو عن مدارك المحجوبين بحجب المادة .
قال شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية (ومذهب سلف الأمة وأئمتها أن العذاب أو النعيم لروح الميت وبدنه، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة، وقد تتصل به فيحصل له معها النعيم أو العذاب) وقال فى موضع آخر (واستفاضت الآثار بمعرفة الميت أهله وأحوال أهله وأصحابه فى الدنيا وأن ذلك يعرض عليه .
وجاء فى الآثار أنه يرى أيضا وأنه يدرى بما يفعل عنده فيسر بما كان حسنا ويألم بما كان قبيحا (3) وتجتمع أرواح الموتى فينزل الأعلى إلى الأدنى لا العكس .
وقد أوضح ذلك تلميذه شيخ الإسلام ابن القيم فى كتاب (4) الروح واستوعب هذا البحث وأفاض فى بيانه والاستدلال عليه الأستاذ الوالد رحمه الله فى كتاب المطالب القدسية فى أحكام الروح وآثارها الكونية (5) .
(1) عن عثمان رضى الله عنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل رواه أبو داود وأخرجه البزار والحاكم وصححه وفيه دليل على ثبوت حياة القبر وقد وردت بها أحاديث كثيرة بلغت فى دلاتها عليها حد التواتر ودليل على سؤال القبر .
وقد وردت به أيضا أحاديث صحيحة فى الصحيحين وغيرهما وعن النبى عليه السلام أن قوله { يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت } إبراهيم 27 ، نزل فى عذاب القبر وكان من دعائه عليه السلام لمن صلى عليه صلاة الجنازة قوله (وأعذه من عذاب القبر) وقوله اللهم وقه من فتنة القبر ومن عذاب جهنم اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تبتله فى قبره وهل السؤال فى القبر مختص بهذه الأمة أو عام لها ولغيرها رجح الأول الحكيم الترمذى والثانى ابن القيم ومما ورد فى ذلك حديث البراء من عازب .
وهو حديث متصل الإسناد مشهور رواه جماعة عنه وأخرجه أحمد وأبو داود وجمع طرقه الدار قطنى فى مصنف مفرد .
وفى الاعتصام للإمام أبى إسحاق الشاطبى المتوفى سنة 790 هجرية أنه لا بعد ولا نكير فى كون الميت يعذب برد الروح إليه عارية ثم تعذيبه على وجه لا يقدر البشر على رؤيته .
(2) فى الصحيحين عن أبى طلحة قال لما كان يوم بدر وظهر الرسول على مشركى قريش أمر ببضعة وعشرين من صناديدهم فألقوا فى القليب ونادى الرسول بعضهم بأسمائهم أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فإنى وجدت ما وعد ربى حقا فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال والذى نفسى بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم .
وأخرج أبو الشيخ حديثا قال فيه كانت امرأة بالمدينة تقم المسجد (تكنسه) فماتت فلم يعلم بها النبى صلى الله عليه وسلم فمر على قبرها وسأل عنه فأخبروه أنه قبر أم محجن التى كانت تقم المسجد .
فصلى عليه وقال أى العمل وجدت أفضل قالوا يارسول الله أتسمع قال ما أنتم بأسمع منها وذكر النبى صلى الله عليه وسلم أنها أجابته قم المسجد وأخرج ابن عبد البر بإسناد صحيح عن ابن عباس مرفوعا ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه .
وفى الصحيحين عن أنس عن النبى صلى الله عليه وسلم واللفظ للبخارى أن العبد إذا وضع فى قبره وتولى عنه أصحابه حتى أنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان ما كنت تقول فى هذا الرجل محمد فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا فى الجنة .
قال النبى فيراهما جميعا وأما الكافر أو المنافق فيقول لا أدرى كنت أقول ما يقول الناس فيقال له لا دريت ولا تليت يضرب بمطرقة من حديد ضربة بين أذنيه فيصيح صيحة يسمعها من يليه إلا الثقلين أ انتهى .
فالموتى يسمعون ويجيبون فى قبورهم وإليه ذهب كثير من أهل العلم - واختاره الطبرى وابن قتيبة .
وذهب آخرون إلى عدم سماع الموتى لقوله تعالى { إنك لا تسمع الموتى } النمل 80 ، وقوله { وما أنت بمسمع من فى القبور } فاطر 22 ، والجواب أن السماع المنفى عنهما هو سماع الانتفاع والقبول لا مطلق السماع بدليل المقابلة فى قوله تعالى { إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا } النمل 81 ، أى سماع انتفاع وقبول تترتب عليه آثاره، وهذا لا ينافى السماع المثبت للموتى فى الحياة البرزخية قال الألوسى والحق أن الموتى يسمعون فى الجملة بأن يخلق الله فى بعض أجزاء الميت قوة يسمع بها متى شاء الله السلام وغيره .
أو بأن يكون السماع للروح ولا يمتنع أن تسمع بل أن تحس وتدرك بعد مفارقتها للبدن بدون وساطة قوى فيه وحيث كان لها على الصحيح تعلق لا يعلم كنهه ولا كيفيته إلا الله تعالى بالبدن كله أو بعضه بعد الموت وهو غير التعلق الدنيوى به أجرى الله سبحانه عادته بتمكينها من السمع وخلقه لها عند زيارة القبر وعند حمل البدن إليه وعند الغسل .
وقال الشاطبى فى الاعتصام إنه لا يصح تحكيم العادة الدنيوية المشاهدة فى مثل هذا وتحكيمها على الإطلاق فى كل شأن غير صحيح لقصورها .
وهذه شئون لا تحيط بكنهها العقول ولكنها فى متناول القدرة الإلهية الشاملة { إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون } يس 82 ، (3) انظر الإحياء وعمدة القارى شرح صحيح البخارى للإمام الحافظ قاضى القضاة بدر الدين العينى الحنفى المتوفى سنة 855 هجرية .
(4) هو الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بكر الدمشقى الحنبلى المفسر النحوى الأصولى المتكلم الشهير بابن قيم الجوزية ولد سنة 691 ولازم شيخة تفى الدين ابن تيمية وتوفى فى رجب سنة 751 ومن مؤلفاته كتاب الروح وهو كتاب سلفى قيم وكتاب زاد المعاد فى هدى خير العباد (5) هو العلامة الأصولى المنطقى البارع فى المعقول شيخ الشيوخ بالجامع الأزهر الشيخ محمد حسنين مخلوف العدوى المالكى الأزهرى ولد ببنى عدى فى 15 رمضان سنة 1277 وتوفى بالقاهرة فى سنة 1355 .
(11 أبريل سنة 1936) وكتابه طبع فى سنة 1350 بمطبعة السيد مصطفى البابى الحلبى بمصر .
----- .
7- مذهب الحنابلة وصول ثواب جميع الطاعات للميت إذا علم هذا فالصحيح كما قال ابن تيمية أن الميت ينتفع بجميع العبادات البدنية من الصلاة والصوم والقراءة (أى تطوعا بلا أجر) (1) كما ينتفع بالعبادات المالية من الصدقة ونحوها .
باتفاق الأئمة (راجع إلى العبادات المالية) وكما لو دعى له واستغفر له .
وقال ابن القيم فى كتاب الروح .
أفضل ما يهدى إلى الميت الصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه، وأما قراءة القرآن وإهداؤها إليه تطوعا بغير أجر فهذا يصل إليه كما يصل إليه ثواب الصوم والحج - وقال فى موضع آخر والأولى أن ينوى عند الفعل أنها للميت، ولا يشترط التلفظ بذلك (2) .
وقد ذكر الإمام ابن قدامة الحنبلى فى كتابه المغنى (3) أن أية قربة فعلها الإنسان وجعل ثوابها للميت المسلم نفعه ذلك بمشيئته تعالى وأنه لا خلاف بين العلماء فى الدعاء والاستغفار له والصدقة وأداء الواجبات التى تتأتى فيها النيابة لقوله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان } الحشر 10 ، وقوله { واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات } محمد 19 ، ----- (1) زدنا هذا القيد أخذا من عبارة ابن القيم الآتية ولقول ابن تيمية (ولا يصح الاستئجار على القراءة وإهدائها إلى الميت لأنه لم ينقل عن أحد من الأئمة الإذن فى ذلك وقد قال العلماء إن القارئ إذا قرأ لأجل المال فلا ثواب له، فأى شىء يهديه إلى الميت وإنما يصل إلى الميت العمل الصالح .
والاستئجار على مجرد التلاوة لم يقل به أحد من الأئمة وإنما تنازعوا فى الاستئجار على العليم بحروفه ومثل القراءة فى ذلك سائر العبادات البدنية إلا ما استثناه الفقهاء (رسالة شفاء العليل للعلامة الفقيه السيد محمد أمين الشهير بابن عابدين الحنفى فرغ من تأليفها فى الثامن من جمادى الآخرة سنة 1299) وسيأتى للبحث بقية .
(2) شفاء العليل .
وحاشية ابن عابدين علىالدر المختار فى بابى الجنائز والحج عن الغير .
(3) هو الإمام موفق الدين أبو محمد عبد الله ابن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلى المتوفى سنة 620 هجرية صاحب كتاب المغنى على مختصر الإمام أبو القاسم الحزقى وهو من أجل الكتب الفقهية والعمدة فى مذهب الحنابلة - قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام ما رأيت فى كتب الإسلام فى العلم مثل المحلى والمجلى لابن حزم وكتاب المغنى لابن قدامة فى جودتهما وتحقيق ما فيهما - ونقل عنه أنه قال لم تطب نفسى بالفتيا حتى صارت عندى نسخة من المغنى - وناهيك بالعز بن عبد السلام الذى اعترف له العلماء بالاجتهاد المطلق وكانوا يلقبونه بسلطان العلماء وقد أمر بطبع كتاب المغنى بمطبعة المنار بمصر ملك الحجاز عبد العزيز آل سعود كما ذكره العلامة السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار فى مفتتح الجزء الأول من المغنى .
----- .
8- الدعاء للميت والتصدق عنه وقد دعا النبى صلى الله عليه وسلم لكل ميت صلى عليه (1) وسأله رجل فقال يارسول الله إن أمى ماتت أفينفعها إن تصدقت عنها قال نعم (2) ----- .
(1) فى الدعاء أمران أحدهما ابتهال الداعى إلى الله تعالى وتوجهه إليه والثانى طلب حصول أمر مرغوب فيه للمدعو له .
والأول خاص بالداعى وله ثوابه .
والثانى خاص بالمدعو له - ففى نحو اللهم اغفر له وارحمه يطلب الداعى من الله تعالى الغفران والرحمة له ويرجو حصوله له ونفعه به- وقد قال عليه السلام فيما رواه أبو داود .
إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء والأمر هنا للوجوب - وكما شرع الدعاء للموتى فى صلاة الجنازة شرع الدعاء لهم عند زياره القبور وكان عليه السلام يعلم أصحابه ما يدعون به لهم إذا خرجوا لزيارتها ويطلب منهم الاستغفار لهم .
وفى زاد المعاد .
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا زار قبور أصحابه يزورهما للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم ويأمر من معه بالسلام عليهم والدعاء لهم وكان يتعاهد أصحابه بزيارة قبورهم والسلام عليهم والدعاء لهم كما يتعاهد الحى صاحبه فى دار الدنيا - وفى شرح المنهج أن الدعاء متفق عليه أنه ينفع الميت والحى القريب والبعيد بوصيته وغيرها وفيه أحاديث كثيرة بل كان أفضل الدعاء أن يدعو المؤمن لأخيه بظهر الغيب - وحكى الإمام محيى الدين أبو زكريا النووى الشافعى المتوفى سنة 676 فى شرحه على صحيح الإمام مسلم الإجماع على وصول الدعاء إلى الميت .
(2) عن عائشة رضى الله عنها أن رجلا قال للنبى صلى الله عليه وسلم أن أمى أفلتت (ماتت فجأة) وأراها لو تكلمت تصدقت فهل لها أجر إن تصدقت عنها قال نعم (متفق عليه) وعن ابن عباس رضى الله عنهما أن رجلا قال يارسول الله إن أمى توفيت أينفعها إن تصدقت عنها قال نعم قال فإن لى مخرفا (بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء - بستانا) فإنى أشهدك أنى قد تصدقت به عنها (رواه البخارى والترمذى وأبو داود والنسائى) وفى بدائع الصنائع للإمام الكاسانى الحنفى المتوفى سنة 587 أن سعد ابن أبى وقاص سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إن أمى تحب الصدقة أفأتصدق عنها فقال النبى صلى الله عليه وسلم تصدق .
قصد الابن أن ينفع أمه بوصول ثواب هذه الصدقة إليها - وفى هذه الأحاديث دليل على أن صدقة الولد تنفع الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ويصل ثوابها إليهما .
وحكى النووى فى شرح مسلم الإحماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصل ثوابها إليه من غير تقييد يكونها من الولد (نيل الأوطار) .
----- .
9- الحج عن العاجز وعن الميت وجاءت امرأة إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إن فريضة الله فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يثبت على الراحلة أفأحج عنه قال أرأيت لو كان على أبيك دين أكنت قاضيته .
قالت نعم . قال فدين الله أحق أن يقضى (1) .
----- .
(1) رواه أحمد والنسائى بمعناه .
وعن ابن عباس قال جاءت امرأة من خثعم عام حجة الوداع فقالت يارسول الله إن فريضة الله على عبادة فى الحج أدركت أبى شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوى على الراحلة .
فهل يقضى عنه أن أحج عنه . قال نعم (رواه الجماعة) وفى الحديثين دليل على جواز الحج من الولد نيابة عن والده إذا كان ميئوسا من قدرته على الحج المفروض وقوله عليه السلام نعم معناه حجى عنه أى قضاء عنه فيقيد أن الحج يقع عن المحجوج عنه وهو ظاهر الرواية عند الحنفية ومختار السرخسى وجمع من المحققين .
وقال فى نيل الأوطار ولا يختص ذلك بالخثعمية لأن الأصل عدم الخصوص .
ولا بالابن خلافا لمن ادعى أنه خاص به . قال فى الفتح ولا يخفى أن دعوى لاختصاص به جمود .
وعن ابن عباس أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمى نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفاحج عنها قال نعم .
حجى عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته .
اقضوا الله .
فالله أحق بالوفاء . (رواه البخارى والنسائى بمعناه) وفى رواية لأحمد والبخارى بمثل ذلك وفيها قال .
جاء رجل إلى النبى فقال إن أختى نزرت أن تحج -(وفى قوله نعم ) دليل على إجزاء الحج عن الميت من الولد من غيره فيما وجب عليه بنذر أو غيره بدليل قوله اقضوا الله فالله أحق بالوفاء (وفى قوله أكنت قاضيته) دليل على أن مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه منه ويلحق بالحج كل حق ثبت فى ذمته لله تعالى من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك وفى الرواية الثانية دليل على صحة الحج عن الميت من غير الوارث لعدم استفصاله صلى الله عليه وسلم للأخ هل هو وراث أولا وترك الاستفصال منه صلى الله عليه وسلم فى مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم فى المقال كما تقرر فى الأصول - وعن ابن عباس قال أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل فقال إن أبى مات وعليه حجة الإسلام أفأحج عنه قال أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه قال نعم .
قال فاحجج عن أبيك رواه الدار قطنى وفيه دليل على أنه يجوز للابن أن يحج عن أبيه حجة الإسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر .
ويدل على جواز الحج عن الميت من غير الولد حديث شبرمة وهو ماروى عن ابن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة .
فقال من شبرمة . قال أخ لى أو قريب لى .

 
قال حججت عن نفسك . قال لا . قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة (رواه أبو داود وابن ماجة) قال النووى فى شرح مسلم ويؤخذ من حديث الخثعمية جواز الحج عن العاجز بموت أو عضب وهو الزمانة والهرم ونحوهما .
وهو مذهب الجمهور سواء أكان العجز عن فرض أم نذر وسواء أوصى به أم لا ويجزىء عنه .
وقال مالك والليث .
لا يحج أحد عن أحد إلا عن ميت لم يحج حجة الإسلام وحكى عن النخعى وبعض السلف أنه لا يصح الحج عن ميت ولا غيره وهى رواية عن مالك وإن أوصى به .
ولعل وجه هذا القول ماذكره القرطبى من أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف للقرآن أى لقوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } النجم 39 ، فيرجح ظاهر القرآن لتواتره .
قال الشوكانى ولكنه يقال هو عموم مخصوص بأحاديث الباب ولا تعارض بين عام وخاص انتهى - والحق ما ذهب إليه الجهور لهذه الأحاديث الصحيحة وهو صريح فى انتفاع الميت به وفراغ ذمته مما شغلها ووصول ثوابه إليه .
والله أعلم . ----- .
10- الصوم عن الميت وسأله رجل عن أمة التى ماتت وعليها صوم شهر .
أفأصوم عنها . قال نعم (1) .
----- .
(1) عن ابن عباس قال جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال يارسول الله إن أمى ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها .
فقال لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها قال نعم .
قال فدين الله أحق أن يقضى(رواه مسلم) وعنه قال جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله إن أمى ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها فقال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدى ذلك عنها قالت نعم .
قال فصومى عن أمك (أخرجه الشيخان) .
وعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه(متفق عليه) وروى نحوه عن ابن عباس رضى الله عنهما وهو تقرير لقاعدة عامة فيمن مات وعليه صوم واجب بأى سبب من أسباب الوجوب وكذلك حديث ابن عباس الأول ويشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيه (فدين الله أحق أن يقضى) .
وأما حديث ابن عباس الثانى فهو تنصيص على بعض أفراد العام وهو صوم النذر فلايصلح مخصصا ولا مقيدا لحديث عائشة فاستفيد من هذه الأحاديث أن الولى يصوم عمن مات وعليه صوم واجب اى صوم كان نذرا أو غيره، وجوبا كما قال ابن حزم أو استحبابا كما ذهب إليه الجمهور ومنهم الشافعى فى القديم وصححة النووى .
وقال إنه المختار من قول الشافعى وقال به من السلف طاووس والحسن والزهرى وقتادة .
وأبو ثور وإليه ذهب أصحاب الحديث وجماعة من محدثى الشافعية والأوزاعى .
وقال البيهقى هذه السنة ثابتة لا أعلم خلافا بين أصحاب الحديث فى صحتها وذهب مالك أبو حنيفة والشافعى فى قوله الجديد إلى أن الولى لا يصوم عن الميت فى النذر ولا فى غيره بل يطعم عنه لكل يوم مسكينا لما أخرجه النسائى عن ابن عباس موقوفا أنه قال لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ولما أخرجه عبد الرازق عن عائشة موقوفا أنها قالت لا تصوموا عن موتاكم وأطعموا عنهم ولأن الصوم عبادة بدنية لا ينوب فيها أحد عن أحد كالصلاة .
وفتيا ابن عباس وعائشة بهذا - وهو خلاف مارويناه مرفوعا من صوم الولى - بمنزلة رواية الناسخ ورده الشوكانى بأنى الحق اعتبار ما رواه الصحابى دون مارآه .
وماروى مرفوعا فى الباب يرد ذلك كله . وذهب أحمد والليث وأبو عبيد إلى أن الولى لا يصوم عن الميت إلا فى النذر تمسكا بأن حديث عائشة مطلق وحديث ابن عباس الثانى مقيد فيحمل الملطق على المقيد ويكون المراد من قوله فى الحديث وعليه صيام أى صيام نذر وقد علمت الجواب عن ذلك مما سلف .
أما فى غير النذر فالواجب أن يطعم عنه كل يوم مسكينا لما روى عن ابن عمر موقوفا من مات وعليه صيام شهر فليطعم عنه مكان كل يوم مسكينا وعن عائشة قالت يطعم عنه فى قضاء رمضان ولا يصام عنه وسئل فلطعم عنه مكان كل يوم مسكينا وعن عائشة قالت يطعم عنه فى قضاء رمضان ولا يصام عنه وسئل ابن عباس عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر وعليه صيام رمضان فقال أما رمضان فليطعم عنه وأما النذر فيصام عنه .
وفرق فى المغنى بين النذر وغيره وقال تفريعا عليه إن الصوم (أى فى النذر) ليس بواجب على الولى لأن النبى شبهه بالدين ولا يجب على الولى قضاء دين الميت وإنما يتعلق بتركته إن كان له تركة وإلا فلا شىء على وارثه .
ولكن يستحب أن يقضى عنه لتفريغ ذمته وفك رهانه .
فكذلك ههنا ولا يختص ذلك بالولى بل كل من صام عنه قضى ذلك عنه وأجزاء لأنه تبرع .
فأشبه قضاء الدين عنه انتهى - وقد اختلف الفقهاء فى المراد بالولى فاختار النووى فى شرح مسلم أنه القريب وارثا أو غير وارث وقيل هو الوارث خاصة وقيل العصبة خاصة .
وذهب الحنفية إلى أنه هو المتصرف فى المال فيشمل الوصى ولو أجنبيا .
كما ذكره ابن عابدين فى الصوم كما اختلفوا فى أنه هل يختص الصوم بالولى أولا فقيل يختص به ورجحه الشوكانى لأن الأصل عدم النيابة فى العبادة البدنية فى الحياة فكذلك بعد الموت إلا ما ورد فيه النص فيقتصر عليه ويبقى الباقى على الأصل .
وصححه النووى وقال إنه لو صام عن الميت أجنبى فإن كان بإذن الولى صح وإلا فلا .
وزاد الإمام القسطلانى الشافعى المتوفى 923 أنه يصح الصوم عن الميت من الأجنبى إذا أذن له الميت أو الولى بأجرة أو بدونها انتهى .
وقيل لا يختص به بل يقبل من المتبرع ولو أجنبيا وهو صريح عبارة المغنى وظاهر صنيع البخارى وبه جزم أبو الطيب الطبرى - وقال الحنفية إن الولى يطعم عن الميت من ثلث ماله وجويا إن أوصى وجواز إن لم يوص .
فإن تبرع به جاز معلقا على مشيئة الله تعالى وكان ثوابه للميت والصلاة كالصوم فى استحسان المشايخ ولا يجوز أن يصوم الولى أو يصلى عن الميت ليكون قضاء عما وجب عليه لما قاله ابن عباس لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد ولكن للولى وغيره أن يجعل ثواب صومه أو صلاته للميت تبرعا بمثابة الصدقة لما صرح به الهداية من أن للإنسان أن يجعل ثواب عمله لغيره صلاة أو صوما أو صدقة أو حجا أو غيره .
وروى الدار قطنى أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال كان لى أبوان أبرهما حال حياتهما فكيف لى ببرهما بعد موتهما فقال النبى صلى الله عليه وسلم إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صيامك .
وفى البدائع أن قوله عليه السلام لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد إنما هو فى حق الخروج من العهدة لا فى حق الثواب فإن من صام أو صلى أو تصدق وجعل ثوابه لغيره من الأموات والأحياء جاز ويصل ثوابها إليهم عند أهل السنة والجماعة .
وعليه عمل المسلمين من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا من زيارة القبور وقراءة القرآن عليها والتكفين والصدقات والصوم والصلاة وجعل ثوابها للأموات - ولا مانع من ذلك عقلا لأن إعطاء الثواب من الله إفضال منه لا استحقاق عليه فله إن يتفضل على من عمل لأجله بجعل الثواب له كما له أن يتفضل بإعطاء الثواب من غير عمل رأسا .
وفى البحر الرائق للعلامة ابن نجيم الحنفى المتوفى سنة 969 على متن الكنز للإمام النسفى والظاهر أنه لا فرق بين أن ينوى عند الفعل الغير أو يفعله لنفسه ثم بعد ذلك يجعل ثوابه لغيره لإطلاق كلامهم .
ومن هذا يظهر انتفاع الميت بحج غيره عنه ووصول ثوابه إليه وبإطعام غيره عنه لأن فى الإطعام برا بالمساكين وسدا لحاجتهم ولذلك ثواب عظيم وما عمل ذلك إلا لأجل الميت فيصل إليه ثوابه لتسببه فيه فى الحقيقة .
----- .
11- قراءة يس على الموتى وعلى المقابر وهذه أحاديث صحاح تدل على انتفاع الميت بسائر القرب لأن الدعاء للميت والاستغفار والحج والصوم عبادات بدنية (1) وقد أوصل الله ثوابها إلى الميت فكذلك ماسواها مع ما تقدم من حديث ثواب القراءة .
وقد ورد حديث فى ثواب من قرأ يس وتخفيف الله تعالى عن أهل المقابر بقراءتها (2) ----- .
(1) ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحج عبادة تؤدى بالمال والبدن معا وقد عده المصنف فى العبادات البدنية فيحتمل أن يكون ذلك جريا على ما ذهب إليه بعضهم ومنهم قاضيخان من أئمة الحنفية من أنه عبادة بدنية كالصلاة والصوم .
والمال شرط الوجوب فقط . ويحتمل وهو الأقرب أن يكون المراد بالبدنية هنا ما يشمل المحضة كالدعاء والاستغفار والصوم وكذا قراءة القرآن والذكر وغير المحضة كالحج .
فإنه مالى من حيث أشتراط الاستطاعة ووجوب بارتكاب محظوراته وبدنى من حيث الوقوف والطواف والسعى .
والقسم الثالث عبادة مالية محضة كالزكاة والكفارة والصدقة .
وقد نازع ابن حزم فى الصوم فذهب إلى أنه عبادة مركبة كالحج من حيث الإمساك والإطعام فى جبر مانقص منه .
(2) يشير ابن قدامة بهذا إلى قوله قبل هذا الفصل (وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم) أنه قال من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف عنهم يومئذ وكن له بعدد من فيها حسنات) وروى عنه عليه السلام (من زار قبر والديه فقرأ عنده أو عندهما يس غفر له ) وإلى ماذكره فى باب ما يفعل عند المحتضر من قول أحمد (ويقرءون عند الميت إذا احتضر ليخفف عنه بالقراءة يقرأ يس وأمر بقراءة فاتحة الكتاب ) وفى الشرح الكبير فى هذا الباب (ويقرأ عنده سورة يس لما روى معقل بن يسار قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اقرءوا يس على موتاكم) رواه أبو داود .
وروى أحمد (يس قلب القرآن .
ولا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له واقرءوها على مرضاكم) وحديث معقل كما فى نيل الأوطار رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائى وابن حبان وصححه وأعله القطان وضعف الدار قطنى وحمله ابن حبان على من حضرته الوفاة مجازا باعتبار ما يؤول إليه لا على الميت حقيقة ورده المحب ابن حبان على من حضرته الوفاة مجازا باعتبار ما يؤول إليه لا على الميت حقيقة ورده الطبرى وقال الشوكانى إن للفظ نص فى الميت وتناوله للحى المحتضر مجاز فلايصار إليه لا بقرينة أ انتهى .
وهذا الحديث مع ضعف إسناده يفيد بإطلاقه ومع إرادة المعنى الحقيقى للفظ الموتى استحباب قراءة يس على مطلقا سواء أكانت القراءة عن المقبرة أو بعيدا عنها .
والحديثان الآخران يفيدان جواز قراءتها عند المقبرة وفى شرح الجامع الصغير للعزيزى وحاشيته أن إسناده ضعيف وأن يس تقرا على المحتضر وعلى الميت جمعا بين القولين وأن تخصيصا بالقراءة كما قال ابن القيم لما فيها من التوحيد والمعاد والبشرى بالجنة للمؤمنين .
ولتحمل للميت بركتها ليخفف عنه ما يجده .
وقد ثبت فى الصحيح اختصاص بعض آيات القرآن وسوره بفضائل كما فى الفاتحة وآية الكرسى وآخر البقرة والإخلاص وغيرها ( وبعد) فإذا جازت قراءة يس عند المريض لتخفيف وطأة المرضى عنه وعند الحضر لتخفيف سكره الموت عنه فلم لا يجوز قراءتها على من مات للتخفيف عنه أيضا .
وأى فرق بين هذه الأحوال بعد أن ثبت بالسنة المستفيضة أن الروح حية باقية تشعر بالذة والألم ولم يقل أحدبان الحديث موضوع وغاية ماقيل فيه أنه ضعيف الإسناد وهو يعمل به فى مثل هذا المقام .
ونوط التخفيف بقراءة يس إنما هو من سعة الرحمة وعظيم الفضل الإلهى كما نيط الشفاء بقراءة الفاتحة فى حديث الرقية المشهور ، وقد تكون الحاجة من دار العمل أشد وأعظم ولا مانع من استعمال لفظ موتى فى المحتضر والميت حقيقة جمعا بين الحقيقة والمجاز وهو جائز عند الشافعية أو فى معنى يعمهما وهو من انقطع الرجاء فى حياته أو نحو ذلك فيكون من باب عموم المجاز وهو جائز فى الاستعمال باتفاق الأصوليين .
ثم أعلم أن القراءة مطلقا إنما تجوز عند الحنفية وعند ابن تيمية وابن القيم إذا كانت تبرعا بدون أجر والله أعلم .
----- .
12- مذهب الشافعية فى العبادات البدنية المحضة وقال الشافعى إن الذى يصل ثوابه إلى الميت الدعاء والاستغفار والصدقة والواجب الذى يقبل النيابة كالحج .
وما عدا ذلك (1) لا يفعل عنه ولا يصل ثوابه إليه - ملخصا - ونقل العلامة ابن عابدين فى شفاء العليل وفى حاشيته على الدر أن مالكا والشافعى ذهبا إلى أن العبادات البدنية المحضة كالصلاة وتلاوة القرآن لا تصل إلى الميت .
بخلاف غيرها كالصدقة والحجز وقال شيخ الإسلام زكريا الأنصارى الشافعى إن مشهور المذهب أى فى تلاوة القرآن محمول على ما إذا قرىء لا بحضرة الميت ولم ينو الثواب له أو نواه ولم يدع (2) انتهى - وفى شرح المنهاج من كتب الشافعية لا يصل إلى الميت عندنا ثواب القراءة على المشهور ،والمحتار الوصول إذا سأل الله إيصال ثواب قراءته وينبغى الجزم به لأنه دعاء، فإذا جاز الدعاء للميت بما ليس للداعى فيجوز بالأولى بما هو له .
ويبقى الأمر موقوفا على استجابة الدعاء، وهذا المعنى لا يختص بالقراءة بل يجزى فى سائر الأعمال (3) .
وفى المجموع للنووى سئل القاضى أبو الطيب عن ختم القرآن فى المقابر فقال الثواب للقارىء ويكون الميت كالحاضرين ترجى له الرحمة والبركة ويستحب قراءة القرآن فى المقابر لهذا المعنى، وأيضا فالدعاء عقب القراءة أقرب إلى الإجابة والدعاء ينفع الميت (4) .
----- .
(1) أى وهو العبادات البدنية المحضة ومنه قراءة القرآن لا يصل ثوابها إلى الميت ولو فعلها تبرعا لقوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } النجم 39 ، وقوله عليه السلام (إذا مات ابن آدم انقطع عمته إلا من ثلاث علم علمه أو صدقة جارية أو ولد صالح يدعو له) رواه مسلم عن أبى هريرة وذهب المعتزلة إلى أنه لا يصل إلى الميت ثواب شىء من العبادات مطلقا بدنية أو غير بدنية استدلالا بهذه الآية لأنها ليست من سعيه .
والجواب عنها أولا كما قال ابن حزم فى كتاب الحج أن هذه الآية مكية اتفاقا وقد روى النبى صلى الله عليه وسلم أخبار متواترة من طرق صحاح عن خمسة من الصحابة فى الحج عن العاجز فصح أن الله تعالى بعد أن لم يجعل للإنسان إلا ما سعى تفضل على عباده فجعل لهم ما سعى فيه غيرهم بهذه النصوص الثابتة .
وقال فى كتاب الصوم إن الله الذى أنزل هذه الآية هو الذى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم { لتبين للناس ما نزل إليهم } النحل 44 ، وقال { من يطع الرسول فقد أطاع الله } النساء 80 ، فصح أنه ليس للإنسان إلا ما سعى وما حكم الله أو رسوله بأنه من سعى غيره عنه والصوم عنه من جملة ذلك انتهى - وحاصله أن الآية منسوخة أو مخصصة بما دلت عليه هذه الأحاديث من انتفاع الميت بحج غيره وصومه عنه وهما ليسا من سعيه وعمله ولا فرق بين الحج والصوم فى ذلك .
ثانيا كما قال الكمال ابن الهمام الحنفى المتوفى سنة 681 فى فتح القدير أن الآية يجب تقييدها بما لم يهبه العامل للميت وذلك أنه قد ثبت فى الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أحدهما عن نفسه والآخر عن أمته واشتهرت رواية هذا الحديث عن عدة من الصحابة فيجوز تقييد هذه الآية به وثبت ثبوتا بلغ مبلغ التواتر أن من جعل شيئا من الصالحات لغيره نفعه الله به مثل حديث صلاة الولد وصيامه لوالديه مع صلاته وصيامه لنفسه .
وحديث قراءة سورة الإخلاص وهبة أجرها للأموات .
وقراءة يس على الموتى . وحديث إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعو لهم ووصول إليهم وأنهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه - وثبت الأمر بالدعاء للوالدين فى قوله تعالى { وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا } الإسراء 24 ، واستغفار الملائكة للمؤمنين فى قوله تعالى { والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن فى الأرض } الشورى 5 ، وذلك قطعى فى حصول الانتفاع بعمل الغير .
فقطعنا بانتفاء إرادة ظاهر الآية وبتقييدها بما لم يهبه العامل - ملخصا - .
ومعنى الآية أنه ليس ينفع الإنسان فى الآخرة إلا ما عمله فى الدنيا مالم يعلم له غيره عملا ويهبه له فإن ينفعه كذلك فمن صلى أو صام أو تصدق أو أتى بأية قربة فجعل ثواب ذلك لغيره جاز لا فرق بين أن تكون القربة عبادة مالية أو بدنية أو مركبة منهما .
ثالثا كما فى الألوسى وغيره أن انتفاع الميت يسمى الميت غيره له مبنى على إيمانه وصلاحه وهما من عمله وسعيه خاصة فجعل عمل الغير نفس سمى الميت وعمله بهذا الاعتبار .
وقد دل على بنائه على ذلك ما أخرجه أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص (أن العاص بن وائل نذر فى الجاهلية أن ينحر مائة بدنة وأن هشام بن العاص نحرحصته خمسين وأن عمرا سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك ) فقد أخبره الرسول بأن موت أبيه على الكفر مانع من وصول الثواب إليه وأنه لو أقر بالتوحيد لأجزأ ذلك عنه ولحقه ثوابه وحاصل المعنى أنه ليس للإنسان إلا ما سعى فيه وهو ما باشره من عمل نفسه وما تسبب فيه بإيمانه من عمل غيره لأجله وذلك يشمل كل قربة يعملها الغير لأجل الميت ويهب ثوابها له كما هو ظاهر والجواب عن الحديث كما قال ابن حزم والزيلمى أنه لا يفيد إلا انقطاع عمل الميت فقط وليس فيه دلالة على انقطاع عل غيره عنه أصلا ولا المنع من ذلك .
قال ابن حزم وليس بصحيح ما قاله الفقهاء من أن عمل الأبدان لا يعمله أحد عن أحد .
بل كل عمل أمر النبى صلى الله عليه وسلم به أن يعمله المرء غن غيره وجب أن يعمل على الرغم من ذلك وقياسهم العبادات البدنية على الصلاة قياس باطل لاتفاقهم على جواز أن يصلى المرء الذى يحج عن غيره ركعتين عند المقام عن المحجوج عنه فإذا أجازوا ذلك فليقس عليه سائر أعمال الأبدان .
وكذلك قولهم لا يصام عنه كما لا يصلى عنه قياس باطل ببل يصل عنه النذر والفرض إن نسبه أو نام عنه ولم يصله حتى مات لدخول ذلك تحت وقوله صلى الله عليه وسلم فدين الله أحق أن يقضى .
ولا فرق بين الصيام والحج فلمال مدخل فى كل منهما .
ففى الحج بجبرة بالهدى والإطعام وفى الصوم بجبره بالعتق والإطعام .
(2) انظر شفاء العليل ويؤخذ ويؤخذ من أنه إذا قرىء القرآن يحضره البين ونوى القارىء الثواب له يصل إليه ثواب القراءة .
ويؤيد ذلك حديث قراءة يس عند المحتضر .
وكذلك إذا قرىء فى غيبة الميت أى عند القبر أو بعيدا عن ونوى الثواب له ودعا القارىء بأن يصل ثواب القراءة إلى الميت وهذه الصورة هى ما فى عبارة شرح المنهاج .
(3) نيل الأوطار جزء 4 فجميع أعمال الطاعات إذا اقترنت بسؤال الله إيصال ثوابها إلى الميت يصل إليه بمشيئة الله شأن كل دعاء ترجى استجابته .
(4) فبين أن حكمة استحباب قراءة القرآن فى المقابر أمران رجاء حصول الرحمة والبركة للميت ببركة القرآن ورجاء قبول دعاء القارىء له لأن الدعاء بعد قراءة القرآن أقرب إلى الإجابة وفى هذا البيان جنوح إلى القول المشهور .
وقد نقل النووى فى الأذكار عن جماعة من أصحاب الشافعى أنه يصل ثواب القراءة إلى الميت كما ذهب إليه ابن حنبل وجماعة من العلماء .
----- .
 

13- مذهب المالكية فى العبادات البدنية وفى الشرح الكبير وحاشيته للعلامة الدسوقى المالكى فى باب الحج أن الصدقة والدعاء والهدى مما تقبل فيه النيابة عن الغير يصل ثوابه إلى الميت بلا خلاف، ويكون وقوعه من النائب بمنزلة وقوعه من المنوب عنه فى حصول الثواب، بخلاف الصلاة والصوم فإنه لا تقبل فيها النيابة، وأما الحج عن الغير فيجوز مع الكراهة .
14- قراءة القرآن للموتى عند المالكية واختلف فى قراءة القرآن للميت، فأصل المذهب كراهتها، وذهب المتأخرون إلى جوازها، وهو الذى جرى عليه العمل، فيصل ثوابها إلى الميت، ونقل ابن فرحون أنه الراجح، كما ذكره ابن أبى زيد فى الرسالة وقال الإمام ابن رشد محل الخلاف مالم تخرج القراءة مخرج الدعاء بأن يقول قبل قراءته اللهم اجعل ثواب ما أقرؤه لفلان، فإذا خرجت مخرج الدعاء كان الثواب لفلان قولا واحدا وجاز من غير خلاف انتهى .
وعلى هذا ينبغى أن يقول القارىء قبل قراءته ذلك ليصل ثواب القراءة إلى الميت باتفاق أهل المذهب .
15- مذهب الحنفية وصول ثواب الطاعات للميت وذهب الحنفية إلى أن كل من أتى بعبادة سواء كانت صلاة أو صوما أو صدقة أو قراءة قرآن أو ذكرا أو طوافا أو حجا أو عمرة أو غير ذلك من أنواع البر له جعل ثوابها لغيره من الأحياء أو الأموات (1)، ويصل ثوابها إليه (2)، كما فى الهداية والفتح والبحر وغيرها وقد أطال فى بيان ذلك صاحب الفتح وفيه روى عن على عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من مر على المقابر وقرأ (قل هو الله أحد) إحدى عشرة مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطى من الأجر بعدد الأموات وعن النبى عليه السلام أنه قال اقرءوا على موتاكم يس رواه أبو داود وعن الدار قطنى أن رجلا سأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال كان لى أبوان أبرهما حال حياتهما فيكف لى ببرهما بعد موتهما فقال إن من البر بعد الموت أن تصلى لهما مع صلاتك وتصوم لهما مع صيامك .
وعن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل فقال السائل يارسول الله إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعولهم هل يصل ذلك إليهم قال نعم إنه ليصل إليهم وإنهم ليفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدى إليه .
وأما قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } النجم 39 ، فهو مقيد بما إذا لهم يهد ثواب عمله للغير كما حققه فى الفتح (3) .
وقال الشوكانى فى نيل الأوطار إن عموم الآية مخصوص بالصدقة والصلاة والحج والصيام وقراءة القرآن والدعاء من غير الولد (4) .
----- (1) أى إهداءه له بأن يسأل الله تعالى أن يجعل ثواب مافعله من الطاعات لذلك الغير ولا بعد فى ذلك لأن الذى يملك ثواب المؤمن وجزاءه هو الله وحده والذى رتب الجزاء على الفعل هو الله وحده والذى قدره ويضاعفه إن شاء هو الله وحده .
فله أن يمنح الثواب للفاعل وله أن يمنحه لمن جعله الفاعل له فضلا منه ورحمة ولا معقب لحكمه - والمجعول له قد أهل نفسه لهذه المنحة بإيمانه وتصديقه وإقراره بالعبودية لله فكان فى المعنى ساعيا فى هذا الفعل الذى جعل ثوابه له .
وأماما روى من أنه لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد فمحمله عدم خروج المنوب عنه من عهدة التكليف بفعل النائب لعدم قبول هاتين العبادتين النيابة وهذا شىء غير جعل ثواب الصوم والصلاة للغير بحيث ينتفع به الميت كانتفاعه بالدعاء والصدقة ومثلهما قراءة القرآن تبرعا وإهداء ثوابها للميت كما تقدم عن ابن القيم .
(2) أى إذا فعل ذلك تبرعا بدون أجركما سيأتى (3) تقدم بيانه فى الجواب عن استدلال الشافعية والمعتزلة بهذه الآية .
(4) قال الشوكانى الحق أن عموم الآية مخصوص بالصدقة من الولد لأحاديث الصدقة وبالحج منه لحديث الخثعمية ومن غيره لحديث المحرم عن شبرمة وبالصلاة من الولد لحديث صلاة الولد وصومه لوالديه مع صلاته وصومه لنفسه وبالصيام منه لهذا ولحديث صوم المرأة عن أمها ومن غيره لحديث صيام الولى وبقراءة يس من الولد وغيره وبالدعاء من الولد لحديث أو ولد صالح يدعو له ومن غيره لقوله تعالى { والذين جاءوا من بعدهم } الحشر 10 ، ولحديث استغفروا لأخيكم وحدث أفضل الدعاء للأخ .
وكما تخصص الأحاديث المذكورة هذه الآية تخصص حديث أبى هريرة إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث .
وقيل يقاس على هذه المواضع غيرها فيلحق الميت كل شىء فعله غيره - ملخصا - .
وقيل يقتصر على ما ورد .
وإنما قلنا (من غير الولد) لأن ما يفعله الولد قد يقال إنه من سعى الوالد لحديث (ولد الإنسان من سعيه) فكل ما يفعله الولد داخل فى الآية فلا حاجة إلى التخصيص وظاهر إن هذه المخصصات منها ما ورد فى عبادة بدنية ومنها ما ورد فى عبادة مالية .
ومنها ماورد فى عبادة مركبة منهما فلا يتم الاستدلال بالآية والحديث للشافعية والمعتزلة والله أعلم ----- .
16- رأى الإمام القرافى من أئمة المالكية وفى فروق العلامة القرافى المالكى فى الفرق الثانى والسبعين بعد المائة أن أنواع القربات ثلاثة قسم حجر الله تعالى على عباده فى ثوابه ولم يجعل لهم نقله إلى غيرهم كالإيمان والتوحيد ، وقسم اتفق الناس على أنه تعالى أذن فى نقله للميت وهو القربات المالية كالصدقة والعتق .
وقسم اختلف فيه هل فيه حجر أم لا وهو الصيام والحج وقراءة القرآن (1) فلا يحصل شىء من ذلك للميت عند مالك والشافعى (2) .
وقال أبو حنيفة وأحمد بن حنبل يصل ثواب القراءة للميت .
فمالك والشافعى يحتجان بالقياس على الصلاة ونحوها (3) مما هو فعل بدنى والأصل فى الأفعال البدنية أن لا ينوب فيها أحد عن أحد .
ولظاهر قوله تعالى { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } ولحديث إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث علم ينتفع به وصدقة جارية وولد صالح يدعو له .
واحتج أبو حنيفة وأحمد بالقياس على الدعاء .
فإن، الإجماع على وصول ثوابه للميت فكذلك القراءة والكل عمل بدنى - وبظاهر قوله عليه السلام للسائل (صل لهما مع صلاتك وصم لهما مع صومك) أى لوالديك .
وبعد أن ناقش الدليلين قال .
إن الذى يتجه ولا يقع فيه خلاف أنه يحصل للموتى بركة القراءة لا ثوابها (4) كما تحصل لهم بركة الرجل الصالح يدفن عندهم أو يدفنون عنده .
----- .
(1) لم يرد الحصر كما هو ظاهر (2) أى فى المشهور فى المذهبين وإلا فالمتأخر ون من علماء المذهبين ذهبوا إلى حصول النفع للميت فى هذه العبادات ومنها القراءة ونفعها إما بوصول ثوابها أو حصول بركتها (3) علمت أن الصلاة عن الميت مشروعة فى منسك الحج عنه وفى صلاة الولد عن والديه مع صلاته كما فى حديث الدار قطنى ومتى ورد النص كان هو المعول عليه (4) يوافق رأى القاضى أبى الطيب من الشافعية .
----- .
17- احتياط معقول ثم قال وهذه المسألة وإن كان مختلفا فيها فينبغى للإنسان أن لا يهملها فلعل الحق هو الوصول إلى الموتى، فإن هذه أمور خفية عنا، وليس الخلاف فى حكم شرعى إنما هو فى أمر واقع هل هو كذلك أم لا، وكذلك التهليل (1) الذى اعتاد الناس عمله ومن الله الجود والإحسان .
هذا هو اللائق بالعبد (2) انتهى . ----- .
(1) قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شىء قدير راجع فى فضلها الصحيحين .
(2) فى هذا رد على من يضيق واسعا ويصعب سهلا فإن فضل الله عظيم ورحمته وسعت كل شىء ولا حرج على الفضل الإلهى أن يجعل وثواب هذه الطاعات لمن جعلها له فاعلها فإن أبوا إلا التحجير والتضييق مع دلالة ما قدمنا من الأسانيد فلهم دينهم ولى دين ----- .
18- الخلاصة والخلاصة فى ذلك أن مذهب الحنفية والحنابلة وصول ثواب جميع العبادات والقربات إلى الميت وانتفاعه بها إذا جعل ثوابها .
ومذهب الشافعية فى المشهور والمالكية فى الأصل وصول ثواب القربات ما عدا العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم وتلاوة القرآن والذكر، وقد علمت رأى المتأخرين من الشافعية والمالكية، وإن المختار عندهم وصول الثواب إلى الميت (1) .
----- .
(1) أى بالشروط السابق ذكرها .
----- .
حكم أخذ الأجرة على قراءة القرآن .
غير أنه مما يلزم التنبيه له إن وصول ثواب تلاوة القرآن إلى الميت مقيد بما إذا كانت القراءة تطوعا بدون أجر كما ذكره ابن القيم (1) وأئمة الحنفية (2) .
سواء كانت القراءة من ولد الميت أم من غيره (3) وأما الاستئجار على تلاوة القرآن فغير جائز عند الحنفية وأجازه المالكية (4) وذكر ابن فرحون أن جواز أخذ الأجرة على قراءة القرآن مبنى على وصول ثواب القراءة لمن قرىء لأجله كالميت وهو الراجح عندهم كما سلف .
----- .
(1) وهو رأى ابن تيمية (2) ذهب الحنفية إلى عدم جواز الاستئجار على الطاعات كتعليم القرآن وتلاوته والفقه والأذان والإقامة والوعظ والحج والعمرة والغزو والصلاة والصيام وغير ذلك مما يعد فى نفسه طاعة بمعنى أنه لا تجب الأجرة ولا يجوز أخذها ولا إعطاؤها والإجارة باطلة وبه قال الضحاك وعطاء والزهرى والحسن البصرى وابن سيرين وطاووس والشعبى والنخعى واستثنى المتأخرون منهم تعليم القرآن وأخذ الأجرة عليه تحرزا من ضياعه وترغيبا فى حفظه وعليه الفتوى وبعضهم استثنى أيضا الأذان والإقامة وتعليم الفقه والوعظ للضرورة وبقى أخذ الأجرة عليها كما لا يجوز لأخذ الأجرة على الصلاة والصيام - نعم يجوز للإنسان أن يتبرع بثواب هذه العبادات لغيره حيا أو ميتا بدون استنابة ولا تأخير فيرجى أن يصل ثوابها إليه فإذا تبرع إنسان بقراءة القرآن للميت وجعل ثوابه له جاز سواء كانت القراءة عند القبر أو بعيدا عنه ففى وصايا الولوالجية لو زار قبر صديق أو قريب له وقرأ عنده شيئا من القرآن فهو حسن انتهى .
وفى خزانة المفتين ولو زار قبر صديق له فقرأ عنده لا باس به انتهى - وقد نقل عن الإمام القول بكراهة القراءة عند القبر وهو رواية والكراهة فيه يظهر أنها تنزيهية وينبغى أن يعلم أن الكلام هنا فى مقامين أحدهما قراءة القرآن تبرعا وإهداء ثوابها إلى الميت والثانى الاستئجار على القراءة للميت أو لغيره والأول جائز والثانى ممنوع فقد نصوا على أن التبرع بالقراءة وإهداء ثوابها للميت بمثابة الدعاء إذ القارىء يسأل الله أن يجعل الثواب للميت ولا ضير فى ذلك ولا نيابة فيه .
ونصوا على أن القارىء للدنيا وهو الذى يقرأ لأجل لاثواب له والآخذ والمعطى آثمان (شفاء العليل) وعند أهل المدينة يجوز أخذ الأجرة على التلاوة وبه أخذ الشافعى ونصير وعصام وأبو النصر الفقيه وأبو الليث (مغنى) ولعله لضرورة إحياء القرآن والحث على تلاوته ولما ذكره ابن فرحون ولحصول البركة بقراءته ففى صحيح مسلم عن أبى هريرة وما اجتمع قوم فى بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده وقال النووى إن التقييد بالمسجد خرج مخرج الغالب لاسيما فى ذلك الزمان فلا يكون له مفهوم يعمل به .
(3) وسواء أكانت القراءة عند القبر أو بعيدة منه .
(4) أى فى قول كما تفهمه العبارة الآتية .
----- .
20 - فتوى للأستاذ الوالد فى قراءة القرآن للميت ووصول ثوابها إليه وبعد تحرير هذا وقفت على فتوى للأستاذ الوالد رحمه الله وهو مالكى المذهب حررها فى سنة 1349 جوابا عن أسئلة وردت إليه جاء فيها ما نصه وأما قراءة القرآن للميت سواء أكانت على القبر أم بعيدا عنه فقد اختلف العلماء فى وصول الثواب إليه، والجمهور على الوصول (1) وهو الحق خصوصا إذا وهب القارىء بعد القراءة ثواب ما قرأه للميت، وللقارئ أيضا ثواب لا ينقص من أجر الميت شيئا، والتفضيل (2) بين القراءة والصدقة بالنقود يختلف باختلاف مقدار الصدقة ونفعها للفقير وحال المتصدق واختلاف القراءة .
وما يدفع للقراء من الأجر (بناء على رأى للمالكية فى جواز أخذ الأجرة على القراءة) ومسألة الأجر والثواب قلة وكثرة موكولة إلى الله تعالى وفى يده بيسطها لأيهما كيف يشاء .
وقد ورد فى كل ما يحث على فعله .
وقد علمت أنه لا فرق فى ذلك بين القرب والبعد لأن الله تعالى هو المطلع على القارىء وإحسانه العمل وإخلاصه فيه، وعلى المتصدق وإخلاصه فى صدقته، وهو المقدر لهذا وذاك والقرب والبعد بين القارىء والمتصدق وبين الميت لا دخل له فى وصول الثواب وعدم وصوله .
وهناك هدايا كثيرة غير النقود يتصدق بها على الميت كالدعاء وجميع الارتفاقات المعاشية التى ينتفع بها الفقراء من طعام وشراب ولباس ووقف أرض أو دار أو إسكان مستحق لذلك إذا قصد إهداء ثوابه لروح الأموات كالنقود سواء .
والله أعلم انتهى . هذا ما اتسع له الوقت فى الإجابة عن هذا السؤال .
والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب .
مفتى الديار المصرية حسنين محمد مخلوف ----- (1) وهو رأى الحنفية واحمد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم والمتأخرين من المالكية والشافعية .
(2) هذا جواب عن أحد الأسئلة المتعلقة بالقراءة والصدقة .
----- خاتمة فى زيارة القبور وزيارة القبور مستحبة للعظة والاعتبار، وتذكر الموت وأهوال الآخرة وانتفاع الموتى بالدعاء لهم، ففى الحديث (كنت نهيتكم عن زيارة القبور فقد أذن لمحمد فى زيارة قبر آمنة فزوروها فإنها تذكر الآخرة) رواه الترمذى وصححه وأخرجه مسلم وأبو داود والحاكم .
وفى حديث آخر أخرجه الحاكم (فزوروا القبور فإنها تذكر الموت) وكان عليه السلام يزور قبور شهداء أحد كل حول مرة ، ويسلم عليهم، ويزور قبور أهل بقيع الفرقد بالمدينة مرارا ويسلم عليهم ويدعو لهم، ويقول السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) رواه مسلم وأحمد وابن ماجه .
وكانت فاطمة تزور قبر عمها حمزة رضى الله عنه وكان ابن عمر لا يمر بقبر إلا وقف عليه وسلم عليه .
وفى زاد المعاد كان النبى - صلى الله عليه وسلم - إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم والترحم عليهم والاستغفار لهم، ويأمر من معه من أصحابه أن يقول السلام عليكم أهل الديار إلخ .
وكان يتعاقد الميت بالزيارة إلى قبره والسلام عليه والدعاء له كما يتعاهد إلى صاحبه فى الدار الدنيا .
وذهب ابن حزم إلى أن زيارة القبور واجبة ولو فى العمر مرة لورود الأمر بها، والزيارة مأذون فيها للرجال باتفاق، أما النساء فقيل بكراهتها .
وذهب الأكثر إلى الجواز إذا أمنت الفتنة، وقال بعض الفقهاء إن كانت زيارتهن للاعتبار والترحم من غير بكاء وكن عجائز جاز، وإن كانت لتجديد الحزن والبكاء والندب كرهت تحريما .
ومن آداب الزيارة أن يزورها الإنسان قائما مستدبر القبلة مستقبلا بوجهه الميت، وأن يسلم على أهل القبور، ولا يمسح القبر ولا يمسه فضلا عن أن يقبله، ويدعو عنده قائما بما علم رسول الله أصحابه الدعاء به عند الزيارة، وأن ينصرف عقب ذلك، وقد كان ابن عمر يجئ إلى قبر الرسول فيقول السلام على النبى .
السلام على أبى بكر .
السلام على أبى وينصرف وكذلك أنس بن مالك . ولا بأس أن يقرأ سورة يس لحديث من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد من فيها حسنات (بحر) وأن يقرأ من القرآن ما تيسر له من الفاتحة وأول البقرة وآية الكرسى وآخر البقرة من قوله تعالى { آمن الرسول } وسورة يس وتبارك (الملك) والتكاثر والإخلاص ثم يقول اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان أو إليهم (ابن عابدين) وفى المغنى ولا بأس بالقراءة عند القبر وقد روى عن أحمد أنه قال إذا دخلتم المقابر فاقرءوا آية الكرسى وثلاث مرات { قل هو الله أحد } الإخلاص 1 ، ثم قولوا اللهم إن فضله لأهل المقابر .
وفى رواية الإحياء (إذا دخلتم المقابر فاقرءوا الفاتحة والمعوذتين وقل هو الله أحد .
واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم ) انتهى - وما روى عن أحمد من قوله .
إن القراءة عند القبر بدعة قد رجع عنه كما ذكره ابن قدامة الحنبلى، وأفضل أيام الزيارة يوم الجمعة، وقيل هو ويوم قبله ويوم بعده .
وقد ذكر فى زاد المعاد أن الموتى تدنو أرواحهم من قبورهم يوم الجمعة فيعرفون زوارهم ومن يمر بهم ويسلم عليهم .
وروى محمد بن واسع أن الموتى يعلمون زوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده، ولا يخفى أن وصول ثواب القراءة إلى الميت لا يتوقف على أن تكون حال الزيارة بل يصل الثواب إليه مطلقا، وقد قال ابن القيم فى كتاب الروح (وأما قراءة القرآن وإهداؤها إلى الميت تطوعا بغير أجر فهذا يصل إليه كما يصل إليه ثواب الصوم والحج) فكما أن ثواب الصوم والحج عنه يصل إليه وهما لا يكونان حال الزيارة كذلك يصل إليه ثواب القراءة مطلقا سواء كانت عند القبر أو بعيدة عنه .
ويؤيد هذا ما سبق نقله عن كثير من الفقهاء، وقول ابن القيم فى زاد المعاد إن قراءة القرآن للميت عند القبر أو غيره بدعة مكروهة ينافى ما ذكره نفسه فى كتاب الروح .
وما ذكره غيره من الفقهاء خلا أبا حنيفة الذى روى عنه القول بكراهة القراءة عند القبر .
والذى ينبغى التعويل عليه ما ذكره فى كتاب الروح، وأى فرق بين قراءة القرآن له .
والصلاة والصوم والحج والدعاء والاستغفار له وكلها طاعات يرجى من الله أن يجعل ثوابها للميت إذا جعلها الفاعل له، ولا حرج على الله فى فعله وفضله .
وجملة القول فى الزيارة أنه يجب اتباع هدى النبوة فى آدابها وتجريدها من المآثم حتى تقع فى موقعها الشرعى .
اللهم اجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه .
وفقهنا فى الدين ولا تحرمنا أجر العاملين .
واهدنا الصراط المستقيم . وصل وسلم على سيد الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين .
تم تحرير هذه التعليقات بعون الله تعالى فى يوم الجمعة 13 من شوال سنة 1366 (29 من أغسطس سنة 1947) بيد الفقير إلى الله تعالى .
حسنين محمد مخلوف مفتى الديار المصرية

 
تشبه المسلم بالكافر

المفتي
عبد المجيد سليم .
جمادى الآخرة 1347 هجرية - 26 نوفمبر 1928 م

المبادئ
1- الكفر شىء عظيم فلا يحكم به على مؤمن متى وجدت رواية أنه لا يكفر .
ولا يكفر مسلم إلا إذا اتفق العلماء على أن ما أتى به يوجب الردة .
2- لا يكفر المسلم متى كان لكلامه أو فعله احتمال ولو بعيدا يوجب عدم تكفيره .
3- لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه .
4- ما يتيقن بأنه ردة يحكم بها عليه، وما يشك فى أنه ردة لا يحكم به ن لأن الإسلام الثابت لا يزول بالشك .
5- مناط التكفير هو التكذيب أو الاستخفاف بالدين .
6- مجرد لبس البرنيطة ليس كفرا، لأنه لا دلالة فيه على الاستخفاف بالدين ولا على التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة حتى يكون ذلك ردة إلا إذا وجد من لابسها شىء يدل دلالة قطعية على الاستخفاف أو التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة بأن ذلك يكون ردة .
7- كل من حبذ واستحسن ماهو كفر إذا وجد مه ما يدل على ذلك دلالة قطعية يحكم بكفره .
8- لابس البرنيطة قصد التشبه بغير المسلمين مع عدم ما يدل على الاستخفاف أو التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة يكون آثما ولا يحكم بكفره .
9- قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - من تشبه بقوم فهو منهم يحمل على أنه يكون كافرا مثلهم إن تشبه بهم فيما هو كفر كتعظيم يوم عيدهم تبجيلا لدينهم، أو لبس شعارهم قاصدا الاستخفاف بالدين وإلا فإنه يكون آثما مثلهم فقط .
10- يحرم التشبه بأهل الكتاب فيما كان مذموما وبقصد التشبه بهم .
11- لبس القبعة وغيرها بدون قصد التشبه بالكفار بل قصدا لدفع برد أو حر فلا إثم فى ذلك أبدا مادام لم يوجد منهم استخفاف أو تكذيب

السؤال
من مفتى مدينة كملجة بما صورته أن أناسا قلائل ممن تسمى بأسماء المسلمين قد خلعوا منذ آونة أزياءنا وبرزوا بين ظهرانينا بالقبعة مع أننا سكان (تراكيا) الغربية المسلمين كنا ولا نزال فى سعة وحرية تامتين من جهة حكومتنا اليونانية ليس علينا أدنى حرج ولا نظره شزر إذا احتفظنا بأزيائنا القديمة وتقاليدنا الإسلامية وها أنا حاكم شرعى ومفت شرعى فى هذا البلد أحكم أفتى على منهج ديننا الحنيف حسبما فتح الله لى فى اجتهادى، لكن هؤلاء المتجددين لا يعبئون بنا وبمنهجنا الشرعى ويعتبروننا رجعيين إلى الخلف، ويقتدون فى تطوراتهم برئيس الجمهورية التركية محبذيه فى كل ما ابتدعه ، وإنى بصفتى الرسمية لا أقر لهم ببدعهم ولا أوقع على وراثتهم من المسلمين ولا على زواجهم من المسلمات، فيسخطون على ويحسبون أنى حرمتهم حقوقهم وظلمتهم، وفى اعتقادى أنى لا أحكم فيهم بغير ما حكم به الشرع الإسلامى { وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون } آل عمران 117 ، وبالجملة أنهم يريدون ألا يخضعوا لأقضيتى التى تحول بينهم وبين ميراث المسلمين ونساء المسلمين فيتخذوننى شكية عند الناس وعند الحكومة .
والحكومة لا تدرى المسألة الشرعية، فربما تقع فى خلدها شبهة منى ومن عدالتى وأمانتى، فإن كنت على حق فيما حكيته لكم فساعدونى رحمكم الله وأيدونى بكلمتكم الفصل، وإلا فدلونى على ما هو الحق الحقيق بالاتباع، أطال الله بقاءكم ومتعنا والمسلمين بعلومكم

الجواب
أما بعد .
فاعلم هدانى الله وإياك إلى الحق ورزقنا اتباعه وجنبنا الزلل فى القول والعمل .
أن علماءنا قالوا إن الكفر شىء عظيم، فلا نجعل المؤمن كافرا متى وجدنا رواية أنه لا يكفر، فلا يكفر مسلم إلا إذا اتفق العلماء على أن ما أتى به يوجب الردة، كما أنه لا يكفر مسلم متى كان لكلامه أو فعله احتمال ولو بعيدا يوجب عدم تكفيره .
فقد روى الطحاوى عن أبى حنيفة رحمه الله وأصحابنا أنه لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه، ثم ما يتيقن بأنه ردة يحكم بها له، وما يشك بأنه ردة لا يحكم بها .
إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك، مع أن الإسلام يعلو .
وينبغى للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يقضى بصحة إسلام المكره .
وقد قال صاحب جامع الفصولين بعد نقله هذه العبارة ما نصه (أقول قدمت هذه لتصير ميزانا فيما نقلته فى هذا الفصل من المسائل فإنه قد ذكر فى بعضها أنه كفر مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة فليتأمل ) .
وقالوا أيضا إن مناط الكفر والإكفار التكذيب أو الاستخفاف بالدين، فقد نقل صاحب نور العين على جامع الفصولين عن ابن الهمام فى المسايرة أن مناط الإكفار هو التكذيب أو الاستخفاف بالدين .
وقد قال فى جامع الفصولين ما نصه (شد زنارا على وسطه ودخل دار الحرب للتجارة كفر قيل فى لبس السواد وشد الفائزة على الوسط ولبس السراغج ينبغى أن لا يكون كفرا استحسنه مشايخنا فى زماننا وكذا فى قلنسوة المغول إذ هذه الأشياء علامة ملكية لا تعلق لها بالدين .
إذا علمت هذا علمت أن مجرد لبس البرنيطة ليس كفرا لأنه لا يدل قطعا على الاستخفاف بالدين الإسلامى، ولا على التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة حتى يكون فى ذلك ردة .
نعم إذا وجد من لابس القبعة شىء يدل دلالة قطعية على الاستخفاف بالدين أو على تكذيب شىء مما علم من الدين بالضرورة كان ذلك ردة فيكفر .
وعلى ذلك يكفر كل من حبذ واستحسن ما هو كفر إذا وجد منه ما يدل على ذلك دلالة قطعية وإذا لبسها قاصدا التشبه بغير المسلمين ولم يوجد منه ما يدل على الاستخفاف بالدين ولا على التكذيب بشىء مما علم من الدين بالضرورة كان آثما فقط، لما روى أبو داود فى سننه حدثنا عثمان بن أبى شيبة حدثنا أبو النضر يعنى - هاشم بن القاسم - حدثنا عبد الرحمن بن ثابت حدثنا حسان ابن عطية عن أبى جنيب الجرشى عن ابن عمر رضى الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم من تشبه بقوم فهو منهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا إسناد جيد، وبين ذلك فى كتابه اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ومعنى قوله عليه الصلاة والسلام (فهو منهم) أنه كافر مثلهم إن تشبه بهم فيما هو كفر كأن عظم يوم عيدهم تبجيلا لدينهم، أو لبس زنارهم أو ما هو من شعارهم قاصدا بذلك التشبه بهم إستخفافا بالإسلام، كما قيد به أبو السعود والحموى على الأشباه وإلا فهو مثلهم فى الإثم فقط لا فى الكفر كما فى الفتاوى المهدية، وإنما شرطنا فى الإثم قصد التشبه لأن فى الحديث ما يدل على ذلك إذ لفظة التشبه تدل على القصد .
ومن أجل ذلك قال صاحب البحر ما نصه ثم أعلم أن التشبه بأهل الكتاب لا يكره فى كل شىء فإننا نأكل ونشرب كما يفعلون إنما الحرام هو التشبه فيما كان مذموما وفيما يقصد به التشبه كذا ذكره قاضيخان فى شرح الجامع الصغير ،وكتب ابن عابدين فى حاشيته على البحر تعليقا على هذا ما نصه أقول قال فى الذخيرة البرهانية قبيل كتاب التحرى قال هشام رأيت على أبى يوسف نعلين مخصوفين بمسامير فقلت أترى بهذا الحديد بأسا قال لا .
فقلت إن سفيان وثور بن يزيد رحمهما الله تعالى كرها ذلك، لأن فيه تشبها بالرهبان، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يلبس النعال التى لها شعر، وإنها من لباس الرهبان فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيما تعلق به صلاح العباد لا تضر .
وقد تعلق بهذا النوع من الأحكام صلاح العباد، فإن الأرض ممالا يمكن قطع البعيدة فيها إلا بهذا النوع من الأحكام .
وعلى هذا فهؤلاء الناس الذين لبسوا القبعة آثمون إذا قصدوا من لبسها التشبه بالكفار، أما إذا لبسوها غير قاصدين التشبه بهم ، كأن كان لبسهم إياها لدفع برد أو حر أو غير ذلك من المصالح فلا إثم .
وهذا كله إذا لم يوجد منهم ما يدل دلالة قطعية على استخفافهم بالدين، أو تكذيبهم بشىء مما علم من الدين بالضرورة وإلا كانوا كفارا مرتدين يحكم عليهم بأحكام المرتدين من عدم صحة أنكحتهم وعدم توريثهم من الغير إلى غير ذلك .
والله سبحانه وتعالى أعلم


 
رعية المسلم (جنسية)

المفتي
محمد عبده .
رمضان 1322 هجرية

المبادئ
1- تقضى الشريعة الإسلامية على اختلاف مذاهبها بأنه لا جنسية فى الإسلام ولا امتياز فى الحقوق بين مسلم ومسلم .
2- البلد الذى يقيم فيه المسلم من بلاد المسلمين هو بلده، ولأحكامه عليه السلطان دون أحكام غيره

السؤال
المسلم إذا دخل بمملكة إسلامية .
هل يعد من رعيتها . له مالهم وعليه ما عليهم على الوجه المطلق .
وهل يكون تحت شرعها فيما له وعليه عموما وخصوصا .
وما هى الجنسية عندنا . وهل حقوق الاميتازات المعبر عنها عند غير المسلمين بالكبيتولاسيون موجودة بين ممالك الإسلام مع بعضهم بعضا

الجواب
من المعلوم أن الشريعة الإسلامية قامت على أصل واحد، وهو وجوب الانقياد لها على كل مسلم فى أى محل حل ن وإلى أى بلد ارتحل، فإذا نزل ببلد إسلامى جرت عليه أحكام الشريعة الإسلامية فى ذلك البلد، وصار له من الحق ما لأهله، وعليه من الحق ما عليهم، لا يميزه عنهم مميز ولا أثر لاختلاف البلاد فى اختلاف الأحكام .
نعم قد يكون الحاكم فى بعض الأقطار حنفيا وفى بعضها مالكيا مثلا، ولكن هذا لا أثر له فى الحق للشخص أو عليه .
فمتى قضى له أو عليه فله ما قضى له به وعليه أداء ما قضى به عليه على أى مذهب كان متى كان القاضى مولى من طرف الحاكم العام إذ حكم الحاكم يرفع الخلاف .
ولا ذكر لاختلاف الأوطان فى الشريعة الإسلامية إلا فيما يتعلق بأحكام العبادات من قصر الصلاة للمسافر أو جواز الفطر فى رمضان مثلا، وقد يتبع ذلك شىء فى اختصاص المحاكم من حيث تعيين الجهة التى يكون لقاضيها الحق فى أن يحكم فى الدعوى التى ترفع إليه من شخص على آخر، هل هى محل المدعى أو محل المدعى عليه غير أن شيئا من ذلك لا يغير من حق للمدعى أو المدعى عليه .
فالشريعة واحدة والحقوق واحدة يستوى فيها الجميع فى أى مكان كانوا من البلاد الإسلامية، فوطن المسلم فى البلاد الإسلامية هو المحل الذى ينوى الإقامة فيه ويتخذ فيه طريق كسبه لعيشه، ويقر فيه مع أهله إن كان له أهل، ولا ينظر إلى مولده ولا إلى البلد الذى نشأ فيه، ولا يلتفت إلى عادات أهل بلده الأول، ولا إلى ما يتعارفون عليه فى الأحكام والمعاملات .
وإنما بلده ووطنه الذى يجرى عليه عرفه وينفذ فيه حكمه هو البلد الذى انتقل إليه واستقر فيه .
فهو رعية الحاكم الذى يقيم تحت ولايته دون سواه من سائر الحكام، وله من حقوق رعية ذلك الحاكم وعليه ما عليهم لا يميزه عنهم شىء لا خاص ولا عام .
أما الجنسية فليست معروفة عند المسلمين، ولا لها أحكام تجرى عليهم لا فى خاصتهم ولا عامتهم .
وإنما الجنسية عند الأمم الأوروبية تشبه ما كان يسمى عند العرب عصبية .
وهو ارتباط أهل قبيلة واحدة أو عدة قبائل بنسب أو حلف يكون من حق ذلك الارتباط أن ينصر كل منتسب إليه من يشاركه فيه .
وقد كان لأهل العصبية ذات القوة والشوكة حقوق يمتازون بها على من سواهم .
جاء الإسلام فألغى تلك العصبية ومحا آثارها وسوى بين الناس فى الحقوق فلم يبق للنسب ولا لما يتصل به أثر فى الحقوق ولا فى الأحكام .
فالجنسية لا أثر لها عند المسلمين قاطبة . فقد قال - صلى الله عليه وسلم - إن الله أذهب عنكم عبية ( بضم العين وكسر الباء المشددة وفتح الياء أى - عظمة ) الجاهلية عظمتها وفخرها بالآباء، إنما هو مؤمن تقى وفاجر شقى، الناس كلهم بنو آدم، وآدم خلق من تراب وروى كذلك عنه ليس منا من دعا إلى عصبية وبالجملة فالاختلاف فى الأصناف البشرية كالعربى والهندى والرومى والشامى والمصرى والتونسى والمراكشى مما لا دخل له فى اختلاف الأحكام والمعاملات بوجه من الوجوه .
ومن كان مصريا وسكن بلاد المغرب وأقام بها جرت عليه أحكام بلاد المغرب، ولا ينظر إلى أصله المصرى بوجه من الوجوه .
وأما حقوق الامتيازات المعبر عنها بالكابيتولاسيون فلا يوجد شىء منها بين الحكومات الإسلامية قاطبة .
فهذه بلاد مراكش وبلاد أفغانستان لكل من البلدين حكومة مستقلة عن الآخرى .
وكلا الحكومتين مستقل عن الدولة العثمانية، ولا يوجد شىء من حقوق الامتيازات بين حكومة من هذه الحكومات وأخرى منها .
وما نراه من الوكلاء لحكومة مراكش مثلا من الممالك الثمانية لا يعتبرون سفراء مثل سفراء الدول الأجنبية، وإنما هم وكلاء لشخص الحاكم ورجال دولته لقضاء بعض المصالح الخاصة والمساعدة مواطنيهم فيما يعرض لهم من الحاجات، ولا أثر لهم فيما يدخل فى الشرائع والأحكام، وما يوجد من أثر الامتياز فى الحقوق لرعية شاه العجم أو سلطان مراكش فى بعض الممالك الإسلامية كمصر فإن الإيرانيين والمغاربة قد نالوا ضربا من الامتياز بالتقاضى إلى المحاكم المختلطة من عدة سنوات .
ذلك الذى تراه من أثر الامتياز يناقض أصول الشريعة الإسلامية كافة .
فلا أهل السنة يجيزونه ولا مجتهدو الشيعة يسمحون به، وإنما هو شىء جر إليه فسوق بعض الرعايا وميل المحاكم المختلطة إلى التوسع فى الاختصاص .
وما قضت به بعض القوانين المصرية من أن سائر العثمانيين لا ينالون حق التوظف فى مصالح الحكومة المصرية، ولا حق الانتخاب فى مجالس شوراها إلا بقيود مخصوصة يشبه تقرير الحقوق فى انتخاب مجالس البلدية فمجلس بلدية الاسكندرية مثلا لا يدخل فى انتخاب أعضائه المقيم بالقاهرة .
فهو من باب تفضيل سكان المكان على سكان غيرهم، وإيثارهم أولئك بالنظر فى المنافع على هؤلاء لقربهم مع استواء الكل فى الانتساب إلى شريعة واحدة، واشتراكهم فى الحقوق التى قررتها الشريعة بلا امتياز .
هذا ماتقضى به الشريعة الإسلامية على اختلاف مذاهبها .
لا جنسية فى الإسلام ولا امتياز فى الحقوق بين مسلم ومسلم .
والبلد الذى يقيم فيه المسلم من بلاد المسلمين هو بلده ولأحكامه عليه السلطان دون أحكام غيره، والله أعلم


 
تفشى حمى التيفوس

المفتي
محمد بخيت .
شعبان 1337 هجرية - 27 مايو 1919 م

المبادئ
1- كل من الحمى التيفوسية والحمى الراجعة تنتقل من شخص إلى آخر بواسطة القمل وغيره، وللوقاية منها لا بد من الاهتمام بالنظافة مطلقا دوار ومساكن وأماكن عبادة وأمكنة تجمعات وملابس وأجساد .
2- لا عدوى مؤثرة بطبيعتها، وإنما قد يجعل الله بمشيئته وإرادته مخالطة صحيح الجسم لمن به مرض معد سببا لإصابته بهذا المرض .
3- يجب تجنيب الأصحاء عن أصحاب الأمراض الوبائية محافظة على الأصحاء من ذوى العاهات

السؤال
من إدارة عموم الصحة أن الحمى التيفوسية أخذت تتفشى وتنتشر فى مصر منذ بضع سنوات حتى بلغ عدد إصاباتها فى خلال السنوات الخمس الماضية بحسب البلاغات التى وردت عنها مائة ألف وتسعمائة إصابة، والغالب أن العدد الحقيقى هو أكثر من هذا الإحصاء المبنى على البلاغات الرسمية وفى العام الماضى حصلت إصابات عديدة بالحمى الراجعة .
وقد علم من التجارب أن كلا من الحمى التيفوسية والحمى الراجعة تنتقل من شخص إلى آخر بوسائط منها القمل، وتريد إدارة عموم الصحة أن تنشر بيانا لإبادة القمل وطرقا للوقاية من هذين المرضين .
وحيث إنهما من الأمراض الوبائية التى جرت العادة بانتشار العدوى منها أردت أن أبين حكم الدين وما يلزم شرعا بإزاء الوقاية من كل مرض يعدى

الجواب
إن ديننا الحنيف ربط الأسباب بمسبباتها، وناط النتائج بمقدماتها وليس فى الوجود أعز من الصحة والعافية، ولا أدل على ذلك من قول النبى صلى الله عليه وسلم - لذلكم الأعرابى الذى جاءه ليعلم ما يسأل الله عنه بعد الصلوات الخمس (سل الله العافية) وقوله فى حديث آخر (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس .
الصحة والفراغ) فعلى المفتقر إلى الصحة أن يسعى وراءها بكل ما أوتيه من قوة وعلم، وعلى المتمتع بها أن يحتفظ بها كل الاحتفاظ، وأن يباعد بنفسه عن الأمراض المعدية عملا بقول الله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } البقرة 195 ، وشر المهلكات أمراض تتفشى وحميات تنتشر وتفتك بالنفوس فتكا ذريعا بإهمالنا تعاليم الدين الصحيحة إرشاداته النافعة فى كل ما يتعلق بالنظافة والاحتياطات الصحية وها هى كتب الدين مفعمة بما لو أخذنا ببعضه لكانت حالتنا الصحية اليوم غير ما ترى أخرج مسلم من حديث عمرو بن الشريد الثقفى عن أبيه قال كان فى وفد ثقيف رجل مجذوم يريد مبايعة الرسول - صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه رسول الله إنا قد بايعناك فارجع وقال النبى - صلى الله عليه وسلم تعليما وإرشادا (اتقوا المجذوم كما يتقى الأسد) وقال - صلى الله عليه وسلم - (كلم المجذوم وبينك وبينه قدر رمح أو رمحين) وقال عليه الصلاة والسلام(فر من المجذوم كما تفر من الأسد) وقال عليه السلام (لا يورد ممرض على مصح وإن الجرب الرطب قد يكون بالبعير فإذا خالط الإبل أو حككها وآوى إلى مباركها وصل إليها بالماء الذى يسيل منه) وقال صلى الله عليه وسلم فى الطاعون ( من سمع به بأرض فلا يقدم عليه) وقد عمل بقوله عليه السلام ثانى الخلفاء الراشدين سيدنا عمر ابن الخطاب - رضى الله تعالى عنه - عند ما خرج إلى الشام وكان معه جمع عظيم من المهاجرين والأنصار حتى إذا ما قرب منها أخبره أمراء الأجناد أن الوباء قد وقع بأرض الشام، فنادى عمر فى الناس إنى مصبح على ظهر فأصبحوا عليه .
قال أبو عبيدة بن الجراح أفرادا من قدر الله فقال له عمر رضى الله تعالى عنه - لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله .
أرأيت لو كانت لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله بعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف - رضى الله تعالى عنه- وكان متغيبا فى بعض حاجته فقال إن عندى فى هذا علما .
سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول (إذا سمعتم به) الوباء (بأرض فلا قدموا عليه) فحمد الله عمر وانصرف .
ومثل هذا قال العلماء فى المجذومين وأمثالهم من أصحاب العاهات المعدية .
إنهم يمنعون من المساجد ويتخذ لهم مكان منفرد عن الأصحاء الذين يجب عليهم أن يفروا من ملاقاتهم ومخالطتهم لئلا يلقوا بأنفسهم إلى التهلكة التى نهى الله عنها، وكذلك قال جمهور العلماء يثبت الخيار للزوجين فى فسخ النكاح إذا كان بأحدهما جذام .
وما أكثر ما جاء فى كتب السنة من الحث على النظافة التى هى من الإيمان .
ومن أهم أنواعها نظافة المساكن والدور وأماكن العبادة والمجتمعات، وكذلك نظافة الملابس والأجساد وتمشيط الشعر وتسريح اللحية وقتل الحشرات والهوام كالقمل والبراغيث والبق والذباب وغير ذلك مما ثبت أخيرا أنه من أكبر العوامل على انتشار الأمراض وتفشى الحميات تفشيا مريعا فى طول البلاد وعرضها حتى بلغ عدد الإصابات إلى تلك الكثرة التى جاءت فى مكاتبة إدارة عموم الصحة .
هذا ولا يتقرب إلى ذهب العامة مخالفة ما قلناه إلى ما جاء فى الحديث الآخر (لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر) فإن أصح ما قيل فيه ما حمله عليه الإمام البيهقى وابن الصلاح وكثير غيرهم من جلة العلماء والمخرجين لأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أن هذا الحديث إنما سيق للرد على الجاهلية الذين كانوا يعتقدون أن الأسباب تؤثر بطبيعتها فى المسببات وأن الله لا يؤثر فيها - فرد عليهم النبى - صلى الله عليه وسلم - بألا عدوى مؤثرة بطبيعتها .
وإنما قد يجعل الله بمشيئته وإرادته مخالطة صحيح الجسم لمن به مرض معد سببا لإصابته بهذا المرض، ولهذا كان الأمر باجتناب الأصحاء عن أصحاب الأمراض الوبائية إنما هو للمحافظة على المحافظة على الصحيح من ذوى العاهة، فلا تنافى بين هذا الحديث وبين ما قدمنا .
لأن هذا إنما كان للرد على عقيدتهم من أن التأثير للطبيعة وباطل ما كانوا يعتقدون .
فواجب المسلمين أن يبذلوا جهدهم ويشدوا عزيمتهم .
ويتعاونوا جميعا على محاربة هذه الأمراض المهلكة بكل الوسائل التى يرشدهم إليها الموثوق بهم .
فقد جعل الله لكل شىء سببا ولكل داء دواء والله سبحانه وتعالى كفيل أن يعينهم ويصلح أحوالنا وأحوالهم


 
وقف الجبانات فى مصر

المفتي
حسونة النواوى .
رجب 1313 هجرية

المبادئ
1 - سفح المقطم وقف من عهد عمر بن الخطاب على موتى المسلمين .
2 - يصح وقف الإمام شيئا من أرض بيت مال المسلمين على جهة عامة للمسلمين .
3 - استمرار جريان العمل على ذلك منذ صدر الإسلام حتى الآن

السؤال
من محافظة مصر بإفادة مؤرخه 7 رجب سنة 1313 الإفادة عما يثبت شرعا أن أرض القرافات بمصر بما فيها قرافة المجاورين موقوفة لدفن الأموات لضرورة الوقوف على ذلك

الجواب
نص العلماء على أن قرافة مصر موقوفة وأنه لا يجوز الإنتفاع بها بغير الدفن .
ونصوا أيضا أن سبب وقفها ما رواه ابن الحكم عن الليث بن سعد أن المقوقس سأل عمرو بن العاص رضى اللّه عنه أن يبيعه سفح المقطم بسبعين ألف دينار فكتب إلى عمر - رضى اللّه عنه - بذلك فكتب إليه أن سله لم أعطاك هذا القدر وهى أرض لا تزرع ولا ينتفع بها فسأله فقال إنا نجد صفتها فى الكتب وأنها محل غراس الجنة فكتب عمرو إليه بذلك فكتب إليه عمر أنى لا أرى غراس الجنة إلا المؤمنين فأقبر بها من مات من المسلمين ولا تبعها بشىء فامتثل أمره ودفن فيها .
وكان أول من دفن فيها رجل من المعافر يقال له عامر، وصرحوا بأن سفح المقطم وقف من عمر على موتى المسلمين وأن القرافة جعلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه - لدفن موتى المسلمين فيها واستقر الأمر على ذلك .
ونصوا أيضا على أنه يصح وقف الإمام شيئا من أرض بيت المال على جهة عامة للمسلمين كوقف عمر - رضى اللّه عنه - سواد العراق ونصوا أيضا على أن حد سفح المقطم الموقوف المذكور من قصر المقوقس الذى كان ببركة الحبش المعروف الآن بالبساتين إلى اليحموم وهو الجبل الأحمر المطل على القاهرة من شرقها الشمالى الكائن بشرق العباسية .
فلعم مما ذكر أن أرض القرافات بمصر التى من ضمنها قرافة المجاورين موقوفة لدفن أموات المسلمين من قبل عمر بن الخطاب - رضى اللّه عنه - خصوصا والعمل على ذلك من صدر الإسلام للآن .
وقد نصوا أيضا على أن العمل حجة فى مثل ذلك كشرط الواقف .
واللّه تعالى أعلم


 
الأرض الموقوفة لدفن موتى المسلمين لا تقسم قسمة افراز

المفتي
محمد بخيت .
جماد أول 1338 هجرية 24 يناير 1920 م

المبادئ
1 - صحراء قرافة المجاورين وقف لدفن أموات المسلمين من قبل سيدنا عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه .
2 - متى كانت كذلك فلا يجوز قسمتها قسمة إفراز بين أشخاص يختص كل منهم بجزء منها، بل لكل واحد من المسلمين حق الدفن فى أى جزء منها .
3 - من أنفق مالا فى إصلاح قبر فجاء رجل ودفن فيه ميته، إن كانت الأرض موقوفة ما أنفق عليه ولا يحول ميته من مكانه لأنه دفن فى وقف .
4 - لا يجوز لأحد من المسلمين أن يمنع غيره من زيارة القبور لأنها مندوبة شرعا للأمر بها فى الحديث الشريف (كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها)

السؤال
من حافظ أفندى بما صورته .
معروف أن صحراء قرافة المجاورين الكائنة جهة الشارع المماليك وقف لدفن أموات المسلمين من قبل سيدنا عمر بن الخطاب - رضى اللّه عنه - فهل يصح تعاقد كل من الشيخ محمد السجينى التاجر بمصر والست نبوية بنت مصطفى أن يقتسما قطعة أرض بالصحراء المذكورة مع بعضهما بأن يختص كل منهما بجزء من تلك القطعة بحيث يترك ويتناول الشيخ محمد السجينى للست نبوية المذكورة فى الجزء الذى سيقتسمه عن قبور مدفون بها والداه وأولاده وأهله من باقى عائلته، ويكون مانعا هذا التنازل الذى سيحصل منه لزيارته وزيارة عائلته لتلك القبور ودفن أمواته فيها التى سيتنازل عنها وهل للست نبوية المذكورة أن تمنعه وعائلته من ذلك، وهل لهما الحق فى وضع يدهما على تلك الأرض الموقوفة المذكورة وقسمتها قسمة إفراز وتحرير شروط بالقسمة ببينهما فقط، وهل هذه الشروط تكون نافذة شرعا ومعول عليها .
مع العلم بأن الست نبوية بنت مصطفى أجنبية من الشيخ محمد السجينى، وفقط لها تربة مدفون بها والدها بعيدة عن ترب الشيخ محمد السجينى غير أن الأرض متصلة .
كما لا يخفى على فضيلتكم فى مثل هذه الأحوال أن الصحراء وقف لدفن أموات المسلمين ولا يصح اختصاص واحد بجزء منها .
أفيدوا ولكم جزيل الشكر والثواب

الجواب
اطلعنا على هذا السؤال - ونفيد أنه حيث كانت صحراء قرافة المجاورين المذكورة موقوفه لدفن أموات المسلمين فلكل شخص من المسلمين حق الدفن فيها فلا يجوز قسمتها قسمة إفراز بين أشخاص يختص كل منهم بجزء على أن من أنفق مالا فى إصلاح قبر فجاء رجل ودفن فيه ميته، إن كانت الأرض موقوفه يضمن ما أنفق عليه ولا يحول ميته من مكانه لأنه فى وقف كذا يؤخذ من الفتاوى الخيرية نقلا عن التتارخانية بصحيفة 15 جزء ثان طبعة أميرية سنة 1300 هجرية وكذا لا يجوز لأحد من المسلمين أن يمنع غيره من زيارة القبور، لأنها مندوبة شرعا للأمر بها فى الحديث الشريف (كنت نهيتكم عن زيارة القبول ألا فزوروها)


 
بناء المساكن على أرض المقابر

المفتي
محمد إسماعيل البرديسى .
شوال 1338 هجرية - 14 يونيه 1920 م

المبادئ
أرض الجبانة لا يجوز شرعا بناء المساكن عليها ولا غرس الأشجار أو النباتات فيما .
كما يجوز بيعها ولو نقلت منها عظام الموتى إلى مكان آخر، لأن لها حكم المقبرة

السؤال
فإفادة واردة من وزارة الداخلية رقم 29 يونية سنة 1920 نمرة 277 صورتها .
ز وفى مدنية بورسعيد جبانة منع الدفن فيها منذ زمان بعيد ثن نقلت منها العظام والرفات إلى موضع آخر من عهد قريب وقد حصل الشروع فى هذه الأيام فى تقسيم أرض تلك الجبانة القديمة إلى ثلاثة أقسام، يكون أحدهما مخصصا لإقامة ورشة عليه لأجل إصلاح عربات البلدية، والثانى لإنشاء مشتل لتربية النباتات والأشجار، وأما القسم الثالث فسيباع بالمزاد العلنى للإفراد لاستخدام ثمنه فى الوفاء بالنفقات التى أوجبها نقل تلك العظام والرفات يجب أن تبقى مقدسة، ولا يليق أن يبنى عليه مساكن وغيرها .
فبناء عليه نرجو فضيلتكم إصدار الفتوى الشرعية فى هذه المسألة .
وتفضوا يا صاحب الفضيلة بقبول وافر احترامنا

الجواب
اطلعنا على خطاب دولتكم رقم 29 يونية سنة 1920 نمرة 2777 الذى يتضمن أن فى مدينة بورسعيد جبانة قديمة منع الدقن فيها منذ زمان بعيد، ثم نقلت منها العظام والرفات إلى موضع آخر من عهد قريب .
وقد حصل الشروع فى هذه الأيام فى تقسيم أرض تلك الجبانة القديمة إلى ثلاثة أقسام .
أحدهما يكون مخصصا لإقامة ورشة عليه وثانيها لإنشاء مشتل التربية النباتات والأشجار وثالثها سيباع بالمزاد العلنى للأفراد .
وأن بلدية بورسعيد قد رأت فيما بعد أن أرض الجبانات ولو نقلت منها العظام والرفات يجب أن تبقى مقدمة ولا يليق أن يبنى عليها مساكن وغيرها، ويراد إصدار فتوى شرعية منا فى هذه المسالة ونفيد أنه قال فى الفتاوى الهندية بصحيفة 470 جزء ثان ما نصه وسئل هو (أى القاضى الإمام شمس الأئمة محمود الأزوجندى، أيضا عن المقبرة فى القرى إذا اندرست .
ولم يبق فيها أثر الموتى لا العظم ولا غيره هل يجوز زرعها واستغلالها قال لا ولها حكم المقبرة كذا فى المحيط .
ومن ذلك يعلم أن أرض الجبانة المذكورة لا يجوز شرعا أن يبنى عليها مساكن ولا أن تغرس فيها أشجار ولا نباتات، ولا يجوز شرعا بيعها، ولو نقلت منها عظام الموتى إلى محل آخر .
لأن لها حكم المقبرة . ولإحاطة تحرر هذا والخطاب المذكور عائد من طيه كما ورد .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام


 
تنازل عن مدفن

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
رجب 1339 - 2 ابريل 1921 م

المبادئ
1 - أرض المقبرة التى بالقرافة الصغرى والتى بها قبر الإمام قبر الشافعى موقوفة مع غيرها من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لدفن موتى المسلمين ولا يجرى فى الوقت ثوارث .
2 - بناء المقبرة ملك لمن أحداثه ويورث عنه شرعا

السؤال
بخطاب وزارة المالية رقم 17 مارس سنة 1921 نمرة 244 - 3 - 912 بما صورته .
الست فريدة تملكت مدفن بأراضى الإمام الشافعى معد لدفن الموتى .
وقد تنازلت عن منفعة هذا المدفن والمبانى إلى كل من مصطفى أفندى حسن، ومحمد أفندى حمزة الشركسى بمقتضى تنازل عرفى تاريخه 3 مارس سنة 1918 .
ثم توفيت فى 6 أكتوبر سنة 1920 وترغب وزارة المالية معرفة ما إذا كان هذا المدفن يعتبر ملكا للمتوفاة ويجوز للحكومة التصرف فيه أسوة بباقى الأملاك الآيلة للحكومة، ولا يصير التعرض للمتنازل عنه لهما فاقتضى تحريره لفضيلتكم على أمل التكرم بالإفادة عما يقتضيه الحكم الشرعى فى ذلك .
وتقبلوا بقبول فائق الاحترام

الجواب
اطلعنا على كتاب الوزارة رقم 17 مارس سنة 1921 نمرة 244 - 3 - 1912 بخصوص مادة المدفن تعلق الست فريدة هانم وعلى صورة التنازل عن منفعة هذا المدفن والمبانى والترب الصادر منها إلى كل من مصطفى أفندى .
ومحمد أفندى حمزة الشركسى - ونفيد أن الكلام هنا فى موضعين فى الأرض وفيما حدث فيها من البناء وغيره - أما الأرض فقد صرح العلماء بأن أرض القرافة الصغرى، وهى القرافة التى بها قبر الإمام أبى عبد اللّه محمد إدريس الشافعى رضى اللّه عنه موقوفة مع غيرها من سفح المقطم .
على أن تكون مقبرة يدفن فيها موتى المسلمين من قبل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى اللّه عنه .
وجرى العمل على ذلك من عهدة للآن ومعلوم أن الوقف لا يجرى التوارث فيه - وأما البناء وما أحدثته المتوفاة فى هذه الأرض فهو ملك لها .
ولا يوجد بالعقد المرافق للأوراق مايدل على ناقل شرعى لملكيتها لهذا البناء وما معه إلى غيرها .
وبذلك يكون بناؤها وما أحدثته تركة تورث عنها لمن يرثها شرعا .
وللإحاطة تحرر هذا والأوراق عائدة من طيه كما وردت .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام واللّه سبحانه وتعالى أعلم


 
أرض المقابر

المفتي
محمد إسماعيل البرديسى .
ربيع الأول 1339 هجرية 8 ديسمبر 1920 م

المبادئ
إذا كانت أرض الجبانة ملكا للحكومة وقد بلى ما بها من أموات وصارت ترابا، يجوز شرعا زرعها والبناء عليها، بخلاف ما إذا كانت وقفا

السؤال
بخطاب وزارة الداخلية رقم 4 - 12 - 1920 نمرة 981 بما صورته - بالاطلاع على الفتوى نمرة 12 فتاوى ج 20 المذكورة بخطاب فضيلتكم المؤرخ 14 يوليو سنة 1920 الموافق 28 شوال سنة 1338 نمرة 135 - 42 - 2 عن الجبانة القديمة بمدينة بورسعيد الممنوع الدفن فيها من زمن بعيد، ونقلت العظام والرفات منها إلى موضع آخر رأينا مع احترام الفتوى المشار إليها أن نبين لفضيلتكم أنه فضلا عن أن أرض هاته الجبانة وما يماثلها ملك للحكومة، وأن بقاءها فضاء يجعلها دائما عرضة لإلقاء القاذورات والأسبخة بها وأخذ الأتربة منها، حتى تصبح حفرا ترشح منها المياه وتتعفن رغما عما يتخذ من الاحتياطات لمنع حصول هذا، ولا يخفى على فضيلتكم ما يترتب على ذلك من تفشى الأمراض الخبيثة المتنوعة أيضا بصحة أهالى تلك البلاد وما يجاورها .
الأمر الذى تحتاط له الحكومة دائما وتسعى بكل ما لديهم من الوسائل للوقاية منه .
لهذا بادرنا بترقيمه بأمل إعادة التأمل . لعل أن يكون لهاته الأسباب الهامة قول يبيح معها استعمال أرض الجبانات سالفة الذكر لغرس الأشجار بها والبناء عليها مما يمنع الضرر عن الأهالى، وتتوفر به الصحة العامة .
وتفضلوا بقبول فائق الاحترام

الجواب
اطلعنا على خطاب الوزارة رقم 4 - 12 - 1920 نمرة 981 .
ونفيد أنه حيث كانت أرض الجبانة المذكورة ملكا للحكومة كما جاء بذلك الخطاب وبليت الأموات التى كانت بها، وصارت ترابا جاز شرعا زرعها والبناء عليها .
وأما ما ذكرناه سابقا بالفتوى نمرة 12 جزء 20 - فذلك فيما إذا كانت وتفضلوا بقبول فائق الاحترام


 
الوسوم
الازهر فتاوى
عودة
أعلى