فتاوى الأزهر الشريف

يجوز اتخاذ التابوت للنساء مطلقا وللرجال عند الضرورة

المفتي
عبد المجيد سليم .
ربيع أول 1355 هجرية - 23 مايو 1936 م

المبادئ
يجوز اتخاذ التابوت للنساء عند الدفن تحرزا عن مسها، ويكره اتخاذه للرجل إلا إذا كانت الأرض رخوة أو ندية

السؤال
امرأة تريد بعد وفاتها أن توضع فى صندوق وتدفن فيه فهل هذا يجوز شرعا أم لا

الجواب
نص الفقهاء على كراهة اتخاذ التابوت أى الصندوق للميت إلا إذا كانت الأرض رخوة أو ندية يسرع فيها بلى الميت فلا بأس باتخاذه حينئذ، ويكون من رأس المال .
وينبغى (أى يسن) أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلى الميت ويجعل اللبن الخفيف على يمينه ويساره ليصير بمنزلة اللحد، وهذا التفصيل فيما إذا كان الميت رجلا .
قال ابن عابدين فى رد المحتار ما نصه مفهومه أنه لا بأس به - أى باتخاذ التابوت للمرأة مطلقا، وبه صرح فى شرح المنية فقال وفى المحيط استحسن مشايخنا التابوت للنساء يعنى ولو لم تكن الأرض رخوة فإنه أقرب إلى الستر والتحرز عن مسها عند الوضع فى القبر .
وبهذا علم أنه على ما جاء فى المحيط من استحسان المشايخ لاتخاذ التابوت للنساء مطلقا يجوز ما تريده المرأة المذكورة بالسؤال .
هذا ما ظهر لنا واللّه سبحانه وتعالى أعلم
 
تلقين الميت

المفتي
عبد المجيد سليم .
جمادى الثانية 1355 هجرية - 16 سبتمبر 1936 م

المبادئ
1 - لا مانع من تلقين الميت عقب .
ولا تشترط شروط فيمن يلقنه غير أنه ينبغى أن يكون ممن يحسن صيغته، وهذا بالنسبة للكبير أما الصبى فلا يلقن لعدم التكليف .
2 - تلقين الميت مستحب عند الشافعية والحنابلة .
ومكروه عند الإمام مالك رضى اللّه عنه

السؤال
جاء من محافظة مصر الكتاب الآتى نحيط فضيلتكم علما أن لائحة جبانات المسلمين بمدينة القاهرة المصدق عليها من وزارة الداخلية فى 4 مارس سنة 1936 نصت بما يأتى (يشترط فيمن يقوم بتلقين الموتى أن يكون حاصلا على إجازة به من لجنة الجبانات إلا إذا كان حائزا لشهادة العالمية أو الأهلية أو الثانوية من أحد المعاهد الدينية) ورأت اللجنة قبل النظر فى تنفيذ ما تقضى به هذه المادة إحالة نظر موضوع التلقين والملقنين على دار الإفتاء لتفتى بما تراه فى هذه الموضوع من الوجهة الشرعية .
فنرجو التكرم بالنظر والإفادة بما يرى

الجواب
اطلعنا على كتاب المحافظة رقم 358 المؤرخ 18 يوليو سنة 1936 المطلوب به أن ننظر موضوع التلقين والملقنين لنفتى بما نراه فيه من الوجهة الشرعية .
ونفيد بأن موضوع الاستفتاء هو التلقين عقب الدفن - وقد أفادت دار الإفتاء محافظة مصر بتاريخ 26 - 11 - 1922 بما قاله علماء الحنفية فى هذا الموضوع، وذلك فى عهد حضرة صاحب الفضيلة المفتى السابق الشيخ عبد الرحمن قراعة، وقد جنح فضيلته إلى عدم المنع من هذا التلقين - تراجع فتواه المذكورة .
ونحن نوافق على ما جنح إليه .
وذهب جماعات من الشافعية إلى استحباب هذا التلقين . فقد جاء فى المجموع للإمام النووى صفحة 303 من الجزء الخامس ما نصه الرابعة قال جماعات من أصحابنا (يعنى الشافعية) يستحب تلقين الميت عقب دفنه ، فيجلس عند رأسه إنسان ويقول يافلان ابن فلان ويا عبد اللّه ابن أمة اللّه اذكر العهد الذى خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الجنة حق وأن النار حق وأن البعث حق وأن الساعة آتية لاريب فيها وأن اللّه يبعث من فى القبور، وأنك رضيت باللّه ربا وبالإسلام دينا .
وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخوانا إلى أن قال ما نصه وسئل الشيخ عمرو ابن الصلاح رحمه اللّه .
عنه فقال التلقين هو الذى نختاره ونعمل به، قال روينا فيه حديثا من حديث أبى أمامة ليس إسناده بالقائم لكن اعتضد بشواهد وبعمل أهل الشام قديما .
هذا كلام أبى عمرو قلت حديث أبى أمامة رواه أبو القاسم الطبرانى فى معجمه بإسناد ضعيف ثم ذكره النووى وقال بعد ذلك قلت، وهذا الحديث وإن كان ضعيفا فيستأنس به .
وقد اتفق علماء المحدثين وغيرهم على المسامحة فى أحاديث الفضائل والترغيب والترهيب وقد اعتضد بشواهد من الأحاديث كحديث واسألوا له التثبيت، ووصية عمرو بن العاص وهما صحيحان سبق بيانهما قريبا ولم يزل أهل الشام على العمل بهذا فى زمن من يقتدى به وإلى الآن، وهذا التلقين إنما هو فى حق المكلف الميت .
أما الصبى فلا يلقن واللّه أعلم انتهت عبارة المجموع ملخصة وقد جاء فى الجزء الخامس من كتاب فتح التبريز شرح الوجيز للأمام الرافعى من الشافعية صفحة 242 ما نصه ويستحب أن يلقن الميت بعد الدفن، فيقال يا عبد اللّه ابن أمة اللّه إلخ وقد استحبه أيضا بعض الحنابلة، كما يتبين هذا من المغنى والشرح الكبير من كتب الحنابلة .
أما مذهب الإمام مالك .
فقد جاء فى شرح الرسالة لأبى الحسن ما نصه وكذا يكره عنده - أى عند مالك - تلقينه بعد وضعه فى قبره - ومما ذكرنا يعلم حكم التلقين عقب الدفن على المذاهب الأربعة .
هذا ولم نجد فى كتب الحنفية ولا فى غيرها اشتراط شىء فيمن يلقن الميت بعد الدفن - لكن الذى يظهر لنا أنه ينبغى أن يكون الملقن ممن يحسن صيغة التلقين ربما ذكرنا علم الجواب عما هو مطلوب الإجابه عنه .
وكتاب المحافظة مرافق لهذا
 
حكم مصاريف التحنيط والنقل

المفتي
عبد المجيد سليم .
محرم 1357 هجرية - 27 مارس 1938 م

المبادئ
لا يلزم تركة المتوفى شىء من مصاريف تحنيطه ونقله

السؤال
توفى شخص عن غير عقب عن ورثته وهم زوجته وأمه وأخوه شقيقه وأخته لأمه فى مركب تجارية، وأنزلت جثته فى ميناء تابعة لدولة غير إسلامية ولكن فيما مسلمين ومقابر للمسلمين .
فهل هناك وجه شرعى لضرورة تحنيط الجثة واستحضارها لدفنها هنا على غير إرادة أخته لأمه وفى حالة التحنيط والإرسال على غير إرادة أخته لأمه هل يلزمها ما يوازى نصيبها فى مصاريف التحنيط والإرسال بقدر نصيبها فى التركة

الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن نصوص الفقهاء تقضى بأنه لا يلزم تركة المتوفى شىء من مصاريف تحنيطه ونقله .
وعلى ذلك فلا يلزم أخت المتوفى لأمه شىء من هذه المصاريف فى نصيبها من التركة وهذا إذا كان الحال كما ذكر بالسؤال واللّه أعلم

 
عدم جواز دفن موتى بهائيين فى مقابر مسلمين لأنهم مرتدون

المفتي
عبد المجيد سليم .
محرم 1358 هجرية - 11 مارس 1939 م

المبادئ
1 - البهائيون بمعتقداتهم ليسوا بمسلمين .
ومن كان منهم فى الأصل مسلما أصبح باعتقاده لمزاعمهم مرتدا وتجرى عليه أحكام المرتد .
2 - لا يجوز شرعا دفن موتاهم فى مقابر المسلمين

السؤال
كتبت وزارة العدل ما نصه أرسلت إلينا وزارة الداخلية مع كتابها رقم 59-539 المرسلة صورته مع هذا كراسة تشتمل على قانون الأحوال الشخصية لجماعة البهائيين، وصورة من كتابها رقم 32 إدارة السابق ارساله منها لهذه الوزارة بتاريخ 30 يونية سنة 1931 طالبة فتوى فضيلتكم بشأن التماس هذه الجماعة تخصيص قطع من الأراضي لدفن موتاهم بها بمصر والاسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية فترسل الأوراق رجاء التفضل بموافاتنا بالفتوى اللازمة لهذا الموضوع لنبعث بها إلى وزارة الداخلية

الجواب
اطلعنا على كتاب سعادتكم رقم 647 المؤرخ 21 فبراير سنة 1939 وعلى الأوراق المرافقة له التى منها كتاب وزارة الداخلية رقم 59-539 المؤرخ 24 يناير سنة 1939 المتضمن طلب الإجابة عما إذا كان يجوز شرعا دفن موتى البهائيين فى جبانات المسلمين أم لا .
ونفيد أن هذه الطائفة ليست من المسلمين - كما يعلم هذا من عرف معتقداتهم، ويكفى فى ذلك الاطلاع على ماسموه قانون الأحوال الشخصية على مقتضى الشريعة البهائية المرافق للأوراق .
ومن كان منهم فى الأصل مسلما أصبح باعتقاده لمزاعم هذه الطائفة مرتدا عن دين الإسلام وخارجا عنه، تجرى عليه أحكام المرتد المقررة فى الدين الإسلامى القويم .
وإذا كانت هذه الطائفة ليست من المسلمين لا يجوز شرعا دفن موتاهم فى مقابر المسلمين سواء منهم من كان فى الأصل مسلما ومن لم يكن كذلك يراجع صفحة 196 وما بعدها من الجزء العاشر من كتاب المبسوط السرخسى وبما ذكرنا علم الجواب عما طلب الإجابة عنه

 
ذات المقبرة وقف وما عليها من مبان ملك

المفتي
عبد المجيد سليم .
رجب 1363 هجرية - 6 يوليو 1944 م

المبادئ
المبادئ: 1 - مبانى حوائط الحوش وما بها من أخشاب وجميع مبانى وأخشاب الحجرات التى تبنى فى الحوش للجلوس ملك لا وقف، وتكون تركة عن بانيها بعد وفاته وكذلك التركيبة .
2 - المبانى التى فى جوف الأرض الخاصة بالقبر نفسه تعتبر وقفا ظاهرا لدلالة بنائها عرفا على وقفها، وإن لم يوجد لفظ يدل على وقفها كالمسجد إذا بناه صاحبه فإنه يصير وقفا بالبناء وإن لم يتلفظ بوقفه .
3 - ما دفع تعويضا للمبانى المعتبرة وقفا تبنى به قبور أخرى، أما ما دفع تعويضا للملك فإنه يكون تركة

السؤال
من عباس حسين قال المرحوم عثمان باشا - وكان مديرا لأسيوط أقام مدفنا بجبانة باب النصر استدعت أعمال المنفعة العامة إدخال أرض هذا المدفن للتخلية حول سور مصر القديم وقدر التعويض عن مبانيه بمبلغ 172 جنيها تقريبا، فما هو الحكم الشرعى فى هذا المبلغ هل يبنى به مدفنا بدل المنتزع ملكيته لنقل الرفات به ولدفن من يموتون من الورثة، وما هو الحكم الشرعى إذا رفض أحد الورثة الاشتراك فى عمل مدفن جديد، فهل يعتبر هذا المبلغ كأنه جزء من التركة يصح توزيعه على الورثة الشرعيين، وفى هذه الحالة أين تنقل الرفات

الجواب
اطلعنا على هذا السؤال .
ونفيد أن مبانى حيطان الحوش والأخشاب التى فيها وجميع مبانى وأخشاب الحجر التى تبنى فى الحوش للجلوس ملك ولا وقف فتعتبر تركة عن بانيها بعد وفاته وتقسم قسمة تركته، وكذلك التركيبة التى يستعملها أهل مصر فوق القبور تعتبر تركة كذلك .
أما المبانى التى فى جوف الأرض الخاصة بالقبور نفسها فالظاهر أنها تعتبر وقفا لدلالة بنائها عرفا على وقفها عرفا وإن لم يوجد لفظ يدل على وقفها كالمسجد إذا بناه صاحبه فإنه يصير وقفا بالبناء وإن لم يتلفظ بوقفه، هذا وما دفع تعويضا للمبانى التى اعتبرت وقفا يبنى به قبور أخرى، أما دفع ثمنا لما قلنا أنه ملك وتركة فيوزع على الورثة على حسب أنصبتهم الشرعية فى تركة البانى المالك لها .
وبهذا علم الجواب عن السؤال واللّه أعلم

 
جواز نقل الميت من بلد غير اسلامى إلى بلد اسلامى

المفتي
حسنين محمد مخلوف .
22 جمادى آخر 1367 هجرية - 1 مايو 1948 م

المبادئ
يجوز إخراج الميت من قبره بعد دفنه لعذر شرعى .
كما إذا كان مدفونا فى أرض مغصوبة ولم يرض مالكها بدفنه فيها .
كما يجوز نقل الميت لمصلحة تتعلق بالحى كتطيب نفسه .
أو بالحى والميت كجريان الماء على القبر .
وبالأولى يرخص فى النقل إذا دفن فى بلد غير إسلامى بين قوم غير مسلمين إلى مقابر فى بلد إسلامى

السؤال
من صاحب السعادة أحمد باشا قال تعلمون فضيلتكم أن امراء الدولة العثمانية هاجروا بعد الانقلاب الأخير فى تركيا، ونزح كل منهم إلى جهة، والسلطان عبد المجيد الثانى آخر خلفاء الدولة العثمانية هو وزوجته السلطانة شاه سوار أقاموا فى الأراضى الفرنسية وتوفوا إلى رحمة اللّه هناك، وحيث إننا تحصلنا على أمر كريم من الحكومة المصرية الموقرة بدفن جثمان الخليفة فى الأراضى المصرية حيث إن جثمانه محنط ولم يدفن للآن تراءى لنا أن تنقل جثمان زوجته السلطانة المغفور لها شاه سوار بعد استخراجها من التراب الذى دفنت فيه .
وحيث إنها كانت على مذهب الإمام أبى حنيفة النعمان رضى اللّه عنه .
فنرجو التكرم بصدور فتوى شرعية عن جواز نقلها لدفنها معه بجواره فى الأراضى المصرية

الجواب
إن الحنفية قد نصوا على أن إخراج الميت من قبره بعد دفنه يجوز لعذر شرعى وهو رعاية حق آدمى، مثل ما إذا دفن فى أرض مغصوبة ولم يرض مالكها بدفنه فيها .
وأجازوا نقله إذا تطرقت إلى القبر رطوبة أو مياه كما فى الفتاوى الهندية آخر كتاب الوقف، وفى حديث جابر الذى أخرجه البخارى فى باب الجنائز دليل على جواز نقل الميت لمصلحة تتعلق بالحى كتطيب نفسه، أو بالحى والميت كجريان الماء على القبر وإذا كان مثل هذه الأعذار قد رخص فيها بنقل الميت من قبره، فبالأولى يرخص فى نقله إذا دفن حين الموت فى بلد غير إسلامى بين قوم غير مسلمين إلى مقابر المسلمين فى بلد إسلامى لما فى ذلك من المصلحة له وللأحياء .
ومن هذا يعلم جواز نقل المغفور لها السلطانة شاه سوار من مقابر فرنسا إلى المقابر الإسلامية بمصر .
واللّه سبحانه وتعالى أعلم

 
ضم عظام الموتى فى المقبرة عند ملئها

المفتي
أحمد هريدى .
التاريخ 6 ديسمبر سنة 1967 م

المبادئ
1 - لا يجوز نبش الموتى بعد دفنهم واهالة التراب عليهم طالت المدة أو قصرت إلا لعذر .
2 - لا يجوز حفر القبر لدفن آخر إلا أن بلى الأول أو وجد بد من دفن هذا الآخر .
3 - يجوز عند الضرورة ضم عظام موتى كل مقبرة فى ناحية منها لاستعمالها فى دفن الموتى الآخرين ويجعل بين الأولين ومن سيوجدون حاجز من التراب

السؤال
من السيد / عيد ح .
بالقاهرة بطلبه المقيد برقم 663 لسنة 1967 المتضمن أنه يملك مقبرة مكونة من عينين أحداهما لدفن الرجال والأخرى لدفن السيدات وأنهما قد امتلأتا بجثث الموتى ولم يبق فيهما مكان لدفن آخرين .
وطلب الافادة عما اذا كان يجوز شرعا أن يحفر حفرة كبيرة فى كل عين ويوارى التراب على العظام ويعود لاستعمال كل عين من جديد أو لا يجوز ذلك

الجواب
المنصوص عليه شرعا أنه لا يجوز نبش الموتى بعد دفنهم واهالة التراب عليهم لمدة طويلة ولا قصيرة إلا لعذر .
ولا يحفر فبر لدفن آخر إلا أن بلى الأول فلم يبق له عظم الا أن يوجد بد .
فيضم عظام الأول ويجعل بينهما حاجز من التراب .
وعلى ذلك يجوز للسائل أن يضم عظام موتى كل مقبرة فى ناحية منها ويعود لاستعمالها فى دفن الموتى الآخرين .
وذلك بشرط أن يجعل بين الأولين ومن سيوجدون حاجزا من التراب بشرط وجود ضرورة لذلك كما سبق بيانه والله سبحانه وتعالى أعلم

 
البناء على القبر والجلوس عليه

المفتي
عبد اللطيف حمزة .
صفر سنة 1403 هجرية - 23 نوفمبر سنة 1982 م

المبادئ
البناء على القبر والقعود والمشى عليه منهى عنه شرعا

السؤال
من الأستاذ / شاهين ع .
رئيس الادارة المركزية للشئون المالية بوزارة العدل بطلبه المقيد برقم 242 لسنة 1982 م المتضمن أن جده أقام مسجدا بمدينة منوف وأقام بجواره مقبرة أوصى بأن يدفن فيها هو وزوجته وأولاده قد تم تنفيذ وصيته حيث توفى هو وزوجته وأولاده الذكور الثلاثة .
وقد رأى أهل الخير - أن تسغتل هذه المقبرة - والتى تقع فى وسط المدينة - فى اقامة مدرسة لتحفيظ القرآن - ويريد استطلاع الرأى فى الآتى 1 - هل يجوز شرعا استخدام الحيز المكانى للمقبرة وتحويله إلى مدرسة لتحفيظ القرآن .
2 - هل يجوز أن توضع صبة من الخرسانة فوق المقبرة بعد ازالة الشاهد المقام فوقها وتبليطها والجلوس بعد ذلك فوق المقبرة من الراغبين فى حفظ القرآن وتلاوته .
3 - هل هناك رأى آخر أكثر صلاحية من الناحية الشرعية فى هذا الخصوص

الجواب
لقد وردت أحاديث كثيرة متواترة تمنع البناء على القبر والقعود والمشى عليه والصلاة اليه وعليه فقد روى أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى ان يبنى على القبور أو يقعد عليها أو يصلى عليها .
وروى ابن ماجه النهى عن البناء عليها فقط ( ص 61 ج - 3 ) مجمع الزوائد وص 244 ج - 1 ابن ماجه ) .
كما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه حتى تخلص الى جلده خير له من ان يجلس على قبر ) أخرجه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائى وابن ماجه - وقد ورد عن عقبة بن عامر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه سلم قال ( لأن أمشى على جمرة أو سيف أو أخصف نعلى برجلى أحب فى من أن أمشى على قبل مسلم ) .
من هذه الأحاديث غيرها يتبين النهى عن البناء على القبول - سواء كان هذا البناء متعلقا بالميت كالقبة أو بالحى كحجرة أو مدرسة أو خباء أو مسجد أو بيوت للاستراحة فيها عند الزيارة وغيرها .
أو ما كان على نفس القبر ليرتفع من أن يوطأ كما يفعله كثير من الناس - وقد حمله الأئمة على الكراهة اذا لم يقصد به الزينة والتفاخر والا كان حراما .
( الفتح الربانى مسند الامام أحمد ج - 8 ص 84 ) وعلى ذلك - وطبقا لما ذكر لا يجوز للسائل أن يحول مكان المقبرة إلى مدرسة لتحفيظ القرآن أو أن يبنى فوقها مكانا ليجلس عليه من يرغب فى حفظ القرآن وتلاوته .
ومما ذكر يعلم الجواب عن السؤال والله أعلم
 
صلاة الجنازة وأين يقف المصلى من جثمان الميت

المفتي
عبد اللطيف حمزة .
جمادى الآخرة سنة 1403 هجرية - 10 ابريل سنة 1983 م

المبادئ
1 - لصلاة الجنازة فضل عظيم وثواب جزيل للمصلين وللمصلى عليه .
2 - يقوم المصلى بحذاء صدر الميت أماما كان أو منفردا ذكرا كان الميت أو أنثى

السؤال
من السيد / ابراهيم بطلبه المقيد برقم 57 لسنة 1983 م المتضمن سؤاله عن صفة صلاة الجنازة وأين يقف المصلى من جثمان الميت وهل هناك فرق بين ما اذا كان الميت ذكرا أو انثى

الجواب
ان لصلاة الجنازة فضلا عظيما وثوابا جزيلا للمصلين وللمصلى عليه فقد ورد فى فضلها ( عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أحاديث كثيرة منها ما روى عن أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من أتبع جنازة مسلم ايمانا واحتسابا وكان معه حتى يصلى عليها ويفرغ من دفنها فانه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى عليها ثم رجع قبل أن تدفن فانه يرجع بقيراط .
أخرجه البخارى والنسائى ( انظر ص 80 ج 1 فتح البارى ) - والحديث كناية عن الأجر العظيم الذى يحصل للمصلى على الجنازة أما ما يحصل للميت فقد جاء فى حديث مرشد بن عبد الله الزينى عن مالك بن هبيرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( ما من مؤمن يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب ) أى أوجب اصطفافهم المغفرة أو الجنة للميت .
وفى رواية أحمد الا غفر له .
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه الترمذى وحسنه ( انظر ص 201 ج 7 الفتح الربانى ) أما عن صفة صلاة الجنازة وموقف المصلى منها فقد قال الحنفية صفة صلاة الجنازة أن يقوم المصلى بحذاء صدر الميت ثم ينوى أداء فريضة صلاة الجنازة عبادة لله تعالى إلخ وهو المشهود فى مذهب الحنفية فالسنة عندهم وقوف المصلى أمام كان أو منفردا حذائى صدر الميت ذكرا كان أو أنثى وذلك لقول سمرة بن جندب صليت وراء النبى صلى الله عليه وسلم على امرأة ماتت فى نفاسها فقام عليها للصلاة وسطها .
أخرجه السبعة والبيهقى ( انظر ص 312 ج 1 بدائع الصنائع ) ( ووجهه ) أن الصدر هو وسط البدن لأن الرجلين والرأس من الأطراف والبدن من العجيزة إلى الرقبة فكان وسطه الصدر والقيام بحذاء الوسط أولى ليستوى الجانبان فى الحظ من الصلاة ولأن القلب معدن العلم والحكمة فالوقف بحياله أولى وهذا هو ما نميل اليه لظهوره وقوة أدلته - ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم - والله الموفق والهادى سواء السبيل، والله سبحانه وتعالى أعلم

 
زيارة القبور وبناؤها بالطوب الأحمر والمسلح

المفتي
عبد اللطيف حمزة .
ربيع الآخرة سنة 1405 هجرية - 12 يناير 1985 م

المبادئ
1 - زيارة القبور مندوبة للرجال والنساء للعظة والاعتبار بشرط أمن الفتنة عند خروج النساء وعدم اشتمال زيارتهن على ما حرم الله .
2 - الموتى ينتفعون بالدعاء والاستغفار لهم من الزائرين ويأتنسون بهم .
3 - أحياء ذكرى الموتى لا سند لها فى الشريعة ولا هى من عمل الصحابة ولا من المأثور عن التابعين .
4 - لا حرمة فى بناء القبور بالطوب الأحمر والمسلح لأنه أكثر صيانة للميت

السؤال
من السيد / عيد بطلبه المقيد برقم 229 لسنة 1984 م المتضمن استفساره عما يأتى : 1 - ما رأى الدين فى زيارة الموتى وهل صحيح أن الميت يشعر بوجود زائريه ويعرفهم .
2 - ما رأى الدين فيمن توفى وأوصى بعدم اقامة سرادق له وبعدم قراءة القرآن والسبوع الخمسة عشر يوما والأربعين .
3 - ما رأى الدين فى بناء المقابر بالطوب الأحمر والدبش والمسلح

الجواب
أما عن زيارة القبور فهى مندوبة للرجال والنساء للعظة والاعتبار بجلال الموت وحال من كانوا أحياء ثم صاروا ترابا فترق القلوب وتتدارك النفوس ما فاتها من الخير - فضلا عن أن الموتى ينتفعون بالدعاء والاستغفار لهم والسلام والترحم عليهم من الزائرين ويأتنسون بهم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فانها تذكركم الآخرة ) رواه مسلم والترمذى .
والخطبا للرجال ويشمل النساء لأنهن اشد حاجة إلى العظة والاعتبار هذا بشرط أمن الفتنة من خروجهن وعدم اشتمال زيارتهن على ما حرم الله وكان صلى الله عليه وسلم يزور أهل البقيع مرارا ويسم عليهم ويدعو لهم .
وقال ابن القيم ان الأحاديث والآثار تدل على أن الزائر متى جاء علم به المزور من الأموات وسمع سلامه ورد عليه وأنس به ويشهد لذلك ما جاء فى الصحيحين عن أبى طلحة قال لما كان يوم بدر وظهر الرسول على مشركى قريش أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ببضعه وعشرين من صناديدهم فألقوا فى القليب ونادى الرسول على بعضهم باسمائهم ( أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فانى وجدت ما وعد ربى حقا ) فقال عمر رضى الله عنه يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( والذى نفسى بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) وأخرج ابن عبد البر بأسناد صحيح عن ابن عباس مرفوعا .
( ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه فى الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه ) .
يتضح مما سبق أن الموتى يسمعون ويجيبون فى قبورهم ويعرفون من كانوا يعرفونه فى الدنيا اذا زارهم .
أما من توفى وأوصى بعدم اقامة سرادق له واحياء ذكراه فى الخمسين والأربعين وذبح ذبيحة خاصة بالميت الخ - فنفيد بأن كل هذه الأمور لا سند لشئ منها فى الشريعة الغراء ولا هى من عمل الصحابة ولا من المأثور عن التابعين وانما هى أمور مستحدثة ومبتدعة وفيها من المضار ما يوجب النهى عنها وفيها اضاعة للمال فى غير وجوهه المشروعة، وقد يكون أهل الميت أحوج اليها فضلا عن أن فى احياء الذكرى ( الخمسين والأربعين والذكرى السنوية ) تكرارا للعزاء وتجديدا للأحزان وهو غير مشروع .
لأن التعزية مرة واحدة كما ورد فضلا عن أن هذه الأمور المبتدعة لا ينال الميت منها رحمة أو مثوبة اللهم الا قراءة القرآن من مقرئ مخلص يتقى الله ولايغالى فى أجر قراءته ويهب ثواب القراءة لروح الميت والتصدق على روح الميت فان ذلك ينفعه باذن الله .
أما ما يفعل بقصد السمعة والتفاخر فليس من الإسلام فى شئ .
ونرى وجوب تنفيذ وصية الميت لأنها إيصاء بتنيذ شرع الله .
أما عن بناء المقابر بالطوب الأحمر والدبش والمسلح فاننا نرى أنه لا حرمة فى ذلك لأنه أكثر صيانة للميت من عبث العابثين أو من نبش سبع ونحوه بشرط عدم الاسراف والمغالاة فى بناء القبور والمتفاخر والمباهاة لأنها ليست سبيلا لذلك وكفى بالموت واعظا .
هذا وبالله التوفيق . والله سبحانه وتعالى أعلم
 
دفن الموتى فى ساحات ملاصقة للدور للتبرك بهم

المفتي
عبد اللطيف حمزة .
جمادى الأولى 1405 هجرية - 27 يناير 1985 م

المبادئ
1 - الدفن فى اللحد أفضل من الشق إلا أن تكون الأرض رخوة .
2 - يكره دفن الميت ولو صغيرا فى المنزل لأن هذا خاص بالأنبياء والأفضل دفن الأموات فى المقابر المعدة لذلك

السؤال
من السيد / سيد بطلبه المقيد برقم 261 لسنة 1984 م المتضمن بيان الحكم الشرعى فيمن يدفنون موتاهم فى ساحتهم الملاصقة لدورهم التى يسكنون فيها من جميع النواحى ليتبارك الناس بموتاهم

الجواب
قال تعالى { قتل الإنسان ما أكفره .
من أى شىء خلقه . من نطفة خلقه فقدره .
ثم السبيل يسره . ثم أماته فأقبره } عبس 17 - 21 ، من مفهوم هذه الآيات الكريمة يتبين أن أقبر الانسان أى دفنه فى القبر من تكريم الله له ومن نعم الله عليه ، وأقل القبر حفرة توارى الميت وتمنع بعد ردمها ظهور رائحة منه تؤذى الأحياء ولا يتمكن من نبشها سبع ونحوه وأكمل القبر اللحد وهو حفرة فى جانب القبر جهة القبلة يوضع فيها الميت وتجعل كالبيت المسقف ينصب اللبن عليه ( البن هو الطوب النئ ) والدفن فى اللحد مستحب بالاجماع لقول عائشة رضى الله علينها ( لما مات النبى صلى الله عليه وسلم اختلفوا فى اللحد والق حتى تكلموا فى ذلك وارتفعت أصواتهم فقال عمر لا تصخبوا عند النبى صلى الله عليه وسلم حيا ولا ميتا فأرسلوا إلى الشقاق واللاحق جميعا فجاء اللاحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دفن ) أخرجه ابن ماجه بسند صحيح ورجاله ثقات وأحاديث أخرى دلت على أن الدفن فى اللحد أفضل من الشق إلا أن تكون الأرض رخوة لينة يخاف منها انهيار اللحد فيصار إلى الشق وهو حفرة مستطيلة فى وسط القبر وتبنى جوانبها باللبن أو غيره يوضع فيها الميت ويسقف عليه باللبن والخشب أو غيرهما ويرفع السقف قليلا بحيث لا يمس الميت، أما اذا كانت الأرض صلبة فالدفن فى الشق مكروه ويكره عند الحنفيين دفن الميت ولو صغيرا فى المنزل لأن هذا خاص بالأنبياء والدفن فى المقبرة المعدة للدفن أفضل لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يدفن الموتى بالبقيع وهو مكان مخصص لدفن الموتى وورد أن النبى صلى الله عليه وسلم دفن أصحابه فى المقبرة فكان الاقتداء بفعله أولى، أما الدفن فى المنزل أو الدار فهذا خاص بالأنبياء لقول أبى بكر من حديث ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( ما قبض نبى الا دفن حيث يقبض ) وقد وافق على كرم الله وجهه الصديق على ذلك وقال أنا سمعته أيضا .
وعلى ذلك نرى أن الأفضل والأولى على ذلك وقال أنا سمعته أيضا .
وعلى ذلك نرى ان الأفضل والأولى دفن الأموات فى المقابر المعدة لذلك وفى المكان المخصص للمقابر اقتداء بفعل النبى صلى الله عليه وسلم، والله سبحانه وتعالى أعلم

 
أحياء ذكرى الميت وزيارة القبور ومدة الحداد

المفتي
محمد مجاهد .
ربيع الأول 1406 هجرية - 2 ديسمبر 1985 م

المبادئ
1 - الأخمسة وذكرى الأربعين والذكرى السنوية للميت أمور غير مشروعة وفيها تجديد للحزن وضياع للمال ولا ينال الميت منها مثوبة أو رحمة .
2 - التعزية مرة واحدة وتكون عند التشييع أو عند المقابلة الأولى لمن لم يحضره .
3 - ينتفع الميت بما كان سببا فيه من أعمال البر فى حياته كما ينتفع بأعمال غيره اذا دعا واستغفر له وصديق عليه .
4 - زيارة القبور مستحبة للعظة والاعتبار ومحرمة على النساء اذا لم يؤمن منها الفتنة أو اشتملت على محرم .
5 - الاحداد يكون بترك الزينة ولمدة ثلاثة أيام على من مات من الأقارب وأن كان الميت زوجا حد عليه من زوجته أربعة أشهر وعشرة أيام

السؤال
من السيد / عبد المنعم بطلبه المقيد برقم 230 لسنة 1985 م المتضمن استفساره عن الحكم الشرعى فيما يقوم به أهل الميت من عمل أخمسة - وذكرى الأربعين - والذكرى السنوية وزيارة القبور فى أول رجب ونصف شعبان والأعياد والمواسم وغير ذلك وتوزيع المأكولات واستئجار مقرئين على القبور ولبس ملابس الحداد لفترات طويلة .
وما هى الطريقة الشرعية التى تتبع حيال الميت لينال الثواب وما هى مدة الحداد لأفراد أسرة الميت

الجواب
ان الناس قد اعتادوا أمور كثيرة فى المآتم وغيرها .
ولم يعتمدوا فى أكثرها إلا على مجرد الاستحسان الشخصى أو الطائفى - وأخذت هذه العادات تنتقل من جيل إلى جيل حتى عمت وصارت تقاليد يأخذها حاضر الناس عن ماضهيم ناظرين اليها الى أنها سنة الآباء والأجداد ولم يجدوا من ينكر المنكر منها عليهم ولعلها وجدت من يبيحها أو يستحسنها ويقويها - ففعلها واعتادها غير المتفقين وسايرهم فيها المتفقهون واحتملوا اثمها واثم من ابتكرها وفعلها إلى يوم الدين .
وجاء الإسلام وللناس عادات بعضها حسن طيب مفيد فأقرها وبضها سئ خبيث ضار فأنكرها وحاربها وألغاها وهذا هو شأن الإسلام فى كل ما جد ويجد فى ظله من عادات .
الحسن يقره ويسميه . ( سنة حسنة ) وجعل لمن سنها أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة والسئ يدفعه وينكره ويسميه ( سنة سيئة ) وجعل على من سنها وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة .
وان ما يقوم به أهل الميت من خميس صغير وكبير وذكرى الأربعين والذكرى السنوية للمتوفى والخروج للمقابر فى المواسم والأعياد كل ذلك من البدع المذمومة التى لا أصل لها ولا سند لها فى الشرع الإسلامى لا فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا فى عهد الصحابة رضوان اله عليهم ولم يؤثر عن التابعين وهذه أمور مستحدثة منذ عهد قريب وفيها من المضار ما يوجب النهى عنها .
من ضياع للأموال فى غير وجهها المشروع وربما كان أهل الميت فى حاجة ماسة اليه وفيه مع ذلك تجديد للأحزان وتكرار للعزاء وهو أمر غير مشروع لحديث ( التعزية مرة ) وتكون عند التشييع أو عند المقابلة الأولى لمن لم يحضر التشييع .
لهذا نهيب بالمسلمين أن يقلعوا عن هذه العادات الذميمة التى لا ينال الميت منها رحمة أو مثوبة ولا ينال الحى منها سوى المضرة فليس لذلك أساس فى الدين ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) أما ما ينبغى عمله لأجل الميت فمن المتفق عليه ان الميت ينتفع بما كان سببا فيه من أعمال البر فى حياته .
قال صلى الله عليه وسلم ( اذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ) وكذلك يلحقه ثواب مصحف ورثه أو مسجد بناه، أو بيت بناه لابن السبيل أو صدقة أخرجها من ماله فى صحته .
وكذا ينتفع بأعمال غيره اذا دعا له واستغفر - والصدقة عليه كمساعدة المحتاج واطعام الجوعان وارواء الظمآن لكل ذلك ثواب يصل إلى الميت لمدة ثلاثة أيام بلياليها من الوفاة على من مات من الأقارب ويحرم بعد ذلك .
ما لم يكن الميت زوجا فان امرأته تحد عليه أربعة أشهر وعشرة أيام وجوبا لقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاثة أيام إلا على زوجها فانها تحد أربعة أشهر وعشرا ) .
والله سبحانه وتعالى أعلم
 
صلاة الجنازة

المفتي
محمد مجاهد .
رجب 1406 هجرية - 19 مارس 1986 م

المبادئ
1 - صلاة الجنازة فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين .
وأن لم يقم به أحد أثم الجميع . 2 - من لم يصل عليه قبل دفنه صلى عليه فى قبره

السؤال
من السيد / محمود منصور بطلبه المقيد برقم 276 لسنة 1980 والمتضمن أن المسلمين فى بلدتهم يدفنون موتاهم دون أن يصلوا عليهم صلاة الجنازة بحجة استعجال أهل الميت والحانوتى - وبعد يومين أو ثلاثة يكلفون أيا منهم ليصلى على القبر .
فما حكم ذلك شرعا

الجواب
من المتفق عليه أن صلاة الجنازة فرض كفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين - وان لم يوجد سوى مسلم واحد تعينت عليه وأصبحت فرض عين يأثم بتركه - وان لم يقم بها أحد من المسلمين أثموا جميعا .
والمطلوب فى صلاة الجنازة النية وأربع تكبيرات ، والقيام فيها من أولها التى آخرها مع استقبال القبلة، والطهارة، وستر العورة والدعاء للميت بالرحمة والمغفرة وختمها بالسلام وهى من قبيل الدعاء للميت أمر الله بها نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم فقال تعالى { وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم } أى راحة وطمأنينة ورحمة وقال صلى الله عليه وسلم عندما مر بالبقيع فرأى قبرا جديدا فسأل عنه فقيل .
فلانة ، فعرفها فقال ألا آذنتمونى بها ( أى أخبرتمونى بموتها ) قالوا كنت قائلا من القيلولة وهى النوم ظهرا صائما فكر هنا أن نؤذيك .
فقال صلى الله عليه وسلم ( لا تفعلوا لا يموتن فيكم ميت ما كنت بين أظهركم إلا آذنتمونى به فان صلاتى عليه رحمة .
ثم أتى القبر وصف المسلمين خلفه وكبر عليه أربعا ) رواه أحمد والنسائى والبيهقى وابن حيان وصححاه عن زيد بن ثابت .
وقال صلى الله عليه سلم ( اذا صليتم على الميت فاخلصوا له الدعاء ) .
ويسن أن يصلى على الميت جماعة ثلاث صفوف لقوله صلى الله عليه وسلم ( ما من مؤمن يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف الا أوجب ) أى أوجب اصطفافهم المغفرة أو الجنة للميت، وفى رواية أحمد إلا غفر له .
فكان مالك اذا استقبل أهل الجنازة جزاهم ثلاثة صفوف .
أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقى والحاكم وصححه والترمذى وحسنه .
ولصلاة الجنازة فضل عظيم وثواب كبير كما أشارت بذلك الأحاديث الشريفة والوارد منها ما رواه الجماعة عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال ( من تبع جنازة وصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرع فله قيراطان اصغرهما مثل أحد ) واحد جبل عظيم بمكة .
والوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين أن صلاة الجنازة على الميت عقب تكفينه وقبل دفنه واستقر الأمر على ذلك فيجب علينا أن نلتزم بذلك .
إلا اذا وجد عذر يحول دون الصلاة قبل الدفن ففى هذه الحالة تجز صلاة الجنازة صلاة الجنازة على الميت فى مقبرته ويصلى عليه ولو بعد سنوات لما ورد أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى على شهداء أحد بعد ثمانى سنوات .
وما ورد فى السؤال من أن العلة فى دفن الميت قبل الصلاة عليه استعجال أهله والحانوتى فليس عذرا مقبولا ولا معقولا .
والله سبحانه وتعالى أعلم
 
تقبل العزاء فى المبنى الملحق المسجد

المفتي
محمد مجاهد .
ذو القعدة 1406 هجرية - 20 يوليه 1986 م

المبادئ
1 - التعزية لصاحب المصيبة مندوبة ووقتها من حين الموت إلى ثلاثة أيام .
2 - لا بأس بالجلوس للتعزية فى غير المسجد ويكره فيه .
3 - المبنى الملحق بالمسجد يكون مسجدا بمجرد القول وأن لم يصل فيه ويأخذ حكم المسجد

السؤال
من الشيخ / أحمد بطلبه المقيد برقم 224 لسنة 1985 المتضمن أن أهالى قريته قد ساهموا وأقاموا مبنى ملحقا بمسجد القرية .
قاصدين بذلك توسعة هذا المسجد . وقد جعلوا لهذا المبنى الملحق بابين يصلانه بالمسجد .
يمكن فتحهما وغلقهما حسبما شاؤا .
كما جعلوا له بابا ثالثا للخارج وأضاف السائل قائلا ان مبنى المسجد الأساسى يسع المصلين فى جميع الأوقاف .
ما عدا صلاة الجمعة والعيدين فانه لا يسعهم . ولذا يستعينون بالمبنى الملحق عند أدائهم لتلك الصلوات وانه قد توفى أحد أهالى تلك القرية .
وترك صغارا . ولم يترك لهم ميراثا .
وليس لديهم من المال ما يمكنهم من اقامة سرادق لتقبل العزاء لهذا المتوفى ويريدون تقبل العزاء بالمكان الملحق بالمسجد .
رأفة بأبناء المتوفى الصغار . وأن هناك حالات كثيرة تمر بنفس الظروف .
وطلب السائل . معرفة الحكم الشرعى فى أنهم لو سلكوا هذا المسلك .
وأقاموا ليالى العزاء - نظرا لظروفهم المادية - فى المبنى الملحق بالمسجد - والذى تتلى فيه آيات القرآن الكريم فى تلك الليالى .
هل يكون فى ذلك مساس لحرمة المسجد .
أو مساس لدينهم أم لا

الجواب
اقامة المآتم ليلة فأكثر على الوجه المعروف من نصب السرادقات والانفاق عليها بما يظهر بهجتها هى قطعا اسراف محرم بنص القرآن الكريم .
لأن فيها إضاعة الأموال فى غير وجهها الشرعى فى حين أن الميت كثيرا ما يكون عليه ديون أو حقوق لله تعالى لا تتسع موارده للوفاء بها مع تكاليف هذا المأتم .
وقد يكون الورثة فى أشد الحاجة إلى هذه الأموال .
وكثيرا ما يكون فى الورثة قصر يلحقهم الضرر بتبديد أموالهم فى اقامة هذا المأتم .
ولم تكن التعزية عند مسلمى العصور الأولى إلا عند التشييع أو عند المقابلة الأولى لمن لم يحضر التشييع .
ففى زاد المعاد ما نصه وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت .
ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء . لا عند قبره ولا غيره .
وكل هذا بدعة حادثة مكروهة . وكان من هديه السكون والرضا لقضاء الله والحمد لله والاسترجاع .
وكان من هديه أن أهل الميت لا يتكلفون الطعام للناس .
بل أمر أني ضع الناس لهم طعاما يرسلونه اليهم .
وهذا من أعظم مكارم الأخلاق . وفى فقه المذاهب الأربعة .
الطبعة السادسة ما نصه التعزية لصاحب المصيبة مندوبة .
ووقتها من حين الموت إلى ثلاثة ايام . وتكره بعد ذلك إلا إذا كان المعزى غائبا فانها لا تكره حينئذ بعد ثلاثة أيام إلى أن قال ويكره لأهل المصيبة أن يجلسوا لقبول العزاء سواء أكان فى المنزل أم فى غيره .
أما الجلوس على قارعة الطريق وفرش البسط ونحوها مما اعتاد الناس فعله فهو بدعة منهى عنها .
ويقول الحنفية ان الجلوس للتعزية خلاف الأولى .
والأولى أن يتفرق الناس بعد الدفن . ويكره الجلوس فى المسجد ) انتهى - وفى الدر المختار وحاشيته ج 1 ص 842 وهو من كتب فقه الأحناف - ولا بأس بالجلوس لها - أى للتعزية - فى غير المسجد .
أما فى المسجد فيكره . كما فى البحر عن المجتبى وجزم به شرح المنية - انتهى - وعلق ابن عابدين فى حاشيته على قول صاحب الدر هذا ان استعمال لا بأس هنا على حقيقته .
لأنه أى الجلوس للتعزية خلاف الأولى كما صرح به فى شرح المنية - انتهى - ويقول ابن عابدين فى نفس الصحيفة من هذا المرجع نقلا عن غيره ما نصه ( وفى الامداد .
وقال كثير من متأخيرى أئمتنا . يكره الاجتماع عند صاحب البيت ويكره له الجلوس فى بيته حتى يأتى اليه من يعزى بل اذا فرع ورجع الناس من الدفن فليتفرقوا .
ويشتغل الناس بأمورهم وصاحب البيت بأمره ا ه قلت - أى قال ابن عابدين - وهل تنتفى الكراهة بالجلوس فى المسجد وقراءة القرآن حتى اذا فرغوا قام ولى الميت وعزاه الناس كما يفعل فى زماننا .
الظاهر . لا لكون الجلوس مقصودا للتعزية لا للقراءة ولا سيما اذا كان هذا الاجتماع والجلوس فى المقبرة فوق القبور المدثورة .
ولا حول ولا قوة إلا بالله - انتهى قول ابن عابدين . هذا وتتمة للموضع نقول ان تمام المسجدية على ما قاله ابن عابدين فى رد المحتار .
يكون بالقول على المفتى به . أو بالصلاة فيه على قولهما .
ويريد بالمفتى به مذهب الامام أبى يوسف الذى لا يشترط فى تمام المسجدية للصلاة فى المسجد بعد الاذن من بانيه .
بل يكون مسجدا بمجرد القول بأن يقول - جعلته مسجدا - وان لم يصل فيه .
والمفهوم من كلامهم أنه لا يلزم هذا القول بل بناؤه على صورة المساجد كاف عند أبى يوسف فى تمام مسجديته .
لأن هذا البناء فعل منبئ عرفا بجعله مسجدا . الفتاوى الإسلامية الصادرة من دار الافتاء، المجلد الحادى عشر ص 3965 وبناء على ما تقدم يكون المبنى الملحق بالمسجد قد تمت مسجديته قولا وفعلا حيث كان القصد من بنائه هو توسعة المسجد الأساسى حسبما جاء بالسؤال وقد صلى الناس فيه فعلا .
وبذا يكون الجلوس فيه للتعزية مكروها شرعا .
وفق الله المسلمين لما يحب ويرضى .
والله أعلم

 
القصاص بالشنق جائز شرعا

المفتي
عبد المجيد سليم .
شعبان 1356 هجرية 31/10/1937 م

المبادئ
1 - اختلف العلماء فى كيفية استيفاء القود .
فذهب الكثير منهم إلى أنه يقتل بمثل ما قتل به القتيل إلا إذا كان قد قتله بمحرم كإيجاره الخمر فلا يجوز ذلك .
لما جاء بالفتوى من أدلة قرآنية وأحاديث نبوية .
وذهب علماء الكوفة ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن القصاص لا يكون إلا بالسيف لحديث لا قود إلا بالسيف وغيره .
2 - الظاهر من مذهب الحنفية هو عدم إرادة منع الاستيفاء بغير السيف إذا كان غيره أسهل وأيسر فى إزهاق الروح .
3 - إذا كان الاستيفاء بغير السيف أيسر وأسرع، فإنه يجوز الاستيفاء به بدلالة نص الحديث (لا قود إلا بالسيف إذا كان غيره مثله فى يسر وسرعة إزهاق الروح، ولأن العلة فى كون القصاص بالسيف هى أن القتل به أيسر وأسهل .
فإذا وجد نوع من القتل بطريقة لم تكن معهودة وكانت أسرع فى إزهاق الروح، فالظاهر أنه يجوز بها .
بدلالة نص الحديث . 4 - إذا كان القتل بالمشنقة أسرع وأسهل من القتل بالسيف جاز ذلك

السؤال
من حضرة سكرتير مجلس ولاية بهويال بالهند والى محمد بما ترجمته حسبما ورد من وزارة الحقانية بكتابها رقم 5007 46 21 6 فى 24 أكتوبر سنة 1937 .
سيدى العزيز تحية واحتراما وبعد فإن عقوبة الإعدام تنفذ فيمن يحكم عليهم بها فى الولايات الإسلامية الهامة فى الهند مثل بهويال وحيدر اباد ونوتسك وخير بور وغيرها على أنها قصاص .
وذلك بمباشرة فصل الرأس عن الجسم بترا بالسيف .
ويرى بعضهم أن هذه الطريقة فيها شىء من القسوة . ويقترحون استبدالها بطريقة الإعدام شنقا .
ولكن أئمة الدين الإسلامى وعلماءه يخالفونهم فى الرأى ويرون التمسك بالطريقة المعمول بها قديما وهى استخدام السيف فى فصل الرأس عن الجسم عند إعدام المحكوم عليه .
فحبذا لو تكرمتم بإفادتى بما هو متبع فى مصر وتركيا وإيران وتونس ومراكش وبما يراه المبرزون من رجال الدين بمصر فى هذه النقطة .
وإننى أستميحكم العذر وأرجو أن تتفضلوا بقبول شكرى سلفا مع عظيم احتراماتى

الجواب
اطلعنا على الترجمة العربية لكتاب حضرة سكرتير مجلس ولاية بهويال بالهند المؤرخ 18 أغسطس سنة 1937 الوارد إلينا مع كتاب وزارة الحقانية رقم 5007 المؤرخ 24 أكتوبر سنة 1937 بشأن الاستفتاء عن تنفيذ القصاص بغير السيف .
ونفيد أن علماء المسلمين قد اختلفوا فى كيفية استيفاء القود .
فذهب كثير من العلماء إلى أنه يقتل القاتل بمثل ما قتل به المقتول إلا إذا كان قتله بشىء محرم شرعا كإيجاره الخمر فإنه لا يجوز أن يقتل بذلك .
وقد استدلوا على مذهبهم بظاهر قوله تعالى { ولكم فى القصاص حياة } البقرة 179 ، فإن كلمة القصاص تنبئ عن معنى المماثلة والمساواة وبقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين } النحل 126 ، وبقوله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } البقرة 194 ، وبقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } الشورى 40 ، وبما رواه الجماعة غير أنس أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا فلان أو فلان حتى سمى اليهودى فأومأت برأسها فجئ به فاعترف فأمر به النبى صلى اللّه عليه وسلم فرض رأسه بحجرين وبما أخرجه البيهقى والزار عنه صلى اللّه عليه وسلم ت من حديث البراء وفيه ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه فدلت ظواهر الآيات الكريمة وما ورد من الأحاديث على أنه يثبت لولى القتيل حق استيفاء القود بمثل ما قتل به المقتول .
وذهب علماء الكوفة ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن القصاص لا يكون إلا بالسيف .
واستدلوا بما روى عنه صلى اللّه عليه وسلم من قوله لا قود إلا بالسيف وهذا الحديث قد روى من طرق يقوى بعضها بعضا فيكون حسنا يقبل الإثبات به .
وقد بين الشيخ علاء الدين الماردينى الشهير بابن التركمانى فى كتابه الجوهر النقى طرقه ، ثم قال فهذا الحديث قد روى من وجوه كثيرة يشهد بعضها لبعض فأقل أحواله أن يكون حسنا فلا يضر حينئذ تضعيف بعض المحدثين لسند هذا الحديث .
وبما روى عنه صلى اللّه عليه وسلم من قوله إن اللّه عز وجل كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته فأمر النبى صلى اللّه عليه وسلم فى هذا الحديث بأن يحسنوا القتلة وإحسان القتلة لا يكون بغير ضرب العنق بالسيف، كما أمر أن يريحوا ما أحل اللّه ذبحه من الأنعام .
فما الظن بالآدمى المكرم المحترم . وقد أجابوا عن ظواهر الآيات الكريمة بأن المراد بالمثلية فيها هو المثلية فى مجرد إزهاق الروح، ولا تتناول الآلة لأن استعمال غير السيف يؤدى إلى الاعتداء المنهى عنه فى غير مآربه .
فإذا قتل شخص آخر بالضرب مثلا فمات بضربتين واستوفينا القصاص بالضرب أيضا وضرب القاتل حتى مات فجاز ألا يموت إلا بأكثر من ضربتين .
وفى ذلك مجاوزة للحد .
ولو ضربناه ضربتين وقتلناه بالسيف كان فى ذلك مجاوزة للحد .
ولو ضربناه ضربتين وقتلناه بالسيف كان فى ذلك مجاوزة للحد أيضا، وأجابوا عن حديث اليهودى الذى رض رأسه بأنه يحتمل وجهين أحدهما أن يكون هذا الرض كان مشروعا ثم نسخ، كما نسخت المثلة بالنهى عنها .
الثانى أن يكون اليهودى ممن سعى فى الأرض بالفساد فيقتل كما رآه الإمام ليكون أردع وهذا هو الظاهر .
فإن قصد اليهودى كان أخذ المال .
فقد روى عن أنس ابن مالك رضى اللّه عنه أنه قال عدا يهودى على جارية فأخذ أوضاحا حليا كانت عليها، فيكون القتل على هذا ليس من باب القصاص الذى نحن بصدده وأما حديث ومن حرق حرقناه إلخ فقال البيهقى إن فى إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد فى خطبته .
قال الحنفية إن الثابت حينئذ من الآيات ومن السنة هو إتلاف نفس القاتل بأيسر الوجوه وأوحاها أى أسرعها وليس ذلك إلا بالسيف .
فلا يجوز استيفاء القصاص بالتحريق والتغريق والرضخ وما جرى مجرى ذلك .
هذه خلاصة أقوال فقهاء المسلمين فى هذا الموضوع . والذى يظهر لنا أن الحنفية ومن قال بمقالتهم لا يريدون إلا أنه لا يجوز القصاص بغير السيف مما يكون مظنة التعدى وتجاوز الحد فى القاص من التحريق والتغريق والضرب .
وما جرى مجرى ذلك . ولا يريدون أن يمنعوا استيفاء القود بغير السيف إذا كان غير السيف أيسر وأسهل وأسرع فى إزهاق روح القاتل .
كما يتبين هذا من استدلالهم بحديث إن اللّه عز وجل كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة إلخ (وكما يتبين أيضا من حديث لا قود إلا بالسيف وذلك لأن هذا الحديث يفيد بمنطوقه أمرين أولهما .
أنه يجب استيفاء القصاص بالسيف الثانى أنه لا يجوز استيفاؤه بغيره مما لا يكون فى مثل سهولته ويسره .
ويفيد أيضا بطريق دلالة النص جواز القتل بغير السيف إذا كان غيره مثله فى سرعة إزهاق الروح ويسره أو أولى منه فى ذلك فإنه يفهم لغة من هذا الحديث أن العلة فى وجوب استيفاء القصاص بالسيف .
هى أن القتل به أيسر وأسهل، فإذا وجد نوع من القتل بطريقة لم تكن معهودة، وكانت هذه الطريقة أسرع فى إزهاق الروح وأسهل فظاهر أنه يجوز القتل بها بدلالة نص هذا الحديث .
وحينئذ . يكون القصر فى قوله عليه الصلاة والسلام لا قود إلا بالسيف من قبيل القصر الإضافى، والمقصود به أنه لا يستوفى القصاص بغير السيف مما فيه احتمال مجاوزة الحد .
والخلاصة أن الأدلة التى استدل بها الحنفية يظهر منها أنه يجوز القتل بغير السيف إذا كان القتل بغيره أسهل وأسرع فى إزهاق روح القاتل .
وعلى ذلك إذا كان القتل بالمشنقة علو وجه يكون أسرع وأسهل من القتل بالسيف جاز ذلك بمقتضى الأدلة التى استدل بها الحنفية، ويظهر من كلامهم أنهم يجوزون القتل بهذه الطريقة .
ومن أراد زيادة البيان فليرجع إلى ما قاله الجصاص فى كتابه آيات الأحكام فى باب كيفية القصاص من الجزء الأول، وما قاله عند قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } من آخر سورة النحل فى آخر الجزء الثالث من الكتاب، وإلى ما جاء فى باب الرجل يقتل رجلا كيف يقتل، من كتاب معانى الآثار للطحاوى فى الجزء الثانى، وإلى ما قاله الشوكانى فى باب قتل الرجل بالمرأة بالجزء السادس من نيل الأوطار وإلى شرح الزيلعى على الكنز .
هذا ما ظهر لنا فى هذاالموضوع .
واللّه سبحانه وتعالى أعلم

 
حكم التحريض على القتل

المفتي
حسنين محمد مخلوف .
جمادى الآخرة 1372 ه- - 23 فبراير 1953 م

المبادئ
1 - التحريض على القتل محرم .
2 - إذا كان التحريض مصحوبا بإكراه بملجىء اقتضى القصاص من المحرض على خلاف فى ذلك

السؤال
من حرم الشهيد ع ط قالت إن التحقيقات القانونية التى أجريت فى قضية القتل الذى دبر لزوجى الشهيد - قد أثبتت أن فلان كان اليد المحركة للآثمين الجناة .
فما حكم الشريعة الغراء فى المحرض على القتل الدافع إليه

الجواب
اطلعنا على هذا السؤال، ولم نطلع على التحقيقات الرسمية فى القضية المشار إليها .
والجو اب أن التحريض على ارتكاب جريمة القتل المحرم بمعنى الإغراء عليه لا شك أنه حرام شرعا، للنهى عن قتل معصوم الدم بقوله تعالى { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق } الإسراء 33 ، وقوله عليه السلام (لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) وللوعيد الشديد عليه فى قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } النساء 93 ، ولعظم جرمه ورد فى الحديث أن أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة فى الدماء وذهبت طائفة من الأئمة إلى أنه لا توبة لقاتل ، وأن الوعيد لاحق به لا محالة وأن القصاص فى الدنيا لا يمحو عنه الإثم فى الآخرة .
والتحريض على القتل المحرم وسيلة إليه، فيحرم بحرمته، لأن للوسائل حكم مقاصدها شرعا .
وأما إذا كان التحريض مصحوبا بإكراه وكان المكره قادرا على تحقيق ما أوعد به، وغلب على ظن المكره أنه لو لم يمتثل يلحقه ما أوعد به .
فإما أن يكون الإكراه ملجئا - وهو ما كان بنحو التخويف بالقتل أو قطع العضو أو الضرب الشديد الذى يخاف منه تلف النفس أو العضو ويسمى الإكراه التام - ومنه كما ذكره الشافعية الأمر الصادر من ذى سطوة اعتاد فعل ما يحصل به الإكراه عند مخالفته فأمره كالإكراه أو يكون غير ملجىء - وهو ما كان بما دون ذلك من نحو الحبس والقيد والضرب الذى لا يخشى منه التلف ويسمى بالإكراه الناقص - فإذا كان الإكراه على القتل إكراها ملجئا فالقصاص على المكره (الآمر) عند أبى حنيفة ومحمد ولا قصاص على المكره (المأمور) لكونه بمنزلة الآلة - وعند أبى يوسف لا قصاص عليهما وعلى الآمر الدية .
وعند المالكية والشافعية والحنابلة يجب القصاص من الآمر لتسببه ومن المأمور لمباشرته - وإن كان الإكراه عليه إكراها غير ملجىء فلا قصاص على المكره (الآمر) بل يقتص من المأمور باتفاق أئمة الحنفية .
وكذلك عند المالكية إن لم يكن الآمر حاضرا وقت القتل، فإن كان حاضرا اقتص منهما جميعا وعلى الآمر فى الحالين إثم التحريض مع الإكراه .
(راجع بدائع الصنائع فى مذهب الحنفية، وشرح متن خليل فى مذهب المالكية، وتحفة المحتاج وحواشيها فى مذهب الشافعية، والمغنى لابن قدامة فى مذهب الحنابلة) هذا هو حكم الشريعة الغراء فى التحريض، وأما تطبيقه قضاء فيعتمد ثبوت الإكراه لدى المحكمة بعد رفع الدعوى بالطريق الشرعى .
والله تعالى أعلم

 
القصاص وشروطه

المفتي
حسن مأمون .
رمضان 1376 ه- - 27 ابريل 1957 م

المبادئ
1 - لا يقتص من الجانى إلا بتحقق أربعة شروط كونه مكلفا والمقتول معصوم الدم، وأن يكون المجنى عليه مساويا للجانى فى الدين والحرية ذكرا كان الجانى أو أنثى أو المقتول كذلك .
غير أن أبا حنيفة لا يشترط المساواة فى الدين، ويرى قتل المسلم بالذمى، وكون القاتل ليس أبا للمقتول على خلاف فى ذلك .
2 - ما يوجب القصاص نفسا يثبت بالإقرار والبينة، ولا يقبل فيها إلا شهادة رجلين عدلين .
3 - لا يثبت القتل إلا بالشهادة القاطعة فيه، والشبهة فيها مانعة من القصاص .
4 - ترجيح أن المتهم قتل المجنى عليه عمدا، مع سبق الإصرار يقتضى الاطمئنان إلى أن الحكم بإعدامه لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية

السؤال
فى القضية رقم .
سنة . جنايات

الجواب
تقرير فى القضية المذكورة أجمع المسلمون على تحريم القتل بغير حق .
والأصل من ذلك الكتاب والسنة والإجماع . أما الكتاب - فقوله تعالى { ولا تقتلوا النفس التى حرم الله إلا بالحق ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف فى القتل إنه كان منصورا } الإسراء 33 ، وقوله تعالى { وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطئا } النساء 92 ، وقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما } النساء 93 ، وأما السنة - فقد روى عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (لا يحل دم امرئ يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة) متفق عليه .
وأما الإجماع - فلا خلاف بين المسلمين فى تحريم القتل بغير حق .
وقد قسم الفقهاء القتل إلى عدة أقسام منها القتل العمد الموجب للقصاص، وهو أن يتعمد ضربه فى أى موضع من جسده بآلة تفرق الأجزاء، كسلاح ومثقل ولو من حديد ومحدد من خشب أو زجاج أو حجر إلى آخره .
وموجبه الإثم كما ذكرنا أولا، والقود عينا . لقوله تعالى { كتب عليكم القصاص فى القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } البقرة 178 ، وقوله تعالى { ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب } البقرة 179 ، وقد اشترط الفقهاء فى القصاص أربعة شروط الأول أن يكون الجانى مكلفا، والثانى أن يكون المقتول معصوما، الثالث أن يكون المجنى عليه مكافئا، أى مساويا له فى الدين والحرية والرق، سواء كان القاتل ذكرا أو أنثى، وسواء كان المقتول ذكرا أو أنثى، وفى هذا الشرط خلاف بين الفقهاء .
فذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن المسلم يقتل بالذمى وهو الراجح المفتى به فى المذهب والذى نرى الإفتاء به .
الرابع أن لا يكون القاتل أبا للمقتول على خلاف بين الفقهاء فيه .
وقد قرر الفقهاء أن ما أوجب القصاص فى النفس كالقتل العمد يثبت بالإقرار وبالبينة، ولا يقبل فى إثباته بالبينه إلا شهادة رجلين عدلين، فلا يقبل فيه شهادة رجل وامرأتين ولا شاهد ويمين الطالب الذى يطلب الحكم بالقصاص (ولى الدم) ولا يعلم فى هذا الحكم خلاف بين العلماء .
كما قرروا أيضا أنه لا يثبت القتل بشهادة الشهود إلا مع زوال الشبهة فى الشهادة، مثل أن يقول الشاهدان نشهد أنه ضربه فقتله أو فمات منه، وقد تبين من الاطلاع على أوراق القضية وتحقيقات البوليس والنيابة ومحاضر محكمة الجنايات أنه بينما كان المجنى عليه نائما فى حجرة نومه مع زوجته إذ تسلل إلى حجرة نومهما ليلا المتهم زوج ابنتهما وأطلق على المجنى عليه عيارا ناريا أرداه قتيلا فى الحال، وأن زوجة المجنى عليه حاولت القبض على المتهم وأمسكت بملابسه، ولكنه استطاع أن يهرب منها، وقد شهدت بذلك زوجة المجنى عليه كما حضرت زوجة المتهم وبنت المجنى عليه وشاهدت والدتها تحاول القبض على المتهم، ولا يوجد شهود آخرون، وقد استطاع المتهم الهرب وكان أهم شىء هو البحث عن السلاح الذى ارتكب فى الحادث، وقد أمكن العثور عليه فى بيت أحد الأهالى الذى شهد هو وزوجته بأن المتهم أحضره فى وقت عينه، وتبين أنه يوافق الوقت الذى ارتكبت فيه الحادثة، كما أن والد المتهم وهو عمدة البلدة أكد فى أقواله وفى شهادته أنه لا يوجد من يرتكب هذا الحادث سوى ولده المتهم .
وقد وجد بجسم المتهم بعض سجحات يرجح أنها نشأت من تسلقه سور بيت المجنى عليه للتوصل بواسطته إلى حجرة نومه وارتكاب الحادث .
وقد استخلصنا من دراستنا أوراق هذه القضية ما يرجح عندنا أن المتهم قتل المجنى عليه عمدا مع سبق الإصرار بعد أن عرف أنه لم يقبل وساطة والده العمدة فى إرجاع زوجته إليه وأنه فعل ذلك وقد عرف فى وسطه بسوء الخلق وكثرة مشاغباته مما يجعلنا نطمئن إلى أن الحكم بإعدامه لا يخالف أحكام الشريعة

 
توبة المحكوم عليه بالاعدام عند تنفيذ الحكم

المفتي
حسن مأمون .
جمادى الآخرة 1379 ه- - 2 ديسمبر 1959 م

المبادئ
1 - التوبة النصوح هى الندم على الذنب حين يقع مع الاستغفار وعدم العودة إليه أبدا .
2 - التوبة واجبة على كل مسلم على الدوام وفى كل حال، ويجب أن تكون فى وقت يستطيع فيه المذنب أن يعمل من الحسنات ما يمحو به السيئات قبل أن تصل حياته إلى نهايتها .
3 - التوبة النصوح تلحق صاحبها بمن لم يرتكب معصية أصلا إذا صدرت من المذنب فى وقتها مستوفية لشروطها، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
4 - من قتل ظلما فوجب عليه القصاص فذهب مختارا إلى ولى الدم معترفا بجرمه فاقتص منه كان ذلك منه توبة مقبولة .
5 - من أنكر الذنب حتى أخذت الأدلة بتلابيبه، فحكم عليه بالإعدام قصاصا فتاب وهو فى طريقة إليه لا تقبل توبته، ولا تنجيه من ذنبه الذى أخذ به فى الدنيا .
6 - ما جرى عليه العمل من تلقين التوبة للمذنب عند التنفيذ عليه بالإعدام لا يقطع بقبولها، إلا إذا كان المذنب قد سبقت له التوبة بعد ارتكاب الذنب مستسوفية شرائطها، حيث يكون التلقين الأخير من قبيل التوبة عن هذا الذنب

السؤال
بالطلب المقيد برقم 1445 سنة 1959 أنه عند تنفيذ حكم الإعدام فى مذنب يأتى واعظ السجن يلقنه بعض كلمات يستغفر الله فيها ويتوب مما قدمت يداه، وأن الله تعالى يقول فى سورة النساء { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليما حكيما .
وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار } النساء 17 ، 18 ، وسأل هل توبة المذنب واستغفاره لحظة الموت صحيحة وهل الواعظ وهو يلقى عبارات التوبة والوعظ فى مقامهما وطلب بيان الحكم مدعما بالأسانيد، شاملا القتلة وغيرهم من المذنبين الذين يرتكبون جرائم يحكم عليهم بسببها بالإعدام

الجواب
إن التوبة شرعا هى الندم على ارتكاب الإثم، والعزم الصادق على ترك العود إليه، فقد ورد فى الحديث الصحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (التوبة النصوح الندم على الذنب حين يفرط منك فتستغفر الله تعالى ثم لا تعود إليه أبدا) وقال عليه السلام فيما روى عن ابن مسعود - (التوبة من الذنب أن لا تعود إليه أبدا) فمتى وجد العزم والندم الصادقان من المؤمن المذنب على ترك المعصية، وعدم العود إليها، ذلا لله وخوفا من عقابه كانت توبته حينئذ صحيحة، ونرجو أن تكون منجية له من العذاب إن شاء الله .
قال تعالى { وهو الذى يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات } الشورى 25 ، وقال تعالى { وإنى لغفار لمن تاب } طه 82 ، وهذا وعد من الله لمن أخلص النية فى التوبة من الذنب والندم عليه، ووعده الحق سبحانه لا يتخلف، فضلا منه ورحمة .
وقال الغزالى فى إحياء العلوم فى باب التوبة من الجزء الحادى عشر وهى (أى التوبة) واجبة على كل مسلم على الدوام وفى كل حال، لأن البشر قلما يخلو عن معصية بجوارحه، فإنه إن خلا فى بعض الأحوال عن معصية الجوارح، فلا يخلو عن الهم بالذنوب بالقلب فإن خلا فى بعض الأحوال من الهم، فلا يخلو عن وسواس الشيطان بإيراد الخواطر المتفرقة المذهلة عن ذكر الله ن وإن خلا عن ذلك كله فلا يخلو عن غفلة وقصور فى العلم بالله وصفاته وأفعاله، ولكى تكون التوبة مقبولة يجب أن تكون فى وقت يستطيع المذنب فيه أن يعمل من الحسنات ما يمحو به سيئاته، قبل أن تصل به حياته إلى نهايتها ، وتزايله كل ما كان فيه من قوة على اختيار ما ينفعه، حينئذ يتجرع غصة اليأس عن تدارك ما فاته ولا يجد إلى إصلاح حاله سبيلا بعد أن تقطعت من حوله كل السبل على أن يعمل .
وأن يعمل خيرا يزيل آثامه، ويجده خيرا فى أخراه عملا بقوله تعالى { إن الحسنات يذهبن السيئات } هود 114 ، وقوله عليه السلام (أتبع السيئة الحسنة تمحها) وإلى ذلك يشير قوله تعالى { وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إنى تبت الآن } وقوله تعالى { إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب } فإن معنى القريب - قرب العهد بالخطيئة بأن يندم عليها بعد ارتكابها مباشرة، أو بعده بقليل ويمحو أثرها بالحسنات يردفها بها قبل أن يتراكم الرين على قلبه، فلا يقبل المحو منه .
فالتوبة النصوح إذا صدرت من المذنب فى وقتها مستوفية شروطها تلحق التائب بمن لم يرتكب المعصية أصلا .
لأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .
فمن قتل ظالما بقتله ووجب عليه القصاص شرعا وذهب مختارا إلى ولى الدم معترفا بجرمه، واتقص منه ولى الأمر كان ذلك منه توبة مقبولة .
يدل لذلك ما روى أن ماعزا لما جاء إلى النبى عليه السلام معترفا بأنه زنى وطلب من الرسول أن يجده، رده عليه السلام، فعاد إليه ثانية فرده فعاد إليه الثالثة، فأمر به فرجم .
فكان الناس فيه فريقين، فقائل يقول لقد هلك وأحاطت به خطيئته .
وقائل يقول ما توبة أصدق من توبته . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم (لقد تاب توبة لو قسمت بين أمته لوسعتهم) وروى أيضا أن الغامدية جاءت الرسول عليه السلام فقالت إنى قد زنيت فطهرنى، فردها، فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم تردنى لعلك تريد أن ترددنى كما رددت ماعزا، فوالله إنى لحبلى، فقال عليه السلام أما الآن فاذهبى حتى تضعى فلما ولدت أتت بالصبى فى خرقة، فقالت هذا قد ولدته قال اذهبى فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبى وفى يده كسرة خبز، فقالت يا نبى الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها، فأقبل خالد بن الوليد بحجر فرض رأسها فتضح الدم على رأسه فسبها، فسمع رسول الله عليه السلام سبه إياها فقال مهلا يا خالد، فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له ن ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت - أما من لاذ بذنبه فارا به منكرا له حتى أخذت الأدلة بتلابيبه فقضى بإقامة الحد عليه وتاب وهو فى طريقه إلى ساحة القصاص، لم تقبل توبته ولم تكن منجية له من ذنبه الذى اقترفه، لأنها توبة لم تستكمل شرائطها شرعا .
فالقاتل الذى لاذ بالفرار متخفيا بجرمه، وأقيمت عليه الدعوى بأنه قتل فلانا عمدا عدوانا، فأنكر فقامت عليه البينة القاضية بالقصاص منه، أو اعترف رغما منه بعد أن حاطته هذه الأدلة، ولم تترك له إلا سبيل الاعتراف بذنبه بعد أن يئس من التخلص منه، وقضى عليه عندئذ بالقصاص، ثم تاب وهو فى طريقه إلى حبل المشنقة لم تقبل توبته، لأنها أيضا لم تستوف شرائط قبولها شرعا، وهكذا كل كبيرة يتوب منها المذنب وهو فى حال يستطيع معه أن يأتى من الحسنات ما يمحو إثمه، فإن توبته فى هذه الحال تكون مقبولة بإذن الله .
وإن لم يتب حتى جر إلى ساحة القصاص فتاب عندئذ لم تقبل توبته شرعا .
وما جرى عليه العمل من تلقين التوبة للقاتل وقت تنفيذ حكم الإعدام عليه لا يقطع بقبول هذه النوبة .
بل ينظر ، فإن كان هذا المذنب قد سبقت له التوبة من هذا الذنب بعد ارتكابه، وكانت توبته فى وقتها مستوفية شروطها، كان تلقينه التوبة حينئذ من قبيل تكرار التوبة عن هذا الذنب، وإن لم يكن سبقت له التوبة من جرمه قبل القضاء عليه بالقصاص، وسوقه إلى إقامة الحد عليه لم تفده توبته، لأنها جاءت فى غير وفتها مجردة عن شروط قبولها .
أعاذنا الله من الإثم، وهدانا إلى سواء السبيل .
والله الموفق، والله أعلم
 
الدفاع عن النفس مشروع

المفتي
عبد الرحمن قراعة .
رجب 1344 هجرية - 7 فبراير 1926 م

المبادئ
1 - الدفاع عن النفس مقرر فى الشريعة الإسلامية، ولا يختص به مذهب دون مذهب .
2 - من رفع سيفا على مسلم قاصدا قتله كان للمرفوع عليه السيف قتل رافعه ولكن بشرط ألا يكون فى إمكانه دفعه إلا بقتله .
3 - إذا تحقق الشرط المذكور فدفعه فقتله فلا شىء عليه .
4 - إذا قتل رافع السيف - بعد تحقق الشرط - أحد من الناس فلا شىء عليه أيضا .
5- الدفاع عن النفس دعوى لابد من إقامة البينة على صحتها حسب القواعد الفقهية فى ذلك

السؤال
1 - هل الدفاع عن النفس من المبادئ المقررة فى الشريعة الإسلامية وفى مذهب أبى حنيفة على الأخص .
2 - وتنص الشريعة الإسلامية على أن الدفاع عن النفس يجب أن يثبته شاهدان أم أن هذا الإثبات مما يترك لرأى المحكمة

الجواب
نعم مبدأ الدفاع عن النفس مقرر فى الشريعة الإسلامية، ولا يختص به مذهب أبى حنيفة، وإنا نورد هنا ماجاء فى بعض كتب الحنيفة .
قال فى كنز الدقائق وشرحه تبيين الحقائق مانصه (ومن شهر على المسلمين سيفا وجب قتله ولا شىء بقتله ) لقوله عليه الصلاة والسلام من شهر على المسلمين سيفا فقد أطل دمه ( أى أهدره) ولأن دفع الضرر واجب، فوجب عليهم قتله إذا لم يمكن دفعه إلا به، ولا يجب على القاتل شىء لأنه صار باغيا بذلك وكذا إذا شهر على رجل سلاحا فقتله أو قتله غيره دفعا عنه فلا يجب بقتله شىء لما بينا - أما الجواب عن السؤال الثانى .
فإنه يؤخذ مما نبينه وهو أن الحجج الشرعية ثلاث البينة والإقرار والنكول، والذى يقدر صحة الدعوى وإقامة البرهان عليها إنما هو القاضى المترافع لديه المنوط بفصل الخصومات وفقا للقواعد المرعية فى الأحكام والله أعلم

 
دية

المفتي
حسونة النواوى .
ذى القعدة 1315 هجرية

المبادئ
تعتبر الدية من التركة وتقسم بين الورثة حسب الفريضة الشرعية

السؤال
فى دية المقتول خطأ عن زوجة وأخ وأخت شقيقين .
هل تقسم هذه الدية التى حكم بها بناء على طلب الزوجة بحسب الفريضة الشرعية ويكون للزوجة الربع فيها والباقى للأخوين المذكورين أم كيف الحال

الجواب
قال فى رد المحتار ما نصه أعلم أنه يدخل فى التركة الدية الواجبة للقتل الخطأ .
وفى التنقيح ما نصه والمستحق للقصاص من يستحق مال القتيل على فرائض اللّه تعالى، يدخل فيه الزوج والزوجة وكذا الدية .
وعلى هذا . فتقسم الدية المذكورة بين ورثة المقتول المذكور على فرائض اللّه تعالى .
لزوجته الربع فرضا، والباقى للأخ والأخت الشقيقين تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين .
هذا حيث لا مانع واللّه سبحانه وتعالى أعلم
 
الوسوم
الازهر فتاوى
عودة
أعلى