كشف الشبهات

الإسلام إلا خوفاً على دمه وماله ، والرجل إذا أظهر الإسلام وجب الكف عنه حتى يتبين منه ما يخالف ذلك ، وأنزل الله تعالى في ذلك )يا أيها الذين أمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا( {سورة النساء، الآية: 94} أي فتثبتوا ، فالآية تدل على أنه يجب الكف عنه والتثبت فإذا تبين منه بعد ذلك ما يخالف الإسلام قتل لقوله تعالى: )فتبينوا( ولو كان لا يقتل إذا قالها لم يكن للتثبيت معنى(1).
(1) قوله: "ولكن أعداء الله ما فهموا معنى الأحاديث . . . . إلخ" يعني الأحاديث التي شبهوا بها ثم أخذ رحمه الله يبين معناها فقال:
فأما حديث أسامة ، يعني الحديث الذي قتل فيه أسامة رضي الله عنه من قال لا إله إلا الله حين لحقه أسامة ليقتله وكان مشركاً ، فقال: "لا إله إلا الله" ، فقتله أسامة لظنه أنه لم يكن مخلصاً في قوله وإنما قاله تخلصاً فليس فيه دليل على أن كل من قال "لا إله إلا الله" فهو مسلم ومعصوم الدم، ولكن فيه دليل على أنه يجب الكف عمن قال "لا إله إلا الله" ، ثم بعد ذلك ينظر في حاله حتى يتبين وأستدل المؤلف لذلك بقوله تعالى: )يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا( {سورة النساء، الآية:94}. الآية ، فأمر الله تبارك وتعالى بالتبين أي التثبت وهذا يدل على أنه إذا تبين أن الأمر كان خلاف ما كان
وكذلك الحديث الآخر وأمثاله معناه ما ذكرناه أن من أظهر التوحيد والإسلام وجب الكف عنه إلى أن يتبين ما يناقض ذلك والدليل على هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : "أقتلته بعد ما قال لا إله إلا الله" وقال : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" هو الذي قال في الخوارج "أينما لقيتموهم فأقتلوهم لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عادٍ" مع كونهم من أكثر الناس عبادة وتهليلاً وتسبيحاً، حتى أن الصحابة يحقرون أنفسهم عندهم، وهم تعلموا العلم من الصحابة فلم تنفعهم لا إله إلا الله ، ولا كثرة العبادة ، ولا ادعاء الإسلام لما ظهر منهم مخالفة الشريعة (1).
عليه فإنه يجب أن يعامل بما يتبين من حاله، فإذا بان منه ما يخالف الإسلام قتل ولو كان لا يقتل مطلقاً إذا قالها لم يكن فائدة للأمر بالتثبت.
وعلى كل حال فإن حديث أسامة رضي الله عنه ليس فيه دليل على أن من قال "لا إله إلا الله" وهو مشرك يعبد الأصنام والملائكة والجن وغير ذلك يكون مسلماً.
(1) قوله: "وكذلك الحديث الآخر وأمثاله" يريد بالحديث الآخر قوله صلى الله عليه وسلم "أمرت أن أقاتل الناس . . . إلخ" فبين رحمه الله تعالى أن معنى الحديث أن من أظهر الإسلام.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
وجب الكف عنه حتى يتبين أمره ، لقوله تعالى : )فتبينوا( لأن الأمر بالتبين يحتاج إليه إذا كنا في شك من ذلك ، أما لو كان قوله "لا إله إلا الله" بمجرده عاصماً من القتل فإنه لا حاجة إلى التبين ، ثم استدل المؤلف-رحمه الله- لما ذهب إليه بأن الذي قال لأسامة "أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله" (1) وقال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . . . "(2) هو الذي أمر بقتال الخوارج وقال "إينما لقيتموهم فاقتلوهم"(3) مع أن الخوارج يصلون ويذكرون الله ويقرؤون القرآن ، وهم قد تعلموا من الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك لم ينفعهم ذلك شيئاً ؛ لأن الإيمان لم يصل إلى قلوبهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إنه لا يجاوز حناجرهم"(4)
 
وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود ، وقتال الصحابة بني حنيفة ، وكذلك أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة حتى أنزل الله تعالى: )يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا( {سورة الحجرات، الآية : 6}. وكان الرجل كاذباً عليهم* ، وكل هذا يدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه (1).
ولهم شبهة أخرى : وهو ما ذكر صلى الله عليه وسلم أن الناس يوم القيامة يستغيثون بآدم ، ثم بنوح ، ثم بإبراهيم ، ثم بموسى ، ثم بعيسى فكلهم يعتذر حتى ينتهوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: فهذا يدل على أن الإستغاثة بغير الله ليست شركاً.
والجواب: أن نقول سبحان من طبع على قلوب أعدائه فإن
(1) وهو أن مجرد قول "لا إله إلا الله" ليس مانعاً من القتل بل يجوز قتال من قالها إذا وجد سبب يقتضي قتاله.
الإستغاثة بالمخلوق فيما يقدر عليه لا ننكرها ، كما قال الله تعالى في قصة موسى: }فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه{ {سورة القصص، الآية:15}. وكما يستغيث الإنسان بأصحابه في الحرب أو غيره في أشياء يقدر عليها المخلوق، ونحن أنكرنا استغاثة العبادة التي يفعلونها عند قبور الأولياء، أو في غيبتهم في الأشياء التي لا عليها إلا الله(1).
إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء يوم القيامة يريدون منهم أن يدعوا الله أن يحاسب الناس حتى يستريح أهل الجنة من كرب
قوله: "ولهم شبهة أخرى" يعني في أن الإستغاثة بغير الله ليست شركاً وقد أجاب عنها بجوابين:
الأول: أن هذه استغاثة بمخلوق فيما يقدر عليه وهذا لا ينكر لقوله تعالى في قصة موسى : }فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه{.
الجواب الثاني: أن الناس لم يستغيثوا بهؤلاء الأنبياء الكرام ليزيلوا عنهم الشدة، ولكنهم يستشفعون بهم عند الله-عز وجل-ليزيل هذه الشدة ، وهناك فرق بين من يستغيث بالمخلوق ليكشف عنه الضرر والسوء ، ومن يستشفع بالمخلوق إلى الله عنه ذلك.
 
الموقف وهذا جائز في الدنيا والآخرة ، وذلك أن تأتي عند رجل صالح حي يجالسك ويسمع كلامك فتقول له: أدع الله لي، كما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يسألونه ذلك في حياته، وأما بعد موته فحاشا وكلا أنهم سألوه ذلك عند قبره ، بل أنكر السلف الصالح على من قصد دعاء الله عند قبره فكيف بدعائه نفسه؟ (1) . . . . . . . .
(1) قوله: "إذا ثبت ذلك فاستغاثتهم بالأنبياء . . . .إلخ" هذا هو الجواب الثاني وهو أن استغاثتهم بالأنبياء من باب طلب دعائهم إلى الله عز وجل أن يريح الخلق من هذا الموقف العظيم ، وليس دعاء لهم، بل طلب دعائهم لربهم عز وجل ، وهذا أمر جائز كما أن الصحابة رضي الله عنهم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم ، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن رجلاً دخل المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم يخطب فقال : "يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا ، ولم يقل فأغثنا يا رسول الله ، بل قال : "فادع الله يغيثنا" ثلاث مرات، فأنشأ الله سبحانه وتعالى سحابة فأمطرت ، ولم يرو الشمس أسبوعاً كاملاً والمطر ينهمر ، وفي الجمعة التالية
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
دخل رجل أو الرجل الأول فقال: "يا رسول الله غرق المال، وتهدم البناء فادع الله تعالى يمسكها عنا" فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ربه وقال: "اللهم حوالينا ولا علينا ، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ، ومنابت الشجر" ، (1) فانفجرت السماء وخرج الصحابة يمشون في الشمس.
فهذا طلب دعاء من رسول الله صلى الله عليه وسلم لله عز وجل وليس دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا استغاثة به، وبهذا يعرف أن هذه الشبهة التي لبس بها هؤلاء شبهة لا تنفعهم بل هي حجة داحضة عند الله عز وجل.
ثم ذكر المؤلف رحمه الله أنه لا بأس أن تأتي لرجل صالح تعرفه وتعرف صلاحه فتسأله أن يدعو الله لك ، وهذا حق إلا أنه لا ينبغي للإنسان أن يتخذ ذك ديدناً له كلما رأى رجلاً صالحاً قال أدع الله لي، فإن هذا ليس من عادة السلف رضي الله عنهم ، وفيه إتكال على دعاء الغير ، ومن االمعلوم أن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه كان خيراً له لأنه يفعل عبادة يتقرب بها إلى الله عز وجل فإن الدعاء من العبادة كما قال الله
ولهم شبهة (1) أخرى وهي : قصة إبراهيم لما ألقي في النار اعترض له جبريل في الهواء فقال: ألك حاجة؟ فقال
تعالى }أدعوني أستجب لكم{ {سورة غافر، الآية: 60}. الآية ، والإنسان إذا دعا ربه بنفسه فإنه ينال أجر العبادة ثم يعتمد على الله عز وجل في حصول المنفعة ودفع المضرة ، بخلاف ما إذا طلب من غيره أن يدعو الله له فإنه يعتمد على ذلك الغير وربما يكون تعلقه بهذا الغير أكثر من تعلقه بالله عز وجل ، وهذا الأمر فيه خطورة وقد قال شيخ الإسلام رحمه الله "إذا طلب الإنسان من شخص أن يدعو له أن ينوي بذلك نفع ذلك الغير بدعائه له، فإنه يؤجر على هذا وربما ينال ما جاء به الحديث أن الرجل إذا دعا لأخيه بظهر الغيب قالت الملائكة آمين ولك بمثلها.
(1) قوله: "ولهم شبهة أخرى وهي قصة إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار . . . إلخ". والجواب عن هذه الشبهة:
أن جبريل إنما عرض عليه أمراً ممكناً يمكن أن يقوم به فلو أذن الله لجبريل لأنقذ إبراهيم بما أعطاه الله تعالى من القوة فإن جبريل كما وصفه الله تعالى }شديد القوى{ {سورة النجم الآية: 5} فلو أمره الله أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل ولو أمره أن يحمل إبراهيم إلى مكان بعيد عنهم.

 
إبراهيم : أما إليك فلا، قالوا: فلو كانت الإستغاثة بجبريل شركاً لم يعرضها على إبراهيم ؟ فالجواب: أن هذا من جنس الشبهة الأولى: فإن جبريل عرض عليه أن ينفعه بأمر يقدر عليه، فإنه كما قال الله تعالى فيه: }شديد القوى{ {سورة النجم، الآية:5} فلو أذن الله له أن يأخذ نار إبراهيم وما حولها من الأرض والجبال ويلقيها في المشرق أو المغرب لفعل، ولو أمره أن يضع إبراهيم في مكان بعيد عنهم لفعل ، ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل، وهذا كرجل غني له مال كثير يرى رجلاً محتاجاً فيعرض عليه أن يقرضه ، أو أن يهبه شيئاً يقضي به حاجته فيأبى ذلك الرجل المحتاج أن يأخذ ويصبر إلى أن يأتيه الله برزق لا منة فيه لأحد. فأين هذا من إستغاثة العبادة والشرك لو كانوا يفقهون؟! . . . . .
لفعل ولو أمره أن يرفعه إلى السماء لفعل.
ثم ضرب المؤلف بهذا مثلاً رجل غني أتى إلى فقير فقال هل لك حاجة في المال؟ من قرض أو هبة أو غير ذلك؟ فإنما هذا مما يقدر عليه، ولا يعد هذا شركاً لو قال نعم لي حاجة أقرضني ، أو هبني لم يكن مشركاً.
ولنختم الكلام (1)-إن شاء الله تعالى-بمسألة عظيمة مهمة جداً تفهم مما تقدم ، ولكن نفرد لها الكلام لعظم شأنها، ولكثرة الغلط فيها فنقول: لا خلاف أن التوحيد لا بد أن يكون بالقلب واللسان والعمل ، فإن أختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلماً، فإن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما.
(1) ختم المؤلف هذه الشبهات بمسألة عظيمة هي:
أنه لابد أن يكون الإنسان موحداً بقلبه وقوله وعمله فإن كان موحداً بقلبه ولكنه لم يوحد بقوله أو بعمله فإنه غير صادق في دعواه ، لأن توحيد القلب يتبعه توحيد القول والعمل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله، إلا وهي القلب" (1) فإذا من جنس فرعون الذين كان مستيقناً بالحق عالماً به لكنه أصر وعاند وبقي على ما كان عليه من دعوى الربوبية ،قال الله تعالى: }وجحدوا بها
 
وهذا يغلط فيه كثير من الناس يقولون : هذا حق ونحن نفهم هذا ، ونشهد أنه الحق، ولكنا لا نقدر أن نفعله ولا يجوز عند أهل بلدنا إلا من وافقهم ، وغير ذلك من الأعذار (1) .
ولم يدر المسكين (2) أن غالب أئمة الكفر يعرفون الحق،
أنفسهم ظلماً وعلواً{ {سورة النمل ، الآية:14} وقال تعالى عن موسى أنه قال لفرعون
} لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر{ {سورة الإسراء، الآية: 102}.
(1) قوله : "وهذا يغلط فيه كثير من الناس. . . إلخ" يعني أن كثيراً من الناس يعرف الحق في هذا ويقولون نحن نعرف أن هذا هو الحق ولكننا لا نقدر عليه لمخالفته أهل بلدنا ونحو ذلك من الأعذار ، وهذا العذر لا ينفعهم عند الله عز وجل-، لأن الواجب على المرء أن يلتمس رضا الله عز وجل- ولو سخط الناس ، وأن لا يتبع رضا الناس بسخط الله عز وجل ، وهذا يشبه من يحتجون بما كان عليه آباؤهم وهم الذين حكى الله عنهم }وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون{ {سورة الزخرف ، الآية: 23} .
قوله: "ولم يدر المسكين" أي المعدم من الفقه والبصيرة أن غالب أئمة الكفر كانوا يعرفون الحق لكنهم كانوا يعرفون الحق لكنهم عائدوا فخالفوا

 
ولم يتركوه إلالشيء من الأعذار كما قال تعالى }أشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً{{سورة التوبة، الآية: 9}. وغير ذلك من الآيات كقوله: }يعرفونه كما يعرفون أبنائهم{{سورة البقرة، الآية:146}.
فإن عمل بالتوحيد عملاً ظاهراً (1) وهو لا يفهمه ، أو لا
الحق كما قال تعالى: }الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم{ وقال: }أشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً{ فكانوا يعتذرون بأعذار لا تنفعهم كخوف بعضهم من فوات الرئاسة وتصدر المجالس ونحو ذلك.
فكثير من أئمة الكفار يعرفون الحق ولكنهم يكرهونه ولا يتبعونه، ومعرفة الحق دون العمل به أشد من الجهل بالحق ، لأن الجاهل بالحق يعذر ، وقد يعلم فيتنبه ويتعلم بخلاف المعاند المستكبر ، ولهذا كان اليهود مغضوباً عليهم.
(1) يقول رحمه الله: فإن عمل بالتوحيد ظاهراً أي باللسان والجوارح ، ولكنه لم يعتقده بقلبه ولم يفهمه فإنه منافق ، وهو شر من الكافر المصرح بكفره لقوله تعالى: }إن المنافقين
 
يعتقده بقلبه فهو منافق، وهو شرمن الكافر الخالص لقوله تعالى: }إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار{ {سورة النساء، الآية: 145} .
وهذه المسألة كبيرة طويلة (1) تتبين لك إذا تأملتها في ألسنة الناس ترى من يعرف الحق ويترك العمل به لخوف نقص دنيا، أو جاه ، أو مداراة لأحد ، وترى من يعم لبه ظاهراً لا باطناً فإذا سألته عما يعتقد بقلبه فإذا هو لا يعرفه ولكن عليك بفهم آيتين من كتاب الله:
الدرك الأسفل من النار{ وهذا ظاهر فيمن كان معانداً يعلم الحق ولكنه كرهه بقلبه ولم يطمئن إليه ، ولم يستقر به، ولكنه أظهر الإلتزام بالشريعة خداعاً الله ولرسوله وللمؤمنين ، وأما من كان لا يفهمه بالكلية ولا يدري ولكنه يعمل كما يعمل الناس ولم يتبين له ذلك الشيء الذي يعملونه والمقصود منه، فإن الواجب أن يبلغ ويعلم، فإن أصر على ما هو عليه من إنكاره بقلبه فهو منافق.
(1) بين رحمه الله-أن هذه المسألة مسألة كبيرة طويلة يعني أن تتبعها يطول بواسطة أن كثيراً من الناس قد يأبى الحق خوفاً من أن يلام عليه، أو رجاء لجاه أو دنيا، فيحتاج أن يتتبع أحوال الناس ويعرفها تماماً حتى يعلم من هو منافق ومن هو مؤمن إيماناً خالصاً.
 
أولاهما (1): قوله تعالى: }لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم{{سورة التوبة: الآية: 96}، فإذا تحققت أن بعض الصحابة الذين غزوا الروم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا بسبب كلمة قالوها على وجه المزح واللعب تبين لك أن الذي يتكلم بالكفر ، أو يعمل به خوفاً من نقص مال، أو جاه ، أو مداراة لأحد أعظم ممن يتكلم بكلمة يمزح بها.
(1) يحث المؤلف رحمه الله على تدبر آيتين من كتاب الله عز وجل:
أولاهما قوله تعالى: }لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم{ وهذه الآية نزلت في المنافقين الذين سبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء.
فالمؤلف-رحمه الله-يقول إذا كان هؤلاء المنافقون الذين غزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك كفروا بكلمة قالوها على سبيل المزاح لا على سبيل الجد فما بالك بمن يكفر كفراً جدياً يريده بقلبه من أجل خوف فوات مركز ، أو جاه ، أو ما أشبه ذلك، فإنه يكون أعظم وأعظم ، فالواقع أن كلهم كفروا بعد إيمانهم سواء فعلوا ذلك استهزاء أو فعلوه على سبيل الجد والكفر ، خوفاً أو رجاء، فإن كل إنسان يظهر الإسلام ويبطن الكفر فهو منافق على أي وجه كان.

 
والآية الثانية: (1): قوله تعالى: }من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة{ {سورة النحل، الآية: 106} . فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئناً بالإيمان وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه سواء فعله خوفاً أو مداراة، أو مشحة بوطنه أو أهله أو عشيرته أو ماله ، أو فعله على وجه المزح أو لغير ذلك من الأغراض إلا المكره.
فالآية تدل على هذا (2) من جهتين:
الأولى: قوله: } إلا من أكره{ فلم يستثن الله تعالى إلا
(1) هذه هي الآية الثانية التي حث المؤلف رحمه الله تعالى على تدبرها وهذه الآية تدل على أنه لا يعذر أحد كفر بعد إيمانه إلا من كان مكرها، وأما من كفر على سبيل الأختيار لأي غرض من الأغراض سواء كان مزاحاً، أو مشحة في وظيفة ، أو دفاعاً عن وطن ، أو ما أشبه ذلك فإنه يكون كافراً ، فالله عز وجل لم يعذر من كفر إلا من كان مكرها بشرط أن يكون قلبه مطمئناً بالأيمان.
(2) أي أن الله تعالى لم يستثن في الآية من الكافرين إلا من أكره، والإكراه لا يكون إلا على القول أو الفعل ، أما عقيدة القلب

 
المكره ، ومعلوم أن الإنسان لا يكره إلا على الكلام أو الفعل وأما عقيدة القلب فلا يكره عليها أحد.
والثانية: (1): قوله تعالى }ذلك بأنهم أستحبوا الحياة الدنيا على الآخرة{ فصرح أن هذا الكفر والعذاب لم يكن بسبب الاعتقاد أو الجهل، أو البغض للدين ، أو محبة الكفر وإنما سببه أن له في ذلك حظاً من حظوظ الدنيا فآثره على الدين.
فلا يطلع عليها إلا الله ، ولا يتصور فيها الإكراه لأنه لا يمكن لأحد أن يكره شخصاً فيقول: لا بد أن تعتقد كذا وكذا ؛ لأنه أمر باطن لا يعلم به ، وإنما الإكراه على ما ظهر فقط بالقول والفعل.
(1) الوجه الثاني: أنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة فكان كفرهم سببه أنهم استحبوا الدنيا على الآخرة ويعني بالدنيا كل ما يتعلق بها من جاه ، أو مال ، أو رئاسة أو غير ذلك ممن آثر الدنيا بما فيها على الآخرة وكفره من أجل إيثار الدنيا فإنه يكون كافراً وإن لم يكن مستحباً للكفر ولكنه مستحب لحياة الدنيا فإنه يكفر ، وذلك أن بعض الناس يكفر لأنه يحب الكفر ويعجبه، وبعض الناس يكفر لمال، أو جاه ، أو رئاسة،
والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم(1) .
وبعض الناس يكفر لينال بذلك شيئاً من السلطان وما أشبه ذلك فالأغراض كثيرة.
نسأل الله تعالى أن يهدينا الصراط المستقيم وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا ختم شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى كتابه هذا برد العلم إلى الله عز وجل والصلاة والسلام على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا انتهى كتاب كشف الشبهات فنسأل الله تعالى أن يثيب مؤلفه أحسن ثواب وأن يجعل لنا نصيباً من أجره وثوابه وأن يجمعنا وإياه في دار كرامته إنه جواد كريم والحمد لله رب العالمين وصلي وسلم على نبينا محمد
* * *
تم شرح كشف الشبهات
 
خالد الطيب
مشكور لمرورك الرائع
بانتظارك دوما عزيزى الغالى
 
الوسوم
الشبهات
عودة
أعلى