موسوعة الفقه الإسلامي

إحْرَاز

معنى الإحراز فى اللغة:
جاء فى لسان العرب: " أحرزت الشىء أحرزه إحرازا، إذا حفظته وضممته إليك وصنته عن الأخذ" (1).
معنى الإحراز عند الفقهاء
الإحراز فى عرف الشرع هو وضع المال فى حرز مثله. ولقد تكلم الفقهاء عن الإحراز فى باب السرقة والوديعة، فعرفوا الحرز وبينوا أنواعه والضابط الذى يرجع إليه فى تحديده.. راجع كلمة " حَرَزَ "
العلاقة بين الإحراز والحيازة
يؤخذ من كتب اللغة أن الإحراز والحيازة بمعنى واحد، يقول صاحب لسان العرب (2): "وأحرز الشىء حازه ". وجاء فى موضع آخر منه فى مادة " حاز " " حزت الشىء إذا أحرزته ".
وأما العلاقة بين الإحراز والحيازة فى عرف الفقهاء فهى العموم والخصوص، ذلك أنهم يستعملون الإحراز بمعنى وضع الشىء فى حرز مثله، وبمعنى ملاحظته وحراسته، ويستعملون الحيازة فى باب تملك المال المباح، ويقصدون بها الاستيلاء عليه. وليس كل ما يعد حيازة للمال يعد إحرازا له فى باب السرقة والوديعة، فقد يكون محوزا ولكنه فى غير حرز مثله (3).
الإحراز والقبض
الإحراز والقبض بمعنى واحد فى اللغة، فقد جاء فى لسان العرب (4) " حازه يحوزه إذا قبضه، وحرزت الشىء أحرزته ".
أما الفقهاء فقد استعملوا القبض فى أعم من معنى الإحراز، وعرفوه عند الكلام على قبض المبيع والمرهون، وحكم بيع الطعام قبل قبضه، بأنه التخلية، أو النقل فيما ينقل، والتخلية فى العقار، وهذا المعنى أعم من الإحراز، بمعنى وضع المال فى الحرز.. انظر مادة " قبض ".
الإحراز والاستيلاء
جاء فى المنجد (5): " استولى استيلاء على الشىء صار الشىء فى يده ".
وعلى هذا فالاستيلاء فيه معنى الإحراز والقبض والحيازة فى عرف أهل اللغة، ذلك أن الشىء إذا صار فى يده فقد قبضه و أحرزه.
وأما الفقهاء فإنهم يستعملون الاستيلاء فى حيازة المال المباح ويعدونه من أسباب كسب الملك وتعريفهم للاستيلاء وتحديدهم للضابط الذى يرجع إليه فيه يفيد أن الاستيلاء أعم من الإحراز، ذلك أن بعض صور الاستيلاء قد يعد إحرازا فى حين أن البعض الآخر لا يعد كذلك، ومن ناحية أخرى فإن بعض صور الإحراز قد يكون بالحراسة ، وهذه قد لا تعد استيلاء تثبت به ملكية على المال المباح.. أنظر "استيلاء".
اشتراط الإحراز فى السرقة
تكلم الفقهاء على الإحراز كشرط من شروط القطع فى السرقة، وإليك مذاهبهم فى ذلك:
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية والفتح (6): ثم الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم، وعن داود لا يعتبر الحرز أصلا.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير للدردير (7): تقطع يد السارق اليمنى بسرقة طفل أو ربع دينار مخرج من حرز.
مذهب الشافعية:
جاء فى شرح الجلال المحلى على منهاج الطالبين (8): يشترط لوجوب القطع فى المسروق أمور... الرابع كونه محرزا بملاحظة أو حصانة موضعه.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة فى" المغنى"(9): القطع لا يجب إلا بشروط سبعة ... الشرط الرابع أن يسرق من حرزه ويخرج منه وهذا قول أكثر أهل العلم لما روى أن رجالا من مزينة سأل النبى- صلى الله عليه وسلم- عن الثمار فقال " ما أخذ فى غير أكمامه فاحتمل ففيه قيمته ومثله معه، وما كان فى الخزائن ففيه القطع إذا بلغ ثمن المجن.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم فى "المحلى": " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع السارق جملة ولم يخص عليه السلام حرزا من حر ز، ولو أراد الله ألا يقطع السارق حتى يسرق من حرز ويخرجه من الدار لما أغفل ذلك ولا أهمله... فنحن نشهد ونبت ونقطع، أن الله تعالى لم يرد قط اشتراط الحرز فى السرقة.
مذهب الزيدية:
يقول ابن المرتضى فى "البحر الزخار" (11): وشرط القطع عند العترة الأخذ من الحرز، وجاء فى "شرح المنتزع المختار" (12): إنما يقطع بالسرقة من جمع شروطا... السابع أن يكون السارق أخرج النصاب من حرز وكان ذلك الإخراج بفعله.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع (13): يشترط فيه - السارق- التكليف... وأن يهتك الحرز ويخرج المتاع بنفسه، ويأخذه سراً. وجاء فيه أيضا: لابد من كونه- المسروق - محرزا بقفل أو غلق أو دفن.
مذهب الإباضية:
جاء فى " شرح النيل فى الفقه الإباضى (14): وتقطع يمنى سارق ... إن خرج من حرز.
إحراز المال المباح
إحراز المال المباح سبب منشىء للملكية، ولقد عبر الفقهاء عن هذا السبب " بحيازة المال المباح" والاستيلاء على المال المباح، وإحياء الموات، ثم تكلموا على شروط الحيازة أثرها بالنسبة لكل نوع من أنواع المال المباح 000 راجع مصطلحات " حيازة- استيلاء- إحياء ".
الإحراز فى الوديعة
تكلم الفقهاء علي التزام المودع بإحراز الوديعة فى حرز مثلها. وهاك مذاهبهم فى ذلك.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى (15): لا ضمان على المودع إذا أمره صاحب الوديعة أن يجعلها فى كمه فجعلها فيه ونسيها فوقعت فضاعت، وقيد بأن تكون غير منثورة فى كمه وإلا ضمن لأنه ليس بحرز حينئذ.
مذهب الشافعية:
يذهب الشافعية إلى أن المُوِدع إذا أحرزَ الوديعةَ فى غير حرز مثلها دون إذن المالك مضيعا لها، والتزم بضمانها، ولو قصد بذلك إخفاءها لأن الودائع مأمور بحفظها فى حرز مثلها (16).
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى لابن قدامة (17): وإذا لم يحفظها كما يحفظ ماله، وهو أن يحرزها بحرز مثلها، فإنه يضمنها، وحرز مثلها يذكر فى باب القطع فى السرقة وهذا إذا لم يعين له المودع ما يحفظها فيه، فإن عين له لزمه حفظها فيما أمره به سواء كان حرز مثلها أو لم يكن، وإن أحرزها بمثله أو أعلى منه لم يضمنها ويتخرج أن يضمنها إذا فعل ذلك من غير حاجة.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار (18): إذا لم يعين المالك حرزها فعليه أن يحفظها حيث يحفظ مثلها فى مثله.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع (19): وتحتفظ كل وديعة بما جرت به العادة، ولو عين المالك حرزا اقتصر عليه.. ولو نقلها إلى أدون أو أحرز ضمن إلا مع الخوف.

__________

(1) لسان العرب جـ 23 ص 323.
(2) جـ 23 ص 341.
(3) راجع الهداية مع فتح القدير جـ4 ص 241 و منهاج الطالبين جـ4 ص190.
(4) جـ23 ص 341.
(5) ص 1021.
(6) جـ4 ص 238.
(7) جـ4 ص 332.
(8) جـ4 ص 190.
(9) جـ4 ص 240.
(10) جـ 11 ص 337.
(11) جـ5 ص 179.
(12) جـ8 ص364.
(13) ص 223.
(14) جـ7 ص 646.
(15) جـ6 ص 129.
(16) راجع مغنى المحتاج جـ6 ص 87.
(17) جـ6 ص 384.
(18) جـ4 ص 169.
(19) ص 150.

 
إحْرَاق

مقدمة:
للإحراق أحكام فى الشريعة الإسلامية تبدو فى المواضع الآتية:
أولها: أثر الإحراق فى طهارة الأعيان النجسة، وطهارة الأعيان المحروقة و استعمالها.
ثانيها: ما يجوز للإمام وولى الأمر من الإحراق، وذلك فى أمور شتى، كإحراق- آلات اللهو والفسق، وإحراق الكتب التى تتضمن الكفر، والصلبان، وما يجوز من إحراق المصاحف وإحراق بيوت المتخلفين عن الصلاة، والمنافقين والفساق، ورحال الغالِّ للغنيمة ومتاعه.
وأخيرا: ما يجوز عند القتل والقصاص وامتناع المْثلَة والتعذيب.
ثالثها: بحث ما يجوز من الإحراق فى القتال، برمى النار على المشركين عند محاربتهم، والحكم لو تترسوا بمن لا يجوز قتله، و كان المحاربون من البغاة أو المرتدين.
رابعها: الجناية على النفس أو المال بالإحراق وما يكون من مُثْلَة السيد بعبده بالإحراق.
إحراق النجاسات واستعمال الأشياء المحروقة
اختلف الرأى فى أثر الإحراق فى طهارة الأعيان النجسة، وهل يؤدى الإحراق إلى طهارتها، أم تظل نجسة بعد الإحراق، وحكم رمادها ودخانها.
فذهبت بعض المذاهب إلى أن الإحراق يطهر الأعيان النجسة مع تفصيل فى دخانها وما تخلف من رمادها. وذهب البعض الآخر إلى أن الأعيان النجسة لا تطهر بالإحراق وأن رمادها وسخامها نجسان.
مذهب الحنفية:
للحنفية (1) رأيان:
أحدهما: رأى الإمام أبى يوسف (2) ، وعنده أن الأشياء النجسة لا تطهر بالإحراق.
فإذا احترقت خشية أصابها بول أو عذرة، ووقع رمادها فى بئر، فسد ماؤها عنده. ذلك لأن الرماد عنده أجزاء لتلك النجاسة، فتبقى على نجاستها بعد الإحراق.
والثانى: هو رأى الإمام محمد (3)، وعليه الفتيا، وهو أن الإحراق النجاسات يطهرها. ذلك لأن الشرع رتب وصف النجاسة على تلك الحقيقة، وتنتفى الحقيقة بانتفاء بعض أجزاء مفهومها، فمن باب أولى بانتفائها كلها.
وإنما قيل (4) أن إحراق الذى تطهر به النجاسة هو ما استحالت به النجاسة، أى تغيرت به مادتها وتحولت عن طبيعتها. فليس كل ما يدخل النار يطهر بدخوله فيها وإنما تطهر الأعيان النجسة بالإحراق.
وقيل (5) أيضا أنه لا فرق بين الجفاف بالنار أو الشمس أو الريح، فكل ذلك يطهر النجاسة. فإذا احترقت الأرض بالنار وذهب أثر ما عليها من النجاسة جازت الصلاة مكانها من باب أولى.
وعلى القول بأن النجاسات تطهر بالإحراق إذا استحالت مادتها قالوا: إن السرقين (الزبل أو العذرة، فضلة الإنسان) إذا أحرقت حتى صارت رمادا ظهرت.
وإذا أحرق راعى الشاة الملطخ بالدم وزال عنه الدم يحكم بطهارته. وإذا لبَّن (عجن اللبن: وهو الطوب المضروب من الطين ) بالماء النجس واحرق صار طاهرا.
وكذلك الكوز أو القدر إذا طبخ من طين نجس يطهر بالإحراق والإناء من الحديد أو الخزف أو الحجر إذا دخلت النجاسة فى أجزائه فإنه يطهر بالإحراق.
مذهب المالكية:
وذكر المالكية فى ذلك رأيين:
أحدهما: أن النجاسات تطهر بالإحراق... قاله الدردير فى شرح بلغة السالك على الشرح الصغير (6)، وقاله ابن رشد كذلك (7).
والثانى: أن النجاسات لا تطهر بالإحراق (8) وذلك مفهوم من قال بنجاسة دخان النجاسات المحترقة ورمادها.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية (9) بالتفرقة بين ما هو نجس لعينه، وما هو نجس لمعنى فيه.
فأما الأشياء النجسة لعينها كالعذرة والسرجين وعظام الميتة ونحوها فقالوا لا تطهر بالإحراق، وأما إذا كانت نجاستها لمعنى كالخمر- فإنها بإحراقها يزول هذا المعنى، فتطهر بالإحراق. فإذا طبخ اللبن (الطوب النىء) الذى خلط بطينة السرجين لم يطهر لأن النار لا تطهر النجاسة.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة (10): لا تظهر النجاسة بالإحراق ولا بالاستحالة ولو أحرق السرجين النجس فصار رمادا لم تطهر لأنها نجاسة لم تحصل بالاستحالة فلم تطهر بها كالدم إذا صار قيحاً أو صديداً. وعلى هذا الأساس اعتبر الخمر كأن تتحول إلى خل فإنها نجسة بالاستحالة، فجاز أن تطهر بها. وقالوا لا تطهر الأرض بشمس ولا ريح ولا جفاف، وقالوا لا تطهر نجاسة بنار فرمادها ودخانها وبخارها وغبارها نجس.
مذهب الظاهرية:
وقال الظاهرية (11): تطهر الأعيان النجسة بإحراقها، فإذا أحرقت العذرة أو الميتة أو تغيرت فصارت رمادا أو ترابا فكل ذلك طاهر ويتيمم به.
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية (12): إن النار تطهر النجاسات وذلك بالاستحالة التامة وهى تغير اللون والريح والطعم إلى غير ما كانت عليه.
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية (13): إذا أحالت النار النجاسة رماداً أو دخانا طهرت، أما إذا أحالتها خزفاً أو آجُرَّا فلا تطهر.
مذهب الإباضية:
وللإباضية (14) فى النجس إذا صار جمرا أو رمادا قولان:
أحدهما: أنه يطهر بالإحراق.
والثانى: أنه لا يصير طاهراً به، فهو ذات واحدة تغير لونها. أما ما تنجس( أى أصابته نجاسة من غيره ) فإنه يطهر بالاحتراق، فيكون جمره ورماده ولهبه طاهرا، لأن ما تنجس بغيره تزول نجاسته بمزيل كالنار، ونصوا على أن النجاسة تزال بالنار، وقالوا: إنها أقوى من الشمس والريح فى إزالة عين النجاسة فيما يتحملها كالأرض والفخار بأن يحمى عليه حتى تطيقُه اليد سواء جعلت النار على موضع النجاسة أو تحته أو وصلته الحرارة التى لا تطيقها اليد حتى ولو لم تترك أثرا.
دخان النجاسات ورمادها
الرأى فى دخان النجاسات ورمادها على وجهين. أحدهما: مبنى على القول بأن الإحراق يطهر النجاسات فيكون دخانها ورمادها طاهرين. والآخر: مبنى على أنه لا يطهرها، والدخان هو أجزاء من النجاسات فلا يكون طاهرا ولا رمادها.
مذهب الحنفية:
قال الأحناف (15) تبعا لرأيهم الراجح: إن دخان النجاسة ورمادها طاهران، فإذا (16) أصاب الثوب أو البدن دخان نجاسة لا ينجسه. وإذا أحرقت العذرة فى بيت فعلا، دخانها وبخارها إلى السقف، وانعقد وذاب أو عرق فأصاب ماؤه ثوبا، لا ينظر استحسانا. قيل ما لم يظهر أثر النجاسة.
مذهب المالكية:
قال المالكية (17) ممن رأوا نجاسة الأشياء النجسة المحروقة، أن دخان النجاسات عند حرقها نجس. وقيل إن دخانها أشد نجاسة من رمادها، وأن رمادها نجس كذلك. وكذلك عرق الحمام من الرطوبات التى به من بول، وعرق، و نجاسات.
فإذا كان الدخان ينعكس على طعام يطهى على نجاسات يوقد بها، فإن كان دخانها ينعكس فى الطعام، فيصل إليه فإن الطعام يكون نجسا فلا يؤكل. وإن كان لا ينعكس فلا بأس به. ولذلك فلا يؤكل الخبز الذى يوقد عليه بأرواث الحمير. ولا يوقد بعظام الميتة على طعاما أو شراب.
وقيل (18) ينبغى أن يرخص فى مصر فى الخبز بالزبل (ومثله الجلة) لعموم البلوى ومراعاة لمن يرى أن النار تطهر النجاسات وإن رماد النجاسة طاهر، وللقول بطهارة زبل الخيل. وقيل لا ينجس بالملاقاة أو العلوق، وهو أن يظهر أثر الدخان فيما أصابه، لا مجرد رائحته.

 
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية (19) فى رماد النجاسات لعينها أنه نجس، فلا يطهر السرجين والعذرة وعظام الميتة بالإحراق ورمادها المتخلف عنها نجس.
أما دخانها ففيه وجهان:
أحدهما: أنه نجس لأنه أجزاء متحللة من النجاسة فهو كالرماد.
والثانى: أنه ليس بنجس لأنه بخار نجاسة كالبخار الذى يخرج من الجوف.
وقالوا (20): إن النار المتصاعدة من الوقود بأعيان نجسة ليست نجسة لأنها ليست من نفس الوقود، وإنما هى تأكل الوقود. فالنار المتصاعدة طاهرة ما لم تختلط بالدخان.
وقيل: يعفى عن القليل من دخان النجاسة. وقيل لا يعفى عنه، فإذا قيل ذلك، فإذا مسح التنور مما علق به من دخان بخرقة يابسة طهر. وإذا مسح بخرقة رطبة يطهر وإلا غسل بالماء.
وقالوا فيما علق بالثوب من دخان النجاسات: إن كان قليلا عفى عنه، وإن كان كثيرا لم يعفه عنه ولم يطهر إلا بالغسل وإذا اسود الرغيف مما لصق به من دخان وقود نجس، كان أسفله نجسا.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة (21): لا تطهر نجاسة بنار. فرمادها ودخانها وبحارها وغبارها نجس.
مذهب الظاهرية:
وقال الظاهرية (22): إن تراب النجاسات المحروقة طاهر، وذلك تبعا لقولهم بطهارة المحروقات النجسة.
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية (23): إن العذرة والروث والميتة ونحوها إذا صارت رماداً، فالمذهب أن الاستحالة توجب الطهارة، وفى الدخان وجهان.
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية (24): إذا أحالت النار النجاسة رمادا أو دخانا طهرت.
مذهب الإباضية:
وللإباضية(25) قولان فى غبار النجس ورماده. أحدهما: أنه يطهر بالإحراق. والراجح عندهم أنه لا يطهر بالإحراق لأن غبرة الشىء جزء لطيف منه. أما دخانه فقد قالوا بطهارته لأنه لا توجد فيه ذات النجس ولا طعمه ولا لونه ولا رائحة يحكم على النجاسة بها.
أما المتنجس بغيره فلا خلاف عندهم فى طهارة غباره ورماده وجمره ودخانه.
استعمال المحروقات
لا خلاف بين فقهاء المذاهب فى جواز استعمال الرماد المتخلف من محروق طاهر غير أن التيمم بالرماد أو بما خالطه الرماد من تراب الأرض أو بمدفون المحروق فموضعه الكلام على التيمم، انظر "تيمم".
وفيما يحرق من أجل التجمير "تبخير"، فموضعه مصطلح " تجمير ".
الإحراق بأمر الإمام أو ولى الأمر
هناك أحوال شتى يكون فيها للإمام أو ولى الأمر استعمال النار فى الإحراق كما أن ثمة قيودا على استعمال النار فى نواح أخرى.
نتكلم فيما يلى على الفروض التى قيل بجواز الإحراق فيها، وما لا يجوز من المثلة والتعذيب بالنار.
إحراق رحال الغالَّ للغنيمة ومتاعه
نص الحنابلة (26): على إحراق رحال الغالَّ للغنيمة ومتاعه، واكتفى الحنفية (27) والمالكية (28) والشافعية (29) بالقول بأنه يؤدب، وقال الإمام الشافعى: لا يرجل الغال عن دابته فيحرق سرجه ومتاعه، لأن الرجل لا يعاقب فى ماله، وإنما يعاقب فى بدنه. وإنما جعل الله الحدود على الأبدان، وكذلك العقوبات. وأما المال فلا توقع العقوبة عليه.
وقال الحنابلة: إن حكم الغال- وهو الذى يكتم ما يأخذه من الغنيمة فلا يطلع الإمام عليه ولا يضعه فى الغنيمة- أن يحرق رحله كله.
وقال ابن قدامة: وبهذا قال الحسن وفقهاء الشام، ومنهم مكحول والأوزاعى وأن سعيد بن عبد الملك أتى بغال فجمع ماله وأحرقه وعمر بن عبد العزيز حاضر ذلك فلم يعبه.
وقال يزبد بن يزيد بن جابر: إن السنة فى الذى يغل أن يحرق رحله. وقد رواه سعيد فى سننه. والدليل ما روى صالح بن محمد بن زرارة قال: دخلت مع مسلمة أرض الروم فأتى برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال: سمعت أبى يحدث عن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه سلم قال:" إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه واضربوه "... قال: فوجدنا فى متاعه، مصحفا فسأل سالما عنه فقال: بعه وتصدق بثمنه. فالمصحف لا يحرق إذا غل، وكذلك لا ينبغى أن تحرق كتب العلم والحديث، ولا يحرق الحيوان لنهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يعذب بالنار إلا ربها، ولحرمة الحيوان فى نفسه ولأنه لا يدخل فى اسم المتاع المأمور بإحراقه.
قال ابن قدامة: وهذا لا خلاف فيه.
ولا تحرق كذلك آلة الدابة أى سرج الدابة ونحوه أيضا، نص عليه أحمد، لأنه يحتاج إليها للانتفاع بها ولأنها تابعة لما لا يحرق، فأشبه جلد المصحف وكيسه قال ابن قدامة: قال الأوزاعى: ويحرق سرجه وأكافه (البرذعة)، ولا تحرق ثياب الغال التى عليه لأنه لا يجوز تركه عريانا، ولا ما غل من غنيمة المسلمين ويرفع إلى المغنم كما قال الإمام أحمد بن حنبل، ولا يحرق سلاحه لأنه يحتاج إليه فى القتال، ولا تحرق نفقته لأن ذلك مما لا يحرق عادة، وجميع ذلك أو ما أبقت عليه النار من حديد أو غيره فهو لصاحبه لأن ملكه ثابت عليه ولم يوجد ما يزيله عنه، وإنما عوقب بإحراق متاعه فما لم يحترق يبقى على ما كان.
قال الإمام أحمد: وإذا استحدث الغال متاعا غير ما كان معه عند الغلول بعد أن رجع إلى بلده، أحرق ما كان معه حال الغلول فقط.
كما قال: وإن مات قبل إحراق رحله لم يحرق لأنها عقوبة فتسقط بالموت كالحدود ولأنه بالموت انتقل إلى ورثته فإحراقه عقوبة لغير الجانى وإن باع رحله أو وهبه احتمل ألا يحرق لأنه صار لغيره. فأشبه ما لو انتقل عنه بالموت، واحتمل أن ينقض البيع والهبة ويحرق لأنه تعلق به حق سابق على البيع أو الهبة فوجب تقديمه.
وإن كان الغال صبيا لم يحرق متاعه لأن الإحراق عقوبة وهو ليس أهلا للعقوبة. وإن كان عبدا لم يحرق متاعه أيضا لأن المتاع لسيده فلا يعاقب سيده بجناية عبده وإن غلت امرأة أو ذمى أحرق متاعهما لأنهما من أهل العقوبة، وإن أنكر الغلول وذكر أنه ابتاع ما بيده لم يحرق متاعه حتى يثبت غلوله ببينة أو إقرار.
الإحراق فى القتال
إحراق حصون الكفار وإرسال النار عليهم بالمجانيق وغيرها:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية (30): لا بأس بأن يحرق المسلمون حصون الكافرين وأن ينصبوا المجانيق عليهم لقول الله تعالى" يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين "(31)، و لأن كل ذلك من باب القتال لما فيه من قهر العدو والنكاية فيه وغيظه، ولأن حرمة الأموال لحرمة أربابها، فكذلك لا تكون ثمة حرمة لأموالهم. وكذلك لما ذكره الزهرى من أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخيل بنى النضير وتحريقها فأنزل الله قوله: " ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله" (32)، أى أن القطع جائز بإذن الله، ففى هذا بيان أنه كان فيه غيظ لهم وقد أمرنا به لقوله تعالى: ( ولا يطأون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح ( (23).
وكذلك فقد أمر بحرق قصر عوف بن مالك النضرى بأوطاس.
وكره بعض الحنفية ذلك لما ذكره أبو بكر فى وصيته ليزيد بن أبى سفيان ألا يقطعوا شجرة ولا يخربوا ولا يفسدوا، لقوله تعالى: ( و إذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ( (34).
وقال ابن عابدين: أن الإحراق فى الأصل ممنوع لأنه لا يعذب بالنار إلا ربها. ولكن تحرق الدابة إذا شق نقلها وكانوا ينتفعون لا لو عقرت أو ذبحت، كما تحرق الأسلحة والأمتعة إن تعذر حملها، ويدفن ما لا يحرق بموضع خفى.
مذهب المالكية:
وقال المالكية (35) بجواز التخريب وقطع النخل والحرق إن أنكأ العدو. وأنه لا بأس أن ترمى حصونهم بالمجانيق وأن تحرق فى قراهم وحصونهم بالنار، وذلك إذا لم يكن غير النار وسيلة، وكنا إذا تركناهم خفنا على المسلمين، وأما إذا لم نخف، فقد اختلف الرأى فى جواز إحراق المحاربين بالنار إذا انفردوا ولم يمكن قتلهم إلا بالنار. فقال رأى بجواز ذلك. وقال رأى بعدم جوازه، ما دام لا خوف عليهم من المسلمين.
وقال ابن رشد: أنه يجوز أن يرمى من فى الحصون بالنار إذا لم يكن فيها إلا المقاتلة.
والرأى الظاهر: أن ذلك مندوب لما فيه من غيظ العدو، فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقطع نخل بنى النضير فأنزل الله:( ما قطعتم من لينة ( فهى دالة على إباحة القطع، ولا حرج فى الترك.
وقال مالك: الظاهر الأفضل أن القطع أولى من الترك لما فيه من إذلال العدو وصغارهم ونكايتهم لقوله تعالى: ( ولا ينالون من عدو نيلا(.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية (36): فى ذلك أنه يجوز حصار الكفار فى البلاد والقلاع ورميهم بنار أو منجنيق أو غيرهما. وقالوا: إنه يجوز إحراق ما لا روح له. أما ما له روح من حيوان فإن قتله محرم لأنه يألم مما أصابه، إلا أن يذبح فيؤكل ولا يحل قتله لمغايظة العدو لقوله صلى الله عليه وسلم: " من قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها، سأله الله عنها "، ولا تحرق حشرة النحل لأنها ذات روح.
وإذا تحصن أهل الحرب بحرم مكة امتنع قتالهم بما يعمهم وغيرهم، وكذا حصارهم تعظيما للحرم، فإذا قامت ضرورة لذلك جاز. وإذا رموا بالمنجنيق فارتد الرمى ورجع وأصاب أحد رجال جيش المسلمين ممن يرمون به، أو غيرهم، فقتله فديته على عواقل الذين رموا بالمنجنيق. فإن كان المصاب أحد الرماة الذين رموا به رفعت حصته من الدية.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة (37): إذا قدر على العدو فلا يجوز تحريقه بالنار بغير خلاف، وإن أمكن أخذ العدو بدون رميهم بالنار لم يجز رميهم، لأنهم فى معنى المقدور عليهم، وأما عند العجز عنهم بغيرها فجائز فى قول أكثر أهل العلم، ويجوز نصب المنجنيق عليهم، لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بالطائف.
مذهب الظاهرية:
وقال الظاهرية (38): يجوز تحريق أشجار المشركين وأطعمتهم وزروعهم ودورهم وهدمها. وقال الله تعالى: ( ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله ( وقد أحرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بنى النضير.
 
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية (39): يجوز للإمام ومن يوليه من قبله أن يحرق من حاربه، وأن يرميه بالمنجنيق بشرطين:
أحدهما: أن يتعذر إيقاع السيف فيهم لتحصنهم فى قلاع أو بيوت مانعة أو فى سفينة فى البحر.
الثانى: أن يكونوا فى تلك الحال قد خلوا مما لا يجوز أن يقتل من الصبيان أو النسوة ونحوهم.
فإذا اجتمع هذان الشرطان جاز قتلهم بما أمكن، فلا يجوز الإحراق إلا لضرورة ملجئة وهى تعذر دفعهم عن المسلمين أو تعذر قتلهم.
ويجوز تخريب بيوت المشركين وقطع شجرهم إن لم يمكن إحراقها لقوله تعالى:( ما قطعتم من لينة (. وقد أحرق النبى صلى الله عليه وسلم شجر الطائف وبنى النضير.
وقالوا: إن ما تعذر حمله إلى دار الإسلام، حيث يكون جمادا، كالثياب والطعام ونحوهما يجوز إحراقه.
أما الحيوان فلا يحرق إلا بعد الذبح فإن كان مما يستبيحون أكله، أو ينتفعون به بعد الذبح يحرق وأما ما لا يأكلونه ولا ينتفعون به وهو ميتة فلا وجه لإحراقه.
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية (40): يجوز محاربة العدو بكل ما يرجى به الفتح كهدم الحصون والرمى بالمجانيق، ويكره رميهم بالنار إلا لضرورة، فإن أدى ذلك إلى قتل نفس محترمة فيحرم الرمى بالنار إن أمكن بدونه، وأما إذا توقف الفتح عليه فوجب الإحراق فى القتال إذا وجد فى العدو مسلم أو من لا يقتل
مذهب الحنفية:
قال الحنفية (41): إذا كان فى الحصن ونحوه نساء أو صبيان أو أسرى من المسلمين أو تجار مسلمون، فلو قدر على التمييز فعلا بين المحاربين وبين هؤلاء لزمنا ذلك فلا يحل إذن رمى النساء والصبيان والأسارى، فإذا كانوا يقصدون المشركين ولا يمكنهم التمييز جاز الرمى بالنار والإحراق. قالوا: و ذلك حتى لا ينسد باب الجهاد بأن يعمد العدو إلى الاحتفاظ معه بمن لا يجوز قتلهم ليعرقل الحرب، وكذلك إذا تترسوا بأطفال المسلمين فلا بأس بالرمى إليهم بضرورة إقامة الفرض، فإن أصابوا مسلما فلا دية ولا كفارة.
وقال الحسن بن زياد: تجب الدية والكفارة، لأن دم المسلم معصوم، والضرورة فى رفع المؤاخذة لا لنفى الضمان كتناول مال الغير فى مخمصة رخص فيه، ولكن مع الضمان.
مذهب المالكية:
وقال المالكية (42): إذا كان فى الحصن مع المقاتلين أسرى مسلمون فلا يرمون بالنار، وإذا كان فى الحصن نساء وصبية من المشركين فقد قيل فى المدونة أنه يجوز أن يرموا بالمجانيق ولا يجوز أن يحرقوا.
وقال ابن رشد فى السفن فيها الأسارى المسلمون أو النساء أو الصبيان قولان: قول أنه يجوز رميهم بالنار وقول أنه لا يجوز ذلك.
وإن تترسوا بمسلم لم يقصد الترس إذ لا يستباح دم المسلم، إلا إذا خيف أن يؤدى تركهم إلى انهزام المسلمين واستئصال قاعدة الإسلام، فإنه يجب الدفع وتسقط حرمة الترس.
وقد قال المالكية أنه إذا اضطر الجيش إلى التخلى عن الخيل أو الحيوان فى أرض العدو، فإنها تعرقب (اى تقطع عراقيبها) فإن خيف أكلها فإنها تحرق، وذلك إذا كانوا يأكلون الميتة.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية (43): إذا كان فى المشركين الذين يجرى قتالهم مسلم أو أسير أو تاجر مسلم جاز حصارهم وقتلهم بما يعم، فإن الأمر محمول على ما فيه مصلحة المسلمين لئلا يعطلوا الجهاد علينا بحبسهم مسلما عندهم. ولكن يجب توقى ذلك ما أمكن ويكره عند عدم الاضطرار إليه تحرزا من إيذاء المسلم ما أمكن، ومثله فى ذلك الذمى.
ولا ضمان عندهم فى قتل المسلم أو الذمى فى ذلك، لأن الفرض أنه لم تعلم عينه، أى أن المسلمين رموا أو أحرقوا ولا يعلمون بخصوص ذات من فيهم من المسلمين، ويجوز رميهم بالنار والمنجنيق ولو كان فيهم النساء والصبيان لقوله تعالى " فخذوهم واحصروهم "، ولأنه صلى الله عليه وسلم حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق.
وقال الإمام الشافعى: لا بأس أن ينصب المنجنيق على الحصون دون البيوت التى بها الساكن، إلا أن يلتحم المسلمون قريبا من الحصون فلا بأس أن ترمى البيوت. وإذا كان فى الحصون والبيوت مقاتلة محصنون رميت الحصون والبيوت ولو التحموا فى حرب فتترسوا بنساء وخناثى وصبيان ومجانين منهم، جاز رميهم إذا دعت الضرورة لذلك، فإذا دفعوا بهم عن أنفسهم ولم تدع الضرورة إلى رميهم فالأظهر تركهم، لئلا يؤدى الرمى إلى قتلهم بغير ضرورة.
قالوا: ولكن المعتمد جوازه مع الكراهية وهو قياس على ما مر من قتلهم بما يعم.
وقيل: يشترط لذلك أن يكون القصد هو التوصل إلى رجالهم.
وإن تترسوا بمسلمين أو ذميين فإن لم تدع ضرورة إلى رميهم تركناهم وجوبا صيانة لهم، وهم يختلفون فى ذلك عن الذرية والنساء المشركات لأن حرق المسلم أو الذمى لأجل الدين، وأما حرق الذرية والنساء فلحفظ حق الغانمين خاصة. وإلا فإذا تترسوا بمسلمين أو ذميين حال الالتحام فى الحرب اضطررنا لرميهم بأن كنا لو كففنا عنهم ظفروا بنا أو عظمت مكانتهم فينا، جاز رميهم على الأصح على قصد قتال المشركين، وفى سبيله ويتوقى المسلمون بحسب الإمكان، لأن مفسدة الكف عنهم أعظم ولا يكون ذلك عند الخوف، لأن دم المسلم أو الذمى لا يباح بالخوف.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة (44): وإذا تضمن رمى الكفار إتلاف النساء والذرية الذين يحرم إتلافهم قصدا، وكان لا يقدر عليهم إلا بذلك، جاز الرمى بالنار والإحراق.
وإن تترس الأعداء أثناء الحرب بنسائهم وصبيانهم جاز رميهم بقصد المقاتلة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم رماهم بالمنجيق ومنهم النساء والصبيان، ولأنهم متى علموا ذلك تترسوا بهم عند حرقهم فينقطع الجهاد.0. وذلك سواء كانت الحرب ملتحمة أو غير ملتحمة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يتحين بالرمى حال التحام الحرب.
وقالوا: إن تترسوا بمسلم ولم تدع الحاجة إلى رميهم، لكون الحرب غير قائمة أو لإمكان القدرة عليهم بدونه، أو للأمن من شرهم، لم يجز رميهم، فإن رماهم فأصاب مسلما فعليه الضمان، وإن دعت الحاجة إلى رميهم للخوف على المسلمين جاز رميهم لأنها حالة ضرورة، وذلك إذا لم يقدر عليهم إلا بالرمى وكانت الحرب قائمة، لأن ترك ذلك يفضى إلى تعطيل الجهاد... فعلى هذا، فإن قتل الرامى مسلما فعليه الكفارة، وفى الدية رأيان: أحدهما أنها تجب لأنه قتل مؤمنا خطأ فيدخل فى عموم الآية..( ومن قتل مؤمنا خطأ ( والثانى: أنه لا دية عليه لأنه قتل فى دار الحرب برمى مباح فيدخل فى عموم قوله تعالى: ( وإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة (، ولم يذكر الدية.
مذهب الزيدية:
واشترط الزيدية (45) لرمى المشركين بالنار وحرقهم ألا يكون معهم صبية أو نساء، وإلا فلا يجوز الإحراق إلا لضرورة ملجئة، وهى تعذر دفعهم عن المسلمين أو تعذر قتلهم دون الترس.
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية (46): لو تترس الأعداء بالنساء أو الصبيان منهم كف عنهم إلا فى حال التحام الحرب، وكذا لو تترسوا بالأسارى من المسلمين.
فإذا قتل الأسير المسلم ولم يكن من الممكن جهادهم إلا كذلك، فلا يلزم القاتل بالدية. وفى الكفارة خلاف، فقال بعضهم تلزمه " الكفارة "، وقال البعض الآخر لا تلزمه.
الإحراق فى قتال البغاة
مذهب الحنفية:
قال الحنفية (47): يقاتل أهل البغى بالمنجيق والحرق وغير ذلك مما يقاتل به أهل الحرب، لأن قتالهم لدفع شرهم وكسر شوكتهم، فيقاتلون بكل ما يحصل به ذلك.
مذهب المالكية:
وقال المالكية (48): إن قتال البغاة يقصد به ردعهم فقط وليس قتلهم، فهو يختلف عن قتال الكفار فى ذلك، ولذلك تنصب عليهم الدراعات ولا تحرق مساكنهم ولا يقطع شجرهم.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية (49): لا يقاتل البغاة بعظيم يعم كنار أو منجنيق.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة (50): لا يقاتل البغاة بما يعم إتلافه كالنار من غير ضرورة، فإن دعت الضرورة لذلك كما لو حاصر البغاة أهل العدل فلم يمكنهم التخلص إلا برميهم بما يعم، جاز ذلك.
وأما المرتدون فقد قالوا أن أبا بكر كان يأمر بتحريقهم بالنار. وفعل خالد بن الوليد ذلك بأمره.
وقال فى منتهى الإرادات غير ذلك.
لأنه إذا أصر المرتد على ردته قتل بالسيف ولا يحرق بالنار لحديث " إن الله كتب الإحسان على كل شىء فإذا قتلتم فأحسنوا القتل " وحديث " من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله " (يعنى النار) قال: رواه البخارى.
مذهب الظاهرية:
وقال الظاهرية(51): لا يحل قتال أهل البغى بنار تحرق من فى الحصن من غير أهل البغى لقوله تعالى " ولا تكسب كل نفس إلا عليها، ولاتزر وازرة وزر أخرى"، أما إذا لم يكن فيه إلا البغاة فقط، فيقاتلون حتى ينزلوا إلى الحق. ويجوز أن توقد النيران حولهم ويترك لهم مكان يتخلصون منه إلى عسكر أهل الحق ( أى المسلمين )، ولا يحل حصارهم بالنار دون أن يجعل لهم منفذا، لأن الله تعالى لم يأمر بذلك ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وإنما أمر بالمقاتلة فقط.
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية (52): يحرق الباغى ويغرق ويخنق إن تعذر قتلهم بالسيف وخلوا عمن لا يقتل كالنساء والصبيان، ويجوز للحاكم تعزير أهل البغى بإحراق دورهم وهدمها.
مذهب الإمامية:
وقال الإمامية (53): إن القصد من محاربة البغاة تفريق كلمتهم، فقتالهم أقل من جهاد المشركين.
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية (54): ويمنع فى القتال بين الفئة الباغية وغيرها من إشعال النار فيما بينهم وقت اصطفافهم لقتال لا بقصد إحراق أو موت. ولكن لا ضمان ان أصيبوا ولو قصدوهم بالحريق.
إحراق آلات اللهو والخمر ودور ال
إحراق آلات اللهو والخمر ودور الفسق
والكتب الباطلة والصلبان
مذهب الحنفية:
قال الحنفية (55): يجوز إحراق بيت الخمر، فقد روى عن عمر رضى الله عنه أنه أحرق بيت الخمار، وعن الإمام الزاهد الصفار أنه أمر بتخريب دار الفاسق بسبب الفسق. وقال أبو يوسف يحرق الزق أو يخرق إذا كان فيه خمر لمسلم أو لنصرانى
مذهب المالكية:
وقال المالكية (56) إن من قال بأن العقوبة المالية منسوخة فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا.
وأورد القرافى أمثلة عديدة للإحراق وغيره من طرق التعزير تساوى فيه القليل والكثير ومن ذلك تحريق عمر للمكان الذى يباع فيه الخمر وتحريق قصر سعد ابن أبى وقاص لما احتجب عن الناس فيه وصار يحكم فى داره وأن أبا بكر" رضى الله عنه" استشار الصحابة فى رجل ينكح كما تنكح المرأة فأشاروا بحرقه بالنار، فكتب أبو بكر رضى الله عنه- بذلك إلى خالد بن الوليد ثم حرقهم عبد الله بن الزبير فى خلافته، ثم حرقهم هشام بن عبد الملك. وهو رأى ابن حبيب من الحنابلة، وذكره فى مختصر الواضحة وأن أبا بكر حرق جماعة من أهل الردة... قال وغير ذلك من القضايا مما يكثر تعداده وهى شائعة فى مذهب مالك وابن حنبل.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية (57):لا يجوز توقيع العقوبة على المال وأن العقوبة توقع على البدن وقد أجاب الإمام الشافعى بذلك كما تقدم فى سؤاله عن حرق متاع الغال وإنما إذا أصابوا فى القتال كتبا فيها كفر لم يجز تركها على حالها لأن النظر فيها معصية وإن أصابوا التوراة والإنجيل لم يجز تركها على حالها لأنها مبدلة فإن أمكن الانتفاع بما كتب عليه كالجلود غسل، وإن لم يمكن حرق.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة (58):إن إتلاف المال على وجه التعزير والعقوبة ليس بمنسوخ وقالوا: يجوز إتلاف المنكرات من الأعيان والصور وإتلاف محلها تبعا لها مثل الأصنام المعبودة من دون الله، ولما كانت صورها منكرة فإنه يجوز إتلاف مادتها فإذا كانت حجرا أو خشبا أو نحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها وكذلك آلات الملاهى كالطنبور يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء ومن الإتلاف إحراقها وقال أبو الحصين: كسر رجل طنبورا فخاصمه إلى شريح فلم يضمنه شيئا وقد رجحه ابن القيم لأن الله سبحانه وتعالى اخبر موسى - عليه السلام- أن يحرق العجل وكان من ذهب وفضة، وذلك محق بالكلية.
وأن النبى صلى الله عليه وسلم رأى بيد عمر كتابا اكتتبه من التوراة وأعجبه موافقته للقرآن فتمعر (أى ظهر الغضب على وجهه صلى الله عليه وسلم) حتى ذهب عمر إلى التنور فألقاه فيه.
وأنه يجوز إحراق آلات السحر والتنجيم ومخازن الخمر وحرق الصحابة جميع المصاحف المخالفة لمصحف عثمان لما خافوا على الأمة من الاختلاف 0 وكذلك الكتب المشتملة على بدعة تتلف ولا ضمان على إتلافها وإحرقها.
وقالوا: يحرق بيت الخمار وأماكن المعاصى وأنه يستحب أن يحرق بيت المسلم الخمار الذى يبيع الخمر وكذلك النصرانى يبيع الخمر للمسلمين فإن لم ينته فإنه يحرق بيته عليه بالنار.وحرق عمر بن الخطاب بيت روشن الثقفى لأنه كان يبيع الخمر.
وقال ابن قدامة: إن أبا بكر أمر بتحريق أهل الردة بالنار ونقل خالد بن الوليد ذلك، وإنما روى حمزة الأسلمى أن النبى "صلى الله عليه وسلم" قال: إن أخذتم فلانا فأحرقوه بالنار ثم رجع فقال إن أخذتم فلانا فاقتلوه ولا تحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار.
مذهب الظاهرية:
وعند الظاهرية (59): قال أبو محمد بن حزم:إنه يجوز إحراق بيت الخمار كفعل عمر ابن الخطاب "رضى الله عنه" ويكون ذلك حدا مفترضا، لأن عمر فعله. وروى أن من فعل فعل قوم لوط يحرق عند البعض بالنار إلا أنه ضعف الأحاديث التي استدل بها فى ذلك، لأنه قد صح أنه لا قتل عليه، وحكمه حكم من أتى منكرا فالواجب بأمر النبى صلى الله عليه وسلم تغييره باليد أو الفعل أو القول.
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية (60): تحرق دفاتر الكفر وكتب الزنادقة والمشبهة وأوراقهم، وذلك إن تعذر تسويدها وردها إلى المالك وإذا وجدت فى الغنيمة دفاتر كفر فتحرق إن لم يمكن محوها. أما التوراة والإنجيل فتمحى ولا تحرق، وكذلك سائر الصحف النبوية فأما جلد الميتة وعصبها فيحرق لتحريم استعماله. وقالوا كذلك بإحراق آلات اللهو والطرب.
إحراق المصاحف
مذهب الحنفية:
قال الحنفية (61): لا تحرق المصاحف إذا صار المصحف خلقا "أى باليا " أو تعذرت قراءته فلا يحرق بالنار بل يجعل فى خرقة طاهرة ويدفن.
مذهب المالكية:
وقال المالكية (62) إذا احرق شخص المصحف استخفافا لا صونا، كان ذلك فعلا يتضمن الردة، وعليه فيكون مرتدا وقالوا: إن المراد بالمصحف ما فيه قرآن ولو كلمة ومثل ذلك أسماء الله الحسنى وأسماء الأنبياء والحديث وكتب الفقه، فإن حرق كل ذلك على وجه الاستخفاف لا يجوز، فإن كان على وجه الصيانة فلا ضرر.
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية (63) إن حرق المصاحف من أسباب الردة والعياذ بالله.
تحريم المثلة والتعذيب بالنار والقتل بها
وردت الأحاديث علي عدم جواز المثلة والتعذيب بالنار والقتل بها لقوله "صلي الله عليه وسلم" لا يعذب بالنار إلا رب النار" رواه أبو داود (64) فلا يجوز إقامة الحد أو التعزير بالنار انظر " آلة ".
إلا أنه إذا كان الجانى قد أحرق من جنى عليه، كأن يكون قد طرحه فى النار، فإنه يعاقب بمثل ما جنى، انظر: " الجناية على النفس بالإحراق ".
مذهب المالكية:
قال المالكية (65) فى تعزير شاهد الزور:لا يجوز تسخيمه بسواد كالفحم، كما يفعل فى بعض البلاد لأنه حرام وتغيير لخلق الله
مذهب الزيدية:
وقال الزيدية (66): يجوز تعزير أهل البغى بإحراق دورهم وهدمها، وكذلك يجوز إحراق مال المحتكر مع حاجة المسلمين إليه.
مذهب الإباضية:
وقال الإباضية (67) يجوز القتل بالنار إذا امتنع من يراد القصاص منه عند التنفيذ، وقد بينا من قبل خلاف الحنابلة فى جواز حرق المرتد. وأن ابن قدامة أجاز ذلك ولم يجزه صاحب منتهى الإرادات، وكذلك نصت بعض المذاهب على أن المثلة بعد النصر فى القتال غير جائزة (68). وأنه إذا قدر على العدو فلا يجوز تحريقه بالنار (69) ونصت بعض المذاهب (70) أيضا على عدم جواز إحراق العبد بالنار أو التمثيل به أو وسم أى عضو منه بما يحرق وأنه إذا تعرض لذلك يعتق الجناية على الأموال بالإحراق.
وضمان ما يحرق من المال
من يتسبب فى الجناية على مال بإحراقه ضمن، وفى ذلك:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية (71)انه لو وضع فى الطريق جمرا فاحترق به شىء كان ضامنا، لأنه كان متعديا بوضع النار فى الطريق وإن حركته الريح فذهبت به إلى موضع آخر ثم أحترق به شىء لا يكون ضامنا. وقالوا هذا إذا لم يكن اليوم ريحا، فإن كان ريحا كان ضامنا لأنه علم حين ألقاه فى الطريق أن الريح تذهب به إلى موضع آخر، فيضاف التلف إليه فيكون ضامنا، ولو أن رجلا مر فى ملكه وهو يحمل نارا فوقعت شرارة منها على ثوب إنسان فاحترق... ذكر فى النوادر أنه يكون ضامنا، ولو طارت الريح بشرر ناره وألقته على ثوب إنسان لا يضمنه لأن الاحتراق حصل من الريح هاهنا. هذا إذا كان فى موضع له حق المرور فيه، فإن لم يكن له حق المرور فى ذلك الموضع يكون ضامنا. ولو أحرق كلأ أو حصائد فى أرضه فذهبت النار يمينا وشمالا وأحرقت شيئا لغيره لم يضمنه لأنه غير متعد.
مذهب المالكية:
ويذهب المالكية (72) إلى مثل ما ذهب إليه الحنفية فقالوا:من أجج نارا" أى أشعلها" فى يوم عاصف (أى شديد الريح ) فأحرقت شيئا فإنه يضمنه إلا أن يكون ذلك فى مكان بعيد لا يظن وصول النار إلى الشىء الذى حرق فإنه لا ضمان عليه حينئذ، كذلك لا ضمان على من أجج نارا فى وقت لا ريح فيه، ثم أن الريح عصفت عليها فنقلتها إلى متاع شخص فأتلفته.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعية (73) بمثل هذا المذهب أيضا، فنصوا على أنه إن سقط الشرر على مال بعارض ريح ونحوها لم يضمن، لأن التلف لم يحصل بفعله، ولو أوقد نارا فى أرضه فحملتها الريح إلى أرضه غيره فأتلفت شيئا أو أجج على سطحه نارا فطارت شرارة إلى دار الجار فأحرقتها فان كان الذى فعله قد جرت به العادة لم يضمن لأنه غير متعد، وإن فعل ما لم تجر به العادة بأن أجج من النار ما لا يقف على حد داره ضمن لأنه متعد.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة (74 ) كذلك بهذا الرأى، فقالوا: إذا أوقد بملكه نارا أو فى موات فطارت شرارة إلى دار جاره فأحرقتها لم يضمن إذا فعل ما جرت به العادة من غير تفريط لأنه غير متعد. ولأنها سراية فعل مباح، وإن كان ذلك بتفريط منه بأن أجج نارا تسرى فى العادة لكثرتها أو فى ريح شديدة تحملها أو أوقد فى دار غيره ضمن ما تلف به، وإن سرى إلى غير الدار التى. أوقد فيها لأنها سراية عدوان وإن أوقد نارا فأيبست أغصان شجر غيره ضمنه، لأن ذلك لا يكون إلا من نار كثيرة إلا أن تكون الأغصان فى هوائه (أى داخلة فى ملكه ) فلا يضمنها، لأن دخولها عليه غير مستحق.
وجاء فى كشاف القناع: وإن أجج نارا فى موات أو فى ملكه بأن أوقد النار حتى صارت تلتهب فى داره أو علي سطحه فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه لم يضمن الفاعل، لأن ذلك ليس من فعله ولا تعديه ولا تفريطه وذلك إذا كان التأجج ما جرت به العادة بلا إفراط ولا تفريط، فإن فرط بأن ترك النار مؤججة ونام فحصل التلف بذلك وهو نائم ضمن لتفريطه، أو فرط بأن أجج نارا تسرى فى العادة لكثرتها أو أججها فى ريح شديدة تحملها إلى ملك غيره ضمن لتعديه، وكذا لو أججها قرب زرب (أى حظيرة المواشى ) أو حصيد، ولا يضمن إن تعدت النار لطيران الريح بعد أن لم تكن لعدم تفريطه قال فى عيون المسائل: لو أججها على سطح دار فهبت الريح فأطارت الشرر لم يضمن لأنه فى ملكه ولم يفرط، وهبوب الريح ليس من فعله.
 
مذهب الظاهرية:
وعند الظاهرية (75 ): جاء فى المحلى: من أوقد نار ليصطلى أو ليطبخ شيئا وأوقد سراجا ثم نام فاشتعلت تلك النار فأتلفت أمتعة وناسا فلا شىء عليه فى ذلك أصلا لأنه غير متعد. أما إذا تعدى فعليه الضمان لقول الرسول" صلى الله عليه وسلم " النار جبار"، وهو خبر صحيح تقوم به الحجة فوجب بهذا أن كل ما تلف بالنار فهو هدر إلا نار اتفق الجميع على تضمين طارحها، وليس ذلك إلا ما تعمد الإنسان طرحه للإفساد والإتلاف، فهذا مباشر متعد.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية (76):من أجج ناراً فى ملكه فحملتها الريح إلى موضع فأهلكت مالا فيه، فإنه لا يضمن. لأنها انتقلت عن وضعه، إلا أن يكون الموضع متصلا أو فى حكم المتصل كأن يصله لهب النار أو كما لو كان بين الملكين شجر ونحوه فتسرى فيه النار إلى ملك الآخر فإنه يضمن، وإذا كان متعديا بوضعها ضمن ما تولد منها ولو بهبوب الريح.
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية (77) لو أجج نارا فى ملكه ولو للمنفعة فى ريح معتدلة أو ساكنة لم يزد النار عن قدر الحاجة التى أضرمها لأجله فلا ضمان، لأن له التصرف فى ملكه كيف شاء، وان عصفت الريح بعد إضرامها بغتة لعدم التفريط، وألا يفعل كذلك بأن كانت الريح عاصفة حالة الإضرام على وجه يوجب ظن التعدى إلى ملك الغير أو زاد عن قدر الحاجة، وإن كانت ساكنة ضمن سرايتها إلى ملك غيره. ولو أججها فى موضع ليس له ذلك فيه ضمن، ولو أججها فى المباح، فالظاهر أنه كالملك لجواز التصرف فيه.
الجناية على النفس بالإحراق
مذهب الحنفية:
قال الحنفية ( 78): إذا أحرق رجل رجلا بالنار قتل به( أى بالإحراق) لأن النار تفرق الأجزاء أو تبعضها.
مذهب المالكية:
وعند المالكية ( 79): يقتل القاتل بما قتل به ولو نارا، لقوله تعالى " وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به "، وقوله تعالى " فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم "، والمعنى أن الحق فى القتل للولى بمثل ما قتل به الجانى، ومن خاف من النار على زرعه أو على نفسه أو على داره فقام ليطفئها فاحترق فيها فإن دمه يكون هدرا، وظاهره أن الحكم فيه هو هذا سواء كان فاعلها يضمن ما أتلفته كما إذا هيجها فى يوم عاصف، أم لا وهو ظاهر حل البساطى.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية (80 ) يقتل بإلقاء النار من فعل ذلك بغيره ويخرج منها قبل أن يشوى جلده ليتمكن من تجهيزه وإن أكلت النار جسد الأول، ولو ألقى فى النار مثل مدته فلم يمت، زيد من ذلك الجنس حتى يموت ليقتل بما قتل به، ولو ألقاه فى نار يمكن الخلاص منها فمكث ففى وجوب الدية قولان أظهرهما: لا دية ولا قصاص فى ذلك، أما إذا لم يمكنه الخلاص من النار لعظمها أو نحو زمانه فيه (مرض أو عجز) فيجب القود.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة (81 ) لا يجوز استيفاء القصاص فى النفس إلا بالسيف فى العنق سواء كان القتل به أو بمحرم لعينه كتحريق وذلك للنهى عن المثلة.
ومن ألقى شخصا فى نار لا يمكنه التخلص منها إما لكثرة النار أو لعجزه عن التخلص لمرض أو صغر، وكان مربوطا أو منعه الخروج فهو قتل عمد لأنه يقتل غالبا.
وان تركه فى نار يمكنه التخلص منها لقلتها أو كونه فى طرف منها يمكنه الخروج بأدنى حركة فلم يخرج حتى مات فلا قود لأن هذا لا يقتل غالبا، وهل يضمنه وجهان:
أحدهما: لا يضمنه لأنه مهلك لنفسه بإقامته فلم يضمنه لكن يضمن ما أصابت النار منه.
والثانى: يضمنه لأنه جان بالإلقاء المفضى إلى الهلاك وترك التخلص لا يسقط الضمان والنار يسيرها مهلك.
مذهب الظاهرية:
وقال الظاهرية (82): إن من عمد إلى إحراق قوم فعليه القود وإن لم يعمد ذلك فهو قاتل خطأ، والديات على عاقلته والكفارة عليه لكل نفس كفارة، انظر " كفارة ".
مذهب الزيدية:
ويذهب الزيدية (83) إلى أن من أحرق فالقصاص بالسيف لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا قود إلا بالسيف "، أما قوله صلى الله عليه وسلم: " من غرق غرقناه، ومن حرق حرقناه "، ورضخه صلى الله عليه وسلم: "رأس اليهودى فلعله لمصلحة كتحريق على عليه السلام الغلاة، وأبى بكر الفجاءة ونحوه مما يجوز للإمام، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " لا يعذب بالنار إلا رب النار"
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية (84) لو طرحه فى النار فمات قتل به ولو كان قادرا على الخروج ولأن النار قد تشنج الأعصاب بالملاقاة فلا يتيسر الفرار أما لو علم أنه ترك الخروج تخاذلا فلا قود، لأنه أعان على نفسه وينقدح أنه لا دية له أيضا لأنه مستقل بإتلاف نفسه، أما لو خرج فترك المداواة فمات فإن له الدية لأن السراية مع ترك المداواة ناشئة من الجرح المضمون والتلف من النار ليس بمجرد الإلقاء بل بالإحراق المتجدد الذى لولا المكث لما حصل ولو قصد بتأجيج النار الإتلاف فهو عامد يقاد فى النفس مع ضمان المال 00 انظر " آلة، قصاص ".

__________

(1) فتح القدير ج1 ص 138،139، والفتاوى الهندية ج1 ص 44،البحر الرائق لابن نجيم ج1 ص 239.
(2) فتح القدير ج1 ص 139.
(3) فتح القدير ج1 ص 139.
(4) حاشية ابن عابدين ج1 ص 291.
(5) فتح القدير ج1 ص 138، والفتاوى الهندية ج1 ص 44، البحر الرائق ج1 ص 155.
(6) ج1 ص 19.
(7) الحطاب ج 1 ص 106 وما بعدها.
(8) المرجع السابق ج1 ص 106 وما بعدها.
(9) المهذب ج1 ص 48 وما بعدها ونهاية المحتاج ج1 ص 229 وما بعدها ، والمجموع ج2 ص 579 وما بعدها.
(10) كشاف القناع ج1 ص 87،16 والمغنى ج1 ص 744.
(11) المحلى ج1 ص 128 وما بعدها.
(12) البحر الزخار ج1 ص 23 وشرح الأزهار ج1 ص 42 وما بعدها.
(13) الروضة البهية ج1 ص 22 وشرائع الإسلام ج1 ص 42.
(14) شرح النيل ج1 ص 269،276.
(15) المراجع السابقة.
(16) الفتاوى الهندية ج1 ص 47 والبحر الرائق ج1 ص 244.
(17) الحطاب ج1 ص 106 وما بعدها.
(18) الحطاب ج1 ص 106 وما بعدها.
(19) المراجع السابقة.
(20) نهاية المحتاج ج1 ص 229 وما بعدها.
(21) كشاف القناع ج1 ص 16.
(22) المحلى ج1 ص 128 وما بعدها.
(23) شرح الأزهار ج1 ص 50.
(24) الروضة البهية ج1 ص22 وشرائع الإسلام ج1 ص 42.
(25) شرح النيل ج1 ص 269.
(26) المغنى ج10 ص 532 وما بعدها.
(27) الزيلعى ج3 ص 244 وابن نجيم ج5 ص 83.
(28) الحطاب ج3 ص 354.
(29)الأم ج4 ص 251.
(30) المبسوط للسرخسى ج10 ص 32 وما بعدها، مطبعة درب سعادة سنة 1324، وبدائع الصنائع ج7 ص 100 وما بعدها ، مطبعة الجمالية سنة 1910، والبحر الرائق لابن نجيم ج5 ص 82 وما بعدها الطبعة الأولى بالمطبعة العلمية ،والفتاوى الهندية ج2 ص 193 وما بعدها، مطبعة بولاق الأميرية الطبعة الثانية وحاشية ابن عابدين ج3 ص 317.
(31) سورة الحشر: 2.
(32) سورة الحشر:5.
(33) سورة التوبة:120.
(34) سورة البقرة:205.
(35) شرح الحطاب ج3 ص 335 وما بعدها وهامشه التاج و الأكليل فى المرجع نفسه، وبلغة السالك ج2 ص 385.
(36) نهاية المحتاج ج 8 ص 61، والأم الجزء الرابع ص 287 وما بعدها.
(37) المغنى ج10 ص 532 وما بعدها و ص 502، والمحرر ج2 ص 178.
(38) المحلى ج7 ص 294.
(39) شرح الأزهار ج4 ص 541،500 والبحر الزخار ج5 ص 414 وما بعدها.
(40) شرائع الإسلام ج1 ص 148 وما بعدها والروضة البهية ج1 ص 220 والمختصر النافع ص 136.
(41) المبسوط للسرخسى ج8 ص 33 وبدائع الصنائع ج7 ص 101،والبحر الرائق ج5 ص 82.
(42) الحطاب ج3 ص 335 وما بعدها وهامشه التاج والأكليل فى الموضع نفسه.
(43) نهاية المحتاج ج8 ص 61، والأم ج4 ص 287 وما بعدها.
(44) المغنى ج10 ص 502 وما بعدها.
(45) شرح الأزهار ج4 ص 541،550 والبحر الزخار ج5 ص 414 وما بعدها.
(46) المختصر النافع ص 136 والروضة البهية ج 1ص 220 وشرائع الإسلام ج1 ص 148.
(47) بدائع الصنائع ج7 ص141 والفتاوى الهندية ج2 ص 284.
(48) الدردير ج2 ص 385.
(49) نهاية المحتاج ج7 ص 387.
(50) منتهى الإرادات ج4 ص 141 ،154.
(51) المحلى ج11 ص 116.
(52) البحر الزخار ج5 ص 418، ص 420.
(53) شرائع الإسلام ج1 ص 157.
(54) شرح النيل ج 2 ص329.
(55) الفتاوى الهندية ج ه ص 353، 373، 323، والفتاوى البزازية هامش الكتاب السابق ج6ص356
(56) تهذيب الفروق للقرافى ج 2 "االهامش " ص206 وما بعدها.
(57) الأم ج 4ص251 والمهدب.
(58) الطرق الحكمية لأبن القيم الجوذية ص،274 271، 275 وما بعدها، وكشاف القناع ج2 ص 374، 375، والمغنى ج10 ص374 ومنتهى الإرادات ج4 ص155
(59) المحلى ج11 ص315،380.
(60) شرح الأزهار ج4 ص 583، والبحر الزخار ج5 صرف429.
(61) الفتاوى الهندية ج ه ص323.
(62) الدردير ج2 ص 385، الدسوقى ج4 ص301
( 63) البحر الزخار ج5 ص424.
(64) انظر المغنى ج10 ص 502
(65) الحطاب ج4 ص 141.
(66) البحر الزخار ج 5 ص420
(67) شرح النيل ج 2 ص 329.
(68) وذلك عند الحنفية البحر الرائق لابن نجيم ج ه ص83.
(69) ذلك عند الحنابلة- المغنى ج10 ص 502.
(70) عند المالكية الدردير ج2 ص413، وعند الحنابلة المحرر ج 2 ص 2 وعند الظاهرية المحلى ج 9 ص210
(71) الفتاوى الهندية ج 3 ص458،459،398.
(72) شرح الخرشى ج 8 ص111 ومواهب الجليل للحطاب ج 6 ص1 32 وشرح الخرشى ج8 ص 112.
(73) المهذب ج 2 ص 52 1، 275.
(74) المغنى ج 5 ص453 وكشاف القناع ج 2 ص367.
(75) المحلى ج11 ص19، 20.
(76) شرح الأزهار وحاشيته ج4 ص420 ،421.
(77) الروضة البهية ج 2 ص 425.
(78) البحر الرائق ج 8 ص327.
(79) الدردير ج2 ص 365، 366 والحطاب ج 6 ص 322، 333.
(80) نهاية المحتاج ج 7 ص 289، 291، 244.
(81) كشاف القناع ج3 ص 363،364والمغنى ج 9 ص 325.
(82) المحلى ج11 ص19وج10ص360.
(83) البحر الزخار ج 5 ص236،237.
(84) شرائع الإسلام ج2 ص 265، والروضة البهية ج 2 ص425.

 
إحرامُ (أ)

التعريف اللغوى:
الإحرام لغة مصدر أحرم وأحرم دخل فى الحرم أو فى حرمة لا تهتك أو فى الشهر الحرام، وأحرم الحاج أو المعتمر دخل فى عمل حرم عليه به ما كان حلالا. والأصل فيه المنع. ويقال أحرمت الشىء بمعنى حرمته. والمحرم المسالم، ومنه حديث الصلاة تحريمها التكبير كأن المصلي بالتكبير والدخول فى الصلاة صار ممنوعا من الكلام والأفعال الخارجة عن كلام الصلاة وأفعالها(1).
التعريف الاصطلاحى
مذهب الحنفية:
عرفه فقهاء الحنفية بالنسبة للحج بأنه تحريم المباحات على النفس لأداء هذه العبادة (التى هى الحج والعمرة) وقال صاحب فتح القدير: حقيقته الدخول فى الحرمة، والمراد الدخول فى حرمات مخصوصة أى التزامها غير أنه لا يتحقق ثبوته شرعا إلا بالنية مع الذكر (2).
مذهب المالكية:
هو عند المالكية نية أحد النسكين " الحج والعمرة أو هما معا " والعبرة بالقصد لا باللفظ، والأولى ترك اللفظ ولا يضر مخالفة اللفظ لما نواه، ولا يضر رفض أحد النسكين بل هو باق علي إحرامه وإن رفضه: أى ألغاه (3).
مذهب الشافعية:
عند الشافعية هو الدخول في حج أو عمرة أو فيهما أو فيما يصلح لهما أو لأحدهما ويطلق أيضا على نية الدخول فى النسك ( 4)
مذهب الحنابلة:
هو عند الحنابلة نية النسك أى الدخول فيه لا نيته ليحج أو يعتمر سمى الدخول فى النسك إحراما لأن المحرم بإحرامه حرم على نفسه أشياء كانت مباحة له من النكاح والطيب وغيرها (5)
مذهب الظاهرية:
يفهم من كلام ابن حزم الظاهرى أن الإحرام هو الدخول فى الحج أو العمرة فقد جاء فى المحلى: إذا جاء من يريد الحج أو العمرة إلى أحد المواقيت فإن كان يريد العمرة فليتجرد من ثيابه إن كان رجلا ويلتحف فيما شاء من كساء أوملحفة أو رداء، فإن كان امرأة فلتلبس ما شاءت ثم يقولون: لبيك بعمرة أو ينويان ذلك فى أنفسهما، والأمر كذلك عنده بالنسبة للحاج على تفصيل فيمن ساق الهدى ومن لم يسقه(6)
مذهب الزيدية: والزيدية يذهبون إلى أن الإحرام هو نية الحج أو العمرة أو هما معا عند الميقات، فقد قالوا إنما ينعقد بالنية، ولابد معها من تلبية، ويصح نية الإحرام من غير تعيين ما أحرم له(7).
مذهب الإمامية:
يقول الإمامية هو فى الحقيقة عبارة عن النية لأن توطين النفس على ترك المحرمات المذكورة لا يخرج عنها، ويمكن أن يريد به نية الحج جملة (8).
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: يعقد نية الإحرام بحج ويقول لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة والملك لك لا شريك لك لبيك بحج تمامه وبلاغه عليك يا الله. ومن لم يلب لم يدخل فى حج ولم يصح إحرامه، والتلبية مع نية الإحرام بحج أو
بعمرة أو بهما قيل: كافيتان عن ذكر حج أو عمرة أو ذكرهما فى التلبية.، والأول الذى هو ذكر أحدهما أو ذكرهما فى التلبية أصح (9)
حكم الإحرام فى الحج
مذهب الحنفية:
عند الحنفية هو شرط ابتداء فصح تقديمه على أشهر الحج، إن كره، وله حكن الركن انتهاء فلا يجوز لفائت الحج استدامة الإحرام ليقضى به من قابل بل عليه التحلل بعمرة ثم القضاء من قابل. (10)
مذهب المالكية:
قال المالكية هو ركن من أركان الحج، والركن فى هذا الباب هو مالابد من فعله ولا يجزىء عنه دم ولا غيره (11)
مذهب الشافعية:
عند الشافعية الإحرام ركن من أركان الحج على أنه نية الدخول فى النسك(12)
مذهب الحنابلة:
اختلفت الرواية فى الإحرام فروى أن الإحرام ركن لأنه عبارة عن نية الدخول فى الحج، فلم يتم بدونها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ". وكسائر العبادات، وروى أنه ليس بركن لحديث الثورى الذى يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم:" الحج عرفة"، فمن جاء قبل صلاة الفجر ليلة جمع فقد تم حجه، والرأى الأول هو مشهور المذهب (13)
مذهب الزيدية:
أركان الحج عند الزيدية هى الإحرام والوقوف وطواف الزيارة وفروضه الأركان وطواف القدوم.. إلخ. فعدوه ركنا و فرضا (14)
مذهب الإمامية:
ويشترط فى حج الأفراد النية، والمراد بها نية الإحرام بالنسك المخصوص ووجه تخصيصه- أى الإحرام - أنه الركن الأعظم باستمراره ومصاحبته لأكثر الأفعال وكثره أحكامه. وقالوا: أفعال العمرة المطلقة وهى الإحرام والطواف والسعى والتقصير... والثلاثة الأول منها أركان (15).
مذهب الإباضية:
الإحرام ركن من أركان الحج (16).
حكم الإحرام فى الصلاة
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: التحريمة، وهى تكبيرة الافتتاح شرط صحة الشروع فى الصلاة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا يقبل الله صلاة امرىء حتى يضع الطهور مواضعه، ويستقبل القبلة، ويقول الله اكبر ". نفى قبول الصلاة بدون التكبير فدل على كونه شرطا لكن إنما يؤخذ( أى يلزم) هذا الشرط على القادر دون العاجز.
والإحرام فى الصلاة عند الحنفية يكون بلفظ الله اكبر وما اشتق منه كقوله الله الأكبر والله الكبير، واقتصر أبو يوسف على ذلك. وقال أبو حنيفة ومحمد يجوز الشروع بكل ذكر هو ثناء خالص لله تعالى يراد به تعظيمه لا غير، كأن يقول الله أجل، الله أعظم، أو الحمد لله أو سبحان الله، وكذلك كل اسم ذكر مع الصفة نحو الرحمن أعظم أو الرحيم أجل.. ويجوز الشروع فى الصلاة بلفظ من هذه الألفاظ على الخلاف المذكور بغير اللغة العربية لمن كان عاجزا عن النطق بها، أما من كان قادرا على النطق بها فيجوز له النطق بغيرها عند أبى حنيفة ولا يجوز عند الصاحبين (17)
مذهب المالكية:
قال المالكية: الصلاة مركبة من أقوال وأفعال فجميع أقوالها ليست بفرائض إلا ثلاثة، منها تكبيرة الإحرام (18)
مذهب الشافعية:
قال الشافعية من أركان الصلاة تكبيرة الإحرام، لما روى الشيخان " إذا قمت إلى الصلاة فكبر ويتعين فيها علي القادر. بالنطق بها " الله كبر " لأنه المأثور من فعله صلى الله عليه وسلم (19)
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: التكبير ركن فى الصلاة، لا تنعقد الصلاة إلا به سواء تركه عمدا أم سوأ، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " تحريمها التكبير " فدل على أنه لا يدخل الصلاة بدونه، فإن كان أخرس أو عاجزا فى عن التكبير بكل لسان سقط عنه (20)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: الإحرام بالتكبير فرض لا تجزىء الصلاة إلا به لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فدخل رجل فصلى... وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" أرجع فصل، فإنك لم تصل " ( ثلاث مرات) فقال: والذى بعثك بالحق ما أحسن غيره فعلمنى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا قمت إلى الصلاة فكبر "، فقد أمر بتكبير الإحرام (21)
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: الفرض الثانى من فرائض الصلاة هو التكبير، ومن شرطه أن يكون المكبر قائما، والتكبير من الصلاة فى الأصح (22)
مذهب الإمامية:
قال صاحب المختصر النافع: أفعال الصلاة واجبة ومندوبة، فالواجبات ثمانية وعد من بينها التكبير. قال: وهو ركن فى الصلاة وصورته اللّه كبر مرتبا ولا ينعقد بمعناه، ومع التعذر تكفى الترجمة والأخرس ينطق بالممكن، ويعقد قلبه بها مع الإشارة، ويشترط فيها القيام (23)
مذهب الإباضية:
وفرضت تكبيرة الإحرام والافتتاح وزعم بعضهم أنها سنة سائر التكبير وقيل أن كسائر فرض، ومن تعمد فيها لحنا أعاد الصلاة وإن لم يتعمد فقولان ، وصح بالعربية وفسد بغيرها علي المختار، وبوجوب ترتيب اللفظين وموالاتهما وجوز عند البعض البناء على اللفظ الأول لقطع كسعلة أو عطسة أو نحوها (24)
كيفية الإحرام بالحج
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إذا أراد الإحرام اغتسل أو توضأ، والغسل أفضل، لما روى أنه صلى الله عليه وسلم أغتسل لإحرامه، إلا أن الاغتسال للتنظيف حتى تؤمر به الحائض، وإن لم يقع فرضا عنها فيقوم الوضوء مقامه، ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين: إزار، ورداء، لأن المحرم ممنوع عن لبس المخيط.
وينبغى لولى من أحرم من الصبيان العقلاء أن يجرده ويلبسه ثوبين إزارا ورداء لأن الصبى فى مراعاة السنن كالبالغ ويتطيب بأى طيب شاء، ويستحب عند الإحرام للمحرم تقليم أظافره وقص شاربه وحلق عانته ونتف إبطه وتسريح رأسه عقيب الغسل، لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم ائتزر وارتدى عند إحرامه، ولابد من ستر العورة.
والجديد فى الثياب افضل، لأنه أقرب إلى الطهارة، والأولى أن يكونا أبيضين ومس الطيب، وعن محمد أنه يكره إذا تطيب بما تبقى عينه بعد الإحرام.
ووجه المشهور حديث عائشة رضى الله عنها قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، والإزار من الحقو والرداء من الكتف ويدخل الرداء تحت يمينه ويلقيه على كتفه الأيسر فيبقى كتفه الأيمن مكشوفا ولا يزره ولا يعقده ولا يخلله، فإن فعل ذلك كره ولا شىء عليه والثوب الواحد الساتر جائز، وصلى ركعتين، لما روى جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذى الحليفة ركعتين عند إحرامه، ويقول بعد الصلاة، إن أراد أن يحرم بالحج: " اللهم إنى أريد الحج فيسره لى وتقبله منى، وإذا أراد أن يحرم بالعمرة يقول اللهم إنى أريد العمرة فيسرها لى وتقبلها منى، وإذا أراد القرآن يقول اللهم إنى أريد العمرة والحج فيسرهما لى وتقبلهما مني، لأنه فى عبادة عظيمة فيها كلفة ومشقة شديدة ، فيستحب الدعاء بالتيسير وبالتسهيل وبالقبول ثم يلبى عقب صلاته، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم لبى فى دبر صلاته وإن لبى بعد ما استوت به راحلته جاز ولكن الأول أفضل ولا ينبغى أن يخل بشىء من كلمات التلبية ولو زاد فيها جاز، وإذا لبى فقد أحرم: يعنى مع النية. لأن العبادة لا تتأتى إلا بالنية ولا يصير شارعا فى الإحرام بمجرد النية ما لم يأت بالتلبية وعن أبى يوسف يصير شارعا بالنية وحدها من غير تلبية.
ودليل من ذهب إلى اشتراط التلبية قول الله تعالى:( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولى الألباب((25)
قال ابن عباس - رضى الله عنه -: فرض الحج الإهلال. وقال ابن عمر- رضى الله عنه-: التلبية وقالت عائشة - رضى الله عنها -: لا إحرام إلا لمن أهل أو لبى، والإهلال رفع الصوت بالتلبية، ولأن الحج يشتمل علي أركان فوجب أن يشترط فى تحريمه ذكر يراد به التعظيم كالصلاة (26).قال المالكية عن كيفية الإحرام: تجرد ذكر من محيط سواء كان الذكر مكلفا أم لا، والخطاب يتعلق بولى الصغير والمجنون، وسواء كان المحيط بخياطة كالقميص والسراويل أم لا، كنسج أو صياغة، أو بنفسه، كجلد سلخ بلا شق والأنثى لا يجب عليها التجرد إلا فى نحو أساور، ووجب علي المحرم المكلف ذكر أو أنثى تلبية، ووجب وصلها به (أى بالإحرام) ويسن للإحرام غسل متصل به متقدم عليه، فإن تأخر إحرامه كثيرا أعاد الغسل، ولا يضر فصل بسد رحاله وإصلاح حاله وسن لبس إزار بوسطه ورداء على كتفيه ونعلين فى رجليه (27).
وقال الخرشى: ظاهر كلام خليل أن السنة الإحرام عقب نفل، ولذا قال: والفرض مجز، والمستحب أن يكون أثر نافلة ليكون للإحرام صلاة تخصه (28).
ويندب للمحرم إزالة شعثه قبل الُغسل بأن يقص أظافره وشاربه ويحلق عانته وينتفه شعر إبطه ويرجل شعر رأسه أو يحلقه إن كان من أهل الحلاق ليستريح من ضررها وهو محرم (29).

 
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: ويستحب للمحرم أن يغتسل، لما روى زيد بن ثابت رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله علية وسلم اغتسل لإحرامه، وان كانت امرأة حائضا أو نفساء اغتسلت للإحرام، لما روى القاسم بن محمد أن أسماء بنت عميس ولدت محمد بن أبى بكر رضى الله عنهما بالبيداء، فذكر ذلك أبو يكر رضى الله تعالى عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال " مروها فلتغتسل، ثم لتهل "، ولأنه غسل يراد للنسك فاستوى فيه الحائض والطاهر ، ومن لم يجد الماء تيمم لأنه غسل مشروع، فانتقل منه إلى التيمم عند عدم الماء كغسل الجنابة.
قال فى الأم: ويغتسل لسبعة مواطن وعدم منها الإحرام (30) ويسن أن يطيب مريد الإحرام بدنه ذكرا أم غيره، شابه أم عجوزا، خلية أم لا، للاتباع، ولا بأس باستدامته: أى الطيب بعد الإحرام. ويسن أن تخضب المرأة غير المحدة للإحرام يدها (31). ويتجرد الرجل عن المخيط فى إزار ورداء أبيضين ونعلين، لما روى ابن عمر - رضى الله تعالى عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ليحرم أحدكم فى أزار ورداء ونعلين، والمستحب أن يكون ذلك بياضا لما روى ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إلبسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خيار ثيابكم ".
والمستحب أن يتطيب فى بدنه لما روت عائشة - رضى الله تعالى عنها - قالت: " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ويصلى المحرم ركعتين لما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنه وجابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى ذى الحليفة ركعتين ثم أحرم.
قال الشافعى فى مذهبه القديم: الأفضل أن يحرم عقيب الركعتين(32) فينوى بقلبه وجوبا دخوله فى حج أو عمرة أو كليهما أو ما يصلح لشيء منهما، وهو الإحرام المطلق، ويلبى مع النية فينوى بقلبه ويقول بلسانه: نويت الحج مثلا، وأحرمت به الله تعالى، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، أن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك. ولا يجهر بهذه التلبية. ويندب أن يذكر فى هذه التلبية لا غيرها ما أحرم به، وهو الأوجه، وتبعه فى الأذكار ونقله فى الإيضاح عن الجوينى وأقره، والعبرة بما نواه لا بما ذكره فى تلبيته.
ويُسَن أن يتلفظ بما يريده وأن يستقبل القبلة عند إحرامه وأن يقول: اللهم أحرم لك شعرى وبشرى ولحمى ودمى، فإن لبى بلا نية لم ينعقد إحرامه لخبر " إنما الأعمال بالنيات "، وإن نوى ولم يلب انعقد على الصحيح كسائر العبادات.
ويندب لمريد الإحرام التنظيف بإزالة نحو شعر إبط وعانة وظفر ووسخ وغسل رأسه بسدر ونحوه، والقياس كما قاله الإسنوى تقديم هذه الأمور على الغسل (33).
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: ويسن لمن يريد الإحرام تجرد من مخيط لأنه صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله، وأن يحرم فى أزار ورداء أبيضين نظيفين ونعلين لقوله صلى الله عليه وسلم: " وليحرم أحدكم فى ازأر ورداء ونعلين "، هذا إذا كان المحرم رجلا، أما المرأة فلها ليس المخيط فى الإحرام إلا القفازين، وأن يكون إحرامه عقب صلاة مكتوبة أو صلاة ركعتين نفلا (34).
ويسن له أن يغتسل ذكرا كان أو أنثى، ولو حائضا أو نفساء، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس، وهى نفساء، أن تغتسل، وأمر عائشة أن تغتسل لإهلال الحج وهى حائض، ويستحب لهما تأخير الغسل أن توقعتا الطهر قبل الخروج من الميقات وإلا اغتسلتا، ويحل التيمم محل الغسل عند عدم الماء أو تعذر استعماله.
ويسن له أيضا أن يتنظف بإزالة الشعر كحلق العانة وقص الشارب ونتف الإبط وتقليم الأظافر وقطع الرائحة الكريهة، وان يطيب بدنه لا ثوبه بمسك أو بخور أو ماء ورد، ويستحب للمرأة الخضاب بالحناء.
ويسن للمحرم أن يلبس ثوبين أبيضين نظيفين: إزار فى وسطه ورداء على كتفه. ويجوز إحرامه فى ثوب واحد، وعلى مريد الإحرام أن يتجرد عن المخيط ويلبس نعلين.
ويبن أن يحرم عقب صلاة مكتوبة أو صلاة نفل ركعتين ندبا (35). ويستقبل القبلة عند إحرامه.
ويسن أن يعين نسكا من حج أو عمرة أو قران، ويلفظ به، فيقول: اللهم أنى أريد النسك (الحج مثلا) فيسره لى وتقبله منى، ونية النسك كافية فلا يحتاج معها إلى تلبية ولا سوق هدى، فلو لبى أو ساق الهدى من غير نية لم ينعقد احرامه.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: يتجرد من يريد الحج أو العمرة إن كان رجلا من ثيابه فلا يلبس القميص ولا السراويل ولا العمامة ولا القلنسوة ولا جبة ولا برنسا ولا خفين ولا قفازين البتة. لكن يلتحف فيما شاء من كساء أو ملحفة أو رداء ويتزر ويكشف رأسه ويابس نعليه ولا يحل له أن يتزر ولا أن يلتحف فى ثوب صبغ كله أو بعضه بورس أو زعفران أو عصفر، فإن كان امرأة فلتلبس ما شاءت من كل ما ذكرنا أنه لا يلبسه الرجل وتغطى رأسها، إلا إنها لا تنتقب أصلا، لكن إما أن تكشف وجهها وأما أن تسدل عليه ثوبا من فوق رأسها فذلك لها إن شاءت ولا يحل لها أن تلبس شيئا صبغ كله أو بعض الورس أو زعفران ولها أن تلبس الخفاف والمعصفر، فإن لم يجد الرجل إزار فليلبس السراويل كما هى إن لم يجد نعلين فليقطع خفيه تحت الكعبين ولابد، ويلبسها كذلك.
واستدل على هذأ كله بأحاديث، وقال ويستحب الغسل عند الإحرام للرجال والنساء، وليس فرضا إلا على النفساء وحدها لما روى عن أسماء بنت عميس أنها ولدت محمد بن أبى بكر الصديق رضى الله عنه بالبيداء فذكر أبو بكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " مرها فلتغتسل ثم تهل ".
ويستحب للمرأة والرجل أن يتطيبا عند الإحرام بأطيب ما يجدانه من الغالية والبخور بالعنبر وغيره، ثم لا يزيلانه عن أنفسهما ما بقى عليهما (36) ويستحب أن يكثر من التلبية الإحرام فما بعده دائما فى حال وعلى كل حال يرفع الرجل والمرآة صوتهما بها وهو فرض ولو مرة (37)
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: يندب قبل الإحرام ستة أمور: قلم الظفر ونتف الإبط ،وحلق الشعر والعانة،أو التيمم للعذر المانع من الغسل والتيمم لغير الحائض ،ويندب لها الغسل ولو كانت حائضا،لآن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أسماء بنت عميس لما وصلت إلى ذى الحليفة فولدت محمد بن أبى بكر ، فسألت رسول صلى علية وسلم: كيف أصنع ، فقال لها: " اغتسلى واستثفرى بثوب وأحرمى"
وقال لعائشة - رضى الله عنها - حين حاضت وكانت مهله بعمرة "انقضى رأسك ،أو مشطى واغتسلى "،ثم بعد الغسل لبس جديد إن وجده،أو غسيل إن لم يجد الجديد ويكون ذلك إزارا وداء أبيضين أو مصبوغين بغير زينة وأن يكون عقد إحرامه عقب صلاة فرض وإن لم يتفق الفرض فركعتان يصليهما بعد الغسل ولبس ثوبى إحرامه. ثم يقول بعد الصلاة اللهم إني أريد الحج والقرآن أو العمرة متمتعا بها إلى الحج ،فيسر ذلك بها إلى الحج ، فيسر ذلك لى وتقبله منى ثم قال فى شرح الأزهار: ولابد مع النية من تلبية لفعله صلي الله عليه وسلم حين نوى وقوله لعائشة رضى الله عنها " امتشطى وأهلى " والإهلال التلبية، وأكثر العترة على أن التلبية لا تتعين، بل يغنى عتها أى ذكر وتعظيم، إذ القصد الذكر المقتضى للتعظيم، والأصل فى النية المقارنة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " والباء للمصاحبة والإلصاق، وتجزىء المخالطة للتلبية والمقارنة أن يكون آخر جزء من النية مقارنا لأول الآية إذ لا يتصور خلافه (38)
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: الكيفية تشتمل على الواجب والندب. والواجب ثلاثة. النية وهى أن يقصد بقلبه إلى الجنس من الحج أو العمرة، والنوع من التمتع أو غيره، والصفة من وأجب أو غيره.
الثانى: التلبيات الأربع، ولا ينعقد الإحرام للمفرد والمتمتع إلا بها، وأما القارن فله أن يعقد بها أو بالأشعار أو التقليد على الأظهر، وما زاد على الأربع مستحب
الثالث: لبس ثوبى الإحرام وهما واجبان، والمعتبر ما يصح الصلاة فيه للرجل، ويجوز لبس القباء مع عدمها مقلوبا، وفى جواز لبس الحرير للمرآة روايتان للمرأة أشهرهما المنع، ويجوز أن يلبس أكثر من ثوبين وأن يبدل ثياب إحرامه ولا يطوف إلا فيهما استحبابا.
والندب رفع الصوت بالتلبية للرجل إذا علت راحلته البيداء، وإن كان راجلا فحيث يحرم، وتكرارها إلى يوم عرفة عند الزوال للحاج وللمعتمر بالمتعة حتى يشاهد بيوت مكة.
وللمفرد إذا دخل الحرم إن كان أحرم من خارجه، وحتى يشاهد الكعبة إن أحرم من الحرم، والتلفظ بما يعزم عليه والاشتراط أن يحله حيث حبسه وأن يحرم فى الثياب القطن، وأفضله البيض، وإذا أحرم الولى بالصبى فعل به ما يلزم المحرم (39).
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: وسن اغتسال الإحرام بحج أو عمرة أو بهما وجوز الوضوء فقط ولبس ثوبين جديدين أو غسيلين لم يلبسا يعد غسلهما لا مخيطين ولا ضير بثياب لبست لا متنجسة إلا أن أحرم بلا صلاة عند مجيز ذلك، وركعتان إن لم يحضر وقت مكتوبة، وجاز أثرها ويعقد نية الإحرام، ويلبى ثلاثا فى مجلسه ثم يقوم، ومن لم يلب لم يدخل فى حج ولم يصح إحرامه، فالتلبية افتتاحه كالتكبير فى الصلاة وكيفية لبس الثوبين أن يبسطهما ثم يلتحف بهما جميعا ولا بلبس أحدهما ويلتحف عليه بالآخر لأن ذلك يشبه الاحتزام به وإن لبس إزارا وهو ما كان من الحقو لا أسفل، ورداء وهو ما عم البدن كله فوقه جاز، وتجوز
المغالاة فى ثياب الإحرام، ويحظر الإعجاب والتكبر، وينبغى الإحرام فى ثوبين وأن يكون ذلك بثياب طاهرة لا مخيطين دخل فى خياطتهما، وإن لم يدخل فى خياطة الثوب فلا بأس مثل أن يكون وجها لجبة أو القميص من جهة واحدة أو يجعل عمة البرنوس خلف بلا إدخال رأسه ولو ضمهما بيده قدامه وجمعهما، ولا ضير بثياب لبست وان دنست وكانت على جسده حتي أحرم بها ويلبس نعلين (40)
مواقيت الإحرام
وهى الأماكن التي تقال على مواقيت الإحرام التي لا يصح أن يتجاوزها الحاج أو المعتمر إلا محرما، وهى بهذا المعني متفق عليها بين المذاهب آلا فى بعض الفروع.
مذهب الشافعية:
قال الحنفية: الميقات المكانى يختلف باختلاف الناس فإنهم ثلاثة أصناف: آفاقى وحلى، وهو من كان داخل المواقيت، وحرمى، وهى خمسة مواقيت: ذو الحليفة، وذات عرق، وجحفة، وقرن، ويلملم. للمدنى والعراقى والشامى والنجدى واليمنى على نفس الترتيب، وكذا هى لمن مر بها من غير أهلها كالشامى يمر بميقات أهل المدينة فهو ميقاته لحديث النبى صلى الله عليه وسلم على ما يرويه ابن عباس - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقَّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل العراق ذات عرق ، وقال صلى الله عليه وسلم:" هن لأهلهن ولمن مر بهن من غير أهلهن ممن أراد الحج أو العمرة ".
وهذه المواقيت لأهل الأفاق وهم الذين منازلهم خارج المواقيت، وهم الصنف الأول، وأما الصنف الثانى فميقاتهم للحج أو العمرة دويرة أهلهم (والدويرة الدار) أو حيث شاءوا من الحل يبن دويرة أهلهم وبين الحرم لقول الله عز وجل: ( وأتموا الحج والعمرة لله ((41)
عن على وابن مسعود - رضى الله عنهما - أنهما قالا حين سئلا عن هذه الآية الكريمة إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك، فلا يجوز لهم أن يجاوزوا ميقاتهم للحج أو العمرة إلا محرمين.
والحل الذى بين دويرة أهلهم وبين الحرم كشىء واحد، فيجوز إحرامهم إلى آخر أجزاء الحل، كما يجوز إحرام الآفاقى من دويرة أهله إلى آخر أجزاء ميقاته، وأما الصنف الثالث فميقاتهم للحج الحرم وللعمرة الحل للإجماع، فيحرم المكى من دويرة أهله للحج، أو حيث شاء من الحرم ويحرم للعمرة من الحل وهو التنعيم أو غيره.
أما الحج فللآية وهى قول الله عز وجل: ( وأتموا الحج والعمرة لله (، ومما جاء فيها عن على وابن مسعود - رضى الله عنهما - وأما العمرة فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الإفاضة من مكة دخل. على عائشة رضى الله عنها وهى تبكى فقالت أكُل نسائك يرجعن بنسكين وأنا أرجع بنسك واحد، فأمر أخاها عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما إن يعتمر بها من التنعيم، ولأن من شأن الإحرام أن يجتمع فى أفعاله الحل والحرم فلو أحرم المكى بالعمرة من مكة وأفعال العمرة تؤدى بمكة لم يجتمع فى أفعالها الحل والحرم، بل يجتمع كل أفعالها فى الحرم، وهذا خلاف عمل الإحرام فى الشرع والأفضل أن يحرم من التنعيم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحرم منه، وكذا أصحابه رضى الله عنهم كانوا يحرمون بعمرتهم منه، وكذلك من حصل فى الحرم من غير أهله فأراد الحج أو العمرة فحكمه حكم أهل الحرم، لأنه صار منهم، ولو مر صاحب ميقات من المواقيت بميقاتين فإحرامه من الأبعد أفضل ولو أخره إلى الثانى لا شىء عليه فى المذهب، ومن سلك بين ميقاتين فى البر أو البحر اجتهد وأحرم إذا حاذى ميقاتا منهما ومن كان خارج الميقات وأراد أن يدخل مكة فعليه أن يحرم وإن لم يقصد الحج أو العمرة لما رواه ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " لا يدخل أحد مكة إلا بإحرام " لتعظيم هذه البقعة الشريفة، فيستوى فيه التاجر والمعتمر وغيرهما ومن كان داخل الميقات ولا يريد الحج أو العمرة فله أن يدخل مكة بغير إحرام لحاجته لأنه يكثر دخوله مكة، وفى إيجاب الإحرام فى كل مرة حرج بين فألحقوا بأهل مكة حيث يباح لهم الدخول بغير إحرام بعدما خرجوا منها لحاجة، لأنهم حاضروا المسجد الحرام، وجاز تقديم الإحرام على المواقيت، بل هو الأفضل، ولا يجوز عكسه وهو تأخيره عن هذه المواقيت على ما يجىء فى موضعه (42).
وما روى عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوما فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام، لا يستدل به علي إسقاط الإحرام عمن كان خارج الميقات، ولم يقصد الحج أو العمرة لأن ما رواه جابر كان مختصا بتلك الساعة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم فى ذلك اليوم: " مكة حرام لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدى، وإنما أحلت لى ساعة من نهار ثم عادت حراما " يعنى الدخول بغير إحرام، لإجماع المسلمين على حل الدخول بعد النبى صلي الله عليه وسيم للقتال.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ومكانه - أى الإحرام للحج غير القرآن - يختلف باختلاف الحاجين، فهو بالنسبة لمن بمكة سواء كان من أهلها ام لا، وأقام بها إقامة لا تقطع حكم السفر، مكة، أى الأولى له أن يحرم من مكة فى أى مكان منها ومثله من فى منزله فى الحرم خارجها، وندب إحرامه بالمسجد الحرام أى فيه موضع صلاته،. وندب خروج الأفاقى المقيم بها ذى النفس أى الذى معه نفس، أى سعة زمن يمكن الخروج فيه لميقاته وأدرك الحج لميقاته ليحرم منه، فإن لم يخرج فلا شىء عليه،. ومكانه للعمرة لمن بمكة وللقران أى الإحرام للعسرة والحج معا الحل ليجمع فى إحرامه لها بين الحل والحرم إذ هو شرط فى كل إحرام، ويصح الإحرام لها وللقرآن بالحرم وإن لم يجز ابتداء وخرج وجوبا للحل للجمع فى إحرامه بين الحل والحرم ومكانه لغير من بمكة من أهل الأفاق للحج والعمرة ذو الحليفة( تصغير حلفة بالنسبة لمدنى ومن وراءه ممن يأتى علي أهل المدينة، والجحفة للمصرى ومثله أهل المغرب والسودان والروم والشام، ويلملم لليمن والهند، وقرن ( بسكون الراء المهملة لنجد، وذات عرق بكسر العين وسكون الراء) للعراق وخراسان ونحوهما كفارس والمشرق ومن وراءهم ومكانه لهما مسكن من أى بالنسبة لمن يسكن بين هذه المواقيت وبين مكة، وكان خارج الحرم أو فى الحرم وافرد، فإن قرن أو اعتمر خرج منه آلي الحل لأن كل إحرام لابد فيه من الجمع بين الحل والحرم.
والمفرد يقف بعرفة وهى من الحل ومكانه أيضا حيث حاذى المار وأحدا من هذه المواقيت كرابغ، فإنها تحاذى الجحفة على المعتمد، أو مر به وان لم يكن من أهله ولو كان المحاذى ببحر كالمسافر من جهة مصر ببحر السويس فإنه يحاذى الجحفة قبل وصوله جدة فيحرم بالبحر حين المحاذاة إلا كمصرى من كل من ميقاته الجحفة يمر ابتداء بالحليفة ميقات أهل المدينة فيندب له الإحرام منها، ولا يجب، لأنه يمر على ميقات الجحفة بخلاف غيره، ولذا لو أراد المصرى أن يمر من طريق أخرى غير طريق الجحفة لوجب عليه الإحرام من ذى الحليفة كغيره.
ثم قال: وواجب على كل مكلف حر أراد دخول مكة ألا يدخلها إلا بإحرام لأحد النسكين.
ثم قال الخرشى: يندب لمريد الإحرام من أى ميقات أن يحرم من أوله ولا يؤخره لأخره، لأن المبادرة بالطاعة أولى (43)
مذهب الشافعية:
ثم قال الشافعية: الميقات المكانى للحج ولو بقران فى حق من بمكة وان لم يكن من أهلها نفس مكة وقيل كل الحرم لأن مكة وسائر الحرم فى الحرمة سواء(44). وأما غيره وهو من لم يكن بمكة عند إرادته الحج فميقاته مختلف بحسب النواحى، فميقات المتوجه من المدينة ذو الحليفة، وهو المعروف الآن بأبيار على، وهو على نحو ثلاثة أميال من المدينة،
وقيل إنها علي ستة أميال والمتوجه من الشام ومصر والمغرب " الجحفة "، قرية كبيرة بين مكة والمدينة، وهى على ستة مراحل من مكة. ومن تهامة اليمن، وهى كل ما نزل عن نجد من بلاد الحجاز " يلملم "، وهى على مرحلتين من مكة ومن نجد اليمن ونجد الحجاز " قرن " وهو جبل على مرحلتين من مكة ومن المشرق العراق وغيره " ذات عرق " وهى قرية على مرحلتين من مكة.
والأصل فى المواقيت خبر الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم.
وقال: هن لهن ولمن أتى عليهن ممن أراد الحج والعمرة ومن كان دون ذلك، فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة، وتوقيت عمر رضى الله عنه ذات عرق لأهل العراق اجتهاد منه وأفق النص (45)
والأفضل أن يحرم من أول الميقات وهو طرفه الأبعد عن مكة لا من وسطه ولا أخره ليقطع الباقى محرما.
قال السبكى: إلا ذا الحليفة فينبغى أن. يكون إحرامه من المسجد الذى أحرم منه النبى صلى الله عليه وسلم أفضل0قال الأذرعى: وهذا حق، إن علم أن ذلك المسجد هو الموجود آثاره اليوم، والظاهر أنه هو، ويجوز من آخره لوقوع الاسم عليه، ومن سلك طريقا لا ينتهى إلى ميقات مما ذكر فإن حاذى ميقاتا منها يمنة أو يسرة سواء أكان فى البر أم فى البحر لا من ظهره أو وجهه لأن الأول وراءه، والثانى إمامه أحرم من محاذاته لما صح أن عمر - رضى الله عنه - حد لأهل العراق ذات عرق لما قالوا له إن قرنا المؤقت لأهل نجد جور أى مائل عن طريقنا وان أردناه شق علينا ولم ينكره عليه أحد فإن أشكل عليه الميقات أو موضع محاذاته تحرى إن لم يجد من يخبره عن علم ولا يقلد غيره فى التحرى إلا أن يعجز عنه كالأعمى.
والأفضل لمن فوق الميقات أن يحرم من دويرة أهله لأنه كثر عملا، إلا الحائض ونحوها، فالأفضل لها الإحرام من الميقات وفى قول الأفضل أن يحرم من الميقات تأسيا به صلى الله عليه وسلم فى الإحرام منه (46).
ومن حاذى ميقاتين على الترتيب أحرم من الأول أو معا أحرم من أقربهما إليه، وإن كان الآخر أبعد إلى مكة إذ لو كان أمامه ميقات فإنه ميقاته وأن حاذى ميقاتا أبعد فكذا ما هو بقربه، فإن استويا فى القرب إليه فالأصح أنه يحرم من محاذاة أبعدهما من مكة، وإن حاذى الأقرب إليها أولا كان كأن الأبعد مشرفا أو وعرا، فإن استويا فى القرب إليها وإليه أحرم من محاذاتهما أن لم يحاذ أحدهم قبل الآخر وإلا فمن محاذاة الأول ولا ينتظر محاذاة لآخر كما أنه ليس للمار علي ذى الحليفة أن يؤخر إحرامه إلى الجحفة ومقابل الأصح فى كلام المصنف انه يتخير، فإن شاء احرم من الموضع المحاذى لأبعدهما، وإن شاء لأقربهما (47)
ولما صح أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بحجته وبعمرة الحديبية من الحليفة، وإنما جاز قبل الميقات المكانى دون الزمانى لأن تعلق العبادة بالوقت أشد منه بالمكان ولأن المكانى يختلف باختلاف البلاد بخلاف الزمانى، والأفضل للمكى الإحرام منها، وألا يحرم من خارجها من جهة اليمن، وينبغى ألا يكون إحرام المصريين من رابغ مفضولا، وأن كانت قبل الميقات لأنه لعذر وهو إبهام الجحفة على أكثرهم وعدم وجود ماء فيها وخشية من قصدها علي ماله ونحوه.
وميقات العمرة المكانى لمن هو خارج الحرم ميقات الحج للخبر المار فيمن أراد الحج والعمرة. ومن هو بالحرم مكيا أو غيره يلزمه الخروج إلى أدنى الحل ولو بخطوة ( أى بقليل) من أى جانب شاء للجمع فيها بين الحل والحرم، لما صح من أمره صلى الله عليه وسلم عائشة بالخروج إليه للإحرام بالعمرة مع ضيق الوقت برحيل الحاج فإن لم بخرج إلى أدنى الحل وأتى بأفعال العمرة بعد إحرامه بها فى الحرم انعقدت عمرته جزما وأجزأته هذه العمرة عن عمرته فى الأظهر لانعقاد إحرامه وإتيانه بالواجبات (48)
 
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة الميقات المكانى، ميقات أهل المدينة من ذى الحليفة وأهل الشام ومصر والمغرب من الجحفة وأهل اليمن من يلملم وأهل الطائف ونجد من قرن وأهل المشرق والعراق وخراسان ذات عرق وميقات أهل نجد اليمن ونجد الحجاز 0 والطائف من قرن، وهذه المواقيت كلها ثابتة بنص حديث ابن عباس السابق ذكره وهى لأهلها المذكورين ولمن مر عليها من غير أهلها ومن كان منزله دون الميقات فميقاته من موضعه، يعني إذا كان مسكنه اقرب إلى مكة من الميقات كان ميقاته مسكنه، وإذا كان الميقات قرية فانتقلت إلى مكان آخر فموضع الإحرام من الأولى وإن انتقل الاسم إلى الثانية لأن الحكم تعلق بذلك أرضع فلا يزول بخرابه.
وقد رأى سعيد بن جبير - رضى الله عنه- رجلا يريد أن يحرم من ذات عرق فأخذ بيده حتى خرج من البيوت وقطع الوادى فأتى به المقابر، فقال: هذه ذات عرق الأولى. وميقات أهل مكة أو من كان بها إذا أرادوا الإحرام بالحج هو مكة فإذا أرادوا العمرة فمن الحل لا نعلم فى هذا خلافا ولذلك أمر النبى صلي الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما أن يعمر عائشة من التنعيم متفق عليه فإن أحرم أهل مكة، وحرمها من مكة أو من الحرم انعقد إحرامهم بالعمرة لأهليتهم له، ومخالفة الميقات لا تمنع الانعقاد. ثم إن خرج إلى الحل قبل إتمام العمرة ولو بعد الطواف أجزأته عمرته عن عمرة الإسلام، فإن أحرم من مكة أو الحرم قارنا فلا دم عليه لأجل إحرامه بالعمرة من مكة تغليبا للحج على العمرة، ومن لم يمر بميقات أحرم إذا علم أنه حاذى أقربها منه لقول عمر - رضى الله عنه-: " انظروا إلى خدرها من قديد" (واد وموضع).
والأفضل الإحرام من أوقات، فإن أحرم قبله فلا خلاف فى أنه يصير محرما تثبت فى حقه أحكام الإحرام.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم، ولكن يكره له ذلك.
أما من أراد دخول الحرم إلى مكة أو غيرها، فإن كان يدخلها لقتال مباح أو خوف أو حاجة متكررة كالحشاش والحطاب وناقل الميرة فلا إحرام عليه. أما المكلف الذى يدخل لغير قتال ولا حاجة متكررة فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم إلا أن من لا حج عليه كالعبد والصبى والكافر إذا اسلم الكافر أو عتق العبد أو بلغ الصبى بعد مجاوزته الميقات وأرادوا الإحرام فإنهم يحرمون من موضعهم لأنهم أحرموا من الموضع الذى وجب عليهم الإحرام منه، فأشبهوا المكى (49)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: للحج والعمرة مواضع تسمى المواقيت، لا يحل لأحد أن يحرم بالحج ولا بالعمرة قبلها، وهى لمن جاء من جميع البلاد على طريق المدينة أو كان من أهل المدينة ذو الحليفة، ولمن جاء من جميع البلاد أو من الشام أو من مصر على طريق مصر أو على طريق الشام الجحفة، ولمن جاء من طريق العراق منها ومن جميع البلاد ذات عرق، ولمن جاء على طريق نجد من جميع البلاد كلها قرن، ولمن جاء عن طريق اليمن منها أو من جميع البلاد يلملم.
برهان ذلك ما روى عن عائشة - رضى الله عنها - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام ومصر الجحفة، ولأهل العراق ذات عرق، ولأهل اليمن يلملم.
وعن ابن عباس رضى أن عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكر المواقيت ومنها، ولأهل نجد قرن المنازل، أما من جاوزه وهو لا يريد حجا ولا عمرة، فليس عليه أن يحرم، فإن تجاوزه بقليل أو بكثير ثم بدا له فى الحج أو فى العمرة فليحرم من حيث بدا له فى الحج أو العمرة وليس عليه أن يرجع إلى الميقات، ولا يجوز الرجوع إليه وميقاته حينئذ الموضع الذى بدا له فى الحج أو العمرة فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما، أما من كان منزله بين الميقات ومكة فميقاته من منزله أو من الموضع الذى بدا له أن يحج منه أو يعتمر ومن كان طريقه لا تمر بشىء من هذه المواقيت فليحرم من حيث شاء.
ودخول مكة بلا إحرام جائز، لأن النبى "صلى الله عليه وسلم" إنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجا أو عمرة ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة، فلم يأمر الله تعالى قط ولا رسوله "صلى الله عليه وسلم" بألا يدخل مكة إلا بإحرام، فهو إلزام ما لم يأت فى الشرع إلزامه.
والدليل ماروى أن ابن عمر رضى الله عنه أنه رجع من بعض الطريق فدخل مكة غير محرم.
وعن ابن شهاب: لا بأس بدخول مكة بغير إحرام، ومن أراد العمرة وهو بمكة إما من أهلها أو من غير أهلها ففرض عليه أن يخرج للإحرام بها إلى الحل ولابد، فيخرج إلى أى حل شاء ويهل بها لأن رسول الله" صلى الله عليه وسلم" أمر عبد الرحمن بن أبى بكر رضى الله عنهما بالخروج من مكة إلى التنعيم ليعتمر منه واعتمر رسول الله "صلى الله عليه وسلم" من الجعرانة فوجب ذلك فى العمرة خاصة (50)
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: الميقات المكانى عندهم هو ذو الحليفة لمن جاء من ناحية المدينة، والجحفة للشامى، وقرن للنجدى، ويلملم لليمنى، وذات عرق للعراقى، والحرم للحرمى المكى، ولمن كان مسكنه خلف هذه المواقيت (أى بينها وبين مكة) أن يجعل ميقاته داره..
وهذه المواقيت هى لأهل هذه البلاد التى ضربت لهم ولمن ورد عليها من غير أهلها فهى ميقات له كذلك.
وميقات المكى مكة يهلون منها، لقوله صلى الله عليه وسلم: " أهل مكة يهلون من مكة " والأفضل من باب داره أو قرب الكعبة.
وميقات المعتمر الحل، والأفضل من الجعرانة لإحرام النبى "صلى الله عليه وسلم " منها سنة موازن، ثم التنعيم، ثم الحديبية، إذا أراد أن يعتمر منها ثم مساجد عائشة. أو مسجد الشجرة، وقيل الحديبية أفضلها لبعده 0
وإن أحرم لها من مكة فوجهان، ومن لزمه الحج بعد ترك هذه المواقيت كصبى يبلغ أو كافر يسلم فإن ميقاته موضعه، فإن كان بمكة أحر م منها، وأن كان بمنى استحب له الرجوع إلى مكة ليحرم منها إذا كان لا يخشى فوات الوقوف بذلك وإلا أحرم منها. ويجوز تقديم الإحرام على مكانه إلا لمانع، وهو أن يخشى أن يقع فى شىء من المحظورات لطول المدة فإنه لا يجوز له التقديم، والدائم على الخروج والدخول آلي مكة كالحطاب وجالب اللبن ونحوهم.
واختلف فى الدائم فقال فى الانتصار هو من يدخل فى الشهر مرة، وعن المهدى من يدخلها فى العشر مرة، فهذا لا إحرام عليه، كما أنه لا إحرام على الإمام إذا دخل لحرب الكفار وقد التجئوا إلى مكة ومن كان عليه طواف الزيارة وأراد الدخول لقضائه فإنه لا يلزمه الإحرام (51)
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: المواقيت التى وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الآفاق ستة: ذو الحليفة، وهو الحلفة، والمراد الموضع الذى فيه الماء وبه مسجد الشجرة والإحرام منه أفضل وأحوط للتأسى، وقيل بل يتعين منه لتفسير ذى الحليفة به فى بعض الأخبار، والجحفة وهى الآن لأهل مصر، ويلملم لليمن،، وقرن المنازل للطائف، والعقيق، وهو واد طويل يزيد على بريدين للعراق، وأفضله المالخ، وهو أوله من جهة العراق، ثم يليه فى الفضل غمرة، وهو فى وسط الوادى، ثم ذات عرق وهى آخره إلى جهة المغرب، وميقات حج التمتع مكة وحج الأفراد منزله لأنه أقرب إلى عرفات من الميقات مطلقا، وكل من حج على ميقات كالشامى يمر بذى الحليفة فهو له وان لم يكن من أهله.
ولو تعددت المواقيت فى الطريق الواحد كذى الحليفة والجحفة والعقيق بطريق المدنى أحرم من أولها مع الاختيار، ومن ثانيها مع الاضطرار كمرض يشق معه التجريد وكشف الرأس أو ضعف أو حر أو برد بحيث لا يتحمل ذلك عادة، ولو حج على غير ميقات كفته المحاذاة للميقات وهى مسامتته إلى قاصد مكة عرفا إن اتفقت ولو لم يحاذ ميقاته أحرم من قدر تشترك فيه المواقيت، ولا يصح الإحرام قبل الميقات ألا بالنذر وشبهه من العهد واليمين (52)
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: المواقيت لأهل المدينة ومن سلك طريقهم ذو الحليفة، ولأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة، ولأهل نجد قرن، ولأهل اليمن ومن سلك طريقهم يلملم، ولأهل العراق ذات عرق عند الجمهور، وقيل ميقاتهم العقيق، ولا خلاف فى لزوم الإحرام منها، أى من المواقيت، أى من إحداها، لمار بها إذا أراد حجا أو عمرة. وإلا فقيل: يلزمه إن لم يكثر ترددا كحطاب، وقيل مطلقا.
ومن حاذى ميقاتا فى بر أو بحر فميقاته المحاذاة، فالجحفة مثلا ميقات من سلك من أهل المغرب طريق الساحل، فمن مر بها أو عن يمينها أو يسارها أو فى البر أو فى البحر.
وهذه المواقيت المذكورة لغير مكى يقيم بها، ولو أقام اقل من سنة أما من كان مكيا أو مقيما بها فيحرم بحج من مكة، ويحرم للعمرة إلى الحل من التنعيم أو من الجعرانة أو من الحديبية وهو الأفضل. ومن قصدها لتجر أو لغيره كقراءة بغير إحرام أساء ولا دم، وقيل أساء وعليه دم، وهو قول الربيع. وعلى الحطاب ومن كثر تردده طواف بعد أن يدخل مكة بلا إحرام، وقيل لا إساءة ولا دم، وجاز لأهل كل ناحية أن يحرم وإن كان إحرامه من ميقات غيره سواء جاء من ناحية ميقات غيره بدون أن يجاوز ميقات نفسه أو جاوز ميقاته ثم أحرم من ميقات غيره (53).
الميقات الزمانى للإحرام
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: أشهر الإحرام بالحج هى أشهر الحج وهى شوال وذو القعدة وعشرة أيام من ذى الحجة عند الإمام ومحمد - رضى الله عنهما- لما روى عن العبادلة الثلاثة وهم: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، كذلك عن عبد الله بن الزبير.
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " يوم الحج اكبر هو يوم النحر "، فكيف يكون يوم الحج الأكبر ولا يكون من شهره، ولأن وقت الركن وهو طواف الزيارة يدخل وقته بطلوع الفجر من يوم النحر، فكيف يدخل وقت ركن والحج يعدما خرج الوقت.
وعن أبى يوسف رحمه الله قال: شوال وذو القعدة وعشر ليال وتسعة أيام من ذى الحجة، لأن من لم يدرك بعرفة حتى طلع الفجر من يوم النحر فحجه فائت "، ولو كان وقته باقيا لما فات، وعشرة من ذى الحجة التي رويت، ولم يذكر فيها المعدود يحتمل أن يراد بها الأيام، ويحتمل أن يراد بها الليإلى كما هى القاعدة اللازمة فى تذكير أحد وتأنيثه.
أما الإحرام بالعمرة فليس له أشهر معينة لما روى عن عطاء رحمه الله أنه قال من أحرم بالحج قبل أشهر الحج فليجعلها عمرة (54)
وندبت فى رمضان لما روى عن ابن عباس - رضى الله عنهما -: " عمرة فى رمضان تعدل حجة"
وكرهت تحريما يوم عرفة قبل الزوال وبعده وهو المذهب، خلافا لما روى عن أبى يوسف رحمه الله أنها لا تكره فيه قبل الزوال، ويكره أيضا انشاؤها بالإحرام أربعة أيام بعدها، أى بعد عرفة، ويزاد على الأيام الخمسة كراهة فعلها فى أشهر الحج لأهل مكة ومن بمعناهم، أى من المقيمين ومن فى داخل الميقات، لأن الغالب عليهم أن يحجوا فى سنتهم فيكونوا متمتعين وهم عن التمتع ممنوعون، وبالنسبة للمكى لا منع له عن العمرة المفردة فى أشهر للحج إذا لم يحج فى تلك السنة (55)
مذهب المالكية:
ووقت الإحرام المأذون فيه شرعا للحج أى ابتداء وقته شوال من أول ليلة عيد الفطر ويمتد لفجر يوم النحر، فمن احرم قبل فجره بلحظة وهو بعرفة فقد أدرك الحج وبقى عليه الإفاضة والسعى بعدها ووقت الإحرام للعمرة أبدا، أى فى أى وقت من العام إلا المحرم بحج فلا يصح إحرامه بعمرة إلا إذا فرغ من جميع أفعاله من طواف وسعى ورمى لجميع الجمرات، إن لم يتعجل وبقدر رميها من اليوم الرابع بعد الزوال إن تعجل، وكره الإحرام بها بعده، أى بعد رميه اليوم الرابع للغروب منه فإن أحرم بها بعده وقبل الغروب صح إحرامه وأخر وجوبا طوافها وسعيها بعده، أى الغروب، وإلا لم يعتد بفعله على المذهب وأعادهما بعده، وإلا فهو باق علي إحرامه أبدا.
وقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه تعليقا علي قول خليل ووقته للحج شوال لفجر يوم النحر ويمتد زمن الإحلال منه لأخر الحجة، وليس المراد أن جميع الزمن الذى ذكر وقت لجواز الإحرام لأنه يكره بعد فجر يوم النحر لأنه حينئذ إحرام للعام القابل قبل وقته (56)
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: وقت إحرام الحج لمكى أو غيره شوال وذو القعدة وعشر ليال بالأيام بينها وهى تسعة. فقد قال الشافعى فى مختصر المزنى: أشهر الحج شوال وذو القعدة وتسع من ذى الحجة، وهو يوم عرفة، فمن لم يدركه إلى الفجر من يوم النحر فقد فاته الحج.
وجميع السنة وقت لإحرام العمرة، وجميع أفعالها لخبر الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اعتمر ثلاث مرات متفرقات فى ذى القعدة، أى فى ثلاثة أعوام، وأنه اعتمر عمرة فى رجب كما رواه ابن عمر، وأنه قال: " عمرة فى رمضان تعدل حجة"، وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم اعتمر فى رمضان وفى شوال فدلت السنة على عدم التأقيت (57).
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة، فيوم النحر منها، وهو يوم الحج الأكبر.
وقال صاحب كشاف القناع: من طلع عليه فجر يوم النحر ولم يقف بعرفة ولو لعذر فاته الحج (58).
وميقات العمرة الزمانى جميع العام لعدم المخصص لها بوقت دون آخر، ولا يلزمه الإحرام بالعمرة يوم النحر ولا يوم عرفة ولا أيام التشريق (59)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة. قال الله تعالى "الحج أشهر معلومات "(60) ، ولا يطلق على شهرين وبعض آخر أشهر، وأيضا فإن رمى الجمار- وهو من أعمال الحج يعمل اليوم الثالث عشر من ذى الحجة، وطواف الإفاضة- وهو من فرائض الحج يعمل فى ذى الحجة كله بلا خلاف منهم، فصح أنها ثلاثة أشهر، وظاهر من أن الحج عرفة أن وقت الإحرام يمتد آلي ما قبل وقت الوقوف بعرفة كما سيأتى بعد فى كلامه عن الإحرام قبل أشهر الحج، أما العمرة فهى جائزة فى كل وقّتّ من أوقات السنة، وفى كل يوم من أيام السنة وفى كل ليلة من لياليها لا تحاش شيئا برهان ذلك ما روى عن عائشة - رضى الله عنها - أنها اعتمرت ثلاث مرات فى عام واحد (61)
مذهب الزيدية:
قال الزيديه: الميقات الزمانى، قال فى البحر: ووقته شوال والقعدة وكل العشر الأولى من ذى الحجة، وأما ميقات العمرة الزمانى فقال فى البحر: ولا تكره فى وقت من الأوقات إلا فى أشهر الحج وأيام التشريق، وذلك لغير المتمتع والقارن، فلا تكره لهما إلا فى أشهر الحج (62)
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: أشهر الحج هى شوال وذو القعدة وذو الحجة، وقيل وعشر من ذى الحجة، وقيل تسع، وحاصل الخلاف إنشاء الحج فى الزمان الذى يعلم إدراك المناسك فيه، وما زاد يصح أن يقع فيه بعض أفعال الحج كالطواف والسعى والذبح وأن يأتى بالحج والعمرة فى عام واحد (63)
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: الميقات الزمانى أصله قول الله تعالى: ( الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولى الألباب(
فقيل شوال وذو القعدة وذو الحجة وقيل شهران وعشرة أيام، أى ليال من ذى الحجة، أو غلب الأيام، والمقصود الليإلى بدخول ليلة العاشر وأما العمرة فيصح الإحرام بها فى كل شهر من شهور السنة (64)
.
الإحرام قبل أشهر الحج
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: ويكره الإحرام للحج قبل أشهره، وإن أمن على نفسه من المحظور، وإطلاق الكراهة يفيد التحريم وبه قيدها القهستانى ونقل عن التحفة الإجماع على الكراهة، وبه صرح فى البحر من غير تفصيل بين خوف الوقوع فى محظور أولا 0
قال: ومن فصل كصاحب الظهيرية قياسا على الميقات المكانى فقد أخطأ، لكن نقل القهستانى أيضا عن المحيط التفصيل ثم قال: وفى النظم عنه أنه يكره ألا عند أبى يوسف رحمه الله (65)
مذهب المالكية:
قال المالكية: كره الإحرام له( أى للحج) قبل شوال، وانعقد كمكانه كما يكره الإحرام قبل مكانه (66)
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: لو أحرم بالحج فى غير وقته كرمضان أو أحرم مطلقا انعقد إحرامه بذلك عمرة مجزئة عن عمرة الإسلام على الصحيح سواء أكان عالما أم جاهلا لشدة تعلق الإحرام ولزومه، فإذا لم يقبل الوقت ما أحر م به انصرف لما يقبله وهو العمرة، ولأنه إذا بطل قصد الحج فيما إذا نواه بقى مطلق الإحرام، والعمرة تنعقد بمجرد الإحرام والثانى لا ينعقد عمرة (67).
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يكره أن يحرم بالحج قبل أشهره لقول ابن عباس - رضى الله عنه - من السنة ألا يحرم بالحج إلا فى أشهر الحج، ولأنه أحرم بالعبادة قبل وقتها فأشبه ما لو أحرم قبل الميقات المكانى، فإن فعل بأن أحر م قبل الميقات المكانى أو الزمانى فهو محرم ولا ينعقد، أى ينقلب إحرامه بالحج قبل ميقاته المكانى أو الزمانى عمرة (68).
مذهب الظاهرية:
قال ابن حز م الظاهرى: الحج لا يجوز شىء من عمله إلا فى أوقاته المنصوصة، ولا يحل الإحرام به ألا فى اشهر الحج قبل وقت الوقوف بعرفة لقول الله تعالى:( الحج أشهر معلومات( فنص عز وجل على أنها أشهر معلومات، ولما روى عن عطاء وطاووس ومجاهد قالوا: لا ينبغى لأحد أن يحرم بالحج فى غير أشهر الحج(69)
مذهب الزيدية:
قال الزيديه: يكره بالحج الإحرام الحج قبل أشهره ولكنه ينعقد إجماعا.
وقال فى شرح الأزهار: ويجوز تقديم الإحرام على وقته إلا لمانع، وهو أن يخشى أن يقع فى شىء من المحظورات لطول المدة فلا يجوز له التقدم، فإن فعل أثم وأجزأ (70)
مذهب الإمامية الشيعة الإمامية: لا يصح الإحرام بالحج بجميع أنواعه أو عمرة التمتع إلا فى أشهر الحج (71)
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: لا يصح الإحرام بالحج إلا فى أشهره، فإن قدم الإحرام علي وقته الزمانى كان عمرة لصحتها فى كل شهر (72)
مجاوزة الميقات بغير إحرام
مذهب الحنفية:
قسم الحنفية المحرمين إلى ثلاثة أصناف كما سبق أما الصنف الأول فميقاتهم ما وقت لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يجوز لأحد منهم أن يجاوز ميقاته إذا أراد الحج أو العمرة إلا محرما، فلو جاوز ميقاتا من المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة فجاوزه بغير إحرام، ثم عاد قبل أن يحرم وأحرم من الميقات وجاوزه محرما لا يجب عليه دم بالإجماع، لأنه لما عاد إلى الميقات قبل أن يحرم وأحر م التحقت تلك المجاوزة.
بالعدم، وصار ابتداء إحرام منه، ولو أحرم بعد ما جاوز الميقات قبل أن يعمل شيئا من أفعال الحج ثم عاد إلى الميقات ولبى سقط عنه الدم، وإن لم يلب لا يسقط، وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله.
وقال أبو يوسف ومحمد يسقط لبى أو لم يلب. وقال زفر: لا يسقط لبى أو لم يلب، وجه قول زفرأن وجوب الدم بجنايته علي الميقات بمجاوزته إياه من غير إحرام، وجنايته لا تنعدم بعوده، قلا يسقط الدم الذى وجب.
ووجه قولهما أن حق الميقات فى مجاوزته إياه محرما لا فى إنشاء الإحرام منه، بدليل أنه لو أحرم من دويرة أهله وجاوز الميقات ولم يلب لا شىء عليه، فدل أن حق الميقات فى مجاوزته إياه محرما لا فى إنشاء الإحرام منه، وبعدما عاد إليه محرما فقد جاوزه حرما فلا يلزم الدم.
ولأبى حنيفة رحمه الله ما روينا عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال للذى أحرم بعد الميقات: أرجع إلى الميقات فلب، وإلا فلا حج لك، أوجب التلبية من الميقات فلزم اعتبارها، ولأن الفائت بالمجاوزة هو التلبية فلا يقع تدارك الفائى إلا بالتلبية بخلاف ما إذا أحرم من دويرة أهله ثم جاوز الميقات من غير إنشاء الإحرام لأنه إذا أحرم من دويرة أهله صار ذلك ميقاتا له، وقد لبى منه، فلا يلزمه تلبية.
وإذا لم يحرم من دويرة أهله كان ميقاته المكان الذي تجب التلبية منه وهو الميقات المعهود، وما قاله زفر أن الدم إنما وجب عليه بجنايته على الميقات مسلم لكن لما عاد قبل دخوله فى أفعال الحج فما جنى عليه، بل ترك حقه فى الحال، فيحتاج إلى التدارك، وقد تداركه بالعود إلى التلبية، ولو جاوز الميقات بغير إحرام فأحرم ولم يعد إلى الميقات حتى طاف شوطا أو شوطين، أو وقف بعرفة أو كان إحرامه بالحج ثم عاد إلى الميقات لا يسقط عنه الدم، لأنه لما اتصل الإحرام بأفعال الحج تأكد عليه الدم فلا يسقط بالعود. ولو عاد إلى ميقات آخر غير الذى جاوزه قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج سقط عنه الدم وعوده إلى هذا الميقات وإلى ميقات آخر سواء وعلى قول زفر لا يسقط على ما ذكرنا وروى عن أبى يوسف رحمه الله أنه فصل فى ذلك تفصيلا، فقال إن كان الميقات الذى عاد إليه يحاذى الميقات الأول أو أبعد من الحرم يسقط عنه الدم وإلا فلا، والصحيح جوا ب ظاهر الرواية لما ذكرنا أن كل واحد من هذه المواقيت الخمسة ميقات لأهله ولغير أهله بالنص مطلقا عن اعتبار المحاذاة ولو لم يعد إلى الميقات لكنه افسد إحرامه بالجماع قبل طواف العمرة إن كان إحرامه بالعمرة أو قبل الوقوف بعرفة إن كان إحرامه بالحج سقط عنه ذلك الدم لأنه يجب عليه القضاء وانجبر ذلك كله بالقضاء.
وكذلك إذا فاته الحج فإنه يتحلل بالعمرة وعليه قضاء الحج وسقط عنه ذلك الدم عند أصحابنا الثلاثة، وعند زفر لا يسقط، ولو جاوز الميقات بعد دخول مكة أو الحرم من غير إحرام يلزمه إما حجة وإما عمرة لأن مجاوزة الميقات على قصد دخول مكة أو الحرم بدون الإحرام لما كان حراما كانت المجاوزة التزاما للإحرام دلالة كأنه قال: لله على إحرام، ولو قال ذلك يلزمه حجة أو عمرة.
وكذا إذا فعل ما يدل على الالتزام كمن شرع فى صلاة التطوع فإن أحرم بالحج أو بالعمرة قضاء لما عليه من ذلك لمجاوزته الميقات ولم يرجع إلى الميقات فعليه دم، لأنه جنى على الميقات لمجاوزته إياه من غير إحرام ولم يتداركه فليزمه الدم جبرا.
فإن أقام بمكة حتى تحولت السنة ثم احرم يريد قضاء ما وجب عليه بدخول مكة بغير إحرام أجزأه فى ذلك ميقات أهل مكة فى الحج بالحرم وفى العمرة الحل، لأنه لما أقام بمكة صار فى حكم أهل مكة فيجزئه إحرامه من ميقاتهم، فإن كان حين دخل مكة عاد فى تلك السنة إلى الميقات فأحرم بحجة عليه من حجة الإسلام أو حجة نذر أو عمرة نذر سقط ما وجب عليه لدخول مكة بغير إحرام استحسانا، والقياس ألا يسقط ألا أن ينوى ما وجب علية لدخول مكة وهو قول زفر ولا خلاف فى انه إذا خولت السنة ثم عاد إلى الميقات ثم أحرم حجة الإسلام أنه لا يجزئه عما لزمه إلا بتعيين النية.
هذا إذا جاوز أحد هذه المواقيت الخمسة يريد الحج أو العمرة أو دخول مكة أو الحرم بغير إحرام.
فأما إذا لم يرد ذلك وإنما أراد أن يأتى بستان بنى عامر أو غيره مما هو داخل الميقات لحاجة فلا شىء عليه، لأن لزوم الحج أو العمرة بالمجاوزة من غير إحرام لحرمة الميقات تعظيما للبقعة وتمييزا لها من بين بئر البقاع فى الشرف والفضيلة فيصير ملتزما للإحرام منه، فإذا لم يرد البيت لم يصر ملتزما للإحرام فلا يلزمه شىء، فإن حصل فى البستان أو فيما وراءه من الحل، ثم بدا له أن يدخل مكة لحاجة من غير إحرام فله ذلك لأنه بوصوله إلى أهل البستان صار كواحد من أهل البستان ولأهل البستان إن يدخلوا مكة لحاجة من غير إحرام، فكذا له 0
وقيل أن هذا هو الحيلة فى إسقاط الإحرام عن نفسه.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله انه لا يسقط عنه الإحرام ولا يجوز له أن يدخل مكة بغير إحرام ما لم يجاوز الميقات بنية أن يقيم بالبستان خمسة عشر يوما فصاعدا لأنه لا يثبت للبستان حكم الوطن فى حقه ألا بنية مدة الإقامة.
وإما الصنف الثانى: فميقاتهم للحج والعمرة دويرة أهلهم فلا يجوز لهم أن يجاوزوا ميقاتهم للحج أو العمرة إلا محرمين، والحل الذى بين دويرة أهلهم وبين الحرم كشىء وأحد، فيجوز إحرامهم إلى آخر أجزاء الحل، كما يجوز إحرام الأفاقى من دويرة أهله إلى آخر أجزاء ميقاته، فلو جاوز أحد منهم ميقاته يريد الحج أو العمرة فدخل الحرم من غير إحرام فعليه دم، ولو عاد إلى الميقات قبل أن يحرم أو يعد ما أحرم فهو على التفصيل والاتفاق، والاختلاف الذى ذكرنا فى الأفاقى إذا جاوز الميقات بغير إحرام، وكذلك الأفاقى إذا حصل فى البستان أو المكى إذا خرج إليه فأراد أن يحج أو يعتمر فحكمه حكم أهل البستان. وكذلك البستاني أو المكي إذا خرج إلى الأفاق لا تجوز مجاوزته ميقات أهل الآفاق وهو يريد الحج أو العمرة إلا محرما لما روينا من الحديث، ويجوز لمن كان من أهل الميقات وما بعده دخول مكة لغير الحج أو العمرة بغير إحرام عندنا لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه رخص للحطابين أن يدخلوا مكة بغير إحرام وعادة الحطابين انهم لا يتجاوزون الميقات.
وروى عن ابن عمر - رضى الله عنهما - أنه خرج من مكة إلى قديد فبلغه خبر فتنة بالمدينة فرجع ودخل مكة بغير إحرام.
وأما الصنف الثالث: فميقاتهما للحج الحج والعمرة لله " ا. وان شاء أحرم من دويرة أهله للحج أو حيث شاء من الحرم، ويحرم للعمرة من الحل وهو التنعيم أو غيره.
أما الحج فلقول الله تعالى: " وأتموا الحج والعمرة لله " (73) أن شاء أحرم من الأبطح أو حيث شاء من الحرم، لكن من بالمسجد أولى لأن الإحرام عبادة وإتيان العبادة فى المسجد أولى كالصلاة.
وأما العمرة فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أراد الإفاضة من مكة دخل على عائشة - رضى الله عنها - وهى تبكى، فقالت: أكل نسائك يرجعن بنسكين وأنا أرجع بنسك واحد.
فأمر أخاها عبد الرحمن بن أبى بكر - رضى الله عنه - أن يعتمر بها من التنعيم.
ولو ترك المكى ميقاته فأحرم للحج من الحل وللعمرة من الحرم يجب عليه الدم إلا إذا عاد وجدد التلبية أو لم يجدد على التفصيل والاختلاف الذى ذكرنا فى الأفاقى، ولو خرج من الحرم إلى الحل ولم يجاوز الميقات ثم أراد أن يعود إلى مكة له أن يعود إليها من غير إحرام لأن أهل مكة يحتاجون إلى الخروج إلى الحل للاحتطاب والاحتشاش والعود إليها، فلو ألزمناهم الإحرام عند كل خروج لوقعوا فى الحرج (74)
مذهب المالكية:
قال المالكية: وجب على المحرم المكلف الحر إذا أراد دخول مكة فلا يدخلها إلا بإحرام بأحد النسكين وجوبا ولا يجوز له تعدى الميقات بلا إحرام إلا أن يكون من المترددين أو يعود لها بعد خروج منها من مكان قريب لم يمكث فيه كثيرا فلا يجب عليه كالعبد وغير المكلف كصبى ومجنون ومتي تعدى الميقات بلا إحرام وجب عليه الرجوع إلى الميقات ليحرم منه كما يجب عليه أيضا الرجوع أن دخل مكة ما لم يحرم بعد تعدى الميقات، فإن أحرم لم يلزمه الرجوع وعليه الدم لتعدية الميقات حلالا ولا يسقط عنه الدم برجوعه له بعد الإحرام ولا دم عليه إذا رجع للميقات فأحرم منه إذا لم يحرم بعد تعدية.
ويستثنى من وجوب الرجوع أن يمنعه من الرجوع عذر كخوف فوات لحجه أو فوات رفقة أو خاف على نفس أو مال أو عدم قدرة علي الرجوع فلا يجب عليه الرجوع، ويلزمه الدم لتعدية الميقات حلالا، وكراجع له بعد إحرامه عليه الدم ولا ينفعه الرجوع بعده، فأولى إذا لم يرجع فمتعدى الميقات حلالا إذا لم يرجع له قبل إحرامه يلزمه الدم فى جميع الحالات ولو فسد حجه أو كان عدم الرجوع لعذر إلا أن يفوته الحج بطلوع فجر يوم النحر قبل وصوله عرفه فتحلل منه بعمرة بأن نوى التحلل منه بفعل عمرة وطاف وسعى وحلق بنيتها (أى بنية العمرة) فلا دم عليه للتعدى فإن لم يتحلل بالعمرة وبقى علي إحرامه لقابل لم يسقط عنه (75).
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: من جاوز ميقاتا من المواقيت المنصوص عليها أو موضعا جعل ميقاتا، وإن لم يكن ميقاتا اصليا غير مريد نسكا ثم أراده فميقاته موضعه، ولا يكلفه العود إلى الميقات، ومن وصل إليه مريدا نسكا لم تجز مجاوزته إلى جهة الحرم بغير إحرام إجماعا، ويجوز مجاوزته بلا إحرام آلي جهة اليمنة أو اليسرة عندئذ ويحرم إذا أراد الاتجاه إلى الحرم من مثل ميقات بلده أو ابعد كما ذكره الماوردى فإن خالفه وفعل ما منع منه بأن جاوزه إلي جهة الحرم لزمه العود ليحرم منه، لأن الإحرام منه كان واجبا عليه فتركه، وقد أمكنه تداركه فيأتى به فلو عاد إلى مثل مسافته من ميقات آخر جاز قاله الماوردى وغيره.
ولا يجب تأخير الإحرام إلى العود بل يجوز له أن يحرم حيث هو قبل العودة ويعود إلى الميقات محرما ويسقط عنه الدم عملا بالأصح كما تقدم ولا فرق فى المجاوزة بين العمد والسهو والعلم والجهل إذ المأمورات لا يفترق فيها الحال بين العمد وغيره كنية الصلاة لكن لا آثم علي الجاهل والناسى ولا يقدح فيما ذكر فى الساهى أنه بسهوه عن الإحرام يستحيل كونه فى تلك الحالة مريدا للنسك إذ يمكن تصويره بمن أنشأ سفره من محله قاصدا له وقصده مستمر فسها عنه حين المجاوزة، واستثنى من لزوم العود ما إذا كان هناك عذر كضيق الوقت أو خوف الطريق أو وجود مرض شاق أو خوف انقطاع عن رفقته، فلا يلزمه العود حينئذ، بل يريق دما..
والأوجه ما قاله "الأذرعى" من تحريم العود عليه لو علم أنه لو عاد لفاته الحج ولو كان ماشيا ولم يتضرر بالممشى، فهل يلزمه العود أم لا. قضية كلامهم لزومه ونظر فيه الإسنوى وقال المتجه أنه أن كان على دون مسافة القصر لزمه وإلا فلا كما قلنا فى الحج ماشيا فإن لم يعد لعذر أو غيره لزمه بتركه الإحرام من الميقات دم لقول ابن عباس رضى، الله عنه من نسى من نسكه شيئا أو تركه فليهرق دما رواه مالك وغيره بإسناد صحيح.
ولو مر صبى أو عبد بالميقات غير محرم مريدا للنسك ثم بلغ أو عتق قبل الوقوف فلا دم عليه على الصحيح، أفاده البدر ابن شهبة فى العبد، وابن قاسم فيهما فى شرحيهما الكتاب وإن أحرم من جاوز الميقات غير محرم ثم عاد له، فالأصح أنه عاد إليه قبل تلبسه بنسك سقط الدم عنه، وإلا بأن عاد بعد تلبسه بنسك وأو طواف قدوم فلا يسقط الدم عنه لتأدى النسك بإحرام ناقص، وحيث لم يجب يعوده لم تكن مجاوزته محرمة كما جزم به المحاملي والرويانى (76)
 
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: من جاوز الميقات مريدا للنسك غير محرم فعليه أن يرجع إليه ليحرم منه أن أمكنه سواء تجاوزه عالما به أو جاهلا علم تحريم ذلك أو جهله، فإن رجع إليه فأحرم منه فلا شىء عليه لا نعلم فى ذلك خلافا وبه يقول جابر بن يزيد والحسن وسعيد بن جبير لأنه أحرم من الميقات الذى أمر بالإحرام منه فلم يلزمه شىء كأنه لم يتجاوزه، وإن أحرم بعد الميقات فعليه دم سواء رجع إلى الميقات أو لم يرجع لما روى ابن عباس عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال: " من ترك نسكا فعليه دم " ولأنه أحرم دون ميقاته فاستقر عليه الدم كما لو لم يرجع وفارق ما إذا رجع قبل إحرامه فأحرم منه فإنه لم يترك الإحرام منه ولم يهتكه ولو أفسد من أحرم من دون الميقات له لم يسقط عنه الدم لأنه واجب عليه بموجب هذا الإحرام فلم يسقط بوجوب القضاء كبقية المناسك، وإما المجاوز للميقات ممن لا يريد النسك فعلى قسمين:
أحدهما: لا يريد دخول الحرم بل يريد حاجة فيما سواه، فهذا لا يلزمه الإحرام بغير خلاف، ولا شىء عليه فى ترك الإحرام، وقد أتى النبى صلى الله عليه وسلم بدرا مرتين، وكانوا يسافرون للجهاد وغيره فيمرون بذى الحليفة فلا يحرمون ولا يرون بذلك بأسا. ثم متى بدا له الإحرام وتجدد له العزم عليه أحرم من موضعه ولا شىء عليه، هذا ظاهر كلام الخرقى. وحكى ابن المنذر عن أحمد فى الرجل يخرج لحاجته وهو لايريد الحج فجاوز ذا ا لحليفة، ثم أراد الحج يرجع إلى ذى الحليفة فيحرم، وبه قال إسحاق. ولأنه أحرم بعد الميقات فلزمه الدم كالذى يربد دخول الحرم. قال فى المغنى: والأول أصح.
والقسم الثانى: من يريد دخول الحرم إما إلى مكة أو غيرها فهم علي ثلاثة أضرب:
أحدها: من يدخلها لقتال مباح أو من خوف أو لحاجة متكررة فهؤلاء لا إحرام
عليهم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل يوم فتح مكة حلالا وعلى رأسه المغفر، وكذلك أصحابه، ولم نعلم أحدا منهم احرم من يومئذ 0
والنوع الثانى: من لا يكلف الحج كالعبد والصبى والكافر إذا أسلم بعد مجاوزة الميقات أو تحق العبد... وبلغ الصبى وأرادوا الإحرام فإنهم يحرمون من موضعهم ولا دم عليهم.
والنوع الثالث: المكلف الذى يدخل لغير قتال ولا حاجة، فلا يجوز له تجاوز الميقات غير محرم منه، ومن دخل الحرم بغير إحرام ممن يجب عليه الإحرام فلا قضاء عليه، ومن كان منزله دون الميقات خارجا من الحرم فحكمه فى مجاوزة قريته إلى ما يلى الحرم حكم المجاوز للميقات فى هذه الأحوال الثلاثة، لأن موضعه ميقاته ومن جاوز الميقات غير محرم فخشى أن رجع آلي الميقات فاته الحج أحرم من مكانه وعليه دم، وإنما أبحنا له الإحرام من موضعه مراعاة لأدراك الحج (77)
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: كل من مر على أحد هذه المواضع (أى المواقيت) وهو يريد الحج أو العمرة فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما، فإن لم يحرم منه فلا إحرام له و لا حج له ولا عمرة له، ألا أن يرجع آلي الميقات الذى مر عليه فينوى الإحرام منه فيصح حينئذ إحرامه وحجه وعمرته.
ومن كان من أهل الشام أو مصر فما خلفهما، فأخذ على طريق المدينة، وهو يريد حجا أو عمرة، فلا يحل له تأخير الإحرام من ذى الحليفة ليحرم من الجحفة فإن فعل فلا حج له ولا إحرام له ولا عمرة له إلا أن يرجع إلى ذى الحليفة فيجدد منها إحراما فيصح حينئذ إحرامه وحجه وعمرته فمن مر على أحد هذه المواقيت وهو لا يريد حجا ولا عمرة فليس عليه أن يحرم فإن تجاوزه بقليل أو بكثير، ثم بدا له فى الحج أو فى العمرة فليحرم من حيث بدا له فى الحج أو العمرة، وليس عليه أن يرجع آلي الميقات، ولا يجوز له الرجوع إليه وميقاته حينئذ الموضع الذى بدا له فى الحج أو العمرة، فلا يحل له أن يتجاوزه إلا محرما، فإن فعل ذلك فلا إحرام له ولا حج له ولا عمرة له إلا أن يرجع إلى ذلك الموضع فيجدد منه إحراما (78).
أما من أراد دخول مكة بلا إحرام فذلك جائز، لأن النبى صلى الله عليه وسلم إنما جعل المواقيت لمن مر بهن يريد حجا أو عمرة ولم يجعلها لمن لم يرد حجا ولا عمرة فلم يأمر الله تعالى قط ولا رسوله عليه الصلاة والسلام بألا يدخل مكة ألا بإحرام فهو إلزام ما لم يأت فى الشرع إلزامه.
والدليل ما روى عن ابن عمر أنه رجع من بعض الطريق فدخل مكة غير محرم. وعن ابن شهاب لا بأس بدخول مكة بغير إحرام (79)
مذهب الزيدية:
قال الزيدية لا يجوز الأفاقى الحر المسلم مجاوزة الميقات إلى الحرم إلا بإحرام، أما غير الأفاقى، وهو من كانت داره بعد الميقات، فإنه يجوز له دخول مكة من غير إحرام إذا لم يدخل لأحد النسكين إلا أن يأتى من خارج الميقات يريد دخول مكة، وأما العبد فإنه يجوز له دخول مكة لو كان آفاقيا من غير إحرام إذا منعه سيده.
وأما الكافر فإنه لا يحرم لدخول مكة لأنه لا ينعقد إحرامه مع الكفر ولا يلزمه دما عندنا، ومن جاوز الميقات غير قاصد لدخول الحرم المحرم بل قصده أن يصل دونه ويرجع، فإن هذا لا يلزمه الإحرام لمجاوزة الميقات، فلو عزم على دخول مكة بعد أن جاوز الميقات فلا يلزمه أن يحرم للدخول عند بعضهم، وهو المختار فى الأزهار، لأن الشرط أن يكون مريدا عند مجاوزته الميقات أن يقصد مجاوزته إلى الحرم، وهذا غير قاصد، ومن لزمه الإحرام وجاوز الميقات من غير إحرام، فقد عصى، ولزمه دم، لأجل. المجاوزة، ولو عاد آلي الميقات بعد المجاوزة لم يسقط عنه الدم إن كان قد أحرم بعد مجاوزة الميقات، أما لو عاد آلي الميقات قبل أن يحرم ثم أحرم من الميقات سقط وجوب الدم وإن فاته عامه الذى جاوز الميقات فيه من غير إحرام ثم بقى علي ترك الإحرام حتى خرج ذلك العام فإنه يلزمه قضاؤه فى المستقبل بأن يحرم ناويا قضاء ما فاته من الإحرام الذى وجب عليه بمجاوزة الميقات (80).
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: لا يجوز لمكلف أن يتجاوز الميقات بغير إحرام عدا من يتكرر دخوله ومن دخلها بقتال، ومن ليس بقاصد مكة عند مروره على الميقات ومتى تجاوزه غير هؤلاء بغير إحرام فيجب الرجوع إليه مع الإمكان، فلو تعذر بطل نسكه إن تعمد مجاوزته بغير إحرام عالما بوجوبه، ووجب عليه قضاؤه وإن لم يكن مستطيعا بل كان سببه إرادة الدخول فإن ذلك موجب له كالمنذور.
نعم، لو رجع قبل دخول الحرم فلا قضاء عليه وان أثم بتأخير الإحرام وألا يكن متعمدا بل نسى أو جهل ولم يكن قاصدا مكة، ثم بدا له قصدها أحرم من حيث أمكن ولو دخل مكة معذورا ثم زال عذره بذكره وعلمه ونحوهما، خرج إلى أدنى الحل وهو ماء خرج عن منتهى الحرم إن لم يمكنه الوصول إلى أحد المواقيت فإن تعذر الخروج إلى أدنى الحل فمن موضعه بمكة ولو أمكن الرجوع إلى الميقات وجب لأنه الواجب بالأصالة وإنما قام غيره مقامه للضرورة، ومع إمكان الرجوع إليه لا ضرورة، ومن اكتملت أهليته بالبلوغ والعتق بعد تجاوز الميقات فكمن لا يريد النسك (81)
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: من جاوز الميقات ولم يحرم لزمه الرجوع والإحرام منه، ذاكرا أو ناسيا، عالما أو جاهلا، وإذا رجع وأحرم منها فلا دم عليه، وقيل عليه دم، وان خاف لفوت الحج أو منعه مانع عن الرجوع فليحرم حيث ذكر من نسيان أو علم من جمل أو تاب من عمد فى الحرم، ولو فى مكة أو قبله ولزمه دم، هذا مذهبنا.
ومن ترك الإحرام أصلا لزمه دم، وقيل أن كان لحج فسد حجه وهو الصحيح، وهو مذهبنا.
وفى التاج من جاوز ميقاتا يريد حجاً أو عمرة لم يجز له، ولزمه دم، ويرجع إليه ويحرم منه وقيل لا دم عليه، إن رجع قبل أن يدخل الحرم، وقيل ولو دخله ما لم يدخل بيوت مكة لا دم عليه إن رجع قبل الطواف بالبيت، وقيل ومن عتق داخل الميقات أو بلغ وقد احرم منه أجزأه وألا بأن لم يكن كذلك وأراد الإحرام بحج أو عمرة رجع إليه، وأجيز أن يحرم من محله.
ثم قال فى التاج أيضا: من جاوز ميقاتا غير مريد الحج أو العمرة ثم أراد أحدهما فليحرم من حيث أراد أحدهما، وهو الأصح. وقيل عليه الرجوع ومن قصد مكة لتجارة أو غيرها كقراءة ولم يحرم أساء ولا دم عليه وقيل أساء وعليه دم، ثم قال: وجاز لأهل كل ناحية أن يحرموا ولو من ميقات غيرهم سواء جاءوا من ناحية ميقات غيرهم بدون أن يجاوزوا ميقات أنفسهم أو جاوزوا ميقاتهم، ثم أحرموا من ميقات غيرهم مثل أن يترك المدنى ذا الحليفة ويحرم من الجحفة وأما إذا كان يجاوز ميقاته ويمر بعد ذلك فى طريقه على ميقات آخر لحاجة دعته للمرور عليه فله أن يؤخر الإحرام إلى الثانى (82)
ما يحظر وما لا يحظر فى الإحرام
قال فى البدائع: إن محظورات الإحرام " فى الأصل " نوعان:نوع لا يوجب فساد الحج، ونوع يوجب فساده، أما الذى لا يوجب فساد الحج فأنواع، بعضها يرجع إلى اللباس وبعضها يرجع إلى الطيب. وما يجرى مجراه من إزالة الشعث وقضاء التفث، وبعضها يرجع إلى توابع الجماع، وبعضها يرجع إلى الصيد.
أما الأول: فالمحرم لا يلبس المخيط جملة ولا قميصا ولا قباء ولا جبة ولا سراويل ولا عمامة ولا قلنسوة، ولا يلبس خفين إلا ألا يجد نعلين فلا بأس أن يقطعهما أسفل الكعبين فيلبسهما، ولا يلبس من الثياب شيئا مسه الزعفران ولا الورس، وإنما يمنع المحرم من لبس المخيط إذا لباسه على الوجه المعتاد، فإما إذا لبسه لا على الوجه المعتاد فلا يمنع منه بأن أتشح بالقميص أو أتزر بالسراويل لأن معنى الارتفاق بمرافق المقيمين والترفه فى اللبس لا يحصل به، ولأن لبس القميص والسراويل على هذا الوجه فى معنى الارتداء والإتزار لأنه يحتاج فى حفظه إلى تكلف كما يحتاج إلى التكلف فى حفظ الرداء والإزار، وهذا غير ممنوع عنه، ولو أدخل منكبيه فى القباء ولم يجعل يديه فى كميه جاز له ذلك فى قول أصحابنا الثلاثة.
وقال زفر: لا يجوز، ولا يلبس الجوربين لأنهما فى معنى الخفين ولا يغطى رأسه بالعمامة ولا غيرها مما يقصد به التغطية لأن المحرم ممنوع عن تغطية رأسه بما يقصد به التغطية ولو حمل على رأسه شيئا، فإن كان مما يقصد به. التغطية من لباس الناس لا يجوز له ذلك لأنه كاللبس وأن كان مما لا يقصد به التغطية فلا بأس بذلك لأنه لا يعد ذلك لبسا ولا تغطية، وكذا لا يغطى الرجل وجهه عندنا، وإما المرآة فلا تغطى وجهها، وكذا لا بأس أن تسدل على وجهها بثوب وتجافيه عن وجهها ولا يلبس ثوبا صبغ بورس أو زعفران وأن لم يكن مخيطا، ولأن الورس والزعفران طيب، والمحرم ممنوع من استعمال الطيب فى بدنه، ولا يلبس المعصفر وهو المصبوغ بالعصفر عندنا هذا إذا لم يكن مغسولا، فإما إذا كان قد غسل حتى صار لا ينفض فلا بأس به لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال لا بأس أن يحرم الرجل فى ثوب مصبوغ بورس أو زعفران قد غسل وليس له نفض ولا ردغ.
وقال أبو يوسف رحمه الله فى الإملاء:
لا ينبغى للمحرم أن يتوسد ثوبا مصبوغا بالزعفران. ولا الورس ولا ينام عليه لأنه يصير مستعملا للطيب، فكان كاللبس ولا بأس بلبس الخز( وهو ما نسج من حرير وصوف) والصوف والغصب والبردى وان كان ملونا كالعدنى وغيره لأنه ليس فيه اكثر من الزينة، والمحرم غير ممنوع من ذلك، ولا بأس أن يلبى الطيلسان لأن الطيلسان ليس بمخيط، ولا يزره، ويكره أن يخلل الإزار بالخلال، ومن يعقد الإزار، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى محرما قد عقد ثوبه بحبل فقال له " انزع الحبل ".
ولا بأس أن يتحزم بعمامة يشمل بها ولا يعقدها، لأن اشتمال العمامة عليه اشتمال غير المخيط، فأشبه الاتشاح بقميص، فإن عقدها كره له ذلك لأنه يشبه المخيط كعقد الإزار، ولا بأس بالهميان وهو وعاء للدراهم والمنطقة للمحرم سواء كان فى الهميان نفقته أو نفقة نجيره وسواء كان شد المنطقة بالأبزيم أو بالسيور.
وعن أبى يوسف رحمه الله فى المنطقة إن شده بالأبزيم يكره وإن شده بالسيور لا يكره، وجه رواية أبى يوسف إن الأبزيم مخيف فالشد به يكون كزر الإزار بخلاف السير، ولا بأس أن يستظل المحرم بالفسطاط عند عامة العلماء، ولنا ما روى عن عمر رضى الله عنه انه كان يلقى على شجرة ثوبا أو نطعا فيستظل به. وروى أنه ضرب لعثمان رضى الله عنه فسطاط بمنى فكان يستظل به.
ولأن الاستظلال بما لا يماسه بمنزلة الاستظلال بالسقف وذا غير ممنوع عنه، فإن دخل تحت ستر الكعبة حتى غطاه فإن كان الستر يصيب وجهه ورأسه يكره له ذلك لأنه يشبه ستر وجهه ورأسه بثوب، وإن كان متجافيا فلا يكره لأنه بمنزلة الدخول تحت ظله، ولا بأس أن تغطى المرأة سائر جسدها وهى محرمة بما شاءت. من الثياب المخيطة وغيرها، وأن تلبس الخفين غير أنها لا تغطى وجهها ولا بأس لها أن تلبس الحرير والذهب وتتحلى بأى حلية شاءت عند عامة العلماء.
وعن عطاء رضى الله عنه أنه كره ذلك. والصحيح قول عامة العلماء لما روى أن ابن عمر رضى الله عنه كان يلبس نساءه الذهب والحرير فى الإحرام، والمرآة تتساوى مع الرجل فى الطيب، أما لبس القفازين فلا يكره عندنا وهو قول على وعائشة- رضى الله عنهما-.
ولنا ما روى أن سعد بن أبى وقاص رضى الله عته كان يلبس بناته وهن محرمات القفازين، ولأن لبس القفازين ليس إلا تغطية يديها بالمخيط، وأنها غير ممنوعة عن ذلك فإن لها أن تغطيهما بقميصها وأن كان مخيطا فكذا بمخيط آخر بخلاف وجهها فإنها لا تنتقب.
وأما الذى يرجع إلى الطيب، وما يجرى مجراه، من إزالة الشعث وقضاء التفت، أما الطيب فنقول: لا يتطيب المحرم لقول النبى صلي الله عليه وسلم: " المحرم الأشعث الأغبر " والطيب ينافى الشعث.
وروى أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وعليه مقطعان مضمخان بالخلوق فقال: ما اصنع فى حجتى يا رسول الله.
فسكت النبى صلى الله عليه وسلم حتي أوحى الله تعالى إليه، فلما سرى عنه قال النبى صلى الله عليه وسلم: " أين السائل " فقال الرجل: أنا فقال: " اغسل هذا الطيب عنك واصنع فى حجتك ما كنت صانعا فى عمرتك ". وروينا أن محرما وقصت به ناقته فقال النبى صلي الله عليه وسلم: " لا تخمروا رأسه ولا تقربوه طيبا، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا"، جعل كونه محرما علة حرمة تخمير الرأس والتطيب فى حقه ولا بأس أن يحتجم المحرم ويقتصد ويبط القرحة ويعصب عليه الخرقة ويجبر الكسر وينزع الضرس إذا اشتكى منه، ويدخل الحمام ويغتسل، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو صائم محرم بالقاحة والفصد وبط القرحة والجرح فى معنى الحجامة، ولأنه ليس فى هذه الأشياء إلا شق الجلدة والمحرمة غير ممنوع عن ذلك ولأنها من باب التداوى والإحرام لا يمنع من التداوى، وكذا جبر الكسر من باب العلاج والمحرم لا يمنع منه، وكذا قلع الضرس وهو أيضا من باب إزالة الضرر، فيشبه قطع اليد من الآكلة وذا لا يمنع المحرم، كذا هذا.
وأما الاغتسال، فلما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أغتسل وهو محرم وللمحرم أن يكتحل بكحل ليس فيه طيب وقال ابن أبى ليلى هو طيب وليس للمحرم أن يكتحل به. وهذا غير سديد لأنه ليس له رائحة طيبة فلا يكون طيبا.
وأما ما يجرى مجرى الطيب من إزالة الشعث وقضاء التفث خلق الشعر وقلم الظفر، أما الحلق فنقول لا يجوز للمحرم أن يحلق رأسه قبل يوم النحر لقول الله تعالى: " و لا تحلقوا رءوسكم حتي يبلغ الهدى محله، فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك... الآية " (83).
وقول النبى صلى الله وسلم" المحرم الأشعث الأغبر "، وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: من الحاج
فقال: " الشعث التفث " وحلق الرأس يزيل ولأنه الشعث والتفث، ولأنه من باب الارتفاق بمرافق المقيمين، والمحرم ممنوع عن ذلك، ولأنه نوع نبات استفاد الأمن بسبب الإحرام فيحرم التعرض له كالنبات الذى استفاد الأمن بسبب الحرم، وكذا لا يطلى رأسه بنورة لأنه فى معنى الحلق، وكذا لا يزيل شعرة من شعر رأسه ولا يطليها بالنورة.
والمحرم كما هو ممنوع من حلق رأس نفسه، ممنوع من حلق رأس غيره ألا أنه لما حرم علية حلق رأس غيره يحرم عليه حلق رأس نفسه من طريق الأولى، وسواء
كان المحلوق حلالا أم حراما، أما قلم الظفر فنقول لا يجوز للمحرم قلم أظفاره لقول الله تعالى: ( ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم، وليطوفوا بالبيت العتيق ((84).
وقلم الأظفار من قضاء التفث، رتب الله تعالى قضاء التفث على الذبح لأنه ذكره. بكلمة موضوعة للترتيب مع التراخى يقول اللّه عز وجل:( ليذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير( ثم ليقضوا تفثهم فلا يجوز الذبح، ولأنه ارتفاق بمرافق المقيمين والمحرم ممنوع عن ذلك.
وأما الذى يرجع آلي توابع الجماع فيجب علي المحرم أن يجتنب الدواعى من التقبيل واللمس بشهوة والمباشرة والجماع فيما دون الفرج، لقول الله عز وجل:( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله( (85).
قيل فى بعض وجوه التأويل أن الرفث جميع حاجات الرجال إلي النساء.
وسئلت عائشة - رضى الله تعالى عنها - عما يحل للمحرم من امرأته. فقالت: يحرم عليه كل شىء إلا الكلام.
وأما الذى يرجع إلى الصيد فنقول لا يجوز للمحرم أن يتعرض لصيد البر المأكول وغير المأكول عندنا إلا المؤذى المبتدىء بالأذى غالبا.
والكلام فى هذا الفصل يقع فى مواضع فى تفسير الصيد أنه ما هو وفى بيان أنواعه وفى بيان ما يحل اصطياده للمحرم وما يحرم عليه وفى بيان حكم ما يحرم عليه اصطياده إذا اصطاده.
أما الأول فالصيد هو الممتنع المتوحش من العاس فى أصل الخلقة، أما بقوائمه أو بجناحه فلا يحرم على المحرم ذبح الإبل والبقر والغنم لأنها ليست بصيد لعدم الامتناع والتوحش من الناس، وكذا الدجاج والبط الذى يكون فى المنازل وهو المسمى بالبط الكسكرى لانعدام معنى الصيد فيهما، وهو الامتناع والتوحش.
فأما البط الذى يكون عند الناس ويطير فهو صيد لوجود معنى الصيد فيه، فالعبرة بالتوحش والاستئناس فى أصل الخلقة.
والكلب ليس بصيد ولا بأس بقتل البرغوث والذباب والحلم والقراد والزنبور لأنها ليست بصيد لانعدام التوحش والامتناع. إلا ترى أنها تطلب الإنسان مع امتناعه منها، وينظر تفصيل ذلك فى مصطلح"صيد".
وأما الذى يوجب فساد الحج، فالجماع لقول الله عز وجل:( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله((86). عن ابن عباس وابن عمر- رضى الله عنهما- أنه الجماع وأنه مفسد للحج (87)
مذهب المالكية:
قال المالكية: يحرم على الأنثى لبس ( بضم اللام) مخيط، حرة أو أمة، كبيرة أو صغيرة.
ويتعلق الخطاب بولى الصغيرة بسبب تلبثها بالإحرام بحج أو عمرة بكف لا بدن ورجل كقفاز وكيس تدخله فى كفها أو أصابع من أصابع يدها إلا الخاتم فيغتفر لها دون الرجل.
وحرم عليها ستر وجهها أو بعضه وأو بخمار أو منديل، وهذا معنى قولهم "إحرام المرأة فى وجهها وكفيها فقط " وحرمة ستر وجهها إلا لفتنة أى تعلق قلوب الرجال بها فلا يحرم، بل يجب عليها ستره أن ظنت الفتنة بها بلا غرز للساتر بإبرة ونحوها، وبلا ربط له برأسها كالبرقع تربط أطرافه بعقده بل المطلوب سدله على رأسها ووجهها أو تجعله كاللثام وتلقى طرفيه على رأسها بلا غرز ولا ربط.
ثم قال: ويحرم على الذكر ولو غير مكلف ويتعلق الخطاب بوليه ليس محيط (بضم الميم وبالمهملة (أى بأى عضو من أعضائه كيد ورجل وإصبع مطلقا، ورأس وأولى جميع البدن إذا كان محيطا بنسج أو خياطة أو صياغة ونحو ذلك.
بل وأن كأن محيطا يعقد أو زر كأن يعقد طرفى إزاره أو يجعل له أزرارا أو يربطه بحزام أو خلال بعود ونحوه كخاتم بإصبع رجل وحزام بحبل أو غيره وقباء بفتح القاف ممدودا. وقد يقصر وهو الفرجية من جوخ أو غيره وإن لم يدخل يده بكمه بل ألقاه على كتفيه مخرجا يديه من تحته.
وهذا إن جعل أعلاه على منكبيه علي العادة وحرم أيضا على الذكر ستر وجهه ورأسه بأى شىء، وإن بنوع خاص وهو المخيط.
ثم استثني من حرمة المخيط أمرين، الأول مقيد بقصدين، وثانيهما بواحد. فقال إلا الخف ونحوه مما يلبس فى الرجل كالجرموق والجورب فإنه مخيط. ولا يحرم على الذكر لبسه لفقد نعل أو غلوه فاحشا إن زاد ثمنه على قيمته عادة كثر من الثلث وهذا إشارة إلى القيد الأول فإن لم يجد نعلا أو وجده غاليا علوا فاحشا جاز له لبس الخف ولا فدية.
وأشار للقيد الثانى بقوله إن قطع أسفل من كعب، كما ورد فى السنة سواء كان القاطع له هو أو غيره أو كان من اصل صنعته وإلا الاحترام بثوب أو غيره لعمل أى لأجله فلا يحرم ولا فدية عليه، فإن فرغ عمله وجب نزعه وحرم عليهما( أى على الذكر والأنثى) بالإحرام دهن شعر لرأس أو لحية أودهن جسد لغير علة، وإلا جاز، لأن الضرورات تبيح المحظورات.
وإن كان الإدهان بغير مطيب فأولى بالمطيب، وحرم عليهما إبانة (أى إزالة) ظفر من يد أو رحل لغير عذر، أو إبانة شعر من سائر جسده بحلق أو قص أو نتف أو إبانة وسخ من سائر بدنه إلا ما تحت أظفاره أو غسل يديه بمزيله) (أى الوسخ) كالأسنان فلا يحرم عليهما أو إلا تساقط شعر من لحية أو رأس أو غيرهما لوضوء أو غسل أو لأجل ركوب الدابة فلا شئ عليه.
وحرم عليهما مس طيب كورس أو دهن مطيب بأى عضو من أعضائه، وإن ذهب ريحه ( أى الطيب) فذهاب ريحه لا يسقط حرمة مسه، وإن سقطت الفدية أو كان فى طعام أو فى كحل أو مسه ولم يعلق به ألا إذا طبخ بطعام وأستهلك فى الطبخ بذهاب عينه فيه، ولم يبق سوى ريحه أو لونه كزعفران وورس فلا حرمة ولا فدية ولو صبغ الفم أو كان الطيب بقارورة سدت سدا محكما فلا شىء فيه أن حملها لأنه من الاستصحاب لا المس أو أصابه الطيب من إلقاء ريح أو غيره عليه فلا شىء عليه.
كما يحرم على المحرم قطع أو قلع ما ينبت من الأرض بنفسه كشجر الطرفاء والسلم والبقل البرى إلا الأذخر والسنا والسواك والعصا، وما قصد السكنى بموضعه للضرورة أو إصلاح الحوائط ( أى ما قطع لاصلاحها) فإنه جائز.
وحرم بالإحرام تعرض لحيوان برى وكذا التعرض لبيضه ما دام وحشيا بل وأن استأنس.
ثم أستثنى من حرمة التعرض للبرى الفأرة، ويلحق بها ابن عرس وكل مايقرض الثياب من الدواب وإلا الحية والعقرب، ويلحق بها الزنبور، ولا فرق بين صغيرها وكبيرها والحدأة والغراب، فلا يحرم التعرض لما ذكر.
وحرم عليهما الجماع والإنزال ومقدماته ولو علم السلامة من منى ومذى.
وجاز للمحرم تظلل ببناء كحائط وسقيفة وخباء خيمة وشجر ومحارة ( أى محمل) ومحفة ولو مكث فيها ساترا أو نازلا، لأن ما عليها من الساتر مسمر أو مشدود عليها بحبال فهى كالقباء.
وجاز له اتقاء شمس أو اتقاء ريح عن وجهه أو رأسه بيد بلا لصوق لليد علي ما ذكر لأنه لا يعد ساترا عرفا بخلاف لصوق اليد فإنه يعد ساترا.
وجاز اتقاء مطر أو برد عن رأسه بمرتفع عنه بلا لصوق من ثوب أو غيره وأولى اليد.
أما الدخول فى الخيمة ونحوها فجائز ولو لغير عذر. أما التظلل بالمرتفع غير اليد فلا يجوز كثوب يرفع على عصا ولو نازلا عند مالك.
ومن ذلك المسطح يجعل فيه أعوادا ويسدل عليها ثوب ونحوه للتظلل.
كما يجوز للمحرم حمل لشىء كحشيش وقفة وغرارة على رأسه لحاجة تتعلق به أو بدوابه كالعلف أو فقر، فيحمل شيئا لغيره بأجره لمعاشه بلا تجارة،الا منع وافتدى.
كما يجوز له شد منطقة بوسطه، والمراد بها يجعل كالكيس يوضع فيه الدراهم وجواز شدها بوسطه مقيد بقيدين أشار للأول بقوله: أن كان لنفقته التى ينفقها علي نفتقه وعياله ودوابه لا لنفقة غيره ولا لتجارة وأشار إلى الثانى بقوله: وكان الشد على جلده لا على إزاره أو ثوبه وجاز حينئذ إضافة نفقة غيره لها تبعا، كما يجوز للمحرم إبدال ثوبه الذى أحرم به بثوب آخر ولو لقمل فى الأول 0
وجاز له بيعه، وجاز له غسله لنجاسته بالماء الطهور فقط دون صابون ونحوه ولا شىء عليه حينئذ لو قتل شيئا من الهوام كالبرغوث، وألا بأن غسله لا لنجاسة أو لنجاسة ولكن ينحو صابون فلا يجوز فإن قتل شيئا أخرج ما فيه إلا أن يتحقق عدم دوابه فلا يحرم غسله بل يجوز مطلقا ولو ترفها أو لوسخ.
وجاز له بط جرح ودمل لإخراج ما فيه من قيح.
وجاز له حك ما خفى من بدنه كرأسه وظهره يرفق حتى لا يقع فى محظور. أما ما ظهر له من بدنه فيجوز حكه مطلقا ما لم يكن يوقعه ذلك فى محظور.
وجاز فصد لحاجة أن لم بعصبه وألا بأن عصبه بعصابة ولو لضرورة أفتدى.
وكره وضع وجهه على وسادة ونحوها لا وضع خده عليها وكره شم طيب مذكر وهو ما خفى أثره ويبقى ريحه كريحان وياسمين وورد وسائر أنواع الرياحين لا مجرد مسه فلا يكره، ولا مكث بمكان فيه ذلك ولا استصحابه.
وكره مكث بمكان فيه طيب مؤنث كمسك وعطر وزعفران.
وكره استصحابه فى خرج أو صندوقه، وكره شمه بلا مس له وألا حرم، وكره حجامة بلا عزر أن لم يزل شعرا، والإحرام لغير عذر.
وكره غمس رأس فى ماء خيفة قتل الدواب لغير غسل طلب وجوبا أو نديا أو استنانا 0
 
وكره تجفيف الرأس بقوة خوف قتل الدواب لا بخفة، فيجوز 0
وكره نظر فى مرآه مخافة أن يرى شيئا فيزيله، وفعل شىء من هذه لا فدية فيها وجاز للمحرم كل صيد صاده حل لحل لنفسه أو لغيره بخلاف ما صاده لمحرم (88).
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: إذا احرم الرجل حرم عليه حلق الرأس لقول الله تعالى: ( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله ( (89)
ويحرم عليه حلق شعر سائر البدن لأنه حلق يتنظف به ويترفه به، فلم يجز كحلق الرأس.
ويجوز له إن يحلق شعر غير المحرم، لأن نفعه يعود إلى الحلال فلم يمنع منه، كما لو أراد يعممه أو يطيبه.ويحرم عليه أن يقلم أظفاره لأنة جزء ينمى، وفى قطعه ترفيه وتنظيف فمنع الإحرام منه كحلق الشعر.
ويحرم عليه ان يستر رأسه، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فى المحرم الذى خر من بعيره ( أى سقط من فوقه) " لا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا ".
ويجوز إن يحمل على رأسه مكتلا( قفة أو نحوها) لا يقصد به الستر فلم يمنع منه.
ويجوز أن يترك يده على رأسه لأنه يحتاج آلي وضع اليد على الرأس فى المسح فعفى عنه.
ويحرم عليه لبس القميص، لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال فى المحرم " لا يلبس القميص ولا السراويل ولا البرنس ولا العمامة ولا الخف، إلا ألا يجد نعلين فيقطعهما أسفل من الكعبين، ولا يلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران،، وتجب به الفدية لأنه فعل محظور فى الإحرام فتعلقت به الفدية كالحلق، ولا فرق بين أن يكون ما يلبسه من الخرق أو الجلود أو اللبود أو الورق، ولا فرق بين أن يكون مخيطا بالإبرة أو ملصقا بعضه إلى بعض، لأنه فى معنى المخيط والعباءة والدراعة كالقميص فيما ذكرناه لأنه فى معنى القميص.
ويحرم عليه ليس السراويل لحديث ابن عمر رضى الله عنه وإن شق الإزار وجعل له ذيلين وشدهما على ساقيه لم يجز، لأنهما كالسراويل.
ويجوز أن يعقد عليه إزاره لأن فيه. مصلحه له وهو أن يثبت عليه، ولا يعقد الرداء عليه لأنه لا حاجة به إليه، وله أن يغرز طرفيه فى إزاره وان جعل لإزاره حجزة وأدخل فيها التكة واتزر بها جاز، وإن اتزر وشد فوقه تكة جاز.
قال فى الإملاء: وإن زره أو خاطه أو شوكه لم يجز، لأنه يصير كالمخيط وإن لم يجد إزارا جاز أن يلبس السراويل، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من لم يجد إزارا فليلبس السراويل، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين، فإن لم يجد رداء لم يلبس القميص لأنه يمكنه أن يرتدى به ولا يمكنه أن يتزر بالسراويل، فإن لبس السراويل ثم وجد الإزار لزمه خلعه ويحرم عليه لبس الخفين للخبر فإن لم يجد نعلين لبس الخفين بعد أن يقطعهما من أسفل الكعبين للخبر فإن لبس الخف
مقطوعا من اسفل الكعب مع وجود النعل لم يجز على المنصوص.
ومن أصحابنا من قال يجوز لأنه قد صار كالحل بدليل انه لا يجوز المسح عليه، وهذا خلاف المنصوص وخلاف السنة.
وما ذكره من المسح لا يصح لأنه وأن لم يجز المسح ألا أنه يترفه به فى دفع الحر والبرد والأذى، ولأنه يبطل بالخف المخرق فإنه لا يجوز المسح عليه ثم يمنع من لبسه ويحرم عليه لبس القفازين ولا يحرم عليه ستر الوجه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الذى سقط عن بعيره " لا تخمروا ر اسه، خص الرأس بالنهى.
ويحرم على المرأة ستر الوجه، لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلي الله عليه وسلم نهى النساء فى إحرامهن عن القفازين والنقاب وما مسه الورس والزعفران من الثياب، وليلبسن بعد ذلك ما اختير من ألوان الثياب من معصفر أو خز أو حلى أو سراويل أو قميص أو خف.
ويجوز أن تستر من وجهها ما لا يمكن ستر الرأس ألا بستر لأنه لا يمكن ستر الرأس ألا بسترة فعفى عن ستره، فإن أرادت ستر وجهها عن الناس سدلت علي وجهها شيئا لا يباشر الوجه، لما روت عائشة رضى الله عنها قالت كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفنا، ولأن الوجه من المرآة كالرأس من الرجل ثم يجوز للرجل ستر الرأس من الشمس بما لا يقع عليه، فكذلك المرآة فى الوجه ولا يحرم عليها لبس القميص والسراويل والخف، لحديث ابن عمر- رضى الله عنه- ولأن جميع بدنها عورة إلا الوجه والكفين فجاز لها ستره لما ذكرناه، وهل يجوز لها لبس القفازين؟ فيه قولان:
أحدهما: انه يجوز، لأنه عف و يجوز لها ستره بغير المخيط فجاز لها ستره بالمخيط كالرجل.
والثانى: لا يجوز للخبر، وهو حديث أ بن عمر السابق، ولأنه عضو ليس بعورة منها فتعلق به حرمة الإحرام فى اللبس كالوجه، ويحرم عليه استعمال الطب فى ثيابه وبدنه لحديث ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عيه وسلم قال ولا تلبس من الثياب ما مسه ورس أو زعفران، ولا يلبس ثوبا مبخرا بالطيب ولا ثوبا مصبوغا بالطيب وإن علق بخفه طيب لأنه ملبوس فهو كالثوب.
ويحرم عليه استعمال الطيب فى بدنه ولا يجوز أن يأكله ولا أن يكتحل به ولا يستعطيه ولا يحتقن به، فإن استعمله فى شىء من ذلك لزمته الفدية لأنه إذا وجب ذلك فيها يستعمله بالثياب فلأن يجب فيما يستعمله ببدنه أولى، وان كان الطيب فى طعام نظرت فإن ظهر ذلك فى طعمه أو رائحته لم يجز أكله، أما غير المطيب كالزيت والشيرج فإنه يجوز استعماله فى غير الرأس واللحية لأنه ليس فيه طيب ولا تزين. ويحرم استعماله فى شعر الرأس واللحية لأنه يرجل الشعر ويربيه فإن استعمله فى رأسه وهو أصلع جاز، لأنه ليس فيه تزين وإن استعمله فى رأسه وهو محلوق لم يجز لأنه يحسن الشعر إذا نبت.
ويجوز أن يجلس عند العطار فى موضع يبخر لأن فى المنع من ذلك مشقة ولأن ذلك ليس بطيب مقصود.
والمستحب أن يتوقى ذلك إلا أن يكون فى موضع قربة كالجلوس عند الكعبة وهى تجمر فلا يكره ذلك لأن الجلوس عندها قربة فلا يكره تركها لأمر مباح.
وله أن يحمل الطيب فى خرقة أو قارورة والمسك فى نافجة ( وهو وعاء المسك) وأن مس طيبا فعبقت به رائحته ففيه قولان: أحدهما: لا فدية عليه لأنه رائحة عن مجاور فلم يكن لها حكم كالماء إذا تغيرت رائحته بجيفة بقربه.
والثانى: يجب، لأن المقصود من الطيب هو الرائحة وقد حصل ذلك وأن احتاج المحرم إلى اللبس لحر شديد أو برد شديد أو احتاج إلى الطيب لمرض أو إلى حلق الرأس للأذى أو إلى شعر رأسه بعصابة لجراحة عليه أو إلى ذبح الصيد للشجاعة لم يحرم عليه..
وإن نبت فى عينه شعرة فقلعها أو نزل شعر الرأس إلي عينه فغطاها فقطع ما غطى
العين أو انكسر شىء من ظفره فقطع ما أنكسر منه أو صال عليه صيد فقتله دفعا عن نفسه جاز.
ويحرم عليه أن يتزوج وان يزوج غيره بالوكالة والولاية الخاصة، فإن تزوج أو زوج فالنكاح باطل، لما روى عثمان رضى الله عته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا ينكح المحرم ولا يخطب ولا ينكح ". ولأنه عبادة تحرم الطيب فحرمت النكاح كالعدة.
ويحرم عليه الوطء فى الفرج لقول الله تعالى: ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج(.
قال ابن عباس: الرفث الجماع.
ويحرم عليه المباشرة فيما دون الفرج، لأنه إذا حر م عليه النكاح فلأن تحرم المباشرة وهى أدعى إلى الوطء أولى.
ويحرم عليه الصيد المأكول من الوحش والطير، ولا يجوز له أخذه لقول الله تعالى: (وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما (، فإن أخذه لم يملكه بالأخذ لأن ما منع آخذه لحق الغير لم يملكه بالأخذ من غير أذنه كما لو غصب مال غيره.
وحرم عليه قتله. ويحرمه عليه أن يعين على قتله، بدلالة أو إعارة آلة، لأن ما حرم قتله حرمت الإعانة علي قتله كالآدمى، وان أعان على قتله بدلالة أو أعاره آلة فقتل لم يلزمه الجزاء، ولأن ما لا يلزمه حفظه لا يضمنه بالدلالة على إتلافه كمال الغير. ويحرم عليه أكل صيده، لما روى جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: " الصيد حلال لهم ما لم تصيدوا أو يصاد لكم).
ويحرم عليه آكل ما أعان على قتله بدلالة أو إعارة آلة، لما روى عبد الله بن أبى قتادة رضى الله عنه، قال: كان أبو قتادة فى قوم محرمين، وهو حلال فأبصر حمار وحش فاختلس من بعضهم سوطا فضربه حتي صرعه، ثم ذبحه وأكل هو وأصحابه فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " هل أشار إليه أحد منكم ". قالوا: لا. فلم ير بأكله بأسا.
وإن كان الصيد غير مأكول نظرت فإن كان متولدا مما يؤكل كالسبع المتولد بين الذئب والضبع، والحمار المتولد بين حمار الوحش وحمار الأهل، فحكمه حكم ما يؤكل فى تحريم صيده، لأنه اجتمع فيه جهة التحليل والتحريم فغلب التحريم كما غلب جهة التحريم فى أكله، وان كان حيوانا لا يوكل ولا هو متولد مما يؤكل فالحلال والحرام فيه واحد لقول الله تعالى: ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ( فحرم من الصيد ما يحرم بالإحرام، وهذا لا يكون إلا فيما يوكل، وهل يكره قتله أو لا يكره ينظر فيه فإن كان مما يضر ولا ينفع كالذئب والأسد والحية والعقرب والفأرة والحدأة والغراب والكلب العقور والبق والبرغوث والقمل والزنبور، فالمستجب أن يقتله لأنه يدفع ضرره عن نفسه وعن غيره، وإن كان مما ينتفع به ويستضر به كالفهد والبازى، فلا يستحب قتله لما فيه من المنفعة، ولا يكره لما فيه من المضرة.
وإن كان مما لا يضر ولا ينفع كالخنافس والجعلان فإنه يكره قتله ولا يحرم 0 وما حرم على المحرم من الصيد حرم عليه بيضه، ويكره المُحِرم أن يحك شعره بأظفاره حتى لا ينتثر شعره ويكره أن يفلى رأسه ولحيته.
ويكره أن يكتحل بما لا طيب فيه لأنه زينة، والحج أشعث أغبر، فإن احتاج إليه لم يكره لأنه إذا لم يكره ما يحرم من الحلق والطيب للحاجة فلأن لا يكره ما لا يحرم أولى.
ويجوز أن يدخل الحمام ويغتسل بالماء لما روى أبو أيوب رضى الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل وهو محرم.
ويجوز أن يغسل شعره بالماء والسدر ، لما روى ابن عباس- رضى عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فى المحرم الذى سقط عن بعيره: " اغسلوه بماء وسدر " ويجوز أن يحتجم ما لم يقطع شعرا، لما روى ابن عباس - رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتجم وهو محرم ويجوز أن يقتصد أيضا، كما يجوز أن يحتجم ويجوز أن يستظل سائرا ونازلا، لما روى جابر - رضى الله عنه - أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقبة من شعر تضرب له بنمرة فإذا ثبت جواز ذلك بالحرم نازلا، وجب أن يجوز سائرا قياسا عليه.
ويكره أن يلبس الثياب المصبغة، لما روى أن عمر رضى الله عنه رأى على طلحة رضى الله عنه ثوبين مصبوغين وهو حرام، فقال أيها الرهط أنتم أئمة يقتدى بكم ولو أن جاهلا رأى عليك ثوبيك لقال قد كان طلحة يلبس الثياب المصبغة وهو محرم فلا يلبس أحدكم من هذه الثياب المصبغة فى الإحرام شيئا.
ويكره أن يحمل بازا أو كلبا معلما لأنه ينفر به الصيد، وربما انفلت فقتل صيداً وينبغى أن ينزه إحرامه عن الخصومة والشتم والكلام القبيح لقول الله تعالى: ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله ( (90).
قال ابن عباس الفسوق المنابذة بالألقاب وتقول لأخيك: يا ظالم يا فاسق والجدال أن تمارى صاحبك حتى تغضبه.
وروى أبو هريرة - رضى الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " من حج لله عز وجل فلم يرفث ولم يفسق رجع كهيئته يوم ولدته أمه "(91).
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: المحظورات هى ما يحرم على المحرم فعلها بسبب الإحرام، وهى تسعة، أحدها: إزالة الشعر من جميع بدنه ولو من أنفه بحلق أو قلع أو نتف بلا عذر لقول الله تعالى:( ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدى محله( (92) ودخل فى الآية سائر شعر البدن لأنه فى معناه.
الثانى: تقليم الأظافر إلا من عذر، لأنه يحصل به الرفاهية فأشبه إزالة الشعر إلا من عذر، فيباح عند العذر، ويجوز له قص ظفر. الذى انكسر لأنه يؤذيه بقاؤه أو وقع بظفره مرض فيجوز له قصه، ويجوز له حك بدنه ورأسه برفق ما لم يقطع شعرا وله غسل رأسه وبدنه، وقد فعل ذلك عمر رضى الله عنه وابنه وأرخص فيه على وجابر رضى الله عنهما وللمحرم أيضا غسل رأسه بسدر وصابون وأشنان لقوله عليه الصلاة والسلام فى المحرم الذى وقصته راحلته: " اغسلوه بماء وسدر ".
الثالث: تغطية الرأس إجماعاً لنهيه صلى الله عليه وسلم المحرم عن لبس العمائم: و قوله فى المحرم الذى وقصته راحلته: " لا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" والأذنان من الرأس، فما كان من الرأس حرام على الرجل تغطيته.
ويجوز تلبيد رأسه بعسل وصمغ ونحوه لئلا يدخله غبار أو دبيب لحديث ابن عمر- رضى الله عنه-: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهل ملبدا- متفق عليه - ولا شىء عليه لأنه لم يفعل محظورا. ولو كان فى رأسه طيب مما فعله قبل الإحرام لحديث ابن عباس - رضى الله عنه - كأنى أنظر إلى وبيص المسك فى رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو محرم، وكذلك إن حمل على رأسه شيئا أو وضع يده عليه لأن ذلك لا يدوم أو نصب حياله ثوبا لحر أو برد وسواء أمسكه إنسان أو رفعه يعود لما روت أم الحصين، قالت حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع فرأيت بلالا وأسامة رضى الله عنهما وأحدهما آخذ بخطا ناقته والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة ، رواه مسلم وعليه اعتمد القاضى غيره لأنه يسير لا يراد للاستدامة بخلاف الاستظلال بالمحمل وإن استظل بخيمة أو شجر ولو طرح عليها شيئا يستظل به أو استظل بسقف وجدار ولو قصد به الستر فلا شىء عليه لحديث جابر - رضى الله عنه - أن النبى صلى الله عليه وسلم ضربت له قبة بنمرة فنزلها، ( رواه مسلم) ولأنه لا يقصد به الترفه فى البدن عادة، وكذا لو غطى الرجل وجهه فيجوز.
 
الرابع: لبس الرجل المخيط قل أو كثر فى بدنه،أو بعضه من قميص وعمامة وسراويل و نحوها: كالخفين أو أحدهما للرجلين، وكالقفازين لليدين، فإن لم يجد إزارا لبس السراويل، وإن عدم نعلين لبس خفين بلا فدية لقول ابن عباس - رضى الله عنه - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطب بعرفات يقول: " السراويل لمن لم يجد الإزار والخفان لمن لم يجد النعلين " - متفق عليه-
وإن أتزر المحرم بقميص فلا بأس به لأنه ليس لبسا للمخيط، ويحرم قطع الخفين وعنه يقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين وجوزه جمع.
قال الموفق وغيره: الأولى قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الاختلاف وإن لبس مقطوعا من خفه وغيره دون الكعبين مع وجود نعل حرم ويباح النعل ولو كانت بعقب.
ويجوز له شد وسطه بمنديل وحبل ونحوهما إذا لم يعقده.
قال الإمام أحمد فى محرم حزم عمامته على وسطه لا يعقدها ويدخل بعضها فى بعض لاندفاع الحاجة بذلك.
قال طاووس فعله ابن عمر - رضى الله عنه - إلا إزاره فله أن يعقده لحاجة ستر العورة وله أن يلتحف بقميص ويرتدى به وبرداء موصل لأن ذلك كله ليس بلبس المخيط المصنوع لمثله ولا يعقده ويتقلد المحرم بسيف للحاجة، ولا يجوز لغير حاجة.
الخامس: الطيب إجماعا لأن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر بعلى بن أمية بغسل الطيب وقال فى المحرم الذى وقصته ناقته: " لا تحنطوه "، ولمسلم: " لا تمسوه بطيب " فيحرم على المحرم بعد إحرامه تطييب بدنه وثيابه ويحرم عليه ليس ما صبغ بزعفران أو ورس أو ما غمس فى ماء ورد أو بخر بعود ونحوه، وكذلك يحرم عليه الجلوس والنوم على ما صبغ بزعفران أو ورس أو غمس فى ماء ورد أو بخر بعود، ويحرم كذلك الاكتحال بمطيب والاحتقان به وشم الأدهان المطيبة والأدهان بها.
ويحرم علي المحرم شم مسك وكافور، وعنبر وماء ورد.
ويحرم عليه كذلك أكل وشرب ما فيه طيب يظهر طعمه أو ريحه، ولو مطبوخا أو مسته النار حتى ولو ذهبت رائحته وبقى طعمه لأن الطعم مستلزم الرائحه فإن بقى اللون فقط دون الطعم والرائحة فلا بأس بأكله لذهاب المقصود منه وله شم الفواكه كلها، وكذا نبات الصحراء وما ينبته الآدمى لغير قصد الطيب كحناء وعصفر وقرنفل ونحوه.
أما ما ينبت لطيب كورد وبنفسج فيحرم شمه.
السادس: قتل صيد البر المأكول وذبحه إجماعا لقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( (93). وقول الله عز وجل ( وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما ( (94). فيحرم صيده وأذاه، ويحرم الدلالة عليه والإشارة والإعانة ولو بإعارة سلاح ليقتله أو ليذبحه به.
ويحرم أكل المحرمة مما صاد أو صاده غيره بإعانته أو الدلالة عليه أو كان مما صيد لأجله.
السابع: عقد النكاح، فلا يتزوج المحرم ولا يزوج غيره بولاية ولا وكالة، لما روى مسلم عن عثمان - رضى الله عنه- مرفوعا: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب. والاعتبار بحالة العقد فى الوكالة فلو وكل محرم حلالا فى عقد النكاح، فعقله بعد حله من إحرامه صح عقده لوقوعه حال حل الوكيل والموكل.
الثامن: الجماع فى القبل أو الدبر من أدمى أو غيره، لقول الله تعالى: ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ( (95).
قال ابن عباس رضى الله عنه: الرفث الجماع، لما ورد فى قول الله عز وجل: ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ( (96).
التاسع: المباشرة فيما دون الفرج بشهوة، ولو بقبلة أو لمس، وكذا النظر لشهوة لأنه وسيلة إلى الوطء المحرم فكان حراما ، وإحرام المرأة فيما تقدم كالرجل، فيحرم عليها ما يحرم عليه إلا فى اللباس (أى لباس المخيط) فلا يحرم عليها لبس المخيط وتغطية الرأس، وإنما إحرامها فى وجهها فيحرم عليها تغطيته لغير حاجة ببرقع أو نقاب أو غيره، لحديث ابن عمر - رضى الله عنه - " لا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين "، فإذا كانت هناك حاجة تستدعى تغطية وجهها كمرور رجال قريبا منها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها لفعل عائشة - رضى الله عنها -
ويجوز لها التحلى بالخلخال والسوار و نحوهما.
ويجوز للمحرم أن يتجر وان يصنع الصانع ما لم يشغله ذلك عن واجب أو مستحب، وأن يرتجع زوجته لأن الرجعة إمساك بدليل قول الله تعالى: ( فامسكوهن بمعروف( (97) ، فأبيح ذلك كالإمساك قبل الطلاق. وللمحرم أن يقتل الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور، وكل ما عدا عليه أو آذاه، وهذا قول أكثر أهل العلم منهم الثورى وإسحاق وأصحاب الرأى، لما روت عائشة رضى الله عنها، قالت: أمر رسول الله صلي الله عليه وسلم بقتل خمس فواسق فى الحرم: الحدأة والغراب والفأرة والعقرب والكلب العقور وعن ابن عمر- رضى الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " خمس من الدواب ليس على المحرم جناح فى قتلهن"، وذكر مثل حديث عائشة - رضى الله عنها - السابق.
ويحل للمحرم صيد البحر لقول الله تعالى: ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة ((98)
واجمع أهل العلم على أن صيد البحر للمحرم مباح اصطياده وأكله وبيعه و شراؤه.
ولا بأس بقطع اليابس من الشجر والحشيش، ولا بقطع ما أنكسر ولم يبن وإنما يحرم قطع الشوك والعوسج بدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم: " لا يعضد شجرها ". وفى حديث أبى هريرة " لا يختلى شوكها ".
وقال القاضى وأبو الخطاب: لا يحرم وأجمع أهل العلم على تحريم قطع شجر الحرم ونباته إلا الأذخر وما زرعه الإنسان ويحرم صيد المدينة وشجرها وحشيشها (99).
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى (100): يحرم على المحرم لبس القميص والسراويل والعمامة والقلنسوة والجبة والبرنس والخفين والقفازين البتة ، ولا يحل له أن يتزر ولا أن يلتحف فى ثوب صبغ كله أو بعضه بورس أو زعفران أو عصفر.
أما بالنسبة للمرأة فلا تنتقب أصلا ولا يحل لها أن تلبس شيئا صبغ كله أو بعضه بورس أو زعفران، ولا أن تلبس قفازين فى يدها، برهان ذلك ما روى عن يحيى ابن يحيى قال: قرأت على مالك عن نافع عن ابن عمر - رضى الله عنه - قال: سأل رجل رسول الله صلى الله عليه ومسلم ما يلبس المحرم من الثياب. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تلبسوا القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد النعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئا مسه زعفران ولا الورس، ثم يجتنبان (101) تجديد قصد إلى الطيب فإن مسهما من طيب الكعبة شىء لم يضر، أما اجتناب القصد إلى الطيب فلا نعلم فيه خلافا، وأما إن مسه شىء من، طيب الكعبة أو غيرها من غير قصد فلأنه لم يأت فيه نهى.
ولا يحل للمحرم (102) بالعمرة أو بالحج تصيد شىء مما يصاد ليؤكل ولا وطء كان له حلالا قبل إحرامه ولا لباس شىء مما ذكرنا قبل أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن لباسه المحرمة.
قال الله تعالى: (لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ((103) وقول الله عز وجل:( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((104). وكل من تعمد معصية (105) ( أى معصية كانت وهو ذاكر لحجه، مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمى الجمرة) فقد بطل حجه، فإن أتاها ناسيا لها أو ناسيا لإحرامه ودخوله فى الحج أو العمرة فلا شىء عليه فى نسيانها وحجه وعمرته تامان فى نسيانه كونه فيهما، وذلك لقول الله عز وجل: ( فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ( (106) فكان من شرط الله تعالى فى الحج براءته من الرفث والفسوق، فمن لم يتبرأ منهما فلم يحج كما أمر، ومن لم يحج كما أمر فلا حج له، ويبطل الحج (107) تعمد الوطء فى الحلال من الزوجة والأمة ذاكرا لحجه أو عمرته. وكذلك يبطل بتعمده أيضا حج الموطوءة وعمرتها، قال الله تعالى:( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((108) والرفث الجماع وإن وطىء وعليه بقية من طواف الإفاضة أو شىء من رمى الجمرة فقد بطل حجة كما قلنا للآية السابقة.
ومن قتل صيدا(109) متصيدا له ذاكراً لإحرامه عامداً لقتله، فقد بطل حجه أو عمرته لبطلان إحرامه، قال الله عز وجل:( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( (110) فحرم الله تعالى عليه أن يقتل الصيد متعمداً فى إحرامه، فإذا فعل فلم يحرم كما أمر لأن الله تعالى إنما أمره بإحرام ليس فيه تعمد قتل صيد، وهذا الإحرام هو بلا شك غير الإحرام الذى فيه تعمد قتل الصيد، فلم يأت بالإحرام الذى أمره الله تعالى به. وأيضا فإن الله تعالى قال: ( الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ( (111) ولا خلاف فى أن تعمد قتل الصيد فى الإحرام فسوق، فمن فسق فى حجه فلم يحج كما أمر، ومن لم يحج كما أمر فلم يحج.
قال أبو محمد (112): وكل فسوق تعمده المحرم ذاكرا لإحرامه فقد بطل إحرامه وحجه وعمرته لقول الله عز وجل:( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج ((113) ، فصح أن من تعمد الفسوق ذاكرا لحجه أو عمرته فلم يحج كما أمر.
ويحرم على المحرم الجدال بالباطل (114) ، وفى الباطل عمدا، ذاكرا لإحرامه مبطل للإحرام وللحج للآية السابقة. ولا يحل لرجل (115) ولا لامرأة أن يتزوجا أو تتزوج، ولا أن يزوج الرجل غيره من وليته ولا أن يخطب خطبة نكاح مذ يحرمان إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر ويدخل وقت رمى جمرة العقبة، ويفسخ النكاح قبل الوقت المذكور كان فيه دخول وطول مدة وولادة أو لم يكن، فإذا دخل الوقت المذكور حل لهما النكاح والإنكاح ، وله أن يراجع زوجته المطلقة ما دامت فى العدة فقط، وله أن يراجعها زوجها كذلك أيضا ما دامت فى العدة، لما روى: لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب.
وإن قتل المحرم الصيد(116) عامدا لقتله ذاكرا لإحرامه أو لأنه فى الحرم فهو عاص لله تعالى وحجه باطل وعمرته كذلك للآية السابقة، وهو قول الله عز وجل: ( لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ((117)0
فلو أمر محرم حلالا (118) بالتصيد فإن كان ممن يطيعه ويأتمر له، فالمحرم هو القاتل للصيد فهو حرام ولو اشترك حلال ومحرم فى قتل صيد كان ميتة لا يحل أكله، لأنه لم تصح فيه الذكاة خالصة، ولا يحل لأحد(119) قطع شىء من شجر الحرم بمكة والمدينة ولا شوكة فما فوقها ولا من حشيشه حاشا الأذخر عن برهان ذلك ما روى عن ابن عباس - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلى ولم يحل لى إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله تعالى إلى يوم القيامة لا يعضد شجره ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ولا يختلى خلاها ".
قال العباس رضى الله عنه: يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم (120) ولبيوتهم.
فقال: إلا الأذخر. ويجوز للمحرم (121) أن يلتحفه بما شاء من كساء أو ملحفة أو رداء، ويتزر ويكشف رأسه ويلبس نعليه.
فإن كانت امرأة فلتلبس ما شاءت من كل ما ذكرنا لأنه لا يلبسه الرجل، وتغطى رأسها، لكن إما أن تكشف وجهها وإما أن تسدل عليه ثوبا من فوق رأسها فذلك لها إن شاءت، ولها أن تلبس الخفاف والمعصفر فإن لم يجد الرجل إزارا فليلبس السراويل كما هى، وأن لم يجد نعلين فليقطع خفيه تحت الكعبين ولابد، ويلبسهما كذلك.
ولا بأس أن يغطى الرجل وجهه بما هو ملتحف به أو بغير ذلك، ولا كراهة فى ذلك، ولا بأس أن تسدل المرأة الثوب من على رأسها على وجهها.
أما المرأة فلأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نهاها عن النقاب، ولا يسمى السدل نقابا، فإن كان البرقع يسمى نقابا لم يحل لها لباسه (122) لحديث ابن عمر- رضى الله عنه- السابق " ما يلبس المحرم... إلخ " ويجوز للمحرم الجدال فى واجب وحق فى الإحرام (123) قال الله عز وجل:( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين((124). ومن جادل فى طلب حق له فقد دعا إلى سبيل ربه تعالى، وسعى فى إظهار الحق والمنع من الباطل، وهكذا كل من جادل فى حق لغيره أو لله عز وجل. وجائز للمحرمين من الرجال والنساء أن يتظلوا فى المحامل إذا نزلوا، والكلام مع الناس(125) فى الطواف جائز، وذكر الله أفضل لأن النص لم يأت يمنع من ذلك.
وقال الله تعالى: ( وقد فصل لكم ما حرم عليكم((126)، فما لم يفصل تحريمه فهو حلال.
ومن تصيد صيدا (127) فقتله وهو محرم بعمرة أو بقران أو بحجة تمتع ما بين أول إحرامه إلى دخول وقت رميه جمرة العقبة أو قتله محرم أو محل فى الحرم، فإن فعل ذلك عامدا لقتله غير ذاكر لإحرامه أو لأنه فى الحرم أو غير عامد لقتله سواء كان ذاكرا لإحرامه أو لم يكن فلا شىء عليه، وذلك الصيد جيفة لا يحل أكله(128) وحلال للمحرم ذبح ما عدا الصيد مما يأكل الناس من الدجاج والأوز المتملك والبرك المتملك وهو طائر من طيور الماء) والحمام المتملك والإبل والبقر والغنم والخيل وكل ما ليس صيدا ،الحل والحرم سواء، وهذا لا خلاف فيه من أحد.
وكذلك يذبح كل ما ذكرنا الحلال فى الحرم بلا خلاف أيضا، والنص لم يمنع من ذلك.
وجائز للمحرم (129) فى الحل والحرم وللمحل فى الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير والأسد والسباع والقمل والبراغيث وقردان بعيره أو غير بعيره والحلم ( القراد العظيم) كذلك، ونستحب لهم قتل الحيات والفيران والحدأة والغربان والعقارب والكلاب العقورة صغار كل ذلك وكباره سواء، وكذلك الوزغ وسائر الهوام، فإن قتل ما نهى عن قتله من هدهد أو صرد أو ضفدع أو نمل فقد عمى، برهان ذلك ما ذكرنا أن الله عز وجل أباح قتل ما ذكرنا ثم لم ينه المحرم إلا عن قتل الصيد فقط ولا نهى إلا عن صيد الحرم فقط.
وجائز للمحرم (130) دخول الحمام والتدلك وغسل رأسه بالطين والخطمى والاكتحال والتسويك والنظر فى المرآة وشم الريحان وغسل ثيابه وقص أظفاره وشاربه ونتف إبطه والتنور ولا حرج فى شىء من ذلك ولا شىء عليه فيه لأنه لم يأت فى منعه من كل ما ذكرنا قرآن ولا سنة.
وكل ما صاده (131) المحل فى الحل فأدخله الحرم أو وهبه لمحرم أو اشتراه محرم فحلال للمحرم ولمن فى الحرم ملكه وذبحه وأكله. وكذلك من أحرم وفى يده صيد قد ملكه قبل ذلك أو فى منزله قريبا أو بعيداً أو فى قفص معه فهو حلال له كما كان كله وذبحه وملكه وبيعه.وإنما يحرم عليه ابتداء التصيد للصيد وتملكه وذبحه حينئذ، فلو ذبحه لكان ميتة ولو أنتزعه حلال من يده لكان للذى انتزعه ولا يملكه المحرم، وإن أحل إلا بأن يتحدث له تملكا بعد إحلاله، برهان ذلك أن الله تعالى قال ( أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة، وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما((132).
فلو أمر محرم (133) حلالا بالتصيد فإن كان ممن لا يأتمر له ولا يطيعه فليس المحرم هنا قاتلا بل أمر بمباح حلال للمأمور ومباح للمحرم أن يقبل امرأته ويباشرها ما لم يولج لأن الله تعالى لم ينه إلا عن الرفث والرفث الجماع فقط وللمحرم أن يشد المنطقة (134) على إزاره إن شاء أو على جلده، ويحتزم بما شاء ويحمل خرجه على رأسه ويعقد إزاره عليه ورداءه إن شاء ويحمل ما شاء من الحمولة على رأسه ويعصب على رأسه لصداع أو لجرح ويجبر كسر ذراعه أو ساقه ويعصب على جراحه وخراجه وقرحه، ويحرم فى أى لون شاء حاشا ما صبغ بورس أو زعفران لأنه لم ينه عن شىء مما ذكرنا قرآن ولا سنة.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: محظورات الإحرام عندهم أنواع أربعة:
الأول منها: هو الرفث، والمراد به منا الكلام الفاحش( وفى غيره الوطء)، وكذلك الفسوق كالظلم والتعدى والتكبر والتجبر والجدال بالباطل فإن كان لإرشاد المخالف جاز.
ويحرم التزين بالكحل ونحوه من الأدهان التى فيها زينة.
ويحرم لبس ثياب الزينة كالحرير، والحلي فى حق المرأة عندنا والمعصفر والمزعفر والمورس، وكذلك فى حق الرجل. ولا يعقد المحرم لنفسه ولا لغيره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا ينكح المحرم ولا ينكح ". ولا تحرم الشهادة من المحرم على زواج المحل، أما على زواج المحرم فمحظورة وكذلك لا تحرم الرجعة ولو بعقد ولأن الرجعة إمساك لا نكاح، ولم يرد النهى إلا فى النكاح.
والنوع الثانى من المحظورات الوطء ومقدماته من لمس أو تقبيل لشهوة، فذلك من غير إجماعا ويكره اللمس من غير ضرورة ولو لم تقارنه شهوة.
والنوع الثالث من المحظورات لبس الرجال المخيط، لما رواه سالم عن ابن عمر عن أبيه - رضى الله عنهما - قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما يترك المحرم من اللباس فقال: " لا يلبس القميص والبرنس ولا السراويل ولا العمامة ولا ثوبا مسه ورس وزعفران ولا الخفين إلا ألا يجد نعلين، ومن لا يجد نعلين فلبس الخفين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين".
ويحرم تغطية رأس الرجل لأن إحرامه فى رأسه عندنا وتغطية وجه المرأة لأن إحرامها فى وجهها وتغطيتهما بأى مباشر لهما محظور، سواء كان الغطاء لباسا كالقلنسوة للرجل والنقاب والبرقع للمرأة أو غير لباس كالظلة إذا باشرت الرأس أو كالثوب إذا رفع ليستظل به، فباشر الرأس فأما إذا غطيا الرأس والوجه بشىء لا يباشرهما كالخيمة المرتفعة ونحو أن تعمم المرأة ثم ترسل النقاب فوق العمامة بحيث لا يمس الوجه فإن ذلك جائز.
ويحرم التماس الطيب ولا يجوز شمه ولا مسه إذا كان ينفصل ريحه وإلا جاز ولا يجوز أن يأكل طعاما مزعفرا إلا ما أذهبت النار ريحه ولا يلبس ثوبا مبخرا ويحرم أكل صيد البر فقط سواء اصطاده هو أم محرم غيره أم حلال اصطاده له أو لغيره فأكله محظور.
ولا يجوز تخضيب الأصابع من اليدين أو الرجلين، ولا تقصير كل أظافر أصابع اليدين والرجلين، ولا تخضيب أو تقصير خمس أصابع ولو كانت متفرقة فى اليدين أو الرجلين، ويحظر إزالة سن أو شعر من جسد المحرم سواء أزال ذلك بنفسه أو أزالها من جسد إنسان محرم غيره والنوع الرابع من المحظورات: قتل بعض الحيوان، وهو نوعان: أحدهما يستوى فيه العمد والخطأ، وهو قتل القمل، فإنه لا يجوز للمحرم. والنوع الثانى الذى يختلفا فيه العمد والخطأ هو قتل كل حيوان متوحش وإن تأهل، وإنما يحرم قتله بشرط أن يكون مأمون الضرر، أما لو خشى المحرم من ضرره جاز له قتله إذا خاف ضرره بأن يعدو عليه إلا ما أباح الشرع قتله فذلك جائز، وهى الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة سواء كان القتل مباشرة أو تسببا إلا الصيد البحرى فإنه يجوز للمحرم قتله وأكله، وكذلك الصيد الأهلى من الحيوانات كالخيل وكل ما يؤكل لحمه (135).
ويحظر على المحرم قتل صيد مكة والمدينة سواء ما يؤكل وما لا يؤكل إذا كان مأمون الضرر فإنه محرم قتلة، والعبرة بموضع الإصابة لا بموضع الموت. وكذلك يحرم قطع شجرهما ورعيه، وإنما يحظر قطع الشجر بشرط أن يكون أخضر فلو كان يابسا جاز قطعه، وبشرط أن يكون غير مؤذ، فلو كان مؤذيا كالعوسج ونحوه مما له شوك مؤذ فإنه يجوز قطعه، وبشرط ألا يكون مستثنى فلو كان مستثنى كالأذخر جاز قطعه وبشرط أن يكون أصله ثابتا فى الحرمين، وكذا لو كان بعض عروق أصله فى الحرم فلو كان أصله فى الحل وفروعه فى الحرم جاز قطعه وبشرط أن يكون نبت بنفسه كالأشجار دون الذرائع أو غرس ليبقى سنة فصاعدا كالعنب والتين فإنه لا يجوز قطعهما عندنا (136).
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: من محظورات الإحرام صيد البر ومن المحرم الثعلب والأرنب ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها، بل يحرم الإعانة عليه ولو دلالة عليها وإشارة إليها بأحد الأعضاء، ولا فرق فى تحريمها على المحرمة بين كون المدلول محرما ومحلا ولا بين الخفية والواضحة على تفصيل فى ذلك، ينظر فى مصطلح " صيد ".
ولا يحرم صيد البحر وهو ما يبيض ويفرخ معا فيه إلا إذا تخلف أحدهما. وإن لازم الماء كالبط، وهى ما سبق ذكره من الحية والعقرب إلخ.
والنساء بكل استمتاع من الجماع ومقدماته حتى العقد والشهادة عليه وإقامتها وإن تحملها محلا أو كان العقد بين محلين والاستمناء وهو استدعاء المنى بغير الجماع، ولبس المخيط وأن قلت الخياطة وشبهه مما أحاط الدرع المنسوج واللبد المعمول، كذلك وعقد الرداء وتخليله وزره ونحو ذلك دون عقد الإزار ونحوه فإنه جائز، واستثنى منه الهميان(137) فعفى عن خياطته ومطلق الطيب وهو الجسم ذو الريح المتخذ للسم غالبا غير الرياحين كالمسك والعنبر والزعفران وماء الورد. وخرج بقيد الاتخاذ للسم ما يطلب منه الأكل والتداوى غالبا كالقرنفل والدار صينى وسائر الأباريز الطيبة فلا يحرم شىء. وكذا ما لا ينبت للطيب كالحناء والمعصفر. وأما ما يقصد شمه من النبات الرطب كالورد والياسمين فهو ريحان والأقوى تحريم شمه أيضا. وأستثنى منه الشيح والخزامى والأذخر والقيصوم إن سميت ريحانا.
وخص الطيب بأربعة: المسك والعنبر والزعفران والورس ، وفى قول آخر: ستة بإضافة العود والكافور إليها ويستثنى من الطيب خلوق- وهو نوع من الطيب - الكعبة والعطر فى المسعى والقبض من كريه الرائحة لكن لو فعل فلا شىء عليه غير الإثم بخلاف الطيب والاكتحال بالسواد والمطيب.
ويجوز أكل الدهن غير المطيب إجماعا، والجدال وهو قول لا والله ، وبلى والله وقيل مطلق اليمين.
وإنما يحرم مع عدم الحاجة إليه، فلو أضطر إليه لإثبات حق أو نفى باطل فالأقوى جوازه.
والفسوق وهو الكذب مطلقا والسباب للمسلم وتحريمها ثابت فى الإحرام وغيره ولكنه فيه آكد كالصوم والاعتكاف والنظر فى المرآة.
وإخراج الدم اختيارا ولو بحك الجسد والسواك، واحترز بالاختيار عن إخراجه لضرورة كبط جرح وشق دمل وحجامة وقصد عند الحاجة إليها فيجوز إجماعا، وقلع الضرس والرواية مجهولة مقطوعة، ومن ثم إباحة جماعة خصوصا مع الحاجة نعم يحرم من جهة إخراج الدم وقص الظفر بل مطلق إزالته أو بعضه اختياراً فلو أنكسر فله إزالته وإزالة الشعر بحلق ونتف وغيرهما مع الاختيار، فلو اضطر كما لو نبت فى عينه جاز إزالته، ولو كان التأذى بكثرته لحر أو قمل جاز أيضا، لأنه محل المؤذى لا نفسه، والمعتبر إزالته بنفسه فلو كشط جلدة عليها شعر فلا شىء فى الشعر لأنه غير مقصود بالإبانة. وتغطية الرأس للرجل بثوب وغيره حتى بالطين والحناء والارتماس وحمل متاع يستره أو بعضه، نعم، يستثنى عصابة القربة وعصابة الصداع وما يستر منه بالوسادة وفى صدقه باليد وجهان، وقطع فى التذكرة بجوازه ، وفى الدروس جعل تركه أولى، والأقوى الجواز لصحيح معاوية ابن عمار.
والمراد بالرأس هنا منابت الشعر حقيقة أو حكما، فالأذنان ليستا منه خلافا للتحرير.
وتغطية الوجه أو بعضه للمرأة ولا يصدق باليد كالرأس ولا بالنوم عليه، ويستثنى من الوجه ما يتم به ستر الرأس لأن مراعاة الستر أقوى وحق الصلاة أسبق.
ويجوز لها سدل القناع إلى طرف أنفها بغير إصابة وجهها على المشهور، والنص خال من اعتبار عدم الإصابة، ومعه لا يختص بالأنف بل يجوز الزيادة ويتخير الخنثى بين وظيفة الرجل والمرأة فيغطى الرأس أو الوجه، ولو جمعت بينهما كفرت.
والنقاب للمرأة وخصه مع دخوله فى تحريم تغطية الوجه تبعا للرواية، وإلا فهو كالمستغنى عنه والحناء للزينة لا للسنة سواء الرجل والمرأة، والمرجع فيهما إلى القصد أيضا ولبس المرأة ما لم تعتده من الحلى وإظهار المعتاد منه للزوج وغيره من المحا رم.
وكذا يحرم عليها لبسه للزينة مطلقا والقول بالتحريم كذلك هو المشهود. ولبس الخفين للرجل وما يستر ظهر قدميه مع تسميته لبسا، والظاهر أن بعض الظهر كالجميع إلا ما يتوقف عليه لبس النعلين.
والتظليل للرجل الصحيح سائرا فلا يحرم نازلا إجماعا ولا ماشيا إذا مر تحت المحمل ونحوه ، والمعتبر منه ما كان فوق رأسه فلا، يحرم الكون فى ظل المحل عند ميل الشمس إلى أحد جانبيه.
وأحترز بالرجل عن المرأة والصبى فيجوز لهما الظل اتفاقا وبالصحيح عن العليل، ومن لا يتحمل الحر والبرد بحيث يشق عليه بما لا يتحمل عادة فيجوز له الظل ولبس السلاح اختيارا فى المشهور، ومع الحاجة إليه يباح قطعا.
وقطع شجر الحرم وحشيشة الأخضرين إلا الأذخر، وما ينبت فى ملكه وشجر الفواكه.
ويحرم ذلك على المحل أيضا، وقتل هوام الجسد وهى ثوابه ولا فرق بين قتله مباشرة وتسببا كوضع دواء يقتله (138).
مذهب الإباضية
قال الإباضية: منع المحرم من استعمال الطيب وإلقاء تفث كظفر وشارب وشعر العانة وغير ذلك، والمراد بإلقائه نزعه، وجماع واصطياد ولبس مخيط للنهى عن القميص والسراويل والعمامة كعلة تغطية الرأس ومنع من لبس البرنوس وهو ثوب له رأس، والخف وإن لم يجد نعلا لبس خفا بعد قطعه من أسفل الكعبين علي خلاف فى ذلك.
ولا يلبس المحرم ولو امرأة القفازين ، ونهى عن لبس مزعفر (أى مصبوغ بزعفران) كله أو بعضه، وذلك لرائحته.
ويجوز المصبوغ بغيره على أى لون، ومورس( مصبوغ فى ورس) كله أو بعضه، وهو نبات أصفر باليمن، وعن بعض أنه كالسمسم يزرع باليمن، ونهى المحرم عما جعل مستديرا ثوبا أو غيره ولو بلا خياطة، وعن تغطية رأس إن كان المحرم دجلا ووجهه مطلقا.
ولا يحمل علي رأسه شيئا ولا يستره، وقال بعضهم: لا بأس أن يحمل طعامه على رأسه، وإنما يكره له ما كان على وجه اللبس.
وقال: ولا يشد على جسده ولو على ذراعه أو أصبعه ولو بخيط ولا يحتزم وقيل يجوز أن يحتزم ولو بعقد بخيط أو حبل علي بطنه إذا أراد العمل، ولا يحتزم لغيره ولا يعقد ثوبه أو غيره على نفسه ولا يتقلد سيفا ولا قوسا.
ورخص فى شد نفقة على عقوبة أو غيرهما كصدره وعضده من داخله مما يلى جلده، ورخص باحتباء بثوب هو على جسده ملبوسا أى ليس كذلك، وتمنع المرأة المحرمة من ليس الحرير أو الذهب أو الحلى.
ولها أن ترخى علي وجهها ثويا إن لم يمسه، ومنع المحرم ذكرا أو أنثى من طيب ولو بثوبه ولا يضر إن غسل ولم يبق فيها ريح ولو بقى به لون أو منع من دهن خلط به الطيب ولا يشمه أو يلتذ بريحه وقيل لا يلزم بالسم والالتذاذ فى الطيب الغير المؤنث وأن وقع بثوبه أو جسده ولو ألقته عليه الريح أو طيب به وهو نائم أو مكره أو غافل، غسله من حينه أو نزعه من حينه وندب اجتناب الطيب قبل الإحرام بيومين، والطيب ضربان: ما غلب لونه رائحته ، ويسمى الطيب المؤنث لأنه هو الذى تستعمله المرأة كمخلوق من الطيب يصنع من زعفران وغيره، وما لم يغلب لونه رائحته يسمى المذكر لأنه هو الذى يستعمله الرجل كالمسك. ولا تتزين المرأة وإن بكحل وكذا الرجل ورخص فى الكحل ولو لرجل. وكلام الدعائم أنه يجوز للرجل الاكتحال والدهن بما لا طيب فيه لأجل وجع بأثمد وإن كان مخلوطا بأشياء كثيرة مخلوطة لا بطيب
ومنع المحرم والمحل من صيد الحرم ولو من ماء مطر أو عين أو غيره تولد منه الحيوان.
ومنع المحرم من اصطياد فى بر ومن أكمل صيده( أى صيد البر) ولو صاده محل ولو من الحل أيضا، وإنما منع المحرم من اصطياد البر لما فيه من الفخر بخلاف صيد البحر فلا فخر فيه، ولا يحل وإن كان لمحل شجر الحرم وصيده ولقطته وحلت لمعرفها على أنه إن لم يجد صاحبها تصدق بهما، ولا يحل خلاؤه وهو الرطب من النبات لا يحتش ويجوز رعيه ويمنع للمحرم الاحتجام فى الحرم وهو الصحيح إلا لضرورة (139) وجاز للمحرم استظلال بعريش بيت من قصب أو غيره وما يجعل للعنب يعلوه ويفرش عليه وخيمة وقبة من بناء أو جلد أو غيرهما ومظلة من أى نوع كانت وعلى أى هيئة كانت وثوب على عصا أو شجرة، وليحذر فى ذلك كله مسه لرأسه أو وجهه، وقيل لا يجوز الاستظلال بالثوب على عصا ولا المظلة ولا يجوز لمن لم يكن على دابة ولا بأس للمحرم أن يلقى على نفسه ما شاء من الثياب والمسوح والقطائف من غير أن يغطى رأسه ، وقيد بعض أصحابنا الارتداء بالقميص بعدم وجود لك داء، ولا بأس فى توسد الوسادة.
وجاز للمحرم الاستظلال بظل الإنسان وغيره وأجاز قومنا أن يجعل يده على رأسه أو وجهه للحر، وأجيز الحمل على الرأس، وقال بعض: لا يستظل بالمحمل ولا بأس عندنا باستظلاله بداخل البيت والفسطاط والخباء والقبة ومن عجز عن مس جبهته الأرض من شدة الحر سجد على ثوب من نبات أو من الصوف عند مجيز الصلاة عمى ما يصلى به ويجوز وضع الرأس على الحائط أو الأرض أو الفراش أو غير ذلك على وجه الارتياح أو غير ذلك، ولا خلاف فى جواز وضعه للنوم.
وجاز له احتطاب وشد محملة أى ربطه والعقد عليه لا على نفسه معه.
وجاز للمحرم أن يحتجم لضرورة ، وروى: أن رسول الله صلى عليه وسلم احتجم وهو محرم.
وجاز له قتل كل مؤذ وإن بالحرم ولو ذبابا إن أذى أو زنبورا وغيرها.
ويجوز قتل الغراب والحدأة والفأر والعقرب والحية والكلب العقور ولو لم يخف منهن.
ويجوز له أن يدهن شقوق رجله أو وجهه أو يديه وغير ذلك مما لا طيب فيه ويكره له غمس رأسه فى الماء، وله غسل رأسه بالماء ولا يدلكه أو بدنه عند الغسل ولا يدلك رأسه إلا بإبهامه.
ورخص للمحرم فى القطع للأكل من شجر الحرم مما يؤكل كنبت وإن اختلط بما لا يؤكل ولا يحرث.
وقد يرخص فى الخارج فى الحرث للتعذر.
وجوز نزع السنا المكى بلا قطع أصله وأكله وشربه لإسهال أو لضرس أوجعته. وجوز نزع الحطب اليابس الميت والثمر الساقط.
ويجوز له الانتفاع بالعود أو الغصن أو الورقة أو أكثر من ذلك إذا نزعه غيره ولو عمدا، ولا يجوز لنازعه الانتفاع به. وقيل ان نزعه بلا عمد فله الانتفاع به، وكره له رعى شجره وإن رعى فعليه أن يتصدق. وأجاز بعضهم رعى نباته وهو الصحيح، ولا يضر حافرا قطع شجر صغير وأن من أصله إن صادفه بحفره لا عمداً ولو علم أنه إذا كان يحفر يقطع وذلك إذا أحتاج للحفر(140).
 
موسوعة الفقه الإسلامي
 
الوسوم
الإسلامي الفقه موسوعة
عودة
أعلى