موسوعة الفقه الإسلامي


مذهب الحنفية:
يذهب الحنفية إلى أن لابن العم، شقيقا أو لأب حضانة الصغير الذكر إذا لم يوجد من النساء من يستحق الحضانة، ولا من الرجال من هو أولى منه لتقدمه فى الإرث عليه.
فقد جاء فى " الزيلعى": " ثم العصبات: أى إذا لم يكن للصغير امرأة تكون الحضانة للعصبات على ترتيبهم فى الإرث على ما عرف فى موضعه، يقدم الأقرب فالأقرب، لأن الولاية له ".
غير أن الصغيرة لا تدفع إلى غير محرم من الأقارب كابن العم (31).
أما ابن العم لأم فليس له حضانة لا للذكر ولا للأنثى لأنه وإن كان ذا رحم فإنه غير محرم، والحضانة إنما يعتمد فيها بالنسبة لغير العصبة على الرحم والمحرمية فقد جاء فى " حاشية الشلبى " على الزيلعى: " المراد من ذوى الأرحام هنا غير ذوى الأرحام المذكورين فى الفرائض، فإن ذا الرحم فى الفرائض كل قريب ليس بذى سهم ولا عصبة، فالأخ من الأم ليس من ذوى الأرحام، لأنه صاحب سهم.
وأما ذو الرحم هنا فالمراد به كل قريب ذى رحم محرم من المحضون وهو غير عصبة، فإن كلا ممن ذكره الشارح من الأخ للأم ، والعم من الأم والخال ، قريب ذو رحم محرم من المحضون، وهو غير عصبة له "(32).
مذهب المالكية:
يذهب المالكية إلى أنها لابن العم مطلقا، تثبت له الحضانة فى مرتبته بين أصحاب الحق فيها،ويقدم الذى لأم على الذى لأب.
فقد جاء فى " الشرح الكبير" للدردير، بعد أن ذكر الحاضنات وبعض الحاضنين، ثم العم ثم ابنه قرب كل أو بعد، ومعلوم أن الأقرب يقدم على الأبعد.
ثم قال: وقدم الشخص الشقيق ذكرا أو أنثى على الذى للأم، ثم الذى للأم، ثم الذى للأب فى الجميع، أى جميع المراتب التى يمكن فيها ذلك (33).
ولكن يشترط فى حضانته للكبيرة المطيقة للوقاع أن يكون محرما عليها ولو فى زمن الحضانة كأن يتزوج بأمها. وإلا فلا حضانة له.
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن لابن العم: شقيقا أو لأب حق الحضانة لابن عمه وبنت عمه ولكن لا تسلم إليه إذا كانت مشتهاة، بل تسلم إلى أنثى ثقة يعينها هو.
فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج": " وتثبت لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا وارث غير محرم كابن العم، فإن له الحضانة على الصحيح لوفور شفقته بالولاية ".
والثانى: لا، لفقد المحرمية، ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، بل تسلم إلى ثقة يعينها ولو بأجرة من ماله (34).
أما ابن العم لأم فإنه لا حق له فى الحضانة لابنة عمه لأمه، ولا لابن عمه لأمه بناء على ما سار عليه صاحب " المنهاج " " والمغنى" ، إذ جاء فيهما: " فإن فقد الإرث والمحرمية معا كابن خال وابن عمة أو الإرث فقط والمحرمية باقية كأبى أم وخال، فلا حضانة لهم فى الأصح. لفقد الإرث والمحرمية فى الأول ولضعف قرابته فى الثانية، لأنه لا يرث بها ولا يعقل، وغير الأصح له الحضانة لشفقته بالقرابة " (35).
وابن العم لأم كابن الخال فى عدم الإرث وعدم المحرمية.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، له حضانة ابن عمه، أما بنت عمه فلا يحق له حضانتها إن كانت كبيرة إلا إذا كانت محرمة عليه برضاع أو غيره مما يقتضى التحريم.
فقد جاء فى " المحرر": " لا حضانة إلا لرجل من العصبة، أو لامرأة وارثة أو مدلية بعصبة أو بوارث، فإن عدموا فالحاكم، وقيل: إن عدموا ثبتت لسواهم من الأقارب ، ثم الحاكم " 0
ثم قال: وليس لابن العم ونحوه حضانة الجارية إذا لم يكن محرما برضاع أو نحوه (36).
أما ابن العم لأم فلا حضانة له كما يؤخذ من النص السابق، إذ خصها بالعصبة.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب، وكذا ابن العم لأمه يكون له حق الحضانة إذا لم يوجد من هو أولى منه.
فقد جاء فى " المحلى" ، عند الكلام على الحضانة بعد الأم: " فإن لم تكن الأم مأمونة فى دينها ودنياها نظر للصغير والصغيرة بالأحوط فى دينهما ثم دنياهما، فحيثما كانت الحياطة لهما فى كلا الوجهين وجبت هنالك: عند الأب أو الأخ أو الأخت أو العمة أو الخالة أو العم أو الخال، وذوو الرحم أولى من غيرهم بكل حال.
فإن استووا فى صلاح الحال فالأم والجدة ثم الأب والجد ثم الأخ والأخت ثم الأقرب فالأقرب " (37).
وقد ذكر أبن العم صراحة فى أنه صاحب حق فى الحضانة حيث ساق حادثة الإمام على - رضى الله عنه- وأخيه جعفر فى طلب كل منهما لحضانة بنت عمهما حمزة فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجعفر لأنه كان متزوجا خالتها، فقد قال: "ونحن لا ننكر قضاءه - صلى الله عليه وسلم- بها لجعفر من أجل خالتها، لأن ذلك أحوط لها" (38).
وهذا النص يبين أن القضاء بها إنما كان لابن عمها جعفر، وأنه كان أولى من الإمام على مع أنه أخوه لأن خالتها كانت عند جعفر، وليس القضاء لخالتها لأنها بمركز الأم كما قال غيره من الفقهاء.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب يكون له حق الحضانة للذكر دون الأنثى.
فقد جاء فى " شرح الأزهار" ، بعد أن ذكر حضانة المحارم من العصبة وذوى الأرحام: " ثم إذا عدم المحارم من العصبات وذوى الأرحام فالأولى بالذكر عصبة غير محرم الأقرب فالأقرب، وأما الأنثى فلا حضانة تجب لهم فيها، بل هم وسائر المسلمين على سواء فى حقها، فينصب الإمام أو الحاكم من يحضنها (39).
أما ابن العم لأم فإنه لاحق له فى الحضانة إلا للغلام إذا فقد المحارم من العصبة وذوى الأرحام، وفقد أيضا العصبة غير المحارم.
فقد جاء فى " شرح الأزهار": " ثم إذا عدمت العصبات المحارم وغير المحارم وذوو الأرحام المحارم، انتقلت الحضانة إلى من وجد من ذوى رحم غير محرم كابن الخال وابن الخالة وابن العمة: الأقرب فالأقرب، وولايتهم كذلك، أى هم أولى بالذكر دون الأنثى كالعصبات غير المحارم (40).
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية، فى قول: ،إلى أن ابن العم ، شقيقا أو لأب، أو لأم، يكون له حق الحضانة إذا لم يوجد من هو أولى منه كالأعمام والعمات.
فقد جاء فى شرائع الإسلام: " فإن فقد الأبوان فالحضانة لأبى الأب، فإن عدم قيل: كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث، وفيه تردد " (41).
النفقة
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن ابن العم مطلقا، شقيقا أو لأب أو لأم، لا تجب عليه نفقة ولد عمه.
فقد جاء فى " الفتاوى الأنقروية ":
وأما بيان صفة من تجب له هذه النفقة فهو من كان ذا رحم محرم، وهو الضابط عندنا، والأحراز بالإرث ليس بشرط، حتى وجبت على الخال والخالة دون ابن العم، والميراث له (42).
مذهب المالكية:
قد ذكر الدردير فى كتابه " الشرح الكبير" من تجب عليهم النفقة للأقارب، فذكر وجوبها على الوالد لولده العاجز عن الكسب وعلى الولد لوالده ووالدته المعسرين إذا عجزا عن الكسب، وذكر أنه لا تجب على الولد نفقة جده ولا جدته ولا ولد ابنه، ولم يذكر ابن العم فيمن تجب عليهم نفقة أولاد عمه، فدل هذا على أن ابن العم مطلقا لا نفقة عليه لأولاد عمه (43) .
مذهب الشافعية:
كذلك ذهب الشافعية إلى أنه لا نفقة على ابن العم لابن عمه، لأن النفقة على القريب إنما تعتمد على البعضية.
فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج ": والموجب لها- أى النفقة- قرابة البعضية فقط ، يلزمه: أى الشخص ذكرا كان أو غيره نفقة الوالد الحر وإن علا من ذكر أو أنثى، والوالد الحر وإن سفل من ذكر أو أنثى (44).
مذهب الحنابلة:
يذهب الحنابلة إلى أن ابن العم إن كان شقيقا أو لأب تجب النفقة عليه لأولاد عمه الفقراء ذكورا أو إناثا، وفى رواية لا تجب عليه للإناث.
فقد جاء فى " الشرح الكبير" للمقدسى: ظاهر المذهب أن النفقة تجب على كل وارث لمورثه إذا اجتمعت الشروط التى ذكروها: وحكى ابن المنذر عن أحمد فى الصبى المرضَع لا أب له نفقته وأجرة رضاعه على الرجال دون النساء.
ثم قال: فإن كان اثنان يرث أحدهما قريبه ولا يرثه الآخر، كالرجل مع عمته، أو بنت عمه وابنة أخيه، والمرأة مع ابنة بنتها وابن بنتها، فالنفقة على الوارث دون الموروث. نص عليه أحمد فى رواية ابن زياد فقال: يلزم الرجل نفقة بنت عمه، ولا يلزمه نفقة بنت أخته.
وذكر أصحابنا: لا تجب النفقة على الوارث ههنا، لأنها قرابة ضعيفة، لكونها لا تثبت التوارث من الجهتين
(45).
والشروط الذى ذكر أنها سبقت هى: أن يكونوا فقراء، وأن يكون لمن تجب عليه النفقة ما ينفقه عليهم فاضلا عن نفقة نفسه (46).
أما ابن العم لأم فإنه من ذوى الأرحام وقد ورد عندهم فى وجوب النفقة عليه لأولاد عمه لأمه روايتان ذكرهما ابن قدامه المقدسى فى " الشرح الكبير " (47).
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب تجب عليه النفقة لأولاد عمه إن كان يرثهم: بأن يكون لا يحجبه حاجب عن ميراثهم، وإلا فلا نفقة عليه ، فإنه قد قال فى " المحلى " - بعد أن ذكر النفقات على الآباء والأبناء، والأخوة والأخوات، والزوجات- فإن فضل عن هؤلاء بعد كسوتهم ونفقتهم شىء أجبر على النفقة على ذوى الأرحام المحرمة، ومورثيه، إن كان من ذكرنا لا شىء لهم ، ولا عمل بأيديهم تقوم مؤنته منه، وهم الأعمام والعمات والأخوال والخالات وإن علوا وبنو الأخوة وإن سفلوا، والمورثون هم من لا يحجبه أحد عن ميراثه إن مات: من عصبته أو مولى من أسفل. فإن حجب عن ميراثه لوارث فلا شىء عليه من نفقاتهم (48).
أما ابن العم لأم فلا نفقة عليه لأولاد عمه لأمه، فقد جاء فى " المحلى": فصح بهذا، أى بقوله تعالى: " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف، لا تكلف نفس إلا وسعها، لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده، وعلى الوارث مثل ذلك "، أن النفقة على الوارث مع ذوى الرحم المحرمة. وخرج من ليس ذا رحم محرمة ولا وارثا من هذا الحكم ، ومن تخصيصه بالنفقة منه أو عليه، لأنه كسائر من أدلته الولادات، ولادة بعد ولادة إلى آدم عليه السلام (49).
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب أو لأم، تجب عليه نفقة ابن عمه متى كان ابن عمه هذا معسرا وهو موسر متى توفرت باقى الشروط اللازمة لذلك (50).
مذهب الإمامية:
يذهب الإمامية إلى أنه لا نفقة لابن العم، شقيقا أو لأب أو لأم على ولد عمه.
فقد جاء فى " شرائع الإسلام ": " تجب النفقة على الأبوين والأولاد إجماعا، وفى وجوب الإنفاق على آباء الأبوين وأمهاتهم تردد، أظهره الوجوب.
ولا تجب النفقة على غير العمودين (أى عمودى النسب، من الآباء والأولاد) من الأقارب كالأخوة والأعمام والأخوال وغيرهم، لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم (51).
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، تكون عليه نفقة ابن عمه وبنت عمه، فقد جاء فى كتاب
" النيل " وشرحه ما حاصله:
لزم أبا نفقة أطفاله ومجانينه وإن كان لهم مال، وله إنفاقهم من مالهم إن كان.. إلى أن قال: ومن يتوارث معه من ولى: (أى يرث كل منهما الآخر ، وليس هذا شرطا) بل تجب عليك نفقة من ترثه سواء كان يرثك أو لا يرثك. وكأنه أراد من يقع الميراث بينك وبينه.
أو ترثه ولا يرثك. وأما إن كان يرثك ولا ترثه فلا نفقة له عليك. وهذا معلوم من أن الإنفاق بحسب الإرث: أى مرتب على الإرث.
واختلفوا فى وجوب النفقة على ابن العم لأم، فبعضهم لم يوجبها ولو كان وارثا، وصحح أبو زكريا إيجابها ورجحه صاحب " النيل" (52).
الميراث
اتفقت كلمة الفقهاء فى المذاهب التى التزمناها إلا الناصر وأبو طالب من الزيدية وإلا الإمامية، على أن ابن العم: شقيقا أو لأب، يرث بجهة التعصيب، لأنه من العصبة، وهم من ليس لهم سهم مقدر، وأجمع هؤلاء على توريثهم بجهة التعصيب، وأن كلا منهما يأخذ كل التركة إذا لم يوجد وارث سواه، وإن وجد مع أصحاب فروض يأخذ ما بقى منهم بعد استيفائهم فروضهم، إذا لم يكن هناك من يقدم عليه من العصبة وهم الأبناء والآباء والأخوة والأعمام (53).
الناصر وأبو طالب من الزيدية:
يذهب هذان إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب وغيرهما من العصبة لا يرث مع البنت، بل يرد عليها- بعد إرثها بالفرض- ما بقى من التركة.
فقد جاء فى " البحر الزخار": إن كان معها (أى البنت) عصبة فلهم.
وقال الناصر وأبو طالب: بل تسقطهم كالذكر (54).
مذهب الإمامية:
يذهبون إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب وغيره من العصبة لا يرث ما دام هناك ذو سهم، بل يسقط العصبة ويرد ما بقى من التركة على ذوى السهام، ماعدا الزوج والزوجة والأم فى بعض الحالات. فقد جاء فى "المختصر النافع": والتعصيب باطل، وفاضل التركة يرد على ذوى السهام عدا الزوج والزوجة والأم مع وجود من يحجبها على تفصيل عندهم (55).
ولكنه يرث بالقرابة إذا لم يوجد ذو سهم، ولا أحد أسبق منه فى الدرجة كالعم، إلا إذا كان هذا العم عما لأب فإنه يقدم ابن العم الشقيق عليه فقد جاء فى " المختصر النافع ": ولا يرث الأبعد مع الأقرب مثل ابن خال مع خال أو عم، أو ابن عم مع خال أو عم، إلا ابن عم لأب وأم مع عم لأب فابن العم أولى (56).
وابن العم لأب إنما يرث إذا لم يوجد ابن عم شقيق ولا ابن عم لأم، فإن وجدا ورث من يتقرب بالأم السدس إذا كان أبوه غير موجود وكان واحدا، فإن كانوا أكثر أخذوا تركة ما كان يأخذه أبوهم وهو السدس إن كان واحدا أو ما يخصه من الثلث إن كان مع غيره من أخوته. والباقى يكون لمن هو شقيق.
ولا يكون لابن العم لأب شىء، لأن أباه لا يرث مع وجود الأخ لأم والأصل الشقيق. فقد جاء فى " المختصر النافع": ويقوم أولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم.
وحينما ذكر نصيب آبائهم قال: والعمومة والعمات للذكر مثل حظ الأنثيين، ولو كانوا متفرقين (أى ليسوا أشقاء ولا لأب ولا لأم جميعا) فلمن تقرب بالأم السدس إن كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية.
والباقى لمن تقرب بالأب والأم للذكر مثل حظ الأنثيين، ويسقط من يتقرب بالأب معهم، ويقومون مقامهم عند عدمهم (57).
أما ابن العم لأم فإنه من ذوى الأرحام عند الفقهاء، ومن ذوى القرابة النسبية على اصطلاح الإمامية فى الميراث. وقد اختلف الفقهاء فى توريثه على النحو الآتى:
الحنفية والحنابلة والزيدية:
ذهب هؤلاء الفقهاء إلى توريثه إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب ولا من هو أولى منه من ذوى الأرحام
(58) (انظر: ميراث ذوى الأرحام).
مذهب المالكية:
ذهب متقدمو المالكية إلى أن ابن العم لأم لا يرث، لأنه من ذوى الأرحام، وهم لا يورثون ذوى الأرحام، أما متأخروهم فقد أفتوا بإرثهم على تفصيل عندهم (59).
مذهب الشافعية:
وقد جاء عند الشافعية فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج ": " ولو فقدوا (أى الورثة) من الرجال والنساء كلهم أو فضل عمن وجد منهم شىء، فأصل المنقول فى المذهب أنه لا يرث ذوو الأرحام أصلا..
وأصل المذهب أيضا أنه لا يرد ما بقى على أهل الفرض فيما إذا فضل منهم شىء، بل المال كله فى فقدهم كلهم أو الباقى فى فقد بعضهم بعد الفروض لبيت المال، سواء انتظم أمره بإمام عادل يصرفه فى جهته أم لا.
هذا هو منقول المذهب فى الأصل، وقد يطرأ على الأصل ما يقتضى مخالفته.
وأفتى جمهور المتأخرين من الأصحاب - إذا لم ينتظم بيت المال لكون الإمام غير عادل- بالرد: أى بأن يرد على أهل الفرض غير الزوجين ما فضل من فروضهم بالنسبة لسهامهم فإن لم يكونوا صرف لذوى الأرحام (60).
ولكن صاحب " مغنى المحتاج "- وهو الخطيب الشربينى- اختار أن هذا الرأى ليس لجمهور المتأخرين فقط، بل هو رأى عامة مشايخ الشافعية، متقدميهم و متأخريهم.
مذهب الظاهرية:
أما ابن حزم الظاهرى فإنه يذهب إلى عدم توريث ذوى الأرحام مطلقا، فلا يكون ابن العم لأم وارثا (61).
مذهب الإمامية:
ذهبوا إلى أن ابن العم لأم يرث باعتباره من ذوى النسب لا من ذوى الرحم، إذ أنهم لم يجعلوا لذوى الرحم منزلة خاصة فى الميراث (62).
مذهب الإباضية:
ذهبوا، إلى توريث ابن العم لأم إذا لم يوجد ذو سهم ولا عاصب، وينزل منزلة أبيه فيرث ما كان يرثه أبوه على تفصيل عندهم (63).
هذه هى المذاهب فى توريث ابن العم مطلقا (انظر: إرث وذوى الأرحام).
الوصية
لا يختص ابن العم بأحكام فى الوصية ولكن إن كان وارثا فالوصية له وصية لوارث، وإن كان غير وارث فالوصية له وصية لأجنبى وأحكام ذلك مبينة فى (وصية).
الخلوة ببنت العم
والسفر بها للحج وغيره
لا يختص ابن العم بحكم فى الحج بالنسبة لابنة عمه لكنه إذا كان زوجها أو ثبتت محرميته لها بنسب أو رضاع أو مصاهرة كان حكمه حكم المحارم وإن لم يكن أحد هذه الأربعة أخذ حكم الأجنبى. (انظر: محارم، أجنبى، خلوة) (64).
غير أن المالكية يذكرون فى الخلوة ما خلاصته: أنه لا تودع المحرم لغير ذى محرم إلا أن يكون مأمونا له أهل، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يخلون رجل بامرأة ليس بينه وبينها محرم" ، ويستثنى من ذلك ما إذا وجد الرجل- ابن عم أو غيره- امرأة فى مفازة ومكان منقطع وخشى عليها الهلاك فإنه يجب عليه أن يصحبها معه وأن يرافقها وإن أدى إلى الخلوة بها لكن يحترس جهده، وللولى والوصى غير المحرمين أن يسافرا بالصبية إذا لم يكن لها أهل تخلف عندهم وكانا مأمونين واختلفوا فيه إذا كان للصبية أهل وهو مأمون وله أهل (65).
 
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: جاء فى " المنهاج " وشرحه ما حاصله: " وتثبت الحضانة لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا غير محرم كابن عم على الصحيح لوفور شفقته ، والثانى: لا، لفقد المحرمية، ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، بل تسلم إلى ثقة يعينها. فإن كان له بنت مثلا يستحى منها جعلت عنده مع بنته (66).
الزكاة
مذهب الحنفية:
ذهبوا إلى أن ابن العم مطلقا يجوز أن يدفع زكاة ماله إلى أولاد عمه.
فقد جاء فى كتاب " الهداية والعناية": ولا يدفع المزكى زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل: أى من يكون بينهم قرابة ولاد، أعلى أو أسفل، وأما سواهم من القرابة فيتم الإيتاء بالصرف إليهم، وهو أفضل لما فيه من صلة الرحم (67).
أما صدقة الفطر فلا يجب إخراجها عن أولاد العم.
فقد جاء فى " الزيلعى " ما حاصله: يخرج صدقة الفطر عن نفسه وولده الصغير الفقير، وعبيده للخدمة، لأن السبب رأس يمونه ويلى عليه، لا زوجته ولا ولده الكبير (68).
مذهب المالكية:
ذهبوا إلى ما ذهب إليه الحنفية. فقد جاء فى " الشرح الكبير" " وحاشية الدسوقى": " ومصرفها فقير ومسكين إن أسلم كل منهما وتحرر إذا لم يكن عنده شىء، أو كان عنده قليل. لا يكفيه عامه، أو ينفق نحو والد أو بيت مال بما لا يكفيه. فمن لزمت نفقته مليئا أو كان له مر تب فى بيت المال يكفيه لا يعطى منها (69).
وقد تقدم فى النفقة أن ابن العم لا تلزمه نفقة ابن عمه، وعلى ذلك يؤخذ مما تقدم أنه إذا كان فقيرا وليس له من تلزمه نفقته أعطى منها.
أما صدقة الفطر فإن ابن العم مطلقا لا يلزمه إخراجها عن أولاد عمه ، لأنهم لا تجب لهم عليه نفقة، فقد جاء فى " الشرح الكبير" " وحاشية الدسوقى" عليه: " يجب الإخراج (أى إخراج صدقة الفطر) عن كل مسلم يمونه: أى تلزمه نفقته بقرابته كالأولاد الذكور إلى البلوغ ، والإناث إلى الدخول أو الدعوة إليه ، والوالدين الفقيرين والزوجة، وزوجة الأب، وخادم الواحد من هؤلاء إن لم يكن بأجر، كأن كان رقيقا " (70).
مذهب الشافعية:
إلى مثل ما تقدم ذهب الشافعية فى نفقة ابن العم على أولاد عمه.
فقد جاء فى " مغنى المحتاج " عند الكلام عن شروط من تدفع إليه الزكاة: " ألا يكون ممن تلزمه نفقته " (71).
وكذا ألا تكون مكفية بنفقة على قريب أو زوج. فقد جاء فيه أيضا: " والمكفى بنفقة قريب أو نفقة زوج ليس فقيرا ولا مسكينا، فلا يعطى من سهمهما فى الأصح.
والقول الثانى (أى غير الأصح): نعم هو فقير أو مسكين لاحتياجهما إلى غيرهما، ومحل الخلاف إذا كان يمكن الأخذ من القريب أو الزوج (72).
وقد تقدم عند الكلام على النفقة أنها - عندهم- لا تجب على ابن العم مطلقا، لأن الموجب لها قرابة البعضية، وهى فى الوالد وإن علا، والولد وإن سفل. وعليه يصح إعطاء أولاد العم من الزكاة، أما صدقة الفطر فإنه لا يجب على ابن العم إخراجها عن أولاد عمه، فقد جاء فى " مغنى المحتاج ": " ومن لزمه فطرة نفسه (أى بأن كان ميسورا تجب عليه صدقة الفطر). لزمه فطرة من تلزمه نفقته بملك أو قرابة أو زوجية " (73).
وقد عرفنا فيما تقدم أنه لا يلزمه نفقة أولاد عمه.
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن أبناء العم، شقيقا أو لأب يصح أن تصرف لهم زكاة مال ابن عمهم حينا، وفى حين آخر لا يصح ، لأن صرفها عندهم إلى القريب يعتمد على الإرث والجزئية.
فإن كان غير وارث صح، وإلا فلا، فقد جاء فى " الشرح الكبير" لابن قدامة المقدسى " والمغنى ": الأقارب غير الوالدين قسمان: من لا يرث منهم يجوز دفع الزكاة إليه، سواء كان انتفاء الإرث لانتفاء سببه لكونه بعيد القرابة ليس من أهل الميراث بحال، أو كان لمانع مثل أن يكون محجوبا عن الميراث كالأخ المحجوب بالابن، والعم المحجوب بالأخ وابنه فيجوز دفع الزكاة إليه، لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراث، فأشبها الأجانب.
والثانى من يرث، كالأخوين اللذين يرث كل واحد منهما أخاه ففيه روايتان: أحدهما يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر، وهى الظاهرة عنه.
فقد سئل: أيعطى الأخ. والأخت والخالة من الزكاة؟
فقال: يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد.
والرواية الثانية: لا يجوز دفعها إلى الموروث، وهو ظاهر قول الخرقى لقوله: ولا لمن تلزمه مؤنته، وعلى الوارث مؤنة الموروث، فإذا دفع الزكاة إليه أغناه عن مؤنته ، فيعود نفع زكاته إليه (74).
وابن العم مع ابن عمه إذا لم يكن لأحدهما ولد ولا والد ولا أخوة ولا أعمام يدخل كل واحد منهما فى الوارث والموروث، فيكون حكمه كذلك، فيصح بناء على هذا أن يأخذ ابن العم زكاة ابن عمه فى الحالين: حالة الإرث فى الحال على الراجح عندهم، وحالة عدم الإرث فى الحال قولا واحدا.
أما ابن العم لأم فإنه يصح صرف الزكاة إليه ولو كان وارثا ويكون أسبق إلى من يدلون به، أو يستوى مع غيره فى الدرجة إليه، أو ليس من ذوى الأرحام سواه مثلا.
فقد جاء فى " الشرح الكبير" لابن قدامة المقدسى: " فأما ذوو الأرحام فى الحال التى يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم فى ظاهر المذهب، لأن قرابتهم ضعيفة، لا يرث بها مع عصبة ولا ذى فرض غير الزوجين، فلم تمنع (أى القرابة) دفع الزكاة، كقرابة سائر المسلمين، فإن ماله يصير إليهم عند عدم الوارث " (75).
أما صدقة الفطر فإنه لا يجب عليه إخراجها عنهم، أشقاء أو لأب أو لأم.
فقد جاء فى " مختصر الخرقى " وشرحه " المغنى " لابن قدامة: " ويلزمه أن يخرج عن نفسه وعن عياله إذا كان عنده فضل عن قوت يومه وليلته. وعيال الإنسان من يعوله: أى يمونه فتلزمه فطرتهم كما تلزمه مؤنتهم إذا وجد ما يؤدى عنهم، لحديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرض صدقة الفطر عن كل صغير وكبير حر وعبد ممن تمونون " (76).
وأولاد العم ليسوا ممن يمونهم ابن عمهم، وذكرنا النص الدال على عدم وجوب نفقتهم عليه. ولكن إن تبرع بالإنفاق عليهم أو على بعضهم فى شهر رمضان فإنه تلزمه فطرة من أنفق عليه.
فقد جاء فى " المحرر ": " ومن تبرع بمؤنة شخص شهر الصوم لزمته فطرته، نص عليه، وقيل: لا تلزمه "
(77).
أما صرف صدقة الفطر إليهم فإنه يصح، لأنه يصح أن يصرف إليهم زكاة المال، وصدقة الفطر تعطى لمن تعطى له زكاة المال فقد جاء فى " مختصر الخرقى " وشرحه " المغنى " لابن قدامة: " ويعطى صدقة الفطر لمن يجوز أن يعطى صدقة المال، لأن صدقة الفطر زكاة، فمصرفها مصرف سائر الزكوات ".
مذهب الزيدية:
قد اختلفوا، فمنهم من أجاز صرف الزكاة إلى ابن العم: شقيقا أو لأب، ومنهم من لم يجز (78).
فقد جاء فى " البحر الزخار": " ولا تجزىء (أى الزكاة) فى أصوله أو فصوله إجماعا ، إذ هم كالبعض منه ".
وقال القاسم والهادى والناصر والمؤيد بالله: ولا تجزىء أيضا فيمن يلزمه نفقته حال الإخراج، إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة، وقياسا على الآباء والأبناء.
وقال الإمام يحيى: يجوز، إذ لم يفصل الدليل، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: " صدقة وصلة " (79).
ويشير بقوله: صدقة وصلة، إلى ما روى سلمان بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذى الرحم اثنتان: صدقة وصلة ".
وقد ذكرنا أنهم يوجبون على ابن العم الموسر الإنفاق على ابن عمه: شقيقا أو لأب، لأنه يرثه، وبناء على النص السابق يكون بينهم خلاف فى إعطاء ابن العم الصدقة.
أما ابن العم لأم فإنه يصح أن تصرف له الزكاة عندهم جميعا ، لأنه لا تجب له النفقة على ابن عمه لأمه، لأنه من ذوى الأرحام، وهم لا يوجبون نفقة لذوى الأرحام، بل تندب فقط، وأما صدقة الفطر فإنها لا تلزمه عن أولاد عمه مطلقا: أشقاء أو لأب أو لأم ، لأنه لا تلزمه نفقتهم.
فقد جاء فى " البحر الزخار ": " وتجب فى مال كل مسلم عنه، وعن كل مسلم تلزمه نفقته فى فجر أول شوال ، بالقرابة أو الزوجية أو الرق، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " وعمن تمونون " (80).
مذهب الإمامية:
ذهبوا إلى أنه يجوز لابن العم أن يعطى أولاد عمه من زكاة ماله.
فقد جاء فى " المختصر النافع " فى شروط من تصرف لهم الزكاة: " ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك، ويعطى باقى الأقارب " (81).
وكذلك الحكم فى زكاة الفطر فيصح أن يصرفها لابن عمه مطلقا.
فقد جاء فى " المختصر النافع " مصرفها: هو مصرف الزكاة، ويجوز أن يتولى المالك إخراجها.
ويخرجها عن نفسه وعياله: من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير، ولو عال تبرعا (82).
وعلى ذلك لو كان يعول أولاد عمه تبرعا وجب عليه إخراج صدقة الفطر عنهم، لأنه قد تقدم أن النفقة لا تجب إلا على الأبوين والأولاد وإن نزلوا. وفيمن علا من الآباء تردد ، وأقوى الأمرين اللزوم 0
ولا تجب على غيرهم من الأقارب، بل تستحب، وتتأكد فى الوارث، فإذا كان ابن العم يرث أحدا من أولاد عمه لعدم وارث له تلزمه نفقته، فلا يصح أن يصرف له ا لزكا ة.
مذهب الإباضية:
ذهب الإباضية إلى أن الزكاة لا تعطى لابن العم ، شقيقا أو لأب ، لأنه ممن تجب نفقتهم على ابن عمهم. وكذا لبنت العم الشقيقة أو لأب.
فقد جاء فى كتاب " النيل" وشرحه: " وبالجملة فالرجل يعطيها لكل من لا تلزمه نفقته فى الحال من أقاربه وغيرهم ، ومن لزمته نفقته لا يعطيه. وقيل: حتى يحكم بها عليه، ولا تعطى لمن يمونه غنى كأب وزوجة وطفل ، فهم لا تعطى لهم إذا كان من يمون الأب غنيا، وهو ابنه أو بنته وكان الذى ينفق على الزوجة غنيا وهو زوجها، وكان الذى ينفق على الطفل غنيا وهو الأب أو الجد 00 ولا لمن يتقوى بها على معصية "
(83).
فهذا النص يفيد أنها لا تعطى لابن العم الشقيق أو لأب، ولا لبنت العم كذلك، إذا كان لهم حق النفقة على ابن عمهم.
وقد ذكرنا فى عنصر النفقة من مصطلح " ابن العم " أن لأبناء العم الأشقاء أو لأب حق النفقة على ابن عمهم، لأنه يرثهم، وبناء على ذلك فلا يصح أن يعطيهم الزكاة.
أما أبناء العم لأم فإنه يصح أن يعطيهم الزكاة، لأنهم ليسوا من قوم أبيه إلا على الرأى القائل بأن النفقة تتبع الإرث وإن لم يكونوا من قوم أبيه ، فما دام يرثهم تجب لهم عليه النفقة، فلا يعطيهم الزكاة.
وقد تقدم النص الدال على ذلك فى عنصر " النفقة " نقلا عن شرح النيل (84).
الإقرار
يكون الإقرار بنسب أو مال، وسنجعل كلامنا هنا قاصرا على الأول ، أما الثانى وفى غيره من قضايا الإقرار ككون المقر له وارثا، أو غير وارث، وكون الإقرار فى الصحة أو المرض.. إلى غير ذلك فينظر فيه مصطلح " إقرار ".
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، لا يصح إقراره بنسب ابن عمه ولا بنت عمه.
فقد جاء فى " حاشية الشلبى " نقلا عن شيخ الإسلام الاسبيجابى: " ويجوز إقرار الرجل بالولد والوالد والزوجة، والمولى من فوق ومن تحت إذا صدقه الآخر، لأن الحكم لا يعدوهما، فيكون إقرارا على أنفسهما فيقبل، ولا يجوز الإقرار بغير هؤلاء الأربعة (85).
ومع عدم ثبوت النسب بإقراره يكون للمقر له ما قد تركه المقر من مال إذا لم يوجد للمقر وارث، لأنه فى حكم الوصية.
ولا يلزم فى صرف المال له أن يكون إقرار المقر فى حالة عدم الوارث. ولكن يلزم ألا يكون له وارث عند الموت.
فقد جاء فى " جامع الفصولين ": " أقر رجل له ابن أن فلانا أخى لا يعتبر إقراره فى حق إثبات النسب. فلو مات ابنه ثم مات المقر فجميع ماله للمقر له، لرضاه بأن يأخذ هو ماله، فصار كموص له بجميع المال. وليس شرط صرف المال إلى المقر له أن يكون إقراره فى حال عدم الوارث. ولكن فى أى حالة أقر ومات ولم يبق له وارث يكون ذلك للمقر له ، ولو كان المقر له معروف النسب فقال المقر: هو ابن أخى أو ابن عمى ومات ولا وارث له، فكذا الجواب لما مر من رضاه، فيصير فى معنى الوصية" (86).
وابن العم لأم كابن العم الشقيق ، أو لأب فيما تقدم، لأنه لما أطلق فى النص السابق لفظ ابن عم كان شاملا له، ولأنه ليس من الأربعة الذين يجوز الإقرار بنسبهم.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية إلى أن إقرار ابن العم، شقيقا أو لأب، بنسب ولد لعمه، لا يصح، لأن هذا الإقرار إنما يكون من الوالد للولد، ولا يكون من غيره حتى الولد للوالد، وابن العم لأم مثله مثل ابن العم الشقيق أو لأب فى عدم ثبوت النسب بإقراره، لأنه لما نص على أن الإقرار بالنسب لا يكون من غير الوالد، فقد شمل ابن العم لأم (87).
مذهب الشافعية:
جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج" ما حاصله: " أما إذا ألحق النسب بغيره: كهذا أخى أو عمى فيثبت نسبه من الملحق به إذا كان رجلا، أما إذا كان امرأة فلا يثبت النسب، لأن استلحاق المرأة لا يقبل على الأصح، فيكون بالأولى استلحاق وارثها وإن كان رجلا، لأنه خليفتها، وإنما يثبت النسب إذا كان الملحق به رجلا، لأن الورثة يخلفون مورثهم فى الحقوق والنسب من جملتها. ولا فرق بين أن يتعدى النسب من الملحق به إلى نفسه بواسطة واحدة كالأب فى قوله: هذا أخى، أو اثنتين كالجد والأب فى قوله: هذا عمى، وقد يكون ثلاثة كقوله: هذا ابن عمى. ويشترط أن يصدق الملحق إن كان بالغا عاقلا، ومن يكون مجهول النسب، كما يشترط أن يكون الملحق به ميتا، ويشترط ألا يكون الميت قد نفاه، وذلك على رأى قد صححه ابن الصلاح واختاره الأذرعى.
والرأى الثانى: لا يشترط، وقد اختاره النووى، وقال: هو الأصح.
ويشترط أيضا كون المقر وارثا حائزا لتركة الملحق به: واحدا كان أو أكثر. وإن كان أكثر من واحد فلابد من اتفاقهم جميعا (88) .
وابن العم لأم- على القول بإرثه عندهم إذا فسد بيت المال- يكون فى حكم ابن العم الشقيق أو لأب، متى كان وارثا، كما هما إذا كانا وارثين.
مذهب الحنابلة:
جاء فى " المغنى " لابن قدامة ما حاصله: " إن كان الإقرار بالنسب إقرارا عليه وعلى غيره كإقرار بأخ أعتبر أن يكون المقر به مجهول النسب، وألا ينازعه منازع، وإن يمكن صدقه. بأن يولد مثله لمثل من حمل نسبه، وأن يكون المقر به ممن لا قول له كالصغير والمجنون، أو يصدق المقر إن كان ذا قول ، وأن يكون المقر جميع الورثة. فلو كان بعض الورثة لا يثبت النسب إلا إذا أقر باقى الورثة، ما لم يكن باقى الورثة ممنوعين من الميراث بمانع. كأن يكون مخالفا لمورثه فى الدين أو قاتلا أو رقيقا، فإنه فى هذه الحال يثبت النسب بقوله وحده، لأنه حائز لكل الميراث.
كما أنه لا يلزم أن يكون حائزا كل المال وقت الإقرار، بل إذا أقر ومعه من يرث ولكنه مات بعد الإقرار وهو وحده الذى يرثه فإنه يثبت النسب، لأن الإقرار يعتبر صادرا من الحائز لجميع المال، وإذا أقر بمن يحجبه كأن يقر بابن لابن عمه الذى مات وهو الوارث الوحيد له، فإنه يثبت نسب المقر به ويرث، ويسقط المقر.. وهذا اختيار ابن حامد والقاضى، لأنه ابن ثابت النسب ولم يوجد فى حقه أحد موانع الإرث، فيدخل فى عموم قوله تعالى: " يوصيكم الله فى أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين " (89) ، أى فيرث، كما لو ثبت نسبه ببينة (90).
وابن العم لأم كابن العم الشقيق أو لأب إذا كان يرث، بألا يوجد من يمنع ذوى الأرحام كأصحاب الفروض، غير أحد الزوجين، أو عصبة، وذلك لأن النصوص التى ذكرناها سابقا جاءت مطلقة فتشمله.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن إقرار ابن العم، شقيقا أو لأب، بولد لعمه أو لابن عمه لا يصح، لأن مذهبهم عدم الواسطة. فقد جاء فى " البحر الزخار": " لو أقر أحد الأخوين بأخ وأنكره آخر لا يثبت نسبه إجماعا، إذ النسب لا يتبعض، والمذهب والمؤيد بالله قالا: وكذا لو صادق الآخر، لأجل الواسطة.
وعند المؤيد بالله إن كانوا عدولا ثبت النسب كالبينة 0
" وعند العترة يشارك المقر فى الإرث لا فى النسب، إذا أقر بأمرين: أى النسب والإرث، بطل أحدهما لدليل فبقى الآخر وعند الإمام يحيى بطل النسب فبطل الإرث كما لو كان مشهور النسب لغيره " (91).
وكذا ابن العم لأم إذا أقر بولد لعمه لأمه أو لابن عمه لأمه، لأن النصوص الدالة على الحكم جاءت مطلقة فتشمل ابن العم لأم، وابن العم الشقيق أو الذى لأب، ويثبت نسب ابن العم المقر له من أبيه إذا أقر عدلان من الورثة.
فقد جاء فى " البحر الزخار": " المذهب والإمام يحيى: إن أقر عدلان من الورثة ثبت النسب لكمال الشهادة " (92)
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية إلى أنه إذا أقر ابن العم لشخص بأنه ابن عمه يصح هذا الإقرار إذا صدقه المقر له إن كان كبيرا، أما إن كان صغيرا فلا يلزمه تصديقه ولكن يشترط عدم المنازع وجهالة نسبه.
واشترطوا لصحة هذا الإقرار ألا يكون للمقر ورثة مشهورون.
فقد جاء فى " المختصر النافع" ، بعد أن-بين إقرار الأب بالولد الصغير، وأنه لابد فى الكبير المقر ببنوته من تصديقه:
" وكذا فى غيره من الأنساب، وإذا تصادقا توارثا فيما بينهما، ولا يتعدى المتصادقين، ولو كان للمقر ورثة مشهورون لم يقبل إقراره بالنسب ولو تصادقا، فإذا أقر الوارث بآخر وكان أولى منه دفع إليه ما فى يده، وإن كان مشاركا دفع إليه نسبة نصيبه من الأصل، ولو أقر اثنان عدلان من الورثة صح النسب وقاسم الوارث، ولو لم يكونا مرضيين لم يثبت النسب، ودفعا إليه مما فى أيديهما بنسبة نصيبه من التركة " (93).
مذهب الإباضية:
يرون أن ابن العم إذا أقر - وهو وارث- بوارث لابن عمه لم يصح نسبه إذا لم يصدقه باقى الورثة، لكن يلزم هذا المقر بإقراره.
فقد جاء فى " النيل وشرحه ": " إذا أقر بعض الورثة بوارث لم يصح نسبه إذا لم يصدقه الوارث الآخر، لكن لزم المقر أن يعطى من أقر به ما ينوبه فى حصته ويمسك الباقى.. وإن كان المقر يحجب بالمقر به أعطاه سهمه ولم يرث، وكذا كل من صدقه، فإن التصديق إقرار " (94).
وقد ذكر قولا آخر فى المذهب فقال:
" وقال غيرهم (غير الأكثر) لا يعطيه من حظه شيئا، ولا يثبت النسب. وهذا مقابل قول الأكثر، لما لم يثبت النسب لم يثبت الإرث، لأنه فرع النسب " (95).
وابن العم لأم يكون حكمه كذلك إذا كان وارثا بألا يكون لمن نسب إليه المقر به ورثة فرضيون أو عصبة. وورث ذوو الأرحام وكان ابن العم لأم وارثا.
القذف
الذى يتصور فى هذا بالنظر إلى ابن العم أن يحصل منه قذف لابن عمه أو بنت عمه، أو أن يكون له الحق فى المطالبة بإقامة الحد على من قذف ابن عمه أو بنت عمه. وسنتكلم عنهما.
أما الشروط التى تشترط فى القاذف والمقذوف، وما يعتبر من العبارات قذفا وما لا يعتبر، وغير ذلك مما يلزم توافره لوجوب الحد فينظر فيه مصطلح " قذف "
مذهب الحنفية:
لم نر خلافا بين أئمة الحنفية، ولا بينهم وبين غيرهم من الفقهاء أن ابن العم إذا قذف ابن عمه أو بنت عمه يجب حده متى ثبت القذف، لأنه ليس ممن استثنوا عند بعض الفقهاء كالأباء.
أما من حيث حقه فى المطالبة بإقامة الحد على من قذف ابن عمه أو بنت عمه، فعند الحنفية: ليس له الحق فى ذلك، سواء أكان القذف حال حياة ابن عمه أو بنت عمه أو موتهما.
فقد جاء فى " الفتاوى الأنقروية" نقلا عن " البدائع " خاصا بالحى: " المقذوف إن كان حيا: حاضرا أو غائبا، لا خصومة لأحد سواه، وإن كان ولده أو والده " (96).
أما إن كان المقذوف ميتا، فقد جاء فى " الهداية" وفتح القدير" والعناية " ما حاصله:
" ولا يطالب بحد القذف للميت إلا من يقع القدح فى نسبه بقذفه، وهو الوالد وإن علا والولد وإن سفل، ذكرا كان أو أنثى، لأن العار يلتحق بكل واحد منهم، فيكون القذف متناولا له معنى، وعندنا ولاية المطالبة ليست بطريق الإرث، بل لما ذكرنا من لحوق العار " (97).
مذهب المالكية:
ذهب المالكية إلى خلاف ما ذهب إليه الحنفية، فقد جعلوه حقا لكل وارث ولو بالقوة، فيكون لابن العم شقيقا أو لأب الحق فى استيفاء حد القذف. أما ابن العم لأم فإنه لا حق له فيه إلا على الرأى الذى يقول بأنه يرث إذا فسد بيت المال، وهو رأى المتأخرين منهم، والمراد بالميراث بالقوة أن يرث الشخص إذا لم يوجد من هو حاجب له عن الميراث، فهو عند وجود هذا الحاجب وارث بالقوة.
فقد جاء بخصوص أن لكل وارث الحق فى إقامة حد القذف، فى " الشرح الكبير" "وحاشية الدسوقى" عليه ما حاصله:
" وللمقذوف القيام بحد قاذفه وإن علم أن ما رماه به القاذف صدر من نفسه، لأنه مأمور بالستر على نفسه.
فقد قال فيها (أى فى المدونة): حلال له أن يحده لأنه أفسد عرضه، كوارثه: له القيام باستيفاء حد القذف، لمورثه المقذوف قبل موته، بل وإن قذف بعد موته، وهذا الوارث ولد وولده وإن سفل، وأب وأبوه وإن علا، ثم أخ فابنه، ثم عم فابنه.. وهكذا باقى الورثة من العصبة والأخوات والجدات، إلا الزوجين فإن المذهب أن لا حق لهما فى ذلك.
ولكل وارث من الورثة القيام بحق الموروث وإن وجد من هو أقرب منه كابن الابن مع وجود الابن، لأن المعرة تلحق الجميع، ولا سيما إذا كان المقذوف أنثى ، خلافا لأشهب الذى يقول: يقدم الأقرب فالأقرب فى القيام بحق المورث المقذوف كالقيام بالدم (أى استيفاء حق القصاص) (98).
أما بخصوص أن المراد بالوارث فى استيفاء حد القذف هو الوارث ولو بالقوة. بأن وجد من يحجبه، فقد صرح به الدسوقى فى حاشيته على " الشرح الكبير" إذ يقول- فى بيان عبارة " الشرح الكبير": وللمقذوف القيام بحد قاذفه كوارثه- ما نصه: " المراد بقوله كوارثه: الوارث بالقوة لا بالفعل كابن الابن مع وجود الابن. وحينئذ فيشمل ما لو كان الوارث قاتلا أو عبدا أو كافرا، فله القيام بحد من قذف مورثه الحر المسلم: سواء كان ذلك المورث أصلا لذلك الوارث، أو فرعا له، أو غيرهما " (99).
هذا من حيث استيفاء حد القذف. أما من حيث العفو، فإن لابن العم مطلقا كما لسائر الورثة أن يعفو إلا إذا كان الميت قد أوصاه بالحد، فليس له فى هذه الحال أن يعفو.
فقد جاء فى " حاشية الدسوقى " على " الشرح الكبير" نقلا عن البنانى عن ابن عرفة اللخمى: " إذا مات المقذوف وقد عفا فلا قيام لوارثه (أى بحد القذف) وإن أوصى بالقيام لم يكن لوارثه عفو. فإن لم يعف ولم يوص (أى باستيفاء الحد) فالحق لوارثه: إن شاء قام (أى باستيفاء الحد) وإن شاء عفا " (100).
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن ابن العم الوارث: مطلقا.. يحق له استيفاء حد القذف ولو عفا بعض الورثة أو سائرهم سواه على الأصح، فقد جاء فى " المنهاج" وشرحه مغنى المحتاج فى باب اللعان ما حاصله: " وحد القذف والتعزير فيه (يورثان) كسائر حقوق الآدميين والأصح أن حد القذف إذا مات المقذوف قبل استيفائه يرثه جميعه كل فرد من الورثة الخاصين (أى دون الوارث العام وهو الإمام) حتى الزوجين على سبيل البدل.
وليس المراد أن كل واحد له حد، وإلا تعدد بتعدد الورثة.
وقيل: يرثه جميعهم إلا الزوجين ، لارتفاع النكاح بالموت، والأصح أنه لو عفا بعض الورثة عن حقه فللباقين استيفاء جميعه، لأنه لكل فرد منهم، ولأنه عار والعار يلزم الواحد كما يلزم الجميع.
وقيل: يسقط جميعه كما فى القود. وقيل: يسقط نصيب العافى ويستوفى الباقى، لأنه قابل للإسقاط، بخلاف القود" (101) .
وإذا كان ابن العم هو القاذف وكان هو الوارث سقط الحد.
فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج": " ويسقط الحد فى القذف إما بعفو عن جميعه كغيره (من الحدود) أو بأن يرث القاذف الحد " (102).
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب يرث حد القذف عن مورثه إذا مات بعد أن طالب به، وليس لهما حق المطالبة به فى حياته أو بعد مماته إذا لم يطالب به، وقد بين هذا صاحب " المغنى " إذ يقول: " وإذا مات المقذوف قبل المطالبة بالحد سقط، ولم يكن لورثته الطلب به "..
ثم قال: " إنه حد تعتبر فيه المطالبة، فإذا لم يوجد- الطلب من المالك لم يجب كحد القطع فى السرقة، فأما إن طالب به ثم مات فإنه ترثه العصبات من النسب دون غيرهم، لأنه حق يثبت لدفع العار: فاختص به العصبات كالنكاح " (103).
وقوله إنه يكون للعصبات النسبية دون غيرهم رأى من آراء ، فإنه قد جاء فى المحرر: " ويثبت قذف الميت والقذف الموروث لجميع الورثة حتى الزوجين، نص عليه، وقال القاضى: فى موضع يختص به من سواهما من الورثة. وقيل: يختص العصبة" (104).
أما إذا قذف وهو ميت فقد بينه صاحب " المحرر" بقوله: " وإن قذف له موروث ميت فله حد القاذف بشرط إحصانه (أى إحصان الوارث، لأن القذف فى الحقيقة موجه إليه) وإن لم يكن الموروث محصنا ".
وقال أبو بكر: " لا حد يقذف ميت، والأول هو الأصح)" (105).
ولا يسقط بعفو بعض أصحاب الحق، فقد قال ابن قدامة فى " المغنى ": " ومتى ثبت للعصبات فلهم استيفاؤه، وإن طلب أحدهم وحده فله استيفاؤه، وإن عفا بعضهم لم يسقط، وكان للباقين استيفاؤه " (106).
أما ابن العم لأم فلا حق له فيما تقدم، لأنه ليس من العصبات، أو له الحق على رأى من يقول: إنه لكل وارث، إذا لم يكن له عصبة 0
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن حد القذف حق لله تعالى لا يتوقف استيفاؤه على طلب المقذوف ولا يصح العفو عنه لأنه لا حق له فيه.
فقد جاء فى " المحلى " أثناء الكلام على حد القذف: " أن عائشة أم المؤمنين قالت: لما نزل عذرى قام النبى - صلى الله عليه وسلم - على المنبر فأمر بالمرأة والرجلين أن يضربوا حدهم. فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام حد القذف ولم يشاور عائشة أمنا - رضى الله عنها - أن تعفو أم لا ".
ثم قال: " فصح أن الحد من حقوق الله تعالى ولا مدخل للمقذوف فيه أصلا، ولا عفو له " (107).
 
مذهب الزيدية:
نقل صاحب " البحر الزخار " عن العترة أنه: إذا كان المقذوف حيا فهو الذى يطلب حق نفسه ولا يورث ذلك عنه لأنه ليس بمال ولا يؤول إلى مال كخيار القبول فى البيع والنكاح، وإذا كان المقذوف ميتا طالب بالحد ولى نكاحه تقديرا ، على تقدير أنه موجود وأراد أن يزوجه (108).
فابن العم الشقيق أو لأب له هذا الحق إذا ثبتت له ولاية النكاح (109).
أما ابن العم لأم فليس له هذا الحق، لأنه لا ولاية له فى نكاح ولد عمه لأمه (110).
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب يرث حد القذف لولد عمه: ذكرا أو أنثى مادام وارثا.
فقد جاء فى " شرائع الإسلام": " حد القذف موروث، يرثه من يرث المال من الذكور والإناث عدا الزوج والزوجة " (111).
وإذا كان مع ابن العم المذكور ورثة آخرون غيره لا يسقط الحق فى حد القذف ما لم يعف كل الورثة الذين لهم حق ميراثه.
فقد جاء فى " شرائع الإسلام ": " إذا ورث الحد (أى حد القذف) جماعة لم يسقط بعضه بعفو البعض، وللباقين المطالبة بالحد تاما ولو بقى واحد " (112).
الجنايات
إذا جنى ابن العم على ولد عمه جناية ما كقتل أو شجة أو غير ذلك من الجنايات يؤاخذ به كغيره من الناس، ولم نر خلافا بين الفقهاء فى هذا (راجع: جناية).
وإنما الخلاف فى حقه فى المطالبة يما تستوجبه هذه الجناية شرعا، وفى أن له حق العفو أم لا، وفى أنه لا يقتص منه لعارض استدعى ذلك.
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العم: مطلقا، إذا كان وارثا لابن عمه المقتول استحق استيفاء القصاص هو والورثة الآخرون، وهذا متفق عليه بين أئمة الأحناف، ولا خلاف بينهم إلا من حيث كون هذا الحق ثبت للورثة ابتداء، أو ثبت وراثة، والمآل فى استحقاق الإستيفاء واحد.
فقد قال صاحب " الفتاوى الأنقروية" نقلا عن الحدادى شارح القدورى: " ويورث دم المقتول كسائر أمواله، ويستحقه من يرث ماله، ويحرم منه من يحرم أرث ماله، ويدخل فيه الزوجان " (113).
وقد جرى فى كونه إرثا هنا على رأى أبى يوسف ومحمد، أما أبو حنيفة فإنه يرى: أنه يثبت هذا الحق للورثة ابتداء.
- فقد قال فى " الفتاوى الأنقروية" ، نقلا عن الخلاصة: " القصاص حق الورثة ابتداء، وعندهما حق الميت ثم ينتقل إلى الورثة " (114).
ويصح لابن العم ، شقيقا أو لأب أو لأم، إن كان وارثا، أن يعفو عن القاتل من غير بدل أو يصالح على بدل فى نصيبه وحينئذ يسقط حق باقى الورثة فى استيفاء القصاص.
فقد جاء فى " الهداية": " وإذا عفا أحد الشركاء عن الدم، أو صالح من نصيبه على عوض سقط حق الباقين فى القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية ".
ثم قال: " ومن ضرورة سقوط حق البعض فى القصاص سقوط حق الباقين فيه، لأنه لا يتجزأ " (115).
وحينئذ ينقلب حق الباقين مالا.
مذهب المالكية:
وذهب المالكية إلى أن ابن العم الشقيق أو لأب، باعتباره أحد العصبة الذكور، يكون له حق استيفاء القصاص ابتداء.
فقد جاء فى " الشرح الكبير" "وحاشية الدسوقى " عليه: " والاستيفاء، أى استيفاء القصاص فى النفس من الجانى لعاصب المقتول لا لغيره من الذكور، ويكون عاصبا بنفسه فلا دخل فيه لزوج إلا أن يكون ابن عم لزوجته المقتولة، ولا لأخ لأم، أو جد لأم ، وقدم ابن فابنه كالولاء. يقدم الأقرب فالأقرب من العصبة فى إرثه، إلا الجد والأخوة فسيان هنا فى القتل والعفو " (116).
هذا ما يتعلق بحق ابن العم فى استيفاء القصاص ابتداء، أما استحقاقه إرثا فإنه يكون إذا كان وارثا لأحد المستحقين (117) للاستيفاء ابتداء.
أما ابن العم لأم فلا يرث القصاص، على ما يفهم من النصوص السابقة، إلا فى حالة إرث القصاص ولم يكن لمستحق الاستيفاء الذى مات وارث قبله كأن يكون أبا لزوجة ابن عمه لأمه المقتول، فترك ابنا ورث حق الاستيفاء، ثم مات الابن قبل الاستيفاء، فورثته أمه حيث لا وارث له غيرها. ثم ماتت أيضا قبل الاستيفاء، فورثه أبوها، الذى هو ابن العم لأم.
مذهب الشافعية:
قد ذهبوا إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب يكون له الحق فى استيفاء القصاص فى النفس ابتداء إن كان وارثا، وفى رأى أن هذا الحق ثبت إرثا، لأنه كان حقا للمقتول.
فقد جاء فى " المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج": " الصحيح المنصوص ثبوت القصاص فى النفس ابتداء لا تلقيا من المقتول، لكل وارث خاص من ذوى الفروض والعصبة: أى يرثه جميع الورثة لا كل فرد فرد من أفراد الورثة، وإلا لجاز انفراد الواحد منهم بالقصاص.
ويقسم القصاص بين الورثة على حسب إرثهم، لأنه حق يورث، فكان كالمال.
والقول الثانى: يثبت للعصبة الذكور خاصة، لأن القصاص لرفع العار، فاختص بهم كولاية النكاح 0
والثالث: يستحقه الوارثون بالنسب دون السبب، لانقطاع السبب بالموت " (118).
ومقتضى هذا النص ألا يستوفى قصاص النفس إلا باتفاقهم جميعا، وأما قصاص الأطراف إذا مات من يستحقه فقد بينه صاحب " مغنى المحتاج " فقال: " أما قصاص الطرف إذا مات مستحقه فإنه يثبت لجميع الورثة قطعا " (119) وإذا عفا ابن العم وكان معه ورثة آخرون صح العفو وسقط القصاص وإن لم يعف غيره.
فقد جاء فى" المنهاج " وشرحه " مغنى المحتاج":
" للولى عفو عن القود على الدية بغير رضا الجانى، ولو عفا بعض المستحقين سقط أيضا وإن لم يرض البعض الآخر، لأن القصاص لا يتجزأ ويغلب فيه جانب السقوط لحقن الدماء، ولأن الشارع رغب فيه. قال تعالى: " فمن عفا وأصلح فأجره على الله " (120).
أما ابن العم لأم عند عدم الوارث فرضا أو تعصيبا، فإنه لا يرث القصاص إلا على رأى المتأخرين الذين قالوا بتوريث ذوى الأرحام إذا فسد بيت المال.
وقد بين ذلك صاحب " مغنى المحتاج " فقال: " وقياس توريث ذوى الأرحام فى غير القصاص أن يقال به: أى بالتوريث فى القصاص أيضا " (121).
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن القصاص حق لأولياء القتيل، وهم كل من ورث المال، وابن العم شقيقا أو لأب منهم إن كان وارثا. وكل من ورث المال يرث القود على قدر إرثه من المال، ولا يستوفى القصاص إلا باتفاقهم على استيفائه. فإذا عفا بعضهم سقط القصاص.
فقد قال صاحب " المحرر": " كل من ورث المال ورث القود على قدر إرثه من المال ".
وقال فى شروط استيفاء القصاص: " يشترط إنفاق الأولياء المشتركين فيه على استيفائه، وليس لبعضهم أن ينفرد به " (122).
والمراد بالوارث فى عبارة " المحرر " هو الوارث بالفعل.
فقد جاء فى " المغنى " لابن قدامة ما يدل على هذا (123).
أما ابن العم لأم فإنه يرث القود كذلك إذا كان وارثا بالفعل.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العم شقيقا أو لأب، له الخيار فى القصاص أو الدية إذا شاء ذلك، رضى القاتل أو أبى ، لأنه أحد الأولياء الذين لهم هذا الحق (124).
وهذا الحق لا يورث، فلو استحقه عم ومات وترك ابنا له، لا يكون له حق الخيار فليس كالمال.
فقد جاء فى " المحلى": " ومن مات من الأهل لم يورث عنه الخيار، لأن الخيار للأهل بنص حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومن لم يكن من الأهل فلا خيار له أصلا، إذ لم يوجب ذلك نص ولا إجماع. والخيار ليس مالا فيورث " (125).
ولا يلزم أن يكون ولى الدم وارثا (126).
وإذا أسقط أحد المستحقين حقه فى القصاص دون غيره لم يسقط القصاص ، بل يجب (127).
وابن العم لأم ليس كابن العم الشقيق أو لأب، لأن المقتول لا ينتمى إليه، فلا يحق له طلب القصاص.
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون له حق استيفاء القصاص إن كان وارثا.
فقد جاء فى " البحر الزخار": " ويورث القصاص إجماعا ، وقال العترة: يستحقه الوارث بنسب أو سبب "
(128).
وإذا أسقط ابن العم حقه فى القصاص بعفو سقط حق باقى الورثة فى القصاص.
فقد جاء فى " البحر الزخار". " ويسقط القود بعفو أحد الشركاء ".
أما إذا كان ابن العم، شقيقا أو لأب، هو القاتل فإن القود لا يسقط إلا بعفو بعض من يستحقه، وكذلك يسقط إذا ورث ابن العم هذا، بعض القود: بأن كان للقتيل ابن وبنت ثم مات الابن قبل استيفاء القصاص، فإن ابن العم القاتل يرث بعض القود فقد جاء فى " التاج المذهب": " يسقط القصاص بإرث القاتل بعض القصاص من مستحقه (129).
أما ابن العم لأم فحكمه كحكم ابنى العم، الشقيق ولأب، لأنه من قرابة النسب.
مذهب الإمامية:
ذهب الإمامية إلى أن ابن العم الوارث يثبت له حق القصاص، ويكون له العفو عن القصاص والدية، أو استبدال الفداء بالقصاص. وذلك إذا كان هو الوارث وحده.
أما إذا كان معه وارث آخر غير الزوج والزوجة فلا يسقط القصاص بصلحه وحده.
فقد جاء فى " المختصر النافع": " قتل العمد يوجب القصاص ولا تثبت الدية فيه إلا صلحا، ولا تخيير للولى (أى فى أحد الأمرين: القصاص أو الدية)، ولو اختار بعض الأولياء الدية فدفعها القاتل لم يسقط القود على الأشبه، وللآخرين القصاص بعد أن يردوا على المقتص منه نصيب من فاداه. وإن عفا البعض (أى عفوا كاملا دون دية أو مفاداة أصطلح عليها) لم يقتص الباقون حتى يردوا على المقتص منه نصيب من عفا " (130).
وابن العم، شقيقا أو لأب ، يرث القصاص كما يرث المال (131).
أما ابن العم لأم فإنه يرث القصاص إذا كان يرث بأن لم يكن للميت من هو أولى منه بالميراث من ذوى الأرحام بناء على أحد رأيين عندهم اعتبارا بإرث المال:
وأما على الرأى الثانى، وهو الأظهر عندهم: فإنه لا يرث القصاص، لأن مقتضاه ألا يرث القصاص إلا العصبة.
مذهب الإباضية:
إذا قتل ابن العم أو بنت العم، شقيقين أو لأب فإن ابن عمهما الشقيق أو لأب يكون له حق إرث القصاص.
فقد جاء فى كتاب " النيل" وشرحه: " وتورث الجناية لعاصب فقط " (132).
وكما يرث ابن العم، شقيقا أو لأب، دم المقتول باعتباره وليا له فإنه يرثه أيضا عمن مات من أولياء المقتول قبل استيفائه إن كان وارثا لهذا الميت فى الأصح (133).
الديات
لا يختص ابن العم بحكم فى الدية باعتباره ابن عم، وإنما يدور الحكم فى ذلك على كونه قاتلا فيتحمل الدية إذا وجبت على القاتل وهو فى هذا كأى قاتل، وكونه وارثا فيستحق فيها كغيره ممن يرث.
وللمذاهب فى ذلك تفصيلات ليس هنا موضوع بيانها، راجع فى ذلك مصطلح " دية ".
العتق
الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، والظاهرية، والزيدية:
ذهبوا إلى أن من ملك ابن عمه أو ابنة عمه سواء أكانا شقيقين أم لأب أم لأم، بسبب من أسباب الملك فإنه لا يعتق عليه بمقتضى هذا الملك. وذلك لأنه ليس ذا رحم محرم نسبا كما يقول الحنفية والعترة من الزيدية، وابن حزم الظاهرى، أو لأنه ليس من عمود النسب ولا الحواشى القريبة وهم الأخوة والأخوات كما يقول المالكية،
أو لأنه ليس ذا رحم محرم على رواية عند الحنابلة، أو ليس من عمود النسب علي رواية أخرى، أو لأنه ليس من عمود النسب كما يقول الشافعية (134).
مذهب الإمامية:
أما الإمامية فقد جاء فى " المختصر النافع ": " ولا يملك الرجل ولا المرأة أحد الأبوين وإن علوا، ولا الأولاد وإن سفلوا، وكذا لا يملك الرجل خاصة ذوات الرحم من النساء المحرمات، وينعتق هؤلاء بالملك. ويملك غيرهم من الرجال والنساء على كراهية، وهل يعتق عليه بالرضاع من ينعتق بالنسب ؟ فيه روايتان أشهرهما أنه ينعتق وثبت الملك (135).
تغسيل ابن العم لبنت عمه
ابن العم حكمه حكم الرجال فى عدم جواز تغسيلهم النساء بعد الوفاة إلا إذا كان زوجا على تفصيل فى المذاهب فى حكم تغسيل الزوج لزوجته (انظر التغسيل فى مصطلح تغسيل الميت).
صلاة ابن العم على ولد عمه
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة على ولد عمه ذكرا كان أو أنثى إذا لم يوجد من هو أولى منه.
وترتيب ابن العم، شقيقا أو لأب، يجىء بعد درجة البنوة والأبوة والأعمام (136) أما ابن العم لأم فلا حق له فى هذه الإمامة، لأنه من ذوى الأرحام، ولا حق لهم.
مذهب المالكية:
ذهب المالكية إلى أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة إذا كان أقرب العصبة إلى الميت بعد الخليفة والوصى، ولا مدخل للزوجية هنا، ويقدم على الجميع حتى الوالى إذا أوصت بنت عمه بأن يصلى عليها ورجى خيره لصلاحه (137).
أما ابن العم لأم فلا حق له فى ذلك، لأنه ليس من العصبة.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن ابن العم، شقيقا أو لأب، يكون أحق بالإمامة فى الصلاة على بنت عمه إذا كان أقرب العصبة الموجودين ولا مدخل للزوجية هنا حتى ولو أوصت الميتة بأن يصلى عليها (138).
أما ابن العم لأم فإنه يكون أحق إذا لم يوجد عصبة وكان أقرب ذوى الأرحام الموجودين (139).
مذهب الحنابلة:
ابن العم بالنسبة لإمامة الصلاة على ابن عمه أو بنت عمه على ترتيبه فى العصبات إلا إذا كان الميت أوصى إليه خاصة فيقدم على الأولياء ما لم يكن فاسقا أو مبتدعا (140).
ونظرا إلى أن ابن العم الشقيق فى درجة ابن العم لأب فقد ورد فيهما رأيان إذا اجتمعا:
فقد جاء فى " المغنى " لابن قدامة: " فإن أجتمع أخ من الأبوين وأخ من الأب ففى تقديم الذى من الأبوين أو التسوية بينهما وجهان، والحكم فى أولادهما وفى الأعمام وأولادهم كالحكم فيهما سواء " (141) .
أما ابن العم لأم فهو من ذوى الأرحام وله حق الصلاة على ترتيبه بينهم إذا لم يوجد عاصب (142) .
مذهب الزيدية:
ابن العم، شقيقا أو لأب، له حق الصلاة كغيره من العصبات على ترتيبه بينهم وعندهم خلاف فى تقديم السلطان على العصبات (143) .
أما ابن العم لأم فلا حق له فى ذلك، لأنه ليس من الأولياء.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب " النيل ": " أولى الناس بالصلاة على الميت أبوه ثم الزوج، ثم الابن ثم الأخ، ثم الأقرب فالأقرب " (144).

__________

(1) تبيين الحقائق / ج6 ص338 المطبعة الأميرية، والمختصر المزنى الملحق بالأم للشافعى / ج 8 ص 139 نشر مكتبة كليات الأزهر، والمغنى لابن قدامة ج 7- ص ا 2، 22 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية وكتاب البحر الزخار / ج 5 ص 339 الطبعة الأولى سنة 368 1 هجرية والمحلى / ج 7 ص 253 طبع إدارة الطباعة المنيرية.
(2) ج 2 ص 423- 424 المطبعة الخيرية.
(3) ص 268، 269، 271 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف.
(4) ص 271 الطبعة السابقة.
(5) النيل وشرحه ج 8 ص 292.
(6) فتح القدير ج 2 ص 407 الطبعة الأميرية.
(7) فتح القدير ج2 ص 407، 413.
(8) ج 5 ص 122 طبعة دار الكتب العربية.
(9) ج 2 ص 224، 225 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(10) ج 3 ص 149، 151 طبعة مصطفى البابى الحلبى
(11) ج 7 ص 279، 382 طبعة المنار سنة 348 1 هجرية.
(12) ج7 ص246، 247، 248، 249 طبعة المنار سنة 1348 هجرية.
(13) المراجع السابقة للمالكية والشافعية والحنابلة.
(14) ج 3 ص 299، 0 30 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(15) ج 2 ص173، 174 طبعة مصطفى الحلبى
(16) ج 1 ص 46 ، مطبعة السنة المحمدية.
(17) ج 9 ص458، 459 إدارة الطباعة المنيرية.
(18) ج 9 ص 451 الطبعة السابقة.
(19) المحلى ج 8 ص323.
(20) ج3 ص 46 الطبعة الأولى سنة 1948.
(21) ج 2 ص221- 223 طبعة حجازى.
(22) ج 3 ص 46 الطبعة السابقة.
(23) ج 3 ص 56 الطبعة السابقة .
(24) ج 3 ص 56 ، 57 الطبعة السابقة 0
(25) ح 3 ص 48 الطبعة السابقة.
(26) ج 5 ص 88 الطبعة الأولى سنة 1948م.
(27) ص 196 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف.
(28) ج 1 ص 205 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(29) ج 2 ص 265.
(30) شرح النيل ج 2 ص617.
(31) ج 3 ص 48 الطبعة الأميرية.
(32) المرجع السابق.
(33) ج 2 صح 528، 529 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(34) ج 3 ص 453 ، 454 طبعة مصطفى الحلبى.
(35) ج 3 ص 454.
(36) ج 2 ص 119 ، 120 طبعة مطبعة السنة المحمدية.
(37) ج 10 ص 323 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(38) ج 10 ص 326 الطبعة السابقة.
(39) ج 2 ص 526 الطبعة الثانية- مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هجرية.
(40) ج 2 ص 526 الطبعة السابقة.
(41) ج2 ص 45 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(42) ج1 ص 105 الطبعة الأميرية.
(43) ج 2 ص 522 ، 523 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(44) ج 3 ص 446 طبعة مصطفى البابى الحلبى
(45) ج 9 ص 278 ، 279، 280 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية.
(46) ج 9 ص 276 ، 277 من الشرح الكبير طبعة المنار الأولى سنة 1348 هجرية.
(47) ج 9 ص 280 الطبعة السابقة.
(48) المحلى ج10 ص 100 ، 101.
(49) المرجع السابق ص 106.
(50) شرح الأزهار ج 2 ص 549، 550.
(51) ج 2 ص 48 الطبعة السابقة.
(52) ج 7 ص210،211.
(53) الحنفية: تبيين الحقائق، الزيلعى ج 6 ص237، 238 الطبعة الأميرية.
والمالكية: الشرح الكبير للدردير ج 4 ص465 ، 466 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
والشافعية: المنهاج وشرحه مغنى المحتاج ج4 ص9 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر.
والحنابلة: المغنى لابن قدامة ج 3 ص 19 ، 20 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية.
والظاهرية: المحلى ج 9 ص 256 ، 7 5 2، 268 مطبعة إدارة الطباعة المنيرية.
والزيدية: البحر الزخار ج 5 ص 351 الطبعة الأولى سنة 1949 م.
والإباضية: النيل وشرحه ج 8 ص 282، 290.
(54) ج 5 ص 341، 342 الطبعة الأولى سنة 1949م.
(55) ص 268 الطبعة الثانية لوزارة الأوقاف.
(56) المختصر النافع ص 271.
(57) المرجع السابق.
(58) تبيين الحقائق للزيلعى ج 6 ص 242 المطبعة الأميرية ، والمغنى ج 7 ص 82 الطبعة الأولى ، البحر الزخار ج 5 ص 352.
(59) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 468، طبع دار الكتاب العربى.
(60) ج 3 ص 6 ،7 طبعة مصطفى البابى الحلبى.
(61) المحلى ج 9 ص 312 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.
(62) المختصر النافع ص 271 الطبعة الثانية.
(63) شرح النيل ج 8 ص 412.
(64) شرح الهداية وفتح القدير ج 2 ص 128 ، 130 الطبعة الأميرية ، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 8 ،9 طبعة دار إحياء الكتب العربية ، مغنى المحتاج ج 1 ص 467 طبعة مصطفى البابى الحلبى والمجموع ج 7 ص 86 طبعة إدارة الطباعة المنيرية ، المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 190 ،192 الطبعة الأولى للمنار ، والمقنع ج 3 ص 190 الطبعة الأولى للمنار بذيل المغنى لابن قدامة ، المحلى ج 7 ص 47 ، 50 طبعة إدارة الطباعة المنيرية ، البحر الزخار ج 2 ص 23 ،286 ، الطبعة الأولى ، شرائع الإسلام ج 1ص 115 نشر مكتبة الحياة ببيروت ، كتاب النيل ج 2 ص 168 ، 169.
(65)الخطاب ج 2 ص 523 ، 526 مطبعة السعادة.
(66)ج 3 ص 453، 454 طبع مصطفى الحلبى.
(67) ج 2 ص 21 الطبعة الأميرية.
(68) ج 1 ص 306 طبع الأميرية.
(69) ج 1 ص 492.
(70) المرجع السابق ص 506 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(71)ج 3 ص 112 طبعة مصطفى البابى الحلبى.
(72) ج 3 ص 107 ، 108 الطبعة السابقة.
(73) مغنى المحتاج ج 1 ص 402 الطبعة السابقة.
(74) ج2 ص 712- 713 بذيل المغنى لابن قدامة الطبعة الأولى للمنار والمغنى لابن قدامه ج 2ص 512 طبعة الشرح الكبير نفسها.
(75) ج2 ص 713 الطبعة السابقة.
(76) ج 2 ص670 الطبعة الأولى للمنار.
(77) ج1 ص 226 طبعة أنصار السنة المحمدية.
(78)ج 2 ص 690 الطبعة السابقة.
(79) ج 2 ص 86 1 الطبعة الأولى سنة 949 1 م.
(80) ج 2 ص199 الطبعة السابقة.
(81) ص 83 الطبعة الثانية لوزارة الأوقات.
(82) ص 85 ، 86 الطبعة السابقة.
(83) ج 2 ص 130 ،131.
(84) ج 7 ص 210 ، 211.
(85) على هامش الزيلعى ج 5 ص27 الطبعة الأميرية.
(86) ج 1 ص 158 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية.
(87) الشرح الكبير / ج 3 ص 412، 415.
(88) ج 2 ص 261، 262 طبعة مصطفى الحلبى.
(89) سورة النساء: 11.
(90) المغنى لابن قدامة ج 5 ص 327، 330 الطبعة الأولى للمنار.
(91) ج 5 ص 12، 13.
(92) ج 5 ص 12،13.
(93) المختصر النافع ص244.
(94) ج 8 ص497.
(95) المرجع السابق ص 501.
(96) ج 1 ص 154 طبعة الأميرية .
(97) ج 4 ص 195 طبعة الأميرية.
(98) ج 4 ص 331 الطبعة السابقة.
(99) المرجع السابق.
(100) المرجع السابق.
(101) ج 3 ص 372 مطبعة مصطفى الحلبى.
(102) المرجع السابق.
(103) ج 9 ص 24، 25 الطبعة الأولى للمنار سنة 1348 هجرية.
(104) ج2 ص 96 طبعة مطبعة السنة المحمدية.
(105) المرجع السابق.
(106) ج 9 ص 25 الطبعة السابقة.
(107) ج 11 ص 289، 290 الطبعة السابقة
(108) ج 5 ص 166 الطبعة السابقة.
(109) ج 3 ص 46، 47.
(110) المرجح السابق.
(111) ج 2 ص 250 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(112) المرجع السابق ص 251.
(113) ج1 ص 173 طبعة الأميرية.
(114) ج 1 ص 173 طبعة الأميرية.
(115) نتائج الأفكار ج 8 ص 275، 277 الطبعة الأميرية.
(116) ج 4 ص 256 الطبعة السابقة.
(117) ج 4 ص 262 الطبعة السابقة.
(118) ج 4 ص 39، 40 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده بمصر.
(119) المرجع السابق ص 40.
(120) ج4 ص 48 ، 49 الطبعة السابقة.
(121) ج4 ص 40 الطبعة السابقة.
(122) ج 2 ص 131
(123) ج 9 ص 364 الطبعة السابقة.
(124) المحلى ج 10 ص 360 إدارة الطباعة المنيرية.
(125) المرجع السابق ص 484 الطبعة السابقة.
(126) المرجع السابق ص 481.
(127)المرجع السابق ص 481 ، 482.
(128)ج 5 ص 253 الطبعة السابقة.
(129) ج 4 ص 283 طبعة دار إحياء الكتب العربية.
(130) ص 313 ، 314 الطبعة السابقة.
(131) شرائع الإسلام ج 2 ص 281 نشر مكتبة الحياة ببيروت.
(132) ج 7 ص 621.
(133) شرح النيل ج 8 ص 168.
(134) شرح الميدانى على القدورى ج 2 ص 128 طبعة الآستانة ، الشرح الكبير ج 4 ص 366 ، الطبعة السابقة ، المنهاج ومغنى المحتاج ج 4 ص 499 ، 500 الطبعة السابقة ، المحرر ج 2 ص 4 الطبعة السابقة ، البحر الزخار ج 4 ص 193 ، 194 الطبعة السابقة ، المحلى ج 9 ص 200 الطبعة السابقة.
(135) ص 237 الطبعة السابقة.
(136) الميدانى شرح القدورى ج 1 ص 136 الطبعة السابقة.
(137) الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 428 الطبعة السابقة.
(138) المنهاج وشرحه المغنى المحتاج ج 1 ص 347 الطبعة السابقة.
(139) مغنى المحتاج ج 1 ص 347 الطبعة السابقة.
(140) المغنى ج 2 ص 366 ، 368 الطبعة السابقة.
(141) ج 2 ص 368 الطبعة السابقة.
(142) المرجع السابق.
(143) البحر الزخار ج 2 ص 114 ، 115 الطبعة الأولى.
(144) ج 1 ص 110.
 
ابن العمة

قرابته بين ذوى الأرحام:
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم، من أولاد الصنف الرابع من ذوى الأرحام والصنف الرابع ينتمى إلى جدى الميت أو جدتيه، وهم الأعمام لأم، والأخوال والخالات ثم أولادهم وإن نزلوا(انظر: ذوى الأرحام) (1).
المالكية والشافعية والحنابلة:
ذهب أصحاب هذه المذاهب إلى أن ابن العمة: شقيقة أو لأب أو لأم ليس له مركز خاص بين ذوى الأرحام بحيث يفضلهم ، بل ينزل مثلهم منزلة من يدلى به ويرث ما كان يرثه.
مذهب الزيدية:
الزيدية جعلوا ابن العمة كغيره من ذوى الأرحام، لا يتقدم على أحدهم بصفته هذه، بل بعارض كأن يكون أسبق من غيره.
مذهب الإمامية:
ليس عندهم توريث خاص بالرحم، بل قسموا الميراث بين ذوى النسب وذوى السبب، وقسموا ذوى النسب إلى ثلاث مراتب: الآباء والأولاد، والجد وإن علا ومعه الأخوة والأخوات، المرتبة الثالثة مرتبة العمومة والخئولة وتشتمل على أولاد الأعمام وا لعمات والأخوال والخالات (2).
مذهب الإباضية:
ذهبوا إلى أن كل واحد من ذوى الأرحام ينزل منزلة من يدلى به، فلا يكون لابن العمة مركز خاص يتعلق بقرابته عندهم.
أحكام ابن العمة
الولاية
اختلف فقهاء الحنفية فى الولاية على النفس، فقال الصاحبان إنها قاصرة على العصبة، فليس لقريب آخر هذه الولاية.
وقال أبو حنيفة: إنها تكون لغير العصبات فتنتقل إلى غيرهم إذا لم يوجدوا، فتكون لذوى الأرحام، فابن العمة له الحق فى هذه الولاية على رأى أبى حنيفة، وليس له ذلك على رأى الصاحبين (3).
أما الولاية على المال فابن العمة لا حق له فيها لأنها ليست إلا للأب ثم وصيه إلى آخر ما ذكر فى الولاية على المال (4).
مذهب المالكية:
والمالكية على أن ابن العمة- باعتباره من ذوى الأرحام- لا تكون له ولاية على النفس، لأن هذه الولاية خاصة بالعصبات عندهم (5).
أما الولاية على المال فكذلك لا يتولاها، لأنها إنما تكون للأب الرشيد أو وصيه إلى آخر ما ذكره (6).
مذهب الشافعية:
والشافعية عل أنه ليس لابن العمة ولاية تزويج بنت خاله، لأنهم جعلوها للعصبة الذين من قبل الأب وليس لذوى الأرحام حق فيها (7).
وكذلك ليست له الولاية على المال، لأنها خاصة بالأب ثم الجد إلى آخر ما ذكروه (8).
مذهب الحنابلة:
والحنابلة: على أنه لا ولاية لابن العمة فى تزويج بنت خاله، لأنه ذو رحم لها، ولا ولاية عندهم فى ذلك إلا للعصبات، وكذلك لا ولاية له على المال (9).
مذهب الظاهرية:
ليس لابن العمة ولاية فى تزويج بنت خاله، ولا يختص ابن العمة فى الولاية على المال بحكم وصفه ابن عمة (10).
مذهب الزيدية:
والزيدية على أن ابن العمة ليس له ولاية على ولد خاله: ولدا أو بنتا، لا على النفس ولا على المال إذ الولاية على النفس إنما تكون للعصبة ، فإذا لم توجد عصبة لا نسبية ولا سببية فإنها تكون للإمام، والولاية على المال، عندهم، قاصرة على الأب العدل ثم الجد إلى آخر ما ذكروه (11).
مذهب الإمامية:
لا ولاية عندهم على النفس لغير الأب، والجد للأب وإن علا، والوصى، والمولى والحاكم، فليس لابن العمة ولاية على النفس، وكذلك ليس له ولاية على المال (12).
مذهب الإباضية:
ذهبوا إلى أنه لا ولاية لابن العمة على ولد خاله الصغير: ذكرا أو أنثى فى النفس لأنه ليس من العصبة.
أما الولاية على المال فإنه له إن يلى مال ولد خاله إذا لم يكن هناك أقرب منه، لأن هذه الولاية تشمل كل الأقارب، الأقرب فالأقرب.
الحضانة
مذهب الحنفية:
ذهبوا إلى أنه ليس لابن العمة حضانة بنت خاله الصغيرة، لأنه وإن كان ذا رحم فإنه ليس محرما لها، وكذا ابن خاله، لأن حق الحضانة يكون لذوى الأرحام المحارم إذا لم يوجد عصبة (13).
مذهب المالكية:
الذى يؤخذ من كلام الدردير فى " الشرح الكبير" أنه لا حضانة لابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، لأنه ذكر الحاضنين من أقارب المحضون ولم يذكر فيهم ابن العمة وانتقل منهم إلى المولى الأعلى، أى المعتق (14).
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن ابن العمة لا يكون حاضنا على الأصح، فإنه بعد أن ذكر صاحب " مغنى المحتاج " على متن المنهاج من يكون لهم الحضانة قال: " فإن فقد فى الذكر الحاضن الإرث والمحرمية معا كابن خال وابن عمة، أو الإرث فقط والمحرمية باقية كأبى أم وخال فلا حضانة لهم فى الأصح.. ثم قال: وغير الأصح له الحضانة لشفقته بالقرابة " (15).
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة ليس له حق الحضانة، لأنه ليس بعاصب، وقيل إن لم يكن هناك عصبة تثبت له كما تثبت لغيره من الأقارب الذين ليسوا بعصبة على هذا الرأى. ولكن يلزم إذا كانت كبيرة أن تكون محرمة عليه، برضاع ونحوه.
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة مطلقا صاحب حق فى الحضانة، ويتولاها إذا كان أحوط لابن خاله وابنة خاله فى دينهما ودنياهما إذا لم يكن هناك عصبة ولا ذوو أرحام محارم،لأنه من ذوى الرحم، وهم أولى من غيرهم بكل حال، ويقدم عليهم إن كان أقرب منهم (16).
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: إذا عدمت العصبات المحارم وغير المحارم وذوو الأرحام المحارم، انتقلت الحضانة إلى من وجد من ذوى رحم غير محرما كابن الخال وابن الخالة وابن العمة، الأقرب فالأقرب، وولايتهم كذلك: أى هم أولى بالذكر دون الأنثى كالعصبات غير المحارم.
وعند الكلام على العصبات غير المحارم قال بخصوص الأنثى: " وأما الأنثى فلا حضانة تجب لهم فيها، بل هم وسائر المسلمين على سواء فى حقها، فينصب الإمام أو الحاكم من يحضنها " (17).
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الإسلام فى الحضانة:" فإن فقد الأبوان فالحضانة لأبى الأب فإن عدم قيل: كانت الحضانة للأقارب وترتبوا ترتب الإرث، وفيه تردد (18).
النفقة
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة لا تلزمه نفقة ابن خاله أو ابنة خاله، لأنه ليس كل منهما ذا رحم محرم منه وشرط وجوب النفقة عندهم أن يكون من تم له النفقة على قريبه ذا رحم محرم منه كما لا تجب نفقته على ابن خاله وابنة خاله، فقد جاء فى الفتاوى الأنقرويه (19)، ما يدل على هذا.
مذهب المالكية والشافعية:
ذهب المالكية إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله مثله فى ذلك مثل ابن العم مطلقا، كما لا تجب نفقته عليهما لأن النفقة عندهم لا تجب إلا للأصول والفروع المباشرين، وكذلك الحكم فى عدم وجوب النفقة من الجانبين عند الشافعية لأنها لا تجب عندهم إلا للأصول والفروع مطلقا(انظر: باب النفقة، نهاية المحتاج) ، ونقلا أيضا عن الشرح الكبير(20).
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة ابن خاله ولا بنت خاله، ولا تجب له عليهما كذلك، لأن كلا منهما من ذوى الأرحام الذين ليسوا من عمودى النسب، وهذا أحد قولين، وخرج أبو الخطاب فى وجوبها عليهم رواية أخرى، وهى أن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات وذوى الفروض، لأنهم وارثون فى تلك الحال، النصوص الدالة على ذلك (انظر: الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى)(21).
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يجب عليه الإنفاق على ولد خاله، ولا له عليهم، لأنهم جميعا ذوو رحم غير محرم. والنفقة إنما تكون بين ذوى الرحم إذا كانوا محرما، النصوص الدالة على ذلك من المحلى (22).
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة يجب عليه نفقة ابن خاله وبنت خاله، وتجب عليهما له إذا كان من نحكم عليه بالنفقة يرث الآخر، النصوص الدالة على ذلك من شرح الأزهار (23).
مذهب الإمامية:
قد ذهبوا إلى أنه لا تجب النفقة على ابن العمة ولا له على أولاد خاله لأنه لا تجب النفقة على غير عمودى النسب من الأقارب لكن تستحب وتتأكد فى الوارث منهم، والنصوص الدالة على ذلك من شرائع الإسلام (24).
مذهب الإباضية:
ذهب هؤلاء إلى أن ابن العمة لا تجب عليه نفقة أولاد خاله كما لا تجب له عليهم لأن مدار النفقة عندهم أن يكون المنفق من قوم المنفق عليه ووارثا له وهؤلاء ليس بعضهم من قوم بعض ولو ورثه، لأنهم يورثون ذوى الأرحام ولكن ورد عندهم رأى صححه أبو زكريا منهم أنهم إن كان بعضهم يرث بعضا فيكون عليه بقدر إرثه والنصوص الدالة على ذلك من كتاب شرح النيل(25).
الميراث
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية إلى أن ابن العمة يرث أولاد خاله إذا لم يوجد لهم صاحب فرض ولا عاصب ولا من هو أولى منه من ذوى الأرحام ولا يمنعه من ذلك وجود الزوج أو الزوجة لأنهما لا يرد عليهما شىء مما بقى من التركة بعد استيفاء الموجود منهما حقه
(انظر: إرث ذوى الأرحام).
مذهب المالكية:
قد ذهب متأخروهم إلى توريث ذوى الأرحام(انظر: الشرح الكبير وحاشية الدسوقى) (26) وهم يسيرون فى توريث ابن العمة على مذهب أهل التنزيل فينزلونه منزلة من يدلى به إلى الميت.
مذهب الشافعية.
ذهب متأخروهم فى رأى، ومتقدموهم أيضا، إلى توريث ذوى الأرحام، وعلى ذلك يرث ابن العمة إذا لم يوجد عاصب ولا ذو فرض يرد عليه ولا يمنعه أحد الزوجين لو كان موجودا.
طريقة توريثه
يورثونه على طريقة أهل التنزيل، وهى الأصح عندهم إذا كان معه غيره من ذوى الأرحام، أما إذا انفرد فإنه يأخذ كل المال (انظر ارث ذوى الأرحام).
مذهب الحنابلة:
ذهبوا كغيرهم ممن تقدم إلى أن ابن العمة، شقيقة أو لأب أو لأم، من ذوى الأرحام، وأن ذوى الأرحام يرثون إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب، المرجع: كتاب المغنى لابن قدامة (27).
طريقة توريثه:
ينزل عندهم منزلة من يدلى به إلى الميت من الورثة، فإذا لم يكن معه أحد من ذوى الأرحام أحق منه أخذ كل المال (أنظر: إرث ذوى الأرحام).
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة لا يرث، لأنه من ذوى الأرحام وهو لا يورث ذوى الأرحام، أنظر كتاب "المحلى " (28).
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن ابن العمة يرث، لأنه ذو رحم، وهم يورثون ذوى الأرحام ، البحر الزخار (29) (أنظر: إرث ذوى الأرحام).
مذهب الإمامية:
ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث ما كانت ترثه أمه، فقد جاء فى المختصر النافع (30): "ويقوم أولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم".
والمراد من الآباء هنا ما يشمل الأمهات من باب تغليب المذكر علي المؤنث فى التعبير، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر(أنظر: أرث ذوى الأرحام).
مذهب الإباضية:
ذهبوا إلى أن ابن العمة يرث إذا لم يوجد عاصب ولا ذو سهم إن لم يكن من هو أولى منه من ذوى الأرحام، لأنهم يذهبون إلى توريث ذوى الأرحام.
طريقة توريثه:
مذهبهم فى توريث ذوى الأرحام مذهب أهل التنزيل كالشافعية والحنابلة والمالكية، وعلى هذا ينزلون ابن العمة منزلة أمه، وأمه منزلة أب الميت (أنظر أرث ذوى الأرحام).
الوصية
ذهب الحنفية إلى أن الوصية لوارث تتوقف فى نفاذها على إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا عند موت ولد خاله الذى أوصى له، أخذ هذا الحكم وإلا كان حكمه فى الوصية حكم الأجنبى (انظر: تبيين الحقائق للزيلعى) (31).
مذهب المالكية:
ذهب المالكية فى المشهور عندهم إلى أن الوصية لوارث باطلة، فإذا كان ابن العمة وارثا لا تصح الوصية له ولو بقليل زيادة علي حقه، وعندهم رأى آخر أنها صحيحة متوقفة على إجازة الورثة. ويعتبر وارث أو غير وارث بحال الموت، والمعتبر فى وقت الإجازة التى تلزم المجيز هو موت الموصى، أو مرضه مرضا لم يبرأ منه، أما فيما عدا ذلك فالإجازة غير لازمة (الشرح الكبير وحاشية الدسوقى) (32).
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن الوصية لوارث تتوقف على إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا لا تصح الوصية له إلا إذا أجاز الورثة، وهو الرأى الراجح عندهم، والرأى الأخر أنها باطلة وإن أجازوها، والعبرة بكونه وارثا أو غير وارث هو وقت الموت لا وقت الوصية ، وإن العبرة فى الإجازة أو الرد هو ما بعد موت الموصى، فلا يعتبر ما يكون منهم فى حال حياته (مغنى المحتاج والمنهاج) (33).
مذهب الحنابلة:
عندهم أن الوصية للوارث تتوقف فى نفاذها علي إجازة الورثة فإذا كان ابن العمة وارثا كانت الوصية له موقوفة على الإجازة وهو الأشهر، وفى قول أنها باطلة وإن أجازها باقى الورثة. والعبرة بكونه وارثا أو غير وارث هو وقت الموت.
والعبرة فى إجازة الوصية أو ردها بوقت ما بعد موت الموصى (المغنى وكشاف القناع) (34).
مذهب الظاهرية:
ذهب ابن حزم الظاهرى إلى أن ابن العمة تصح الوصية له، لأنه غير وارث، إذ هو من ذوى الأرحام، وهم لا ميراث لهم عنده ولو لم يكن للميت أقارب سواهم، ما لم تكن وصية أو حقوق أخرى عليه، ولكنه يشترط إذا أوصى لغير وارث ألا تزيد الوصية عن الثلث، حتى ولو أجاز الورثة ذلك(انظر المحلى) (35).
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة إذا كان غير وارث تصح الوصية له إجماعا، ولكنها تنفذ من الثلث، أما ما زاد عليه فلابد فيه من إجازة الورثة، وإجازتها فى حال حياة الموصى وبعد موته. ولكنها إذا كانت فى حال الحياة فالرجوع فيها قد روى فيه رأيان: رأى بالجواز، ورأى بعدم الجواز، أما بعد موت الموصى فلا رجوع فيها قولا واحدا(البحر الزخار) (36).
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن ابن العمة يصح الإيصاء له ما دام مسلما غير وارث، والمراد بكونه غير وارث أن يكون كذلك عند موت ابن خاله الذى أوصى له، وإذا أذن الورثة للموصى بالوصية فى حال حياته بأكثر من الثلث لم يكن له الرد بعد وفاته على رأى. وفى رأى آخر لهم ذلك (كتاب النيل وشرحه) (37).
الحج والسفر والخلوة
لا يختص ابن العمة فى الحج والسفر والخلوة بحكم فى هذا بالنسبة لابنة خاله لكنه إذا كان زوجها أو ثبتت محرميته لها بسبب آخر كالرضاع والمصاهرة كان حكمه حكم المحارم، وإن لم يكن أحد هذه الأمور أخذ حكم الأجنبى.
غير أن المالكية يجيزون خلوة ابن العمة ببنت خاله عند الضرورة كأن يجدها فى مفازة أو مكان منقطع وخشى عليها الهلاك فإنه يجب عليه أن يصحبها ولو أدى إلى خلوة، وعليه أن يحترس جهده، كما أجازوا له أن يسافر بها إذا كان وصيا لها ولم يكن لها أهل تخلف عندهم، وكان مأمونا، وهذا الحكم يشمل ابن العمة وغيره (38).
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: جاء فى المنهاج وشرحه (39) ما حاصله: وتثبت الحضانة لكل ذكر محرم وارث على ترتيب الإرث وكذا غير المحرم كابن العم على الصحيح لوفور شفقته، والثانى: لا، لفقد المحرمية
ولا تسلم إليه مشتهاة حذرا من الخلوة المحرمة، فإن كان له بنت مثلا يستحى منها جعلت عنده مع بنته، وابن العمة فى هذا كابن العم (انظر محارم، أجنبى، خلوة).
الزكاة
ذهب هؤلاء الفقهاء إلى أن ابن العمة يجوز له أن يعطى أولاد خاله زكاة ماله متى توفرت فيهم شروط من تصرف لهم الزكاة: بأن يكونوا فقراء أو مساكين أو كانوا من العاملين عليها.. إلى آخر ما يذكر فى المصارف.
وقد ذكرنا النصوص الدالة على ذلك عند الكلام على الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب " العناية والهداية عند الحنفية، والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه عند المالكية.
ومغنى المحتاج عند الشافعية.
والمختصر النافع عند الإمامية (40).
أما صدقة الفطر فلا يجب على ابن العمة خراجها عن أولاد خاله عند الحنفية أو المالكية والشافعية، وقد تقدم ذكر النصوص الدالة على ذ لك عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب الزيلعى عند الحنفية، والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ومغني المحتاج (41).
مذهب الإمامية:

 
مع أنهم يقولون لا يلزم ابن العمة نفقة أولاد خاله، يقولون إذا عالهم تبرعا يجب عليه أن يخرج عنهم صدقة الفطر، وقد تقدم النص الدال على ذلك عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب المختصر النافع (42).
مذهب الحنابلة:
ذهبوا إلى أن ابن العمة يصح أن يعطى الزكاة إلى ابن خاله، كما يصح أن يأخذها من ابن خاله، وهو ظاهر المذهب لأنهم من ذوى الأرحام.
فقد جاء فى الشرح الكبير للمقدسى: فأما ذوو الأرحام فى الحال التى يرثون فيها فيجوز دفعها إليهم فى ظاهر المذهب.. الخ النص الذى ذكرناه عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " (43).
أما صدقة الفطر فإن ابن العمة لا يجب عليه أن يخرجها عن أولاد خاله، لأنه لا تلزمه مئونتهم، ولكن أن تبرع بها لهم أو لبعضهم فى شهر رمضان فإنه تلزمه فطرة من تبرع له كما صح أن يصرف لهم صدقة الفطر التى تلزمه، لأنها كزكاة المال، وقد ذكرنا النصوص الدالة على ما تقدم عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب المغنى لابن قدامة، والمحرر ومختصر الخرقى مع المغنى " (44).
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة يجوز له أن يعطى زكاة ماله إلى أولاد خاله، كما يجوز لهم أن يعطوه زكاة أموالهم، لأن بعضهم ذوو رحم لبعض، وأساس منع صرف الزكاة عندهم أن يكون المصروف له أصلا أو فرعا باتفاق، أو من تلزم المزكى نفقته على رأى بعضهم وذوو الأرحام لا يجب لبعضهم النفقة على بعض، كما أن بعضهم ليس أصلا ولا فرعا لبعض.
وعلى هذا يصح أخذ بعضهم زكاة بعض بالاتفاق. وقد ذكرنا النصوص الدالة علي ما تقدم عند الكلام على الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب البحر الزخار (45).
أما صدقة الفطر فإنها لا تلزمه عن أولاد خاله، كما لا تلزم أولاد خاله عنه لأن مبناها وجوب النفقة على من يصرفها، ولا نفقة لذى رحم على ذى رحم، وقد تقدم النص الدال على ذلك عند الكلام على الزكاة فى مصطلح " ابن العم " أخذا من كتاب البحر الزخار (46).
مذهب الإباضية:
عند الإباضية فى إعطاء ابن العمة الزكاة لأولاد خاله، وإعطائهم إياها له رأيان:
رأى، وهو الراجح: أنه يصح لكل منهما ذلك، لأنهم ليس واحد منهما من قوم أبى الثانى.
ورأى آخر: لا يصح، لأنه يجب عليه لهم النفقة إن كان وارثا ،، وهم كذلك، إذ هم يورثون ذوى الأرحام، وما دام يجب لأحدهما النفقة على الآخر لا يصح أن يأخذ منه ا.لزكاة ، وقد تقدم بيان ذلك، وذكر النص عند الكلام عن الزكاة فى مصطلح " ابن العم " من كتاب النيل وشرحه (47).
الإقرار
مذهب الحنفية والمالكية:
الحكم فى إقرار ابن العمة بنسب ابن خاله أو ابنة خاله كالحكم فى إقرار ابن العم بنسب ابن عمه
(انظر: ابن العم).
مذهب الشافعية:
ذهب الشافعية إلى أن ابن العمة إذا أقر بنسب ولد الخالة يكون أخا لابن خاله المعروف نسبه يثبت النسب ممن ألحق به إذا كان الملحق به ميتا، وكان ابن العمة حائزا لجميع الميراث: بأن يكون ابن خاله المعروف النسب قتل أباه المورث أو ارتد مثلا ولا وارث له غيره وهذا على القول الذى سار عليه المتأخرون بأن ذوى الأرحام يرثون ويشترط أن يصدقه الملحق، كأن يشترط ألا يكون الميت قد نفاه، فإذا كان هناك ورثة آخرون: زوج أو زوجة، فإنه يلزم موافقتهم للمقر (48).
مذهب الحنابلة:
ذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة إذا أقر بنسب شخص إلى خاله كأن يقول هذا أخ لابن خالى مثلا، أو هذا ابن ابن خالى، فإنه يثبت نسبه إذا استوفى الشروط المطلوبة فى ذلك، وقد ذكرنا الشروط المطلوبة وتفصيل القول فى ذلك عند الكلام على الإقرار فى مصطلح ". ابن العم، أخذا من كتاب المغنى لابن قدامة (49).
مذهب الزيدية:
ذهب الزيدية إلى أن ابن العمة إذا أقر بولد لابن خاله فحكمه حكم ما تقدم فى إقرار ابن العم (50).
مذهب الإمامية:
إذا أقر ابن العمة بابن الخالة أو لابن خاله فحكمة حكم إقرار ابن العم على ما تقدم فى مصطلح " ابن العم ".
القذف
مذهب الحنفية:
عند الأحناف أن ابن العمة إذا قذف ولد خاله ذكرا أو أنثى يحد به متى توفرت الشروط اللازمة لإقامة الحد، وتنظر هذه الشروط فى مصطلح" قذف ".
أما إذا قذف آخر ابن خاله أو بنت خاله فليس له حق المطالبة بحده: سواء أكان المقذوف حيا أو ميتا، لأنه إن كان حيا لا خصومة لأحد سواه 0 وإن كان ميتا لا خصومة لأحد غير الوالد وإن علا والولد وإن نزل، لأن العار إنما يلتحق بهم(51).
مذهب المالكية:
أما عند المالكية: فابن العمة لة حق فى استيفاء حد القذف الذى يحصل لابن خاله أو بنت خاله على الرأى القائل بأن ذا الرحم يرث إذا لم يكن ذو فرض ولا عاصب عدا الزوجين، إذ هو فى هذا وارث بالقوة، وهم يجعلون الوارث ولو بالقوة ذا حق فى استيفاء حد القذف وسواء فى ذلك أن يكون القذف قد حصل قبل موته أو حصل بعد موته، كما أن له كسائر الورثة حق العفو إلا إذا كان الميت قد أوصى قبل موته باستيفاء الحد، أما إن عفا هو فليس لابن العمة ولا غيره من الورثة استيفاؤه أما إذا لم يوص بالاستيفاء ولم يعف فإن الحق فى ذلك للوارث (52).
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية أن ابن العمة إن كان وارثا لابن خاله يرث استيفاء حد القذف.
وذلك على رأى المتأخرين القائلين بتوريث ذوى الأرحام، لأنه حق من حقوق الآدميين، فيورث كسائر حقوقهم، والأصح أن الذى يرثه جميعه كل فرد من الورثة
وقيل: يرثه جميعه إلا الزوجين، ويسقط بالعفو أو إرث القاذف للحد، ولا يسقط بعفو بعض الوارثين، لأنه حق لكل منهم (53).
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: أن ابن العمة ليس له إرث حق القذف لابن خاله أو بنته، لأنه ليس من العصبة، وقد خصوهم به إلا فى رأى عندهم وهو أنه يرثه كل وارث حتى ا لزوجين.
وقال القاضى فى بعض الروايات عنه: يختص به من سواهما (54).
وهذا إذا قذف المورث وهو ميت، أما إذا قذف وهو حى فليس لأحد غير المقذوف حق المطالبة به، فإذا مات ولم يطالب به سقط، وإن طالب به ثم مات فإن من ذكرنا يرث حق المطالبة به، وهو ميراث لابن العمة وجميع من يكون معه من ذوى الأرحام الوارثين لأنه لدفع العار والعار يلحقهم جميعا، ولو عفا بعض ذوى الحق لا يسقط بعفوه وللباقين استيفاؤه ولو كان الباقى واحدا (55).
مذهب الظاهرية:
وعند ابن حزم الظاهرى: أن حد القذف حق محض لله تعالى، فليس لأحد العفو عنه حتى المقذوف نفسه، ولا لأحد إرثه، سواء أكان عصبة أو غير عصبة، فليس لابن العمة حق المطالبة به ولا العفو عنه لا فى حياة المقذوف ولا بعد مماته (56).
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية: أن ابن العمة ليس له حق المطالبة بحد قذف ابن خاله أو ابنة خاله، لأنه لا ولاية له فى نكاحهما عندهم إذ هذه الولاية خاصة بالعصبة (57).
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية: أن ابن العمة إذا كان وارثا له حق استيفاء هذا الحد، لأن هذا الحد يرثه عندهم من يرث المال عدا الزوج والزوجة (58).
الجنايات
يرى الحنفية أن ابن العمة إذا كان وارثا لابن خاله فإنه يرث القصاص لابن خاله المقتول وحده إن انفرد بالإرث أو مع غيره من الورثة إن لم ينفرد.
ويرى أبو حنيفة أنه يستحقه ابتداء لا إرثا ويجوز له أن يعفو عن القصاص فيسقط حق الباقين فيه وينقلب مالا هو الدية (59).
مذهب المالكية:
ويرى المالكية: أنه لا يرث ابن العمة حق استيفاء القصاص عن ابن الخال أو بنت الخال، لأنه ليس عصبة له أو لها، وهذا الحق للعصبة الذكور وللنساء الوارثات ولكنه يصح أن يرثه ممن ورث هذا الحق(60)
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية: أن ابن العمة له الحق فى إرث حق القصاص، بناء على رأى المتأخرين القائلين بإرث ذوى الأرحام، فقد جاء فى مغنى المحتاج: " وقياس توريث ذوى الأرحام فى غير القصاص أن يقال به، أى بالتوريث، فى القصاص أيضا " (61). وعلى هذا إذا كان الوارث وحدة استحقه كله، وإن كان مع غيره استحق منه بقدر نصيبه وإذا عفا هو أو غيره من المستحقين سقط القصاص، وبقيت الدية (62).
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة: أن ابن العمة يرث حق القصاص إذا كان وارثا، بألا يكون لابن خاله وارث إلا ذوو الأرحام، فإن كان وحده ورثه كله، وإن كان معه غيره ورث منه بقدر نصيبه وإن عفا سقط القصاص، فليس لأحد آخر حق استيفائه، لأنه لا يستوفى إلا باتفاقهم على الاستيفاء، والمراد من الورثة الورثة بالفعل، نقلا عن المحرر وكتاب المغنى لابن قدامة (63).
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العمة ليس له حق فى القصاص عن ابن خاله، لأنه ليس من أهله، إذ هو من ذوى الأرحام الذين لم يعتبرهم أهله، ولكن أمه من أهل المقتول فلها الحق، غير أنه لا يرث هذا الحق من أمه إن ماتت قبل استيفائه، لأن عنده أن هذا الحق شخصى لا يورث " الإيصال تكملة المحلى " لابن حزم (64).
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن ابن العمة له حق استيفاء القصاص لابن خاله لأنهم جعلوها لجميع قرابة النسب وذوى الأرحام منهم، وإذا سقط حقه فى القصاص سقط كل القصاص فليس لأحد المستحقين استيفاؤه (65).
مذهب الإمامية:
ويرى الإمامية أن ابن العمة لا يرث حق القصاص على الرأى الراجح عندهم، لأنه حق للعصبة وحدهم، وعلى رأى آخر حق لكل وارث عدا الزوج والزوجة، وذوو الأرحام عندهم من الورثة.
وإذا عفا لا يسقط حق الباقين فى القصاص، ولكن لابد أن يردوا على المقتص منه نصيب من عفا من الدية أو ما فاداه به (66).
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية فى نص عندهم أن حق استيفاء القصاص للعصبة فقط، فابن العمة ليس له هذا الحق بناء على هذا النص.
وجاء عندهم نص آخر أنه لكل وارث كما هو للولى الذى هو العاصب ، وإذا عفا أحد أصحاب الحق سقط القصاص وليس لغيره طلبه بشرط علمه بهذا العفو. وكذلك يرث ابن العمة حق الاستيفاء من موروثه الذى مات قبل استيفاء حق القصاص (67).
الديات
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن ابن العمة إذا قتل ولد خاله عمدا كان عليه القصاص، فإن عفا عنه من له القصاص إلى مال وجبت عليه الدية فى ماله وكذا ما صولح عليه، أما إذا كان القاتل أجنبيا فإن ابن العمة الموجود يكون له حق فى الدية إذا كان وارثا (68):
وإذا لم يعف ابن العمة فى حقه فى الدية وعفا غيره من الورثة كذوى أرحام آخرين أو زوج أ و زوجة لا يسقط حقه فيها.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أن ابن العمة لا حق له فى دية ابن خاله إذا عفا عن القاتل إلى الدية، إلا إذا كان وارثا على رأى من ورثوا ذوى الأرحام عندهم، وهم المتأخرون (69).
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا تلزمه الدية فى ماله إن عفا عنه فى القصاص من له حق العفو.
وإن كان القتل خطأ فعلى عاقلته وإذا لم يكن هو القاتل فإنه يتحمل فى الدية إذا لم توجد عصبات أو وجدت ولم يوف ما لزمها بما يجب من الدية لقلتها، وهذا إذا كان يرث بناء على رأى المتأخرين الذين يورثون ذوى الأرحام إذا لم ينتظم بيت المال، وكذلك يرث من دية ابن خاله كما يرث من ماله بناء على هذا الرأى (70).
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى له عن القصاص ممن يستحقه، فإنه تجب عليه الدية فى ماله.
أما إذا كان القتل خطأ فإن الدية تكون على عاقلته، ولا يتحمل منها شيئا ويرث من الدية التى لزمت غيره بقتل ابن خاله إذا لم يحجبه حاجب (71).
مذهب الظاهرية:
ويرى ابن حزم الظاهرى أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله يكون ككل قاتل إذا عفى من القصاص تلزمه الدية فى ماله هو، ويكون العفو من أهل المقتول جميعا، ولا يلزمه التحمل فى الدية إذا كان ابن خاله هو القاتل لأن الذى يتحملها هم العصبة، وأما من حيث إرثه من الدية فإنه لا يرث منها كما لا يرث من المال (72).
مذهب الزيدية:
ويرى الزيدية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا تجب عليه الدية فى ماله إذا عفا عن القصاص أحد المستحقين.
أما إذا كان القتل خطأ فإن الدية على العاقلة فى رأى، وفى رأى آخر على الأقرب فالأقرب من العصبة.
أما إذا كان ابن خاله قتل شخصا ولزمته الدية فإنه لا يتحمل فيها، لأنه ليس من عصبته، كما أنه لا يرث من دية ابن خاله إن قتله هو، أما إن كان القاتل له غيره فإنه يرث منها إذا كان ذا حق فى الإرث (73).
مذهب الإمامية:
وير ى الإمامية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى عن القصاص إلى الدية فإن الدية تجب فى ماله ككل قاتل، وكذا فى شبه العمد، أما إذا كان خطأ فإنها تجب على عاقلته.
أما إذا قتل ابن خاله شخصا آخر فإنه لا يتحمل فى الدية التى تلزم عاقلة ابن خاله ، لأن ذلك خاص بالعصبة ولكنه يرث من دية ابن خاله إذا لم يكن هو القاتل له وورث من فى رتبته (74).
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية أن ابن العمة إذا قتل ابن خاله عمدا وعفى عن القصاص تجب الدية فى ماله، وكذلك عندهم فى شبه العمد على رأى.
أما الخطأ فالدية فيه على العاقلة،وفى قول: يشارك فيها، فإنه لا يرث من ديته التى وجبت عليه، ولا من ماله أيضا فى العمد وشبه العمد، وكذا فى الخطأ إلا إذا كان بحق على رأى، وفى رأى يرث.
أما إذا كان القاتل غيره فإنه يرث منها كما يرث من التركة ما دام وارثا.
العتق
فقهاء المذاهب السبعة: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية والإمامية، على أن ابن العمة إذا ملك ابن خاله أو ملكه ابن خاله لا يعتق أحدهما على الأخر بهذا الملك على اختلاف فى التوجيه والتعليل (75).
تغسيل ابن العمة لبنت خاله
ابن العمة حكمه حكم الرجال فى عدم جواز تغسيلهم النساء بعد الوفاة إلا إذا كان زوجا لها على تفصيل فى المذاهب.
فى حكم تغسيل الزوج لزوجته انظر: "تغسيل الميت ".
صلاة ابن العمة على بنت خاله
يرى الحنفية والمالكية والزيدية أن ابن العمة لا يكون ذا حق فى التقدم للصلاة على بنت خاله ولو كان زوجا لها (76).
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أن ابن العم يحق له أن يتقدم فى الصلاة على بنت خاله إذا لم يكن لها عصبة بشرط أن يكون أقرب ذوى الأرحام (77).
مذهب الحنابلة:
وذهب الحنابلة إلى أن ابن العمة لا يحق له التقدم فى الصلاة على ابنة خاله إلا إذا كان زوجا لها فى رواية عن أحمد، وكان لها عصبة موجودون، وفى الرواية الراجحة أنه إذا وجد عصبة لا يقدم ولو كان زوجا وكذا يحق له أن يتقدم إذا أوصت بصلاته عليها وكان غير فاسق ولا مبدع أو لم يكن لها عصبة وهو أقدم ذوى الأرحام (78).
مذهب الإمامية:
وذهب الإمامية إلى أن ابن العمة يكون أولى بالصلاة على بنت خاله إماما إذا كانت زوجة له ما لم يوجد الإمام وإن وجد أخوها فهو أولى منه، وفى شرائع الإسلام ما يدل على أنه أولى من العصبة جميعا(79).
 
إبهام

1- التعريف اللغوى:
أبهم الأمر: اشتبه، و الإبهام فى اليد والقدم أكبر الأصابع (1)
2- وللإبهام بالمعنى الثانى أحكام عند الفقهاء تتعلق بالجناية عليه، وقد فرق العلماء فى الجناية على الأطراف ومنها الأصابع بين العمد وشبهه والخطأ، فأوجب بعضهم القصاص فى الجناية عن عمد فيمادون النفس.
مذهب الحنفية.
العمد فيه القصاص لقوله تعالى: {والجروح قصاص}، وهو ينبئ عن المماثلة، فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا فلا.
وعدم جريان القصاص فى بعض صور التعمد لا يخرج الجناية عن العمدية فإنه لمانع، كما إذا قتل الأب ابنه عمدا(2) وجوز بعض العلماء فى جناية العمد القصاص أو الأرش.
فقال الإباضية (3) : إذا صح القصاص فلصاحبه القصاص أو الأرش ، وذلك على تفصيل فى شروط القصاص واختلافها عند المذاهب.
قال الحنفية:
لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس، ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين.
ويجب القصاص فى الأطراف بين المسلم والكافر للتساوى بينهما فى الأرش (4)
وقال المالكية:
كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانبين يجرى فى الأطراف، فأما إذا كان أحدهما يقتص له من آخر ولا يقتص للآخر منه فى النفس فقال مالك لا يقتص فى الأطراف، ولو قطع العبد أو الكافر الحر المسلم لم يكن له أن يقتص منهما فى الأطراف.. هذا هو المشهور فى المذهب.
وروى عن مالك: وجوب القصاص هنا.
وقال ابن الحاجب: وقيل أنه الصحيح.
وروى أن المسلم مخير فى القصاص والدية.
ومن كتاب ابن المواز قال مالك: ليس له، أى للمسلم، إلا الدية فى الجراح بينه وبين الكافر والعبد (5) .
واشترط الحنابلة للقصاص فى الأطراف شروطا:
أولها: أمن الحيف وهو شرط لجواز الاستيفاء وشرط وجوبه إمكان الاستيفاء بلا حيف.
وثانيها: المماثلة فى الإثم والموضع.
وثالثها: استواء الطرفين: المجنى عليه والمقتص منه (6) .
ويشترط الإمامية فى جواز الاقتصاص:
التساوى فى الإسلام والحرية، وأن يكون المجنى عليه أكمل، فيقتص للرحل من المرأة و لا يؤخذ الفضل، ويقتص لها منه بعد رد التفاوت فى النفس أو الطرف، ويقتص للذمى من الذمى ، ولا يقتص له من مسلم، وللحر من العبد ولا يقتص للعبد من الحر، و التساوى فى السلامة (7) .
وأوجب الظاهرية فى عمد الجناية على الأصابع الدية لأنه لا دية عندهم فى الجناية الخطأ على مادون النفس (8) (انظر: جناية - قصاص) .
وجمهور الفقهاء على وجوب الدية فى الخطأ وشبه العمد فيما دون النفس خلافا للأحناف الذين يقولون: ليس فيما دون النفس شبه عمد، وإنما هو عمد أو خطأ، وخلافا للظاهرية الذين يقولون: إن الخطأ لا دية فيه، وخلافا للإباضية فى شبه العمد فقد أوجبوا فيه دية العمد، وقيل: القصاص، إلا أن أراد الولى الدية (9) ويدفع الدية الجانى او العاقلة على تفصيل بين المذاهب(انظر: دية، عاقلة)
3- القصاص فى الإبهام:
قال الأحناف:
الإبهام لا تؤخذ إلا بالإبهام (10) .
وقال المالكية: ما سبق من قولهم: كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من
الجانبين يجرى فى الأطراف.
وقال ابن رشد: لا خلاف فى أن الأنملة تقطع بالإنملة كانت أطول أو أقصر، والمشرط عندهم فى القصاص أتحاد المحل.
قال ابن الحاجب: تشترط المماثلة فى المحل والقدر والصفة وتتعين عند عدم الدية(11) .
وقال الشافعية:
وتؤخذ الأصابع بالأصابع والأنامل لقوله تعالى" والجروح قصاص " ولأن لها مفاصل يمكن القصاص فيها من غير حيف فوجب فيها القصاص على أن يقطع من أصابع الجانى مثل أصابعه لأنها داخلة (12) .
وقال الحنابلة:
وتؤخذ الإصبع بإصبع تماما والأنملة بالأنملة كذلك (13) .
وقال الزيدية:
إذا وقعت الجناية عمدا على ذى مفاصل كمفاصل الأصابع فالقصاص، ويؤخذ ذو المفاصل بمثله (14) .
وقال الشيعة الأمامية:
وتؤخذ الإصبع بالإصبع مع تساويهما، وكل عضو يؤخذ قودا مع وجوده تؤخذ الدية مع فقده مثل أن يقطع إصبعين وله واحدة (15) .
وقال الإباضية:
ويكون القصاص فى عضو بان من مفصل (16) .
4- دية الإبهام:
تتفق أكثر المذاهب على أن الإبهام تؤخذ فيه عشر الدية إلا ما جاء فى بعض المذاهب على ما يبين فيما يلى:
قال الأحناف:
فى أصابع اليدين والرجلين فى كل واحد ة منها عشر الدية ، وهى فى ذلك سواء، لا فضل لبعض على بعض، والأصل فيه ما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: " فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين إصبع وإصبع ".
وروى عن عبد الله بن عباس رضى الله عنهما انه قال: هذه وهذه سواء،وأشار إلى الخنصر و الإبهام. وسواء قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف معها، وكذلك القدم مع الأصابع ، لأن الأصابع أصل والكف تابعة لها، ولأن المنفعة المقصودة من اليد تحصل بالأصابع لما روى عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: فى الأصابع فى كل إصبع عشر من الإبل من غير فضل بين ما إذا قطع الأصابع وحدها أو قطع الكف التى فيها الأصابع.
وما كان من الأصابع فيه ثلاث مفاصل ففى كل مفصل ثلث دية الأصابع، وما كان فيه مفصلان ففى كل واحد منهما نصف دية الإصبع لأن ما فى الإصبع ينقسم على مفاصلها كما ينقسم ما فى اليد على عدد الأصابع (17) .
وقال المالكية:
فى كل إصبع عشر الدية وعى عشر من الإبل ، وفى كل أنملة ثلث العشر إلا فى الإبهام فهو أنملتان فى كل واحدة منهما
نصف الأرش ، والمرأة تعاقل الرجل فى الجراح الى ثلث ديته لا تستكملها، فإذا بلغت ذلك رجعت إلى عقل نفسها (18) أنظر: عقل) .
وقال الشافعية:
ويجب فى كل إصبع عشر الدية لما روى أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن: فى كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل ، ولا يفضل إصبع على إصبع ، لما ذكرناه من الخبر، ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مسندا: الأصابع كلها سواء، عشر عشر من الإبل، ولأنه جنس ذو عدد تجب فيه الدية، فلم تختلف ديتها باختلاف منافعها كاليدين، ويجب فى كل أنملة من غير الإبهام ثلث دية الإصبع وفى كل أنملة من الإبهام نصف دية الإصبع ، وجب أن تقسم دية اليد على عدد الأصابع وجب أن تقسم دية الإصبع على عدد الأنامل (19) .
وقال الحنابلة:
وفى أصابع اليدين أو الرجلين الدية ، وفى كل إصبع من يد أو رجل عشرها وفى أنملة إبهام يد أو رجل نصف عشرها.
وقال ابن حزم الظاهرى:
صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: للأصابع سواء هذه وهذه سواء، يعنى الخنصر والإبهام. وانه صلى الله عليه وسلم قال: الأصابع عشر عشر، فهذا نص لا يسع أحدا الخروج عنه.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: رفع عن أمتى الخطأ.
وصح قول الله تعالى: " وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به، ولكن ما تعمدت قلوبكم " (20) فسقط أن يكون فى الخطأ فى ذلك دية أصلا.
فرجعنا الى العمد فلم يكن بد من إيجاب دية الأصابع كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدية واجبة على العامد بلا شك.
وأيضا فإن الله تعالى يقول: " وجزاء سيئة سيئة مثلها " (21) وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها، والدية إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وفى" إساءة مسئ مثل سيئة ذلك المسئ بلا شك، وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا ، فإذا فاتت المماثلة بالقود فى الأصابع وجبت المماثلة بالدية فى ذلك.
و النبى صلى الله عليه وسلم حكم فى كل إصبع بعشر من الإبل ، فواجب بلا شك إن العشر المذكورة مقابلة للإصبع ، ففى كل جزء من الإصبع جزء من العشر المذكورة فعلى هذا فى نصفه الإصبع نصف العشر وفى ثلث الإصبع ثلث العشر وهكذا فى كل جزء.
عن عبد الرزاق عن سفيان الثورى عن منصور عن إبراهيم النخعى قال: فى كان مفصل من الأصابع ثلث دية الإصبع إلا الإبهام فإنها مفصلان فى كل مفصل النصف (22) .
وقال الزيدية(23) :
فى كل إصبع ، أى إصبع كانت، عشر الدية. هذا قول الأكثر، أى أكثر الزيدية.
وكان عمر رضى الله عنه يفاضل بين أصابع اليدين، فجعل فى الخنصر ستا من الإبل ، وفى البنصر تسعا، وفى الوسطى عشرا، وفى السبابة أثنتى عشرة، وفى الإبهام ثلاث عشرة 0 قيل: ثم رجع عن ذلك.
وأصابع اليدين والرجلين سواء عندنا.
وإذا وجب فى الأصابع الكاملة عشر الدية وجب فى مفصلها منه ثلثه، أى: ثلث العشر، الا الابهام فنصفه، أى نصف العشر، إذ ليس لها إلا مفصلان. وتجب فيما دونه، أى دون المفصل، حصته من، الأرش ويقدر بالمساحة.
وقال الشيعة الأمامية:
فى أصابع اليدين لدية، وكذا فى أصابع الرجلين، وفى كل واحدة عشر الدية. وقيل فى الإبهام ثلث الدية، وفى الأربع البواقى الثلثان بالسوية. ودية كل. إصبع مقسومة على ثلاث أنامل بالسوية عدا الإبهام فإن ديتها مقسومة بالسوية على أثنين (24) .
وقال الأباضية:
وفى الأصابع وإن من رجل وتسمى، أصابع الرجل بالبنان الدية بلا تفاصل بين أصابع اليد- وأصابع الرجل، ولا بين أصابع اليد ولا بين أصابع الرجل إلا إبهام يد أن قطعت من مفصل ثالث وهو المفصل الأسفل إلى جهة الكف فلها ثلث دية اليد وهو ثلث نصفه الدية الكاملة وذلك ستة عشر بعيرا وثلثا بعير، ولكل من أصابع اليد أو الرجل عشرة أبعرة ، وقيل: الإبهام وغيرها سواء، وفى كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل لأنه ليس فيه إلا أنملتان ، وقيل ثلاثة وثلث على أن فيه ثلاث أنامل فتعد التى تلى الكف. وليس لإبهام الرجل فضل علي غيرها (25) .

__________

(1) ترتيب القاموس المحيط ج1 ص278.
(2) نتائج الأفكار وحواشيه: تكملة فتح القدير ج 8 ص 270,271 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميريه ببولاق مصر 1318هجرية.
(3) شرح النيل ج 8 ص 280 طبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
(4) نتائج الأفكار وحواشيه تكملة فتح القدير ج 8 ص 271, 272 الطبعة السابقة.
(ه) هامش التاج و الإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى 1329 هجرية ج6 ص245.
(6) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب من 521,520 مطبعة المدنى بمصر.
(7) شرائع الإسلام ج 2 ص283، 284 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(8) المحلى لا بن حزم الظاهرى طبعة أولى سنة 1349 هجرية إدارة الطبعة المنيرية بمصر ج10 ص435ومابعدها.
(9) شرح النيل ج 8 ص95.
(10) بدائع الصنائع للكاسانى طبعة أولى سنة 1328هجرية مطبعة الجمالية بمصر ج 7 ص297.
(11) هامش التاج والإكليل لمختصر خليل على شرح مواهب الجليل طبعة أولى سنة 1329 ج6 ص246 - 256.
(12) المهذب لأبى إسحاق الشيرازى طبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر ج 2 ص180, 181.
(13) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص520 مطبعة المدنى بمصر.
(14) شرح الأزهار ج 4 ص385 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة1357 هجرية.
(15) شرائع الإسلام ج 2 ص 286 نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.
(16) شرح النيل ج 8 ص 209 الطبعة السابقة.
(17) بدائع الصنائع للكاسانى ج7 ص314 الطبعة السابقة.
(18) شرح مواهب الجليل على مختصر خليل ج6ص263.
(19) المذهب لأبى إسحاق الشيرازى ج2 ص206.
(20) هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 525 مطبعة المدنى بمصر.
(21) الأحزاب:5.
(22) الشورى:40.
(23) المحلى لابن حزم الظاهرى ج10ص435، 437 الطبعة السابقة.
(24) شرح الأزهار الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة ج 4 ص447..
(25) شرائع الإسلام نشر دار مكتبة الحياة ببيروت ج2 ص 301.
(26) شرح النيل طبعة محمد بن يوسف البارونى ج8 ص28,29.

 
اِتّبَاع

التعريف به لغة:
تبع الشىء تبعا وتباعا فى الأفعال، وتبعت الشىء تبوعا سرت فى أثره ، واتبعه وأتبعه وتتبعه قفاه وتطلبه متبعا له، وكذلك وتتبعته تتبعا، والتابع التالى ، والاتباع أن يسير الرجل وأنت تسير وراءه، واتبع القرآن ائتم به وعمل بما فيه (1) .
وهو لا يخرج فى استعمالات الأصوليين والفقهاء عن هذا المعنى، قال الآمدى: اتباع القول هو امتثاله على الوجه الذى أقتضاه القول، والإتباع فى الفعل هو التأسى بعينه (2)
وقال الغزالى: الاتباع هو قبول قول بحجة. (3)
اتباع الشريعة
قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون} (4) فقسم الأمر بين الشريعة التى جعله هو سبحانه عليها وأوحى إليه العمل بها وأمر الأمة بها وبين اتباع أهواء الذين لا يعلمون فأمر بالأول ونهى عن الثانى، وقال تعالى: {أتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون} (5) فأمر باتباع المنزل منه خاصة، وأعلم أن من اتبع غيره فقد أتبع من دونه أولياء(6).
اتباع المستفتى
قال الآمدى: المستفتى إما أن يكون عالما قد بلغ رتبة الاجتهاد أو لم يكن كذلك فإن كان الأول قد اجتهد فى المسألة وأداه اجتهاده إلى حكم من الأحكام فلا خلاف فى امتناع اتباعه لغيره فى خلاف ما أداه إليه اجتهاده.
وذكر أن الراجح عنده عدم الجواز، وإن لم يكن من أهل الاجتهاد فلا يخلو إما أن يكون عاميا صرفا، لم يحصل له شىء من العلوم التى يترقى بها إلى رتبة الاجتهاد، أو انه قد ترقى عن رتبة العامة بتحصيل بعض العلوم المعتبرة فى رتبة الاجتهاد، فإن كان الأول فقد اختلف فى جواز أتباعه بقول المفتى والصحيح أن واجبه اتباع قول المفتى، وإن كان الثانى فقد تردد أيضا فيه، والصحيح أن حكمه حكم العامى (7).
وقال الغزالى: العامى يجب عليه الاسستفتاء واتباع العلماء وتكليفه طلب رتبة الاجتهاد محال لأنه يؤدى الى أن ينقطع الحرث والنسل وتتعطل الحرف والصنائع ويؤدى إلى خراب الدنيا لو اشتغل الناس بجملتهم لطلب العلم وقد وجب على العامى ما أفتى به المفتى بدليل الإجماع كما وجب على الحاكم قبول قول الشهود ، وذلك عند ظن الصدق والظن معلوم ووجوب الحكم عند الظن معلوم، وقال يجب على العوام اتباع المفتى اذ دل الاجماع على وجوب اتباع العامى لمفتيه (8). وقال ابن حزم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ أمر باتباع سنن الخلفاء الراشدين، يكون قد أمر باتباعهم فى افتدائهم لسنته، وبهذا نقول، فمن كان متبعا لهم فليتبعهم فى هذا الذى اتفقوا عليه من ترك التقليد وفيما أجمعوا عليه من اتباع سنن النبى صلى الله عليه وسلم (9).
وقال: إنما نحرم اتباع من دون النبى صلى الله عليه وسلم بغير دليل فوجب اتباع من قام الدليل على اتباعه (10).
وقال: وليس من أتبع رسول الله صلى الله عليه مقلدا لأنه فعل ما أمره الله تعالى به (11) (انظر: استفتاء).
اتباع السواد الأعظم:
قال الغزالى: متبع السواد الأعظم ليس بمقلد بل علم بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وجوب اتباعه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالسواد الأعظم ".
" ومن سره أن يسكن بحبوحة، الجنة فليلزم الجماعة "، و 0" والشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد "، وذلك قبول قول بحجة (12).
وقال ابن حزم الظاهرى: عليكم بالسواد الأعظم، رواية لا تصح وخبر لم يخرجه أحد ممن اشترط الصحيح (13).
الفرق بين التقليد والاتباع:
أكثر الأصوليين على أن الاتباع هو التقليد وعرفوا التقليد بأنه " العمل بقول الغير من غير حجة ملزمة " (14).
وقال ابن حزم الظاهرى: أما من أعتقد قولا بغير اجتهاد أصلا لكن إتباعا لمن نشأ بينهم فهو مقلد مذموم بيقين أصاب أو أخطأ وهو آثم على كل حال ، عاص لله تعالى عز وجل بذلك، لأنه لم يقصده من حيث أمر من أتباع النصوص (15).
وقد فرق ابن القيم بينهما فقال ردا على من يقول بتقليد الأئمة: وأن مقلديهم على هدى قطعا لأنهم سالكون خلفهم "وسلوكهم خلفهم مبطل وتقليدهم لهم قطعا فان طريقتهم كانت اتباع الحجة والنهى عن تقليدهم، فمن ترك الحجة وأرتكب ما نهوا عنه ونهى الله ورسوله عنه قبلهم فليس على طريقتهم وهو من المخالفين لهم، وإنما يكون على طريقتهم من اتبع الحجة وانقاد للدليل ولم يتخذ رجلا بعينه سوى الرسول صلى الله عليه وسلم يجعله مختارا على الكتاب والسنة يعرضهما على قوله وبهذا يظهر بطلان قول من فهم أن التقليد إتباع. بل هو مخالف للاتباع، وقد فرق الله ورسوله وأهل العلم بينهما كما فرقت الحقائق بينهما فإن الاتباع سلوك طريق المتبع والاتيان بمثل ما أتى به (16).
وقال أبو عبد الله بن خواز منداد البصرى المالكى: التقليد، معناه فى الشرع الرجوع الى قول لا حجة لقائله عليه، وذلك ممنوع منه فى الشريعة، والاتباع ما ثبت عليه حجة.
وقال: كل من اتبعت قوله من غير أن يجب عليك قبوله بدليل يوجب ذلك فأنت مقلده والتقليد فى دين الله غير صحيح، وكل من أوجب الدليل عليك اتباع قوله فأنت متبعه والإتباع فى" الدين سائغ والتقليد ممنوع (17).
وللعلماء فى التقليد والأخذ به لغير المجتهد خلاف ينظر فى مصطلح (تقليد).
اتباع المأموم للإمام
مذهب الحنفية:
يتحقق الاتباع عندهم بألا يكون المأموم متقدما على إمامه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: " ليس مع الإمام من تقدمه " ولأنه إذا تقدم المأموم الإمام 0 يشتبه عليه حاله أو يحتاج إلى النظر وراءه فى كل وقت ليتابع فلا يمكنه المتابعة، ولأن المكان من لوازمه. ألا ترى أنه إذا كان بينه وبين الإمام نهر أو طريق لم يصح لانعدام التبعية فى المكان وهذا بخلاف الصلاة فى الكعبة لأن وجهه إذا كان إلى الإمام لا تنقطع التبعية ولا يسمى قبله بل هما متقابلان ويشترط كذلك لتحقق التبعية اتحاد مكان الإمام والمأموم لأن الاقتداء يقتضى التبعية فى الصلاة والمكان من لوازم الصلاة فيقتضى التبعية فى المكان ضرورة وعند أختلاف المكان تنعدم التبعية فى المكان فتنعدما التبعية فى الصلاة لانعدام لازمها، ولأن اضلافه المكان يوحب خفاء حال الإمام على المقتدى فتتعذر عليه المتابعة ولو كان بين الإمام والمأموم حائط ذكر فى الأصل أنه يجزئه.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يجزئه، وهذا فى الحاصل على وجهين: إن كان الحائط قصيرا بحيث يتمكن كل أحد من الركوب عليه كحائط المقصورة لا يمنع الإقتداء لأن ذلك لا يمنع التبعية فى المكان ولا يوجب خفاء حال الإمام ، و لو كان بين الصفين حائط إن كان طويلا وعريضا ليس فيه ثقب، يمنع الإقتداء، وإن كان فيه ثقب لا يمنع مشاهدة حال الإمام. لا يمنع بالإجماع.
وإن كان الحائط كبيرا فإن كان عليه باب مفتوح أو خوخة فكذلك، وإن لم يكن عليه شئ من ذلك ففيه روايتان وجه الرواية الأولى التى قال لا يصح أنه يشتبه عليه حال إمامه فلا يمكنه المتابعة، ووجه الرواية الأخرى الوجود وهو ما ظهر من عمل الناس فى الصلاة بمكة فإن الإمام يقف فى مقام إبراهيم صلى الله عليه وسلم وبعض الناس يقفون وراء الكعبة من الجانب الأخر فبينهم وبين الإمام حائط الكعبة ولم يمنعهم أحد من ذلك فدل على الجواز (18).
وفى الهداية وفتح القدير والعناية (19):
وإن كان- أى المصلى- مقتديا بغيره يجب عليه أن ينوى متابعته فى صلاته وجاء فى الفتح أيضا (20): إذا رفع المقتدى رأسه من الركوع قبل الإمام ينبغى أن يعود ولا يصير ركوعين وكذا فى السجود. ولو رفع الإمام من الركوع قبل أن يقول المقتدى سبحان ربى العظيم ثلاثا: الصحيح أنه يتابعه ولو أدركه فى الركوع يسبح ويترك الثناء وفى صلاة العيد يأتى بالتكبيرات فى الركوع.
ولو قام الإمام إلى ثالثة قبل أن يتم المأموم التشهد يتمه وإن لم يتم وقام ليتابع الإمام جاز.
وفى القعدة الثانية إذا سلم أو تكلم الإمام وهو فى التشهد يتمه ولو ترك الإمام القنوت وأمكن المأموم أن يقنت ويدرك الركوع قنت، وإن لم يدرك الركوع تابع الإمام وترك القنوت.
وفى المبسوط للسرخسى (21): قال: رجل أم قوما فنسى أن يتشهد حتى قام إلى الثالثة فعلى القومى أن يقوموا معه لأنهم تبع له.
وقد جاء فى الحديث: أن النبى صلى الله عليه وسلم " قام من الثانية إلى الثالثة ولم يقعد فسبحوا به فسبح بهم حتى قاموا " وإن كان الإمام تشهد فنعى بعض من خلفه التشهد حتى قاموا جميعا إلى من لم يتشهد أن يعود فيتشهد ثم يتبع أمامه وإن خاف أن تفوته الركعة الثالثة لأنه تبع للإمام فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة بخلاف المنفرد لأن التشهد الأول فى حقه سنة أما هنا فالتشهد فرض عليه بحكم المتابعة وهذا بخلاف ما إذا أدرك الإمام فى السجود فلم يسجد معه السجدتين فإنه يقضى السجدة الثانية إلا إذا خاف فوات ركعة أخرى لأنه سيقضى تلك الركعة بسجدتيها، أما هنا فإنه لا يقضى هذا التشهد فعليه أن يأتى به ثم يتبع أمامه.
وفى الزيلعى (22): يجب على المأموم سجود السهو بسهو الإمام ولا يشترط أن يكون مقتديا به وقت السهو حتى لو أدرك الإمام بعد ما سها يلزمه أن يسجد مع الإمام تبعا له ولو دخل معه بعد ما سجد سجدة السهو يتابعه فى الثانية ولا يقضى الأولى وأن لم يسجد الإمام لا يسجد المأموم لأنه يصير مخالفا لإمامه وما التزم الأداء إلا تبعا له بخلاف تكبير التشريق حيث يأتى به المؤتم ولو تركه الإمام وليس على المأموم سجود سهو بسهو نفسه لأنه لو سجد وحده كان مخالفا لإمامه ولو تابعه الإمام ينقلب التبع أصلا لكنه يسجد للسهو لو كان مسبوقا فسها فى قضاء ما سبق به لأنه منفرد فيما يقضيه.
وجاء فى الفتاوى الهندية (23): والمسبوق ببعض الركعات يتابع الإمام فى التشهد الأخير ولو ظن أن الإمام عليه سهو فسجد الإمام للسهو فتابعه المسبوق فيه ثم علم إنه لم يكن عليه سهو فأشهر الروايتين أن صلاة المسبوق تفسد، ولو قام الإمام إلى الخامسة فتابعه المسبوق أن قعد الإمام على رأس الرابعة تفسد صلاة المسبوق.
والمسبوق يتابع الإمام فى السهو ولا يتابعه فى التسليم والتكبير والتلبيه فإن تابعه فى التسليم والتلبية فسدت وإن تابعه فى التكبير وهو يعلم أنه مسبوق إلا تفسد صلاته.
ولو تذكر الإمام سجدة تلاوة وعاد إلى قضائها إن لم يقيد المسبوق ركعته بسجدة يرفض ذلك ويتابع الإمام فيها ويسجد معه للسهو ثم يقوم إلى القضاء ولو لم بعد فسدت صلاته، ولو تابعه بعد تقييد ركعته للسجدة فسدت روايه واحدة، وأن لم يتابعه ففى رواية كتاب الأصل تفسد أيضا.
ولو تذكر الإمام سجدة صلبية وعاد إليها تابعه المسبوق فيها، وإن لم يتابعه فسدت.
ولو سجد الإمام للسهو لا يتابعه اللاحق قبل قضاء ما عليه بخلاف المسبوق. والمقيم إذا اقتدى بمسافر فإنه يتابع الإمام فى سهوه و إذا كان المأموم المقيم قام إلى إتمام صلاته بعد ما تشهد الإمام قبل إن يسلم ثم نوى الإمام الإقامة حتى تحول فرضه أربعا فإن لم يقيد المأموم ركعته بالسجدة فعليه أن يعود إلى متابعة الإمام ، وأن لم يعد فسدت صلاته ، وإن قيد ركعته بالسجدة فصلاته فاسدة عاد إلى المتابعة أو لم يعد فى الروايات كلها 0 ولو سها الإمام فى صلاة الخوف سجد للسهو وتابعه فيهما الطائفة الثانية.
مذهب المالكية:
أعتبر المالكية أن من شروط صحة صلاة المأموم نية إتباع إمامه أولا فليس للمنفرد أن ينتقل للجماعة ولا العكس (24).
ومن شروط الإقتداء متابعة المأموم لإمامه فى الإحرام والسلام أى بأن يفعل كلا منهما بعد فراغ الإمام منه (25).
أما ما يفعله المأموم من حيث نقصان الإمام أو زيادته، فقد جاء فى الدردير (26) : أنه إذا ترك الإمام الجلوس الأول ثم رجع إليه بعد الوقوف فيجب أن يتبعه المأموم فى الرجوع.
قال فى الحاشية: لأن مأمومه يجب عليه أتباعه، وان فات المؤتم ركوع مع أمامه بأن رفع الإمام رأسه من ركوعه واعتدل مطمئنا قبل انحناء المؤتم للركوع فلا يخلو من أربعة أحوال: أما أن يكون الفوات فى الركعة الأولى للمأموم سواء كانت أولى الإمام أيضا أو غيرها أو كانت فى غير أولى المأموم.
وأما أن يكون ذلك الفوات بعذر أو بغير عذر، فإن كان الفوات فى غير أولى المأموم أتبع الإمام بأن يركع ويرفع ويسجد خلفه ما لم يرفع الإمام من سجودهما الثانى فإن رفع الإمام منه فاتته تلك الركعة ووجب عليه أتباعه فى التى قام لها ويجلس معه إن جلس لتشهد: فإن فعل ما فاته بعد رفع أمامه من السجود الثانى بطلت صلاته على المعتمد إن اعتد بتلك الركعة وسواء كان الفوات لعذر أم لا، وإن كان فوات الركوع برفع إمامه معتدلا فى أولى المأموم ولو كانت ثانية أمامه أو ثالثته، فإن كان الفوات لعذر كسهو وازدحام بين الناس أو مرض أو إكراه أو مشى لسد فرجة فإنه فى هذه الحالة لا يأتى بما فاته ويجب عليه إتباع أمامه فى الحالة التى صار إليها من قيامه أو جلوس لتشهد لأنه صار مسبوقا فاته الركوع فيتبع أمامه فى الحالة التى هو بها ويقضى الركعة التى فاتته برفع الإمام من ركوعه، وإن كان الفوات لغير عذر بل بإختياره بطلت صلاته، وأن فات المؤتم سجدة فإن طمع فى الإتيان بها وأدراك الركوع قبل عقد أمامه ركوع التى تليها سجدها ، وإن لم يطمع فى الإتيان بها أتبع أمامه على ما هو عليه وقضاها بعد الإمام. وأن قام إمام لزائدة فإن كان المأموم متيقن الزيادة يجلس وجوبا ولا يتبعه، أما من تيقن موجب الزيادة أو ظنه أو شك أو توهم فيتبع الإمام فإن خالفه عمدا بطلت.
وجاء فى المدونة (27): قلت رأيت إماما سها فصلى خمسا فتبعه قوم ممن خلفه يقتدون به وقد عرفوا سهوه، وقوم سهوا بسهوه، وقوم فعدوا فلم يتبعوه.
قال: يعيد من اتبعه عامدا وقد تمت صلاة الإمام وصلاة من اتبعه على غير تعمد وصلاة من قعد ولم يتبعه، ويسجد الإمام ومن سها بسهوه سجدتين بعد السلام، ويسجد معه من لم يتبعه على سهوه ولا يخالف الإمام.
قال ابن القاسم: لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " أنما جعل الإمام ليؤتم به "، فعلى من خلفه الإمام ممن لم يتبعه وقعد إن يسجد مع الإمام فى سهوه وإن لم يسه.
وفى الدردير (28): وإن سجد أمام سجدة واحدة وترك الثانية سهوا وقام لم يتبعه مأمومه بل يجلس ويسبح له لعله يرجع، فإن لم يرجع فإنهم يسجدونها لأنفسهم ولا يتبعونه فى تركهما وإلا بطلت عليهم ويجلسون معه ويسلمون بسلامه فإذا تذكر ورجع لسجودها فلا يعيدونها معه على الأصح وإن استمر تاركها حتى سلم وطال الأمر بطلت على الإمام دون المأمومين. وجاء فى الخرشى (29): المسبوق مأمور بإتباع الإمام على الحالة التى هو فيها من ركوع أو سجود، فإذا اتبعه فى الركوع وتيقن إدراكه بأن مكن يدية من ركبتيه قبل رفع رأسه اعتد بتلك الركعة.
وجاء فى الخرشى أيضا (30): إذا لم يلحق المسبوق مع الإمام من الصلاة ركعة وسجد معه للسهو عمدا أو جهلا فإن صلاته تبطل لأنه ليس بمأموم وقال سحنون يتبع الإمام فى سجوده القبلى لا البعدى.
وجاء فى الخرشى أيضا (31): إذا أحرم الإمام بالقصر للسفر ثم قام من اثنتين سهوا أو جهلا فإن مأمومة يسبح به ليرجع إليهم فإن تمادى لم يتبعه بل يجلس لفراغه حتى يسلم، فإذا سلم سلم المسافر.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب (32): ولا تصح الجماعة حتى ينوى المأموم الجماعة لأنه يريد أن يتبع غيره فلابد من نية الإتباع فإن رأى رجلين يصليان على الإنفراد فنوى الإتمام بهما لم تصح صلاته لأنه لا يمكنه أن يقتدى بهما فى وقت واحد وإن نوى الإقتداء بأحدهما بغير عينه لم تصح صلاته لأنه إذا لم يعين لم يمكنه الاقتداء به وان كان أحدهما يصلى بالأخر فنوى الاقتدأء بالمأموم منهما لم تصح صلاته لأنه تابع لغيره فلا يجوز ان يتبعه غيره.
وجاء فى المهذب أيضا (33): وينبغى للمأموم أن يتبع الإمام ولا يتقدمه فى شىء من الأفعال، لما دوى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال-: " إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا و إذا ركع فاركعوا، ولا تختلفوا عليه، فإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا سجد فاسجدوا و لاترفعوا قبله " فإن كبر قبله أو كبر معه للإحرام لم تنعقد صلاته لأنه علق صلاته بصلاته قبل أن تنعقد فلم تصح، وإن سبقه بركن بأن ركع قبله أو سجد قبله لم يجز ذلك، ويلزمه أن يعود إلى متابعته لأن ذلك فرض، فإن لم يفعل حتى لحقه فيه لم تبطل صلاته لأن ذلك مفارقة قليلة وإن ركع قبل الإمام فلما أراد الإمام أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فإن كان عالما بتحريمه بطلت صلاته لأن ذلك مفارقة كثيرة ، وإن كان جاهلا بذلك لم تبطل صلاته.
ولا يعتد له بهذه الركعة لأنه لم يتابع الإمام فى معظمها.
وقال فى موضع آخر (34): وإن سها الإمام فى ترك فرض مثل أن يقعد والفرض أن يقوم، أو يقوم والفرض أن يقعد لم يلزم المأموم متابعة الإمام فى هذه الحالة، إنما تلزم المتابعة فى أفعال الصلاة وما يأتى به ليس من أفعال الصلاة وأن كان سهوه فى ترك سنة لزمه متابعته لأن المتابعة فرض، فلا يجوز أن يشتغل عنها بسنة فإن نسى الإمام التسليمة الثانية أو سجود السن هو لم يتركه المأموم لأنه يأتى به وقد سقط عنه المتابعة فإن نسيا جميعا التشهد الأول ونهضا للقيام، وذكر الإمام قبل أن يستتم القيام والمأموم قد استتم القيام، ففيه وجهان:
أحدهما: لا يرجع لأنه قد حصل فى فرض.
والثانى: يرجع وهو الأصح لأن متابعة الإمام آكد ألا ترى أنه إذا رفع رأسه من الركوع أو السجود قبل الإمام لزمه العود إلى متابعته وأن كان قد حصل فى فرض. وجاء فى موضع آخر (35): إذا سها المأموم خلف الإمام لم يسجد، وأن سها الإمام لزم المأموم حكم السهو لأنه لما تحمل عنه الإمام سهوه لزم المأموم ايضا سهوه فإن لم يسجد الإمام لسهوه سجد المأموم. وقال المزنى وأبو حفص البابشامى: لا يسجد لأنه أنما يسجد تبعا للإمام ، وقد ترك الإمام فلم يسجد المأموم والمذهب الأول لأنه لما سها الإمام دخل النقص على صلاة المأموم لسهوه فإذا لم يجبر الإمام صلاته جبر المأموم صلاته.
وإن سبقه الإمام ببعض الصلاة وسها فيما أدركه معه وسجد معه ففيه قولان،. قال فى الأم: يعيد، لأن الأولى فعله متابعة لإمامه ولم يكن موضع سجوده، وقال فى الاملاء والقديم: لا يعيد لأن الجبر ان حصل بسجوده فلم يعد، وان صلى ركعة منفردا فى صلاة رباعية فسها فيه ثم نوى متابعة إمام مسافر فسها الإمام ، ثم قام إلى رابعته فسها فيها، ففيه ثلاثة أوج أصحها أنه يكفيه سجدتان، والثانى يسجد أربع سجدات لأنه سها سهوا فى جماعة وسهوا فى الإنفراد، والثالث يسجد ست سجدات لأنه سها فى ثلاثة أحوال.
وجاء فى موضع آخر (36): وإن أدرك المأموم الإمام فى القيام وخشى أن تفوته القراءة ترك دعاء الاستفتاح واشتغل بالقراءة لأنها فرض فلا يشتغل عنها بالنفل ، فإن قرأ بعض الفاتحه وركع الإمام بر ففيه وجهان:
أحدهما: يركع ويترك القراءة لأن متابعة الإمام آكد.
وجاء فى المهذب أيضا (37): وإن ائتم مقيم بمسافر أو بمقيم الظاهر منه أنه مسافر جاز أن ينوى القصر خلفه، لأن الظاهر أن الإمام مسافر، فان أتم الإمام تبعه فى الإتمام لأنه بان له أنه ائتم بمقيم أو بمن نوى الإتمام.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة (38) كغيرهم: وجوب متابعة المأموم للإمام فى الصلاة، فلو سبق الإمام المأموم فى القراءة وركع أتبعه وقطع قراءته لأنها فى حقه مستحبة والمتابعة وأجبة ولا تعارض بين واجب ومستحب بخلاف التشهد إذا سبق به الإمام وسلم فلا يتابعه المأموم بل يتمه.
وأن سلم المأموم قبل إمامه عمدا بلا عذر تبطل صلاته لأنه ترك فرض المتابعة متعمد (39) .
وجاء فى المغنى لابن قدامة المقدسى (40): ليس على المأموم سجود سهو إلا أن يسهو أمامه فيسجد معه، لأن المأموم تابع للإمام فإذا سها الإمام فعلى المأموم متابعته فى السجود سواء سها معه أو انفرد الإمام بالسهو.
وإذا كان المأموم مسبوقا فسها الإمام فيما لم يدركه فيه فعليه متابعته فى السجود سواء كان قبل السلام أو بعده لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجدوا ". ولأن السجود من تمام الصلاة فيتابعه فيه.
وجاء فى المغنى والشرح الكبير آيضا (41):
إذا سبح أثنان بسهو الإمام فى الصلاة وكان يثق بقولهما لزمه قبوله والرجوع اليه بدليل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"انما أنا بشر أنسى ، فاذا نسيت فذكرونى " يعنى بالتسبيح.
فان كان الإمام على يقين من صوابه وخطأ المأمومين لم يجز له اتباعهم (42)
وقال أبو الخطاب يلزمه الرجوع إلى قولهم.
قال صاحب المغنى والشرح الكبير: وليس بصحيح، فانه يعلم خطأهم فلا يتبعهم فى الخطأ.
وقال صاحب المغنى: إذا سبح المأمومون فى موضع يلزمه الرجوع فلم يرجع بطلت صلاته ، نص عليه أحمد، وليس للمأمومين إتباعه، فإن اتبعوه لم يخل من أن يكونوا عالمين بتحريم ذلك أو جاهلين به، فإن كانوا عالمين بطلت صلاتهم لأنهم تركوا الواجب عمدا.
وقال القاضى: فى هذا ثلاث روايات: إحداهن أنه لا يجوز لهم متابعته.
والثانية: يتابعونه فى القيام إستحسانا.
والثالثة: لا يتابعونه ولا يسلمون قبله لكن ينتظرونه ليسلم بهم، وهو أختيار ابن حامد، والأول أولى لأن الإمام مخطئ فلا يجوز إتباعه على الخطأ فإن تابعوه جهلا بتحريم ذلك فإن صلاتهم صحيحه لأن أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم تابعوه فى التسليم فى حديث ذى اليدين.
وجاء فى موضع آخر(43): أن صلى مسافر خلف مسافر ونسى الإمام فصلاها تامة صحت صلاته وصلاتهم، وأن علم المأموم أن قيامه لسهو فلا يجب أتباعه لأنه سهو وله مفارقته ان سبح له ولم يرجع، فان تابعه لم تبطل الصلاة لأنهم لو فارقوا الإمام وأتموا صلاتهم فمع الموافقة أولى (44) .
وقال القاضى: تفسد صلاتهم بإتباعه للزيادة عمدا، فإن لم يعلموا هل قام لإمام سهوا أو عمدا لزمهم متابعته ولم يكن لهم مفارقته لأن حكم وجوب المتابعة ثابت فلا يزول بالشك.

 
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى (45): وفرض على كل مأموم ألا يرفع ولا يركع ولا يسجد ولا يكبر ولا يقوم ولا يسلم قبل إمامه، ولا مع إمامه فإن فعل عامدا بطلت صلاته لكن بعد تمام كل ذلك من إمامه فإن فعل ذلك ساهيا فليرجع ولابد حتى يكون ذلك كله منه بعد كل ذلك من إمامه وعليه سجود السهو.
برهان ذلك ما روى عن ابى موسى أنه
قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
خطبنا، فبين لنا سنة الخير وعلمنا صلاتنا فقال: إذا صليتم فأقيموا صفوفكم، ثم ليؤمكم أحدكم، فإذا كبر فكبروا، وإذا قال " غير المغضوب عليهم ولا الضالين " فقولوا " آمين " يجبكم الله.
فإذا كبر وركع فكبروا واركعوا فإن الإمام يركع ويرفع قبلكم فتلك بتلك وإذا كبر وسجد فكبروا واسجدوا فإن الإمام يسجد قبلكم ويرفع قبلكم، فتلك بتلك، حدثنا عبد الرحمن عن البراء بن عازب
قال ": " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: سمع الله لمن حمده لم يحن ظهره حتى يقع النبى صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم نقع سجودا بعده ".
وروى عن أبى هريرة رضى الله عنه أيضا أنه قال: " أن الذى يرفع رأسه قبل الإمام ويخفض قبله فان ناصيته بيد الشيطان "وقال فى موضع آخر (46): ومن علم أن ، أمامه قد زاد ركعة أو سجدة فلا يجوز له أن يتبعه عليها، بل يبقى علي الحالة الجائزة، ويسبح بالإمام ، وهذا لا خلاف فيه، وقد قال الله عز وجل: " لا تكلف إلا نفسك "(47).
وقال أبن حزما الظاهرى أيضا (48): و إذا سها الإمام فسجد للسهو ففرض على المؤتمين أن يسجدوا معه إلا من فاتته معه ركعة فصاعدا فإنه يقوم إلى قضاء ما عليه فإذا أتمه سجد هو للسهو، إلا أن يكون الإمام سجد للسهو قبل السلام ففرض على المأموم أن يسجدهما معه، وإن كان بقى عليه قضاء ما فاته، ثم لا يعيد سجودهما إذا سلم، برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سها فسجد وسجد المسلمون معه بعلمه بذلك، وأما من عليه قضاء ركعة فصاعدا فإن الإمام إذا سلم فقد خرج من صلاته ولزم المأموم القضاء- أى قضاء ما فاته-. وقال عليه الصلاة والسلام، أى فى روايه أخرى زيادة قوله فإنه لم يتم صلاته بعد.
والسجود للسهو لا يكون إلا فى آخر الصلاة وبعد تمامها، بأمره عليه الصلاة والسلام بذلك، وأما اذأ سجدهما الإمام قبل أن يسلم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا سجد فاسجدوا "، ففرض عليه الإتمام به فى كل ما يفعله الإمام فى موضعه وإن كان موضعه للمأموم بخلاف ذلك، وكذلك يفعل فى القيام والقعود والسجود. وقال فى موضع آخر (49): ومن وجد الإمام راكعا أو ساجدا أو جالسا فلا يجوز البتة أن يكبر قائما لكن يكبر وهو فى الحال التى يجد إمامه عليها ولابد، تكبيرتين ولابد، أحداهما للإحرام بالصلاة والثانية للحال التى هو فيها،؟ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما جعل الإمام ليؤتم به "، ولقوله عليه الصلاة والسلام " ما أدركتم فيصلوا وما فاتكم فأتموا "، فأمر عليه الصلاة والسلام بالائتمام بالإمام، والإتمام به هو ألا يخالفه الانسان فى جميع عمله، ومن كبر قائما و الإمام غير قائم فلم يأتم به فقد صلى بخلاف ما أمر ولا يجوز ان يقضى ما فاته من قيام أو غيره إلا بعد تمام صلاة الإمام لا قبل ذلك.
وقال ابن حزم الظاهرى (50): ومن زوحم حتى فاته الركوع أو السجود أو ركعة أو ركعات، وقف كما هو، فإن أمكنه أن يأتى بما فاته فعل، ثم إتبع الإمام حيث يدركه وصلاته تامة ولا شىء عليه غير ذلك. فإن لم يقدر على ذلك إلا بعد سلام الإمام بمدة قصيرة أو طويلة فعل كذلك أيضا، وصلاته تامة والجمعة وغيرها سواء فى كل ما ذكرنا.
وقال فى موضع آخر (51): فإن صلى مسافر بصلاة إمام مقيم قصر ولابد، وأن صلى مقيم بصلاة مسافر أتم ولابد، وكل أحد يصلى لنفسه، وإمامة كل واحد منهما للآخر جائزة ولا فرق.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار (52): من ائتم بإمامه فإنه تجب عليه متابعته فى الأركان والأذكار وفسر الأذكار فى الحاشية بقوله فى التسليم وتكبيرات العيد والإحرام والجنازة. ومعنى المتابعة ترك المخالفة فى ذلك إلا فى أمر مفسد للصلاة لو تعمد من فعل أو ترك نحو أن يزيد الإمام ركعة أو سجدة أو يترك أيهما أو نحو ذلك، فإذا فعل الإمام ذلك لم تجب متابعته بل لا تجوز، وحينئذ فيعزل المؤتم ويتم فرادى.
وفى الغيث: لو أتم من غير عزل فسدت صلاته، ذكره المؤيد بالله ، وذكر أيضا إن المؤتم لو كان فى حال التشهد الأخير فسلم من دون عزل فسدت صلاته.
وقال فى موضع آخر (53): وأما المخالفة فى الأمر المفسد فى الذكر كما فى قراءة جهر فإن المتابعة لا تجب هنا بل يجب على المؤتم أن يخالفه وجوبا ويسكت فى حال جهر الإمام.
وهذا بناء على أن الإمام يتحمل وجوب القراءة عن المؤتم فى الجهريه إذا سمعه لا فى السرية.
وقال الناصر إنه لا يتحمل فيهما ولو قرأ المؤتم فى حال سر الإمام بطلت صلاته عند الهادويه.
قال المرتضى: ولو كانت قراءته ناسيا وفى الإفادة عن المؤيد بالله أن صلاة المؤتم لا تبطل بقراءته حال جهر الإمام.
وجاء فى شرح الأزهار أيضا (54):
ومن فاتته الركعة الأولى مع الإمام من أربع فلا يتشهد التشهد. الأوسط وأن كان يجلس مع الإمام ولا يقعد فى ثانيته لأنها ثالثة الإمام وفى. القعود اخلال بالمتابعة الواجبة.
قال فى الحاشية: ولو قعد الإمام سهوا فى الثالثة فلا يقعد معه المؤتم ، فإن قعد فتقدت إن لم يعزل فإن عزل لم تفسد. وقال فى موضع آخر (55) لو فسدت صلاة الإمام بأى وجه من جنون أو لحن أو حدث سهوا كان أم عمدا فلا يتابعه المأموم بل يجب عليه أن يعزل صلاته فورا أى عقيب فساد صلاة الإمام ، ولا يتابعه بعد ذلك فى شىء من الصلاة، فإن تابعه فسدت ولوجاهلا.
وفى شرح الأزهار(56): يندب فى خطبة العيد متابعة الخطيب فى التكبير والصلاة على النبى وآله.
مذهب الإمامية:
قال صاحب الروضة (57): ويجب على المأموم المتابعة لإمامه فى الأفعال إجماعا بمعنى ألا يتقدمه فيها بل إما أن يتأخر عنه وهو الأفضل أو يقارنه لكن المقارنة تفوت فضيلة الجماعة وإن صحت الصلاة وإنما أفضلها مع المتابعة.
أما الأقوال، فقال صاحب الروضة: قطع المصنف بوجوب المتابعة فيها أيضا فى غيره وأطلق هنا بما يشمله، وعدم الوجوب أوضح ألا فى تكبيرة الإحرام فيعتبر تأخره بها، فلو قارنه أو سبقه لم تنعقد، وكيف تجب المتابعة فيما لا يجب سماعه ولا اسماعة إجماعا مع ايجابهم علمه بأفعاله وما ذاك إلا لوجوب المتابعة فيها فلو تقدم المأموم على الإمام فيما يجب فيه المتابعة ناسيا تدارك ما فعل مع الإمام وعامدا يأثم ويستمر على حاله حتى يلحقه الإمام والنهى لإحق لترك المتابعة لا لذات الصلاة أو جزئها.
وقال فى موضع آخر: ولا تصح الجماعة مع جسم حائل بين الامام والمأموم يصنع المشاهدة أجمع فى سائر الأحوال للإمام أو من يشاهده من المأمومين ولو بوسائط منهم فلو شاهد بغضة فى بعضها كفى كما لا تمنع حيلولة الظلمة والعمى الا فى المرأة خلف الرجل فلا يمنع الحائل حقا مع علمها بأفعاله التى يجب فيها المتابعة ولا مع كون الإمام أعلى من المأموم بالمعتد، عرفا فى المشهور (58) .
مذهب الأباضية:
جاء فى النيل وشرحه (59): وشرط الإقتداء بإمام النية والمتابعة بعمل كل ما يعمل إلا ما يحمله عنه ويكون بعده لا معه ولا قبله.
وجاء فى موضع آخر أيضا (60): يجب إتباع الإمام فى الأقوال غير سمع الله لمن حمده فإنه لا يجب إتباعه فيه، بل جوز والأحسن أن يقول المأموم: رينا ولك الحمد:
وفى الأفعال أن لم يصل جالسا وأن صلى جالسا بأن كان إماما عادل أو إمام صلاة حدثت له العلة أو إمام صلاة صلى بهم من أول جالسا على قول باجازته أى با جازته إمام الصلاة قاعدا من أول الأمر أو بعد حادث فلا يجب اتباعه فى فعله الذى هو الجلوس و الايماء بل يجب عليهم القيام وقيل يجلسون ولا يجلسون خلف إمام الصلاة الجالس من أول.

__________

(1) الروضة البهية ج1 ص116 الطبعة الثانية.
(2) شرح كتاب النيل وشفاء العليل للإمام يوسف أطفيش ج1 ص432، 433 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(3) شرح النيل ج1 ص463، 464 ، الطبعة السابقة.
(4) لسان العرب لأبن منظور ج 32 ص 28 طبع بيروت وترتيب القاموس المحيط ج1 ص296 مادة تبع الطبعة الأولى 1959 مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
(5) الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ج1 ص246 مطبعةالمعارف بمصر سنة 1332هجرية
(6) المستصفى للغزالى شرح مسلم ثبوت الطبعه الأولى بالمطبعة الأميرية ببولاق مصر سنه 1322 هجرية 0
(7) سورة الجالية: 18.
(8) سورة الأعراف: 3.
(9) أعلام الموقعين لأبن القيم ج1 ص 39، إدارة الطباعة المنيرية.
(10) الإحكام فى أصول الاحكام للآمدى ج4، ص 278 وما بعدها، الطبعة السابقة.
(11) المستصفى للغزالى ج2 ص387، 389 المطبعة السابقة.
(12) الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم ج6 ص79 مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1345 هجرية.
(13) الاحكام لابن حزم ج1 ص70 الطبعة السابقة.
(14) المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص70مسألة 108 ادارة الطباعة المنيربة مطبعة النهضة بمصر سنة 1347 هجرية.
(15) المتصفى ج 2 ص 388
(16) الاحكام لابن حزم ج 4 ص 192،194،200 ،201.
(17) الأحكام للآمدى ج4، ص297 الطبعة السابقة.
(18) الأحكام لابن حزم ج 8 ص139 الطبعة السابقة.
(19) أعلام الموقعين لابن القيم ج2 ص130 المطبعة السابقة.
(20) المرجع السابق ج 2 ص 137.
(21) بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج1 ص 145 الطبعة الأولى مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هجرية.
(22) ج1 ص 18 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنه 315 م.
(23) ج1 ص 315 الطبعة السابقة.
(24) ج 2 ص 111 طبع بمطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هجرية الطبعة الاولى.
(25) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج1 ص195 الطبعة الأولى بالمطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر 1313 هجرية.
(26) المسماة بالفتاوى العالمكيرية ج 1 ص90 و ما بعدها الطبعة الثانية طبع بالمطبعة الاميرية بمصر سنة 1310 هجرية.
(27) شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 37 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هجرية.
(28) المرجع السابق ج2 ص40 الطبعة السابقة.
(29) شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 37 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هجرية.
(30) المرجع السابق ج2 ص40 الطبعة السابقة.
(31) بلغة السالك لاقرب المسالك للصاوى على الشرح الصغير للدردير- ج1 ص133.
(32) المدونة الكبرى للإمام مالك ج1 ص134، الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هجرية.
(33) الدردير على الشرح الصغير ج1 ص134.
(34) شرح الخرشى على مختصر خليل وحاشيته ج 2 ص 48 الطبعة السابقة.
(35) شرح الخرشى على مختصر خليل ج1 ص331، الطبعة السابقة.
(36) المرجع السابق ج 2 ص 65 الطبعة السابقة.
(37) المهلب للشيرازى ج1 ص64 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(38) المرجع السابق ج1 ص 96 الطبعة السابقة.
(39) المهذب للشيرازى ج1 ص 96 الطبعة السابقة
(40) المرجع السابق ج1 ص91.
(41) المرجع السابق ج ا ص92 الطبعة السابقة.
(42) المرجع السابق ج1 ص 95 الطبعة السابقة.
(43) ج1 ص 103 الطبعة السابقة.
(44) كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج1ص301 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرقية سنه 1319 هجرية.
(45) المغنى ج2 ص699 وما بعدها المطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر فى سنه 1341هجرية.
(46) ج2 ص 675 الطبعة السابقة.
(47) المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج2 ص131، 132 الطبعة السابقة.
(48) المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 60، 61 مسألة رقم 417 طبع إدارة الطباعة المنيرية مطبعة النهضة بمصر سنه 1347 هجرية الطبعة الأولى.
(49) المحلى لابن حزم ج 4 ص 52 مسألة رقم، 414 الطبعة السابقة.
(50) سورة النساء:84.
(51) المحلى لابن حزم ج 4 ص 166، 167 مسألة
رقم 469، الطبعة السابقة.
(52) المحلى لابن حزم ج 4 ص 264 مسألة رقم 510 الطبعة السابقة.
(53) المحلى لأبن حزم ج 4 ص157 صالة رقم 464 الطبعة السابقة.
(54) المرجع السابق ج 5 ص 31، 32مسألة رقم 518 الطبعة السابقة.
(55) شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار ج1 ص 310 ومابعدها الطبعة الثانية المطبعة حجازى بالقاهرة سنه 1257 هجرية.
(56) المرجع السابق ج1 ص310، 311 الطبعة السابقة.
(57) ج1 ص 302 الطبعة السابقة.
(58) شرح الأزهار ج1 ص 306 الطبعة السابقة.
(59) ج ا ص 383 الطبعة السابقة.
(60) الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج1 ص118 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

 
إتْلاَف

إتلاف الشىء لغة: إفناؤه ، قال فى القاموس: تلف كفرح: هلك، وأتلفه أفناه وذهبت نفسه تلفا وطلفا أى هدرا، ورحل مخلف متلفه و مخلاف متلاف.
وفى لسان العرب: التلف الهلاك والعطب وأتلف فلان ماله إتلافا إذا أفناه إسرافا.
والإتلاف فى اصطلاح الفقهاء هو، كما عرفه صاحب البدائع: أتلاف الشىء إخراجه من أن يكون منتفعا به منفعة مطلوبة منه عادة (1).
أنواع الإتلاف وأحكامه:
تختلف أحكام الإتلاف باختلاف ما يرد عليه من أنواع وأحوال إذ هو كما قال صاحب بدائع الصنائع أما أن يرد على بنى أدم أو على غيرهم، وقال يجب الضمان فيما توفرت فيه الشروط الآتية:
1- أن يكون المتلف مالا فلا يجب الضمان بإتلاف الميتة والدم وجلد الميتة وغير ذلك مما ليس بمال.
2- أن يكون متقوما ، فلا يجب مسلما بإتلاف الخمر والخنزير على المسلم سواء كان المتلف مسلما أو ذميا.
3- أن يكون المتلف من أهل وجوب الضمان عليه حتى لو أتلف مال إنسان بهيمة لا ضمان على مالكها لأن فعل العجماء جبار فكان هدرا ولا إتلاف من مالكها فلا يجب الضمان عليه.
4- أن يكون فى الوجوب فائدة فلا ضمان على المسلم بإتلاف مال الحربى ولا على الحربى بإتلاف مال المسلم فى دار الحرب، وكذا لا ضمان على العادل إذا
- أتلف مال الباغى ولا على الباغى اذا أتلف مال العادل لأنه لا فائدة فى الوجوب لعدم إمكان الوصول إلى الضمان لانعدام الولاية.
وتفصيلا لذلك وجمعا إجماليا لأهم ما جاءت به أمهات كتب الفقه للمذاهب الثمانية: الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية و الإمامية و الزيديه و الإباضية فى هذا الموضوع أقول ما يجب فيه الضمان وما لا يجب من المتلفات.
إتلاف الصيد
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية انه اذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه قاتله فعليه ضمانه اذا توفرت شروط الضمان، فان كان الإتلاف جزئياً فعليه قيمة ما نقصه الحيوان ما لم يقصد إصلاحه فان قصد إصلاحه فلا شىء عليه وأن مات، وكذلك الحكم علي هذا البيان اذا قتل الحلال صيد الحرم أو أتلف جزءا منه، فقد جاء فى ابن عابدين (2) ما نصه: فإن قتل محرمة صيدا أى حيوانا بريا متوحشا بأصل خلقته أو دل عليه قاتله مصدقا له غير عالم وأتصل القتل بالدلالة أو الإشارة والدال أو المشير باق على إحرامه وأخذه قبل إن ينفلت بدءا أو عودا سهوا أو عمدا مباحا أو مملوكا فعليه جزاؤه ولو سبعا غير صائل أو مستأنسا أو حمامات أو هو مضطر إلى أكله.
وجاء فى المصدر السابق (3): ووجب بجرحه ونتف شعره وقطع عضوه ما نقص
ان لم يقصد الإصلاح ، فان قصده كتخليص حمامة من سنور أو شبكة فلا شىء عليه وان ماتت.
وجاء فيه (4): ووجبت نتف ريشة وقطع قوائمه وكسر بيضه وخروج فرخ ميت بالكسر وذبح حلال صيد الحرم وحلب
لبنه.. قيمة فى كل ذكر.
مذهب المالكية:
يرى المالكية ما يراه الحنفية من وجوب الضمان على المحرم اذا قتل الصيد أو أتلف جزءا منه ألا أنهم يرون فى الدلالة على الصيد إساءة فقط، ولا ضمان فيها وان أدت الى الإتلاف كما هو مشهور المذهب كما لا ضمان على المحرم فى اتلاف سباع الوحش.
فقد جاء فى التاج والإكليل للمواق (5):
قال ابن شاش: يحرم صيد البر ما أكل لحمه وما لم يؤكل لحمه من غير فرق بين أن يكون مستأنسا له أو وحشيا مملوكا أو مباحا ويحرم التعرض لأجزائه وبيضه وليرسله أن كان بيده أو رفقته فان لم يرفع يده عنه حتى مات لزمه جزاؤه.
وجاء فيه: ما قتل المحرم من الصيد فعليه جزاؤه. قال ابن شاش: ولو لعله فى مخمصة ضمنه، وفى عدم الضمان بالدلالة ولو أدت الى اتلاف الصيد، قال الحطاب: دلالة محرم أو حل وكذا إن أعانه بمناولة سوط أو رمح إساءة لا جزاء فيها على المشهور، نقله فى التوضيح عن الباجى ، واقتصر صاحب المدخل على القول بوجوب سبب الجزاء على المحرم فى دلالة المحرم على الصيد و فيمن أعطى سوطه أو رمحه لمن يقتل به صيدا.
وجاء فى التاج والإكليل عن التهذيب (6):
إذا دل المحرم على صيد محرما أو حلالا فقتله المدلول عليه فليستغفر الدال ولا شىء عليه، وفى عدم الضمان على من أتلف شيئا من سباع الوحش قال: لا بأس أن يقتل المحرم سباع الوحش التى تعدو وتفترس وان لم تبتدئه ولا يقتل صغار ولدها التى لا تعدو أو لا تفترس، ثم قال: فله عندنا قتل الذئب والأسد والفهد والكلب العقور وكل ما يعدو.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أنه جرم على المحرم اصطياد كل صيد مأكول برى طيرا أو غيره
كما يحرم ذلك علي المحل فى الحرم فإن أتلف أحدهما شيئا من ذلك ضمنه كما يضمن المحرم بالدلالة اذا كان الصيد فى يده فإن لم يكن فى يده وقتله المدلول أثم الدال فقط ولا ضمان عليه.
قال فى نهاية المحتاج (7): الخامس من المحرمات اصطياد كل صيد مأكول برى من طير أو غيره كبقر وحش وجراد وكذا متولد منه ومن غيره كمتولد بين حمار وحشى وحمار أهلى وبين شاة و ظبى إلى أن قال: وكذا يحرم فى الحرم على الحلال.
ثم قال: فان اتلف من حرم عليه ما ذكر صيداً مما ذكر وان لم يكن مملوكا ضمنه، وقيس بالمحرم الحلال فى الحرم، ثم قال: ولا فرق بين الناس للإحرام أو كونه فى الحرمة وجاهل الحرمة.
ثم قال: ولو دل المحرم آخر على صيد ليس فى يده فقتله أو أعانه بآلة أو نحوها أثم ولا ضمان، أو بيده- والقاتل حلال ضمن المحرم لأن حفظه واجب عليه ولا يرجع على القاتل.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة وجوب الضمان على من أتلف صيدا فى الحرم محرما كان أو حلالا، وأتلاف جزء منه أو أتلاف بيضه مضمون بقيمته، ويضمن أتلاف صيد الحرم بالدلالة و الإشارة كما يضمن بالقتل ولا شئ بقتل صائل لم يمكن دفعه إلى بذلك.
قال فى المغنى والشرح الكبير (8): وصيد الحرم حرام على الحلال والمحرم.. وفيه الجزاء على من يقتله، ويجزى بمثل ما يجزى به الصيد فى الإحرام ، وما يحرم ويضمن فى الإحرام يحرم ويضمن فى الحرم ومالا فلا.
وقال: ومن قتل وهو محرم من صيد البر عامدا أو مخطئا فداه بنظيره من النعم إن كان المقتول دابة.
وقال: وإن كان طائرا فداه بقيمته فى موضعه..
وقال: وإن أتلف جزءا من الصيد وجب ضمانه لأن جملته مضمونة فكان بعضه مضمونا كالآدمى والأموال.
وقال: ويضمن بيض الصيد بيقيمته.
وقال فى الضمان بالدلالة أو الإشارة:
ويضمن صيد الحرم بالدلالة و الإشارة كصيد الاحرام والواجب عليهما جزاء واحد نص عليه أحمد، وظاهر كلامه أنه لا فرق بين كون الدال فى الحل أو الحرم.
وقال القاضى: لا جزاء على الحال إذا كان فى الحل، والجزاء على المدلول وحده كالحلال إذا دل محرما على صيده.
مذهب الظاهرية:
قتل الصيد عند الظاهرية مبطل للحج إذا قتله عامدا ذاكرا لإحرامه وعليه الجزاء ومثله فى وجوب الجزاء المحل فى الحرم إذا كان عامدا ذاكر أنه فى الحرم ومثل ذلك الذمى، فإن انعدم شرط من ذلك فلا شئ عليه.
قال أبن حزم فى المحلى: ومن تصيد صيدا فقتله وهو محرم بعمرة أو بقبران. أو بحجة تمتع ما بين أول إحرامه إلى دخول وقت رمى جمرة العقبة أو قتله محرم أو محل فى الحرم فان فعل ذلك عامدا لقتله غير ذاكر لا حرامه أو لأنه فى الحرم أو غير عامد لقتله سواء كان ذاكرا لا حرامه أو لم يكن فلا شىء عليه لا كفارة ولا إثم وذلك الصيد جيفة لا يحل كله، فان قتله عامدا لقتله ذاكرا لإحرامه أو لأنه فى الحرم فهو عاص لله تعالى وجه باطل وعمرته كذلك.
قال الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم، ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم، يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة، أو كفارة طعام مساكين، أو عدل ذلك صياما ، ليذوق وبال أمره ، عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه ".
وقال: و أما المتعمد لقتل الصيد وهو محرم فهو مخير بين ثلاثة أشياء أيها شاء فعله، وقد أدى ما عليه: أما أن يهدى مثل الصيد الذى قتل من النعم، وان شاء أطعم مساكين وأقل ذلك ثلاثة، وان شاء نظر الى ما يشبع ذلك الصيد من الناس فصام بدل كل إنسان يوما إلخ.
وقال: فلو أن كتابيا قتل صيداً فى الحرم لم يحل أكله لقول الله تعالى: " وأن أحكم بينهم بما أنزل الله "، فوجب أن يحكم عليهم بحكم الله تعالى على المسلمين (9) إتلاف بيض النعام وغيره: لا شئ فيه ما لم يكن فيه فرخ حى، فجزاؤه مثله إن مات.
قال فى المحلى: وبيض النعام وسائر الصيد حلال للمحرم وفى الحرم، لأن البيض ليس صيداً ولا يسمى صيداً ولا يقتل، و إنما حرم الله تعالى على المحرم قتل صيد البر فقط، فإن وجد فيها فرخ ميت فلا جزاء له لأنه ليس صيدا ولم يقتله فان وجد فيها فرخ حى فمات فجزاؤه بجنين من مثله لأنه صيد قتله (10).
إتلاف صيد البحر
وما ليس بصيد
لا شىء فى إتلاف صيد البحر ولا فى اتلاف ما ليس بصيد.
قال فى المحلى: " وصيد كل ما سكن الماء من البرك أو الأنهار أو البحر أو العيون أو الآبار حلال للمحرم صيده وأكله (11).
قال: وجائز للحرم فى الحل والحرم وللمحل فى الحرم والحل قتل كل ما ليس بصيد من الخنازير والأسد والسباع، والقمل والبراغيث وقردان بعيره أو غير بعيره، والحكم كذلك، وهو القراد العظيم.
 
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أن من محظورات الإحرام قتل الصيد البرى الوحشى إلا ما استثنى كما يحظر على الحلال فى الحرم فإن فعل أحدهما شيئا من ذلك عن عمد وكان الصيد مأمونا وحب الجزاء سواء كان القتل مباشرة أو بسبب أو دلالة أو إشارة بحيث إذا لم يفعل ذلك لما قتل فان فعل ذلك خطأ فلا جزاء فيه.
قال فى شرح الأزهار: من محظورات الإحرام قتل كل حيوان جنسه متوحش سواء كان صيدا أم سبعا كالظبى والضبع والذئب وأن تأهل، أى أستأنس، كما قد يتفق، فانه كالمتوحش فى التحريم، و أنما يحرما قتل المتوحش بشرط أن يكون مأمون الضرر، فأما لو خشى المحرم من ضرره جاز له قتله كالضبع حيث تكون مفترسة وعدت عليه، وكذا الأسد ونحوه إذا خاف ضرره، وذلك بأن يعدو عليه، فإن لم يعد لم يجز قتله وسواء قتله مباشرة أو تسبب بما لولاه لما انقتل نحو إن يمسكه حتى مات عنده أو حتى قتله غيره أو حفر له بئرا أو مد له شبكة أو يدل عليه أو يغرى به أو يسير إليه، ولولا فعله لما صيد.
وفى هذه الوجوه كلها يلزمه الجزاء والإثم إن تعمد إلا المستثنى وهى الحية والعقرب والفأرة والغراب والحدأة فإن هذه أباح الشرع قتلها وسواء المحرم والحلال و إلا الصيد البحرى فإنه يجوز للمحرم قتله وأكله، والأهلى من الحيوانات كالحمير والخيل وكل ما يؤكل لحمه فانه لا يجب الجزاء فى قتلها لأنها غير صيد والمحرم هو الصيد ونحوه وان توحش الأهلى لم يجب الجزاء فى قتله لأن توحشه لا يصيره وحشيا، والعبرة بالأم فان كانت وحشية فولدها وحشى وان كانت أهلية فولدها أهلى ، ويلزم الإثم والجزاء حيث قتله عمدا لا خطأ ، إذ الخطأ لا جزاء عليه والمبتدئ والعائد فه فى فضل الصيد على سواء فى وجوب الجزاء عليهما.
ولو قتله ناسيا لإحرامه لزمه الجزاء ويجب فى بيضة النعامة ونحوها اذا كسرها المحرم صوم يوم أو إطعام مسكين (12).
مذهب الإمامية:
يحرم الإمامية. على المحرم وعلى المحل فى الحرم صيد الممتنع بأصله من حيوانات البر وقتلها مباشرة أو إعانة أو دلالة أو إشارة ، ويوجبون الجزاء على من فعل ذلك ولو جاهلا أو ناسيا ويلزم غير المكلف بذلك فى ماله ولو اجتمعوا على إتلاف صيد فعلى كل جزاء.
فقد جاء فى الروضة البهية (13):
وأما التروك المحرمة فثلاثون، صيد البر، و ضابطه الحيوان الممتنع بالأصالة فلا يحرم قتل الأنعام وأن توحشت و لا صيد الضبع والنمر والصقر وشبهها من حيوان البر ولا الفأرة والحية ونحوهما ولا يختص التحريم بمباشرة قتلها بل يحرم الإعانة عليه ولو دلالة عليها وإشارة إليها بأحد الأعضاء وهى أخص من الدلالة ولا فرق فى تحريمها على المحرم بين كون المدلول محرما ومحلا ولا بين الخفية والواضحة ، نعم، لو كان المدلول عالما به بحيث لم (14) يفده زيادة انبعاث عليها فلاحكم لها.
وقال: وفى الحمامة- وهى المطوقة أو ما تعب الماء- شاة على المحرم فى الحل ودرهم على المحل فى الحرم على المشهور ويجتمعان على المحرم فى الحرم.
وقال (15): ولو أغلق على حمام وفراخ وبيض فكالإتلاف مع جهل الحال أو علم التلف فيضمن المحرم والمحل فى الحرم ولو باشر الإتلاف جماعة أو تسببوا فعلى كل فداء.
وقال (16): ولا كفارة على الجاهل و الناسى فى غير الصيد، أما فيه فيجب مطلقا حتى على غير المكلف بمعنى اللزوم فى ماله.
مذهب الإباضية:
المحل فى الحرم والمحرم ولو فى غير الحرم ممنوعان من صيد البر وقتله وعليهما الجزاء سواء كان القتل عمدا أو خطأ ولو دلالة عليه أو إشارة إليه.
قال فى كتاب النيل: منع المحرم والمحل من صيد الحرم.. ومن قتله وان أخطأ أو أشار إليه فاصيب أو أزمنه ولم يعلم بصحته بعد أو دل عليه أحدا أو حيوانا ففعل به شيئا مما ذكر لزمه الجزاء ولزم الاثنين أن قتلاه واحد أن أجتمعا عليه وإلا فعلى كل واحد يحكم به عدلان فقيهان (17).
إتلاف نبات الحرم
مذهب الحنفية:
قال ابن عابدين فى حاشيته (18) : اعلم أن النابت فى الحرم إما جاف أو منكسر أو اذخر أو غيرها، والثلاثة الأول مستثناة من الضمان.
وغيرها إما أن يكون أنبته الناس أولا، والأول لا شىء فيه سواء كان من جنس ما ينبته الناس كالزرع أو لا كأم غيلان، والثانى إن كان من جنس ما ينبتونه فكذلك وإلا ففيه الجزاء، فما فيه الجزاء هو النابت بنفسه وليس مما يستنبت ولا منكسرا ولا جافا ولا اذخرا ، وما يتلف من الزرع النابت فى ملك الغير فيه قيمتان إحداهما للمالك والأخرى لحق الله.
مذهب المالكية:
قال فى التاج و الإكليل (19) : وحرم بالحرم قطع ما ينبت بنفسه إلا الأذخر و السنا، قال ابن يونس: ولا يقطع أحد من شجر الحرم شيئا يبس أو لم ييبس من حرم مكة أو من المدينة، فإن. فعل فليستغفر الله ولا جزاء.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج (20): ويحرم على محرم وحلال قطع أو قلع نبات الحرم الرطب وهذا صادق بما إذا كان القطع أو القلع علي وجه الإتلاف أو لا، مباحا كان أو مملوكا، الذى لا يستنبت أى من شأنه ألا يستنبته الآدميون بأن ينبت بنفسه كالطرفاء شجرا أو غيره لقوله صلى الله عليه وسلم:
" ولا يعضد شجره ولا يختلى خلاه " وهو بالقصر الحشيش الرطب وقيس بمكة باقى الحرم. إلى أن قال: والأظهر تعلق الضمان به أى بقطع نبات الحرم الرطب وبقطع الأشجار من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام.
وفى المستنبت يقول صاحب نهاية المحتاج (21):
والمستنبت وهو ما استنبته الآدميون من الشجر كغيره فى الحرمة والضمان على المذهب وهو القول الأظهر لعموم الحديث والثانى المنع تشبيها له بالزرع أى كالحنطة والشعير والبقول و الخضراوات فانه يجوز قطعه ولا ضمان فيه بلا خلاف، قاله فى
المجموع.
قال: ويحل من شجر الحرم الأذخر لاستثنائه فى الحديث ومثل ذلك فى الحكم نبات البقيع.
قال صاحب نهاية المحتاج (22) فى باب إحياء الموات: أن من أتلف شيئا من نبات البقيع ضمنه على الأصح.
مذهب الحنابلة:
قال فى المغنى والشرح الكبير (23): يجب فى إتلاف الشجر والحشيش-فى الحرم- الضمان.
قال: ولأنه ممنوع من إتلافه بحرمة الحرم فكان مضمرنا كالصيد، والشجرة الكبيرة مضمونة ببقرة والصغيرة بشاة، والحشيش بقيمته، والغصن بما نقص، ومن إتلاف الشجر فى الحرم قلعه من مكان وغرسه فى مكان آخر أدى إلى يبسه فيجب الضمان.
قال فى المغنى: ومن قلع شجرة من الحرم فغرسها فى مكان آخر فيبست ضمنها لأنه أتلفها.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار (24): وصيد الحرمين وشجرهما يجب فيهما القيمة على من قتل الصيد أو قطع الشجر، ويلزم الصغير والمجنون قيمة صيد الحرم وشجره إذا جنى على شىء من ذلك، لأن الجناية تلزم غير المكلف، وتسقط قيمة الشجرة إذا قلعها بالإصلاح لها بأن يردها إلى الحرم ويغرسها فيه.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية(25) : بعد أن قال وتجب شاة فى لبس الخفين، قال: وقلع شجرة من الحرم صغيرة غير ما استثنى، ولا فرق هنا بين المحرم والمحل.
وفى معنى قلعها قطعها من أصلها، والمرجع فى الصغيرة والكبيرة الى العرف والحكم بوجوب شىء للشجرة مطلقا هو المشهور، ومستنده رواية مرسلة.
ثم قال: وفى الشجرة الكبيرة عرفا بقرة فى المشهور ويكفى فيها. وفى الصغيرة كون شىء منها فى الحرم سواء كان أصلها أم فرعها ولا كفارة فى قلع الحشيش وإن أثم فى غير الأذخر وما أنبته الآدمى ، و محل التحريم فيها الإخضرار، أما اليابس فيجوز قطعه مطلقا لا قلعه أن كان أصله ثابتا، ويجوز تخلية الإبل وغيرها من الدواب للرعى فى الحرم وإنما يجرم مباشرة قطعه علي مكلف محرما أو غيره.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أن إتلاف شجر الحرم ونباته الرطب محرم ومضمون ، وهذا فى غير الأذخر وما يزرعه الآدمى أو يغرسه. جاء فى شرح كتاب النيل (26): ولا يحل وأن لمحل شجر الحرم وصيده ولقطته وحلت لمعارفها ولا يحل خلاؤه وهو الرطب من النبات لا يحتش ويجوز رعيه، وجوز الأذخر ، قيل ولزم بالدوحة بقرة وبالوسطى شاة وبقضيب درهم وبورقتها مسكين - أى إطعامه- وهذا إن لم يزرع أو يغرس.
قال: والأصل فى شجر الحرم إنه غير مستنبت، ففيه الجزاء حتى يصح بثقة أنه مستنبت ولا يحل شجره وإن أخرج للحل.
إتلاف- المبيع
قد يحدث إتلاف المبيع من البائع أو من المشترى أو من أجنبى فيترتب عليه هلاكه وتلفه فإذا كان من أجنبى ضمنه بقيمته أو مثله لتعدية بإتلاف مال غيره وإذا كان من البائع قبل قبضه أنفسخ البيع ووجب رد الثمن إن قيض وإن كان من المشترى قبل قبضه عد بذلك قابضا له ولزمه الثمن، وإلى هذا ذهب الحنفية (27) وفى استيفاء أحكاما هذا الموضوع وتفصيلها يرجع إلى مصطلح تلف المبيع فى مصطلح بيع.
إتلاف الرهن فى يد المرتهن
إن كان من أجنبى فهو اعتداء على مال الغير يوجب ضمانه بمثله أو بقيمته علي حسب ما سبق بيانه ويكون بدله رهنا مكانه وكذلك إن كان من المرتهن لأن " المرتهن بالنسبة إليه غير مالك فكان ذلك منه اعتداء على مال الراهن يوجب عليه ضمانه بمثله أو بقيمته وبذلك يصير المرتهن مدينا للراهن بذلك مع كونه دائنا له من قبل وفى تفرقى الدينين، وأحكام ذلك تفصيل يرجع إليه فى أحكام اعتداء المرتهن على الرهن " مصطلح رهن ".
أما إن كان الإتلاف من الراهن فإنه بعد اعتداء على مال له تعلق به حق المرتهن من ناحية أنه قد صار بعقد الرهن ضمانا لدينه وتوثيقا له ومحلا لاستيفائه منه واختصاصه به عند التنازع فوجب لذلك ضمانه ليكون ضمانه رهنا فى يد المرتهن والى هذا ذهب الحنفية (28) وفى تفصيل أحكام ذلك يرجع إلى مصطلح رهن " هلاكه".
إتلاف المسلط على المال
إتلاف الأجير لما في يده
من مال مؤجره:
الأجير إن كان خاصا فهو أمين فلا ضمان عليه إلا بالتعدى أو بالتقصير عند جميع المذاهب ومع هذا فما يتلف من مال مؤجره بعمله يضمنه، إن كان فيه مقصرا تجاوز الحد المألوف المعروف المأذون فيه بحكم العرف والعادة وإلا لم يضمن.
وفى الدر المختار: ولا يضمن الأجير الخاص ما هلك بعمله كتخريق الثوب من دقة فى القصارة إلا إذا تعمد الفساد (29).
وإن كان مشتركا ضمن ما يتلف بعمله لأنه إنما أذن بالعمل المصلح المؤدى إلى المقصود من العقد وهو المعقود عليه حقيقة لا المؤدى إلى التلف، ألا ترى أن ذلك العمل لو حصل بفعل الغير يجب به الأجر وعلى ذلك لم يكن المفسد مأذونا فيه فيجب فيه الضمان.
وذهب زفر إلى أنه لا ضمان عليه لأنه أمر بالفعل مطلقا فينتظم العمل بنوعية المعيب والسليم كالأجير الخاص وإلى هذا ذهب الحنفية(30).
وفى تفصيل أحكام هذا الموضوع وبيانها فى المذاهب يرجع إلى مصطلح ضمان "أجير فى الإجارة "
الإتلاف بالسراية
ومثالها فى الجرح حدوث مضاعفات غير منتظرة تؤدى إلى التلف.
مذهب الحنفية:
قال صاحب الهداية: وإذا فصد الفصاد أو بزغ البزاغ(البيطار،وهو الخاص بالبهائم) ولم يتجاوز الموضع المعتاد فلا ضمان عليه فيما عطب من ذلك، وفى الجامع الصغير. بيطار بزغ دابة بدانق فنفقت أو حجام حجم عبدا بأمر مولاه فمات فلا ضمان عليه.
قال صاحب الهداية: ووجهه أنه لا يمكنه التحرز عن السراية لأنه يبتنى ، على قوة الطبائع وضعفها فى تحمل الألم فلا يمكن التقيد بالمصلح من العمل، ولا كذلك دق الثوب ونحوه لأن قوة الثوب ورقته تعرف بالاجتهاد، فأمكن القول بالتقييد.
وقال صاحب الدر المختار: ولا ضمان على حجام و بزاغ و فصاد لم يجاوز الموضع المعتاد، فان جاوز المعتاد ضمن الزيادة كلها اذا لم يهلك المجنى عليه وان هلك ضمن نصف دية النفس لتلفها، بمأذون فيه وغير مأذون فيه.
ثم فرع عليه بقوله فلو قطع الختان الحشفة وبرئ المقطوع تجب عليه دية كاملة لأنه لما برئ كان عليه ضمان الحشفة وهى عضو كامل كاللسان، وأن مات فالواجب علية نصفها لحصول تلف النفس بفعلين:
أحدهما مأذون فيه وهو قطع الجلدة، والآخر غير مأذون فيه وهو قطع الحشفة فيضمن النصف (31).
مذهب المالكية:
قال المالكية: ما يتلف بالسراية إن كان بسبب مأذون فيه ولا جهل فيه ولا تقصير فلا ضمان، فان حدث عن جهل أو تقصير أو لم يؤذن له بمزاولة ذلك العمل وجب الضمان.
قال فى التاج والإكليل هامش الحطاب (32).
فى كتاب موجبات الضمان والنظر فى ضمان سراية الفعل، قال أبن القاسم: لا ضمان على طبيب وحجام وخاتن وبيطار إن مات حيوان بما صنعوا به إن لم يخالفوا وضمن ما سرى كطبيب جهل أو قصر، ومثل الطبيب الخاتن والبيطار كلما يضمن لو بلا إذن معتبر.
ونقل التاج و الإكليل قول المدونة: من أرسل فى أرضه نارا أو ماءا فوصل إلى أرض جاره فأفسد زرعه فإن كانت أرض جاره بعيدة يؤمن أن يوصل ذلك إليها فتحاملت النار بريح أو غيره فاحترقت فلا شئ عليه وأن لم يؤمن من ذلك لقربها فهو ضامن.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: الإتلاف بالسراية إذا كان ناشئا عن جناية كان مضمونا ولا ضمان إذا كان بسبب مأذون فيه ولم يحدث خطأ وكان ذا علم بما يمارسه.
قال صاحب نهاية المحتاج. فإن جنى عليه بتعد وهو بيد مالكه أو من يخلفه وتلف بسراية من تلك الجناية فالواجب أقصى القيمة من وقت الجناية إلى التلف لأن ذلك إذا وجب فى اليد العادية ففى الإتلاف أولى (33).
وقال صاحب نهاية المحتاج (34): ومن عالج كأن حجم أو فصد بإذن ممن يعتبر إذنه فأفضى إلى تلف لم يضمن وإلا لم يفعله أحد ولو أخطأ الطبيب فى المعالجة وحصل منه التلف وجبت الدية على عاقلته وكذا من تطبب بغير علم كما قاله فى الأنوار لخبر من تطبب ولم يعرف الطب فهو ضامن.
مذهب الحنابلة:
لا ضمان لما تلف بسبب السراية إذا حذقت الصنعة ولم يحدث تفريط وإلا ضمن قال فى المغنى والشرح الكبير (35): وإذا فعل الحجام والختان والمتطبب ما أمروا به لم يضمنوا بشرطين أحدهما أن يكونوا ذوى حذق فى صناعتهم ولهم بها خبرة ومعرفة لأنه اذا لم يكن كذلك لم يحل له مباشرة القطع وإذا قطع مع هذا كان فعلا محرما فيضمن سرايته كالقطع ابتداء ، الثانى ألا تجنى أيديهم فيتجاوزوا ما ينبغى إن يقطع فإذا وجد هذان الشرطان لم يضمنوا لأنهم قطعوا قطعا مأذونا فيه فلم يضمنوا سرايته كقطع الإمام يد السارق فإما إن كان حاذقا وجنت يده مثل إن تجاوز قطع الختان إلى الحشفة أو إلى بعضها أو قطع فى غير محل القطع أو فى وقت لا يصلح فيه القطع وأشباه هذا ضمن فيه كله لأنه إتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ فأشبه إتلاف المال ولأن هذا فعل محرم فيضمن سرايته كالقطع ابتداء.
مذهب الزيدية:
التلف الحادث عن سراية لا ضمان فيه إذا كان الفعل معتادا وحدث من حاذق بصير. فقد جاء فى شرح الأزهار (36): لا أرش للسراية عن المعتاد من بصير فإذا استؤجر الخاتن أو نحوه فحصل مضرة من عمله لم يضمن بشروطـ ثلاثة:
الأول: أن يكون عن سراية ، فلو كانت عن مباشرة نحو إن يقطع حشفة الصبى ضمن عمدا كان أو خطأ.
الشرط الثانى: أن يفعل المعتاد، فلو فعل غير المعتاد ضمن.
الشرط الثالث: أن يكون بصيراً، فلو كان متعاطبا ، أى غير متدرب، ضمن.
أو إذا كان الفعل جناية وسرت الى ذى مفصل وجب القصاص اذا توافرت شروطه وبالعكس يسقط القصاص.
قال فى شرح الأزهار (37): يجب القصاص بالسراية إلى ما يجب فيه فلو جرح إنسان فى غير مفصل ثم سرت الجناية إلى ذى مفصل فأتلفته وجب القصاص ويسقط بالعكس.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية (38): الطبيب يضمن فى ماله ما يتلفه بعلاج نفسا وطرفا لحه ميل ائتلفه المستند الى فعله وأن احتاط واجتهد وأذن المريض.
وقال ابن إدريس لا يضمن مع العلم والاجتهاد للأصل ولسقوطه بإذنه ولأنه فعل سائغ شرعا فلا يستصحب ضمانا.
وقد روى أن أمير المؤمنين ضمن ختانا قطع حشفة غلام ولو أبرأه المعالج من الجناية قبل وقوعها فالأقرب الصحة لمسيس الحاجة إلى مثل فى لك إذ لا غنى عن العلاج وإذا عرف الطبيب أده لا مخلص له عن الضمان توقف عن العمل مع الضرورة إليه فكان من الحكمة شرع الإبراء دفعا للضرورة ولرواية السكونى عن أبى عبد الله قال: قال أمير المؤمنين: من تطبب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليه وإلا فهو ضامن، وإنما ذكر الولى لأنه هو المطالب على تقدير التلف، فلما شرع الإبراء قبل الاستفزاز صرف إلى من يتولى المطالبة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل (39): الطبيب والختان والبيطار وخالع الضرس و الحجام لا ضمان عليهم إن لم يتعدوا وإن أخطأوا فالدية على العاقلة، وفى نفس المصدر (40) قال: ولزم طبيبا و خاتنا و حجاما. وبيطارا أو نحوهم أن تلف أحد بمعالجتهم قود أن زادوا على ما أمروا به فى الطب والصناعة، وقيل لا قود بل الدية وإن لم يزيدوا فلا قود ولا دية ، وقيل القود فيمن عالج الطب أو الختن أو نحو ذلك ولم يتقنه ولو لم يزد على ما أمر وجاء فى شرح النيل (41): ما فعله بمداواة أو معالجة حيث جاز له كقطع و كى وفصد وختن وبيطرة إذا أخطأ فى ذلك فنتج عنه هلاك فيلزمه الضمان لا الإثم وقيل يلزم العاقلة وقيل بيت المال وقيل فى خطأ الختان لا ضمان ولا أثم.
إتلاف المغصوب له ينظر " غصب ".
ضمان المتلفات بعد غصبها
وبيان القيمة الواجبة ووقتها
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار (42): ويجب رد مثل المغصوب أن هلك وهو مثلى وأن أنقطع المثل بأن لا يوجد فى السوق الذى يباع فيه وإن كان يوجد فى البيوت فقيمته يوم الخصومة أى وقت القضاء. وعند أبى يوسف يوم الغصب، وعند محمد يوم الانقطاع ورجحه تهستانى ، وتجب القيمة فى القيمى يوم غصبه إجماعا.
 
مذهب المالكية:
جاء فى كتاب " بلغة السالك لأقرب المسالك " (43): وضمن الغاصب بالاستيلاء مثل المثلى وقيمة المقوم من عرض أو حيوان وقيمة ما ألحق بالمقوم من المثليات
وقال: وأما الكلب غير المأذون فيه فلا قيمة له، ومثل الغاصب- من أتلفها أو عيبها". قال: أى هذه المذكورات المتقدمة.
لكن فى الإتلاف يلزم القيمة بتمامها إن كان مقوما والمثل إن كان مثليا.
وقال فى نفس المصدر (44): الموهوب له يرجع عليه بمثل المثلى وقيمة المقوم وتعتبر القيمة يوم الجناية، وأما الغاصب فيوم الغصب.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج (45): ما يأتى: تضمن نفس الرقيق بقيمته بالغة ما بلغت تلف أو أتلف تحت يد عادية، وسائر الحيوان بالقيمة وأجزاؤه بما نقص منها، وغير الحيوان من الأموال مثلى و متقوم ، فيضمن المثلى بمثله ما لم يتراضيا على قيمته، فإن تعذر المثل فالقيمة.
والأصح أن المعتبر أقصى قيمة من وقت الغصب إلى تعذر المثل، أما لو كان المثل فيها مفقودا عند التلف فيجب الأكثر من الغصب إلى التلف.
قال: و مقابل الأصح عشرة أوجه.
الوجه الثانى: يعتبر الأقصى من الغصب إلى التلف.
والثالث من التلف إلى التعذر.
والرابع: الأقصى من الغصب إلى تغريم القيمة والمطالبة بها.
والخامس: الأقصى من انقطاع المثل إلى المطالبة.
والسادس: الأقصى من التلف إلى المطالبة.
والسابع: الاعتبار بقيمة اليوم الذى تلف فيه المغصوب.
والثامن: بقيمة يوم الأعواز.
والتاسع: بقيمة يوم المطالبة.
والعاشر: إن كان منقطعا فى جميع البلاد فالاعتبار بقيمة يوم الإعذار ، و إن فقد فى تلك البقعة فالاعتبار بيوم الحكم بالقيمة قال (46): وأما المتقوم فيضمنه بأقصى قيمة من الغصب إلى التلف، وفى الإتلاف بقيمة يوم التلف.
مذهب الحنابلة:
قال فى المغنى والشرح الكبير (47): قال القاضى: ولم أجد عن أحمد رواية بأن المغصوبات تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار، فعلى هذا تضمن بقيمتها يوم التلف، رواه الجماعة عن أحمد وعنه أنها تضمن بقيمتها يوم الغضب لأنه الوقت الذى أزال يده عنه فيلزمه القيمة حينئذ كما لو أتلفه.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار (48) قوله: وإذا تلف المغصوب وجب على الغاصب فى تالف
المثلى مثله إن وجد فى ناحيته، وألا يوجد المثل فى الناحية فقيمته يوم الطلب، وصح للغاصب تملكه، فان لم يصح للغاصب تملكه نحو أن يغصب حرا على ذمى فقيمته تجب عليه يوم الغصب.
ثم قال: وأما إذا كان التالف قيميا فالواجب قيمته يوم الغصب لا يوم التلف.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية قوله (49): " ويجب رد المغصوب ما دامت العين باقية يمكنه
ردها سواء كانت علي هيئتها يوم غصبها أم زائدة أم ناقصة، فان تعذر رد العين لتلف ونحوه ضمنه الغاصب بالمثل إن كان المغصوب مثليا، وإلا يكن مثليا فالقيمة العليا من حين الغصب إلى حين التلف.
وقيل يضمن الأعلى من حين الغصب إلى حين الرد، أى رد الواجب وهو القيمة، وهذا القول مبنى على أن القيمى يضمن بمثله كالمثلى، وإنما ينتقل إلى القيمة عند دفعها لتعذر المثل فيحسب أعلى القيم إلى حين دفع القيمة لأن الزائد فى كل آن سابق من حين الغضب مضمون تحت يده.
وقيل إنما يضمن بالقيمة يوم التلف لا غير لأن الواجب زمن بقائها أنما هو رد العين والغاصب مخاطب بردها حينئذ زائدة كانت أم ناقصة من غير ضمان شىء من النقص إجماعا.
فإذا تلفت وجبت قيمة العين وقت التلف لانتقال الحق إليها حينئذ لتعذر البدل.
ونقل المحقق فى الشرائع عن الأكثر أن المعتبر القيمة يوم الغصب بناء على أنه أول وقت ضمان العين.
إتلاف مال الغير
إتلاف الخير والخنزير
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار (50): خصر المسلم وخنزيره بأن أسلم وهما فى يده إذا أتلفهما مسلم أو ذمى نر ضمان، وضمن. المتلف المسلم قيمتهما لذمى لأن الخمر فى حقنا قيمى حكما...
قال ابن عابدين: أما الذمى فيضمن مثل الخمر وقيمة الخنزير، وقال نقلا عن الكافى: إذا أتلف المسلم الخنزير علي ذمى فلا ضمان عليه عنده خلافا لهما.
مذهب الشافعية:
قال صاحب نهاية المحتاج (51): ولا تضمن الخمر المغصوبة ولو محترمة لذمى لانتفاء قيمتها كسائر النجاسات ولا تراق على ذمى ألا أن يظهر شربها أو بيعها أو هبتها أو نحو ذلك، ولو من مثله بأن يطلع عليه من غير تجسس، وتراق عليه، وآلة اللهو والخنزير مثلها فى ذلك.
قال الإمام: وبأن يسمع الآلة من ليس فى دارهم، أى محلتهم ومحله حيث كانوا
بين أظهرنا وإن انفردوا بمحلة من البلد، فإن انفردوا ببلد أى بأن لم يخالطهم مسلم كما هو ظاهر لم تتعرض لهم وترد عليه عند أخذها ولم يظهرها إن بقيت العين لإقراره عليها، وكذا المحترمة وهى التى عصرت لا بقصد الخمرية فشمل ما لو لم يقصد شيئا على الأصح أو قصد الخلية أى صيرورتها خلا.
ثم قال المؤلف: وقولهم على الغاضب إراقة الخمر محمول على ما لو كانت بقصد الخمرية لعدم احترامها و إلا فلا يجوز أراقتها.
وقال: إذا غصبت من مسلم يجب ردها ما دامت العين باقية إذ له إمساكها لتصير خلا، أما غير المحترمة وهى ما عصر بقصد الخمرية فتراق ولا ترد عليه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير (52): وإن غصب خمر ذمى لزمه ردها لأنه يقر على شربها فإن أتلفها لم يلزمه قيمتها سواء أتلفه مسلم أو ذمى وسواء كان لمسلم أو ذمى نص عليه أحمد فى رواية أبى الحارث فى الرجل يهريق مسكرا لمسلم أو لذمى فلا ضمان عليه وكذا الخنزير.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزها قوله (53): ومن كسر إناء فضة أو ذهب فلا شئ عليه وقد أحسن، لنهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وكذلك من أهرق خمراً المسلم
أو لذمى إذ لا قيمة للخمر، وقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعها وأمر بهرقها فما لا يحل بيعه ولا ملكه فلا ضمان عليه.
وقال (54): لا يحل كسرونى الخمر ومن كسرها من حاكم أو غيره فعليه ضمانها لكن تهرق وتغسل الفخار.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار (55): ويجب أن يريق خمرا رآها له أو لمسلم غيره.
قال فى الحاشية: أو لذمى غير مقرر أى إذا كان فى بلد ليس لهم سكناها ولو كان ابتداء عصرها وقع بنية الخل لكنه كشف. الغطاء فوجده لم تكتمل خليته بل هو خمر فإنه يلزمه إراقته "، ولو كان عصره بنية الخمر ثم لم يشاهده خمرا فإنه يلزمه إراقته.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية (56): إذا أتلف كلب الصيد ففى ذلك أربعون درهما على الأشهر، وقيل الواجب فيه قيمته كغيره من الحيوان، وفى كلب الحراسة عشرون درهما
أو قيمته، ولو أتلف الخنزير ضمن للذمى مع الاستتار به بقيمته عند مستحله إن أتلفه وأرشه كذلك أن أعابه وكذا لو أتلف المسلم على الذمى المستتر خمرا أو آلة
لهم مع استتاره بذلك ، فلو أظهر شيئا منهما فلا ضمان على المتلف مسلما كان أم كافرا فيهما "..
مذهب الإباضية:
إتلاف خمر الذمى الذى لم يظهرها يوجب الضمان، فإن أظهرها فلا ضمان على متلفها.
جاء فى شرح النيل قوله: وان أفسد لذمى ضرا لم يظهرها فإن ذلك غصب، ويغرم له قيمتها، وإن أظهرها فلا شىء على مفسدها وليس ذلك غصبا (57).
إتلاف النجاسات المنتفع بها:
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار (58): وفى الأشباه الفحم واللحم ولو نيئا، والأجر قيمى، وفى حاشيتها لابن المصنف هنا، وفيما يجلب التيسير معزيا للفصولين وغيره، وكذا الصابون والسرقين والورق و الإبرة و الإهاب والجلد والدهن المتنجس ، مضمون بالقيمة.
وقال (59) فى نفس المصدر: ولا ضمان فى ميتة ودم أصلا ولو لذمى إذ لا يدين بتمولها أحد من أهل الأديان، وهذا فى الميتة حتف أنفها لأن ذبيحه المجوسى و مخنوقته و موقوذته يجوز بيعها عند أبى يوسف خلافا لمحمد، فينبغى أن يجب الضمان وجزم به فى الكفاية ابن عابدين.
وقال (60): ولا ضمان بإتلاف الميتة ولو لذمى ولا بإتلاف متروك التسمية عمدا ولو لمن يبيحه كشافعى لأن ولاية المحاجة ثابتة.
مذهب الشافعية:
النجاسات عندهم غير مضمونة، قال فى نهاية المحتاج: ولا تضمن الخمر ولو محترمة لذمى لانتفاء قيمتها كسائر النجاسات، ومثل ذلك الدهن والماء إذا تنجسا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى (61) ما يلى: " وإن أتلفه الخمر أو تلفت عنده لم يجب ضمانها، لما روى أبن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ".
ولأن ما حرم الانتفاع به لم يجب ضمانه كالميتة والدم.
وقال فى المصدر نفسه (62) إذا أتلف جلد الميتة أو أتلف ميتة بجلدها لم يضمن لعدم التقوم ، لعدم حل البيع فى هاتين الحالتين، وقال: وإن أتلف كلبا يجوز إقتناؤه لم يغرمه.
مذهب الزيدية:
قال فى شرح الأزهار (63): "و المتنجس وهو الذى عينه طاهرة فطراً عليها نجاسة فهو أما متعذر الغسل، كالمائعات من ماء وسمن ونحوها فرجس حكمه حكم نجس العين فى تحريم الانتفاع به وعدم جواز بيعه، لكن يراق "
قال فى الهامش: ندبا، وقيل وجوبا، وهذا يفيد عدم الضمان بالإتلاف.
إتلاف آلات اللهو وصليب الذمى ونحوها وطيل الغزاة ودف العرس
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار: وضمن بكسر معزف قيمته خشبا منحوتا صالحا لغير اللهو.
قال ابن عابدين: وصح بيع هذه الأشياء لأنها أموال متقومة لصلاحيتها للانتفاع بها لغير اللهو فلم تناف الضمان بخلاف الخمر فإنها حرام لعينها.
وقال: وضمن اتفاقا لو كسر صليب ذمى قيمته بالغة ما بلغت لأنه مال متقوم فى حقه.
وقال: وأما طبل الغزاة والصيادين والدف الذى يباح ضربه فى العرس فمضمون اتفاقا، ومثل ذلك كبش نطوح وحمامة طيارة وديك مقاتل حيث يجب قيمتها غير صالحة لهذا الأمر (64).
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والأكليل هامش الحطاب (65) قوله من شروط المسروق أن يكون محترما فلا قطع على سارق الخمر والخنزير ولا على سارق الطنبور من الملاهى والمزامير والعود وشبهه من آلات اللهو ألا إن يكون فى قيمة ما يبقى منها بعد إفساد صورتها وإذهاب المنفعة المقصودة بها ربع دينار فأكثر. وهذا يفيد وجوب ضمان قيمته بإتلافه.
 
مذهب المالكية:
جاء فى التاج و الإكليل (1001): وإن تصادما أو تجاذبا مطلقا قصدا فماتا أو إحداهما فالقود - قال مالك: إذا اصطدم فارسان فمات الفرسان والراكبان فدية كل واحد على عاقلة الآخر وقيمة فرس كل واحد فى مال الأخر. وقال مالك فى السفينتين تصطدمان فتغرق إحداهما بما فيها فلا شىء فى ذلك على أحد لأن الريح تغلبهم إلا من يعلم إن النواتية لو أرادوا صرفها قدروا فيضمنوا وإلا فلا شىء عليهم. وقال ابن الحاجب لو اصطدمت فارسان عامدا فأحكام- القصاص وإلا فعلى عاقلة كل واحد دية الأخر ثم قال فان أصطدم سفينتان فلا ضمان بشرط العجز عن التصرف والمعتبر العجز حقيقة لا لخوف غرق أو ظلمة.
وقال ابن شاش: ولو تجاذبا حبلا فانقطع فتلف فكاصطداهما وإن وقع أحدهما على شئ فأتلفه ضمناه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير (1002): وإذا اصطدم الفارسان فماتت الدابتان ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر- وجملته أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ما تلف
من الأخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانا مقبلين أو مدبرين فإن كان أحدهما يسير والآخر واقف فعلى السائر قيمة دابة الواقف لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه وإن مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته.
وقال: " وإن تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر " قال (103): ولا فرق بين البصيرين والأعميين والبصير والأعمى.. وإن كانتا امرأتين حاملتين فهما كالرجلين فإن أسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة نصفه ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لأنهما اشتركتا فى قتله وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتهما فى الجنين. وفى تصادم السفينتين قال: وإذا وقعت السفينة المنحدرة على الصاعدة فغرقتا فعلى المنحدرة قيمة السفينة الصاعدة أو أرش ما نقصت أن أخرجت إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح فلم يقدر على ضبطها (104) وإن كانت إحدى السفينتين قائمة والأخرى سائرة فلا ضمان على الواقفة وعلى السائرة ضمان الواقفة إن كان مفرطا ولا ضمان عليه إن لم يفرط (105).
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى كتابه المحلى بعد إن بين حكم المقتتلين (106).
وأما المصطدمان راجلين أو على دابتين أو السفينتان يصطدمان فإن السفينتين إذا اصطدمتا بغلبة ريح أو غفلة فلا شىء. فى ذلك أنه لم يكن من الركبان فى ذلك عمل أصلا ولم يكسبوا على أنفسهم شيئا. وأموالهم وأموال عواقلهم محرمة إلا بنص أو إجماع. فان كانوا تصادموا وحملوا وكل أهل سفينة غير غارقة بسكان الأخرى لكن فى ظلمة لم يروا شيئا فهذه جناية والأموال مضمونة لأنهم تولوا إفسادها وقال تعالى: " وجزاء سيئة سيئة مثلها (107) ".
وأما الأنفس فعلى عواقلهم كلهم لأنه قتل خطأ وإن كانوا تعمدوا فالأموال مضمونة كما ذكرنا وعلى من سلم منهم القود أو الدية كاملة. والقول فى الفارسين أو الراجلين يصطدمان كذلك وكذلك وأيضا الرماة بالمنجنيق تقسم الدية علية وعليهم وتؤدى عاقلته و عاقلتهم ديته سواء وكذلك القول فى المتصارعين والمتلاعبين ولا فرق.
وأما من سقط من علو على إنسان- فماتا جميعا أو مات الواقع أو الموقوع عليه فإن الواقع هو المباشر لإتلاف الموقوع عليه بلا شك وبالمشاهدة لأن الوقعة قتلت الموقوع عليه ولم يعمل الموقوع عليه شيئا فدية الموقوع عليه أن هلك على عاقلة الواقع إن لم يتعمد الوقوع عليه لأنه قاتل خطأ فإن تعمد فالقود واقع عليه إن سلم أو الدية وكذلك الدية فى ماله إن مات الموقوع عليه قبله فإن ماتا معا أو مات الواقع قبله فلا شئ فى ذلك لما ذكرنا من أن الدية إنما تجب بموت المقتول المجنى عليه لا قبل ذلك (108).
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية قوله(109):
" والصادم لغيره يضمن فى ماله دية المصدوم لاستناد التلف إليه مع قصده الفعل ولو مات الصادم فهدر لموته بفعل نفسه أن كان المصدوم فى ملكه أو مباح أو طريق واسع- ولو وقف المصدوم فى موضع ليس له الوقوف فيه فمات الصادم بصدمة ضمن المصدوم الصادم لتعديه بالوقوف فيما ليس له الوقوف فيه. إذا لم يكن له -أى للصادم مندوحة فى العدول عنه كالطريق الضيق. قال: ولو تصادم حران فماتا فلورثة كل واحد منهما نصف ديته ويسقط النصف لاستناد موت كل منهما إلى سببين: أحدهما من فعله والأخر من غيره فيسقط ما قابل بل فعله وهو النصف ولو كانا فارسين كان على كل منهما نصفه قيمة فرس الأخر مضافا إلى نصف الدية ".
إتلاف مرخص فيه.
قال صاحب الدر المختار فى كتاب الإكراه- ويرخص للمكره إتلاف مال مسلم أو ذمى بقتل أو قطع ويؤجر لو صبر أنظر (إكراه)
إتلاف بعض ما فى السفينة
لتنجو من الغرق
مذهب الحنفية:
قال صاحب الدر المختار فى كتاب القسمة " ولو خيف الغرق فاتفقوا على إلقاء أمتعة فالغرم بعدد الرءوس لأنها لحفظ الأنفس ".
قال ابن عابدين فى حاشيته " يفهم منه أنهم إذا لم يتفقوا على الإلقاء. لا يكون كذلك بل على الملقى وحده وبه صرح الزاهدى فى حاويه. قال رامزا أشرفت السفينة على الغرق فألقى بعضهم حنطة غيره فى البحر حتى خفت يضمن قيمتها فى تلك الحال أى يضمن قيمتها مشرفة على الغرق.0 ثم قال الرملى: ويفهم منه أنه لا شىء على الغائب الذى له مال فيه ولم يأذن بالإلقاء فلو أذن بأن قال إذا تحققت هذه الحالة فألقوا اعتبر إذنه.
قال ابن عابدين نقلا عن الرملى على الأشباه وأقره الحموى. يجب تقييد القول بأن الغرم بعدد الرءوس بما إذا قصد حفظ الأنفس خاصة كما يفهم من تعليله. أما إذا قصد حفظ الأمتعة فقط كما إذا لم يخش على الأنفس وخشى على الأمتعة بأن كان الموضع لا تغرق فيه الأنفس وتتلف فيه الأمتعة فهى على قدر الأموال.
وإذا خشى على الأنفس والأموال فألقوا بعد الاتفاق لحفظهما فعلى قدرهما. فمن كان غائبا وأذن بالإلقاء اذا وقع ذلك أعتبر ماله نفسه ومن كان بنفسه حاضرا بماله أعتبر ماله ونفسه ومن كان بنفسه فقط أعتبر نفسه فقط (110).
مذهب الشافعية:
قال صاحب نهاية المحتاج (111): " ولو أشرفت سفينة بها متاع على غرق وخيف غرقها بما فيها جاز عند توهم النجاة طرح متاعها حفظا للروح. ويجب طرح ذلك لرجاء نجاة الراكب بشرط أذن المالك فى حالة

__________

(1) البدائع ج7 ص164 الطبعة الأولى
(2) ج2 ص291 طبعة 1324
(3) ابن عابدين ج2 ص296.
(4) المرجع السابق ص 296، 297.
(5) بهامش الحطاب ج3 ص 171 ، 174.
(6) ج3 ص176 ، 173 هامش الحطاب.
(7) ج3 ص 333.
(8) ج 2 ص 358، 530، 538،40 5، 360.
(9) المحلى لابن حزم ج7 ص214 الى 219 مسألة رقم 876،877، 878.
(10) المحلى ج7 ص 232 مسألة880.
(11) المحلى ج7 ص235 مسألة 883.
(12) شرح الأزهار ج2 من ص94 إلى 96.
(13) ج 1 ص181.
(14) ج1 ص206.
(15) ج1 ص208.
(16) ج1 ص213.
(17) شرح النيل ج1 ص331.
(18) ج 2 ص 297.
(19) الخطاب ج 3 ص8 7 1، 179.
(20) ج3 ص 342.
(21) ج 3 ص 343.
(22) ج4 ص 247.
(23) ج 3 ص 368، 367.
(24) ج2 ص 104،105.
(25) ج ا ص 212،213.
(26) ج ا ص 338.
(27) الدر المختار وحاشيته ج4، ص 68.
(28) الهداية ج4 ص 109.
(29) ابن عابدين ج5 ص 59، 60.
(30) الهداية ج 3 ص 179.
(31) ابن عابدين ج 5 ص 58.
(32) ج6 ص 220، 321.
(33) ج4 من كتاب الغصب.
(34) ج 7 ص183، 184.
(35) ج 6 ص 120، 121.
(36) ج 3 ص 283، 286.
(37) ج40 ص 387.
(38) ج2 ص418.
(39) ج5ص162.
(40) ج8ص119.
(41) أبن عابدين ج5 ص126.
(42) ج2 ص197 ،198.
(43) ص 201.
(44) ج5 ص 161، 162.
(45) ص 165.
(46) ج5ص421.
(47) ج3 ص546 ،549.
(48) ج2 ص 232، 233.
(49) حاشية ابن عابدين ج5 ص182.
(50) ج 4 ص 122 ، 123.
(51) ج5 ص376.
(52) ج8 ص147 مسألة 1266.
(53) المحلى ج7 ص511 مسألة 1104.
(54) ج4 ص588.
(55) ج 2 ص 449.
(53) ج 7 ص 57.
(54) ابن عابدين ج5 ص 127.
(55) ص154.
(56) ص146.
(57) المغنى والشرح الكبيرج5 ص377.
(58) ص445.
(59) ج 1ص 42 ،43.
(60) ابن عابدين ج5 ص 185
(61) ج 7 ص 307.
(62) نهاية المحتاج باب الغصب ج4 ص 123.
(63) ج ه ص 445.
(64) ج 9 ص 55 مسألة 1565.
(65) ج 4 ص 589.
(66) الروضة البهية ج 2 ص 449.
(67) ج 7 ص 168 الطبعة الأولى.
(68) الخطاب ج6 ص 279 باب الباغية.
(69) ج7 ص 116.
(70) ج 10 ص 60، 61 الطبعة الأولى.
(71) ج11 ص 107 مسألة 2155 الفقرة الخامسة.
(72) شرح الأزهار ج4 ص 558.
(73) ج1 ص 158.
(74) ج7 ص341.
(75) ج 5ص 125.
(76) ج 7 ص 162
(77) ج 7 ص 77.
(78) ج3 ص 440.
(79) ابن عابدين ج 5 ص 534.
(80) الحطاب ج 6 ص 323.
(81) ج 7 ص 188.
(82) ج 7 ص 186.
(83) ج 7 ص 187.
(84) ج7 ص188.
(85) ج7 ص188.
(86) ج7 ص190.
(87) ج10 ص 357.
(89) ج5 المغنى ص455.
(90) المغنى والشرح الكبير ج10 ص358.
(91) ج8 ص 146 مسألة 1265.
(92) المحلى ج 11 ص 5،6 مسألة 2106.
(93) شرح الأزهار ج4 ص 441.
(94) ج4 ص 427 من شرح الأزهار.
(95) ج2 ص 449 ،450.
(96) ج7 ص79
(97) حاشية ابن عابدين ج5 ص 483
(98) ابن عابدين ج5 ص 532، 533.
(99) بهامش الحطاب ج6 ص 243.
(100) ج 10 ص 359.
(101) ج 10 ص 359، 360.
(102) ص 361.
(103) ص 362.
(104) ج 10 ص 501 مسألة 2087
(105) سورة الشورى آية 40.
(106) المحلى ج10 ص 502، 503، 506.
(107) ج2 ص 420
(108) ج5 ص188.
(109) ج 7 ص 89.
 
إثبات

تعريف الإثبات:
فى اللغة:
فى المصباح: ثبت الشىء يثبت ثبوتا: دام وأستقر، فهو ثابت. وثبت الأمر: صح 0 ويتعدى بالهمزة والتضعيف. وثبت فى الحرب فهو ثبيت مثل قرب فهو قريب، والاسم ثبت، ومنه قيل: للحجة ثبت. وفى المختار: ثبت الشىء من باب دخل وثباتا أيضا. وأثبته غيره وثبته. وتقول: لا أحكم بكذا إلا بثبت : أى إلا بحجة 0
فالإثبات على هذا تقديم الثبت: أى الحجة كالإتحاف تقديم التحفة.
فى الاصطلاح:
يؤخذ من استعمال الفقهاء أن الإثبات بمعناه العام : إقامة الدليل على حق أو على واقعة من الوقائع، وبمعناه الخاص: إقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التى حددتها الشريعة على حق أو على واقعة معينة تترتب عليها آثار.
آراء الفقهاء فى الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى:
للعلماء فى بيان الحجج الشرعية التى تثبت بها الدعوى طريقان:
الأول: حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من أدلة يتقيد بها الخصوم فلا يقبل منهم غيرها. ويتقيد بها القاضى فلا يحكم إلا بناء عليها، وهذا هو رأى الجمهور من العلماء..
جاء فى " الدر المختار" و" حاشية رد المحتار" لابن عابدين: أن طرق القضاء سبعة: البينة، والإقرار، واليمين، والنكول عنه، والقسامة، وعلم القاضى، والقرينة الواضحة التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به (1)
والثانى: عدم تحديد طرق معينة للإثبات يتقيد بها الخصوم أو القاضى 0 بل للخصوم أن يقدموا من الأدلة ما يستطيعون به إقناع القاضى بصحة دعواهم 0 وللقاضى أن يقبل من الأدلة ما يراه منتجا فى الدعوى ومثبتا لها، ومن أكبر أنصار هذا الرأى، العلامة ابن القيم، فقد قال (2) : " إذا ظهرت أمارات العدل، وأسفر وجهه بأى طريق كان، فثم شرع الله ودينه، فأى طريق استخرج بها العدل والقسط فهى من الدين وليست مخالفة له ".
ومع اتفاق جمهور العلماء على حصر طرق الإثبات فى طائفة معينة من الأدلة فإنهم لم يتفقوا على أنواع هذه الأدلة، فبعضهم يعتبر كلا من اليمين والنكول عنه طريقا للقضاء، وبعضهم لا يعتبره طريقا له.. وقد يتفقون على اعتبار نوع من الأدلة طريقا للقضاء ، ولكنهم يختلفون فى نطاق الاستدلال به كشهادة الشاهدين رجلين أو رجل وامرأتين، أجمعوا على أنها طريق للقضاء، ولكنهم اختلفوا : هل تكون فى مسائل الأموال والمعاملات فقط أو فيما عدا الحدود والقصاص من الأموال والنكاح والطلاق 0
والأدلة التي تردد ذكرها فى كتب الفقه كطرق للقضاء أو أدلة يمكن إثبات الدعوى بها بين متفق عليه ومختلف فيه منها ، هى : الإقرار، والشهادة، واليمين، و الشاهد واليمين، والنكول، وعلم القاضى، والقرينة، والخط والقسامة، والقيافة، و القرعة، و الفراسة.
وسنتكلم على كل واحد منها بالترتيب الذى أوردناه.
الإقرار:
الإقرار: إخبار الشخص بثبوت حق للغير على نفسه ولو كان هذا الحق سلبيا، أى بطريق النفى كإقراره بأن لا حق له على فلان، فإنه يثبت للمقر له على المقر حق عدم مطالبته بشىء من الحقوق.
مذهب الحنفية:
والإقرار عند الحنفية: يكون باللفظ وبالإشارة المفهمة من غير القادر على التلفظ كالأخرس. ومعتقل اللسان إذا طال أمده وثبتت له إشارة، وبالكتابة،وبالسكوت كسكوت الوالد بعد تهنئة الناس له بالولد بعد الولادة يكون إقرارا منة بنسبه ، وسكوت الزوجة والولد والأجنبى عند بيع العقار بحضرته، يكون إقراراً من الساكت بملكية البائع للعقار المبيع حتى لا تسمع منه دعوى ملكية هذا العقار على المشترى بعد ذلك (3).
مذهب المالكية:
وعند المالكية: يكون الإقرار باللفظ أو ما يقوم مقامه كالإشارة المفهمة من الأبكم والمريض، والكتابة فى صحيفة أو لوح أو خرقة أو على الأرض، والسكوت كسكوت غريم الميت عند بيع التركة أمامه، لا يقبل منه ادعاء الدين فى التركة بعد ذلك إلا أن يكون له عذر (4).
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة عند من يجوز الاعتماد عليها، وبالإشارة من الأخرس والمريض العاجز عن الكلام(5).
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة: يكون الإقرار باللفظ والكتابة وبالإشارة المعلومة من الأخرس دون معتقل اللسان والمريض(6).
مذهب الظاهرية:
تحدث ابن حزم فى"المحلى" عن الإقرار ولم يذكر ما يكون به غير اللفظ من الكتابة والإشارة (7).
مذهب الزيدية:
وعن الزيدية: يكون الإقرار باللفظ والكتابة والإشارة المفهمة من الأخرس والمصمت (8).
واستثنى صاحب " البحر الزخار" : اللعان والإيلاء والشهادة والإقرار بالزنا لأنه يعتبر فيها لفظ مخصوص.
مذهب الإمامية:
وعند الشيعة الإمامية: يكون الإقرار باللفظ وتقوم مقامه الإشارة (9).
حجية الإقرار:
والإقرار حجة علي المقر يؤخذ به ويحكم عليه بمقتضاه وهو أقوى الأدلة لأن احتمال الصدق فيه أرجح من احتمال الكذب إذ العاقل لا يقر عادة ولا يرتب حقا للغير على نفسه إلا إذا كان صادقا فى إقراره.
وحجية الإقرار ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع، قال الله تعالى: ( وليملل الذى عليه الحق وليتق الله ربه (.
أمر صاحب الحق بالإملال، وإملاله هو إقراره، فلو لم يكن حجة عليه ويؤخذ به. لما كان فيه فائدة ولما أمر به.
وقال: ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم( والشهادة على النفس هى الإقرار عليها بالحق.
وفى السنة الصحيحة أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قبل من ماعز ومن الغامدية الإقرار بالزنا على أنفسهما وعاملهما به وأقام عليهما الحد بناء عليه.
وقد أجمعت الأمة من عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الآن على أن الإقرار حجة على المقر يؤخذ به جرت على ذلك فى الأقضية والمعاملات.
والإقرار حجة قاصرة على المقر لا يتعداه إلى غيره ولا يمتد أثره إلى من عداه. فمن أقر على غيره بشىء لم يقبل إقراره، ومن ذلك إقرار الوصى والولى على موليه ، وإقرار القيم على محجوره فإنه لا يصح. وهذا قدر متفق عليه ، ولكنهم اختلفوا مع هذا فى إقرار العبد يكون فيه مساس بحق السيد وماله وإقرار المريض مرض الموت يكون فيه مساس بحق الورثة أو بحق الدائنين.
وإذا استثنينا الظاهرية، فإن الجميع متفقون على عدم صحة إقرار العبد والمريض مرض الموت فى بعض الصور رعاية لحق السيد والورثة والدائنين وعدم الإضرار بهم مما تبين تفاصيله فى مصطلح " إقرار ".
أما الظاهرية فقد قرر ابن حزم الظاهرى فى كتابه (10): أن إقرار العبد والمريض مرض الموت صحيح فى جميع صوره وأحواله من غير نظر إلى مساس هذا الإقرار بالسيد أو بالورثة والمداينين وتعديه إليهم بالضرر (انظر : إقرار).
ولا يكون الإقرار حجة، ولا ينبنى عليه أثره إلا إذا صدر صحيحا ومستوفيا جميع الشروط التى ذكرها الفقهاء فى المقر والمقر له والمقر به وفى الصيغة ولم يتصل به ما يفسده أو يغير من موجبه مما هو مفصل ومبسوط فى مصطلح إقرار(انظر إقرار).
والإقرار حجة بنفسه يثبت به الحق المقر به للمقر له على المقر ويلزمه الوفاء له به دون توقف على قضاء القاضى وحكمه بالاتفاق.
وهناك حالات لا يكفى فيها الإقرار للقضاء والحكم بل لابد من إقامة البينة معه، كما إذا أدعى شخص على مدين الميت إنه وصيه فى التركة، وصدقه المدين فى دعوى الوصاية والدين، فإن القاضى لا يثبت الوصاية بهذا الإقرار إذ الاقتصار عليه لا يفيد مع مدين آخر ينكر الوصاية. وهناك حالات تسمع فيها بينة المدعى بطلبه بعد إقرار المدعى عليه بالحق لفائدة أخرى غير ثبوت الحق، كما فى دعوى شخص على مدين أنه وكيل عن الدائن إذا صدقه المدعى عليه فى دعوى الوكالة ولكنه طلب سماع البينة عليها لتكون يده يد أمانة لا يضمن بالهلاك دون تعد ولتبرأ ذمة المدين بالدفع إليه دون رجوع، فيقبل القاضى البينة. وكما فى دعوى الدين على الميت إذا أقر بها أحد الورثة، أو أقر بها الورثة جميعا، وطلب المدعى سماع البينة ليتعدى الحكم إلى بقية الورثة فى الأولى أو إلى بقية الدائنين فى الثانية ، تسمع البينة (11)، وقد يتم الإقرار ثم
تطرأ أمور تؤثر فيه أصلا أو تؤثر فى مدى حجيته وهى موضع خلاف بين الفقهاء، من ذلك..
دعوى المقر أنه كان كاذبا فى إقراره.
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إذا أعطى شخص صكا لآخر يتضمن إقراره بأنه استقرض منه مبلغا من المال، ثم ادعى أنه كاذب فى هذا الإقرار، لا تقبل منه هذه الدعوى عند أبى حنيفة ومحمد وهو القياس لأن الإقرار ملزم شرعا كالبينة بل هو آكد لأن احتمال الكذب فيه أبعد فلا يلتفت إليه، وتقبل عند أبى يوسف فى حق تحليف المقر له اليمين فيحلف على أن المقر صادق فى إقراره بالدين كما تضمنه الصك، فإن حلف ثبت حقه فى الدين وإن نكل فلا شىء له، وهو الإستحسان وعليه الفتوى، لأن العرف جار بكتابة الصك قبل أخذ المال فلا يكون الإقرار دليلا على القبض حقيقة.
ولأن الناس كثرت حيلهم ومخادعتهم، والمقر يضار بعدم التحليف، ولا يضار المقر له بالتحليف إن كان صادقا، فيصار إليه.
وهذا فى غير حقوق الله الخالصة، أما فيها فتقبل دعوى الكذب فى الإقرار، ولا يؤخذ به المقر لما يورثه من الشبهة المؤثرة فى سقوط الحد كما فى الرجوع عن الإقرار (12).
أما إذا كان تكذيب المقر من الشارع كما إذا أقرت المطلقة بانقضاء عدتها بعد مدة تحتمله ثم جاءت بولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار يثبت نسبه شرعا من المطلق لتيقن قيام الحمل وقت الإقرار،. ويكون حكم الشارع بثبوت نسب الولد تكذيبا للمطلقة فى إقرارها بانقضاء العدة أو كان التكذيب من الحاكم، كما إذا اشترى شخص عينا من آخر، ثم ادعى ثالث علي المشترى ملكية هذه العين، وأنكر المشترى وقرر أنها ملك البائع الذى اشتراها منه، وأثبت المدعى دعواه وحكم له بالعين، فإنه يكون للمشترى حق الرجوع بالثمن علي البائع رغم إقراره بأن العين ملكه، لأن الحكم بملكية العين للمدعى تكذيب له فى إقراره. إذا كان التكذيب من الشارع أو من الحاكم يكون معتبرا ويبطل الإقرار به.
وقال الشافعية: أن المقر يؤخذ بما أقر به، ولا يقبل منه دعوى الكذب فى ذلك (13).
وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى شرائع الإسلام(14) : إذا أشهد بالبيع وقبض الثمن ثم قال أنه لم يقبض الثمن وإنما أشهد بذلك تبعا للعادة، قيل : لا يقبل قوله لأنه مكذب لإقراره، وقيل : يقبل لأنه أدعى ما هو معتاد. وهو الأشبه، إذ هو ليس مكذبا لإقراره بل هو مدع شيئا آخر فيكون على المشترى اليمين.
رجوع المقر عن الإقرار:

 
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: إن رجوع المقر عن إقراره بحقوق الله تعالى الخالصة كحد الزنا والشرب والسرقة بالنسبة للقطع، يقبل ويبطل به الإقرار فلا يؤخذ به مطلقا سواء رجع قبل القضاء عليه بموجبه أو بعد القضاء وقبل الشروع فى التنفيذ أو بعد الشروع فيه وقبل تمامه، فلا يحكم عليه إن رجع قبل الحكم ولا يقام عليه إن رجع بعد الحكم وقبل إقامة الحد ولا يتمم عليه الحد. إن رجع بعد الشروع فيه وقبل إتمامه وذلك لاحتمال أن يكون صادقا فى رجوعه فيكون كاذبا فى الإقرار فهو يورث شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، ولأنه يستحب للإمام أن يلقن المقر العدول عن الإقرار كما لقن النبى - صلى الله عليه وسلم- ماعزا حين أقر بالزنا بقوله: (لعلك قبَّلت أو لمست). ولو لم يكن الرجوع عن الإقرار جائزا لما كانت لهذا التلقين فائدة. والتعليل بأن الرجوع يورث شبهة وهى تؤثر فى الحدود يدل على أن حقوق الله الخالصة التى لا تدرأ بالشبهة، كالزكاة والكفارات، لا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها، أما بالنسبة للمال فى الإقرار بالسرقة فلا يؤثر الرجوع ويجب على المقر ضمان هذا المال.
أما فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والقصاص، والمشتركة بين الله والعباد كحد القذف فلا يقبل الرجوع عن الإقرار فيها ويبقى الإقرار صحيحا ويؤخذ به المقر حكما وتنفيذا لأن هذه الحقوق تثبت مع الشبهة (15).
مذهب المالكية:
قال صاحب " التبصرة " (16): فإن أقر على نفسه وهو رشيد طائع بمال أو قصاص لزمه، ولا ينفعه الرجوع، وإن أقر بما يوجب عليه الحد كالزنا والسرقة فله الرجوع ولكن يلزمه الصداق والمال.
مذهب الشافعية:
يقول الإمام جلال الدين السيوطى فى" الأشباه والنظائر" (17): وكل من أقر بشىء ثم رجع عنه لم يقبل، إلا فى حدود الله تعالى، قلت: ويضم إلى ذلك ما إذا أقر الأب بعين للابن فإنه يقبل رجوعه كما صححه النووى فى فتاواه.
مذهب الحنابلة :
يقول صاحب" كشاف القناع "(18): ولا يقبل رجوع المقر عن إقراره لتعلق حق المقر له بالمقر به إلا فيما كان حدا لله تعالى فيقبل رجوعه عنه لأن الحد يدرأ بالشبهة وأما حقوق الآدميين وحقوق الله التى لا تدرأ بالشبهات كالزكاة والكفارات، فلا يقبل رجوع المقر عن الإقرار بها.
مذهب الظاهرية
يقول ابن حزم فى " المحلى "(19): من أقر لآخر أو لله تعالى بحق فى مال أو دم أو بشرة، وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره، وأقر إقرارا تاما ولم يصله بما يفسده فقيما لزمه ولا رجوع له بعد ذلك، فإن رجع لم ينتفع برجوعه وقد لزمه ما أقر به على نفسه من دم أو حد أو مال. وإن وصل الإقرار بما يفسده بطل كله ولم يلزمه شئ لا من مال ولا من قود ولا حد.
مذهب الزيدية:
جاء فى " البحر الزخار"(20): ولا يجوز الرجوع عنه إذ هو خبر ماض إلا فى حق الله تعالى لأنه يسقط بالشبهة.
مذهب الإمامية
جاء فى " العناوين" لميرفتاح (21) : أن ذكر ما ينافى الإقرار بعد تحققه غير مسموع لدى ظاهر الأصحاب ، ووجهه إطلاق الرواية ، فإنه دال على النفوذ مطلقا سواء عقبة بما ينافيه من إنكار وتأويل أو لم يعقبه.
ثم ذكر الخلاف فى مسائل الاستثناء وبدل البعض والفصل والوصل فى ذلك ، وهل يتحقق الإقرار بما قبل الاستثناء والبدل فيعتبر منافيا له أو لا يتحقق أصلا لأن الكلام كله واحد.
وجاء فى " المختصر النافع " فى باب الحدود أن الرجوع عن الإقرار بالزنا والقصاص يقبل ويسقط به الحد ، فالرجوع عن إقرار عندهم غير مقبول إلا فى حدود الله تعالى الخالصة.
 
رد الإقرار:
مذهب الحنفية :
قال الحنفية : إن الإقرار بغير النسب لا يتوقف على قبول المقر له وتصديقه ، ولكنه يرتد برده وتكذيبه للمقر ، واستثنوا من ذلك الإقرار بالحرية ، فإن أقر السيد بحرية عبده ثبتت حريته وإن كذبه العبد فى إقراره وبالنسب فيما يصح الإقرار فيه من الرجل أو المرأة ، لا يبطله الرد من المقر له بالنسب وإن توقف على تصديقه ، فإن كذبه فى الإقرار ثم عاد وصدقه ثبت النسب دون حاجة الى إعادة الإقرار ثانياً وبالطلاق إذا أقر بطلاق زوجته وكذبته ثبت الطلاق.
وبالنكاح، إذا أقر بنكاح امرأة وكذبته ثم صدقته ثبت النكاح دون حاجة إلى إقرار آخر.
وكذا الإقرار بالعتق والرق والوقف وكل ما ليس فيه تمليك مال ولو من وجه لا يرتد بالرد، وما كان فيه تمليك المال ولو من وجه يرتد بالرد، وإذا قبل ثم رد لا يقبل الرد.
وفى كل موضع يرتد فيه الإقرار بالرد إذا أعاد المقر إقراره ثانيا بعد الرد فصدقه المقر له صح الإقرار (22).
مذهب المالكية:
يقول صاحب" التبصرة " (23): ويشترط أن يكون المقر له أهلا للاستحقاق وألا يكذب المقر، وإذا أكذب المقر له المقر ثم رجع لم يفده إلا أن يرجع المقر إلى الإقرار ومثل ذلك فى العقد المنظم للحكام أبو محمد عبد الله ابن عبد الله بن سلمون الكنانى (24).
مذهب الحنابلة:
يقول صاحب" كشاف القناع "(25): " ومن أقر لكبير عاقل بمال فى يده، فلم يصدقه المقر له بطل إقراره لأنه لا يقبل قوله عليه فى ثبوت ملكه ويستمر بيد المقر لأنه كان فى يده فإذا بطل إقراره بقى كأنه لم يقر به فإن عاد المقر فادعاه لنفسه أو لثالث قبل منه ولم يقبل بعد ذلك أن يدعيه المقر له أو لا مطلقا.
مذهب الزيدية:
جاء فى " البحر الزخار" (26): ولا يصح لمعين إلا بمصادقته ، وقال الإمام يحيى : يكفى السكوت فإن رد بطل إذ شهادته على نفسه أولى، ولا يعتبر قبول المقر له، إذ ليس بعقد لكن يبطل بالرد ويكون المقر به لبيت المال.
ما يلحق الإقرار من البيان
قد يلحق المقر بإقراره كلاما يغير من معنى الإقرار ودلالته تغييرا كليا أو جزئيا بطريق الاستثناء بأداة من أدواته أو بالمشيئة أو بطريق الاستدراك أو بطريق التكلم بكلام يغير من معنى الإقرار أو يرفع من حكمه بالنسبة للمقر له أو للمقر به فى مقداره أو فى وصفه أو فى نحو ذلك، ويكون ذلك متصلا أو منفصلا.
وقد أفاض الفقهاء فى مختلف المذاهب فى شرح أنواع هذا البيان وأساليبه وما يترتب على كل منها من أحكام وآثار، ومحل ذلك كله ومجاله فى مصطلح إقرار (انظر: إقرار).
نصاب الإقرار
مذهب الحنفية:
لابد لثبوت الزنا بالإقرار عند الحنفية من أن يقر الشخص على نفسه أربع مرات فى أربعة مجالس بالاتفاق ، وفى حد القذف والشرب والسرقة يكفى أن يقر مرة واحدة عند أبى حنيفة ومحمد ، ومرتين عند أبى يوسف وزفر، ويكفى الإقرار مرة فيما عدا ذلك (27).
مذهب المالكية:.
يكفى الإقرار مرة واحدة لثبوت المقر به ومؤاخذة المقر بإقراره فى كل شىء حتى فى حد الزنا(28).
مذهب الشافعية:
ومذهب الشافعية كمذهب المالكية يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شىء(29).
مذهب الحنابلة:
يشترط الإقرار أربع مرات فى الزنا، ومرتين فى السرقة والحرابة (قطع الطريق) والقصاص ، ومرة واحدة فى غير ذلك(30)
مذهب الظاهرية:
يكفى الإقرار مرة واحدة فى كل شىء من حد أو قتل أو مال (31).
مذهب الزيدية:
يشترط فى الإقرار بالزنا تكراره أربع مرات وتكراره مرتين فى الإقرار بالسرقة،ويكفى الإقرار مرة فيما عدا ذلك(32)
مذهب الإمامية
يلزم الإقرار أربع مرات فى الزنا واللواط والسحق، ومرتين فى القذف والسرقة والشرب والقيادة ومرة واحدة فى غير ذلك (33)
اليمين:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن اليمين ليست من طرق القضاء بالحق لأنها لا تكون عندهم إلا من جانب المدعى عليه حين ينكر الدعوى ويعجز المدعى عن الإثبات ويطلب تحليفه اليمين على نفى دعواه ويوجه القاضى إليه اليمين فإن حلف منع المدعى من دعواه بتقرير رفضها وبقى المدعى به المتنازع عليه فى يد المدعى عليه لعجز المدعى عن إثبات ملكه فيه لا قضاء به للمدعى عليه بناء على اليمين، ويسمى قضاء ترك.
ومن ثم يبقى المدعى على دعواه وعلى حقه إذا أقام بينة عليها قضى له بموجبها ما لم يكن قد قرر أنه لا بينة له فإنه لا تقبل منه البينة ثانيا إلا عند محمد.
ولو كان ترك المدعى به فى يد المدعى عليه قضاء له به بناء علي اليمين لما نقض هذا القضاء بعد ذلك، فجعل اليمين من طرق القضاء عند الحنفية إنما هو بحسب الظاهر فقط باعتبار أن القضاء يقطع الخصومة وفى قضاء الترك قطع للخصومة غالبا لأن الإثبات بالبينة بعد العجز عنها نادر (34).
وليس القصد من هذه اليمين هو التوصل للقضاء بالترك، فهو ليس بقضاء كما ذكرنا، وإنما القصد منها هو توصل المدعى إلى نكول المدعى عليه عن الحلف ليقضى عليه بالحق بناء على هذا النكول الذى يعتبر طريقا للقضاء عند الحنفية.
بناء على أنه بذل أو إقرار كما سيأتى بيانه.
ومن ثم قالوا :إن اليمين حق للمدعى ملكه الشارع إياها ، وأوجبها له على المدعى عليه.
فقد قال النبى - صلى الله عليه وسلم - للمدعى: ( لك يمينه) واللام للتمليك.
وقال: (البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه).
و (على) تفيد الوجوب، غير أنها لا تجب على المدعى عليه ولا تتوجه عليه ولا يعتبر ناكلا إذا امتنع عن الحلف إلا بشروط سيأتى تفصيلها فى الكلام على النكول ولا يحلف فيما لا يجرى فيه البذل والإقرار كالحدود واللعان والنسب، ولا ترد اليمين على المدعى ولا يقضى له بيمينه وحدها أو بها مع شاهد عند الحنفية مطلقا على ما سيأتى بيانه.
واستدلوا بما رواه الإمامان أحمد ومسلم أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى أناس دماء رجال وأموالهم، لكن اليمين علي المدعى عليه) ، وأخرجه البيهقى بإسناد صحيح بلفظ : (البينة على المدعى واليمين على من أنكر). فحصر اليمين فى جانب المدعى عليه ولم يجعلها من جانب المدعى.
مذهب المالكية والشافعية:
ويرى المالكية والشافعية: أن اليمين إذا توجهت على المدعى عليه بطلب المدعى حين لا تكون له بينة فإن حلفها سقطت دعوى المدعى، ثم هل يعود إليها ويجددها ويقدم عليها البينة أو لا يعود؟ بحث طويل ليس هنا مجال تفصيله، انظر فى تفصيله مصطلح" دعوى".
ويشترط المالكية لجواز توجيه اليمين إلى المدعى عليه أن يكون بينه وبين المدعى خلطة وتعامل لئلا يستذل أهل السفه أهل الفضل بتحليفهم ، واستثنوا من هذا الشرط الصناع والتجار وأهل الأسواق فيما يدعى عليهم تتوجه عليهم اليمين وإن لم تكن خلطة، كما استثنوا حالة قيام تهمة أو عداوة أو ظلم ، ولا يحلف إلا فيما يجرى فيه الإقرار،أما إذا نكل المدعى عليه عن الحلف أو اعتبر ناكلا بالامتناع عن الحلف أو بالسكوت عن الجواب فإنه لا يقضى عليه بالنكول عند المالكية والشافعية كما يقول الحنفية.
وإنما ترد اليمين على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى دون طلبه بعد أن يعذر إليه بقوله: إن حلفت وإلا حلف المدعى وقضيت له عليك بالحق المطلوب، لأن النكول ليس من طرق القضاء عندهم لأنه يحتمل التورع عن اليمين الكاذبة كما هو الشأن فى المسلم، والترفع عن اليمين الصادقة كما فعل عثمان - رضى الله عنه - حين طلب المقداد منه الحلف وامتنع وقال لعمر: أخاف أن يوافينى قضاء فيقول الناس هذا بسبب يمينه الكاذبة، ويحتمل اشتباه الحال على الناكل فلا يدرى أصادق فيحلف أم كاذب فيمتنع.
ومع هذه الاحتمالات لا يمكن اعتبار النكول حجة وطريقا للقضاء وإذا ردت اليمين على المدعى، فإن حلف قضى له بما يدعيه قضاء استحقاق.
وتكون اليمين هنا كبينة المدعى أو كإقرار المدعى عليه، قولان: والأظهر عند أصحاب الشافعى أنها كإقرار المدعى عليه وسواء أكانت كالبينة أو كالإقرار فإنها تعتبر الطريق إلى القضاء بالحق شرعا مع النكول كما سيجىء التصريح به فى النكول 0
واستدلوا بما رواه الدارقطنى من حديث نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رد اليمين على طالب الحق، وما روى عن على أنه حلف المدعى بعد نكول المدعى عليه (35).
مذهب الحنابلة :
ويرى الحنابلة: أن اليمين تكون من جانب المدعى عليه إذا طلب المدعى تحليفه عند عدم البينة ووجهها إليه القاضى فإن حلف أخلى سبيله لأنه لم يتوجه عليه حق.
وإن نكل عن الحلف قضى عليه بالحق المدعى بناء على النكول إذا طلب المدعى ذلك.
ويجب أن يقول له الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، لأن النكول ضعيف فوجب اعتضاده بذلك.
ولا ترد اليمين عندهم على المدعى مطلقا لا بطلب المدعى عليه ولا من القاضى لقول النبى - صلى الله عليه وسلم - :(اليمين على المدعى عليه) حصرها فى جهة المدعى عليه فلم تشرع لغيره.
وفيما رواه أحمد أن عثمان قضى على ابن عمر بالنكول.
ولا يحلف المدعى عليه عندهم إلا فى حق لآدمى لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدعى عليه) ، ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال. أما حقوق الله تعالى كالحدود والعبادات والكفارات والنذور فلا يستحلف فيها المدعى عليه ولا يقضى عليه بالنكول إلا أن يتضمن الحد حقا للعبد كدعوى السرقة توصلا للضمان أو لرد المسروق، فإنها تسمع ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمى.
والنكول عندهم كإقامة بينة لا كإقرار إذ لا يتأتى ذلك مع الإنكار ولا كبذل لأنه قد يكون تبرعا ولا تبرع هنا (36).
جاء هذا فى " كشاف القناع "، ولم يحك فيه خلافا. ولكن صاحب المغنى حكى خلاف أبى الخطاب فى رد اليمين على المدعى (37) فقال: واختار أبو الخطاب أن له رد اليمين على المدعى فإن ردها حلف المدعى وحكم له بما ادعاه.
ثم ساق الاستدلال للقولين.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى المحلى (38) : فإن لم يكن للطالب بينه وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شىء من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة، ولا ترد يمين أصلا إلا فى ثلاثة مواضع، وهى القسامة، والوصية فى السفر إذا لم يشهد عليها إلا الكفار، وإذا أقام المدعى على دعواه شاهدا واحدا فإنه يحلف معه ويقضى له بالحق، فإن نكل حلف المدعى عليه وبرىء فإن نكل أجبر على اليمين.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية (39) : إذا أنكر المدعى عليه الدعوى ولم تكن للمدعى بينة فى المجلس لزمت اليمين المدعى عليه بطلب المدعى فى غير حقوق الله تعالى المحضة إذ لا يحلف فى هذه الحقوق عندهم وبشروط أخرى. فإن حلف المدعى عليه حكم بسقوط دعوى المدعى وإن نكل حكم عليه بالحق بمقتضى النكول عند الهادى والناصر، إذا كان النكول فى المجلس. وذلك فى غير الحدود والقصاص والنسب.
أما هذه فلا يحكم فيها بالنكول وإن نكل ثم أراد الحلف إن كان قبل الحكم أجيب وأن كان بعده لا يجاب. وإن حلف المدعى عليه اليمين ثم أحضر المدعى البينة قبلت منه قبل الحكم ولا تقبل بعده، وفى " البحر الزخار" : واليمين شرعت لقطع الخصومة فى الحال إجماعا لا لقطع الحق فتقبل البينة بعدها، إذ البينة العادلة حق من اليمين الفاجرة، وقيل : لقطع الحق فلا تقبل البينة.
مذهب الإمامية:
جاء فى " المختصر النافع" (40) : وإن قال المدعى لا بينة لى عرفه الحاكم أن له اليمين (أى له تحليف المدعى عليه)، ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعى، فإن تبرع أو أحلفه الحاكم لم يعتد بها وأعيدت مع التماس المدعى ثم المنكر، أما أن يحلفه أو يرد أو ينكل فإن حلف سقطت الدعوى ولو ظفر له المدعى بمال لم يجز له المقاصة.
ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه ولو أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.
ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته، فإن رد اليمين على المدعى صح فإن حلف استحق وإن امتنع سقطت، ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول وهو المروى، وقيل: يرد اليمين على المدعى فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل الحق، ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه.
الشاهد واليمين:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية : لا يصح القضاء بالشاهد الواحد ويمين المدعى، لأن اليمين لم تشرع من جانب المدعى مطلقا، وإنما شرعت من جانب المدعى عليه فى الحديث المشهود : (البينة علي المدعى واليمين على من أنكر) قسم بينهما، والقسمة تنافى الشركة والألف واللام فى البينة واليمين للجنس، وإذا كان قد جعل من جانب كل منهما جنسا فقبول اليمين من جانب المدعى يخالف ذلك.
وقد رسم الله تعالى طريق الإثبات فى الآية الكريمة: ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم.. الآية((41). وجعل الشاهد الواحد واليمين طريقا للإثبات من جانب المدعى يخالف ذلك(42).
 
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى صحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى، لما رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجة عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى بيمين وشاهد وما رواه أحمد والدارقطنى عن على بن أبى طالب أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قضى بشهادة شاهد واحد ويمين صاحب الحق.
وقالوا: أن الإثبات بالشاهد واليمين إنما يقبل فى الأموال وما يقصد به المال من العقود كالبيع والشراء والإقالة والحوالة والضمان والشفعة والرهن ، ونكول اليمين بعد إقامة الشاهد وتعديله(43).
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية، يقول ابن حزم فى " المحلى "(44): قال أبو محمد قد صح ما قد أوردناه آنفا من قول النبى- صلى الله عليه وسلم - بالقضاء باليمين على المدعى عليه، وأنه لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء قوم وأموالهم.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (بينتك أو يمينه، ليس لك إلا ذلك).
فصح يقينا أنه لا يجوز أن يعطى المدعى بدعواه دون بينة. وبطل أن يعطى شيئا بنكول خصمه أو بيمينه إذا نكل خصمه لأنه أعطى بالدعوى.
وصح أن اليمين بحكم الله تعالى على لسان رسوله - عليه الصلاة والسلام - على المدعى عليه.
ووجب بذلك ألا يعطى المدعى يمينا أصلا إلا حيث جاء النص بأن يعطاها.
وليس ذلك إلا فى القسامة فى المسلم يوجد مقتولا وفى المدعى يقيم شاهدا عدلا فقط.
وهذا صريح فى القول بصحة القضاء بالشاهد الواحد واليمين من جانب المدعى.
مذهب الزيدية.
جاء فى " شرح الأزهار" وهامشه: واعلم أنه يكفى شاهد واحد ويمين المدعى فتقوم اليمين مقام شاهد ولو كان الحالف فاسقا فإن يمينه تقوم مقام شاهد.
وقال الناصر: لا تكفى يمين المدعى مع الشاهد الواحد إلا حيث يكون عدلا مرضيا.
ويقبل الشاهد الواحد مع يمين المدعى فى كل حق لآدمى محض دون حق الله المحض وبعض حق الله المشوب أيضا فلا يقبل فيه ذلك، وذلك كالحدود والقصاص لقوله- صلى الله عليه وسلم -: (أمرنى جبريل عليه السلام أن أحكم بشاهد ويمين).
وفى "البحر الزخار": ويحكم بشاهد ويمين إذ قضى به - صلى الله عليه وسلم - فى روايات وقضى به عمر وعثمان رضى الله عنهما، ولا يحكم بذلك إلا فى حق لآدمى محض لا فى الحدود والقصاص إجماعا(45).
مذهب الإمامية :
جاء فى "المختصر النافع" (46): ويقضى بالشاهد واليمين فى الأموال والديون ولا يقبل فى غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.
ويشترط شهادة الشاهد أولا وتعديله ولو بدأ باليمين وقعت لاغية ويفتقر إلى إعادتها بعد الإقامة - أى إقامة الشاهد -.
وجاء فيما كتبه بعض علمائهم للجنة الموسوعة أن طائفة منهم تأملوا فى اشتراط الترتيب واختاروا عدم اشتراطه وقواه فى مستند الشيعة فى باب القضاء.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية (47) : ولا يجوز عند أصحابنا أن يحكم الحاكم بشاهد ويمين المدعى...
يمين الاستظهار:
الأصل عند الحنفية أنه متى أقام المدعى بينة شرعية على دعواه حكم له بالحق الذى يدعيه دون توقف على شىء آخر.
ولكنهم قالوا: إن هناك مسائل يتوقف الحكم فيها للمدعى على حلفه يمينا بصيغة معينة، ومن أظهر هذه المسائل ما إذا ادعى شخص دينا فى تركة ميت وأثبت دعواه بالبينة الصحيحة، فإن القاضى لا يحكم له بما يدعيه إلا بعد أن يحلف بالله ما استوفى هذا الدين من الميت ولا من أحد أداه إليه عنه ولا قبضه قابض بأمره ولا أبرأه منه ولا من بعضه ولا أحيل به ولا بشىء منه على أحد ولا عنده به ولا بشىء منه رهن.
وتسمى هذه اليمين عندهم يمين الاستظهار وهى حق للتركة، ومن ثم يوجهها القاضى إلى المدعى ولو لم يطلب الخصم المدعى عليه كالوصى والوارث توجيهها لاحتمال أن يكون هناك غريم آخر أو موصى له، وهذا باتفاق الإمام وصاحبيه وهذه اليمين ليست جزءا من الدليل: وإنما هى شرط فلو حكم بدون استحلاف لا ينفذ حكمه.
وهناك مسائل يستحلف فيها المدعى بعد الإثبات بدون طلب من الخصم، على رأى أبى يوسف، احتياطا (48).
مذهب المالكية:
وعند المالكية: تسمى هذه اليمين يمين القضاء ويمين الاستبراء.
قال صاحب " التبصرة " فى باب القضاء بالبينة المقامة مع اليمين (49). وصورة ذلك أن يشهد شاهدان لرجل بشىء معين فى يد آخر، فإنه لا يستحقه حتى يحلف أنه ما باع ولا وهب ولا خرج عن يده بطريق من الطرق المزيلة للملك وهو الذى عليه الفتيا والقضاء.
وقال ابن رشد : ويمين القضاء متوجهة على من يقوم على الميت أو الغائب أو على اليتيم أو على الأحباس أو على المساكين وعلى كل وجه من وجوه البر وعلى بيت المال وعلى من استحق شيئا من الحيوان ، ولا يتم الحكم إلا بها.
ثم ذكر مسألة دعوى الدين فى تركة الميت ووجوب التحليف فيها ، وذكر أن هذه اليمين واجبة مع شهادة السماع لاحتمال أن يكون أصل السماع من شاهد واحد ، والشاهد الواحد لابد معه من اليمين.
ويدل كلامه على أن هذه اليمين متممة للدليل.
مذهب الشافعية :
وعند الشافعية : يحلف المدعى اليمين مع البينة فى الدعوى على الغائب والصبى والمجنون والميت ، وتسمى عندهم يمين الاستظهار كالحنفية ، وقالوا : إنه لا يتعرض فى هذا اليمين لصدق الشهود بخلاف اليمين مع الشاهد الواحد يتعرض فيها لصدق الشاهد.
وعلل الشروانى فى حاشيته هذا الحكم بقوله : " لكمال الحجة هنا " وهذا صريح فى أن هذه اليمين ليست جزءا من الدليل.
مذهب الحنابلة :
وعند الحنابلة: لا يلزم تحليف المدعى اليمين مع البينة التامة فى الدعوى على الغائب والصغير والمجنون والمستتر والممتنع " أن حقه باق " لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) ولكن الاحتياط تحليفه خصوصا فى هذه الأزمنة لاحتمال أن يكون قضاه أو غير ذلك (50).
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية: جاء فى " المختصر النافع "(51) " ولا يستحلف المدعى مع بينة إلا فى دعوى الدين علي الميت، يستحلف على بقائه فى ذمته استظهارا فهم يسمونها يمين الاستظهار كالحنفية".
النكول:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن النكول طريق للقضاء وحده يبنى عليه القاضى حكمه بالحق لصاحبه بناء عليه دون حاجة إلى شىء آخر، كرد اليمين على المدعى.
لما روى عن سالم بن عبد الله بن عمر:أن أباه باع عبدا وأراد المشترى أن يرده بعيب، ولما اختصما إلى عثمان - رضى الله عنه - قال لابن عمر: احلف بالله لقد بعته وما به داء تعلمه فأبى فقضى عليه برد العبد.
وكان شريح يجرى فى قضائه فى خلافة عمر على ذلك.
والنكول: إما حقيقى ، وهو أن يقول المدعى عليه: لا أحلف.
وإما حكمى، وهو أن يسكت عن الحلف والامتناع عنه مع عدم الآفة من صمم أو خرس.
ولا يصير النكول حجة عند الحنفية يباح للقاضى أن يحكم بناء عليها إلا إذا توافرت شروط صحته، بأن يكون فى مجلس القضاء وبعد عرض اليمين فيه، فإذا حصل العرض فى غير المجلس أو حصل العرض فيه وحصل النكول فى غيره لم تتوفر الحجة ولم يجز الحكم بمقتضاه، وأن يكون النكول عن يمين واجبة على المدعى عليه شرعا، وأن تكون بناء على عرض القاضى حتى لو امتنع عن حلف يمين موجهة من الخصم لا يعتبر ناكلا.
ولا تكون اليمين واجبة شرعا إلا إذا كان المدعى عليه منكرا للحق المدعى به وكانت بطلب المدعى إلا فى الأشياء التى يحلف فيها القاضى من غير طلب. وألا تكون للمدعى بينة حاضرة بمجلس القضاء. وأن تكون الدعوى صحيحة شرعا. وألا يكون المدعى به حقا خالصا لله تعالى كالحدود وما فى حكمها كاللعان.
وأن يكون المدعى به مما يجوز الإقرار به شرعا من المدعى عليه ولا يقضى بالنكول فى القصاص فى النفس، وإنما يحبس الناكل حتى يحلف أو يقر عند الإمام أبى حنيفة.
ويجب عله المال عند الصاحبين، وللمدعى عند النكول أن يقدم بينة على دعواه ليبنى الحكم عليها ويتعدى إلى غير المدعى عليه، لأن النكول فى معنى الإقرار وهو حجة قاصرة على صاحبه لا يتعداه إلى غيره بخلاف البينة.
والقضاء بالنكول لا يمنع المقضى عليه من أن يدفع دعوى المدعى المحكوم فيها بدفع يبطلها ويقيم عليه البينة فيثبت وينقض به الحكم المبنى على النكول، بشرط ألا يكون الدفع مناقضا لما تضمنه النكول الذى هو بمثابة الإقرار.
ولو قضى بالنكول ثم أراد المدعى عليه أن يحلف لا يلتفت إليه لأنه أبطل حقه، أما لو أراد الحلف قبل القضاء جاز لأن النكول لا يعتبر حجة ملزمة إلا إذا اتصل به القضاء.
وقد اختلف الإمام والصاحبان فى اعتبار النكول بذلا أو إقرارا وترتب على هذا الخلاف خلاف فى بعض المسائل والأحكام، مجال تفصيلها فى مصطلح نكول (انظر: نكول) (52).
مذهب المالكية والشافعية:
ويرى المالكية والشافعية أن النكول ليس طريقا للقضاء، ولا يحكم القاضى بالمدعى بناء عليه وحده، وإنما ترد اليمين على المدعى بطلب المدعى عليه أو من القاضى فإن حلف قضى له به بما طلب وإن نكل سقطت دعواه، لأن النكول ليس بينة ولا إقرارا، وهو حجة ضعيفة فلا يقوى على الاستقلال بالحكم فإذا حلف معه المدعى قوى جانبه فاجتمع اليمين من جانبه والنكول من جانب المدعى عليه فقام مقام الشاهدين أو الشاهد واليمين (53).
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة أن النكول حجة يبنى عليه الحكم، فإذا توجهت اليمين على المدعى عليه من القاضى: بطلب المدعى ونكل قال له القاضى إن حلفت وإلا قضيت عليك بالنكول، فإن لم يحلف قضى عليه بالنكول إذا سأله المدعى ذلك: ولا ترد اليمين على المدعى إلا فى رأى أبى الخطاب على ما ذكره صاحب المغنى : والنكول عندهم كإقامة بينة وليس بمثابة الإقرار لأنه لا يتأتى جعل الناكل مقرا مع إنكاره كما أنه ليس بمثابة البذل لأن البذل قد يكون تبرعا ولا مجال للتبرع هنا.
ولا يقضى بالنكول إلا فى الأموال وما يقصد به المال كالعقود والمعاملات مما تقبل فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو رجل ويمين المدعى (54).
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية فإن لم يكن للطالب بينة وأبى المطلوب من اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب، ولا يقضى عليه بنكوله فى شىء من الأشياء أصلا. ولا ترد اليمين على الطالب البتة (55).
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: جاء فى" شرح الأزهار" (56): وإذا لم يكن للمدعى بينة فى المجلس فطلب يمين المنكر فنكل اليمين فإنه يجب عليه ذلك الحق بالنكول وهذا مذهب الهادى والناصر.
وإنما يحكم بالنكول إذا وقع فى مجلس الحاكم سواء نكل مرة أو أكثر إلا فى الحد والنسب فإنه لا يحكم فيهما بالنكول وإذا سكت المدعى عليه ولم يجب أو قال: لا أقر ولا أنكر، فلا يحكم عليه بالنكول ولكن يحبس حتى يقر أو ينكر فيطلب منه اليمين وإن نكل، ولو نكل المدعى عليه عن اليمين ثم أجاب إلى الحلف وجب أن يقبل اليمين بعد النكول ما لم يحكم فلا يقبل ، لأن النكول ليس بإقرار حقيقة ولا يجب به الحق إلا بعد الحكم.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية ، جاء فى "المختصر النافع" (57): ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر قضى عليه بالنكول، وهو المروى 0 وقيل: يرد اليمين على المدعى، فإن حلف ثبت حقه، وإن نكل بطل، وإن بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت إليه.
الشهادة :
إتفق الفقهاء جميعا على أن الشهادة من طرق القضاء، لقوله تعالى :( واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء (. ( واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ( (58).( وأشهدوا ذوى عدل منكم((59).
وقوله - صلى الله عليه وسلم-: (البينة على المدعى واليمين على من أنكر) وإجماع الأمة على أنها حجة يبنى عليها الحكم، غير أنها ليست حجة بنفسها إذ لا يثبت بها الحق ولا يلزم من عليه أن يؤديه إلا إذا اتصل بها القضاء.
هل فى الشهادة معنى الولاية؟
ما فى الشهادة من معنى الولاية
صرح الحنفية والشافعية بأن الشهادة فيها معنى الولاية ورتبوا على ذلك عدم قبول شهادة بعض الطوائف لعلة انعدام الولاية فيهم، وندد ابن القيم بذلك وقال :إنه معلوم البطلان والشهادة لا تستلزمه (60).
ومجال ذلك وبيانه فى مصطلح " شهادة "، (انظر شهادة).
مراتب الشهادة ونصابها:
 
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية إن الشهادة على أربع مراتب:
المرتبة الأولى : الشهادة على الزنا ونصابها أربعة رجال، فلا تقبل فيها شهادة النساء، ولا شهادة عدد من الرجال أقل من أربعة، لقوله تعالى: ( واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ، لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء((61).
وهذا إذا أريد إثبات الزنا لأجل إقامة الحد أما إذا أريد إثباته لأجل حق آخر يترتب على ثبوته، فلا يشترط فيه هذا العدد بل يثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو بالنكول ، كما إذا علق الزوج طلاق زوجته على الزنا، وادعت الزوجة حصوله وأنكر الزوج فأثبتته بالبينة أو طلبت تحليفه فنكل يثبت وتطلق المرأة ولكن لا يحد الزوج.
المرتبة الثانية: الشهادة على بقية الحدود والقصاص فى النفس أو فيما دونها، ونصابها رجلان، ولا تقبل فيها شهادة النساء لأنها تندرىء بالشبهات:" إدرأوا الحدود بالشبهات ". وشهادة النساء فيها شبهة البدلية عن شهادة الرجال، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان، وإن لم تكن بدلا عنها حقيقة، ولما قال الزهرى : مضت السنة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والخلفيتين من بعده لا شهادة للنساء فى الحدود والقصاص.
وهذا إذا أريد بإثبات ما ذكر إقامة الحدود والقصاص، أما إذا أريد إثبات حق آخر فلا تشترط الذكورة، كما إذا علق عتق عبده على شرب الخمر، فإنه يجوز إثبات الشرب بشهادة رجل وامرأتين، ويعتق العبد ولكن لا يحد المشهود عليه بالشرب لعدم توفر الشرط فى الشهادة.
المرتبة الثالثة: الشهادة على ما لا يطلع عليه الرجال عادة من عيوب النساء فى المواضع التى لا يطلع عليها الرجال كالبكارة والثيوبة والولادة والرتق والقرن، وفيها تكفى شهادة امرأة واحدة واثنتان أحوط لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " شهادة النساء جائزة فيما لا يستطيع الرجال النظر إليه " وقول حذيفة رضى الله عنه: أجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شهادة القابلة على الولادة.
المرتبة الرابعة : سائر الحقوق والمسائل غير ما تقدم، كالبيع والشراء وسائر العقود والمعاملات والحقوق المالية والنكاح والطلاق والوصية والوقف والقتل الذى موجبه المال، ونصاب ذلك كله رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى " واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء" والآية وإن كانت فى مقام حفظ الحق والتوفق له إلا أن القصد من الحفظ إثبات هذه الحقوق عند التجاحد والتخاصم أمام الحاكم وذلك يقتضى إقامة الشهادة عند الحاكم ووجوب أخذ الحاكم بها وإلا لما ظهرت مزية الحفظ (62).
مذهب المالكية :
وقال المالكية: إن البينات أنواع :
الأول الشهادة على رؤية الزنا، وهذا متفق على أن نصابه أربعة رجال ولا تقبل فيه شهادة النساء، وقد ألحقوا بهذا النوع أحكاما لابد فيها من أربعه شهود وحكوا فيها خلافا، منها الشهود الذين يحضرون لعان الزوجين، والمذهب أن أقلهم أربعة.
الثانى: الشهادة فيما ليس بمال ويطلع عليه الرجال غالبا، كالنكاح والطلاق والنسب والشرب والقذف والوكالة وقتل العمد، وهذه لا تثبت إلا بشهادة رجلين ولا مدخل فى شىء منها للنساء.
الثالث: الشهادة فى الأموال وحقوقها كالآجال والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ والقرض والبيع وما فى بابه، وكذا ما يتعلق بالمال كإثبات التوارث والوكالة بطلب المال، ونصاب الشهادة فيها اثنان: رجلان أو رجل وامرأتان.
والرابع: أحكام لا يطلع عليها الرجال غالبا كالولادة والبكارة والثيوبة وعيوب النساء مما تحت ثيابهن، وهذه تجزىء فيها شهادة امرأتين.
وهناك ما يقبل فيه رجل واحد يؤدى علما وخبرة كالطبيب والقائف والترجمان، وما تقبل فيه امرأة واحدة كما فى عيوب الأمة التى لا يطلع عليها الرجال إذا كانت حاضرة، وفى ثبوت الرضاع (63).
مذهب الشافعية :
وقال الشافعية: يشترط للزنا واللواط وإتيان البهيمة والميتة، أربعة رجال بالنسبة للحد أو التعزير، لقوله تعالى: ( ثم لم يأتوا بأربعة شهداء((64).
أما بالنسبة لوقوع طلاق علق عليه، فيثبت برجلين لا بغيرهما.
ويشترط للمال عين أو دين أو منفعة، ولكل ما قصد به المال من عقد أو فسخ مالى كبيع وإقالة ورهن وشفعة ووراثة، ولكل حق مالى كخيار وأجل وجناية توجب مالا: رجلان أو رجل وامرأتان. ويشترط لغير ذلك مما ليس بمال ولا يقصد منه المال من عقوبة لله تعالى كحد شرب، أو لآدمى كقود وحد قذف، ولما يطلع عليه الرجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وإعسار، رجلان لا رجل وامرأتان. إذ لا تقبل فيه شهادة النساء لقول الزهرى : مضت السنة من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لا تجوز شهادة النساء فى الحدود ولا فى النكاح ولا فى الطلاق.
ويشترط لما يختص بمعرفته النساء أو لا يراه الرجال غالبا، كبكارة وضدها، ورتق وقرن، وولادة وحيض وعيوب تحت الثياب، رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة وحدهن للحاجة، ولا يحكم بشاهد واحد إلا فى هلال رمضان (65).
مذهب الحنابلة :
وقال الحنابلة: إن أقسام المشهود به سبعة: أحدها الزنا واللواط فلا يقبل فيهما أقل من أربعة رجال لقوله تعالى : ( لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون (.
وقول النبى - صلى الله عليه وسلم - لهلال ابن أمية:(أربعة شهداء وإلا حد فى ظهرك).
واللواط من الزنا، وكذا الشهادة على الإقرار بهما، لابد فيها من أربعة رجال يشهدون أنه أقر أربعا.
والثانى : دعوى الفقر، فلا يقبل قول من عرف بالغنى أنه فقير إلا بثلاثة رجال، لحديث مسلم: (حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة).
والثالث: بقية الحدود كحد القذف والشرب وقطع الطريق فلا تثبت بأقل من رجلين وكذا القود، لقول الزهرى : مضت السنة على عهد النبى - صلى الله عليه وسلم - ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود.
والرابع: ما ليس بعقوبة ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والطلاق والنسب والإيصاء، والتوكيل فى غير المال فلا يقبل فيه أقل من رجلين.
والخامس: فى موضحة ونحوها(نوع من جراحة الرأس) وداء بعين وداء دابة فيقبل فيه طبيب واحد وبيطار واحد إن تعذر إشهاد اثنين عليه فإن لم يتعذر فلابد من اثنين.
والسادس: فى مال وما يقصد به المال كالبيع وأجله وخياره والرهن والمهر والشركة والشفعة وجناية الخطأ فيقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان، لقوله تعالى: (فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ( وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال والإجماع منعقد على ذلك، ولا تقبل شهادة أربع نسوة فأكثر مقام رجلين.
والسابع: ما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والحيض والولادة والاستهلال. وجراحة فى حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال.
فتقبل فيه شهادة امرأة واحدة، لما روى حذيفة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجاز شهادة القابلة وحدها.
وروى أبو الخطاب عن ابن عمر أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال: (يجزىء فى الرضاع شهادة امرأة واحدة) ، والأحوط اثنتان وإن شهد به رجل كان أولى لكماله (66).
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم فى " المحلى" (67): ولا يجوز أن يقبل فى الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة أو رجلا واحدا وست نسوة، أو ثمان نسوة فقط. ولا يقبل فى سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة والأموال إلا رجلان مسلمان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك أو أربع نسوة كذلك.
ويقبل فى كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب، ويقبل فى الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل..
مذهب الزيدية:
جاء فى " شرح الأزهار" (68): واعلم أنه يعتبر فى الزنا وإقراره أربعة رجال أصول، فلا يقبل فى الشهادة على الزنا ولا على الإقرار به شهادة دون أربعة رجال ولا شهادة النساء والفروع أى الشهادة على الشهادة وفى حق الله كحد الشارب ولو مشوبا كحد القاذف والسارق للقطع، وفى القصاص: يعتبر رجلان أصلان، ولا تقبل فيه شهادة النساء ولا الفروع وفى عورات النساء وما لا يطلع عليه الرجال منهن تقبل معه امرأة عدلة: الحرائر والإماء سواء، وفيما عدا حقوق الله المحضة والمشوبة والقصاص وما ذكر يقبل فيه رجلان أو رجل واحد وامرأتان أو شاهد ويمين المدعى سواء فى نكاح أو طلاق أو نسب أو مال، ولا يقبل شاهد ويمين فى أصل الوقف بل لابد من رجلين أصليين.
مذهب الإمامية:
فى مذهب الشيعة الإمامية: جاء فى " المختصر النافع" (69) :ولا تقبل شهادة النساء فى الهلال والطلاق، وفى قبولها فى الرضاع تردد أشبهه القبول، ولا تقبل فى الحدود، وتقبل مع الرجال فى الرجم على تفصيل يأتى. وفى الجراح والقتل بأن يشهد رجل وامرأتان، ويجب بشهادتهن الدية لا القود ، وفى الديون مع الرجال، ويقبلن منفردات فى البكارة وعيوب النساء الباطنة، وتقل شهادة القابلة فى ربع ميراث المستهل الذى يصرخ عند الولادة، وامرأة واحدة فى ربع الوصية ، وكذا كل امرأة يثبت شهادتها فى أربعا حتى يكملن أربع فتقبل شهادتهن فى الوصية أجمع.
وفى كفاية الأحكام من باب الشهادات تقبل فى عيوب النساء والاستهلال والنفاس والحيض والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه.
وفى كتاب "شرائع الإسلام " : وتقبل شهادة امرأتين مع رجل فى الديون والأموال 0
وفى المختصر (70): ويثبت الزنا بالإقرار أو البينة، ولا يكفى فى البينة اقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين ولو شهد رجلا ن وأربع نساء يثبت بهم الجلد لا الرجم. ولا تقبل شهادة ست نساء ورجل ولا شهادة النساء منفردات، ولو شهد ما دون الأربع لم يثبت وحدوا للفرية.
وجاء فيه أن حد القذف والسكر والسرقة يثبت بشهادة عدلين وكذا المحارب، وفى القصاص يثبت بالبينة شاهدين لا شاهد وامرأتين، وفى إتيان البهائم ووطء الأموات يثبت بشهادة رجلين عدلين، ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمات.
مذهب الإباضية:
جاء فى " شرح النيل "(71): وتقبل من عدلين حرين بالغين عاقلين أو امرأتين كذلك مع عدل ولو وجد عدلان إلا فى زنا. وترد من نساء فى الحدود مطلقا، الرجم والجلد والتعزير والنكال والحد وقطع السارق، فلا تقبل مع الرجال كما لا تقبل منهن وحدهن وقيل :ترد منهن فى الزنا رجما أو جلدا وتقبل فى غيره، وتقبل منهن فيما لا يباشره الرجال كرتق وعفل وبكارة وثيوبة وبيان حمل وحياة مولود وموته عند ولادته، ومن قابلة أمينة فإن قولها بحياة المولود وموته ونحو ذلك مقبول، إن لم تجر لنفسها أو لمن لا تشهد له نفعا أو تدفع ضررا.
واختلفوا فى نصاب النساء فيما لا يباشره الرجال فقيل: أمينة وقيل: أمينتان بمنزلة رجل، وقيل: أربع، كل اثنتين بمنزلة رجل
شهادة غير المسلمين:
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: إن الشهادة فيها معنى الولاية، ومن ثم لا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم لانعدام الولاية ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( (72). وتقبل شهادة المسلم على غير المسلم لتحقق المعنى. وكذا شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض، وإن اختلفت مللهم لأن الذمى من أهل الولاية على نفسه وأولاده وهو يجتنب ما يعتقده محرما فى دينه والكذب محرم فى الأديان كلها. ولا تقبل شهادة المستأمن على مثله مع اختلاف الدار بينهما لانقطاع الولاية، وقالوا أيضا : لا تقبل شهادة غير العاقل ولا الصبى ولا المملوك لأنهم ليسوا من أهل الولاية (73).
مذهب المالكية والشافعية:
وقال المالكية والشافعية: لا تجوز شهادة غير المسلمين مطلقا لا على المسلمين، ولا على بعضهم البعض سواء اتحدت ملتهم أو اختلفت وسواء أكان فى السفر أم فى الحضر، لقوله تعالى : ( ممن ترضون من الشهداء (.
وقوله تعالى : ( وأشهدوا ذوى عدل منكم (.
وذكر ابن القيم فى الطرق الحكمية (74) : إن الإمام مالكا أجاز شهادة الطبيب الكافر حتى علي المسلم للضرورة.
وذكر ابن حزم فى " المحلى" (75): أن المالكية أجازوا شهادة طبيبين كافرين حيث لا يوجد طبيب مسلم (76).
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: لا تجوز شهادة غير المسلم ولو كان من أهل الذمة مطلقا لا عل مسلم ولا على مثله اتحدت ملتهم أو اختلفت لقوله تعالى: ( واشهدوا ذوى عدل منكم (، وغير المسلم ليس منا ولأنه غير مأمون.
واستثنوا حالة الوصية فى السفر، فأجازوا شهادة أهل الكتاب بالوصية فى السفر ممن حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم وجود مسلم، فتقبل شهادتهم فى هذه الحالة فقط ولو لم تكن لهم ذمة لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ((77) ، وأجاب غيرهم بأن معنى قوله :( آخران من غيركم( : أى من غير عشيرتكم، أو أن الآية منسوخة بقوله تعالى:( وأشهدوا ذوى عدل منكم((78).
مذهب الظاهرية :
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى " المحلى"(79): لا يجوز أن يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم، حاشا الوصية فى السفر فقط، فإنه يقبل فى ذلك مسلمان أو كافران من أى دين كانا، أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر، ويحلف الكفار ههنا مع شهادتهم، بعد الصلاة بالله لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذن لمن الآثمين.
برهان ذلك قول الله تعالى :( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ((80). والكافر فاسق فوجب ألا يقبل.
وقال الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم فى الأرض( الآية، فوجب أخذ حكم الله تعالى كله، وأن يستثنى الأخص من الأعم ليتوصل بذلك إلى طاعة الجميع.
مذهب الزيدية:
(81) ولا تصح من كافر حربى وثنى أو ملحد أو مرتد مطلقا، ولا من غيرهم على مسلم إجماعا لقوله تعالى: ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا ( وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (الإسلام يعلو).
ويقبل الذمى على أهل ملته كالمسلم على مثله بخلاف الحربى لانقطاع أحكامهم،.
فأشبه المرتد، ولا تقبل على مسلم إجماعا ولو على وصيته فى السفر لقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا تقبل شهادة ملة على ملة إلا ملة الإسلام، فإنها تجوز على الملل كلها).
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية، جاء فى " المختصر النافع" (82): وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل ، ولا تقبل شهادة أحدهم على المسلم ولا غيره. وهل تقبل علي أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة، والأشبه المنع.
وفى كتاب " شرائع الإسلام": أن شهادة غير المسلم تقبل على المسلم وغيره فى الوصية مع عدم حضور عدول المسلمين، ولا يشترط كون الموصى فى غربة.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية، جاء فى " شرح النيل" (83): والإجماع على عدم قبول شهادة الكفار على المسلمين، وتجوز شهادة مشرك على مشرك من ملته، وبعضهم يجيز شهادة أعلاهم على من دونه كنصرانى على يهودى، ويهودى على مجوسى.
وتقبل من كتابى على مثله فى ملته، ويهودى على يهودى ، ونصرانى على نصرانى، وترد من ذى ملة على أخرى فوقها أو دونها (84).
وقيل: يجوز كل ملة شرك على ملة شرك أخرى، وجوزت من أهل ملة على أهل ملة دونها لا فوقها.
ومن قال: الشرك كله ملة واحدة أجاز شهادة كل ملة على أخرى.
الشهادة على النفى
مذهب الحنفية:
الأصل عند الحنفية أن الشهادة على النفى لا تقبل ، ولكنهم قالوا: إذا توافرت شروط التواتر فى الشهادة على النفى تقبل، كما إذا ادعى شخص على آخر أنه اعتدى عليه بالضرب أو بالقذف فى يوم كذا فى مكان كذا، وحدده. فأقام المدعى عليه بينة على أنه لم يكن فى ذلك اليوم فى ذلك المكان بل كان فى مكان كذا ،وتواتر بين الناس أنه كان حقيقة فى المكان المذكور فى اليوم المذكور ،وكذلك إذا كان النفى شرطا لثبوت أمر وجودى مترتب عليه ، كقول الشخص: إن لم أدخل الدار اليوم فامرأتى طالق أو عبدى حر،فبرهنت المرأة أو العبد على أنه لم يدخل الدار في هذا اليوم تقبل ،لأن الغرض من إثبات الشرط فى الواقع إثبات الجزاء وهو الطلاق أو العتق ،وكذلك إذا كان النفى يحيط به علم الشاهد ،كما إذا قال الزوج للمرأة : بلغك النكاح ؟ فسكتت ،وقالت : رددت ، فأقام بينة على سكوتها ،تقبل. لأن السكوت فى مجلس محدد الطرفين مما يحيط به الشاهد القائم علي المجلس وكذلك لو كان النفى ضمن إثبات ،كما إذا اختلفا فى أن المرضع أرضعت الصغير بلبن شاة أو بلبن نفسها، فشهدت البينة بأنها أرضعته بلبن شاة لا بلبن نفسها تقبل لأن النفى هنا داخل ضمن الإثبات فإن قولهما أرضعته بلبن شاه يتضمن أنها لم ترضعه بلبن نفسها ، وقولهما بعد ذلك: لا بلبن نفسها تصريح بالنفى الذى تضمنه الإثبات، وكشهادة الشاهدين بانحصار إرث المتوفى فى أولاده زيد وعمرو وخالد ،ولا وارث له سواهم. جاء فى " فروع الدر" من باب القبول وعدمه فى الشهادات : " شهادة النفى المتواتر مقبولة ".
وفى تعليق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك : " وذكر فى الهامش فى النوادر عن الثانى ، شهدا عليه بقول أو فعل يلزم عليه بذلك إجارة أو بيع أو كتابة أو طلاق أو عتاق أو قتل أو قصاص فى مكان أو زمان وصفاه ،فبرهن المشهود عليه أنه لم يكن ثمة يومئذ ،لا تقبل.
لكن قال فى المحيط فى الحادى والخمسين : إن تواتر عند الناس ، وعلم الكل عدم كونه فى ذلك المكان والزمان فلا تسمع الدعوى ويقضى بفراغ الذمة لأنه يلزم تكذيب الثابت بالضرورة، والضروريات مما لا يدخله الشك عندنا.
وفى هذا التعليق أيضا: وذكر الناطفى : أمن الإمام أهل مدينة من دار الحرب فاختلطوا بمدينة أخرى وقالوا: كنا جميعا فشهدا أنهم لم يكونوا وقت الأمان فى تلك المدينة يقبلان ، إذا كانا من غيرهم.
وذكر الإمام السرخسى : أن الشرط وإن نفيا كقوله إن لم أدخل الدار اليوم فامرأته كذا، فبرهنت على عدم الدخول اليوم يقبل.. لأن الغرض إثبات الجزاء ، وقد علل صاحب الفتح قبول بينة الزوج على سكوت المرأة فى مجلس بلوغها النكاح بقوله : لأنها لم تقم على النفى بل على حالة وجودية فى مجلس يحاط بطرفيه أو هو نفى يحيط به الشاهد فيقبل.
وقد ذكرت هذه الفروع وغيرها فى " جامع الفصولين " ، وذكر أن الشهادة فيها قبلت على النفى(85).
مذهب المالكية :
وفى مذهب المالكية يقول " صاحب التبصرة " (86): قال القرافى : اشتهر على ألسنة الفقهاء أن الشهادة علي النفى غير مقبولة، وفيه تفصيل. فإن النفى قد يكون معلوما بالضرورة أو بالظن الغالب الناشئ عن الفحص ، وقد يعرى عنهما.
فهذه ثلاثة أقسام :
الأول: تجوز الشهادة به اتفاقا كما لو شهد أنه ليس فى هذه البقعة التي بين يديه فرس ونحوه ، فإنه يقطع بذلك ، وكذلك يجوز أن يشهد أن زيدا لم يقتل عمرا بالأمس لأنه كان عنده فى البيت لم يفارقه ، أو أنه لم يسافر لأنه رآه فى البلد فهذه شهادة صحيحة بالنفى.
الثانى: يجوز الشهادة بالنفى مستندا إلى الظن الغالب ، ومن ذلك الشهادة على حصر الورثة وأنه ليس له وارث غير هذا ، فمستند الشاهد الظن ، وقد يكون له وأرث لم يطلع عليه، فهى شهادة على النفى مقبولة.
الثالث: ما عرى عنهما، مثل أن يشهد أن زيدا لم يوف الدين الذى عليه أو ما باع سلعته ونحو ذلك ، فهذا نفى غير منضبط ، وإنما تجوز الشهادة علي النفى المضبوط قطعا أو ظنا.
مذهب الشافعية :
وفى مذهب الشافعية: يقول الإمام الجلال السيوطى فى " الأشباه والنظائر" (87): الشهادة على النفى لا تقبل إلا فى ثلاثة مواضع :
أحدها : الشهادة علي أنه لا مال له وهى شهادة الإعسار.
الثانى: الشهادة على أنه لا وارث له.
الثالث: أن يضيفه إلى وقت مخصوص ، كأن يدعى عليه بقتل أو اتلاف أو طلاق فى وقت كذا فيشهد له بأنه ما فعل ذلك فى هذا الوقت فإنها تقبل فى الأصح.
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة : أن الشهادة على النفى مقبولة إذا كان النفى مضبوطا ويحيط به علم الشارع أو كان يستند إلى علم أو دليل ظني.
جاء فى " كشاف القناع " (88): وإن شهدا لمن ادعى إرث ميت أنه وأرثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته سواء كانا من أهل الخبرة الباطنة بصحبة أو معاملة أو جوار
أو لا ، لأنه قد ثبت إرثه والأصل عدم الشريك فيه.
وإن قالا : لا نعلم له وارثا غيره فى هذا البلد أو بأرض كذا، فكذلك. لأن الأصل عدمه فى غير هذا البلد وقد نفيا العلم به فى هذا البلد فصار فى حكم المطلق.
إلى أن قال الموفق فى فتاويه: إنما احتاج إلى إثبات أن لا وارث له سواه لأنه يعلم ظاهرا ، فإنه بحكم العادة يعرفه جاره ومن يعرف باطن أمره بخلاف دينه علي الميت لا يحتاج إلى إثبات ألا دين له سواه لخفاء الدين ولا ترد الشهادة على النفى المحصور.
بدليل المسألة المذكورة ومسألة الإعسار، والبينة فيه تثبت ما يظهر ويشاهد، بخلاف شهادتهما:لا حق له عليه ويدخل فى كلامهم إن كان النفى محصورا قبلت كقول الصحابى ، دعى النبى - صلى الله عليه وسلم - إلى الصلاة ، وكان يأكل لحما مشويا من شاة يحتز منه بالسكين فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ.
قال القاضى: لأن العلم بالترك والعلم بالفعل سواء فى هذا المعنى، ولهذا نقول إن من قال: صحبت فلانا فى يوم كذا فلم يقذف فلانا قبلت شهادته كما تقبل فى الإثبات.
مذهب الزيدية :
وفى مذهب الشيعة الزيدية: لا تقبل الشهادة على النفى إلا إذا كان النفى يقتضى الإثبات وكان متعلقا به.
جاء فى " شرح الأزهار" (89): واعلم أن الشهادة لا تصح على نفى نحو أن يشهد الشهود أنه لا حق لفلان على فلان أو أن هذا الشىء ليس لفلان ، إلا أن يقتضى الإثبات ويتعلق به نحو أن يشهدوا أنه لا وارث لزيد سوى فلان ، فإن هذا نفى لكنه يقتضى أن فلانا هو الذى يستحق جميع الميراث ، فاقتضى النفى الإثبات مع كونه متعلقا به لأن كونه الوارث وحده يتعلق بأنه يستحق جميع الميراث ، فلو اقتضاه ولكن ليس بينهما تعلق لم تصح نحو أن يشهدوا أنه قتل أو باع فى يوم كذا فى موضع كذا، ثم شهد آخران أن الفاعل أو الشهود أو المشهود بقتله فى ذلك اليوم فى موضع آخر غير الذى شهدوا على وقوع الفعل فيه، فإنها شهادة على النفى أى أنه ما قتل وما باع فى ذلك الموضع فلا تصح لأنها وإن تضمنت العلم ببراءة المشهود عليه. لكن ليس بين كونه فى موضع كذا فى يوم كذا وبين القتل والبيع تعلق، فلم تصح لعدم التعلق.
وقال بعضهم: تصح، لأنها تضمنت العلم ببراءة الفاعل وهذا غاية التعلق فصحت.
وفى " البحر الزخار": ولا تصح على نفى كلاحق لفلان ونحوه ، إلا حيث يمكن اليقين كعلى إقرار بنفى ، أو أنه لم يكن بحضرتنا (90).
وهذا يضيف جواز الشهادة على النفى الذى يتيقن به.
مذهب الإمامية :
تقبل شهادة فى دعوى الإعسار، فلو شهدت البينة بالإعسار مطلقا دون تعرض لتلف المال المعلوم أصله وغيره لم تقبل حتى تكن مطلعة على باطن أمره بالصحبة المؤكدة، وكذا تقبل فى دعوى المواريث فى دار فى يد إنسان ادعى آخر أنها له ولأخيه الغائب إرثا عن أبيهما وأقام بينة، فإن كانت كاملة وشهدت أنه لا وارث له سواهما سلم إليه النصف ونعنى بالكاملة ذات المعرفة المتقادمة والخبرة الباطنة (91).
مذهب الإباضية :
وفى مذهب الإباضية جاء فى " شرح النيل" (92) : وإن شهد الشاهدان أنه قتله فى موضع كذا وقت كذا، وشهد آخران له أنه فى ذلك الوقت فى موضع كذا ، فإنه يقتل وبطلت بينته.
وقال وائل بن أيوب: " سقط القتل عنه ". فهو يذكر رأيين فى المسألة كما ذكر فى مذهب الزيدية.
الشهادة على الشهادة :
تقبل الشهادة على الشهادة فى المذاهب الثمانية (93) بشروط وأوضاع مفصلة فى المذاهب ومجال بيانها فى مصطلح شهادة (انظر: شهادة)
 
علم القاضى
يقول الحنفية : إذا كان القاضى قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة المعروضة عليه فى زمن قضائه وفى المكان الذى يتولى القضاء فيه ، فإن كانت الحادثة فى حد خالص لله تعالى كحد الزنا والشرب فلا يجوز له القضاء فيها بعلمه للشبهة الموجبة لدرء الحد ، وإن كانت فى حد فيه حق للعبد كحد القذف أو فى حقوق العباد الخالصة كالأموال والعقود المقصود منها المال من البيع والشراء والقرض أو غير الأموال كالنكاح والطلاق والقتل ، يجوز القضاء فيها بعلمه ، وهذا بالاتفاق بين الإمام وصاحبيه. أما إذا كان قد استفاد علمه بحقيقة الحادثة قبل توليه القضاء أو بعد توليه القضاء ولكن فى غير المكان الذى يتولى القضاء فيه ولو علم بها فى مصر آخر حال قضائه ثم عاد إلى مصره فرفعت إليه وعلم بها وهو قاض فى مكان قضائه ثم عزل ثم أعيد إلى القضاء فعرضت عليه الحادثة ، ففى هذه الحالات كلها ، لا يجوز له أن يقضى بعلمه عند الإمام أبى حنيفة، سواء كانت فى حدود الله الخالصة أو فى غيرها من الحدود الأخرى أو حقوق العباد المالية أو غير المالية.
وقال الصاحبان أبو يوسف ومحمد: يجوز له أن يقضى بعلمه فى تلك الحالات جميعها إلا فى حدود الله الخالصة، فإنه لا يجوز له أن يقضى فيها بعلمه كما قال الإمام غير أنه فى حد الشرب إذا أتى بشخص فى حالة سكر ينبغى له أن يعزره لأجل التهمة ولا يكون ذلك من باب القضاء ولا إقامة الحد إذ له تعزير المتهم فإن لم يثبت عليه، هذا هو رأى المتقدمين من فقهاء الحنفية، أما المتأخرون منهم فقد أفتوا بعدم جواز قضاء القاضى بعلمه فى زماننا فى شىء أصلا لغلبة الفساد فى القضاة.
وقد روى عن الإمام أبى حنيفة أن القاضى إذا علم بطلاق أو عتق أو غصب، أمر بأن يحال بين المطلق ومطلقته والمعتق وأمته والغاصب وما غصبه، بأن يجعل المطلقة أو الأمة أو المغصوبة تحت يد أمين إلى أن يثبت ما علمه القاضى بطريق شرعى ببينة أو إقرار أو نكول وذلك لكيلا يقربها المطلق أو السيد أو الغاصب، وهذا علي وجه الحسبة لا على وجه القضاء.
ومذهب المتأخرين هو المعتمد وعليه الفتوى وعليه العمل الآن، ومن ثم يمكن القول بأن علم القاضى ليس طريقا للقضاء على المعتمد فى مذهب الحنفية.
جاء فى" تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار": واعلم أن الكتابة بعلمه كالقضاء بعلمه فى الأصح، فمن جوزه جوزها ومن لا فلا، إلا أن المعتمد عدم حكمه بعلمه فى زماننا " أشباه " وفيها الإمام يقضى بعلمه فى حد قذف وقود و تعزير.
قلت: فهل الإمام قيد ؟ لم أره.
لكن فى شرح " الوهبانية للشرنبلالى" ، والمختار الآن عدم حكمه بعلمه مطلقا كما لا يقضى بعلمه فى الحدود الخالصة لله تعالى كزنا وخمر مطلقا ،غير أنه يعزر من به أثر السكر للتهمة.
وعن الإمام أن علم القاضى فى طلاق وعتاق وغصب يثبت الحيلولة على وجه الحسبة لا القضاء. وعلق ابن عابدين فى الحاشية على ذلك بما يأتى ملخصا : وشرط جوازه عند الإمام أن يعلم فى حال قضائه فى المصر الذى هو قاضيه بحق غير حد خالص للّه تعالى من قرض أو بيع أو غصب أو تطليق أو قتل عمد أو حد قذف ، فلو علم قبل القضاء فى حقوق العباد ثم ولى فرفعت إليه تلك الحادثة أو علمها فى حال قضائه فى غير مصره ، ثم دخله فرفعت إليه لا يقضى عنده ، وقالا يقضى. وكذا الخلاف لو علم بها وهو فاض فى مصره ثم عزل ثم أعيد.
وأما فى حد الشرب وحد الزنا فلا ينفذ قضاؤه بعلمه اتفاقا ،إلا أن المعتمد عند المتأخرين عدم جواز حكمه بعلمه لفساد قضاة الزمان.
وعبارة الأشباه: والفتوى اليوم على عدم العمل بعلم القاضى فى زماننا وهذا موافق لما مر من الفرق بين الحد الخالص لله تعالى وبين غيره ففى الأول :لا يقضى اتفاقا بخلا ف غيره فيجوز القضاء فيه بعلمه وهذا على قول المتقدمين وهو خلاف المفتى به، وإذا علم القاضى بالسكر يعزره للتهمة لأن القاضى له تعزير المتهم وان لم يثبت عليه، وإن علم بالطلاق أو العتق أو الغصب، يأمر بالحيلولة بين المطلق وزوجته والمعتق وأمته أو عبده، والغاصب وما غصبه، بأن يجعله تحت يد أمين إلى أن يثبت ما عمله القاضى بوجه شرعى على وجه الاحتساب وطلب الثواب لئلا يطأها الزوج أو السيد الغاصب لا على طريق الحكم بالطلاق أو العتاق أو الغصب(94).
مذهب المالكية :
وفى مذهب المالكية : إن القاضى يقضى بعلمه ويعتمد عليه فى الجرح والتعديل فى الشهود اتفاقا، أما غير ذلك من الأشياء ففيه خلاف، والعمل علي أنه لا يعتمد على علمه.
جاء فى " تبصرة " (95) وفى "مختصر الواضحة " إذا كان الحاكم عالما بعدالة الشاهد حتى أنه لو لم يكن حاكما لزمه تعديله إذا سئل عنه فذلك الذى يجيز شهادته على علمه ولا يعدله لا سرا ولا علانية ، وإن سأله ذلك المشهود عليه ، وكذلك إذا علم الحاكم من الشاهد جرحه حتى أنه لو لم يكن حاكما لزمه أن يجرحه إذا سئل عنه ، فلا يعدله لا سرا ولا علانية ولا يقبل شهادته ، وأن عدله المشهود له عنده بجميع أهل بلده. ثم قال: واختلف فى حكمه بما أقر به الخصمان بين يديه ، فقال مالك وابن القاسم لا يحكم بعلمه فى ذلك.
وقال عبد الملك بن الماجشون: يحكم وعليه قضاة المدينة ، ولا أعلم أن مالكا قال غيره.
وبه قال مطرف وسحنون وأصبغ ، والأول هو المشهور.
وقال فى " المتيطية ": قال الشيخ عبد الرحمن فى مسائله: قول ابن القاسم أصح لفساد الزمان ولو أدرك عبد الملك وسحنون زماننا لرجعا عما قالاه ، ولو أخذ بقولهما لذهبت أموال الناس وحكم عليهم بما لم يقروا به ثم إذا حكم بعلمه فى ذلك فعلى قول مالك وأبن القاسم ينقضه هو كما ينقضه غيره وجاء فى كتاب "العقد المنظم " للحكام للقاضى الفقيه ابن سلمون الكنانى على "هامش التبصرة" (96) يعتمد القاضى على علمه فى التجريح والتعديل اتفاقا، ولا يحكم بعلمه فى شىء من الأشياء كان مما أقر به أحد الخصمين عنده أم لا ، إلا أن يشهد عليه بذلك شاهد عدل، قاله ابن القاسم وبه العمل.
وقال ابن الماجشون : يحكم عليه بما أقر به عنده وإن لم يشهد عليه، وهو قول عيس وأصبغ وسحنون، وليس به عمل.
مذهب الشافعية :
وفى مذهب الشافعية: يجوز للقاضى أن يقضى بعلمه فى غير الحدود الخالصة لله تعالى، أما فيها فلا يقضى بعلمه لسقوطها بالشبهة ولأنه يندب فيا الستر.
جاء فى " حواشى التحفة " (97) : والأظهر أن القاضى يقضى بعلمه، أى بظنه المؤكد الذى يجوز له الشهادة مستندا إليه ، وأن استناده قبل ولايته بأن يدعى عليه مالا وقد رآه القاضى أقرضه ذلك أو سمع المدعى عليه أقر بذلك.
ولابد أن يصرح بمستنده ليقول: علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمى. فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه ولابد أن يكون ظاهر التقوى والورع، إلا فى حدود وتعازير الله تعالى ، كحد زنا أو محاربة أو سرقة.
أو شرب لسقوطها بالشبهة مع ندب سترها فى الجملة ، أما حقوق الآدميين فيقضى فيها سواء المال والقود وحد القذف ،ويقضى بعلمه فى الجرح والتعديل والتقويم قطعا.
مذهب الحنابلة:
وفى مذهب الحنابلة: ليس للقاضى أن يقضى بعلمه مطلقا إلا فى الجرح والتعديل جاء فى " كشاف القناع " (98) : ولا خلاف أنه يجوز له الحكم بالإقرار والبينة فى مجلسه وهو محل نفوذ حكمه إذا سمعه معه شاهدان ،لأن التهمة الموجودة فى الحكم بالعلم منفية هنا، فإن لم يسمعه أى الإقرار أو البينة معه أحد أو سمعه معه شاهد واحد فله الحكم أيضا فى رواية حرب ،لأنه ليس حكما بمحض العلم ولا يضر رجوع المقر.
وقال القاضى : ليس له الحكم لأنه حكم بعلمه.
والأولى أن يحكم إذا سمعه معه شاهدان خروجا من الخلاف ،فأما حكمه بعلمه فى غير ذلك مما رآه أو سمعه قبل الولاية أو بعدها فلا يجوز لقول النبى - صلى الله عليه وسلم - : (إنما أنا بشر مثلكم وأنتم تختصمون إلى ،ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع متفق عليه.
فدل على إنه يقضى بما سمع لا بما علم، إلا فى الجرح والتعديل فيعمل بعلمه فى ذلك لأن التهمة لا تلحقه فيه ،لأن صفات الشهود معنى ظاهر.
بل قال القاضى وجماعة: ليس هذا بحكم ،لأنه يعدل هو ومجرح غيره ، ويجرح هو ويعدل غيره ،ولو كان حكما لم يكن لغيره نقضه. وفى الطرق الحكمية : الحكم بالاستفاضة ليس من حكمه بعلمه فيحكم بما استفاض وإن لم يشهد به أحد عنده.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية يقول ابن حزم فى " المحلى" (99): وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه فى الدماء والقصاص والأموال والفروج والحدود وسواء علم ذلك قبل ولايته أو بعد ولايته، وأقوى ما حكم " أن يكون " بعلمه لأنه يقين الحق ثم بالإقرار ثم بالبينة.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الزيدية ،جاء فى " شرح الأزهار وهامشه " (100): وله القضاء بما علم إلا فى حد غير القذف فلا يجوز له أن يحكم فيه بعلمه لقوله تعالى: ( لتحكم بين الناس بما أراك الله ((101) ومن حكم بعلمه فقد حكم بما أراه الله وعلم القاضى أبلغ من الشهادة ،ولقول أبى بكر: لو رأيت رجلا على حد لم أحده حتى تقوم به البينة عندى.
فأما فى حد القذف والقصاص والأموال فيحكم فيها بعلمه سواء علم ذلك قبل قضائه أو بعده لتعلق حق الآدمى بحد القذف، وفى السرقة يقضى بعلمه لأجل المال لا لأجل الحد.
وفى " البحر الزخار" (102): وله القضاء بما علم فى حق الآدمى وإن لم تقم بينة لعموم قوله تعالى: ( فاحكم بينهم بالقسط ( ولإذنه- صلى الله عليه وسلم - لهند أن تأخذ الكفاية من مال زوجها وإن كره ،وذلك قضاء بالعلم ،ولأن الشهادة إنما تثمر الظن فالعمل بالعلم أولى ، ولا يقضى بعلمه فى حد غير القذف لخبر أبى بكر ولندب ستره ، وجاز فى حد القذف لتعلق حق الآدمى به.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الإمامية : أجازو للإمام أن يحكم بعلمه مطلقا ، واختلفوا فى غيره من الحكام ، فقيل: يجوز له أن يحكم بعلمه مطلقا وهو الأشهر، وقيل يجوز ذلك فى حقوق العباد دون حقوق الله ، وقيل :بالعكس.
وفى كفاية الأحكام من باب القضاء: الإمام يحكم بعلمه مطلقا ، والأشهر فى غيره جواز الحكم بالعلم مطلقا، وقال ابن إدريس: يجوز حكمه فى حقوق الناس دون حقوق الله. ونقل فى " المسالك " عن ابن الجنيد عكس ذلك.
وفى "المختصر النافع" (103): للإمام أن يقضى بعلمه مطلقا فى الحقوق، ولغيره فى حقوق الناس، وفى حقوق الله قولان.
مذهب الإباضية :
وفى مذهب الإباضية يقول صاحب " شرح النيل" (104) : ولا يحكم الحاكم بعلمه فى شىء علمه قبل أن يكون قاضيا أو بعد أن كان قاضيا إلا ما علمه فى مجلس قضائه أو التزكية.
وقيل : يحكم بما علم فى منزله الذى يقضى فيه، وقيل فى البلد الذى هو قاض عليه، ومعنى مجلس القضاء المكان الذى يجلس للقضاء فيه. وقيل : ما علمه من لسان الخصمين حال محاكمتهما عنده ، والقولان فى المذهب.
إلى أن قال: والمذهب أنه يقضى بما علم فى مجلس قضائه، والصحيح أن مجلس القضاء مجلسه حين تداعى الخصمين.
القرينة القاطعة :
 
وهى التى توجد عند الإنسان علما بموضوع النزاع والاستدلال يكاد يكون مماثلا للعلم الحاصل من المشاهدة والعيان.
مذهب الحنفية:
قد ذكر ابن الغرس من فقهاء الحنفية فى كتابه " الفواكه البدرية ": أن طريق القاضى إلى الحكم يختلف باختلاف المحكوم به والطريق فيما يرجع إلى حقوق العباد المحضة عبارة عن الدعوى والحجة. وهى إما البينة أو الإقرار أو اليمين أو النكول عنه أو القسامة أو علم القاضى بما يريد أن يحكم به أو القرائن الواضحة. التى تصير الأمر فى حيز المقطوع به ، فقد قالوا: لو ظهر إنسان من دار بيده سكين وهو متلوث بالدماء سريع الحركة عليه أثر الخوف فدخلوا الدار على الفور فوجدوا فيها إنسانا مذبوحا بذلك الوقت ولم يوجد أحد غير ذلك الخارج ، فإنه يؤخذ به ، وهو ظاهر إذ لا يمترى أحد فى أنه قاتله. والقول بأنه ذبحه آخر ثم تسور الحائط أو أنه ذبح نفسه ، احتمال بعيد. إذ لم ينشأ عن دليل ، وبذلك كانت القرينة القاطعة طريقا للقضاء مثل البينة والإقرار.
هذا ما ذكره ابن الغرس ، وقد تعقبه الخير الرملى فى " حاشية المنح " بأن هذا غريب خارج عن الجادة فلا ينبغى التعويل عليه ما لم يعضده نقل من كتاب معتمد ونقل فى تكملة رد المحتار عن صاحب البحر ، أنه قال: إن مدار القرينة القاطعة على ابن الغرس وأنه لم يرما قاله لغيره.
وقال صاحب " التكملة " : والحق أن هذا محل تأمل ، ولا يظن أن فى مثل ذلك يجب القصاص مع أن الإنسان قد يقتل نفسه ، وقد يقتله آخر ويفر، وقد يكون أراد قتل الخارج فأخذ السكين وأصاب نفسه فأخذها الخارج وفر منه وخرج مذعورا، وقد يكون اتفق دخوله فوجده مقتولا فخاف من ذلك وفر وقد تكون السكين بيد الداخل فأراد قتل الخارج ولم تخلص منه إلا بالقتل، فصار من باب دفع الصائل ، الدفاع عن النفس فلينظر التحقيق فى هذه المسألة (105).
وفى رسالة نشر العرف فى بناء بعض الأحكام على العرف من مجموعة رسائل ابن عابدين قال، بعد أن ذكر طائفة من المسائل والفروع التى بنى فيها المتأخرون الأحكام والفتاوى على العرف المتغير، ويقرب من ذلك مسائل كثيرة أيضا حكموا فيها قرائن الأحوال العرفية كالحكم بالحائط بمن له اتصال أثر بيع ثم لمن له عليه أخشاب لأنه قرينة على سيق اليد ، وجواز الدخول بعن زفت إليه ليلة العرس وإن لم يشهد عدلان بأنها زوجته. وساق مسائل كثيرة منها ما ذكره ابن الغرس سالف الذكر.
ثم قال : ولكن لابد لكل من المفتى والحاكم من نظر سديد واشتغال مديد ومعرفة بالأحكام الشرعية والشروط المرعية فإن تحكيم القرائن غير مطرد ألا ترى لو ولدت الزوجة ولدا أسود وادعاه رجل أسود يشبه الولد من كل وجه فهو لزوجها الأبيض ما لم يلاعن.
وحديث ابن زمعة فى ذلك مشهور، عن عائشة - رضى الله عنها- قالت: اختصم سعد ابن أبى وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى ابن وليدة بن زمعة فقال سعد: يا رسول الله ، ابن أخى عتبة بن أبى وقاص، عهد إلى أنه ابنه انظر إلى شبهه.
وقال عبد بن زمعة : هذا آخى يا رسول الله ولد على فراش أبى فنظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة، فقال: (هو لك يا عبد بن زمعة ، الولد للفراش وللعاهر الحجر، احتجبى منه يا سودة بنت زمعة).
قال فلم ير سودة قط (106) : والقرائن مع النص لا تعتبر، وكذا لو شهد الشاهدان بخلاف ما قامت عليه القرينة فالمعتبر هو الشهادة إلى أن قال : فلذا كان الحكم بالقرائن محتاجا إلى نظر سديد وتوفيق و تأييد (107).
فإذا كان مدار اعتبار القرينة القاطعة من طرق القضاء فى مذهب الحنفية على ابن الغرس ولم ينسب القول به إلى أمام من أئمة المذهب ولم ينقل عن كتاب معتمد فى المذهب حتى قال فيه الخير الرملى وصاحب " البحر" ما سلفت الإشارة إليه.
وقال ابن عابدين إن تحكيم القرائن غير مطرد وبين عدم اعتبارها فى كثير من المسائل ــ إذا كان الأمر كذلك - فإنه يمكن القول بأن القرينة القاطعة ليست من طرق القضاء عند الحنفية.
مذهب المالكية :
وفى مذهب المالكية: أن القرينة طريق للقضاء ، فقد عقد "التبصرة"00 بابا للقضاء بما يظهر من قرائن الأحوال والأمارات ذكر فيه طرفا من أحكام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالأمارات فقال : ومنها ما ورد فى الحديث فى قضية الأسرى من قريظة كما حكم فيهم سعد،أن تقتل المقاتلة وتسبى الذرية ، فكان بعضهم يدعى عدم البلوغ.
فكان الصحابة يكشفون عن مؤتزريهم فيعلمون بذلك البالغ من غيره ، هذا من الحكم بالإمارات ، ومنها حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه من بعده بالقافة وجعلها دليلا على ثبوت النسب ، وليس فيها إلا مجرد الإمارات والعلامات ، ومنها حكم عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - والصحابة معه متوافرون برجم المرأة إذا ظهر بها حمل ولا زوج لها.
وقال بذلك مالك وأحمد بن حنبل اعتمادا على القرينة الظاهرة ومنها حكم عمر بن الخطاب وابن مسعود وعثمان - رضى الله عنهم- ، ولا يعلم لهم مخالف بوجوب الحد على من وجد من فيه رائحة الخمر أو قاءها اعتمادا على القرينة الظاهرة.
ثم قال: قال ابن العربى : على الناظر أن يلحظ العلامات إذا تعارضت فما ترجح منها قضى بجانب الترجيح وخلاف فى الحكم بها.
وقد جاء العمل بها فى مسائل اتفقت عليها الطوائف الأربعة. وبعضها قال به المالكية خاصة :
الأولى : أن الفقهاء كلهم يقولون بجواز وطء الرجل المرأة إذا زفت إليه ليلة الزفاف وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال بأنها زوجته اعتمادا على القرينة الظاهرة وعد نحو خمسين مسألة: اعتمد فى الحكم فيها على القرائن والأمارات (108).
مذهب الحنابلة :
وفى مذهب الحنابلة: يقول صاحب " كشاف القناع " (109) : ولو وجد على دابة مكتوب: حبيس فى سبيل الله ، أو وجد على باب دار أو على حائطها ، وقف أو مسجد أو مدرسة حكم بما هو مكتوب على هذه الأشياء المذكورة، لأن الكتابة عليها أمارة قوية فعمل بها ، لا سيما عند عدم المعارضة ، وأما إذا عارض ذلك بينة لا تتهم ولا تستند إلى مجرد اليد، بل نذكر سبب الملك واستمراره، فإنها تقدم على هذه الأمارات.
وأما إن عارضها مجرد اليد لم يلتفت إليها، فأن هذه الأمارات بمنزلة البينة والشهادة واليد ترفع لذلك.
قال ابن القيم فى الطرق الحكمية فى آخر الطريق الثالث والعشرين: ولو وجد على كتب علم فى خزانة مدة طويلة " وقف " فكذلك يحكم بوقفها عملا بتلك القرينة. وأما إن لم يعلم مقر الكتب ولا من كتب عليها الوقفية توقف فيها وعمل بالقرائن، فإن قويت حكم بموجبها، وإن ضعفت لم يلتفت إليها، وإن توسطت طلب الاستظهار وسلك طريق الاحتياط.
مذهب الزيدية (110)
ذكروا أنه عند التداعى فى بيت الخص يحكم لمن تليه معاقد القمط إذ هى أمارة الملك فى العرف ولإجازته - صلى الله عليه وسلم - قضاء حذيفة لمن إليه عقود القمط.
مذهب الإمامية
وفى مذهب الإمامية: جاء فى " المختصر النافع" الطبعة الثانية (111): إذا تداعيا خصا قضى لمن إليه القمط (الحبل الذى يشد به الخص)، وهى رواية عمرو بن شمر عن جابر. وفى عمرو ضعف.
وعن منصور بن حازم عن أبى عبد الله أن عليا عليه السلام قضى بذلك، وهى قضية فى واقعة، وهذا قضاء بالأمارة، فقد عد صاحب التبصرة المالكى من باب القضاء بالأمارات فقال: إذا تنازعا جدارا حكم به لصاحب الوجه ومعاقد القمط والطاقات والجذوع، وذلك حكم بالأمارات(112).
الخط
مذهب الحنفية :
اختلف فقهاء الحنفية فى اعتبار الكتابة حجة يؤخذ بها "فى إثبات الحق ويعتمد عليها فى القضاء وعدم اعتبارها كذلك، وبالرغم من اقتناع الكثيرين من عدم جواز العمل بالخط معللين ذلك بأحد أمرين:
الأول: احتمال أن الكاتب لم يقصد بما كتبه إفادة المعانى الحقيقية للكلمات والألفاظ التى كتبها وإنما قصد تجربة خطه أو مجرد اللهو والتسلية.
والثانى: احتمال التزوير فى الخط إذ الخطوط تتشابه كثيرا إلى درجة كبيرة.. وقد قسموا الكتابة إلى ثلاثة أقسام :
أولا: كتابة مرسومة، أى معنونة، ومصدرة بعنوان على ما جرى به العرف المتبع، كأن يكتب من فلان ابن فلان إلى فلان ابن فلان، أو وصلنى فلان ابن فلان، من فلان ابن فلان مبلغ كذا، أو بذمتى لفلان ابن فلان كذا، وهكذا، ومستبينة ، أى ظاهرة ومقروءة.
ثانيا: كتابة مستبينة، غير مرسومة كالكتابة على غير الوجه المعتاد عرفا أو الكتابة على الحائط وأوراق الشجر.
ثالثا: كتابة غير مستبينة، كالكتابة على الماء أو فى الهواء.
وقالوا:إن ما ينبغى فيه الاحتمال الأول، وهو قصد التجربة أو اللهو مع استثناء الاحتمال الثانى، يكون حجة ويعمل به دفعا للضرر عن الناس، ولا سيما التجار، وأخذا بالعرف، وذلك كالكتابة المستبينة المرسومة مطلقا وهى التى عناها الفقهاء حين قالوا إن الإقرار بالكتابة كالإقرار باللسان، وألحقوها بالصريح من القول فى عدم توقف دلالتها على شبه أو إشهاد أو إملاء. وكالكتابة المستبينة غير المرسومة إذا وجدت نية أو كان معها إشهاد عليها أو إملاء على الغير ليكتبها مما ينفى احتمال التجربة أو اللهو. أما إذا لم يوجد معها شىء من ذلك فلا يعمل بها لقيام الاحتمال وكذلك إذا قضت العادة بأنه لا يكتب إلا على سبيل الجدية وجرى العرف باعتباره حجة كما فى دفاتر السمسار والتاجر والصرافة، وما يكتبه الأمراء والكبراء ممن يتعذر الإشهاد عليهم من سندات وصكوك، ويعترفون بها أو يعدهم الناس مكابرين حين ينكرونها أو توجد بعد موتهم فإنها تكون حجة عليهم ويعمل بها.
وكذلك من توجد فى صندوقه صرة مكتوب عليها هذه أمانة فلان الفلانى يؤخذ بها لأن العادة تفضى بأن الشخص لا يكتب ذلك علي ملكه.
وقالوا: إن ما ينبغى فيه الاحتمالان معا يكون حجة ويعمل به كما فى سجلات القضاة المحفوظة عند الأمناء ولو كانت حديثة العهد، فإنه يؤخذ بما فيها من أقوال الخصوم وشهادة الشهود ويحكم بها ويعتمد عليها فى ثبوت وشروط ومصارف الأوقاف المنقطعة الثبوت المجهولة الشرائط والمصارف وكما فى البراءات، والقرارات السلطانية المتعلقة بالوظائف فإنها تعتبر حجة فيما تضمنته واشتملت عليه، إذ العرف جرى باعتبارها من أقوى الحجج والأدلة لبعدها عن احتمال التزوير والتجربة واللهو. أما الكتابة غير المستبينة أصلا فهى لغو ولا أثر لها (113).
مذهب المالكية:
قال فى الجواهر: لا يعتمد على الخط لإمكان التزوير فيه، وإذا وجد فى ديوانه حكما بخطه ولم يتذكره لا يعتمد عليه لإمكان التزوير، ولو شهد به عنده شاهدان فلم يذكر.
قال القاضى أبو محمد: ينفذ الحكم بشهادتهما، أى لا يعتمد على المدون، وما وجد فى ديوان القاضى من شهادات الناس لا يعتمد القاضى منه إلا ما دونه بخطه أو بخط كاتبه العدل المأمون إذا لم يستنكر فيه شيئا (114).
ونقل ابن القيم فى " الطرق الحكمية " أن ابن وهب روى عن مالك فى الرجل يقوم فيذكر حقا قد مات شهوده ويأتى بشاهدين عدلين على خط كاتب الخط، قال: تجوز شهادتهما على كاتب الكتاب إذا كان عدلا مع يمين الطالب، وهو قول ابن القاسم، وأنه يجوز عند مالك الشهادة على الوصية المختومة (115).
مذهب الشافعية :
المشهور من مذهب الشافعى أنه لا يعتمد على الخط لا فى القضاء ولا فى الشهادة، لاحتمال التزوير فيها، فإن كانت محفوظة وبعد التزوير فيها وتذكرها القاضى أو الشاهد يجوز الاعتماد عليها، وإن لم يتذكرها ما فالصحيح عدم جواز الاعتماد (116)
مذهب الحنابلة :
إذا رأى القاضى حجة فيها حكمه لإنسان وطلب منه إمضاؤه، فعن أحمد ثلاث روايات:
إحداها: أنه إذا تيقن أنه خطه نفذه، وإن لم يذكره، وأختاره فى الترغيب، وقدمه الشيخ مجد الدين فى التحرير ومثله الشاهد إذا وجد شهادة بخطه.
الثانية: أنه لا ينفذه إلا إذا تذكره فان لم يتذكره لم ينفذه.
الثالثة: إذا كان فى حرزه وحفظه كقمطره نفذه ، وإلا فلا.
وقال إسحاق بن إبراهيم: قلت لأحمد - رضى الله عنه - : الرجل يموت وتوجد له وصية تحت رأسه من غير أن يكون قد أشهد عليها أحداً، فهل يجوز إنفاذ ما فيها؟ قال: إن كان قد عرف خطه وهو مشهور الخط، فإنه ينفذ ما فيها.
قال الزركشى:. نص عليه الإمام أحمد - رضى الله عنه- واعتمده الأصحاب.
وقد نص فى الشهادة على أنه إذا لم يذكرها ورأى خطه لا يشهد حتى يذكرها. وقال الإمام فيمن كتب وصيته وقال لم اشهدوا على بما فيها: أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه أو تقرأ عليه فيقر بها.
فنص الإمام - رضى الله عنه- على الصحة وجواز التنفيذ بعد معرفة الخط فى الصورة الأولى.
ونص على عدم الصحة وعدم جواز الشهادة إلا بعد السماع أو الإقرار بعد القراءة فى الصورة الثانية.
وقد أختلف أصحاب أحمد فى ذلك ، فمنهم من خرج فى كل مسألة حكم الأخرى وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج، فجوز عدم الصحة فى الأولى أخذا من الثانية، وجعل فى الثانية وجها بالصحة أخذا من الأولى، ومنهم من منع التخريج وأقر النصين، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وفرق بين الحالتين بأنه فى الحالة الأولى أتنفى احتمال التغيير فى الوصية بالزيادة والنقص بعد موت الموصى، فلم تمنع الشهادة عليها.
وفى الثانية هذا الاحتمال قائم لوجود الموصى فمنعت الشهادة عليها ما لم يتحد بالسماع أو الإقرار.. فالروايات عن الإمام مختلفة فى الأخذ بالخط واعتباره حجة (117).
مذهب الزيدية :
وفى مذهب الشيعة الزيدية لا يحكم القاضى بما وجده فى ديوانه من خطه ولو عرفه لأن الخطوط تشتبه.
جاء فى " البحر الزخار" (118) : ولا يحكم بما وجد فى ديوانه ولو عرف خطه لقوله تعالى:
( ولا تقف ما ليس لك به علم ((119). وقال ابن أبى ليلى وأبو يوسف : يصح بمعرفة الخط، قلنا: تشتبه الخطوط.
وفى باب الشهادة منه أنه لا تجوز الشهادة ولو عرف خطه أو خط غيره بإقرار بحق لاحتمال التزوير (120) وجاء فى " شرح الأزهار" (121): ولا يجوز للحاكم أن يحكم بما وجد فى ديوانه مكتوبا بخطه وختمه سجلا أو محضرا إن لم يذكر، هذا مذهبنا، فقيده بما إذا لم يذكر.
مذهب الإمامية:
وفى مذهب الشيعة الإمامية جاء فى " كشف اللثام" من باب القضاء: لا يجوز للحاكم أن يعتمد على خطه إذا لم يتذكره وكذا الشاهد وإن شهد معه آخر ثقة لإمكان التزوير عليه.
واكتفى الحفيد والقاضى وأبو على بخطه مع شهادة ثقة والصدوقان كذلك مع ثقة المدعى، وجاء فيه: أنه لا يكتفى بما يجده مكتوبا بخطه وإن كان محفوظا عنده. وعلم عدم التزوير، وكذا ما يجده بخط مورثه كما هو الشأن فى الشهادة، لاحتمال اللعب أو السهو أو الكذب فى الكتابة. واعتمد الشيخ جعفر الكبير على الكتابة فى إثبات الوقف إذا كان مضبوطة مرسومة تظهر منها الصحة وإن لم تبلغ حد العلم وإلا ضاعت الأوقاف، لأن طريقها الكتابة وفى "الجواهر" من باب القضاء: التحقيق أن الكتابة من حيث هى كتابة لا دليل على حجيتها من إقرار أو غيره.
نعم، إذا قام القرينة على إرادة الكاتب بكتابته مدلول اللفظ المستفاد من رسمها فالظاهر جواز العمل بها. للسيرة المستمرة فى الأعصار والأمصار علي ذلك بل يمكن دعوى الضرورة على ذلك.
كتاب القاضى إلى القاضى
ويتصل بما نحن فيه كتاب القاضى إلى القاضى، وهو عند الحنفية إما بنقل الحكم إلى المكتوب إليه للتنفيذ أو بنقل الشهادة اليه للحكم بها ويقبل عندهم فيما عدا الحدود والقصاص، ويعنونه القاضى الكاتب من فلان إلى فلان بما يميزه ويدون فيه ما قام لديه، ويقرؤه على الشهود ويختمه أمامهم، ولا يقبله المكتوب إليه إلا بحضور الشهود والخصم ولابد من تعديلهم (122).
مذهب المالكية:
وعند المالكية، كذلك يكون كتاب القاضى تارة بنقل الحكم للتنفيذ والتسليم واختلفوا فيما إذا كان الحكم على غير رأى المكتوب إليه، كما إذا كتب قاض حنفى لقاض مالكى بأن يمكن رجلا من امرأة زوجت نفسها منه بغير ولى، هل يجب عليه التنفيذ أو لا؟.
فعن سحنون لا ينبغى له تنفيذه لأنه خطأ عنده، وعن أشهب يجب التنفيذ لأنه صدر من صاحب سلطة وتعلق به حق المحكوم له فلا يجوز له أن يبطله، وتارة يكون بما ثبت عند القاضى الكاتب من حق لرجل على غريم غائب ويطلب إليه الحكم بما ثبت، وهذا لا خلاف فى وجوب قبوله والعمل به وهل يلزم أن يشهد عليه شاهدان يشهدان عند المكتوب إليه أو يكفى أن يختمه ويقبله المكتوب إليه بعد معرفة الخط أو الختم؟ خلاف.
ويقبل كتاب القاضى عندهم فى جميع الحقوق والأحكام (123).
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية، تارة يكون كتاب القاضى إلى القاضى وجوبا بناء على طلب المدعى بما قام لديه من دعوى وإثبات على غائب بشروطها ليحكم له بها أو ينهى إليه بحكم أصدره على غائب بشروطه لينفذه عليه فى ماله.
وفى صورة أخرى يكون المدعى به عينا فى بلد تحت ولاية المكتوب إليه فيكتب إليه يطلب إرسال العين بكفالة ليِشهد عليها البينة بالمعاينة. أو يتداعى الخصمان هناك لدى المكتوب إليه إذا لم يمكنه أو تعذر إرسال العين (124)
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة يكون الكتاب بنقل الحكم لتسليم المحكوم به أو تنفيذه فى مال الغائب أو الهارب، وتارة بنقل الشهادة المعدلة عند الكاتب أو عند المكتوب إليه ليحكم بها، وكتاب القاضى إلى القاضى عندهم بمثابة الشهادة علي الشهادة، ويشترط أن يقرأ الكاتب الكتاب على عدلين ويشهدهما عليه للتحمل0 ثم يقرؤه المكتوب إليه ويشهدان بما فيه عنده. ولا يكفى معرفة الخط والختم للاشتباه وإمكان التزوير.
ويقبل فى دعوى العين لإرسالها بكفالة أو مع أمين للشهادة عليها بالمعاينة كما عند الشافعية.
مذهب الزيدية:
وفى مذهب الشيعة الزيدية: للقاضى أن يكتب إلى حاكم آخر بحكمه إن كان قد حكم وينفذه المكتوب إليه ولو خالفه مذهبه. وقيل ينفذه إن وافق مذهبه.
ورد ببطلان فائدة الحكم ونصب الحكام وإن كان لم يحكم وكتب إليه يعرفه أن فلانا وفلانا شهدا عندى بكذا لم ينفذه المكتوب إليه ما لم يحكم الكاتب.
وللمكتوب إليه أن يحكم بشهادتهما إن وافق مذهبه واجتهاده لكن بشروط تضمنها الفروع، وهى أن يشهد القاضى الكاتب شاهدين على الكتاب وأن يقرأه عليهما أو يقرأ بحضرته عليهما، ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان أبن فلان، فإن ختمه " ولم يقرأه عليهما لم يعمل به.
وقال الإمام يحيى: إذا ختمه وأشهدهما أنه كتابه فقد حصل أمان التحريف. وكذا يشترط أن يكتب اسم المكتوب إليه فى باطنه ولا يعمل به إذا مات الكاتب قبل بلوغ الكتاب إلى المكتوب إليه، وكذا إذا فسق أو عزل، ولو مات المكتوب إليه أو فسق أو عزل قبل بلوغه الكتاب لم يعمل به من ولى مكانه لأنه موجه إلى غيره، ولا يعمل بالكتاب إلا ببينة كاملة أنه كتابه وقيل : يعمل به من غير شهادة لعملهم بكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير شهادة وقيل : إن عرف الخط والختم عمل به وإلا فلا ورد بأن الخطوط والختوم تشتبه وعلى الرأى الأول لابد أن يقرأ الكاتب الكتاب على الشاهدين أو يقرأ الكتاب عليهما بحضرته ويقول أشهدكما أنى كتبت إلى فلان بن فلان (125).
مذهب الإمامية:
وعند الشيعة الإمامية: المشهور عند علمائهم عدم جواز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى وقال ابن الجنيد :لا يجوز ذلك فى حقوق الله تعالى، أما فى حقوق العباد وفى الأموال وما يجرى مجراها فيجوز العمل بكتاب القاضى إلى القاضى إذا كان القاضى من قبل الإمام.
وقال ابن حمزة: لا يجوز للحاكم أن يقبل كتاب حاكم آخر- إلا بالبينة فإن شهدت البينة على التفصيل حكم به (126).
وفى " المختصر النافع" (127): لا يحكم الحاكم بأخبار حاكم آخر ولا بقيام البينة لثبوت الحكم عند غيره، نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم وأشهد على نفسه فشهد شاهدان بحكمه عند آخر وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم.
مذهب الإباضية:
جاء فى " شرح النيل" (128): الخطاب فى عرفهم فى الأحكام أن يكتب قاضى بلد إلى قاضى بلد آخر بما يثبت عنده من حق لشخص فى بلد الكاتب على آخر فى بلد المكتوب إليه لينفذه فى بلده وذلك واجب إن طلبه ذو الحق ويقبل كتاب القاضى فى الأحكام والحقوق بمجرد معرفة خطه بلا شهادة ولا خاتم وليس ذلك قضاء بعلمه بل لقبول بينة وقال بعض أصحابنا: لا يحكم القاضى بكتاب القاضى إليه، وقال بعضهم اختصم عليه الخصمان وليس حاضرا فى بلده فيكتب الدعوى والجواب والشهادة إلى حاكم البلد الذى فيه الشئ بكتابه وكذا يكتب الدعوى والشهادة إن لم يحضر المدعى عليه إلى قاضى بلد هو فيه.
القسامة
مذهب الحنفية :
القسامة عند الحنفية أيمان يحلفها أهل محلة أو قرية أو موضع قريب منهما أو دار إذا وجد فى شىء منها قتيل به أثر يدل على القتل من جراحة أو ضرب أو خنق ولا يعرف قاتله، يحلف هذه الأيمان خمسون رجلا منهم يتخيرهم ولى القتيل يقول كل منهم بالله ما قتلته ولا علمت له قاتلا، وإن نقص الموجودون منهم عن الخمسين كررت الأيمان على الموجودين ولو واحدا حتى تبلغ الخمسين.
وشروطها: الدعوى بشروطها من أولياء القتيل على من وجد بينهم أو على بعض منهم ولو واحدا أنهم قتلوه عمدا أو خطأ إذ اليمين لا تجب إلا فى دعوى وإنكار المدعى عليهم دعوى القتل، إذ اليمين بنص الحديث على من أنكر، والمطالبة من أولياء القتيل بالقسامة لأن اليمين حق المدعى تستوفى بطلبه، وألا يعلم القاتل وإلا وجب عليه القصاص فى العمد والدية فى الخطأ بعد الثبوت ولا قسامة.
وأن يكون المقسم بالغا عاقلا حرا فلا قسامة على صبى ومجنون وعبد، وأن تكمل الأيمان خمسين، وأن يكون الموضع، الذى وجه فيه القتيل ملكا لأحد أو تحت يد أحد وأن يوجد فى القتيل أثر يدل على القتل، وحكمها القضاء بوجوب الدية إن حلفوا والحبس حتى يحلفوا إن نكلوا، وهذا فى دعوى القتل العمد، أما فى دعوى الخطأ فحكمها القضاء بالدية عند النكول والبراءة ضد الحلف وحين يقضى بالدية تكون على العاقلة فى ثلاث سنين، ويجمع بينها وبين حلف اليمين على خلاف المقر فى الدعاوى.
ولا يحلف أولياء القتيل عند الحنفية لا ابتداء ولا برد اليمين عليهم، جريا علي قاعدتهم فى الدعاوى: البينة على المدعى واليمين على من أنكر، وعلى رأيهم فى عدم رد اليمين على المدعى.. ولا قسامة عند الحنفية فيما دون النفس ولا فى سقط لم يتم خلقه.
ودليل مشروعية القسامة السنة النبوية فى الصحيحين أن عبد الله بن سهل وعبد الرحمن بن سهل وعماهما حويصة ومحيصة خرجوا فى التجارة إلى خيبر، وتفرقوا لحوائجهم، فوجدوا عبد الله بن سهل قتيلا فى قليب من خيبر يتشحط فى دمه، فجاءوا إلى رسوله الله - صلى الله عليه وسلم - ليخبروه فأراد عبد الرحمن أن يتكلم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الكبر، الكبر). فتكلم أحد عميه حويصة أو محيصة الأكبر منهما وأخبره بذلك.قال : ومن قتله؟. قالوا: ومن يقتله سوى اليهود. قال - عليه الصلاة والسلام - : (تبرئكم اليهود بأيمانها). فقالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه. فقال - عليه الصلاة والسلام - : (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم؟). فقالوا: كيف نحلف على أمر لم نعاين ولم نشاهد.
فكره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبطل دمه، فوداه بمائة من إبل الصدقة.
وفى رواية من عنده.
فقد أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى وجوب القسامة، بقوله تبرئكم اليهود بأيمانها، وإنما لم يجر القسامة بينهم لعدم طلب أولياء القتيل القسامة وهو شرط لإجرائها، حيث قالوا: لا نرضى بأيمان قوم كفار لا يبالون ما حلفوا عليه. ودفع الرسول الدية من عنده أو من مال الصدقة كان على سبيل الجعالة عن اليهود لأنهم من أهل الذمة وهم موضع للبر (129).
واحتج من قال بتحليف أولياء القتيل ووجوب القصاص فى العمد بقول الرسول: أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم. ورد القائلون بوجوب الدية بأن التقدير: وتستحقون بدل دم صاحبكم.
مذهب المالكية
وعند المالكية : إذا وجد قتيل وكان هناك لوث تثبت القسامة، واللوث أن توجد قرينة أو ظاهر حال على القتل يوحى بصدق أولياء القتيل فى ادعائهم القتل. كشهادة واحد عدل أو امرأتين بالقتل أو وجود شخص بالقرب من القتيل معه آلة قتل أو أثر جراح بالقتيل، أو قول القتيل قتلنى فلان أو نحو ذلك على اختلاف فى التقدير.
والحلف عندهم على أولياء القتيل لا على المدعى عليهم بعد الدعوى بالقتل على معين، ويحلف فى دعوى القتل العمد القصاص من الرجال المكلفين اثنان أو أكثر وتوزع عليهم الأيمان على عدد الرءوس ويستحقون الدم فإن شاءوا قتلوا وإن شاءوا عفوا.
ويبدأ بأولياء الدم ، ولهم أن يستعينوا بالعصبة ولا يحلف الواحد وحده ولكن يتعين من عصبة الميت بمر يحلف معه.
وفى دعوى الخطأ: المكلفون من الورثة رجالا ونساء على قدر ميراثهم، وإن كان الوارث واحدا حلف خمسين يمينا متوالية.
وإستحق الدية إن كان ذكرا ونصفها إن كان أنثى، وإن تعددوا وزعت عليهم على قدر الميراث كما توزع عليهم الأيمان كذلك، ولا قسامة فيمن لا وارث له ولا يحلف بيت المال.
والحلف يكون بالله تعالى إن فلانا قتل ولينا أو مورثنا فلانا، أو أنه ضربه ومن ضربه مات. وبعد الحلف على النحو المذكور، يجب القود فى العمد والدية فى الخطأ.
وترد الأيمان على المدعى عليهم فى دعوى القتل العمد، واختلفوا فى ردها فى دعوى القتل الخطأ، ولا قسامة عندهم فى الجراح والأطراف ولا فى العبيد والكفار ولا فى أهل الذمة وأن تحاكموا إلينا (130)
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية: تثبت القسامة إذا وجد القتيل ولو عبدا فى المحلة أو القرية مع اللوث وقيام دعوى القتل عمداً أو خطا أو شبه عمد بشروطها.
وليس من اللوث أن يقول القتيل: قتلنى فلان، والحلف عندهم على أولياء القتيل ومن يستحقون بدل دمه يحلفون خمسين يمينا بالله أن هذا يشير إلى المدعى عليه أو يعرفه: قتل ابنى أو أخى عمداً أو شبه عمد أو خطأ منفردا أو مع فلان، وإن مات الولى قبل تمام الأيمان انتقل الأمر إلى ورثة القتيل وحلفوا من جديد، وتوزع عليهم- الأيمان على حسب الميراث، فإن حلف الأولياء أو الورثة، وجبت الدية علي المدعى عليه فى العمد وعلى عاقلته فى الخطأ وشبه العمد، ولا يجب القود فى العمد لأن القسامة حجة ضعيفة، ولم يتعرض حديث البخارى فى القسامة للقود وما فى حديث عبد الله بن سهل: (أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم) فتقديره: بدل دم صاحبكم.
وإن لم يكن هناك لوث، أو أنكره المدعى عليه فى نفسه، وقال: لست أنا من رأيت السكين معه، ولا بينة، حلف وبرئت ذمته.
وهل يحلف يمينا واحدة أو يحلف خمسين يمينا أو يجمع فيحلف يمينا لنفى اللوث وخمسين لنفى القتل؟ أقوال.
ولو ظهر لوث بقتل مطلق لم يوصف بالعمد ولا بغيره، فلا قسامة لأنه لا يفيد مطالبة القاتل ولا العاقلة، ولا قسامة عندهم فى الجروح والأطراف وإتلاف الأموال غير العمد والقول فى الجروح والأطراف قول المدعى عليه مع يمينه كان لوث أولا واليمين هنا خمسون يمينا لأنها يمين دم(131).
ولا تثبت القسامة عند الحنابلة إلا بدعوى القتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ من ولى القتيل على واحد معين مكلف ولو كان أنثى أو عبدا أو ذميا أو كان المقتول واحدا ممن ذكروا لأن ما كان حجة فى قتل المسلم الحر يكون حجة فى قتل العبد والذمى. وأن يكون هناك لوث وليس منه قول القتيل قتلنى فلان 0 ولا يشترط وجود أثر أو جرح بالقتيل،فإن لم يوجد اللوث حلف المدعى عليه يمينا واحدة وبرئ.
وإن نكل قضى عليه بالدية ويسقط القود لأنه يندرىء بالشبهة كالحد، وأن يتفق أولياء القتيل على دعوى القتل على واحد معين 0
فإن كذب بعضهم بعضا أو لم يوافق أحد منهم على الدعوى أو ادعوا على أهل محلة أو قرية أو على واحد غير معين لم تثبت القسامة.
وإن نكل أحدهم بعد الادعاء لم يثبت القتل لأن الحق فى محل الوفاق إنما يثبت بالأيمان التى تقوم مقام البينة ولا ينوب أحد عن غيره فى الأيمان كما فى سائر الدعاوى وأن يكون فى المدعين ذكور مكلفون ولو واحدا، إذ لا مدخل للنساء والصبيان والمجانين فى القسامة.
والحلف عندهم على أولياء القتيل بحضرة الحاكم وبحضور المدعى عليه : بالله لقد قتل فلان هذا- ويشير إلى المدعى عليه أو يعينه بالاسم- ابنى فلانا منفردا عمدا بسيف أو بما يقتل غالبا..
 
وإذا ردت على المدعى عليه يحلف بالله ما قتلته ولا شاركت فى قتله ولا فعلت شيئا مات منه ولا كنت سببا فى موته ولا معينا على موته، وإن مات الولى انتقل ما عليه من الأيمان إلى ورثته على حسب الميراث.
فإن حلف الأولياء استحقوا القود فى العمد والدية فى الخطأ وشبه العمد، وإن لم يحلفوا حلف المدعى عليه ولو امرأة خمسين يمينا وبرىء ، وإن نكل لم يحبس ولزمته الدية. ولا قصاص لأن النكول حجة ضعيفة، وأن لم يرض الأولياء بيمين المدعى عليه وداه الإمام من بيت المال، فإن تعذر لم يجب على المدعى عليه شىء.
ولو رد المدعى عليه اليمين على المدعى ليس له أن يحلف ولكن يقال للمدعى عليه إما أن تحلف و إما أن تعتبر ناكلا ويقضى عليك بالدية، ولا تجرى القسامة عندهم فى الجراح والأطراف(132).
مذهب الزيدية:
القسامة مشروعة عندهم، وحكى عن الناصر أنها غير مشروعة ولكن تجب الدية من بيت المال والأصل فى ثبوت القسامة أن رجلا أتى إلى النبى - صلى الله عليه وسلم - فقال : إن أخى قتل بين قريتين، فقال: يحلف منهم خمسون رجلا. فقال: ما لى غير هذا؟ فقال: ومائة من الإبل، فاقتضى وجوب القسامة والدية عليهم.
وإنما تجب القسامة عندهم فى الموضحة فصاعداً لا فيما دونها ولا تلزم القسامة إلا بطلب الوارث ولو كان الورثة نساء أو عفا عنها بعضهم فلا يسقط حق الباقين، ولا يسقط حق من عفا عن القسامة من الورثة فى الدية لأنهما حقان مختلفان فمن وجد كله قتيلا أو جريحا أو وجد أكثره
فى موضع يختص بمحصورين ولو كان امرأة ولم يدع الوارث على غيرهم لزمت القسامة، فيختار من المستوطنين الحاضرين وقت القتل الذكور المكلفين الأحرار خمسين يحلفون بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله، ويحبس الناكل حتى يحلف ويكرر اليمين على من شاء إن نقصوا عن الخمسين ولا تكرار مع وجود الخمسين المستوفين للشروط ولو راضوا لأن اليمين لا يجرى فيها التوكيل ولا التبرع وتتعدد القسامة بتعدد القتيل، وبعد الحلف تلزم الدية عواقل أهل البلد الحالفين وغيرهم فإن لم يكن لهم عواقل أو كانت وتمردت حتى نقصت الدية وجبت فى أموالهم وإن لم يكن لهم ولا لأهل البلد أموال وجبت فى بيت المال، وإن لم تتوفر الشروط فى أهل الموضع فالدية والقسامة على عواقلهم ، فإن كان الموضع لا يختص بمحصورين أو كان عاما فلا قسامة وتجب الدية فى بيت المال، وكذلك إن وجد القتيل فى مكان يختص به على سبيل الملك أو الاستئجار كداره وبستانه وبئره وإن وجد بين قريتين متساويتين فى القرب منه وفى تردد أهلهما وجبت القسامة على أهل القريتين جميعا. فإن كانت إحداهما أقرب وجبت على أهلها ولا تجب القسامة إن أدعى وارث القتيل على غير أهل الموضع. وإن كان فى أهل الموضع من هو على صفة تدفع عنه التهمة كأن كان شيخا هرما أو مريضا مدنفا وقت القتل لا تجب عليه القسامة لأن التهمة مرتفعة عنه (133).
مذهب الإمامية :
يرى الشيعة الإمامية أن القسامة :هى الأيمان أو الجماعة التى تحلفها، فإذا وجد قتيل فى موضع ولا يعرف من قتله ولا تقوم عليه بينة، ويدعى الولى على واحد أو جماعة من أهل ذلك الموضع بالقتل العمد أو شبه العمد أو الخطأ ويكون هناك لوث قرينة أو ظاهر حال يشعر بصدق الولى فى دعوى القتل يحلف من أولياء القتيل خمسون رجلا على حصول القتل العمد.
وإن نقصوا كررت الأيمان على الموجودين ولو كان واحدا حتى تكمل خمسين يمينا.
أما فى الخطأ والشبيه بالعمد فيحلف الأولياء خمسا وعشرين يمينا. ومنهم من سوى بينهما فأوجب خمسين يمينا فى الخطأ وشبه العمد.
فإن حلفوا وجب القصاص فى العمد: ووجبت الدية على القاتل فى شبه العمد وعلى العاقلة فى الخطأ، وقيل : تجب على القاتل فى الخطأ أيضا.
وإن لم يحلفوا وتعدد المدعى عليهم فالأظهر أن على كل واحد منهم خمسين يمينا، وأن كان المدعى عليه واحدا وأحضر من قومه خمسين رجلا يشهدون ببراءته حلف كل واحد منهم يمينا، وأن كانوا أقل كررت عليهم الأيمان حتى تكمل خمسين، وإن لم يحضر أحد كررت عليه الأيمان حتى تكمل وان نكل ألزم الدعوى عمدا أو خطأ، وتجرى القسامة عندهم فى النفس والأطراف.
واختلف فى عدد الأيمان فى الأطراف، فقيل : خمسون يمينا إن كانت الجناية فى الطرف تبلغ دية النفس كالأنف واللسان، وإلا فبنسبتها من الخمسين.
وقيل: ست أيمان فيما فيه دية النفس، وبحسابه من الست فيما دون ذلك (134).
مذهب الإباضية:
وتثبت القسامة عند الإباضية إذا وجد قتيل حر به علامة قتل فى بلدة أو محلة أو فى مكان قريب منها ولم يدع على معين ولم يوجد فى مسجد ولا فى زحام ولا عداوة بينه وبين قوم من أهل البلد، لزمت القسامة أهل البلد أو المحلة بأن يحلف منهم خمسون رجلا بالله ما قتلناه ولا علمنا قاتله وإن نقصوا عن الخمسين كررت اليمين على من يوجد منهم ولو واحدا حتى تكمل الأيمان خمسين، فإن حلفوا وجبت الدية على الحالفين ومن أبى الحلف حبس حتى يحلف أو يقر ولا قسامة عندهم على أعمى وصبى ومجنون وامرأة إلا إذا لم يوجد غيرها فتحلف وتجب على عاقلتها (135).
القافة :
القافة: جمع قائف وهو الذى يعرف الآثار 0
والخلاف بين الفقهاء فى اعتبار القافة دليلا يعتمد عليه فى الحكم، يكاد ينحصر فى إثبات النسب بها.
والأصل فى هذا الباب ما ورد فى الصحيحين عن عائشة - رضى الله عنها- قالت إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال: (ألم ترى أن مجززا نظر آنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد، فقال :إن هذه الأقدام بعضها من بعض) رواه الجماعة.
وفى لفظ أبى داود وابن ماجة ورواية لمسلم والنسائى والترمذى : (ألم ترى أن مجززا المدلجى رأى زيدا وأسامة قد غطيا رءوسهما بقطيفة وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض). قال أبو داود: كان أسامة أسود وكان زيد أبيض ذكر الشوكانى هذا الحديث فى نيل الأوطار، وقال وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعى ومالك والشافعى وأحمد 0
وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف فى إلحاق الولد، بل يحكم بالولد الذى ادعاه اثنان لهما، واحتج لهم صاحب " البحر" بحديث: الولد للفراش. وروى عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ (136).
وإليكم بيان المذاهب فى ذلك:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أنه لا يجوز العمل بقول القافة ولا الاعتماد على رأيهم فى الحاق الولد وإثبات نسبه ممن يشبهه للحديث الصحيح :(الولد للفراش وللعاهر الحجر) جعل أساس ثبوت النسب الفراش ولأن القافة يعتمدون على الشبه والشبه قد يتحقق بين الأجانب وينتفى بين الأقارب فلا يصلح أساسا لإثبات النسب.
وحديث مجزز المدلجى لا حجة فيه لأن نسب أسامة بن زيد من أبيه كان ثابتا بالفراش ولم يثبت بقول مجزز وسرور النبى - صلى الله عليه وسلم - بما قاله مجزز إنما كان لقضائه على تمادى الناس فى نسب أسامة وخوضهم فيه مما كان يتأذى به النبى - صلى الله عليه وسلم - وكان العرب يعتقدون صحة قول القافة ويعتمدون عليهم فى إلحاق الولد منذ الجاهلية، فجاء قول مجزز قاضيا على خوضهم فى نسب أسامة وسر، النبى - صلى الله عليه وسلم - لذلك.
فإن تنازع اثنان نسب صغير، فإن كان أحدهما صاحب فراش قضى له بنسب الصغير، وإن لم يكن أحدهما صاحب فراش ولا مرجح ألحق الولد بهما وثبت نسبه منهما.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه أخذا من حديث مجزز المذكور لأن النبى - صلى الله عليه و سلم - قد أقر قول مجزز وسر به ولو لم يكن حجة فى ثبوت النسب لما أقره إذ لا يقر إلا ما هو حق.
وقد اختلفت الرواية عن الإمام مالك: هل يكتفى بقائف وأحد كالأخبار وهى رواية ابن القاسم، أو لابد من قائفين كالشهادة، وهى رواية أشهب ؟.
وهل يشرط فى القائف أن يكون عدلا أو لا يشترط؟ روايتان.
والمشهور عند المالكية أنه لا يحكم بقول القائف إلا فى أولاد الإماء دون أولاد الحرائر.
وقال ابن وهب: يعمل به فى أولاد الحرائر واختاره اللخمى.
وقال ابن يونس: إنه أقيس، وهل يجوز عندهم إلحاق الولد باثنين؟ ، قال الصردى: مذهب مالك أنه يكون للرجل أبوان فإن أشركتهما القافة فى الولد كان ابنا لهما جميعا فى قول ابن القاسم وغيره، وقيل لا يقبل قول القائف فى الإشراك بينهما ويدعى غيره حتى يلحقه بأصحهما شبها وإذا لم توجد يوقف يوقفا إلى أن يكبر فيوالى من شاء منهما، ولا تعتمد القافة إلا على أب موجود على قيد الحياة وقيل : تعتمد على الأب الميت الذى لم يدفن، وقيل: تعتمد على العصبة (137).
مذهب الشافعية:
ويرى الشافعية أنه يعمل بقول القافة فى إلحاق الولد وثبوت نسبه لحديث مجزز المذكور سواء فى ذلك أولاد الإماء وأولاد الحرائر.
ويشترط أن يكون القائف حرا مسلما عدلا ذكرا مجربا.
ولا يشترط التعدد فى الأصح.
وإن اختلف القائفان يرجح الأكثر حذقا ومهارة أو يؤتى بثالث ويؤخذ بموافقته أحد الاثنين، ويعمل بقول القافة عند تنازع رجلين نسب صغير وعند تنازع امرأتين على الصحيح عند عدم تيقن الأم (138).
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة العمل بقول القافة فى ثبوت النسب للحديث فى أولاد الإماء وأولاد الحرائر على السواء فى تنازع رجلين.
ويجوز ثبوت النسب منهما معا وفى تنازع امرأتين.
روى ابن الحكم أن يهودية ومسلمة ولدتا وادعت اليهودية ولد المسلمة فقيل للإمام أحمد: تكون فى هذا القافة؟ فقال: ما أحسنه.
وهل يكفى قائف واحد أو لابد من اثنين؟
فى رواية جعفر بن محمد النسائى ومحمد بن داود المصيصى والأثرم لابد من اثنين.
وفى رواية أبى طالب وإسماعيل بن سعيد أنه يكفى قائف واحد، وهو اختيار القاضى وصاحب المستوعب.
وأخذ بعضهم من نص الإمام أحمد على الاكتفاء بالطبيب والبيطار الواحد إذا لم يوجد سواه رواية ثالثة بالاكتفاء بالقائف الواحد إذا لم يوجد سوأه، لأن القائف مثل الطبيب بل هو أولى إذ الأطباء أكثر وجودا من القافة (139).
مذهب الظاهرية:
ويقول ابن حزم الظاهرى فى " المحلى": إن الأخذ بقول القافة فى إلحاق الولد واجب فى أولاد الحرائر والإماء أخذا من حديث مجزز المذكور لأن سرور النبى - صلي الله عليه وسلم - تقرير له ودليل على اعتباره طريقا للإلحاق(140).
مذهب الزيدية:
جاء فى " البحر الزخار" (141): قالت العترة لا يثبت النسب بالقافة وهو الشبه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " الولد للفراش " وهذا فى معنى النفى والإثبات، كقوله:"الأعمال بالنيات".
وقال الشافعى: بل يثبت لقوله - صلى الله عليه وسلم - لامرأة هلال إن جاءت به أصيهب أثيبج حمش الساقين فهو لزوجها، فأثبت النسب بالشبه، قلنا: معارض بقوله - صلى الله عليه وسلم - للذى قال له إن امرأتى أتت بولد أسود " عسى أن يكون عرق نزعه " فلم يعتبر الشبه 0
وقوله فى امرأة هلال: أراد أنه خلق من ماء من أشبهه، وإن لم يثبت نسبه شرعا وقال الإمام يحيى :أو كان قبل نسخ العمل بالقافة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : الولد للفراش.
وتحدث عن مسألة اتفاق فراشين للحرة كنكاح امرأة المفقود حيث رجع وقد تزوجت، ونكاح المعتدة جهلا والأعمى غير زوجته غلطا، وعن إلحاق الولد بأحدهما دون الآخر عند الإمكان وعدم إلحاقه بأيهما عند التعذر، ثم قال: وقال الشافعى بل يعمل بالقافة إذ لا ترجيح لأيهما. قلنا: بل الترجيح بما ذكرنا، والقافة غير ثابتة شرعا.
وهذا صريح فيما يفيد أن الزيدية لا يثبتون النسب بالقيافة.
مذهب الإمامية:
لا يجيز الشيعة الإمامية الأخذ بقول القائف فى إلحاق الولد ويكادون يجمعون على تحريم العمل بها لمنافاتها لما هو كالضرورى من الشرع من عدم الالتفات إلى هذه العلامات وهذه المقادير والمدار عندهم فى إلحاق النسب على الإقرار والولادة على الفراش أو نحو ذلك، مما جاء به الشرع (142).
القرعة :
جاء فى نيل "الأوطار للشوكانى": عن عائشة - رضى الله عنها- أن النبى - صلى الله عليه وسلم- كان إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه.
وقال الشوكانى: استدل بذلك على مشروعية القرعة فى القسمة بين الشركاء وغير ذلك.
والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة.
قال القاضى عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الحظر والقمار وحكى عن الحنفية إجازتها (143).
وفى الطرق الحكمية لابن القيم (144): ومن طرق الأحكام الحكم بالقرعة، قال تعالى: ( ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون( (145) وقال تعالى:( وإن يونس لمن المرسلين.إذ أبق إلى الفلك المشحون0 فساهم فكان من المدحضين ( (146).
ثم ساق عدة أحاديث فى القرعة بين الزوجات فى السفر وفى العتق فى مرض الموت بما يزيد عن الثلث.
وفى القسمة بين الشركاء وفى اليمين إذا أكره الرجلان عليها أو استحباها فليستهما عليها وفى الطلاق، وقال إن مذهب الإمام أحمد أن القرعة طريق للقضاء وذكر خلاف الأئمة الثلاثة فى استعمالها فى الطلاق وإليكم بيان المذاهب:
مذهب الحنفية:
لا يعتبر الحنفية القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، ومن ثم قرروا أنه لا يجوز استعمالها فى دعاوى النسب والمال، وفى الطلاق، والعتق حين يكون الطلاق أو العتق لغير معين أو لمعين، ويتسنى قبل موت المطلق أو المعتق وحين يتأخر بيانه حتى الموت.
وقرروا أنها حين تجرى فيما تجرى فيه عندهم لا تكون الطريق لإثبات الحق والملك أو الإلزام به وإنما تكون لتطييب القلوب ونفى التهمة.
جاء فى شرح العناية على الهداية وتكملة فتح القدير تعليقا علي قول صاحب الهداية فى باب القسمة " والقرعة لتطييب القلوب " هذا هو الاستحسان والقياس يأباها لأن فى استعمال القرعة تعليق الاستحقاق بخروجها.
وذلك قمار أو هو فى معنى القمار، وهو حرام.
ولهذا لم يجوز علماؤنا استعمالها فى دعوى النسب والمال، وتعيين المطلقة والعتق ولكنا تركنا القياس هنا بالسنة والتعامل الظاهر من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا من غير نكير. وليس هذا من باب القمار لأن أصل الاستحقاق فى القمار يتعلق بما يستعمل فيه وفيما نحن فيه لا يتعلق أصل الاستحقاق بخروج القرعة لأن القاسم لو قال: عدلت فى القسمة، فخذ أنت هذا الجانب وخذ أنت ذاك الجانب ولم يستعمل القرعة كان مستقيما إلا أنه ربعا يتهم فى ذلك فيستعمل القرعة لتطييب قلوب الشركاء ونفى تهمة الميل عن نفسه وذلك جائز (147). ومثل ذلك فى " تنوير الأبصار" وشرحه " الدر المختار" وحاشية ابن عابدين عليه من باب القسم بين الزوجات (148).
مذهب المالكية:
لا يعتبر المالكية القرعة طريقا لقضاء بثبوت الحق والملك وإنما يعتبرونها طريقا لقطع النزاع على الاختصاص بالحق والأولوية به ولا تجرى عندهم فى الطلاق. جاء فى " التبصر" لابن فرحون المالكى:
قال القرافى رحمه الله تعالى فى الفروق: الفرق الأربعين والمائتين: اعلم أنه متى تعينت المصلحة أو الحق فى جهة فلا يجوز الاقراع بينه وبين غيره لأن فى القرعة ضياع ذلك الحق المعين. والمصلحة المعينة. ومتي تساوت الحقوق والمصالح فهذا هو موضع القرعة عند التنازع دفعا للضغائن والأحقاد والرضا بما جرت به الأقدار(149). ثم ذكر صاحب التبصرة أن القرعة مشروعة فى مواضع: وعد اثنين وعشرين موضعا منها، بين الأب والأم عند التنازع على حضانة الصغير، وبين الزوجات عند السفر، وبين الشركاء فى القسمة، وبين المؤذنين والأئمة للصلاة، والخلفاء عند التنازع والاستواء فى الكل وبين العبيد إذا أوصى بعتقهم أو بثلثهم فى المرض ثم مات ولم يتسع الثلث للوصية، وبين المتابعين إذا اختلفا فيمن يبدأ باليمين عند التحالف والتناسخ (150).
مذهب الشافعية:
تعتبر القرعة عند الشافعية طريقا لقطع الخصومة والنزاع، ويجرونها فى العتق والقسمة والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك، ولا يجيزون استعمالها فى الطلاق لعدم ورود النص فيه.
جاء فى " شرح المنهج ": ولو اعتق فى مرض موته عبدا لا يملك غيره ولا دين عليه عتق ثلثه، ولو أعتق ثلاثة معا لا يملك غيرهم وقيمتهم سواء عتق أحدهم، ويتميز عتقه بقرعة لأنها شرعت لقطع المنازعة فشرعت طريقا.
وقال البجرمى فى حاشيته :أن القرعة لا تحصل العتق بل هو حاصل وقت إعتاق المريض وإنما هى تميز العتيق عن غيره. وجاء فى الشرح المذكور: ولو علق بهما أى بنقيضين لزوجته وعبده، كأن قال: إن كان هذا الطائر غرابا فزوجتى طالق وإلا فعبدى حر.
وجهل الحال منع منهما لزوال ملكه عن أحدهما.، فلا يتمتع بالزوجة ولا يتصرف فى العبد إلى بيان لتوقعه، فإن مات قبل بيانه لم يقبل بيان وارثه بل يقرع " أى يعمل قرعة" فلعل القرعة تخرج على العبد فإنها مؤثرة فى العتق دون الطلاق، فإن خرجت القرعة على العبد عتق، وإن خرجت على الزوجة بقى الإشكال، إذ لا أثر للقرعة فى الطلاق (151).
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة فإنهم يعتبرون القرعة طريقا من طرق القضاء والحكم، بل هى عندهم كالحكم، وتجرى عندهم فى الطلاق والنكاح والعتق والأموال والقسم بين الزوجات والسفر بهن وغير ذلك لما يجرى فيه النزاع والتخاصم 0
جاء فى " كشاف القناع "(152) فى باب القسمة: فإذا تمت القسمة بأن عدلت السهام وأخرجت القرعة لزمت القسمة لأن القاسم كالحاكم وقرعته كالحكم. نص عليه لأنه مجتهد فى تعديل السهام كاجتهاد الحاكم فى طلب الحق فوجب أن تلزم قرعته.
وفى " الطرق الحكمية "لابن القيم (153): قال أحمد فى رواية إسحاق بن إبراهيم وجعفر ابن محمد: القرعة جائزة.
وقال يعقوب بن بختان: سئل أبو عبد الله عن القرعة ومن قال إنها قمار؟ قال: إن كان ممن سمع الحديث، فهذا كلام رجل سوء يزعم أن حكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قمار.
قال إسحاق: قلت لأبى عبد الله أتذهب إلى حديث عمران بن حصين فى العبيد؟ قال: نعم.
وقال مهنا: سألت أحمد عن رجل قال لامرأتين إحداكما طالق أو لعبدين أحدكما حر؟ قال: قد اختلفوا فيه. قلت: ترى أن يقرع بينهما؟ قال: نعم. قلت: أتجيز القرعة فى الطلاق؟ قال: نعم، وفى النكاح إذا زوج الوليان، ولم يعلم السابق منهما يقرع بينهما. فمن خرجت عليه القرعة حكم له بالنكاح وأنه الأول هذا منصوص أحمد فى رواية ابن منصور وحنبل.
ونقل أبو الحارث ومهنا لا يقرع فى ذلك وفى الدابة تكون فى يد رجل لا يملكها وهى لأحد رجلين لا يعرفه عينا أقرع بينهما فمن قرع صاحبه - أى خرجت له القرعة - حلف وسلمت إليه.
مذهب الظاهرية:
وفى مذهب الظاهرية ذكر أبن حزم الظاهرى فى " المحلى" :أن من أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم أو كانوا أكثر من ثلاثة لا ينفذ من ذلك شىء إلا بالقرعة.
ثم ذكر صورا للوصية: يعتق عبيده الذين لا مال له غيرهم: أو يعتق أكثر من ثلث كل واحد منهم بإجمال ودون ذكر أسمائهم، فإن الوصية يكون فيها حق لله تعالى وحق للورثة، ولابد من القسمة ليتميز حق الله من حق الورثة، ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والأنصباء فى القسمة إلا بالقرعة، فوجب الإقراع بينهم. فمن خرج عليه سهم العتق علمنا أنه هو الذى استحق العتق بموت الموصى وأنه حق الله تعالى ومن خرج عليه سهم علمنا أنه لم يوص فيه الموصى وصية جائزة وأنه من حق الورثة، وهذا صريح فى اعتبار القرعة وجوازها، فى العتق والقسمة (154).
مذهب الزيدية:
جاء فى" البحر الزخار" (155) : القرعة مشروعة فى القسمة إجماعا وفى غيرها الخلاف، وعند الزيدية :هى توجب الملك لإقراعه - صلي الله عليه وسلم - بين نسائه وعمله بما اقتضت.
وعند الإمام يحيى وبعض الأصحاب :إنما شرعت لتطييب النفوس لا للملك، أو تعيين الحاكم أو التراضى بعد الإفراز أو التقويم كالعقد، وإقراعه- صلى الله عليه وسلم - بين نسائه لتطييب نفوسهن فقط إذ له السفر بمن شاء.
وجاء فى " البحر" أيضا (156): قالت العترة يصح تعليق العتق فى الذمة كأحدكم حر إذ هو قربة كالنذر بخلاف الطلاق ويؤخذ بالتعيين كمن نذر بمجهول، فإن مات قبله عتقوا جميعا إذ لا مخصص لبعضهم فاستحق كل منهم قسطا فسرى إلى باقيه.
وقال الشافعى والليث بن سعد: بل يقرع بينهم كفعله - صلى الله عليه وسلم - إذ أقرع بين ستة أعبد لرجل أعتقهم فى مرضه فأرق أربعة وأعتق اثنين، ولإقراعه بين نسائه فى السفر، ولمساهمة يونس - عليه السلام - وفى كفل مريم - عليها السلام - 0 قلنا: أما الأعبد فمخالف للأصول، إذ الحرية لا يطرأ عليها الرق إجماعا. و أما غيرهم فلتطييب النفوس لا لأمر أوجبه. وليست طريقا شرعيا. وما استدلوا به معرض للاحتمال.
وجاء فى " البحر الزخار" أيضا (157): وقالت العترة إذا أوقعه- أى الطلاق- علي غير معينة فى نيته كأحداكن كذا وقع على واحدة لا بعينها، وبه قال القاسمية فليس له صرفه إلى من يشاء لأنه لا يتعلق بالذمة. وعن المؤيد بالله له تعيين من شاء إذ يجوز ثبوته فى الذمة.
وهذا كله ظاهر فى أن القرعة معتبرة عند الزيدية فى القسمة، والخلاف بينهم فى أنها تثبت الملك أولا.
أما فى غير القسمة كالعتق والطلاق، فإن القرعة غير معتبرة إذ ليست طريقا شرعيا.
 
الوسوم
الإسلامي الفقه موسوعة
عودة
أعلى