مفاتح تدبر القرآن و النجاح في الحياة

ياسر المنياوى

شخصية هامة

مفاتح تدبر القرآن عشرة مجموعة في قولك : ( لإصلاح ترتج )
(ل) قلب ، والمعنى أن القلب هو آلة فهم القرآن ، والقلب بيد الله تعالى يقلبه كيف شاء ، والعبد مفتقر إلى ربه ليفتح قلبه للقرآن فيطلع على خزائنه وكنوزه
(أ) أهداف أو أهمية : أي استحضار أهداف قراءة القرآن ؟ أي لماذا تقرأ القرآن .
(ص) صلاة : أن تكون القراءة في صلاة .
(ل) ليل: أن تكون القراءة والصلاة في ليل .أي وقت الصفاء والتركيز
(أ) أسبوع : أن يكرر ما يقرؤه من القرآن كل أسبوع .حتى لو لجزء منه .
(ح) حفظا : أن تكون القراءة حفظا عن ظهر قلب بحيث يحصل التركيز التام وانطباع الآيات عند القراءة .
(ت) تكرار : تكرار الآيات وترديدها .
(ر) ربط : ربط الآيات بواقعك اليومي وبنظرتك للحياة .
(ت) ترتيل وترسل : الترتيل والترسل في القراءة . وعدم العجلة إذ المقصود هوالفهم وليس الكم وهذه مشكلة الكثيرين وهم بهذا الاستعجال يفوتون على أنفسهم خيرا عظيما.
(ج) جهرا : الجهر بالقراءة . ليقوى التركيز ويكون التوصيل بجهتين بدلا من واحدة أي الصورة والصوت.
فهذه وسائل وأدوات يكمل بعضها بعضا في تحقيق وتحصيل مستوى أعلى وأرفع في تدبر آيات القرآن الكريم والانتفاع والتأثر بها .
وإن مما يتأكد التنبيه عليه عدم قصر وحصر النجاح في تدبر القرآن على هذه المفاتح ، فما هي إلا أسباب والنتائج بيد الله تعالى يعطيها من شاء ويمنعها من شاء .فلا يعني - مثلا - إذا قلنا : من مفاتح تدبر القرآن أن تكون القراءة في ليل ، أن قراءة النهار لا تفيد وملغاة .وإذا قلنا : أن تكون القراءة في صلاة ، أن القراءة خارج الصلاة لا تحقق التدبر .فالحصر والقصر غير صحيح بل القرآن كله مؤثر يؤثر في كل وقت وعلى أي حال متى شاء الله ذلك . وما أقوله إن هي إلا وسائل بحسب الاستقراء من النصوص وحال السلف وهي أسباب يسلكها كل مريد للانتفاع بالقرآن بشكل أكبر وأعمق وأشمل .وهي أسباب نذكر بها من حرم من تدبر القرآن وهو يريده ، نقول له اسلك هذه الأسباب لعل الله إذا رأى مجاهدتك في هذا الأمر وعلم منك صدقك أن يفتح لك خزائن كتابه تتنعم فيها في الدنيا قبل الآخرة .
إن التلذذ بالقرآن لمن فتحت له أبوابه لا يعادله أي لذة أو متعة في هذه الحياة ولكن أكثرالناس لا يعلمون.



 


# $ `` تمهيد : في معنى التدبر وعلاماته

أولا معنى التدبر :
قال :" الميداني : "التدبر هو التفكر الشامل الواصل إلى أواخر دلالات الكلم ومراميه البعيدة " اهـ () ، ومعنى تدبر القرآن: هو التفكر والتأمل لآيات القرآن من أجل فهمه وإدارك معانيه وحكمه والمراد منه .

ثانيا: علامات التدبر
ذكر الله تعالى في كتابه الكريم علامات وصفات تصف حقيقة تدبر القرآن وتوضحه بجلاء من ذلك :
{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [(83) سورة المائدة] ،{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [ (2) سورة الأنفال ] ، {وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } [ (124) سورة التوبة] ، { قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً* وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [107-109 : سورة الإسراء] ، {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} [(73) سورة الفرقان] ،{وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ} [(53) سورة القصص ] ، {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [ (23) سورة الزمر]
فتحصل من الآيات السابقة سبع علامات هي:
1- اجتماع القلب والفكر حين القراءة ، 2- البكاء من خشية الله ، 3- زيادة الخشوع ، 4- زيادة الإيمان ، 5- الفرح والاستبشار ، 6- القشعريرة خوفا من الله تعالى ثم غلبة الرجاء والسكينة ، 7- السجود تعظيما لله عز وجل .
فمن وجد واحدة من هذه الصفات أو أكثر فقد وصل إلى حالة التدبر والتفكر ، أما من لم يحصل أيا من هذه العلامات فهو محروم من تدبر القرآن ولم يصل بعد إلى شئ من كنوزه وذخائره .قال إبراهيم التيمي : من أوتي من العلم ما لا يبكيه لخليق ألا يكون أوتي علما لأن الله نعت العلماء .. ثم تلا قول الله تعالى : {قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [(107-109) سورة الإسراء] () ، وعن أسماء بنت أبي بكر _ما قالت : كان أصحاب النبي ‘ إذا قرئ عليهم القرآن كما نعتهم الله تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم " ()


 

ثالثا : مفهوم خاطئ لمعنى التدبر
إن مما يصرف كثيرا من المسلمين عن تدبر القرآن والتفكر فيه وتذكر ما فيه من المعاني العظيمة اعتقادهم صعوبة فهم القرآن وهذا خطأ لمفهوم تدبر القرآن وانصراف عن الغاية التي من أجلها أنزل ، فالقرآن أولا كتاب تربية وتعليم ، وكتاب هداية وبصائر لكل الناس ، كتاب هدى ورحمة وبشرى للمؤمنين ، كتاب قد يسر الله تعالى فهمه وتدبره كما قال تعالى : {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }[ (17) سورة القمر] ،
قال ابن هبيرة : " ومن مكايد الشيطان تنفيره عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع عند التدبر فيقول هذه مخاطرة حتى يقول الإنسان أنا لا أتكلم في القرآن تورعا " () ،قال الشاطبي :" فمن حيث كان القرآن معجزا أفحم الفصحاء وأعجز البلغاء أن يأتوا بمثله فذلك لا يخرجه عن كونه عربيا جاريا على أساليب كلام العرب ميسرا للفهم فيه عن الله ما أمر به ونهى " اهـ () ، قال ابن القيم : " من قال إن له تأولا لا نفهمه ولا نعلمه وإنما نتلوه متعبدين بألفاظه ففي قلبه منه حرج " اهـ ()، ويقول الصنعاني : " فإن من قرع سمعه قوله تعالى : { وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [(20) سورة المزمل] يفهم معناه دون أن يعرف أن ( ما ) كلمة شرط ، و ( تقدموا ) مجزوم بها لأنه شرطها ، و ( تجدوه ) مجزوم بها لأنه جزاؤها ، ومثلها كثير ... فياليت شعري ! ما الذي خص الكتاب والسنة بالمنع عن معرفة معانيها وفهم تراكيبها ومبانيها.. حتى جعلت كالمقصورات في الخيام .. ولم يبق لنا إلاترديد ألفاظها وحروفها ... " اهـ ()
إن الصحيح والحق في هذه المسألة أن القرآن معظمه واضح وبين وظاهر لكل الناس ، كما قال ابن عباس : التفسير على أربعة أوجه : "وجه تعرفه العرب من كلامها ، وتفسير لا يعذر احد بجهالته ، وتفسير يعلمه العلماء ، وتفسير لا يعلمه إلا الله " () ومعظم القرآن من القسمين الأولين . إن عدد آيات الاحكام في القرآن 500 آية ، وعدد آيات القرآن 6236 آية .
إن فهم الوعد والوعيد والترغيب والترهيب والعلم بالله واليوم الآخر لا يشترط له فهم المصطلحات العلمية الدقيقة من نحوية وبلاغية وأصولية وفقهية . فمعظم القرآن بين واضح ظاهر يدرك معناه الصغير والكبير ، والعالم والأمي ، فحينما سمع الأعرابي قول الله تعالى : {فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} [(23) سورة الذاريات] قال : من ذا الذي أغضب الجليل حتى أقسم . وحينما أخطأ إمام في قراءة آية النحل { فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ} [(26) سورة النحل ] قرأها من تحتهم صوب له خطأه امرأة عجوز لا تقرأ ولا تكتب ، إن القرآن بين واضح ظاهر وفهمه وفقهه وتدبره ليس صعبا بحيث نغلق عقولنا ونعلق فهمه كله بالرجوع إلى كتب التفسير ، فنعمم حكم الأقل على الكل فهذا مفهوم خاطئ وهو نوع من التسويف في تدبر القرآن وفهمه .
إن إغلاق عقولنا عن تدبر القرآن بحجة عدم معرفة تفسيره ، والاكتفاء بقراءة ألفاظه مدخل من مداخل الشيطان على العبد ليصرفه عن الاهتداء به .
وإذا سلمنا بهذه الحجة فإن العقل والمنطق والحزم والحكمة أنك إذا أشكل عليك معنى آية أن تبادر وتسارع للبحث عن معناها والمراد بها لا أن تغلق عقلك فتقرأ دون تدبر أو تترك القراءة .


 

&*+` .
المبحث الأول: القرآن والقلب


المطلب الأول: القلب آلة فهم القرآن
الكلام في هذا المطلب - بإيجاز - من وجهين :
الأو ل: أن آلة فهم القرآن هو القلب .
الثاني : أن القلب بيد الله وحده لا شريك له .
فأما الوجه الأول :
فقد دل على ذلك نصوص كثيرة ، الآيات القرآنية منها تزيد على مائة آية ، وسأكتفي في هذا المبحث بذكر ثلاث منها مما هي صريحة الدلالة على المسألة ، من ذلك قول الله تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ } [(57) سورة الكهف] ، وقوله تعالى : {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [(46) سورة الحـج ] ، وقوله تعالى : {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } [(4) سورة الأحزاب]
وليس هذا مقام بسط هذه المسألة وتأصيلها وإنما المقصود التذكير بأن آلة تدبر القرآن وفهمه هو القلب وما يترتب على ذلك من أحكام مما يأتي الحديث عنه .
وأما الوجه الثاني: القلب بيد الله وحده لا شريك له يفتحه متى شاء ويغلقه متى شاء بحكمته وعلمه سبحانه {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهَِ}(24) سورة الأنفال] ، وقد جعل لذلك أسبابا ووسائل من سلكها وفق ومن تخلف عنها خذل ويأتي بيان ذلك في المطلب التالي .
فتذكر وأنت تحاول فهم القرآن أن القلوب بيد الله تعالى ، وأن الله يحول بين المرء وقلبه فليست العبرة بالطريقة والكيفية بل الفتح من الله وحده ، وما يحصل لك من التدبر فهو نعمة عظيمة من الله تعالى تستوجب الشكر لا الفخر فمتى أعطاك الله فهم القرآن وفتح لك معانيه فاحمد الله تعالى وأساله المزيد ، وانسب هذه النعمة إليه وحده ، اعترف بها ظاهرا وباطنا .

المطلب الثاني :حب القلب للقرآن : وفيه ثلاث مسائل :

المسألة الأولى : علاقة حب القرآن بالتدبر
من المعلوم أن القلب إذا أحب شيئا تعلق به ، واشتاق إليه ، وشغف به . وانقطع عما سواه .
والقلب إذا أحب القرآن تلذذ بقراءته ، واجتمع على فهمه ووعيه فيحصل بذلك التدبر المكين ، والفهم العميق
وبالعكس إذا لم يوجد الحب فإن إقبال القلب على القرآن يكون صعبا ، وانقياده إليه يكون شاقا لا يحصل إلا بمجاهدة ومغالبة ، وعليه فتحصيل حب القرآن من أنفع الأسباب لحصول أقوى وأعلى مستويات التدبر .
والواقع يشهد لصحة ماذكرت فإننا مثلا نجد أن الطالب الذي لديه حماس ورغبة وحب لدراسته يستوعب ما يقال له بسرعة فائقة وبقوة ، وينهي متطلباته وواجباته في وقت وجيز ، بينما الآخر لا يكاد يعي ما يقال له إلا بتكرار وإعادة ، وتجده يذهب معظم وقته ولم ينجز شيئا من واجباته .

المسألة الثانية : علامات حب القلب للقرآن
حب القلب للقرآن له علامات منها :
1-الفرح بلقائه والجلوس معه أوقاتا طويلة دون ملل .
2-الشوق إلى لقائه متى بعد العهد عنه وحال دون ذلك بعض لموانع ، وتمني ذلك والتطلع إليه ومحاولة إزالة العقبات التي تحول دونه .
3-كثرة مشاورته والثقة بتوجيهاته والرجوع إليه فيما يشكل من أمور الحياة صغيرها وكبيرها .
4-طاعته ، أمرا ونهيا .
هذه أهم علامات حب القرآن ، فمتى وجدت فإن الحب موجود ، ومتى تخلفت فحب القرآن مفقود ، ومتى تخلف شئ منها نقص حب القرآن بقدر ذلك التخلف .

 
إنه ينبغي لكل مسلم أن يسأل نفسه هذا السؤال:هل أنا أحب القرآن؟
إنه سؤال مهم وخطير ، وإجابته أشد خطرا ،إنها إجابة تحمل معان كثيرة.
وقبل أن تجيب على هذا السؤال ارجع إلى العلامات التي سبق ذكرها لتقيس بها إجابتك وتعرف بها الصواب من الخطأ .
إن بعض المسلمين لو سئل هل تحب القرآن ؟ يجيب : نعم أحب القرآن ، وكيف لا أحبه ؟ لكن هل هو صادق في هذا لجواب ؟
كيف يحب القرآن وهو لا يطيق الجلوس معه دقائق ، بينما تراه يجلس الساعات مع ما تهواه نفسه وتحبه من متع الحياة .
قال أبو عبيد : "لا يسأل عبد عن نفسه إلا بالقرآن فإن كان يحب القرآن فإنه يحب الله ورسوله" . ()
إننا ينبغي أن نعترف أولا أن الجواب : لا إذا لم توجد فينا العلامات السابقة . ثم نسعى في الحصول على الجواب : نعم . وهو ما سيتم بيانه في المسألة التالية.
المسألة الثالثة وسائل تحقيقه لتحصيل حب القلب للقرآن وسيلتان:


 
الوسيلة الأولى: التوكل على الله تعالى والاستعانة به

الاستعانة بالله تعالى وسؤاله سبحانه أن يرزقك (حب القرآن) ، ومن ذلك الدعاء العظيم عن ابن مسعود _ قال : قال رسول الله ‘ : " ما قال عبد قط إذا أصابه هم أو حزن : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ونور بصري وجلاء حزني وذهاب همي إلا أذهب الله همه وأبدله مكان حزنه فرحا قالوا يا رسول الله ينبغي لنا أن نتعلم هذه الكلمات قال أجل ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن. ()
فيكرره كل يوم ثلاثا خمسا سبعا ويتحرى مواطن الإجابة ويجتهد أن يكون سؤاله بصدق وبتضرع وإلحاف وشفقة وحرص شديد أن يجاب وأن يعطى ، إن بعض الناس لا يعرف الإلحاف في المسألة إلا في مطالبه الدنيوية المادية ، أما الأمور الدينية فتجد سؤاله لها باردا باهتا هذا إن دعا وسأل .
ومن الاستعانة بالله في حصول تدبر القرآن ما شرع لقارئ القرآن من الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان الرجيم ، ومن البسملة في أوائل السور ففيها طلب العون من الله تعالى على تدبر القرآن عامة والسورة التي يريد قراءتها خاصة .


 
الوسيلة الثانية: فعل الأسباب :
وخير الأسباب وأنفعها في هذا المقام العلم ووسيلته : القراءة أو السماع:
أي القراءة عن عظمة القرآن مما ورد في القرآن والسنة ، وأقوال السلف في تعظيمهم للقرآن وحبهم له . وأقترح على كل راغب في تحصيل حب القرآن أن يضع له برنامجا يتضمن نصوصا من القرآن والسنة واقوال السلف ، فيها بيان لعظمة القرآن ومكانته ، ويرتبها على مستويين : متن ، وشرح ، فالمتن يحفظ ويكرر ، والشرح يقرأ ويفهم ، ويتم ربط المعاني التي تضمنها الشرح بألفاظ المتن() .
ويرجى بإذن الله تعالى لمن طبق هذا البرنامج أن يرزقه الله حب القرآن وتعظيمه والذي هو المفتاح الرئيس لتدبر القرآن وفهمه ، وكل كلام يقال في هذا الموضوع فهو متوقف عليه ، وهذا السر في أن الكثير منا يقرأ في هذا الموضوع ولا يخرج بأي نتائج إيجابية .
فأكثر من القراءة عن القرآن ، اقرأ باستمرار عن حال السلف مع القرآن وقصصهم في ذلك وأخبارهم .
ينبغي أن نعلم أن عدم حبنا للقرآن وتعظيمنا له سببه الجهل بقيمته ، مثل الطفل تعطيه خمسائة ريال فيرفض ويطلب ريالا واحدا .فكذلك من لا يعرف قيمة القرآن يزهد فيه ويهجره ويشتغل بما هو أدنى منه .
لو أعلن عن كتاب من يختبر فيه وينجح يمنح عشرة مليارات ؟ فكيف يكون حرص الناس وتعلقهم بهذا الكتاب وكيف يكون الطلب عليه والاشتغال بمذاكرته .إن القرآن كتاب من ينجح فيه يمنح ملكا لا حدود له .

 
المبحث الثاني : أهداف قراءة القرآن


تمهيد: في التنبيه إلى استحضار أهداف قراءة القرآن
معظم الناس إذا سالته لماذا تقرأ القرآن ؟ يجيبك لأن تلاوته أفضل الأعمال ولأن الحرف بعشر حسنات والحسنة بعشر أمثالها ، فيقصر نفسه على هدف ومقصد الثواب فحسب أما المقاصد والأهداف الأخرى فيغفل عنها .
والمشتغل بحفظ القرآن تجده يقرأ القرآن ليثبت الحفظ ، الهدف تثبيت الحروف وصور الكلمات فتجده تمر به المعاني العظيمة المؤثرة فلا ينتبه لها ولا يحس ولا يشعر بها لأنه قصر همته وركز ذهنه على الحروف وانصرف عن المعاني . فهذا السبب في أنك قد تجد حافظا للقرآن غير عامل ولا متخلق به .
وجمع الذهن بين اتجاهات ومقاصد متعددة في وقت واحد عملية تحتاج إلى انتباه وقصد وتركيز .
وفي أي عمل نعمله كلما تعددت النيات وكثرت كلما كان العمل أعظم أجرا وأكبر تأثيرا على العامل ، مثل الصدقة على ذي الرحم : صدقة وصلة ، ومثل النفقة على الأهل : نفقة وصدقة .
وقراءة القرآن يجتمع فيها خمس مقاصد ونيات كلها عظيمة وكل واحدة منها كافية لأن تدقع المسلم أن يسارع لقراءة القرآن ويكثر الاشتغال به وصحبته ، وأهداف قراءة القرآن مجموعة في قولك :( ثم شع )
الثاء : ثواب .
الميم : مناجاة ، مسألة
الشين : شفاء .
العين : علم
العين : عمل
فمتى قرأ المسلم القرآن مستحضرا المقاصد الخمسة معا كان انتفاعه بالقرآن أعظم ، وأجره أكبر ، قال النبي ‘ : " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " () . فمن قرأ القرآن يريد العلم رزقه الله العلم ، ومن قرأه يريد الثواب فقط أعطي الثواب .قال ابن تيمية رحمه الله : " من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق " ()وقال القرطبي : " فإذا استمع العبد إلى كتاب الله تعالى وسنة نبيه ‘ بنية صادقة على ما يحب الله أفهمه كما يجب ، وجعل في قلبه نورا"هـ()

 

المطلب الأول : قراءة القرآن لأجل العلم
هذا هو المقصد المهم ، والمقصود الأعظم من إنزال القرآن والأمر بقراءته ، بل ومن ترتيب الثواب على القراءة :قال الله عزوجل : {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [(29) سورة ص ] ، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} [(82) سورة النساء] ، {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءهُم مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءهُمُ الأَوَّلِينَ} [(68) سورة المؤمنون] . {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [(37) سورة ق ]
قال ابن مسعود _ : " إذا أردتم العلم فانثروا هذا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين " اهـ () ،
وقال الحسن بن علي _ : " إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل ويتفقدونها في النهار " اهـ () ، وقال مسروق بن الأجدع - وهو من كبار تابعي الكوفة وأجمعهم لعلم الصحابة - : " ما نسأل أصحاب محمد ‘ عن شئ إلا وعلمه في القرآن ولكن قصر علمنا عنه " () ، وقال عبد الله بن عمر : " لقد عشنا دهرا طويلا وإن أحدنا يؤتى الإيمان() قبل القرآن () فتنزل السورة على محمد ‘ فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها وما ينبغي أن يوقف عنده منها ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحة الكتاب إلى خاتمته لا يدري ما آمره ولا زاجره وما ينبغي أن يقف عنده منه ينثره نثر الدقل "اهـ ()
وقال الحسن البصري : " ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم فيم أنزلت وما أراد بها " ()
وعن عبد الله بن عمر قال : " عليكم بالقرآن فتعلموه وعلموه أبناءكم فإنكم عنه تسألون ، وبه تجزون ، وكفى به واعظا لمن عقل " اهـ ()
وقال الحسن : " قراء القرآن ثلاثة أصناف : صنف اتخذوه بضاعة يأكلون به ، وصنف أقاموا حروفه ، وضيعوا حدوده واستطالوا به على أهل بلادهم واستدروا به الولاة كثر هذا الضرب من حملة القرآن لا كثرهم الله ، وصنف عمدوا إلى دواء القرآن فوضعوه على داء قلوبهم فركدوا به في محاريبهم وحنوا به في برانسهم واستشعروا الخوف فارتدوا الحزن فأولئك الذين يسقي الله بهم الغيث وينصر بهم علىالأعداء والله لهؤلاء الضرب في حملة القرآن أعز من الكبريت الأحمر " اهـ ()
قال أحمد بن أبي الحواري : "إني لأقرأ القرآن وانظر في آيه فيحير عقلي بها واعجب من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بشئ من الدنيا وهم يتلون كلام الله أما إنهم لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه فتلذذوا به واستحلوا المناجاة لذهب عنهم النوم فرحا بما قد رزقوا " ()

 

العلم الذي نريده من القرآن :
ما العلم الذي نريده من القرآن ؟أهو علم الصناعة ؟ أو الزراعة ؟ الإدارة ؟ علم الدين ؟ علم الدنيا ؟
يجيب ابن القيم على هذه المسألة المهمة بأبيات جميلة يقول فيها :
والعلم أقسام ثلاث ما لهـــــــــــــا *** من رابع والحق ذو تبيـــــــــان
علم بأوصاف الإله وفعلــــــــــــه *** وكذلك الأسماء للرحمـــــــــــــن
والأمر والنهي الذي هو دينــه *** وجزاؤه يوم المعاد الثــــــــــــاني
والكل في القـرآن والسنن التي *** جاءت عن المبعوث بالقرآن
إننا نريد العلم الذي يحقق لنا النجاح في الحياة ، يحقق لنا السعادة والحياة الطيبة ، والنفس المطمئنة . والرزق الحلال الواسع ، ويحقق لنا الأمن في الدنيا والآخرة ، نريد العلم الذي يولد الإرادة والعزيمة ، ويقضي على كل مظاهر الفشل والإخفاق في جميع مجالات الحياة إنه : العلم بالله تعالى والعلم باليوم الآخر، وعلم الأمر والنهي ؛ هذه الأقسام الثلاثة التي ذكرها ابن القيم .
العلم بالله تعالى وأوله العلم المقتضي للا ستغفار قال الله تعالى : {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك} . فالعلم الذي يورث الاستغفار ويدفع إليه هو العلم المؤدي للنجاح ، وكل علم لا يبعث على الاستغفار فليس هو المراد . وهذا العلم هو : علم لا إله الا الله ، على وجه يحقق المقصود لفظا ومعنى ، أما اللفظ دون المعنى فلا يحقق المراد والله أعلم .
قال ابن عباس في تفسير قول الله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [(28) سورة فاطر ] : هم الذين يعلمون أن الله على كل شئ قدير .
ولفظ العلم لفظ واسع جدا وإطلاقاته كثيرة ، وهو لفظ جذاب ، وكل يصطفيه لنفسه ويعتبر ما عداه ليس بعلم ، ومن ذلك : أهل العلوم التجريبية يسمون معارفهم علما ، ويسمون العلوم الأخرى - بما فيها علوم الدين- : أدبا ...الخ .
وكل ذلك يعتبر علما فكل معرفة علما ... لكن مجالاته متعددة ، ويقيد فيقال علم كذا أما إذا أطلق العلم عند المسلمين وفي الكتاب والسنة خاصة فيراد به ماذكره ابن القيم .
وأيضا ساد عند الناس قصر العلم على قسم واحد منه وهو العلم بالحلال والحرام ، وهذا خطأ شائع ، فيقصرون كل فضل وارد في العلم على علم الفروع أي الفقه ، أو المسائل الخلافية من علم الاعتقاد ، أما الأصول المتفق عليها فيصرف اللفظ عنها ، وقد تجد من يجادل في هذه الحقيقة .
لكن الصحيح أن العالم حقا هو من يخشى الله تعالى وإن كان لا يعرف كتابة اسمه، كما قيل :
ورأس العلم تقوى الله حقا *** وليس بأن يقال لقد رئستا
وقال ابن مسعود :"كفى بخشية الله علما وكفى بالاغترار بالله جهلا ()

 

كيفية تحقيق هذا المقصد :
أن تقرأ القرآن كقراءة الطالب لكتابه ليلة الامتحان ؟ قراءة مركزة واعية ، قراءة من يستعد ليختبر فيه اختبارا دقيقا .
إننا في هذه الحياة مختبرون في القرآن ، فمنا الجاد النشيط الذي يذاكر هذا الكتاب باستمرار وأجوبته حاضرة وراسخة ، ومنا المهمل المقصر اللاعب الذي إذا سئل عن شئ في القرآن قال : هاه هاه !! لاأدري .
أن تقرأ القرآن قراءة الإداري للائحة النظام التي تنظم عمله وتحدد الإجابة عن كل معاملة ويحتاج إلى الرجوع إليه يوميا، إنه من المقرر : أن الإداري الناجح هو من يحفظ اللائحة ويفهمها فهما دقيقا شاملا وبه يتفوق المتفوقون في الإدارة والقيادة .
إن القرآن هو الذي يجب الرجوع إليه في كل موقف من مواقف حياتنا ، وعليه فمن أراد أن يكون شخصا ناجحا في الحياة فعليه بحفظه وفهم نصوصه ليمكنه الحصول على الإجابات الفورية والسريعة والصحيحة في كل حالة تمر به في حياته .
وقد ورد في القرآن الكريم عدد من الصور والنماذج لهؤلاء الناجحين :
من ذلك جواب النبي ‘ لأبي بكر إذ هما في الغار : { لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا } ، وجواب موسى لقومه : { كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [(62) سورة الشعراء] ، وجواب يوسف عليه السلام لمن دعته للفحشاء : { مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [(23) سورة يوسف] إنها ردود سريعة وحاضرة وقوية في أصعب المواقف التي تمر بالإنسان وتطيش فيها عقول الرجال . إنه الثبات والرسوخ ممن حفظوا كتاب ريهم وفقهوا ما فيه .
القرآن يحيى القلوب كما يحيى الماء الأرض:

قال الله تعالى : {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [(17) سورة الحديد] ، وقد جاءت هذه الآية بعد قول الله تعالى : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [(16) سورة الحديد] ، وفي هذا إشارة إلى أن حياة القلوب يكون بذكر الله تعالى وما نزل من الحق وهو القرآن مثل ما أن حياة الأرض الميتة يكون بالماء ، قال مالك بن دينار : " ما زرع القرآن في قلوبكم يا أهل القرآن ؟ إن القرآن ربيع المؤمن كما أن الغيث ربيع الأرض " اهـ () وهذا أمر مشاهد ظاهر للعيان ومن المشاهدات في هذا الأمر ما نشاهدة من زكاة القلوب ورقتها في رمضان حين يتوالى عليها سماع القرآن وقراءته ويكثر ذلك ، ثم إنك ترى هذه الحياة التي حصلت للقلوب في رمضان تبدأ بالتلاشي بالتدريج بعد رمضان حين تنقطع عن القرآن الكريم .
فمن أراد حياة قلبه فعليه بسقيه بربيع القلوب القرآن وبكميات وكيفيات مناسبة لإحداث الحياة كما سيأتي تفصيله في ثنايا هذا البحث .

 
لم لا تكون الدعوة بالقرآن :

لو تأملنا في حوار النبي ‘ مع المدعوين وماذا كان يقول لهم ، لوجدنا أنه في كثير من المواقف يكتفي بتلاوة آيات من القرآن الكريم ويحدث هذا أثرا عظيما في النفوس لقد كانت قراءة النبي ‘ لآية من القرآن تشد الكافر والمنافق والمشرك و تبين له الحق ، ولا يقل أحد إن هذا خاص بالنبي ‘ بل هو ممكن لكل من سلك سبيله واقتدى به ، وهو بهذا مستجيب لربه سبحانه وتعالى الذي أمره بذلك إذ يقول : { فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ} [(45) سورة ق] ، وبقوله سبحانه : {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ } [(6) سورة التوبة]، وقوله : {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ} [(92) سورة النمل]
فلم لا يكون حوارنا ، وتكون خطبنا ، مواعظنا تنطلق وتدور في فلك آيات القرآن الكريم نبدأ بالاستشهاد بها في كل ما نريد إيصاله إلى المدعوين من تربية وتعليم
إن البعض قد يعتذر قائلا : إن ما تدعو إليه صعب ، ونحن نشاهد الناس يتأثرون بالقصص والأمثلة والنماذج الحية أكثر من تأثرهم بالقرآن ؟
فأقول : إن هذا هو أساس المشكلة التي نحاول علاجها في هذا البحث . وهو لماذا نتأثر بالقصص والحكايات ولا نتأثر بالآيات ؟
إن بعض الدعاة ممن يكثر القصص يتعلل بقوله : إن الناس لا يطيقون أو لا يفهمون ذلك فنحن نقرب لهم الأمر بالقصص والحكايات والأدبيات التي تؤثر في نفوسهم وهذا غير صحيح ، فالعيب في الداعية نفسه وليس في الطريقة أو المنهج وليس العيب في الناس ، بل إنه متى استشعر الداعية عظمة القرآن وكان معايشا له متعمقا فيه فإن أثر قراءته لبضع آيات لا يقارن بأثر قصة أو طرفة أو مشهد من هنا وهناك وجرب تجد .
إنها كلمة أوجهها إلى المصلحين والمربين والقائمين على مكاتب الدعوة وحلقات تحفيظ القرآن بأن يركزوا جهودهم على هذا الأمر بألوان وأساليب متنوعة فيه تقريب وتدريب وتعليم فردي يوصل المتلقي إلى هدف إتقان هذه المفاتح العشرة حسب الاستطاعة ففي هذا اقتداء بالنبي ‘ وتوفير للأوقات والجهود والأموال التي تصرف على الدعوة والإصلاح وفي هذا علاج قوي وسريع المفعول وطويل الأمد .
إن أي وسيلة دعوية يجب أن تربط مباشرة بالقرآن فإن كانت تحقق فهم القرآن والتأثر به حسن فعلها وإلا فتركها أولى وأحرى .
إن انشغال الناس بكتب الناس وطلبهم العافية والشفاء النفسي والقوة المعنوية منها يشبه أسلوبهم في التغذية البدنية الجسدية حيث اقتصروا على أطعمة ترضي الذوق والمزاج بينما هي تهدم الجسد وتهلكه.
 
ومن تطبيقات مقصد العلم :
أن تضع في ذهنك معاني وأسئلة محددة تريد البحث عن جوابها في القرآن مثلك في هذا مثل : من يسير في طريق وهو خالي الذهن أو من يسير وهو يبحث عن هدف معين . إنه من المشاهد - مثلا - أننا نمر بالشارع مرار وتكرارا فلا ننتبه لوجود محل معين فيه إلى أن نحتاج إليه فنبدا بالتركيز والبحث فنكتشفه وقبل ذلك لو سئلنا هل يوجد في الشارع الفلاني مكتبة ، فنقول لا ونؤكد أنه لا يوجد بينما هي موجودة لكن لم ننتبه مع أننا مررنا بجوارها مئات المرات .
إن كل موقف أو حدث أو حالة تمر بك تسأل نفسك أين ذكرت في القرآن ، هل وردت في كتاب الله عزوجل ؟
وكم قرأنا وسمعنا عمن يندهش لغياب معنى آية من القرآن عن قلبه فتجده يقول : أهذه آية في القرآن ؟؟ كأني أسمعها لأول مرة() .
نعم إن قراءة معاني الآيات أمر يختلف تماما عن قراءة الألفاظ . ونسيان المعاني وغيابها أمر يحصل مع أن اللفظ موجود واللسان ينطق به ويكرره.

 

القرآن والبرمجة اللغوية العصبية :

يقول الدكتور محمد التكريتي : " لو كان ملتون أريكسون() يعرف العربية وقرأ القرآن لوجد ضالته المنشودة فيما حاول أن يصل إليه من استخدام اللغة في التأثير اللاشعوري في الإنسان ، ذلك التأثير الذي يشبه السحر وما هو بسحر فقد سحر العرب مؤمنهم وكافرهم على حد سواء ولم يكونوا في بداية الأمر يعرفون سببا لذلك " اهـ ()
وهنا دعوة أوجهها إلى كل من اشتغل بهذا العلم - بحثا عن السعادة والقوة والنجاح أن يبحث عنها في القرآن وأن يركز جهوده وفكره لربط الناس بالقرآن العظيم الذي أنزل من أجل تحقيق القوة والسعادة للناس وتحريرهم من عبودية الشهوات والأهواء وجميع نقاط ضعفهم لينطلقوا في درجات القوة والنجاح في أرقى أشكالها وأعلى صورها .
وليس مقصود البحث بسط الكلام في هذه المسألة وإنما تعرضت لها لعلاقتها بالتدبر ولأنها من أبرز المظاهر التي تؤكد أهمية معرفة مفاتح تدبر القرآن والانتفاع به في الحياة(
وقفة مع آية :
وهي قول الله تعالى : {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} [(164) سورة آل عمران]
إن تزكية الإنسان وإصلاحه له جهتان :
الأولى : العلم والتعليم أو الفكر والمنطق والحجة والمعتقدات .... الخ من المصطلحات في هذا المعنى .
الثانية : العمل أو التربية أو التدريب أو السلوك ... الخ من المصطلحات .
والقرآن الكريم يحقق الأمرين معا بأكمل وجه وأحسن صورة لمن آمن به وسلك الأسباب الموصلة لذلك .
إن القرآن الكريم بحق هو كتاب التربية والتعليم الذي يغني عما سواه ، ولا يغني غيره عنه .
ولقد أجاد ابن القيم في كتابة مفتاح دار السعادة في بيان هاتين الجهتين والعلاقة بينهما.
فمن المعلوم المقرر أن سلوك الإنسان وتصرفاته لا تصدر بعفوية أو عشوائية وإنما تقوم على فكر ومعتقد وتراكمات علمية بنيت على مر الأيام ، وعلى خبرات تم تخزينها مع تكرار المواقف والتصرفات منذ الطفولة إلى أن صار رجلا ، فمتى أردت الطريق المختصر لتغيير شخص فعليك بتغيير معتقداته وأفكاره ، دون أن تتعب نفسك بملاحقة مفردات سلوكياته وتصرفاته ، وهذا ما يحققه القرآن الكريم لمن أخذ بمفاتحه .

 
المطلب الثاني :قراءة القرآن بقصد العمل به
قال علي بن أبي طالب _ : " يا حملة القرآن أو ياحملة العلم : اعملوا به فإنما العالم من عمل بما علم ، ووافق علمه عمله وسيكون أقوام يحملون العلم لا يجاوز تراقيهم يخالف عملهم علمهم وتخالف سريرتهم علانيتهم يجلسون حلقا يباهي بعضهم بعضا حتى إن الرجل ليغضب على جليسه أن يجلس إلى غيره ويدعه أولئك لا تصعد أعمالهم في مجالسهم تلك إلى الله تعالى "اهـ ()
وعن الحسن البصري قال :" أمر الناس أن يعملوا بالقرآن فاتخذوا تلاوته عملا " () ، وقال الحسن بن علي : "إقرأ القرآن ما نهاك فإذا لم ينهك فليست بقراءة " ()وقال الحسن البصري : "إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه وإن لم يكن قرأه" اهـ . () وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان وابن مسعود وأبي بن كعب _م : " أن رسول الله ‘ كان يقرئهم العشر فلا يجاوزونها إلى عشر أخرى حتى يتعلموا ما فيها من العمل ، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا "() . يقول الآجري : " يتصفح القرآن ليؤدب به نفسه همته متى أكون من المتقين ؟ متى أكون من الخاشعين ؟ متى أكون من الصابرين ؟؟ متى أزهد في الدنيا ؟؟ متى أنهى نفسي عن الهوى ؟؟ "اهـ () وقال الحسن البصري : " إن هذا القرآن قد قرأه عبيد وصبيان لا علم له بتأويله ... وما تدبر آياته إلا باتباعه وما هو بحفظ حروفه وإضاعة حدوده حتى إن أحدهم ليقول : لقد قرأت القرآن كله فما أسقطت منه حرفا وقد والله أسقطه كله ، ما يرى القرآن له في خلق ولا عمل حتى إن أحدهم ليقول إني لأقرأ السورة في نفس ؟ والله ما هؤلاء بالقراء ولا بالعلماء ولا الحكماء ولا الورعة متى كانت القراء مثل هذا ؟ لا كثر الله في الناس مثل هؤلاء ."اهـ () وفي الصحيح أن عائشة _ا سئلت عن قول الله تعالى:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[(4) سورة القلم]: ما كان خلق رسول الله ؟فقالت : " كان خلقه القرآن يغضب لغضبه ويرضى لرضاه " اهـ () جاء رجل بابنه إلى أبي الدرداء فقال : إن ابني هذا قد جمع القرآن . فقال : اللهم غفرا إنما جمع القرآن من سمع له وأطاع " اهـ () وعن حذيفة_ قال : " يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقا بعيدا ، فإن أخذتم يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا " اهـ ()

 

مفهوم تطبيق هذا المقصد :
أن يقرأ القرآن بنية العمل ، بنية البحث عن علم ليعمل به ، فيقف عند آياته ينظر ماذا تطلب منه هل أمر يؤمر به أو شئ ينهى عنه أو فضيلة يدعى للتحلي بها ، أو خطر يحيق به يحذر منه ، وهكذا فإن القرآن هو الدليل العملي لتشغيل النفس وصيانتها ، ينبغي أن يكون قريبا من كل مسلم يربي به نفسه ويهذبها .
أن تقرأ القرآن بنية وقصد : من يبحث عن حل لمشكلة أو إصلاح خلل ، يبحث عن تفسير لظاهرة أو علاج لمرض ، أو تحليل لحالة من الحالات ؟
أما إذا كنا نبحث عن علاج مشكلاتنا التربوية في كتب فلان أوعلان أو في المجلات والصحف أو القنوات الفضائية ، فإننا بهذا قد عطلنا هذا المقصد المهم من مقاصد القرآن ، إن كل تربية لا تبنى مباشرة على القرآن فهي تربية قاصرة ولو أثمرت بعض الثمار مؤقتا استدارجا وابتلاء .إن تربية الناشئة وتربية الشباب لا بد أن تبنى مباشرة على القرآن بأساليب ووسائل مناسبة .
إن البعض منا لما تعلق بالدنيا ومكاسبها المادية ابتلي وفتن بعلوم الغرب وأطروحاتهم وظن فيها النجاح والسعادة والقوة الإدارية والاقتصادية . وهو يتأول لفعله هذا بشتى التأويلات ويحتج لتصرفه بكثير من الحجج .


 
المطلب الثالث : قراءة القرآن بقصد مناجاة الله
أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة _ أنه سمع النبي ‘ يقول : " ما أذن الله لشئ ما أذن لنبي حسن الصوت يجهر بالقرآن " () ومعنى : أذن . أي : استمع ، وأخرج ابن ماجه عن فضالة بن عبيد قال : قال رسول الله ‘ : " لله أشد أذنا إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن يجهر به من صاحب القينة إلى قينته "() ، وعن عبد الله بن المبارك قال : سألت سفيان الثوري قلت : الرجل إذا قام إلى الصلاة أي شئ ينوي بقراءته وصلاته ؟ قال : ينوي أنه يناجي ربه "() ، وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن البياضي أن رسول الله ‘ خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال : إن المصلي يناجي ربه عزوجل فلينظر ما يناجيه ، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"() ، وقال قتادة : ما أكلت الكراث منذ قرأت القرآن "() ،وقال أبو مالك: إن أفواهكم طرق من طرق الله تعالى فنظفوها ما استطعتم قال : فما أكلت البصل منذ قرأت القرآن " ()
فالمسلم عند قراءته للقرآن عليه أن يستحضر هذا المقصد العظيم لكي يشعر بلذة القراءة حينما يستحضر أن الله يراه ويستمع لقراءته وهو يقرأ ويمدحه ويثني عليه ويباهي به ملائكته المقربين .
إن أحدنا لو ظن أن رئيسه ، أو والده أو أميرا ينظر إلى قراءته ويمدحه لاجتهد في ذلك ، فكيف والذي يستمع إليه ويثني عليه ملك الملوك الذي له ما في السموات ومافي الأرض وما بينهما وما تحت الثرى .
فالقارئ يستشعر أنه يخاطب الله مباشرة والله تعالى يسمعه ، فإذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بآية فيه وعيد استعاذ ، وإذا مر بسؤال سأل .
هذا ما أعنيه بالمناجاة ....عن حذيفة _ قال : " صليت مع النبي ‘ ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى ، فقلت يصلي بها في ركعة فمضى ، فقلت يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلا إذا مر بآية فيها بتسبيح سبح وإذا مر بسؤال سأل وإذا مر بتعوذ تعوذ " ()
هكذا تكون المناجاة بالقرآن ، إنها قراءة حية يعي فيها العبد ما يقرأ ولماذا يقرأ ، ومن يخاطب بقراءته ، وماذا يحتاج منه ، وما يجب له نحوه من التعظيم والتقديس .
تذكر دائما إذا مررت بصفة من صفات النجاح والسعادة أن تسأل الله تعالى إياها ، وإذا مررت بصفة من صفات الشقاء والفشل والنكد والضيق أن تستعيذ بالله من شرها .
ثم إن تربية النفس على هذا المقصد يقوي فيها مراقبة الله تعالى في حال النشاط وهي مقبلة فيكون حاجزا لها عند الفتور والإدبار.
تذكر دائما أن الله : يحب أن تقرأ القرآن ، وأنه سبحانه يستمع لمن يقرأ ، يثني على من يقرأ . يحب من يقرأ .
قال ابن القيم رحمه الله : " إذا أردت الانتفاع بالقرآن فاجمع قلبك عند تلاوته وسماعه وألق سمعك واحضر حضور من يخاطبه به من تكلم به سبحانه منه إليه فإنه خطاب منه لك على لسان رسوله "

 

المطلب الرابع: قراءة القرآن بقصد الثواب
ورد في ترتيب الثواب على قراءة القرآن نصوص كثيرة اذكر طرفا منها للتذكير بهذا الأمر المهم : عن زيد بن أرقم أن النبي ‘ قال : " ألا إني تارك فيكم ثقلين أحدهما كتاب الله عزوجل ، هو حبل الله ومن اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على ضلالة " () ، وعن أبي سعيد الخدري - _ - قال : قال رسول الله ‘ : " كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض "() ،وعن جابر بن عبد الله _ما قال : " كان النبي ‘ يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير له إلى أحدهما قدمه في اللحد " () ، وعن عائشة _ا قالت قال رسول الله ‘ : الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران "() ،وعن عثمان رضي الله عن قال : قال رسول الله ‘ : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " ()، وعن أبي هريرة _ قال : قال رسول الله ‘ : " تعلموا القرآن فاقرؤه وأقرئوه فإن مثل القرآن لمن تعلمه فقام به كمثل جراب محشو مسكا يفوح ريحه في كل مكان ، ومثل من تعلمه فرقد وهو في جوفه كمثل جراب أوكي على مسك " () ، وعن أبي أمامة _ قال : سمعت رسول الله ‘ يقول : " اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه () ، وعن عبد الله بن عمرو _ أن رسول الله ‘ قال : الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام : أي رب ؟ منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن : منعته النوم بالليل فشعني فيه قال فيشفعان " () ، وعن جابر _ عن النبي ‘ : " القرآن شافع مشفع وماحل مصدق من جعله أمامه قاده إلى الجنة ومن جعله خلف ظهره ساقه إلى النار"() ، وعن النواس بن سمعان عن النبي ‘ قال : يأتي القرآن وأهله الذين يعملون به في الدنيا تقدمه سورة البقرة وآل عمران" () ،وعن ابن عباس _ قال : قال رسول الله ‘ : إن الذي ليس في جوفه شئ من القرآن كالبيت الخرب "() ، وعن عمر _ قال : أما إن نبيكم قد قال : إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين "() ،عن أبي موسى الأشعري _ قال قال رسول الله ‘ مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر" () ، وعن سهل بن سعد قال قال رسول الله ‘ لرجل : ما معك من القرآن ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا عددها ، قال : أتقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ قال : نعم . قال : اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن "() ،وعن أبي هريرة _ قال : قال رسول الله ‘ : ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم () إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " ()، وعن عبد الله بن مسعود مرفوعا " من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف "()،قال ابن عباس _ : " لو أن حملة القرآن أخذوه بحقه وما ينبغي له لأحبهم الله ولكن طلبوا به الدنيا فابغضهم الله وهانوا على الناس " اهـ () ، وعن ابن مسعود قال : "إن هذا القرآن مأدبة الله فخذوا منه مااستطعتم فإني لا أعلم شيئا أصفر من خير من بيت ليس فيه من كتاب الله شئ وإن القلب الذي ليس فيه من كتاب الله شئ خرب كخراب البيت الذي لا ساكن فيه "() ،قال ابن مسعود : إن هذه القلوب أوعية فاشغلوها بالقرآن ولا تشغلوها بغيره"() ، قال أبو هريرة _ : " البيت الذي يتلى فيه كتاب الله كثر خيره وحضرته الملائكة وخرجت منه الشياطين والبيت الذي لا يتلى فيه كتاب الله ضاق بأهله وقل خيره وحضرته الشياطين وخرجت منه الملائكة "() ،والنصوص في هذا الباب كثيرة وإنما قصدت ألا يخلو هذا البحث من طرف منها ليكون ترسيخا لهذا الهدف من أهداف قراءة القرآن ، ومن أراد التوسع فعليه بكتب السنة يقطف منها ما لذ وطاب من الكلام المستطاب ؛ فما ذكرته هنا غيض من فيض وقليل من كثير والله الهادي إلى سواء السبيل .

 

المطلب الخامس: قراءة القرآن بقصد الاستشفاء به :

قال الله تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } [(57) سورة يونس] وقال تعالى {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا} [(82) سورة الإسراء] ، وقال الله تعالى : { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [(44) سورة فصلت]
فالقرآن شفاء للقلوب من أمراض الشبهات والشهوات ، وشفاء للأبدان من الأسقام . فمتى استحضر العبد هذا المقصد فإنه يحصل له الشفاءان بإذن الله تعالى .عن علي _ قال : قال رسول الله ‘ : "خير الدواء القرآن"() وعن عائشة _ا أن رسول الله ‘ دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها فقال : عالجيها بكتاب الله " ().
وليس هذا موضع بسط هذه المسألة وإنما المقصود التذكير بأن يستحضر قارئ القرآن هذا الأمر العظيم حين قراءته ليحصل على أعلى درجات التأثير والنفع ، ومن اراد الاستزادة فعليه بمراجعة كتاب الطب النبوي لابن القيم فقد فصل وأجاد الحديث عن هذه المسألة وفيه كلام نفيس يحسن الرجوع إليه .

 

المطلب السادس :المقاصد المذمومة
بعد أن ذكرنا المقاصد الصحيحة لقراءة القرآن يحسن أن ننبه على بعض المقاصد السيئة والتي يسلكها البعض ويقصدها من اشتغاله بالقرآن ومن ذلك ما ورد في النصوص التالية:
عن أبي سعيد الخدري _ يقول سمعت رسول الله ‘ يقول : " يخلف قوم من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ثم يكون خلف يقرأون القرآن لا يعدوا تراقيهم ويقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن و منافق و فاجر قال بشير فقلت للوليد ما هؤلاء الثلاثة قال المنافق كافر و الفاجر يأكل به و المؤمن يؤمن به " () ، عن سهل بن سعد الساعدي قال خرج علينا رسول الله ‘ يوما ونحن نقترىء فقال الحمد لله كتاب الله واحد وفيكم الأحمر وفيكم الأبيض وفيكم الأسود اقرؤوه قبل أن يقرأه أقوام يقيمونه كما يقوم السهم يتعجل أجره ولا يتأجله() ، وعن عمران بن حصين قال : سمعت رسول الله ‘ يقول : من قرأ القرآن فليسأل الله به فإنه يجئ أقوام يقرؤون القرآن يسألون به الناس " () ، عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري أن معاوية قال له : إذا أتيت فسطاطي فقم فأخبر ما سمعت من رسول الله ‘ يقول : اقرأوا القرآن ولا تأكلوا به و لا تستكثروا به ولا تجفوا عنه ولاتغلوا فيه "() ، ويقول الآجري : " يفخر على الناس بالقرآن ، ويحتج على من دونه في الحفظ ليس للخشوع في قلبه موضع ، كثير الضحك والخوض فيما لا يعنيه هو إلى استماع جليسه أصغى منه إلى استماع من يجب عليه أن يستمع له فهو إلى كلام الناس أشهى من كلام الرب عزوجل ، لا يخشع عند استماع القرآن ولا يبكي ولا يحزن ، همته حفظ الحروف إن أخطأ في حرف ساءه ذلك لئلا ينقص جاهه عند المخلوقين فتنقص رتبته عندهم فتراه محزونا مهموما بذلك وقد ضيع فيما بينه وبين الله مما امر به في القرآن أو نهي عنه غير مكترث به كثير النظر في العلم الذي يتزين به عند أهل الدنيا ليكرموه بذلك قليل المعرفة بالحلال والحرام ، تلاوته للقرآن تدل على كره في نفسه وتزين عند السامعين منه ، ليس له خشوع فيظهر على جوارحه إذا درس القرآن أو درس عليه غيره همته متى يقع ليس همته متى يفهم ، لا يتفكر عند التلاوة بضروب أمثال القرآن ولا يقف عند الوعد والوعيد يأخذ نفسه برضى المخلوقين ولا يبالي بسخط رب العالمين"() ويقول ابن قدامه : " وليتخل التالي عن موانع الفهم مثل أن يخيل له الشيطان أنه ما حقق تلاوة الحرف ولا أخرجه مخرجه فيصرف همته عن فهم المعنى "()

 
الوسوم
الحياة القرآن النجاح تدبر مفاتح
عودة
أعلى