ملاك حبي فاقد الشيءلا يعطيه

الجزء الثامن
"
حفل"
صمت دام لأكثر من دقيقة كاملة ران على كل من مها وحسام بعد عبارتها الاخيرة له.. لم يسمع خلالها الا صوت انفاسهما .. صمت شعرت خلاله مها بخطأ ما فعلته وقالته.. وصمت قضاه حسام في تفكير عميق..وقاطع هذا الاخير هذا الصمت اخيرا ليقول: اذا فهي ابنة عمك..
ازدردت مها لعابها دون ان تقوى على الحديث .. احست بفداحة ما فعلته .. لقد ااتمنها والدهاعلى ملاك فخانت ثقته هذه .. لم تعلم ماذا تقول او بم تجيب فآثرت الصمت.. في حين اردف حسام وهو يزفر بحدة: ابنة عمك ملاك التي يبحث عنها جميع اعمامك.. واللذين لا يعلمون لها طريق.. وفي النهاية تكون موجودة في منزلكم
..
قالت مها بقلق وخوف: ارجوك يا حسام.. ارجوك لا تخبر احدا بما قلته لك
..
قال بهدوء: لن افعل..ولكن اخبريني كيف وافق والدك على ان يترك ملاك عنده.. الم يخشَ عليها من اخوته؟
..
-
بلى ولكن.. لم يكن هناك من حل سواه.. فوالد ملاك مسافر الى الخارج وربما سيطول سفره.. لهذا لا يريد ان تبقى وحيدة كل هذا الوقت في المنزل.. فاقترح ان يأتي بها الى المنزل .. ومن جانب والدي فقد وافق على هذا الامر وطلب منا ان لا نخبر مخلوق عن هذا الامر
..
واردفت بتوتر وهي لاتزال تشعر بخطأها عندما اخبرته: ولكني اخبرتك لاني اثق بك.. واعلم جيدا انك لن تخبر عنها أي احد.. اليس كذلك؟
..
ابتسم حسام وقال في لهجة صادقة: ايراودك أي شك في ذلك؟
..
ازدردت لعابها ومن ثم قالت: لا ولكني اخشى على ملاك.. فكما رأيتها هي فتاة قليلة الخبرة والتجارب.. وليس لها أي قوة لمواجهة أعمامي اللذين لا يستهدفون من وراءها سوى الثروة
..
-
معك حق..ان ملاك كالطفلة التي لم تلوثها هذه الحياة بسوادها بعد
..
قالت مها في غيرة واضحة: ولم تمتدح ملاك هكذا؟
..
ابتسم حسام قوال: ليس مديحا بل حقيقة
..
قالت مها في ضيق: حقا؟
..
قال حسام مبتسما: ولم تتضايقين عندما امتدح ملاك؟
..
قالت بحدة: ولم تمتدح ملاك وتهتم لأمرها من الاساس؟
..
قال حسام بحيرة: من قال اني مهتم بأمر ملاك؟
..
قالت بحدة اكبر: تصرفاتك.. لا تلبث ان تسأل عنها بين الفينة والاخرى
..
قال حسام مبتسما: ايتها الغبية من قال ان ملاك تهمني.. ما يهمني فعلا هو ان لا تكذبي علي مرة اخرى
..
قالت مها بصوت خافت وبلهجة خجلة: وهل يهمك ان قلت لك الصدق ام لا؟
..
-
اجل..يهمني كثيرا
..
واردف بلهجة حانية: لا اريد ان تكذبي علي مرة اخرى.. مهما حصل.. اخبريني بالحقيقة وسأفعل المستحيل لمساعدتك ان تطلب الامر
..
قالت مها وهي تذكره: ملاك من تحتاج الينا الآن
..
تنهد حسام وقال: اعلم.. لا تقلقي.. اقسم لك اني لن انطق بأي حرف لاي شخص كان عن هذا الامر
..
قالت مها مبتسمة: اشكرك لأنك تفهمت الموقف
..
قال حسام وهو يتطلع الى ساعة يده: اتركك الآن يا مها.. وعذرا على الازعاج
..
قالت مها في سرعة: ابدا لم يكن هناك أي ازعاج
..
ابتسم حسام وقال: حسنا اذا اراك بخير
..
قالت مها مبتسمة: الى اللقاء يا حسام
..
وما ان انهى الاتصال حتى ردفت بلهجة حانية ومليئة بكل ما اعتمر قلبها من حب: يا اول من احببت في حياتي
..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

((
من انت؟))
((
انا اسمي ملاك
))
((
هل جئت الى هنا وحدك؟
))
((
لا.. جئت مع ابي
))
فتحت ملاك عينيها بغتة لتستيقظ من احلامها على صوت طرقات على باب غرفتها.. وتطلعت بارهاق الى الساعة المجاورة لفراشها والتي كانت تشير الى السادسة مساءا..واعتدلت في جلستها لتقول وهي تتثاءب: من؟
..
سمعت صوت مازن وهو يقول: انه انا..مازن
..
ارتفع حاجباها بدهشة ومن ثم ما لبثت ان قالت وهي تزدرد لعابها: وما الذي تريده؟
..
ابتسم مازن الذي يقف خلف الباب وقال: الاطمئنان عليك فحسب
..
توترت ملاك قليلا وشعرت ببعض الارتباك والخجل.. مازن جاء ليطمئن عليها هي..رفعت جسدها عن الفراش لتلقيه على المقعد وقالت في سرعة: لحظة واحدة
..
حركت عجلات مقعدها الى حيث المرآة والتقطت المشط لتقوم باعادة ترتيب خصلات شعرها المبعثرة من النوم.. واسرعت تفتح الباب بعد ذلك وهي ترفع رأسها لتتطلع اليه.. فقال هو مبتسما وهو يتطلع اليها: لقد جاءت مها قبل قليل وطرقت الباب اكثر من مرة وعندما لم تسمع اجابة منك قلقنا عليك فجئت لأطرق الباب بعدها لأتأكد انك بخير
..
قالت ملاك بابتسامة: لقد كنت نائمة
..
قال مازن وهو يتطلع اليها بنظرات غامضة: حسنا ما دمت قد اطمأننت عليك فسأغادر.. مع السلامة
..
لاحقته ملاك بنظراتها ومن ثم قالت بصوت لم يسمعه سواها: مع السلامة
..
شعرت بمشاعر غريبة تغزو قلبها وتزداد كلما رأت مازن ..لا تشعر بهذه المشاعر الا اذا رأت مازن او تحدثت اليه.. مشاعر اخذت تشعرها بالشوق له.. بالاهتمام لأي امر يخصه.. مشاعر شتى تجعل قلبها يخفق بقوة كلما رأته و
...
قطع افكارها صوت رنين هاتف مازن المحمول لم يكن قد ابتعد كثيرا عنها بعد.. مما جعلها تسمعه يقول وهو يبتعد مغادرا المنزل: اجل ماذا تريدين؟
..
"
تريدين".. اذا فهو يحادث فتاة..تتذكر ملاك مرة انه اخبرها ان لديه الكثير من المعجبات بسبب فوزه في احدى المسابقات .. ربما هذه الفتاة هي احدى تلك المعجبات.. ربما
..
لم تجد ما تكمل به افكارها فتحركت في ارجاء الردهة بملل ..وسمعت بغتة صوت مها وهي تناديها قائلة: ملاك
..
التفتت لها ملاك وقالت بهدوء: اجل
..
تطلعت لها مها ومن ثم قالت: لم ارك اليوم بأكمله.. ماذا تفعلين؟
..
اشارت ملاك باتجاه غرفتها ومن ثم قالت: لقد كنت نائمة عندما طرقت باب الغرفة
..
قالت مها باستغراب: اية غرفة؟
..
اجابتها ملاك قائلة: غرفتي
..
قالت مها وهي تهز رأسها نفيا: لم اطرق عليك الباب مطلقا.. لقد ظننت انك تدرسين
..
قالت ملاك بدهشة: ولكن مازن قال لي انك قد طرقت علي الباب فقلقت علي عندما لم تسمعي مني ردا
..
قالت مها بابتسامة واسعة: وصدقتيه بهذه البساطة.. تجدينه هو من طرق عليك الباب في المرة الاولى
..
قالت ملاك ببراءة: ولم يكذب علي؟..كان بامكانه اخباري انه هو من طرق علي الباب في المرة الاولى
..
-
هكذا هو مازن.. مكابر وعنيد
..
واردفت مها قائلة: دعك منه واخبريني هل ارتديت فستانك الجديد لتجربيه؟
..
هزت ملاك راسها نفيا..فاردفت مها متسائلة: ولم لم تجربيه؟
..
قالت ملاك بابتسامة: لا لشيء ولكني احسست انه لا يصلح الا ليوم الحفلة
..
قالت مها وهي تتنهد: متى يأتي الغد؟
..
تطلعت اليها ملاك وقالت مستغربة: ايهمك هذا الحفل الى هذه الدرجة؟
..
قالت مها مبتسمة: ليس الحفل ولكن من سيكون فيه
..
-
من تعنين؟؟
..
صمتت مها دون ان تجيب.. ولكن قلبها اجاب عن هذا السؤال..اجاب بكل الحب الذي يحمله.. اجاب بكلمة واحدة..حسام
..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

هبط مازن من على ظهر حصانه وربت على ظهر ه وقال متحدثا الى احد الزملاء: هلا اخذته الى الاسطبل؟..
قال زميله مبتسما: بكل سرور
..
والتقط لجام حصان مازن من يده واخذه الى الاسطبل.. في حين غادر مازن حلبة السباق.. وتوجه بخطوات هادئة الى حيث الكافتيريا.. ولكنه توقف بغتة عندما سمع صوت شخص ما يناديه.. زفر بقوة وملل ومن ثم قال: يا الهي ..متى ستمل هذه الفتاة؟
..
والتفت الى حنان التي اقتربت منه وقالت بحدة: لماذا تتجاهل نداءاتي وتتهرب من لقاءي يا مازن؟
..
قال مازن ببرود: لاني سأمت سماع كلماتك المكررة
..
قالت حنان بعصبية: ولكن كنا دائما معا ولم تكن يوما تمل من سماع ما كنت اقوله لك
..
قال مازن وهو يرفع كفه منهيا النقاش: حنان اخبرتك مائة مرة ان ما بيننا كان في حدود الصداقة فقط ولا يتعداه
..
واردف وهو يهم بالابتعاد عنها: عن اذنك
..
ولكن حنان وقفت في وجهه وقالت: لم تكن يوما هكذا يا مازن.. كنت تعاملني بطريقة مختلفة.. وانت تعلم جيدا ان مشاعري لك تفوق حدود الصداقة
..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره وقال بسخرية: هل وعدتك بشيء؟
..
قالت وفي عينيها نظرة رجاء: ولكنك منحتني اهتماما جعلني
...
صمتت دون ان تكمل عبارتها فقال مازن بملل: ابتعدي عن طريقي اذا
..
لم تتحرك من مكانها فقال مازن وهو يزفر بحدة ويعقد ذراعيه امام صدره: وما المطلوب مني الآن؟..ان ابادلك المشاعر بالرغم مني ام ماذا؟
..
قالت حنان بصوت خافت: فقط لا تتجاهلني
..
ابعدها عن طريقه وسار مبتعدا ومن ثم قال: سأحاول
..
واردف بسخرية: مع انك مزعجة
..
قالها واكمل طريقه مغادرا النادي.. اكبر خطا فعله بحياته انه تقرب من حنان ليحصل على صداقتها في يوم..لم يتخيل ان مشاعرها ستتعدى حدود الصداقة.. ولكن مع هذا استمر معها حتى شعر بالملل من عبارتها الدائمة له والتي تشير الى ان مشاعرها تفوق الصداقة.. وحينها قرر ان يتركها ويتجاهلها .. ولكنها ظلت تلاحقه على الرغم من ذلك.. لهذا ليس ذنبه ان كانت لا تريد ان تفهم انه لم يحمل أي مشاعر لها في يوم
...
انطلق بسيارته متوجها الى المنزل وما ان وصل حتى غادر سيارته واقفلها بواسطة جهاز التحكم عن بعد.. وفي نفس اللحظة كان كمال قد وصل بسيارته وغادرها بدوره.. واتجه نحوه مازن ليقول: انت تعلم بأمر حفلة الغد اليس كذلك؟
..
قال كمال بهدوء: بلى
..
قال مازن بحزم: اذا لا تغادر المنزل وتترك الجميع ينتظرك ويسأل عنك مثل ما فعلت قبل ثلاثة اشهر
..
قال كمال ببرود: لن افعل
..
واردف وهو يلتفت الى مازن: ثم ان هذه الحفلة مختلفة.. فأبنة عمك المصون ستكون موجودة ايضا
..
تطلع اليه مازن وقال بتساؤل: ما الذي تعنيه؟
..
واصل كمال سيره وقال بلامبالاة: لا شيء
..
ولكن مازن امسك بذراعه واوقفه قائلا: ماذا تعني بقولك أن ابنة عمك ستكون هنا هذه المرة؟.. ما الذي اختلف؟
..
ابتسم كمال ابتسامة باردة دون ان يعلق فقال مازن بصرامة: لا تنسى ما قاله لنا والدي.. لا يريد لأحد ان يعلم عن موضوع ملاك.. اتفهم
..
ابعد كمال ذراع مازن عنه وقال ببرود شديد: هذا ليس من شأنك
..
قال مازن بعصبية : بل من شأني ..ملاك ابنة عمي .. وانت تعلم عواقب الامر لو وصل هذا الامر الى اعمامي
..
التفت له كمال وقال: لا تخشى شيئا.. شقيقك ليس حقيرا.. واكمل طريقه دون ان ينطق بحرف زائد.. في حين زفر مازن بحدة وقوة.. ان كان يخشى على امر ملاك ان ينكشف .. فيجب ان يخشى من كمال.. فبأسلوبه اللامبالي ربما يخبر أي من اعمامه عنها لو سألوه عن ملاك
..
واصل مازن طريقه الى داخل المنزل..وابتسم بسخرية عندما رأى مها جالسة في الردهة تتطلع الى الخاتمين اللذين ترتديهما وتتحدث الى نفسها قائلة: ايهما ارتديه للغد؟.. هذا ام ذاك؟.. لا اعلم ايهما اجمل فكلاهما
...
تقدم منها مازن وقال يقاطعها وهو يجلس على مقعد مجاور لها: واخيرا وجدت الدليل الذي يثبت جنونك
..
التفتت له مها ولم تهتم بسخريته التي اعتادتها وقالت وهي تريه الخاتمين: ايهما اجمل؟
..
قال مازن بلا اهتمام: لا اعلم
..
قالت مها بملل: لا فائدة ترجى منك
..
ومن ثم اردفت في سرعة وكأنها تذكرت شيئا ما: مازن .. ما هذا الذي قلته لملاك؟
..
تطلع اليها بنظرات مستغربة وقال: ماذا قلت؟
..
قالت مها بخبث: لم قلت لها اني انا من طرق باب غرفتها؟
..
قال مازن وهو يلوح بكفه: بحثت عن حجة لأبرر لها طرقي لباب غرفتها
..
قالت مها وهي تتنهد فجأة: مازن ابتعد عن ملاك
..
تطلع لها مازن بدهشة وعيناه متسعتان وقال: مها هل بعقلك خلل ما؟
..
قالت مها بجدية: مازن ملاك ليست مثل أي فتاة عرفتها.. انت بنفسك تراها قليلة الخبرة لا علم لها بالحياة
..
قال مازن ودهشته لم تفارقه بعد: وماذا فعلت بها؟
..
قالت مها وهي تتمالك اعصابها: اهتمامك بها الزائد عن الحد جعلها تراك كشخص مختلف
..
قال مازن وهو يسترخي على المقعد: انا اعاملها كابنة عم لا اكثر
..
قالت مها بحدة: وهل تعلم هي معنى ان تعاملها كابنة عم.. انها تظن انك مهتم لامرها.. وانا متأكدة مليون بالمائة انها مخطئة وانك من المستحيل ان تفكر فيها
..
قال مازن وهو يدافع عن نفسه: انها ابنة عمي
..
قالت مها وهي تعاتبه: ولكن لن تنظر اليها في حياتك أي نظرة اخرى.. لهذا اقول لك ابتعد عنها.. انها ستقضي اسبوعا واحدا هنا فدعه يمضي على خير
..
(
انها ستقضي اسبوعا واحدا هنا فدعه يمضي على خير).. مثل العبارة التي قالها لكمال ذات يوم بعد ان جرح ملاك بكلماته .. لقد قالها يومها لكمال حتى لا يضايق ملاك.. فلم تقولها له مها الآن؟
..
والتفت لمها ليقول: ارجوك يا مها.. ان ملاك ابنة عمي وانا اعطف على حالتها ليس الا
..
قالت مها وهي تومئ برأسها: اعلم هذا.. ولكن كيف لملاك ان تفهم هذا الامر.. صدقني لو احست بأي مشاعر تجاهك فستكون في موقف لا تحسد عليه.. ملاك طفلة لم ترى الحياة بعد.. فأرجوك لا تكن سبب في آلامها
..
قال مازن وهو يتنهد: سأحاول.. اية اوامر اخرى آنسة مها؟
..
ابتسمت مها وقالت: لا ابدا.. ثم ان هذا في صالحك انت وملاك.. فحتى والدها يرفض صلة القربى التي تربطنا بملاك.. فكيف لو علم ان الامر قد بتعدى ذلك
..
نهض مازن من مقعده.. وقال بحدة: اخبرتك انني سأحاول ..هذا يكفي
..
قالها ومضى في طريقه ومن ثم ابتسم بسخرية وهو يتحدث الى نفسه: ( ليت المشكلة تكاد تكون منحصرة على ملاك فقط يا مها
..)

 
اضواء الثريات التي امتلأت الردهة بها وجماعات الناس الكبيرة التي اجتمعت في ذلك اليوم.. والخدم اللذين كانو يوزعون المأكولات والمشروبات على المدعوين.. كل هذا جعل ابتسامة رضى ترتسم على شفتي امجد.. على ان حفلته تسير على خير ما يرام..
في حين كان مازن واقفا مع حسام وكمال وعدد من ابناء عمه وقال مازحا: اعلم انكم قد جئتم اليوم الى الحفل من اجل الطعام فحسب
..
قال حسام مبتسما: اظن ان هذا هو شعورك انت
..
قال كمال بابتسامة باردة: صدقت
..
تحدث احد ابناء عمه وقال متسائلا: لم نر اختك مها حتى الآن.. اين هي؟
..
قال مازن وهو يهز كتفيه: بالتأكيد لا تزال في غرفتها تتزين للحفل
..
التفت له حسام وقال: ولم تسأل عنها يا (احمد)؟
..
اجابه احمد ابن عم مازن مبتسما: مجرد سؤال.. ثم اني اريد رؤيتها لان مر وقت طويل لم ارها فيه او اسلم عليها
..
تقدمت منه احدى الفتيات وقالت مبتسمة: يالك من كاذب.. طوال طريقنا الى هنا وانت تسأل عن مها
..
تطلع اليها احمد وقال بحنق: هذا ليس من شأنك يا ندى
..
تطلعت ندى الى مازن وقالت له: ارأيت كيف يعامل شقبقته ابن عمك هذا؟
..
قال كمال ببرود: لا اظن مازن افضل منه حالا
..
التفت له مازن وتطلع له بنظرة غاضبة..ومن جانب آخر كانت مها تتحدث الى ملاك في غرفتها وقالت وهي تتطلع الى نفسها في المرآة: ما رأيك بالفستان يا ملاك؟
..
تطلعت ملاك اليها وشاهدتها وهي تلتفت لها وتقف في مواجهتها .. كان فستان مها ذا لون يجمع بين الارجواني والازرق.. يتلألأ بأحجار كريمة صغيرة اعلى الفستان.. لهذا قالت ملاك عنها انها ستبدوا كالنجمة..فقد بدت وهي ترتديه وكأنها نجمة متلألأة وسط النجوم..ورفعت شعرها المتموج لتترك خصلات منه تسقط على جبينها ..وابتسمت ملاك لتقول بانبهار: رائع جدا
..
قالت مها باستغراب: لم اعني فستاني بل فستانك
..
تطلعت ملاك الى نفسها والتي كانت ترتدي فستان ابيض اللون وهذا ما اثار دهشة ملاك عندما قالت مها ان الفستان يشبهها.. ولكن مها عنت بذلك بياض قلبها الذي يشبه اللون الابيض الصافي والنقي..كانت الورود الصغيرة تتناثر عند الكتف .. لتصنع بما يشبه الخيوط.. وكانت اكمامه شفافة .. في حين ابعدت خصلات شعرها الى الخلف بواسطة تاج فضي اللون.. اقترحت مها عليها ان تشتريه..وقد بدت كالملاك حقا في فستانها هذا
..
وازدردت ملاك لعابها لتتطلع الى نفسها ومن ثم تقول بتوتر: لا اعلم.. هل يبدوا شكلي مناسبا حقا للحفل؟؟
..
قالت مها وهي تهبط الى مستواها وتمسك بكفها: بل اكثر من ذلك.. انت جميلة جدا.. وهذا الفستان يزيدك جمالا
..
قالت ملاك بابتسامة مرتبكة: حقا؟
..
اومأت مها برأسها ومن ثم قالت: ما رأيك ان نخرج الآن للحفل.. الجميع ينتظرنا بالخارج
..
قالت ملاك بصوت خافت: اشعر بالارتباك والتوتر.. لاول مرة احضر حفلة ما
..
ربتت مها على كفها وقالت: لا تجعلي شيئا يربكك.. الامر عادي جدا.. سنستمتع بالحديث ومن ثم سنتناول الطعام .. وفي النهاية سيغادر الجميع
..
ترددت ملاك وظلت صامتة.. فلمحت مها هذا التردد عليها وقالت مبتسمة: هل نخرج الآن ام تريدين ان تسترخي قليلا؟
..
التقطت ملاك نفسا عميقا ومن ثم قالت بابتسامة شاحبة: لا داعي.. فلنخرج
..
اومأت مها برأسها ودفعت مقعد ملاك امامها لتفتح الباب ومن ثم تخرج من الغرفة..لتفاجأ ملاك بالاعداد الكبيرة من الناس الموجودة في الحفل..وقالت بارتباك: انهم كثر
..
مالت نحوها مها وهمست في أذنها قائلة: دعك منهم ولنهتم نحن بشؤوننا الخاصة
..
توترت ملاك وهي ترى مها تدفعها بين جماعات الناس ..وكورت قبضتيها لتمنع ارتجافة اناملها..واخيرا قالت متسائلة: هل يعرف عمي كل هؤلاء الاشخاص؟
..
مالت مها نحوها وقالت: اجل انهم من رجال الاعمال واقرباءنا موجودون هنا ايضا
..
واردفت بصوت خافت: لهذا لا تحاولي الاشارة الى ان والدي هو عمك.. اتفقنا
..
اومأت ملاك برأسها ولم يفارقها توترها وارتباكها بعد..ومن بعيد.. كان مازن يتحدث الى احمد حين فاجأه صوت حسام وهو يقول:واخيرا وصلتا
..
التفت مازن الى حيث يتطلع حسام وقال بسخرية: واخيرا هبطت الاميرتين من قصرهما العاجي
..
وتحرك باتجاهما وقبل ان يصل الى حيث هما ببضع خطوات.. وجد نفسه يقف ويتطلع الى هذا الملاك الرقيق الذي يجلس امامه.. نظرات الانبهار لم تبارح عينيه وهو يتقدم منهما .. ومن ثم اطلق صفيرا عاليا واعقبه بأن قال بانبهار واعجاب:واخيرا تكرمت احدى الاميرات بزيارة منزلنا المتواضع
..
كانت نظراته مثبتة على ملاك ففهمت انه يقصدها بكلامه.. فتوردت وجنتاها بحمرة الخجل وهي تطرق برأسها.. فاقترب منها وقال مبتسما وهو يتطلع الى مها: ما اسم الاميرة التي تجلس امامي يا ايتها الوصيفة؟
..
قالت مها ببرود: لو لم نكن في حفل لأريتك من هو الخادم هنا
..
اقترب حسام من مها في تلك اللحظة وقال مبتسما وفي عينيه نظرة اعجاب: هذه انت يا مها.. صدقيني لم اعرفك لولا ان رأيت ملاك معك.. تبدين مختلفة كثيرا
..
تطلعت اليه مها بنظرات خجلة فقال مستطردا وهو يتطلع اليها: تبدين كأنك نجمة هذا الحفل اليوم و
...
قاطعه صوت احمد الذي تقدم من مها بدوره وقال بابتسامة واسعة: تبدين رائعة الجمال هذا اليوم يا مها
..
لم تزد مها على ابتسامة مجاملة وان تقول: شكرا لك
..
والتفت الى حسام التي رأت نظرات الضيق في عينيه لمقاطعة احمد له ..وربما كانت نظراته هذه تحمل معنى آخر.. او ربما هي من تتخيل ذلك وتتمناه في الوقت ذاته
..
وفي تلك اللحظة قال مازن وهو يتحدث الى مها: لم تأخرتما كل هذا الوقت يا مها؟
..
قالت مها وهي تتطلع الى ملاك: ملاك كانت متوترة من الاعداد الموجودة في الحفل
..
(
اسمها ملاك اذا
..)
التفت مازن في حدة وسرعة الى مصدر الصوت.. وعقد حاجبيه دون ان يعلق.. في حين ازدردت مها لعابها وقالت بتوتر: عمي فؤاد.. اهلا بك
..
ابتسم فؤاد ومن ثم قال وهو يتطلع الى ملاك : من هذه الجميلة التي معك يا مها؟
..
قالت مها وهي تتحاشى نظرات عمها: انها صديقتي
..
قال عمها بابتسامة خبث: وحسبما سمعت فان اسمها هو ملاك
..
لم تجب مها وظلت صامتة في حين اجابه مازن بلا اهتمام: اجل اسمها هو ملاك
..
التفت لها فؤاد وقال متسائلا: وما اسم والدك يا ملاك؟
..
فتحت ملاك شفتيها وهمت بنطق شيء ما .. ولكن مازن اسرع يقول: اسمه محمود.. اليس كذلك يا مها؟
..
اومأت مها برأسها ايجابيا بتوتر..وتطلعت الى حسام بقلق الذي ابتسم يطمئنها..فاردف مازن وهو يبتسم ويتطلع الى عمه: فحسبما سمعت منذ فترة ان والد ملاك يعمل في احد البنوك التجارية
..
كان مازن يريد ان يضرب عصفورين بحجر واحد.. فمن جانب ينقذ ملاك من الموقف التي هي فيه.. ومن جانب آخر يبعد انظار اعمامه عنها عندما يعلمون ان والدها ليس شقيقهم خالد الذي هو مالك احد الشركات بقوله ان والدها يعمل في احد البنوك
..
فقال عمه وهو يضع كفه اسفل ذقنه: هكذا
..
ومن ثم التفت عنهم وقال مبتسما وهو يلمح كمال: عن اذنكم اذا
..
كان مازن يتابعه بنظراته ولكنه لم يدرك ان عمه يتوجه الى حيث كمال فالتفت عنه وقال متحدثا الى حسام: اتشعر بالجوع؟
..
قال حسام بهدوء: بلى
..
-
اذا تعال معي
..
غادر حسام مكانه بعد ان القى نظرة اخيرة على مها واحمد ..في حين لم تجد ملاك ما تفعله سوى التطلع لما حولها.. وسقطت عيناها بغتة على كمال.. وشاهدته في تلك اللحظة يبتسم وهو يتطلع باتجاهها وفي عينيه بريق اعجاب.. واستغربت ملاك نظراته.. لأول مرة تختلف نظراته من البرود الى الاعجاب..خصوصا ان كانت هي المعنية بتلك النظرات .. ولكن كمال التفت عنها بغتة عندما شعر بأحد يقترب منه وقال بهدوء: اهلا بك يا عمي
..
تطلع له فؤاد وقال وهو يضع يده على كتفه: كمال انت مختلف عن اخوتك ولهذا فقد جئت لأسألك انت بالذات
..
التفت له كمال وقال متسائلا: عن ماذا؟
..
قال فؤاد وهو يضغط على حروف كلمته: ملاك
..
-
ماذا بها؟
..
قال عمه وهو يضيق عينيه: من تكون؟
..
التفت كمال الى ملاك وقد كانت لا تزال تنظر اليه ودهشتها لم تفارقها بعد..رأىفي نظراتها البراءة..رأى في ملامحها الطفولة.. وكل هذا جعله يشفق على حالها ويلتفت الى عمه ليقول: انها صديقة مها
..
قال عمه بضيق وكأن جواب كمال لم يعجبه: حتىانت
..
قال كمال وهو يهز كتفيه وكأنه لم يفهم ما يعنيه عمه: ماذا تعني؟
..
قال عمه بحدة: لا شيء.. اخبرني ما اسم والدها؟
..
-
لست ادري
..
احس فؤاد بالغيظ من اسلوب كمال اللامبالي.. فقال وهو يبتعد عنه: فليكن
..
وغادر مكانه ليتوجه الى حيث مجموعة من الرجال وقال وهو يضع يده على كتف احدهم: اريد ان اتحدث معك قليلا يا عادل
..
قال عادل وهو يعتذر من الرجال اللذين كان يتحدث معهم: عن اذنكم
..
والتفت عنهم ليقول لفؤاد: ماذا حدث؟
..
قال فؤاد وهو يتطلع بطرف عينه الى ملاك: ملاك هنا
..
قال عادل بحيرة: من هي ملاك؟
..
قال فؤاد بعصبية: ابنة شقيقك خالد .. ملاك.. انها هنا
..
قال عادل بدهشة: حقا.. واين هي؟
..
قال فؤاد وهو يزفر بحدة وقوة: لست اعلم بعد ان كانت هي ام لا.. ولكن اشك بانها هي بنسبة سبعون في المائة
..
قال عادل في سرعة: حسنا واين هي تلك التي تشك في كونها ابنة خالد؟
..
اشار فؤاد اليها بطرف اصبعه وقال: تلك التي تجلس هناك
..
واردف فؤاد قائلا: اولا هي في سن ملاك تقريبا وثانيا هي عاجزة كما ترى.. كما وان اسمها هو ملاك
..
قال عادل بدهشة وهو يلتفت لشقيقه: تلك هي ملاك؟ .. لقدتغيرت كثيرا.. باتت فتاة في كامل انوثتها ورقتها
..
واردف قائلا وهو يعقد حاجبيه: ولكن كيف لنا ان نتأكد ان كانت هي ملاك نفسها ام لا؟
..
-
لقد سألت ابناء امجد وجميعهم يرفضون البوح بالحقيقة.. لهذا لابد ان اجد وسيلة لمعرفة الحقيقة
..
قال عادل متسائلا: وما هي هذه الوسيلة؟
..
قال فؤاد بمكر: ان اقرب الطرق لمعرفة اسرار أي منزل.. سؤال من يعملون فيه
..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛

ضحكت مها وقالت وهي تلتفت الى احمد: احقا سكبت العصير على فستان ندى في الحفلة الماضية؟..
قال احمد وهو يضحك بمرح: لقد كانت تستحق ذلك
..
قالت ندى بحنق: لقد احرجني يومها كثيرا وغادرت الحفلة بفستان متسخ
..
اقترب منهم في تلك اللحظة مازن وحسام وقال الاول: اضحكونا معكم
..
كادت مها ان تهم بقول شيء ما.. ولكنها آثرت الصمت وهي ترى حسام يقترب منهم ولم تدل ملامحه على أي شيء مما في اعماقه..وقال مازن في تلك اللحظة وهو يلتفت الى ملاك: اتريدين ان تتناولي شيئا ما يا ملاك؟
..
قالت ملاك وهي تهز راسها نفيا: لا شكرا لك
..
همس مازن باسمها وهو يتطلع اليها: ملاك
..
رفعت عينيها اليه وقالت بارتباك وهي ترى عينيه اللتان تطلعان اليها: ماذا هناك؟
..
قال مبتسما : تبدين رائعة هذا اليوم
..
رفعت ملاك حاجبيها بدهشة من هذا التصريح المفاجئ منه وامام الجميع..ومن ثم لم تلبث ان خفضت عيناها بخجل وازدردت لعابها بارتباك.. في حين تطلعت مها الى مازن بنظرة حانقة وكأنها تذكره بما دار بينهم من حديث بالامس.. ولكنه لم يأبه بكل هذا وهو يتطلع الى ملاك..في حين قال حسام مبتسما: ما اخبارك يا احمد.. وانت كذلك يا ندى؟
..
قال احمد وهو يهز كتفيه: لا شيء مهم.. الدراسة والنادي
..
اما ندى فقد قالت: لا تهمني الدراسة.. ما يهمني هو حضور مثل هذه الحفلات
..
قال مازن وهو يلتفت الى ندى: لا تنسي يا ندى حضور سباق الخيل بالنادي
..
قالت ندى بدلال: وكيف لي ان انسى حضور سباق سيشارك فيه ابن عمي العزيز مازن
..
قالت مها مبتسمة: ولم مازن بالذات؟.. حتى كمال سيشارك فيه
..
لم تأبه ملاك بما قيل.. كل ما كان يهمها في تلك اللحظة.. هو حديث مازن الى ندى.. ورد ندى عليه.. يبدوا مهتما بحضور ندى السباق؟.. ولم لا انها ابنة عمه؟..ولكنني انا ايضا ابنة عمه.. لم لم يسألني انا ايضا عن رغبتي في الحضور لمشاهدة السباق؟.. ربما لانه يعلم بأمر حضوري الى النادي يومها.. ربما
..
وقالت ملاك بغتة عندما لاحظت وقوف كمال وحيدا: لماذا يقف كمال وحيدا؟
..
التفت مازن الى كمال ومن ثم قال وهو يهز كتفيه: دائما هو هكذا
..
قالت ملاك وهي تلتفت الى مها: ناديه ليأتي ويتحدث معنا
..
قالت مها مبتسمة: لن يقبل
..
لم تضف ملاك بقول أي شيء.. في حين همس احمد لمازن قائلا: تبدوا جميلة ملاك هذه.. وان كان ما يفسد جمالها هو عجزها هذا
..
التفت له مازن وقال بهمس : ليس ذنبها ان كانت عاجزة ..فهذا هو قضاء الله وقدره
..
قال له احمد بهدوء: اعلم ولكني اقول رايي فقط
..
-
احتفظ به لنفسك
..
وعاد ليلتفت الى ملاك ويتطلع اليها.. وفي عقله عادت تلك العبارات لتدو في رأسه
..
((
انه يرفض اللعب معي
))
((
دعك منه
))
((
العب انت معي اذا
))
((
لا بأس
))
وعاد ذلك السؤال يتردد في عقله وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره : (هل انت يا ملاك من جمعتني بها هذه الذكريات؟ ..هل انت هي؟
..)

[font=arial (arabic)]
[/font]
 
الجزء التاسع
"تأخُر"


صوت طرقات على الباب جعلها تفيق من نومها على الرغم من انها لم تنم الا في وقت متأخر من الليل بسبب تلك الحفلة.. واحست بالصداع يغزو رأسها لكنها لم تهتم كثيرا واولت اهتمامها لمن يطرق الباب وقالت بصوت حاولت ان تجعله عاليا قدر الامكان: من؟..
جاءها صوت مها وهي تقول: هل يمكنني الدخول يا ملاك؟..
اسرعت ملاك تعتدل في جلستها وتقول في سرعة: بالتأكيد..
فتحت مها الباب وقالت بابتسامة باهتة: معذرة اعلم اني مزعجة وقد ايقظتك في وقت مبكر.. ولكن هناك امر يخصك يتوجب علي ان اخبرك اياه..
قالت ملاك بدهشة: قبل ان تخبريني ما هو.. اخبريني ما الذي ايقظك في هذا الوقت المبكر ؟..
هزت مها كتفيها وقالت: لقد اعتدت هذا حتى لو نمت في وقت متأخر الليلة الماضية..
واستطردت وهي تتقدم منها وتجلس على طرف الفراش: في الحقيقة يا ملاك.. لقد اتصل والدك قبل ساعة..
قالت ملاك في لهفة: حقا؟..وماذا قال؟.. هل هو بخير؟.. وما هي احواله؟..الم يقل متى سيعود؟.. اخبريني ارجوك..
ازدردت مها لعابها ومن ثم قالت: انه بخير.. ولكنه قال انه لن يعود نهاية هذا الاسبوع..
رددت ملاك بذهول: ماذا لن يعود؟..
اومأت مها برأسها في توتر.. فقالت ملاك وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: ولكن لماذا؟.. لقد وعدني ان يعود في اسرع وقت ممكن..
قالت مها بهدوء وهي تمسك بكفها: لقد اضطر الى ذلك.. والا لما تركك وقت اطول هنا.. تعلمين كم يخشى عليك ..لقد قال لي انه لم ينهي اعماله وانه استجد ما يلزمه البقاء خارج البلاد..وربما يعود بعد اربعة ايام..
اشاحت ملاك وجهها عن مها وقالت وهي تحاول ان تمنع الدموع من ان تسيل على وجنتيها: الم يطلب الحديث الي؟..
اومأت مها برأسها وقالت: بلى فعل.. واكثر من مرة.. ولكني اخبرته انك نائمة بعد حفلة الامس..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها لعلها تسيطر على دموعها: اذا فسأبقى هنا لمدة اطول..
قالت مها وهي تميل نحوها: ايزعجك هذا؟.. اهناك من يضايقك هنا؟..
اسرعت ملاك تقول: لا ابدا.. ولكني اشتقت الى ابي كثيرا واريد رؤيته والاطمئنان عليه..
قالت مها وهي تربت على كتفها: سيعود اليك وهو على مايرام باذن الله..ولكن لا تخشي شيئا.. وحاولي ان تصبري على ابتعاده حتى يعود..
قالت ملاك وهي تتنهد: انها المرة الاولى التي يغيب عني كل هذا الوقت.. ابي هو كل حياتي يا مها.. لم اعرف في حياتي سواه.. ومنذ ان فتحت عيناي على العالم وانا اره امامي .. هو من كان بجانبي في كل خطوة اخطوها.. الكل رحل وتركني فيما عداه هو.. لم يأبه احد بي غير ابي الذي هو عالمي كله..
شعرت مها بالحزن العميق الذي تحمله ملاك بين طيات قلبها ومشاعرها .. وهي تسمع كل كلمة تنطقها هذه الاخيرة .. وكأن المرارة تقطر من حروف كلماتها.. وحاولت مها التخفيف عنها فقالت بابتسامة باهتة: ومن قال لك اننا لو علمنا ان لدينا ابنة عم جميلة مثلك لتركناها.. كنت ستريننا كل يوم عندما نأتي لزيارتك حتى تملي من رؤية وجوهنا..
قالت ملاك وهي تلتفت لها: ليت هذا ممكن.. ليتكم تأتون بالفعل معي.. لقد مللت الوحدة.. اتمنى ان
اعيش كبقية البشر .. لدي اقارب واخوة.. ولست وحيدة وسط منزل اكاد اكون احد اثاثه..
قالت مها في سرعة وهي تمسك بكفها: لا تقولي ذلك.. نحن سنكون على اتصال دائم.. سأمنحك رقم هاتف منزلنا ورقم هاتفي المحمول ان اردت.. اتصلي بنا على الدوام.. وسنتصل بك نحن ايضا.. فمن لديه بنة عم مثلك.. كيف يستطيع التفريط فيها؟..
تطلعت لها ملاك وفي عينيها بدى التأثر لما قالته مها.. فقالت مها بابتسامة: ما بالك؟..
قالت ملاك بصوت اقرب للهمس: اشكرك..
- على ماذا؟..لم افعل شيــ...
قاطعتها ملاك قائلة وهي تضع كفها على شفتي مها: بل فعلت الكثير لأجلي .. لو تعلمين كم انا ممتنة لك..
واردفت بصوت اقرب الى البكاء وهي تسقط بين ذراعي مها: يا اختي العزيزة..
تطلعت لها مها بدهشة لوهلة وهي تراها تبكي بين ذراعيها على هذا النحو..ومن ثم لم تلبث ان ابتسمت بحنان ولم تجد ما يمنعها من احاطتها بذراعيها بدورها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اسرع مازن يهبط على درجات السلم وهو يطلق صفيرا من بين شفتيه كعادته.. وسار في الردهة بخطوات هادئة.. ولكنه بغتة التفت الى غرفة ملاك.. وعقد حاجبيه بعد ان خطر على ذهنه امر حيره طويلا واراد السؤال عنه..وتوجه الى مكتب والده وطرق الباب عدة مرات.. وعندما سمع صوت والده يدعوه للدخول.. دخل الى الغرفة واغلق الباب خلفه.. ومن ثم تقدم من والده ليقول بابتسامة: كيف حالك يا والدي؟..
رفع امجد رأسه ال مازن ومن ثم قال وهو يعيد انظاره للملف الذي بين يديه: اخبرني ماذا تريد بسرعة..
اتسعت ابتسامة مازن وقال وهو يحتل احد المقاعد المجاورة لمكتب والده: اذا فقد علمت اني جئت اليك لسبب ما..
قال امجد بلامبالاة: لا اخالكم تأتون لالقاء التحية علي قبل مغادرتكم للمنزل.. لابد وان يكون هناك سببا ما..
اسرع مازن يقول: ذلك لأنك في اغلب الاوقات تغادر قبلنا يا والدي.. لهذا لا نعلم ان كنت بالمنزل وقتها ام لا..
قال امجد بسخرية وهو يرفع رأسه له: وقد علمت الآن عندما احتجت الى شيء ما..
واردف بنفاذ صبر: اخبرني مالديك بسرعة.. فلدي عمل..
صمت مازن للحظات ومن ثم قال: اردت ان اسألك عن ابنة عمي..
عقد والده حاجبيه ومن ثم قال: اتعني ابنة عمك ملاك؟..
اومأ مازن برأسه ايجابيا.. فقال والده بحدة: واليس لديك شخص آخر لتسأل عنه ؟.. في كل مرة تاتي الي لتسألني عن هذه الفتاة ..
- ولم انت متضايق يا والدي؟.. انها ابنة اخيك..
لوح امجد بكفه وقال: اعلم.. والآن تحدث في الامر مباشرة او اخرج من المكتب..
تساءل مازن فجأة: هل ستظل عاجزة الى الابد؟..
تطلع له والده بغير فهم ومن ثم قال: ما الذي تعنيه؟..
قال مازن وهو يزفر بحدة: كلامي لا يحمل سوى معنى واحد يا والدي.. ملاك ستظل حبيسة مقعدها الى الابد؟..
صمت امجد قليلا ومن ثم قال: والدها هو المسئول عن هذا الامر وليس نحن..
اومأ مازن برأسه ومن ثم قال: اعلم.. وبكل تأكيد فوالدها مستعد لأن يدفع لها كل مايملك من مال
 
التعديل الأخير:
لكي تشفى من عجزها هذا.. اليس كذلك؟..
قال امجد بلامبالاة: ربما..
اردف مازن وكأنه لم يسمع والده: وبما ان ملاك لازالت عاجزة .. فهذا يعني انه لم يجد وسيلة حتى تشفى من عجزها هذا حتى الآن..
قال والده باهتمام هذه المرة: معك حق..
قال مازن متسائلا: ما اريد معرفته يا والدي.. هو متى هي آخر مرة اخذها والدها من اجل ان يجد علاجا لحالتها هذه؟..
- هذا السؤال ستجيبك عنه ملاك وحدها..ولكن لماذا تسأل سؤالا كهذا؟..
ابتسم مازن وقال: الم تعرف بعد لماذا يا والدي؟.. ان العلم يتقدم باستمرار ومن يدري.. ربما وجدت املا يقود ملاك الى الشفاء..
واردف وهو ينهض من مقعده قائلا: ساذهب لرؤيتها والتحدث اليها بهذا الخصوص..
ومن جانب آخر كانت مها تقول لملاك في تلك اللحظة: اعرف انك تحبين التجوال في حديقة منزلنا.. ما رأيك لو تستبدلين ملابسك ونخرج اليها؟..
هزت ملاك رأسها نفيا.. فقالت مها مبتسمة: ولم هذا العناد؟.. فلتغيري من نفسيتك قليلا حتى تشعري بالراحة والـ...
بترت مها عبارتها عندما سمعت طرقا على الباب.. والتفتت الى الباب لتقول بملل: من؟..
جاءها صوت مازن وهو يقول: انا.. هل استطيع الدخول؟..
اسرعت مها تنهض من مكانها وتقول في سرعة وهي تتوجه نحو الباب: لقد فقد شقيقي عقله ولا شك.. يريد دخول غرفة نوم ابنة عمه هكذا..
ابتسم ملاك بحرج.. في حين فتحت مها الباب وقالت وهي تطل برأسها من خلفه: ماذا تريد؟..
قال وهو يبتسم ويصطنع الدهشة: من مها؟.. انت هنا؟..
رددت بملل: ماذا تريد؟..
قال وهو يشير الى الداخل: اريد ان اتحدث مع ملاك..
قالت مها في حنق: عندما تخرج من غرفتها .. يمكنك الحديث اليها.. ثم انها الآن ليست في مزاج رائق يسمح لها بالحديث معك..عن اذنك..
قالتها واغلقت الباب بقوة.. فقال مازن بحنق وهو يبتعد عن الغرفة: ستندمين يا مها.. لا احد يتحدث الى مازن امجد هكذا.. ستندمين على فعلتك هذه..
وتوجه ليغادر المنزل..وقد غاب عن ذهنه سبب قدومه الى غرفة ملاك وما كان يريد ان يحادثها بشأنه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(اذا .. فحتى الخدم لم يعطوك اجابة مقنعة او واضحة)
قالها عادل وهو يجلس على احد المقاعد في مكتب فؤاد بمنزله.. فقال هذا الاخير بضيق: بصراحة لم اتوقع ابدا ان لا يمنحني من يعملون في منزل امجد اجابات شافية عن اسألتي.. على الرغم من اني عرضت عليهم مبلغ وصل الى الف قطعة نقدية ..
قال عادل بشك: ربما لم تكن هي فعلا..
قال فؤاد بحدة: بل هي ملاك.. انا واثق.. انت رأيتها بنفسك.. انها تشبه والدتها كثيرا..ولها نفس عينين خالد..
اومأ عادل برأسه ومن ثم قال: انا معك في انها تشبه والدتها.. ولكن اين هو الدليل على انها ملاك ابنة خالد فعلا؟..
قال فؤاد بعصبية: انا واثق انه امجد ولاشك.. تدارك الامر بسرعة.. وحرص على الخدم ان لا يبوحوا بالامر ابدا.. وبالتأكيد منحهم مبالغ كبيرة حتى يحفظوا السر..
قال عادل بغير اقتناع: اتظن ذلك؟.. اننا نحن من نملك شركاته تقريبا ولو فعل أي شيءضدنا فهو يعلم جيدا اننا سنهدده بسحب رأس مالنا من شركاته..
قال فؤاد وهو يلوح بكفه بعصبية: لست اعلم.. لست اعلم .. كل ما اعرفه ان هذه الفتاة هي ملاك.. وعلينا ان نتأكد من ذلك ان عاجلا او آجلا..
سأله عادل قائلا: ولو تأكدت انها ملاك فعلا.. ما الذي ستفعله حينها؟..
ابتسم فؤاد بدهاء ومن ثم قال: حينها سيصبح خالد في قبضتنا هو وامواله وشركاته وابنته...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اجتمعت العائلة حول المائدة كالعادة عند وقت الغداء ..وكانت ملاك تتناول طعامها وقتها كما اعتادت ان تتناوله وهي في ايامها الاولى في منزل عمها.. بشرود ودون ان تشعر للطعام أي مذاق او طعم.. كيف لا وهي تجد والدها سيتأخر عن الحضور لأكثر من اسبوع وهي التي لم تعتد على غيابه لاكثر من ثلاثة ايام فحسب..
ولاحظ امجد شرودها وعدم رغبتها في تناول أي شيء من طبقها.. فسألها قائلا: ماذا بك يا ملاك؟..
التفتت له ملاك وقالت وكأنها للتو قد تنبهت لوجودها بينهم: ماذا قلت يا عمي؟..
قال امجد بهدوء: قلت ماذا بك؟.. وما الذي يجعلك شاردة كل هذا الوقت؟..
قال مازن بسخرية في تلك اللحظة: بالتأكيد تفكر في من اهداها تلك القلادة..
لم يعلم مازن ان عبارته صحيحة تماما.. ذلك لانه لا يعلم من اهداها تلك القلادة اصلا.. في حين قالت مها وهي تلتفت الى والدها: لقد اتصل عمي خالد اليوم يا ابي..
التفت لها امجد ومازن في اهتمام في حين اكتفى كمال بارهاف السمع.. فاردفت مهاقائلة: ولقد قال انه ربما سيتأخر لأربعة ايام اخرى..
قال مازن بابتسامة: حقا؟.. هذا امر يدعو للسروربكل تأكيد.. ما دامت ملاك ستبقى هنا وقت اطول..
تطلعت له ملاك بضيق.. ايظن انها راغبة في البقاء هنا لوقت اطول بعيدة عن والدها.. لا ابدا.. انها تريد ان يعود والدها في اسرع وقت.. حتى ان كان هذا سبب في وحدتها.. المهم ان تراه يوميا وتتحدث اليه.. وتتطمأن الى انه معها في نفس البلاد .. نتظره بفارغ الصبر في نهاية كل يوم حتى يمنحها ولو القليل من حنانه وكلماته الدافئة...
وقال امجد باهتمام: ولم لم تخبريني انه اتصل قبل الآن؟..
قالت مها وهي تلتفت الى ملاك: لقد اخبرت ملاك اولا لاني علمت ان الامر يهمها اكثر من أي شخص آخر..
قال مازن وهو يحاول ان يضفي بعض المرح: وان كانت تريد الحديث اليه.. فأنا مستعد لأمنحها هاتفي لتتصل به.. بشرط ان لا تسكب دموعا..
التفتت له ملاك ورمقته بنظرة تجمع ما بين الضيق والحزن.. واحس مازن بالدهشة من نظرتها هذه .. في حين التفتت عنهم ملاك لتقول : لقد شبعت..
واستدارت بمقعدها عن المكان..لتتحرك بين ارجاء الردهة مبتعدة عن طاولة الطعام.. وبينما هي تفعل لم تنتبه لعجلة مقعدها التي اصطدمت بغتة برجل الطاولة الصغيرة الموجود بالردهة.. وشهقت ملاك بقوة وهي ترى نفسها تسقط من على مقعدها اثر الاصطدام ..وشعرت بآلام مبرحة بظهرها ووجدت نفسها تطلق أنات الم دون ان تصرخ طالبة المساعدة..حاولت رفع نفسها مرارا وتكرار دونما فائدة بواسطة ذراعيها.. وهي تشعر بآلام ظهرها المبرحة وبرجليها العاجزتين تماما.. وضربت بقبضتها الارض بقوة وهي تهتف في صوت حمل في طياته الكثير من الالم والمرارة: تبا.. تبا.. اريد النهوض.. لا اريد مساعدة من احد.. اريد ان انهض وحدي..
رأت دموع عينيها تتساقط على كفيها دون ان تشعر بها.. لم تأبه بكل هذا وهي ترى نفسها عاجزة.. لاول مرة تشعر بألم كونها عاجزة وهي ترى نفسها ملقاة على الارض دون ان تكون قادرة على مساعدة نفسها...
وعلى طاولة الطعام.. عقد مازن حاجبيه وقال وهو يرهف سمعه: اتسمعون .. انه صوت ملاك؟..
ارهفت مها سمعها بدورها ومن ثم قالت: اظن انها هي حقا..
اسرع مازن ينهض من مكانه وقال في سرعة: سأرى ما بها..
لحقت به مها وقالت في سرعة : سآتي معك..
لم يهتم مازن بما قالته .. فقد تحرك بخطوات سريعة بين ارجاء الردهة.. واخيرا شاهدها.. كانت تبكي بمرارة وهي غير قادرة على رفع جسدها عن الارض..فقال وهو يرفع حاجبيه باشفاق: ملاك...
واندفع نحوها في سرعة ومال نحوها قائلا: هل انت بخير؟.. هل اصابك مكروه؟..
التفتت له لتتطلع اليه بعينين مغرورقتين بالدموع.. فأمسك مازن بذراعها وقال : دعيني اساعدك..
جذبت ذراعها بقوة من كفه..وقالت بصوت خافت: لا اريد..
اقتربت منهما مها في تلك اللحظة وقالت بخوف وقلق: ملاك.. ما الذي جعلك تسقطين من مقعدك؟.. هل اصابك شيء؟..هل انت بخير؟..
قالت ملاك وهي تمسح دموعها في سرعة: انا بخير..
قال مازن بهدوء: اذا دعيني اساعدك.. لن تستطيعي الجلوس على مقعدك لوحدك..
اسرعت مها تقول مؤيدة وهي تهبط الى مستواها: اجل دعيه يساعدك يا ملاك..
التفتت ملاك في تلك اللحظة الى مازن وشاهدته لا يزال يمسك بذراعها وهو ينتظر منها ردا يسمح له بمساعدتها.. فالتفتت عنه ملاك وقالت بصوت اقرب للهمس: افعلوا ما تريدون..
اسرع مازن يحمل جسدها الصغير بذراعيه ليجلسها على المقعد .. اما ملاك فقد اغمضت عينيها عندما شعرت بأن كل خلية من جسدها ترتجف لقرب مازن منها.. شعرت بانفاسه تكاد تلفح وجهها.. وبقربه يكاد يعصف بمشاعرها وكيانها.. اخذ قلبها يخفق بقوة .. وعرفت حينها ان مشاعرها لم تعد تحمل سوى معنى واحد من قرب مازن لها.. انها ليست معجبة به او تميل اليه فحسب.. انها تحبه.. تحب!!.. تحب مازن.. بهذ السرعة؟.. هل حقا عرف قلبها طريق الحب؟.. ولكن ماذا عن مازن؟..ما هو شعوره تجاهها؟ .. لا تعلم..المهم الآن انها بقربه وهذا ما يهمها في هذه اللحظات ولا شيء آخر..
وقال مازن في تلك اللحظة وهو يميل نحوها: واخيرا انتصرت على عنادك.. وجعلتك تقبلين بفعل شيء بالرغم منك..
تطلعت مها الى مازن بحنق.. وقالت بضيق: مازن هذا ليس وقت مثل هذا الكلام..
والتفتت الى ملاك لتقول: اتشعرين بأي الم يا ملاك؟.. اتودين ان نأخذك الى المستشفى؟..
قالت ملاك بصوت خافت : لا.. اشكركم على مساعدتكم.. انا بخير الآن..
قال مازن متسائلا: سأسألك سؤالا يا ملاك؟..
خفق قلبها والتفتت له لتقول: تفضل..
قال وهو يتطلع لها: لماذا لم تناد احدا ليساعدك وفضلت لابقاء هكذا طوال تلك الـ...؟
اسرعت مها تقاطعه باستنكار: مازن.. ماذا تقول؟..
ولكن ملاك اجابت بهدوء: لا اريد ان اشعر احد بعجزي وضعفي هذا.. اريد ان اكون كأي فتاة اخرى.. افعل كل ما يخصني لوحدي.. هل فهمت الآن لماذا؟..
قال مازن وهو يتطلع اليها: ان اردت الصراحة فلم افهم.. فهاهي ذي مها امامي.. لا تزال تطلب مساعدتنا في اتفه الامور ..
قالت مها بحنق وهي تضربه على كتفه بضيق: هل لك ان تصمت قليلا؟..
امسك بمعصمها وقال بسخرية: جربي فقط ان تحاولي ضربي مرة اخرى..و ستجدين يدك الجميلة هذه محطمة..
قالت مها وهي تجذب معصمها من كفه: يالك من سخيف.. هذا عوضا من ان تدافع عني وتساعدني..
التفت مازن الى ملاك وغمز بعينه قائلا بمرح: الم اخبرك؟.. ها هي ذي تطلب المساعدة امامك..
ابتسمت ملاك بشحوب ومن ثم قالت بصوت خافت: ربما اكون قد بالغت قليلا في عدم حاجتي الى احد..
- بل بكل تأكيد.. اسمعي يا ملاك.. أي شيء ستحتاجينه .. فمازن سيكون موجودا دائما..ثقي بهذا..
ابتسمت ملاك بخجل .. وازدردت لعابها لتخفي ارتباكها.. فقال مازن وهو يهم بالابتعاد: والآن سأعود لأكمل تناول طعام الغداء.. وارجو ان تأتي انت ايضا يا ملاك.. فطبقك لا يزال ممتلأً..
تطلعت له ملاك وهو يبتعد عنها.. احقا لاحظ الطبق الذي كنت اتناول منه؟..شعرت بأن مازن يهتم بها بالفعل ..ويهتم لامرها بشكل خاص.. ربما هو معجب بها.. ربما يحمل لها بعض المشاعر.. ربما وربما... دون ان تجد أي دلائل تأكد او تنفي ما تظنه.. تريد ان يكون ظنها واحساسها صحيح بأن مازن يهتم بها فعلا وليست تتخيل هذا الاهتمام.. .
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
رنين مستمر جعل حسام يلتقط هاتفه ويجيبه بعد ان رأى الرقم على شاشته: اهلا مها..
قالت مها بهدوء: اهلا حسام.. كيف حالك؟..
قال مبتسما: بخير..ماذا عنك انت؟..
- على ما يرام.. المهم اني اردت ان اشكرك..
قال بحيرة: وعلام تشكريني؟..
قالت وهي تبتسم بامتنان: لقد كنت محل ثقة بالفعل عندما اخفيت الامر عن اعمامي ذلك اليوم..
قال حسام وهو يهز كتفيه وعلى شفتيه ابتسامة: انا لم اخف شيئا عن احد.. لقد اكتفيت بعدم التعليق وحسب..
- ولكن حقا اسعدني انك اخفيت الامر عن الجميع..
قال حسام وهو يتحرك في ارجاء غرفته: لقد فعلت ذلك لاني وعدتك ولاني لا اكون سببا في ما قد يصيب ملاك..
- ماذا تعني؟..
- بكل بساطة.. اعمامها قد يكونوا سببا في حزنها والمها ولا اريد ان اكون سببا في حزنها ذاك..
قالت مها بشك: لم انت مهتم بملاك؟..
قال حسام بهدوء: الاشفاق ليس الا.. خصوصا وانا اراها بالامس في عمر الزهور.. لا تكاد تشعر بنعمة السير على قدمين..
وسألها بغتة: ما اخبار احمد؟..
قالت بدهشة: من الذي تحدث عن احمد الآن؟..
قال بابتسامة سخرية: لقد كان مهتم بك بالامس .. فقلت انك ربما تعرفين اخباره..
قالت وهي تصطنع الجدية.. ربما لاثارة غيرته: اظن انه مهتم بي بالفعل..لقد لاحظت هذا بالامس.. ما رأيك انت بالامر؟ ..
قال حسام ببرود: وما شأني به؟.. فليهتم بك.. هذا شأنه.. ولكن اخبرك منذ الآن بأنه شاب عابث.. ليس له مستقبل على الاطلاق..
قالت مها مبتسمة وقد شعرت من تغير نبرة صوته انه ربما ضايقه حديثها عن احمد: ربما.. ولكنه ابن عمي.. ووالده لديه ثروة كبيرة.. لهذا اظن ان مستقبله مضمون..
قال حسام ببرود اكبر: انها حياتك الخاصة.. فأن كنت ترين هذا فهذا شأنك.. اما نظرتي انا فمختلفة عنك تماما تجاه احمد هذا..
- ولم تضايقت هكذا..
قال بهدوء: لو كنت قد تضايقت.. فلأجلك.. لا اريد ان يشغل تفكيرك شاب عابث مثل احمد..
تنهدت مها وقالت متحدثة الى نفسها: (لو تعلم يا حسام انه لا يشغل ذهني سواك..)
وقالت متحدثة الى حسام: لا تقلق علي انه لا يشغل بالي ابدا..
ابتسم وقال: هذا جيد.. فكري بدراستك الآن.. وابعدي هذه الافكار عن رأسك..
قالت مها بخيبة امل وهي تظن انه سيهتم ويسأل عمن يشغل تفكيرها: سأفعل بالتأكيد..
- اعتذر الآن يا مها.. فأنا مضطر لانهي المكالمة لاني سأغادر بعد قليل..
- لا بأس الى اللقاء..
انهت المكالمة ومن ثم تطلعت الى هاتفها بيأس.. احقا لا يشعر بمشاعرها وعواطفها تجاهه.. احقا مشاعرها ليست واضحة على مرأىعينيه.. ليته يفهم.. ليته يسالني مرة واحدة عن سبب اتصالاتي المتكررة له.. او على الاقل يسال نفسه عن سبب لجوئي له اولا كلما احتجت للحديث الى شخص ما..ترى يا حسام.. هل تبادلني مشاعري هذه.. ام اني احلامي اكبر مما اظن و...
قطع افكارها صوت طرقات على باب غرفتها فالتفتت اليه وقالت بهدوء: ادخل..
فتح الباب ليأتيها صوت كمال وهو يقول: ما الذي تفعلينه؟..
عقدت حاجبيها باستغراب.. فالمرات التي يأتي فيها كمال الى غرفتها تكون نادرة .. الا اذا كان في الامر سببا مهما .. واجابته وهي تهز كتفيها: لا شيء مهم.. اخبرني انت... ما الذي...
قاطعها كمال وهو يحتل المقعد المجاور لطاولة الدراسة: بل اخبريني انت.. هل صحيح ما قلتيه اليوم على الغداء؟..
قالت بحيرة: ما الذي قلته؟..
-بشأن ملاك..
قالت مها مستغربة: ماذا تعني بالضبط؟..
قال كمال بملل: ماذا بك يا مها؟.. انسيت بهذه السرعة؟.. الم تقولي بنفسك بأن ملاك لن تذهب غدا وستبقى اربعة ايام اخرى؟ ..
قالت مها بحيرة: بلى قلت هذا..
- حسنا اذا انا جئت الى هنا لاتأكد ان كان ما قلته صحيح ام لا..
قالت مها وهي ترفع حاجبيها: بالطبع صحيح.. اتظن اني كنت اكذب مثلا؟..
قال وهو ينهض من على مقعده: انتهى النقاش اذا..
قالت مها في سرعة: لحظة.. ماذا تعني بقدومك هنا لتتأكد من امر بقاءها من عدمه؟.. هل تضايقت لانها ستبقى..
قال كمال في ضيق: كفاك حماقات انت ومازن..
قالت مها في حدة وهي تراه يبتعد باتجاه الباب: توقف..اخبرني لم سألت عن ملاك؟..
القى عليها نظرة باردة ومن ثم توجه الى الباب ليخرج مغادرا غرفتها .. في حين تنهدت مها بحدة .. وهي تفكر فيما يمكن ان يشغل ذهن كمال ويجعله يسأل عن ملاك....
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
وضعت ملاك كفها اسفل وجنتها وهي تجلس في غرفتها بشرود .. اغمضت عينيها لتتذكر ما الذي حدث لها اليوم .. لا زال جسدها كله يرتجف حتى الآن وهي تتذكر مازن..تذكرت نظراته.. كلماته.. وقربه الذي ارجف جسدها .. ودون ان تشعر عاد ذهنها الى الوراء.. قبل اثنتي عشرة سنة...
ابتسم ذلك الرجل وهو يدفع المقعد المتحرك امامه وقال بحنان: ما بالك يا صغيرتي؟..
التفتت له الطفلة التي تجلس على المقعد وقالت متسائلة: الى اين نحن ذاهبان يا ابي؟..
وضع والدها كفه على رأسها وقال بابتسامة: لدي بعض الاعمال التي يتوجب ان انهيها مع اخي..
قالت وهي تفكر: اذا نحن ذاهبان الى منزل عمي..
اومأ والدها برأسه ومن ثم قال: هذا صحيح يا صغيرتي..
قالت الطفلة بلهفة: هل سأجد هناك من يلعب معي؟..
ابتسم والدها وقال وهو يواصل دفعله للمقعد: اجل..
- حقا.. اذا اسرع .. اسرع يا ابي..
قال والدها وهو يميل نحوها: سأفعل يا ملاك.. ولكن لا تكوني لحوحة هكذا..
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت: انا لست لحوحة..
تلاشت ذكرياتها بغتة مع صوت طرق لباب غرفتها .. فاسرعت تعتدل في جلستها وتقول بصوت هادئ: من؟..
فتحت مها الباب في سرعة وقالت: ملاك .. ملاك..
التفتت لها ملاك وقالت باستغراب: اجل..
قالت مها وهي تشير الى الخارج: والدك على الهاتف..
شهقت ملاك وقالت بغير تصديق : ابي..
اومأت مها برأسها وقالت بابتسامة: اجل .. اسرعي..
اسرعت ملاك تحرك عجلات مقعدها واسرعت مها تساعدها في دفعه.. وهناك شاهدت عمها امجد يتحدث الى والدها وما ان رآها تقترب حتى قال متحدثا الى خالد وهو يبتسم: لقد وصلت صغيرتك.. اتريد التحدث اليها؟..
قال خالد ببرود: بكل تأكيد..
قال امجد وهو يمنح ملاك سماعة الهاتف: خذي تحدثي الى والدك..
قالت ملاك بلهفة وهي تلتقط السماعة وتتحدث الى والدها: ابي.. كيف حالك؟..اشتقت اليك كثيرا..
قال خالد بشوق: بخير .. اخبريني انت كيف هي احوالك؟ .. وهل تنامين وتأكلين جيدا؟..
ضحكت ملاك وقالت: ابي أتظن اني لاازال طفلة؟..
- انت كذلك بالنسبة لي وستبقين كذلك..
واردف بحنان: اشتقت اليك باكثر مما تتصورين.. سأنهي اعمالي قريبا واعود اليك.. هذا وعد..
قالت بسرعة: متى .. متى؟؟..
- ربما بعد يومين..
هتفت بفرحة: حقا؟؟..
قال مبتسما: اجل.. من اجلك فحسب يا صغيرتي..
قالت بابتسامة واسعة : احبك يا ابي..
قال خالد بحنان: وانا احبك اكثر من أي شخص اخر في هذا العالم..
ومن ثم اردف قائلا: والآن مادمت قد جعلتك تفرحين.. سأنهي المكالمة واتصل بك في وقت آخر..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: لا بأس..
- الى اللقاء يا صغيرتي..
- الى اللقاء يا ابي..
وفي هذه المرة ارتسمت على شفتيها ابتسامة واسعة بدل ان تترقرق عيناها بالدموع وهي تغلق السماعة.. حتى ان مها تسائلت وهي ترفع حاجبيها بحيرة: تبدين سعيدة يا ملاك.. ما الامر؟..
قالت ملاك بسعادة: كيف لا وابي سيعود بعد يومين فحسب..
قالت مها بدهشة : ولكنه اخبرني بأنه سيعود بعد اربعة ايام..اخبريني..هل اخبرك هو بذلك؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا وابتسامتها لم تفارقها بعد.. في حين قالت مها بابتسامة باهتة: سأفتقد وجودك معنا بالمنزل كثيرا..
قالت ملاك وهي تهز رأسها نفيا: ومن قال اني سأترككم؟ .. سآتي لزيارتكم يوميا..
قالت مها متسائلة: وهل سيوافق والدك على ذلك؟..
قالت ملاك وهي تهز كتفيها بتردد: لا اعلم.. ولكن سأحاول اقناعه..
ربتت مها على كتفها وقالت محاولة تغيير الموضوع: اتذكرين طلبك لي؟..
قالت ملاك بدهشة: أي طلب؟..
قالت مها وهي تغمز بعينها: ان تحضري السباق الذي سيقام في النادي..
- بلى تذكرت.. ماذا عنه؟..
قالت مها بلهجة ذات مغزى: سأحققه لك غدا..
تطلعت لها ملاك باهتمام وهي تنتظر منها ان تشرح لها عبارتها الاخيرة.. وقالت مها وهي ترى اللهفة في عيني ملاك : فالسباق سيقام في الغد..
قالت ملاك بلهفة ممزوجة بالتوتر: حقا؟؟..
- اجل ..وبصراحة لا اعلم من اشجع لان كمال ومازن سيشاركان في هذا السباق.. ما رأيك انت؟.. من فيهما اشجع؟..
قالتها مها بمرح.. في حين خفق قلب ملاك عندما سمعت اسم مازن.. ما الذي يصيبها كلما سمعت اسمه؟.. هل هو الحب الذي يجعل جسمها يقشعر لمجرد ذكر اسمه وكأنه يقف امامها في هذه اللحظة..
وكادت ملاك ان تجيبها بكلمة واحدة.. مازن.. شجعي مازن.. ولكن خجلها عقد لسانها .. فازدردت لعابها وقالت بارتباك: شجعي شقيقيك..
قالت مها وهي تضحك بمرح: لدي اقتراح آخر.. ما رأيك في ان اشجع أي متسابق آخر؟..فكلاهما لا يستحقان التشجيع..
قالت ملاك متسائلة: وحسام.. الن يشارك في هذا السباق؟ ..
قالت مها بابتسامة باهتة: لا.. انه لا يهتم برياضة الفروسية ..
صمتت ملاك للحظة ومن ثم قالت: ومتى سنذهب غدا لرؤية السباق؟..
اجابتها مها بهدوء: عند الساعة الرابعة بعد الظهر..
قالت ملاك بابتسامة : اتمنى ان يحصل على المركز الاول في السباق ..
قالت مها وهي تميل نحوها بابتسامة ماكرة: ومن هو؟..
ارتبكت ملاك واشاحت بنظراتها بعيدا.. واعتلت الحمرة وجنتيها.. وهمت بان تقول شيء ما.. يصحح ما فهمته مها.. لولا ان تعالى صوت بغتة بالردهة يقول: انا...
والتفتت كلاهما الى مصدر الصوت.. وارتسمت الدهشة على وجهيهما .. فقائل تلك العبارة كان ..كمال...
 
الجزء العاشر
"تجاهل"
تطلعت ملاك بدهشة الى كمال.. وهي تستغرب قوله هذا.. في حين لم تكن مها باقل منها دهشة..فد ارتفع حاجبها بدهشة كبيرة والتفتت الى كمال لتقول : ماذا قلت؟..
عقد كمال ذراعيه امام صدره وقال ببرود: لماذا تتطلعان الي هكذا؟.. اجل انا من سوف يحصل على المركز الاول..
قالت مها وهي تمط شفنيها: ولماذا انت واثق الى هذه الدرجة؟ ..
قال كمال وهو يبتعد عن المكان: لاني اعرف مهارتي جيدا ..
تطلعت له مها بصمت وهو يبتعد عنهم وقالت بحنق: ان تشابه كمال ومازن في شيء.. فهو الغرور..
ابتسمت ملاك بهدوء.. فقالت مها وهي تميل نحوها: اترغبين في الخروج الى حديقة المنزل قليلا؟..
اسرعت ملاك تجيبها قائلة: اجل بالطبع..
ابتسمت مها وقالت وهي تدفعها: في الحال..
ولكنها توقفت بغتة والتفتت الى نادين التي تقدمت منهم وقالت بتأنيب: آنستي.. لم تفعلين كل شيء وحدك دون ان تخبريني..
قالت ملاك ببرود: وما الذي فعلته؟..
قالت نادين وهي تتطلع اليها: لقد خرجت بالامس دون ان تخبريني ..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: انا لست طفلة..
قالت نادين وهي تومئ برأسها: اعلم ولكنك امانة في عنقي.. لو اصابك شيء.. سأكون انا المسئولة..
عقدت ملاك حاجبيها ومن ثم قالت متحدثة الى مها: فلنذهب الآن يا مها..
قالت مها بصوت خفيض وهي تدفع المقعد: ماذا بك يا ملاك؟..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها: لا تلبث ان تشير الى اني عاجزة ويجب ان اخبرها عن أي خطوة اقوم بها..
قالت مها بهدوء: انه عملها.. الاهتمام بك..
قالت ملاك بمرارة: وانا لا اريد من يهتم بي.. ها انتذا تتصرفين بحرية .. هل يطلب منك احد ان تأخذي مرافق معك حتى لا تتعرضي لأي اذى؟..
ابتسمت مها وقالت وهي تفتح الباب الرئيسي للمنزل وتخرج منه مع ملاك: لو قدر لي ان احصل على كل الاهتمام الذي تحظين به.. لفرحت وانا ارى نفسي محاطة بكل هذا الحب ..لو لم يكونوا يحبونك لما اهتموا بك كل هذا الاهتمام.. اليس كذلك يا ملاك؟..
اومأت ملاك برأسها ايجابيا وقالت بخفوت: بلى ..
ابتسمت مها وهي تتجول في حديقة المنزل: اذا لا داعي لحزنك كلما حدثتك نادين بشأنك.. فما يهمها هو ان تكوني بخير..
اكتفت ملاك برسم ابتسامة هادئة على شفتيها ولم تعلق على عبارتها.. وقالت بغتة: اتركي المقعد يا مها.. سأتحرك بمفردي ..
نفذت مها ما طلبته منها.. لتراها تتوجه بمفردها الى مكان حوض الازهار.. وابتسمت ملاك وهي تمد يدها لتداعب احدى الزهرات.. ومن ثم اغمضت عينيها وهي تشعر بالهواء البارد يداعب وجنتها ويحرك خصلات شعرها.. كم تحب ان تشرد بخيالها بعيدا وهي وسط هذه الطبيعة والجو الساحر ..تشعر ان كل ما حولها ساكن هادئ.. ينتظر منها ان تتحدث اليه او حتى تتطلع اليه بعينيها..
شعرت بغتة بشيء ما يداعب وجنتها.. فأسرعت تفتح عينيها وتطلعت بدهشة الى مازن الذي كان يداعب وجنتها باحدى الازهار..ازدردت لعابها بارتباك شديد وقالت وهي تشيح بوجهها بعيدا: منذ متى وانت هنا؟..
قال مبتسما وهو يتطلع الى ساعة معصمه: دعيني ارى الوقت للحظة.. حسنا منذ خمس دقائق تقريبا..
تلفتت ملاك حولها وقالت متساءلة: واين مها؟..
اشار مازن الى مها الجالسة تحت احدى المظلات بالحديقة وشاردة الذهن: هناك..
ظلت صامتة دون ان تعلق على عبارته.. فقال متسائلا: هل ضايقتك؟..
اسرعت ملاك تهز رأسها نفيا.. فقال وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة وهو يمد لها يده بالزهرة: خذي اذا..
تطلعت ليده الممدودة لها بالزهرة ومن ثم لم تلبث ان قالت وهي تمد اناملها باصابع مرتجفة لتلتقط الزهرة من يده: شكرا لك..
امسك مازن كفها بغتة حين كانت تهم بأخذ الوردة.. فشهقت ملاك بتوتر وخوف.. فقال بابتسامة وهو يتطلع لها: اجمل زهرة لاجمل ملاك رأته عيناي..
اخذ قلبها يخفق بعنف من كلماته.. وجسدها كله بات جامدا من مسكة كفه لكفها.. لم تعلم ماذا تقول .. واشاحت بعيناها بعيدا لتسيطر على ارتباكها وخوفها وخجلها .. فقال مازن وهو يهمس لها: هل يخيفك وجودي لهذه الدرجة؟..
لم تستطع ان تنطق بحرف واحد واكتفت بهز رأسها نفيا.. فقال وهو يحرر كفها من كفه: اذا لم كنت ترتجفين؟..
شعرت بجفاف حلقها.. يكفي يا مازن ارجوك.. لم اعد احتمل.. وحركت عجلات مقعدها لتبتعد عنه وتتوجه الى مها.. فاسرع مازن يناديها قائلا: ملاك..
توقفت ملاك للحظة ولكنها عادت لتواصل تحركها بالمقعد.. وشعرت بالراحة عندما رأت مها تنهض من على مقعدها وتقول بهدوء: هل ندخل الآن؟..
قالت ملاك وهي تهز رأسها باضطراب: اجل.. اجل..
تطلعت لها مها بشك وقالت: ماذا بك يا ملاك؟.. تبدين متوترة ..
اسرعت ملاك تقول: لا شيء.. اريد الذهاب الى غرفتي..
اقترب مازن في تلك اللحظة منهما وقال مبتسما وهو يلتفت لملاك : لقد نسيت اخذ هذه..
قالها وسلمها الوردة بهدوء وانصرف .. دون ان تقوى على قول شيء ما.. في حين قالت مها بحدة: هل مازن هو سبب توترك هذا؟.. ما الذي قاله لك؟..
اطرقت ملاك برأسها وقالت بتوتر: لا شيء.. لقد اهداني هذه الوردة فحسب..
- اذا لم تبدين متوترة كل هذا الـ...
بترت مها عبارتها وكأنها استوعبت الامر لتوها.. واتسعت عيناها عندما انكشفت لها حقبقة الامر.. وقالت مرددة بينها وبين نفسها: ( لقد صدق ظني اذا.. ملاك متعلقة بمازن.. مازن الذي لديه بدل الفتاة مئة.. يا الهي .. أي صدمة ستتصيبك يا ملاك.. لو علمت بحقيقة مازن الذي تحبين.. أي صدمة؟ )
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
يوم دراسي جديد قضته مها بملل بين ارجاء الجامعة .. ولم تجد امامها سوى السير في ارجاءها وحيدة بعد ان تغيبت صديقتها اليوم عن الحضور..ضمت كتبها الى صدرها وتنهدت بملل وهي تتوجه الى كافتيريا الجامعة.. ولكنها توقفت فجأة عندما سمعت صوتا يهتف باسمها..التفتت الى مصدر الصوت ورأته امامها.. حسام وابتسامته المعهودة على شفتيه.. وقالت بابتسامة تحمل كل اللهفة التي في قلبها: اهلا حسام..
قال حسام مبتسما وهو يتقدم منها: اهلا.. كيف حالك؟..
اجابته قائلة: بخير..
قال متسائلا: الى اين انت ذاهبة؟..
تطلعت الى الامام للحظة ومن ثم عادت تلتفت له وقالت بابتسامة: الى الكافتيريا .. وانت؟..
هز كتفيه وقال: ليس لدي وجهة معينة..
واردف قائلا وهو يسر الى جوارها: كيف حال الدراسة معك؟..
زفرت قائلة: على ما يرام ولكني اشعر بالملل.. متى ينتهي هذا العام؟..
قال متسائلا بغتة: ولم كنت تسيرين وحيدة؟.. اين صديقتك؟ ..
دهشة.. ذهول.. صدمة.. كل هذا سيطر على مها في تلك اللحظة وتوقفت بغت لتقول بحدة: وماذا يعنيك من امر صديقتي؟ ..
توقف حسام بدوره عن السير والتفت لها ليقول وقد استغرب تغير موقفها على هذا النحو: ماذا بك؟.. انا اسأل عنها لاجلك.. فقد رأيتك تسيرين وحيدة و...
قاطعته بانفعال وهي تشعر بمرارة قلبها الذي لم يحب سواه: لماذا تتعمد ذلك؟؟..
قال بدهشة: اتعمد ماذا؟..
قالت مها بصوت مليء بالحزن والالم: تتعمد تجاهلي..
قال حسام وهو يعقد حاجبيه: انا؟.. وكيف اتجاهلك؟..
عضت على شفتيها بمرارة ومن ثم قالت: انت حتى لا تقدر مشاعري..
قال حسام بدهشة: مها .. ماذا تقولين؟.. ماذا تعنين بقولك هذا؟ ..
سمع حسام بغتة صوت صديقه يناديه.. فالتفت له وقال: ماذا؟..
ساله صديقه قائلا: الن تأتي ؟.. المحاظرة ستبدأ بعد دقائق..
قال حسام في سرعة: اذهب انت وسأتبعك بعد قليل..
هز صديقه كتفيه وقال بهدوء: كما تشاء..
ومن ثم اكمل سيره مبتعدا..في حين عاد حسام ليلتفت الى مها التي ضمت كتبها اليها في الم.. والتفتت عنه لتغادر المكان وهي تقول: اذهب لمحاظرتك..
اسرع يتوقف امامها مانعا اياها من التقدم وقال متسائلا: ليس قبل ان تقولي لي ماذا عنيت بقولك؟..
اشاحت بوجهها بعيدا وقالت بضيق والم: لم اكن اعني شيئا..
قال بهدوء: مها .. انا افهمك جيدا.. انت لا تستطيعين الكذب وعيناك في مواجهة عيني .. اليس كذلك؟..
اسرعت تلتفت له وتقول في حنق: لا ليس كذلك..
مال نحوها قليلا وقال: اخبريني ما الامر يا مها؟.. ما الذي غيرك فجأة.. وجعلك تنفعلين على ذلك النحو.. وتتهميني بأني اتجاهلك..
قالت مها وهي تلتقط نفسا عميقا: ارجوك يا حسام.. ابتعد عن طريقي .. الجميع ينظر الينا..
قال حسام في سرعة: حسنا لا بأس.. ولكني سأنتظرك بعد ان تنتهي محاظراتك لأفهم الامر منك.. اخبريني.. متى سوف تنتهين؟..
قالت ببرود: الثانية ظهرا..
قال حسام وهو يهم بالابتعاد عنها:حسنا سأنتهي انا في الواحدة والنصف وسأنتظرك بعدها في المواقف.. اتفقنا؟..
واسرع يبتعد دون ان ينتظر اجابتها.. في حين تنهدت مها وهي تشعر بالحيرة الكبيرة من تصرفاته..ومن موقفه المتناقض.. يهتم بها ويسأل عن صديقتها..ومشاعره التي لا تزال غامضة بالنسبة لها لا تكاد تفهمها.. فلو كان يحبها ما الذي يمنعه من اخفاء هذا الامر.. اما لو كانت مشاعره تجاهها لا تحمل سوى مشاعر صلة القرابة فهذا يعني انه لا داعي لأن يخبرها بشيء من الاساس..
وابتسمت بسخرية مريرة لنفسها.. لقد فقدت الامل تماما تجاه حسام.. من قال انه يبادلها المشاعر.. او حتى يشعر بكل ما تحمله له من حب..انه اذا اهتم بها فهذا لا يعني انه مهتم بها لسبب خاص.. بل لانها ابنة عمته وحسب..
وسارت مها مبتعدة عن المكان.. وهي تكاد تودع حبها الذي لم يرى النور بعد...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلعت ملاك الى ساعتها للمرة العاشرة.. لا يزال الوقت مبكرا على السباق.. والساعة لم تتجاوز الثانية عشرة بعد.. ولكنها تشعر بالحماس له.. تريد الذهاب والتشجيع .. ستشجع مازن بكل قوة.. لن تنطق اسمه لأن هذه مشاعرها الخاصة.. ستكتفي بترديد عبارات التشجيع فقط.. ثم لم تنطق اسمه وقلبها ينبض به؟...
ارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تتحرك بمقعدها في غرفتها .. تطلعت الى نفسها في المرآة ومن ثم قالت مبتسمة: سأرتدي شيء اجمل هذا اليوم..
اخذت تبحث بين ثيابها.. حتى وجدت تنورة ذات لون ازرق من نوع الجينز..وقميص احمر اللون.. وابعدت خصلات شعرها الى الوراء باستخدام ربطة للشعر حمراء اللون.. وابتسمت برضا عن شكلها..ترا ماذا سيقول لها مازن لو رآها؟.. سيقول انها جميلة..ام رائعة.. ام...
ضحكت بخجل من نفسها وافكارها.. يا ترى هل سيشتاق لها مازن لو غادرت بعد يومين.. تغادر!.. اجل ستغادر مع والدها الى منزلهم.. وستترك مها ومازن وكمال ايضا..ستغادر لتعود الى حياتها الطبيعية.. ولكن ماذا عن مازن؟..هل ستراه مجددا؟...
ورددت بحزم و بصوت مسموع : اجل سأراه .. سأقنع ابي ان يصحبني الى هنا.. وحينها سأراه..سأتحدث اليه و...
بترت عبارتها وتوردت وجنتاها بحمرة الخجل .. ما هذه المشاعر التي سيطرت على تفكيرها وكيانها كلها؟.. اصبحت لا تفكر في شيء سوى مازن.. مازن ولا احد آخر..
اسرعت تلتقط لها رواية من حقيبتها علها تبعد مازن عن ذهنها .. وابتسمت وهي تتطلع الى العنوان (حب الى الابد).. مثل الرواية التي سخر مازن منها.. حتى عندما كانت تريد الهرب من التفكير بمازن عاد الى ذهنها من جديد..
اعادت الرواية الى مكانها واسرعت تغادر الغرفة.. واسرعت تنادي بصوت عالي بعض الشيء: نادين .. نادين..
لم يجبها احد فرددت بصوت اعلى: نادين.. اجيبيني.. نادين ..اين انت؟..
(ليست هنا)
شهقت ملاك بقوة عندما رأت كمال قائل العبارة السابقة يقف خلفها.. وقال ببرود: لا اظن ان شكلي يخيف الى هذه الدرجة؟ ..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بصوت خافت: اين نادين؟..
سار كمال متجاوزا ملاك ليجلس على الاريكة ..ومن ثم قال: رأيتها تخرج الى الحديقة..
تساءلت ملاك قائلة: ولماذا؟..
مط شفتيه وقال: وما ادراني..
صمتت ملاك .. اذا تحدثت الى كمال فعليها ان تتجنب ان تتحدث اليه كثيرا والا اتهمها بالازعاج..
 
وتحركت مبتعدة عنه.. فأسرع يقول: الى اين؟..
ارتفع حاجبيها بحيرة وقالت: الى غرفتي..
قال كمال بهدوء: لماذا تسجنين نفسك؟.. اذهبي الى الحديقة ان اردت..
قالت ملاك بتردد: كنت اود ذلك ولكن .. نادين ليست هنا..
تطلع لها كمال للحظة ومن ثم قال: سأصحبك انا ان شئت..
تطلعت له في دهشة.. هذا كمال.. احقا؟.. انه يتحدث اليها بكل هدوء.. ربما لم تكن تفهم تصرفاته في السابق لهذا هي مندهشة منه..وازدردت لعابها وقالت: لا شكرا لك.. سأذهب وحدي..
قال كمال ببرود وهو ينهض من على الاريكة ويبتعد عن المكان: افعلي ما شئت..
عاد الى بروده من جديد..وابتسمت بينها وبين نفسها.. هذا هو كمال الذي تعرفه.. وتحركت بهدوء لتغادر المنزل الى الحديقة الخارجية.. وابتسمت وهي تطلع الى المكان الذي كانت عنده بالامس.. عاد لها ذكرى مازن والزهرة التي اهداها لها..لقد وضعتها بين صفحات روايتها (حب الى الابد) .. لتثبت له اولا ان الحب لازال موجودا.. وان قلبها سيظل يحبه الى الابد ثانيا.. لا تفهم لماذا يرفض منطق الحب؟.. لو احب يوما فتاة ما بكل مشاعره واحاسيسه.. فيومها سيدافع عن الحب ويؤيده.. ولن يعارضه مطلقا.. سيعرف حينها معنى الحب في هذا العالم.. وربما يكون قد احب فعلا و...
احب؟.. احب من؟.. فتاة من النادي ؟.. لا .. لا.. مازن سيشعر بحبي له وسيبادلني حبا بآخر.. انه يهتم بي كثيرا .. انه يتطلع الي بكل حنان الدنيا.. اشعر بقربه بالامان والراحة..
تنهدت براحة وارتسمت ابتسامة على شفتيها وذهنها يعود ليشرد بالتفكير في مازن.. وقد نست تماما انها جاءت الى هنا حتى تبعد مازن عن ذهنها.. ولكنه بالرغم منها.. عاد يسيطر على تفكيرها.. كما سيطر على قلبها ومشاعرها ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سارت مها مغادرة بوابة الجامعة وهي تتوجه حيث سيارة ابيها التي تنتظرها عند المواقف.. وعلى الرغم من انها تذكر ما قاله لها حسام بأنه سينتظرها بعد ان تنهي محاظراتها.. لكنها تناست الامر تماما وهي تسير مبتعدة الى سيارة ابيها..لقد تجاهلها كثيرا ولم يقدر مشاعرها في يوم .. من حقها ان تتجاهله وتعامله بالمثل و...
(مها.. الى اين تذهبين؟)
كانت تعلم انه حسام لهذا لم تلتفت له وواصلت طريقها.. فعاد يهتف بها: مها .. توقفي..
لم تتوقف بل واصلت السير فهتف بصوت عالي وصارم: قلت توقفي..
توقفت في مكانها من لهجته الصارمة ولكنها لم تلتفت له ..فتقدم منها وقال بحزم: الى اين كنت تريدين الذهاب؟..
قالت مها ببرود متعمد: الى سيارة ابي.. الى اين تظن اني ذاهبة؟ ..
قال حسام وهو يقف في مواجهتها: الم اطلب منك ان لا تذهبي حتى افهم الامر منك؟..
تظاهرت بعدم فهم ما يقول وقالت: أي امر تعني؟..
عقد حاجبيه وقال: انك تفهمين عن أي امر اتحدث فلا تتظاهري بالغباء..
قالت وهي تعقد ساعديها امام صدرها: على الاقل انا لا اتجاهل الآخرين..
قال حسام بحدة: كفي عن التحدث بالالغاز واخبريني متى تجاهلتك؟..
قالت بحدة مماثلة: دائما كنت تتجاهلني.. اقف امامك.. ومع هذا لا تنظر الي ابدا..
وضع حسام كفه على جبهته وقال وهو يحاول فهم حديثها: تحدثي مباشرة يا مها.. لا اكاد افهم حرفا مما تقولين..
قالت وهي تبتعد عنه: افضل..
قال بعصبية وهو يراها تبتعد: انتظري.. انا لم انتظر نصف ساعة حتى تبتعدي هكذا دون ان تفسري لي الامر..
قالت مها وهي تتطلع اليه بطرف عينها: ان اردت تفسيرا فأبحث عنه بنفسك..عن اذنك..
امسك بمعصمها ليوقفها وقال بعصبية اكبر: اهذا جزاءي يا مها اني انتظرتك كل تلك المدة لاني قلقت عليك؟.. تمضين وتتركيني وكأني لست رجلا اقف امامك.. ولكن.. اعلمي انك انت من اراد هذا.. وداعا..
قال عبارته وابتعد هو هذه المرة .. شعرت مها بغصة في حلقها .. كادت ان تهتف به.. ان تلحقه.. ولكن كرامتها منعتها .. جعلتها تكتفي بأن تتطلع اليه بالم وهو يركب سيارته ويمضي بها.. واطرقت برأسها في الم وهي تكمل سيرها الى سيارة ابيها.. وان شعرت بالحزن يعتصر قلبها.. وتسائلت وهي تتنهد بالم وتجلس على المقعد الخلفي للسيارة.. هل اخطأت في تصرفها مع حسام ام انها فعلت الصواب؟؟..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(لقد وجدتها)
قال فؤاد هذه العبارة وهو يتطلع الى عادل الذي جلس يتطلع الى احد الملفات الخاصة بالشركة.. والتفت له عادل ليقول باستغراب: ماذا وجدت؟..
قال فؤاد مبتسما: وسيلة قد تكشف لنا امر ملاك..
قال عادل في اهتمام: وهل هذه الوسيلة مضمونة؟..
- لا يمكنني ان اخبرك ان كانت مضمونة ام لا .. لانها تعتمد على شخص ما..
عقد عادل حاجبيه: أي شخص تعني؟..
فكر فؤاد قليلا ومن ثم قال: احتاج الى شخص رآها من قبل وتحدث اليها.. شخص على الاقل له الحق في ان يتحدث معها بحرية وفي الوقت ذاته لا يكون من ابناء امجد..
قال عادل بهدوء: الم تكن تتحدث مع احد في الحفل سوى ابناء امجد؟..
عقد فؤاد حاجبيه وقال: دعني اتذكر.. لقد كانت تتحدث الى حسام ايضا..ما رأيك به؟..
صمت عادل للحظات ومن ثم قال: حسام لا يمت لنا بصلة بل هو من عائلة زوجة امجد-سابقا-..نحتاج الى احد من وسط العائلة .. حتى يكون محل ثقتنا..
فكر فؤاد من جديد وغرق في تفكير عميق لدقائق ومن ثم قال فجأة: اجل ..لقد وجدت الشخص المطلوب..
قال عادل بلهفة: من هو..
قال فؤاد بابتسامة ماكرة: ابنك يا عادل.. احمد..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسمت ملاك بفرحة وهي تجلس في المقعد الخلفي للسيارة مع مها متوجهين للنادي حيث سيقام السباق.. وقالت بسعادة: واخيرا سأذهب لرؤية السباق..
واردفت وهي تنطلع الى مها: لقد كنت متلهفة لرؤيته.. فلاول مرة سأرى سباق للخيل.. وسيكون مشتركا به مازن وكمال.. وبالتأكيد سيكون الـ...
بترت ملاك عبارتها عندما شاهدت مها شاردة الذهن وغير منتبهة لما تقول..ونادتها قائلة: مها.. هل سمعت ما قلته؟..
لم تجبها مها وهي على شرودها وتلك النظرة الحزينة جلية في عينيها..فرددت ملاك وهي تهز كفها بهدوء: مها.. هل تسمعيني؟..
التفت لها مها وقالت وكأنها تفيق من نوم عميق: هه.. هل تحدثيني؟..
تساءلت ملاك وقالت: ماذا بك؟.. انت صامتة وشاردة طوال الوقت.. ما الذي حدث؟..
هزت مها رأسها نفيا دون ان تعلق فعادت ملاك تقول: ولكنك حزينة.. اعلم ذلك.. عيناك تكشفان ما بقلبك من حزن .. وملامح وجهك واضحة للجميع..اخبريني ما الذي يحزنك؟ ..
قالت مها بصوت خافت: لا شيء..
صمتت ملاك عندما رأتها لا ترغب في قول أي شيء يتعلق بسبب حزنها والتفتت الى النافذة لتتطلع منها لدقائق.. ولكنها عادت تلتفت الى مها الواجمة وهي تستغرب حزنها هذا.. فمنذ ان عادت من الجامعة وهي على هذه الحال.. بالتأكيد قد حصل شيء ما هناك...
توقفت سيارة السائق في تلك اللحظة بجوار النادي.. فهزت ملاك كف مها وقالت: مها لقد وصلنا..
قالت مها وهي تلتفت لها: وصلنا الى اين؟..
ابتسمت ملاك ابتسامة باهتة وقالت: الى النادي بالتأكيد..
صمتت مها ولم تجبها.. وهبطت من السيارة لتشير للسائق ان يفتح الصندوق ويأتي ليخرج كرسي ملاك.. نفذ السائق طلبها.. فقالت مها وهي تدفع مقعد ملاك بجوار باب السيارة الخلفي : عندما اتصل بك.. تعال لتأخذنا من النادي..
قال السائق بهدوء: امرك آنستي..
غادرت ملاك السيارة لتجلس على المقعد.. ودفعتها مها بهدوء لتتوجه الى حلبة السباق.. وسألتها ملاك في تلك اللحظة: لم لم نأتي مع مازن مثل كل مرة؟..
قالت مها بهدوء: لانه غادر المنزل قبل ساعة من الآن من اجل ان يستعد جيدا للسباق..
صمتت ملاك واكتفت بأن اومأت برأسها في تفهم.. في حين كانت مها تدفع مقعدها وهي في عالم آخر تماما.. تفكيرها في ما حصل اليوم ..هل ما فعلته كان الصواب؟ .. لقد ثأرت لكرامتها ولكن.. ماذا عنه هو؟؟..هل خسرته؟..لقد بدى غاضبا وعصبيا كما لم تره من قبل.. ولكنه هو من كان يتجاهلها ولا يقدر مشاعرها.. وكأنه يتعمد سؤالها عن أي فتاة حتى يثير اعصابها.. اجل هو من بدأ .. هو من كان يجعلني اتعذب بسببه.. وقد حان الوقت لأثأر لنفسي ولكرامتي ..
ولكن لماذا لا اشعر بالراحة؟.. لماذا اشعر وكأني آلامي قد تضاعفت؟.. وان قلبي يكاد يتمزق الما ومرارة..ربما لان حسام يتألم الآن وانا لا احب ان اراه حزينا او مهموما ابدا .. احب ان اراه والابتسامة تشرق على وجهه..والفرحة تطل من عينيه.. يتحدث بهدوء ومرح.. هذا هو حسام الذي اعرفه .. ولكن...
شعرت بغصة في حلقها ولم تستطع مواصلة التفكير.. لا تريد ان تفكر فيه.. تريد ان تنسى .. تبعده عن ذهنها ولو لخمس دقائق فقط..
زفرت في حدة وهي تدخل الى مدرجات السباق.. ودفعت مقعد ملاك في المكان المخصص..حتى وصلت الى مقدمة المدرجات تقريبا ووجدت مقعدا لها .. فتنهدت وقالت: من الجيد اننا وجدنا مقعد في المدرجات الامامية.. احيانا اضطر للجلوس في الخلف..
قالت ملاك بلهفة طفولية: لا يهم ان نجلس في الامام او الخلف المهم ان يحصل اخويك على المراكز الاولى..
ابتسمت مها وقالت وهي تحتل مقعدها: لا تظني انهما ماهران كما اخبراك.. لم يحصلا ابدا على أي مركز من المراكز الاولى..
تطلعت لها ملاك بدهشة وقالت: ابدا؟؟..
اومأت مها برأسها وقالت: ابدا..
ارتجف قلب ملاك توترا.. اذا لم قال مازن انه حصل على احد المراكز الاولى فيما مضى ؟.. مبررا ان لديه العديد من المعجبين والمعجبات ..هل كان يكذب علي؟.. لا لا بالتأكيد هو يعني امرا آخر.. لا يمكن ان يكذب علي.. ثم لم يكذب؟..
عقدت حاجبيها بتوتر دون ان تفهم سبب قوله هذا.. وان كان يعني امر آخر ام لا؟.. وقالت متسائلة: متى سيبدأ السباق؟..
تطلعت مها الى ساعتها ومن ثم قالت وهي تلتفت الى ملاك: بقي على وقت بدء السباق ربع ساعة تقريــ...
بترت مها عبارتها عندما وقعت عيناها عليه..على حسام.. ازدردت لعابها بتوتر وهي تراه واقفا شارد الذهن يتطلع الى حلبة السباق بصمت.. يبدوا ان حاله لا يختلف كثيرا عن حالها.. هل تذهب اليه؟.. ام تناديه فحسب؟.. ام تتجاهل وجوده؟..لا تعلم الى ايهما تستمع الى قلبها الذي يتلهف للحديث اليه.. ام الى عقلها الذي يصر على المحافظة على كرامتها..
في حين تطلعت لها ملاك للحظة وهي تراها تراقب شيء ما بجوارهما.. فالتفتت بدورها لترى ما الذي تتطلع اليه مها ..وارتسمت ابتسامة على شفتيها وهي تقول: انه حسام..
قالت مها ببرود ظاهر وان كانت لهفتها له تكاد تجعلها تسرع اليه وتعتذر منه: اعلم.. لقد رأيته..
قالت ملاك وهي تلتفت لها: ما رأيك ان نناديه لكي يجلس معنا.. انه يقف وحيدا..
وقبل ان تهم مها بقول حرف واحد.. اسرعت ملاك تهتف بحسام وهي تلوح بكفها: حسام.. حسام.. نحن هنا..
التفت حسام في تلك اللحظة الى مصدر الصوت وتطلع الى ملاك التي قامت بندائه.. في حين ارتبكت مها ولم تجد امامها سوى ان تطرق برأسها هربا من نظراته.. وابتسم ببرود وهو يتقدم من ملاك وقال: اهلا ملاك.. ما هي احوالك؟..
قالت ملاك بابتسامة: بخير.. ماذا عنك؟..
-على مايرام..
تعمد تجاهل مها.. تعمد عدم النظر اليها حتى.. اعتصر قلب مها الحزن وهي تراه يتجاهل وجودها تماما.. هو يتجاهلها فعلا الآن؟.. هل يتعمد هذا؟.. هل يتعمد اخبارها انه لم يتجاهل وجودها في يوم وانه يفعل ذلك اليوم فقط لتعرف الحقيقة؟..
التفتت له مها بالرغم منها وتطلعت اليه بتوتر والم.. فالقى عليها نظرة لا تحمل أي معنى ومن ثم التفت عنها ليتطلع الى حلبة السباق .. لم تنتبه ملاك الى الجو المتوتر بينهما وقالت لحسام: من برأيك سيحصل على المراكز الاولى يا حسام؟..
قال حسام وابتسامة هادئة مرتسمة على شفتيه: أي شخص آخر غير كمال ومازن .. فهما لا يستحقان الفوز..
ضحكت ملاك بمرح.. فالتفت لها حسام وقال مبتسما: هل ما قلته يضحك الى هذه الدرجة..
قالت بمرح وهي تشير الى مها: عندما سالت مها السؤال ذاته.. اجابتني بعبارتك ذاتها.. يبدوا انكما تتشابهان في طريقة التفكير..
التفت حسام الى مها وتطلع لها لوهلة ومن ثم التفت عنها وهو يقول بسخرية لم تنتبه اليها سوى مها: لا اظن..
تطلعت اليه مها بالم.. بندم.. بعتاب..باستنكار لمعاملته لها.. هي لم تطلب اكثر من ان يشعر بها وبمشاعرها تجاهه.. لكنه لا يفهم.. لم تحتمل تجاهله لاكثر من هذا.. ووجدت شفتيها تنفرجان وتهمسان باسمه قائلة: حسام..
ورغم دهشته انها قد نادته .. التفت لها وقال ببرود: نعم..
ارتبكت لوهلة ولم تدر ما تقول.. ووجدت نفسها تهز رأسها قائلة بالم: لاشيء..
تطلع لها حسام وقد شعر بحزنها.. اهي حزينة لما حصل اليوم بينهما .. ربما.. ولكن هي من اخطأت.. وهي من عليها ان تبدي ندمها وتعتذر عما فعلت.. لقد كافأته بالمضي عنه وهو الذي لم يستطع التركيز في أي محاضرة من شدة قلقه عليها؟ ..
زفر بحدة وعاد لبلتفت الى حلبة السباق.. في حين قالت ملاك متحدثة الى مها: كم بقي على السباق؟..
قالت مها بصوت خافت: دقائق فقط..
قالت ملاك مبتسمة وهي تتطلع الى حلبة السباق: لا اكاد اراهم..
قالت مها مبتسمة: بكل تأكيد لن تريهم.. فالخيول تستعد عند بداية الحلبة.. ونحن نجلس الآن تقريبا عند منتصفها..
قالت ملاك مبتسمة: لقد فهمت..
وعند حلبة السباق ذاتها.. ولكن عند خط البداية.. امتطى مازن جواده الذي يحمل الرقم (5) وقال مبتسما: سأحصل هذه المرة على احد المراكز الاولى..هذا وعد..
قال كمال الذي امتطى جواده الذي يحمل الرقم (2)منذ لحظات بابتسامة باردة: لطالما رددت هذا الهتاف ولم تحققه ابدا..
قال مازن وهو يغمز بعينه: سأحققه هذه المرة..
قال كمال بحزم: سنرى من سيحققه هذه المرة.. انا ام انت؟..
قال مازن مبتسما: لاول مرة اراك متحمسا للسباق هكذا..
ابتسم كمال ابتسامة غامضة وقال: لاني قد وعدت شخص ما بالحصول على احد المراكز الاولى..
وقبل ان يسأله مازن عن كنه هذا الشخص.. سمعا صوت في مكبر الصوت يقول: فاليستعد جميع المتسابقين.. سيبدأ السباق بعد لحظات..
تحفزت عضلات الجميع على لجام خيولهم..في حين استطرد الصوت قائلا: استعداد.. ثلاثة .. اثنان .. واحد.. انطلاق...
وانطلق جميع المتسابقين بخيولهم مخلفين وراءهم سحب من الغبار.. وكل منهم يأمل في الحصول على المركز الاول ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
 
الجزء الحادي عشر
"الحقيقة"

تعالى هتاف الجماهير مع بداية السباق..وضجت المدرجات بهتافات التشجيع والهتاف في حين شهقت ملاك وقالت بتوتر وقلق: لقد بدأ السباق..
ضحكت مها وقالت: وما الذي يقلقك من هذا الامر؟..
ازدردت ملاك لعابها وقالت: ربما لأن اعصابي مشدودة قليلا وانا اترقب الفوز لمازن وكمال..
كانت مها تضحك بمرح دون ان تنتبه لعينا حسام اللتان تطلعان اليها.. وعلى شفتيه ارتسمت ابتسامة هادئة.. وهم بقول شيء ما.. لولا ان قالت ملاك في تلك اللحظة: ما رقم الحصان الذي يمتطيه مازن؟..
تساءلت مها بخبث: ولم مازن بالذات؟..
توردت وجنتي ملاك وقالت متلعثمة: كنت سأسال عن رقم الحصان الذي يمتطيه كمال كذلك..
قالت مها بابتسامة: حسنا.. رقم حصان مازن هو (5).. ورقم حصان كمال هو (2)..
اومأت ملاك برأسها ومن ثم اسرعت تتطلع الى حلبة السباق بشغف وهي تتمنى من كل قلبها ان يربح مازن في هذا السباق ..
ومن جانب آخر امسك مازن اللجام بكل قوة وهو يحاول قدر الامكان ان يسرع بجواده الذي كان يتعدى جوادين فحسب .. وابتسم بسخرية قائلا لنفسه: اظن انك ستحصل على المركز الاول بالفعل يا مازن.. ولكن من الخلف..
في حين التفت كمال له للحظة والذي كان يحتل المرتبة الرابعة بين المتسابقين العشرة..وعاد ليتابع السباق امامه ليقول وهو يبتسم بزاوية فمه: اين الذي سيحصل على المركز الاول؟.. فلنرى مهارتك الفعلية الآن يا اخي..
كان كمال يتقدم بكل قوة وبكل تحدي عكس طبيعته الباردة والغير مبالية.. بدى وكأنه قد تحول لشخص آخر.. شخص مفعم بالنشاط والحماس..شخص يطمح لتحقيق هدفه بالحصول على احد المراكز الاولى..
ولم يستسلم مازن ايضا.. لمع بريق التحدي في عينيه وهو يرى شقيقه يتقدمه.. وقال وهو يضرب الجواد بقدميه: اسرع ولا تخجلني امام كل هذا الجمع..
اسرع الجواد بالفعل وتقدم احد المتسابقين .. وواصل مازن تحديه لكمال بأن يصل اليه مهما حصل.. في حين شدد هذا الاخير قبضته على لجام جواده واقسم ان لا يخرج من هذا السباق خالي الوفاض..وابتسم بكل تحدي وحماس وهو يرى نفسه يكاد يتجاوز احد المتسابقين..
وفي مدرجات الجماهير.. قال حسام مبتسما وهو يتطلع الى البعيد: لا اكاد ارى شيء تقريبا.. ولكن يبدوا ان كمال يحتل المركز الثالث الى الآن..
قالت مها بغير تصديق ولهفة: حقا؟..
واختفت اللهفة من على ملامحها عندما تذكرت الخلاف الحاصل من بينهما .. وعادت ملامحها الى الهدوء من جديد..في حين التفت حسام اليها وقال بهدوء اقرب الى البرود: اجل ..
لم تعلق مها واطرقت برأسها في صمت..وفي تلك الاثناء ارتبكت ملاك وهي تسأله قائلة: ومازن؟..
عقد حسام حاجبيه وقال وهو يتمعن النظر:لا اكاد اراه..
وابتسم وهو يلتفت لملاك: يبدوا انه آخر المتسابقين..
اسرعت ملاك تتطلع الى حلبة السباق ورأت المتسابقين وهم يقتربون في مجال رؤيتها.. تعالت اصوات الجماهير مع اقترابهم من المكان.. وتضاعفت هتافات التشجيع لتدوي في المدرجات ..في حين ازدردت ملاك لعابها قلقا وعيناها تبحثان بلهفة وتوتر عن مازن والجواد الذي يحمل الرقم (5) ..كانت الارقام تتوالى امامها ببطء شديد على الرغم من ان الخيول كانت تشق مرمى البصر بسرعتها.. ولكنها كانت تبحث بينهم عن جواد مازن.. واخيرا رأته.. كان يحتل المركز الخامس الى الآن.. وقالت بلهفة وفرح: مازن .. انه يحتل المركز الخامس..
ضحكت مها بقوة ومن ثم قالت: وهذا ما يسعدك؟.. انه لن يتقدم اكثر من هذا صدقيني..
التفتت لها ملاك وقالت باستنكار: لماذا تقولين هذا؟..
ابتسمت مها وقالت: لانه اخي واعرفه جيدا..
قال حسام فجأة: كمال يتقدم بجواده الى المركز الثاني..
قالت مها غير مصدقة: المركز الثاني؟.. يا الهي .. لا اكاد اصدق..
ومن ثم اردفت بدهشة: منذ بداية اشتراكه بهذا القسم وهو لم يحصل في يوم على اكثر من المركز الرابع..
التفت لها حسام وقال: لعله في هذا المرة قد تدرب جيدا طامحا في تحقيق هذا الفوز..
قالت مها بهدوء وهي تتطلع الى حسام: ربما..
وطالت نظرتها اليه .. تريد ان يشعر بها.. يشعر بقلبها الذي يحبه .. يشعر بعينيها اللتان لا تتلهفان الا لرؤيته..لماذا يتجاهلها؟.. لماذا يهتم بغيرها وهي التي تحبه؟..وهي التي تعشقه.. لا تشعر بطعم الراحة الا اذا رأته على ما يرام.. لا تشعر بالسعادة الا اذا رأت الابتسامة على شفتيه.. تريده ان يفهمها ويفهم مشاعرها.. تريده ان يبادلها مشاعرها بدلا من هذا الاهتمام الذي يعاملني به كلما رآني..
قالت ملاك بغتة لتقطع افكار مها: يوشك المتسابقون على الوصول الى خط النهاية..
اغلب الجماهير قد تركت مقاعدها وهي تهتف صارخة بحماس لتشجيع المتسابقين..وانشدت اعصاب الجميع وهم يرونهم وهم يكادون يقتربون من خط النهاية.. وصرخت ملاك بغتة وهي تتطلع الى حيث جواد مازن: لقد تقدم مازن.. تقدم..
التفتت مها الى حيث تتطلع ملاك.. والتفت حسام بدوره وقال بابتسامة واسعة ومسرورة: معك حق.. مازن الآن اصبح في المركز الرابع.. ياله من شاب.. لقد استطاع ان يتقدمهم وهو الذي كان آخر المتسابقين تقريبا..
ابتسمت ملاك بفرحة وهي تستمع الى كلمات حسام.. وظلت تتابع المتسابقين بكل لهفة.. وهي تتمنى ان يتقدم اكثر ويكون الفائز بالمركز الاول.. في حين تطلعت مها الى حلبة السباق وقالت وهي تنهض من مكانها وتتطلع الى المتسابقين بحماس وقلق: كمال يكاد يتقدم ويصبح في المركز الاول..
كان كمال في تلك اللحظة يبذل كل ما في وسعه ويسرع بجواده بكل ما يستطيع من طاقة.. فقط ليحصل على المركز الاول كما تمنى.. او كما وعد...
كان يقترب من المتسابق الذي امامه بكل سرعة.. وخط النهاية كان يقترب أسرع منه.. ومازن ايضا كان يحاول تجاوز المتسابق الذي امامه ليكون في المرتبة الثالثة.. وخط يقترب مع كل ثانية وكل خطوة تخطوها الجياد...
واخيرا عبرت جميع الجياد خط النهاية.. وحان الوقت لاعلان الفائزين بالمراكز الثلاث الاولى..
توقف مازن بجواده وهو يجذب اللجام بقوة .. وقال مبتسما وهو يربت على ظهر حصانه: لقد كنت كالسهم حقا وهو يشق الرياح.. ولكن.. المشكلة في الفارس الذي يقودك.. لقد ابليت بلاءا حسنا.. وانا الذي عليه ان يدفع ثمن هذا التأخر الذي حدث قبل خط النهاية..
اما كمال فقد ابتسم برضى وهبط من على ظهر جواده وهو يربت على رقبة حصانه ويداعبه وقال بهدوء: انها المرة الاولى التي احصل فيها على المركز الثاني.. وانا مدين لهذا لله تعالى.. ومن ثم سرعتك وقوة تحملك يا جوادي العزيز..
ومن بعيد تطلعت ملاك بعينين جامدتين لنهاية السباق وقالت وهي تلتقط انفاسها بتوتر: كيف كان ترتيبهم بالسباق؟..هل تقدم مازن وكمال ام لا؟..
قالت مها وهي تربت على كتفها: سنعلم ذلك عند توزيع الميداليات..
قال حسام بهدوء: لقد رأيتهما جيدا.. لقد حصل كمال على المركز الثاني ومازن على الرابع..
قالت مها بحماس: يا للروعة.. للمرة الاولى بعد سنوات يحصلان على مركزين متقدمين في السباق..
توقفت الهتافات تدريجيا مع صوت مدير النادي وهو يقول عبر مكبر الصوت: سيتم توزيع الميداليات على الفائزين بالمراكز الثلاثة الاولى..الفائز بالمركز الاول هو (....)..
تعالت هتافات الفرحة والاحتجاج بين الجماهير.. في حين واصل المدير قائلا بعد ان البس المتسابق الميدالية الذهبية : اما الفائز بالمركز الثاني هو (كمال امجد)..
صرخت مها بفرحة وقالت بصوت عالي: مرحى يا كمال.. انت تستحق الفوز عن جدارة..
تطلع لها حسام بطرف عينه وقال ببرود: اخفضي صوتك ولا داعي لان تثيري الانتباه..
التفتت له مها ومن ثم رفعت حاجبيها وقالت بكبرياء: انا احيي اخي.. ومن حقي تهنئته كما اشاء..
قال ببرود: هذا لو كنت في المنزل لوحدك وليس امام الجميع..
قالت بحدة: الجميع هنا يصرخ ويهتف بصوت عالي.. انا لا اختلف عنهم بشيء..
مال نحوها وقال بحزم: بل تختلفين..
توترت من نبرته الحازمة في حين قال هو مردفا: لانك ابنة عمتي..
قالت وهي تشيح بوجهها عنه: لقد سأمت سماع هذه العبارة..
ابتعد عنها بضع خطوات مبتعدا ومن ثم قال: هذا شأنك..
عضت مها على شفتيها بقهر وغضب.. يهتم بها.. يلقي عليها النصائح..وحتى يتحكم بتصرفاتها.. ولكن يحبها لا..
جلست على المقعد بقهر.. في حين ابتسمت ملاك ابتسامة باهتة وقالت وهي تحاول تغيير الموضوع: الم تقولي يا مها ان كمال لا يستحق التشجيع؟.. وها انتذا تهتفين له بكل قوة الآن..
زفرت مها بحدة ومن ثم قالت بابتسامة شاحبة: لقد استحق هذا التشجيع لانه وللمرة الاولى قد حصل على المركزالثاني ..
واردفت قائلة: تعالي لنخرج الآن فقد تم توزيع الميداليات ولم يعد لبقاءنا اي داع..
اومأت ملاك برأسها وهي تسير بصحبة مها لتغادرا المدرجات .. ومن بعيد ابتسم مازن لشقيقه الذي احاطت برقبته الميدالية الفضية: مبارك يا كمال.. لم اكن اعلم انك وصلت لهذا المستوى من المهارة..
قال كما بهدوء: ذلك لانك كنت تترك التدريب قبلي في كل مرة..
قال مازن وهو يغمز بعينه: ولكنك كنت بارعا جدا.. احسدك على هذه المهارة..
قال كمال وهو يبتسم بزاوية فمه: يبدوا انها المرة الاخيرة التي سأحصل عليها على ميدالية ما..
قال مازن بابتسامة واسعة: لا تفقد الامل بهذه السرعة..
قال كمال وهو يتطلع لمازن: وانت ايضا كنت ماهرا فبعد ان كنت في المرتبة الثامنة بين المتسابقين واصلت طريقك بكل قوة لتصبح في المرتبة الرابعة..
قال مازن بثقة: انت تعرفني جيدا لو وضعت شيئا ما برأسي فسأنفذه بكل تأكيد و...
(مغرور كما اعرفك دائما يا مازن)
التفت مازن الى قائل العبارة.. وابتسم بمرح وهو يتطلع اليه قائلا: بل انها ثقة بالنفس يا حسام..
ابتسم حسام وقال: ثقة زائدة عن الحد..
واردف وهو يلتفت الى كمال: مبارك يا كمال.. لقد ادهشتنا بمهارتك بالفعلل..لم يتوقع احد ان تحصل على المركز الثاني..ولكن يبدوا انك كنت تخبئ لنا مفاجأة هذا العام..
ابتسم كمال بهدوء ومن ثم قال: تدريباتي المتواصلة زادتني مهارة..وها انتذا ترى اليوم مهارتي الحقيقية..
التفت مازن في تلك اللحظة الى حسام وقال: ارأيت ملاك ومها؟ ..
اومأ حسام برأسه ومن ثم قال: بلى لقد كانوا بالمدرجات يتابعونكم بكل شغف وحماس.. ومنذ قليل فقط غادروها ..
قال مازن في سرعة: سأذهب اليهم..
قال كمال وهو يوقفه: وماذا عن حصانك؟..
غمز مازن بعينه له وقال: اخي العزيز سيعيده الى الاسطبل..
مط كمال شفتيه ومن ثم قال: لا بأس..
وامسك بلجام جواد مازن وهو يجره خلفه مبتعدا عنهم..في حين قال مازن وهو يتحدث الى حسام: فلنذهب لهما..
قال حسام بهدوء: اذهب وحدك.. فلدي ما اقوم به..
هز مازن كتفيه وقال بلامبالاة: كما تشاء..
واسرع بخطواته مغادرا المكان..ليتحرك خارج الحلبة وخارج المدرجات بين اقسام النادي المختلفة.. وهناك لمح مها وهي تتجه نحو بوابة النادي.. فهتف بها قائلا: مها..
توقفت مها في مكانها.. في حين خفق قلب ملاك في قوة لسماع صوته..وقالت الاولى وهي تلتفت له: لماذا لحقت بنا؟..
قال مستهزءا: بسبب شدة حبي لكم..
ومع ان ملاك كانت تعلم ان عبارته ساخرة فحسب.. الا ان قلبها ارتجف بين ظلوعها وهي تتخيل ان مازن يبادلها المشاعر وانه يحمل لها الحب في قلبه..في حين اردف هو: الى اين انتما ذاهبتان؟..
- سنغادر النادي..
قال مازن مبتسما: لم تهنئاني انا وكمال على الفوز..
قالت مها بسخرية: بالنسبة لكمال فسأهنئه في المنزل على الفوز.. ولكن انت اهنئك على ماذا؟..
قال بمرح: على حصولي على المركز الرابع لأول مرة هذا العام ..
قالت مها مبتسمة: واظنها آخر مرة..
تطلع مازن الى ملاك وقال بابتسامة واسعة: من يدري.. ربما لو قامت ملاك بتشجيعي في السباق القادم ايضا ساحصل على المركز الاول ..
قالت مها بسخرية: احلم كما تشاء..
اما ملاك فقد توترت من نظراته لها وابتسمت بخجل وهي تطرق برأسها.. في حين قال مازن: سأوصلكما بدلا من السائق .. هيا بنا..
عقدت مها حاجبيها وقالت بضيق: ارجوك لا تستعرض لنا شهامتك الآن.. لقد اتصلت بالسائق وهو في الطريق الى هنا..
قال وهو يهز كتفيه: سيعود من حيث جاء لو اكتشف انكما غادرتما النادي.. لقد انهيت الامر بكل سهولة..
ابتسمت مها وقالت وهي تدفع مقعد ملاك امامها: يالأفكارك العبقرية..
ابتسم مازن وهو يغادر النادي برفقتهم وقال: اعلم هذا..
واردف قائلا: ولكن من كان يتوقع ان كمال سيحصل على المركز الثاني..
قالت مها بابتسامة واسعة: هذا صحيح.. لقد فاجأنا بحق
 
توجه مازن الى سيارته ومن ثم قال وهو يفتح اقفالها بجهاز التحكم عن بعد: عندما قال لي انه سيحصل على احد المراكز الاولى لم اصدقه..ولكن هاهوذا اثبت انه اكثر مهارة مني..
قالت مها وهي تساعد ملاك على الدخول الى السيارة.. وتشير لمازن: بدل ثرثرتك هذه تعال وساعدنا..
قال مازن وهو يصطنع الجدية: انا بخدمة ملاك دائما..
ضحكت مها وقالت: ساصدقك يوما ما..
اما ملاك فقد كانت تراقب مازن بكل حركة يقوم بها.. عندما يبتسم.. يسخر.. وحتى وهو يسير.. ورأته في تلك اللحظة يقترب منها ويقول: اتحتاجين الى أي مساعدة؟..
هزت رأسها نفيا ورفعت جسدها لتجلس على مقعد السيارة فقال مازن مردفا بابتسامة: يا لاصرارك..
ابتسمت ملاك بهدوء وهي تراه يطوي مقعدها ليضعه في صندوق السيارة..ومن ثم احتل مقعد السائق واحتلت مها بدورها المقعد المجاور له..وقال مازن في تلك اللحظة وهو يدير المحرك: لقد استغربت من شيء قاله لي كمال قبل بدء السباق.. لقد قال انه وعد شخصا ما بهذا الفوز..
انشد اهتمام ملاك لما تسمعه.. وهي تتذكر جيدا ان كمال قد وعدها هي ومها على الحصول على المركز الاول..
في حين قالت مها مبتسمة: لقد وعدنا انا وملاك بهذا..
قال مازن بدهشة: حقا؟.. لقد ظننت ان لفتاة ما دخل بالموضوع ..
ضحكت مها وقالت: كمال ليس مثلك..
تحفزت حواس ملاك.. ماذا تعني بأن كمال لا يشابه مازن في هذا.. وما دخل امر الفتاة بالشبه بينهما.. هزت رأسها وهي تشعر بالتوتر من التفكير في هذا الامر..
قال مازن في تلك اللحظة وهو يتطلع الى ملاك من مرآة السيارة: متى سيأتي والدك من السفر يا ملاك؟..
ازدردت ملاك لعابها بتوتر..وهي تتساءل ..لماذا سألت هذا السؤال يا مازن؟.. وقالت بهدوء: غدا..
قال مازن باستنكار: مبكرا هكذا..
قالت مها وهي تمط شفتيها: ما الذي تقوله؟..وهذا وقد تأخر عمي يومين عن موعده الحقيقي لعودته..
قال مازن بابتسامة: بصراحة لقد اعتدت وجود ملاك بيننا.. لا اعلم كيف سيكون المنزل من دونها..
قالت ملاك وهي تشعر بغصة في حلقها: سأحاول ان آتي لويارتكم بين الفترة والاخرى..
- اتمنى هذا..
قالت مها مبتسمة: لا تنسي.. اتصلي بي كلما وجدت الوقت لذلك يا ملاك..
قالت ملاك بابتسامة باهتة: لن انسى..
كان موضوع مغادرتها منزل عمها يضايقها.. ويالمها.. لانها ستضطر لمغادرة مها اول صديقة لها.. واخت تفهمت مشاعرها وشخصيتها .. ومازن اول شخص ينبض له قلبها.. وتشعر بكل تلك المشاعر تجاهه.. وحتى كمال وعباراته الباردة لها .. ستشتاق لهم جميعا..وستحاول قدر الامكان ان تأتي لزيارتهم كلما سمح لها والدها بذلك ...
توقفت السيارة بغتة بجوار المنزل وقال مازن مبتسما: انتهت الرحلة يا فتيات..
فتحت مها باب السيارة وقالت: متى ستكون جادا في حياتك؟..
قال مازن مبتسما وهو يخرج من السيارة بدوره: عندما تتزوج اختي الوحيدة..
لماذا تفتح جروحا لم تلتئم بعد يا مازن؟.. وقالت بابتسامة باهتة: سأسبقك الى الداخل يا ملاك..
اومأت ملاك برأسها وهي تطلع اليها من نافذة السيارة.. في حين اخرج مازن مقعد ملاك من صندوق السيارة..واقترب به من الباب المجاور لها وقال وهو يفتحه: اريني اصرارك الآن..
ابتسمت ملاك ورفعت جسدها بكلتا ذراعيها لتجلس على المقعد وقالت مبتسمة: ما رأيك؟..
اشار لها بابهامه اشارة الانتصار وقال: رائع..
ابتسمت بخجل..وكادت ان تتحرك بمقعدها لولا ان رأته يتطلع الى الشارع الرئيسي ويقول: ما الذي جاء به الى هنا؟..
قالت ملاك بحيرة: من؟..
قال بهدوء: لا عليك .. ادخلي انت الى المنزل..
تحركت ملاك بمقعدها وهي في حيرة من امرها.. من هذا الذي يعنيه مازن؟.. والقت حيرتها خلف ظهرها وهي تطلع الى مها شاردة الذهن التي تطلع الى التلفاز وعقلها في مكان آخر.. وتطلعت ملاك الى ما تشاهده مها في التلفاز.. وشاهدت انها نشرة الاخبار.. ابتسمت ملاك لحظتها.. منذ متى كانت مها تهتم بالاخبار وهي بالكاد دلفت الى المنزل منذ لحظات.. وقالت مبتسمة: مها .. ماذا تفعلين؟..
قالت مها بلا مبالاة: اتطلع الى التلفاز..
قالت ملاك بهدوء: وهل تهتمين بنشرة الاخبار حقا؟..
قالت مها متسائلة: اية نشرة؟..
- التي تعرض بالتلفاز..
انتبهت مها لتوها لنشرة الاخبار التي تعرض بالتلفاز وقالت ببعض الارتباك: اجل .. لقد رأيت فيها موضوعا شد انتباهي..
صمتت ملاك وهي تعلم جيدا ان مها لا تقول الحقيقة لتخفي شرود ذهنها البادي عليها.. وظلت صامتة تراقبها وتتساءل فيما بينها.. ما الذي يحزن مها هذا اليوم؟.. منذ ان عادت من الجامعة وهي على هذه الحال..لقد رأت في نظراتها حزنا عميقا وهي تتطلع الى حسام هذا اليوم.. هل السبب هو حسام وخلاف قد يكون حصل بينهما؟.. ربما..
وبغتة سمعت صوت مازن وهو يتحدث الى شخص ما وهو يقول: تفضلا بالدخول.. المنزل منزلكما..
التفتت ملاك الى مصدر الصوت وكذلك فعلت مها التي قاطع شرودها صوت مازن..ورأت ندى واحمد يدخلان الى داخل الردهة وقال مازن مردفا: يا ترى ما سر زيارتكما هذه؟ ..
قال احمد وهو يهز كتفيه: للسؤال عن احوالكم..
قال مازن بابتسامة ساخرة: اشك في هذا..
واردف وهو يشير لهما بالجلوس: تفضلا انتما.. سأذهب انا الى الغرفة لأغير ملابسي المتسخة هذه وارتاح قليلا ومن ثم اعود.. فكما تعلمان السباق كان هذا اليوم..
لم يكلفا نفسيهما سؤاله عن نتيجة السباق.. ومازن لم ينتظر منهما سؤالا فقد واصل طريقه الى حيث الدرج ليصعد الى الطابق الاعلى..فاسرعت مها تقول وهي تشير الى الاريكة: تفضل يا احمد.. وانت كذلك يا ندى..
قال احمد وهو يبتسم لمها: كيف حالك يا ابنة العم؟..
مطت مها شفتيها وقالت: بخير..
في حين التفت احمد الى ملاك وقال:وانت يا ملاك؟..
اجابته ملاك بهدوء: على مايرام..
قالت ندى مبتسمة: بصراحة انا احسد مها لان لديها صديقة مثلك..
تطلعت لها مها ببرود.. بدأ النفاق..في حين قالت ملاك بابتسامة: وانا ايضا احسدها لأن لديها عائلة مثلكم..
تساءل احمد بغتة: وماذا عن عائلتك؟..
ارتبكت ملاك بشدة.. وقالت وهي تزدرد لعابها: عائلتي؟ ..ماذا بها؟ ..
قالت احمد بخبث: اليس لديك عائلة كمها حتى تحسديها عليها؟..
قالت مها بحدة: احمد.. ما الذي تقوله؟.. انتبه جيدا لكلماتك ..
قال احمد وهو يهز كتفيه: انه مجرد سؤال..
قالت ملاك بألم: لدي عائلة ولكن ليس بمثل حجم عائلة مها..
قال متسائلا: وماذا عن والدك؟..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها: انه مسافر للخارج..
قال احمد بخبث: بلى لقد سمعت ان رجل الاعمال خالد محمود قد ترك البلاد من اجل صفقة تجارية في الخارج.. اليس هذا صحيحا؟ ..
قالت ملاك وهي تومئ برأسها: بلى صحيح..
توقفت عقارب الساعة بغتة بالنسبة لمها.. لقد اتسعت عيناها عندما ادركت مكر احمد وخبثه بعد ان استدرج ملاك لقول الحقيقة..تبا له..يالك من ماكر وخبيث انت ووالدك ..وقالت بحدة وهي غير قادرة على تحمل ما فعله: تعني محمود سالم بكل تأكيد..يبدوا ان ملاك لم تسمع الاسم جيدا..
ضحك احمد باستفزاز وقال بخبث: ربما..
يا الهي .. ماذا فعلت يا ملاك؟.. ستوقعين بنفسك في مشاكل وانت غير قادرة على مواجهة ابسطها..وقالت ندى في تلك اللحظة وهي تحاول استثارة ملاك: ولكن الم يقل مازن في تلك المرة ان والدك يعمل موظفا في البنك؟..
ارتبكت ملاك واضطربت ملامحها بشدة.. ولم تستطع النطق بحرف واحد بعد ان علمت بأي امر اوقعت نفسها.. وانقذها من هذا الموقف صوت مازن وهو يقترب منهم ويقول بصوت حازم: بلى قلت هذا.. من لديه شك فيما قلته..
قال احمد بسخرية: لا احد..
ومن ثم اردف وهو ينهض من مكانه: هيا يا ندى لقد تأخرنا ..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: لم تشربا شيئا بعد..
قال احمد بابتسامة غامضة: لا يهم.. المهم انناحصلنا على ما نريد ..
لم يفهم مازن مايعنيه ولكنه نهض من مكانه وهو يوصلهم الى الباب الرئيسي وما ان خرجا من الباب حتى قالت مها بانفعال: لقد انتهى الامر.. لقد علما بكل شيء..
قال مازن بدهشة: ماذا تقولين؟..
قالت مها بعصبية: ذلك الاحمق احمد.. لقد استدرج ملاك في الحديث حتى اكدت له ان والدها هو خالد محمود رجل الاعمال ..
ارتفع حاجبا مازن وقال بتوتر: ماذا؟..
- هذا ما حدث.. ما الذي سنفعله الآن؟..
قال مازن وهو يدس اصابعه بين خصلات شعره بتوتر: لقد انكرت هذا امامهم مرارا .. وسنقول ان ملاك قد سمعت الاسم بشكل خاطئ..
قالت مها بحدة: اتظن انهم سيصدقوننا..
قالت ملاك في تلك اللحظة بصوت مرتجف: انها غلطتي..
التفت لها مازن ومها وشاهدا وجهها الذي بات شاحبا بشدة ..واقرب الى شحوب الموتى..وقال باشفاق: لا تدعي هذا يؤثر عليك.. جميعنا كنا سنقع في الخطأ ذاته..
التفتت له وقالت بصوت اقرب الى البكاء: ماذا عسانا ان نفعل الآن؟..
قالت مها في سرعة: مازن.. ما رأيك ان نأخذها الى مكان ما؟.. ريثما يعود عمي من السفر .. حتى الغد فحسب..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه مفكرا: مكان؟.. مثل ماذا؟ ..
والتفت بغتة الى ملاك وقال متساءلا: انت تعرفين اين يقع منزلكم جيدا وتعرفين الطريق الى هناك .. صحيح؟..
اومأت ملاك برأسها.. فقال بهدوء: سآخذك الى هناك اذا.. لأن منزل والدك لا احد يعلم مكانه سواك الآن..
صمتت ملاك بتردد..فقالت مها بهدوء متحدثة الى مازن: لا تحرجها يا مازن .. بكل تأكيد والدها طلب منها ان لا تخبر احد عن مكانه ..
قال مازن بنفاذ صبر: اذا ما الحل في رأيك؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لدينا منزل صغير عند البحر .. اليس كذلك؟.. خذها الى هناك..
قال مازن بحدة: يالغبائك.. انهم سيبحثون هناك بكل تأكيد ..
قالت مها بقلة حيلة: اذا ما الحل؟.. ما الحل؟..
صمت مازن وزفر بحدة وتوتر.. والتفت الى ملاك التي ظلت ملامح وجهها على شحوبها.. وعقد حاجبيه في تفكير عميق .. والسؤال نفسه يتكرر في عقله.. ما الحل ياترى؟..ما الحل؟ ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ابتسم فؤاد بانتصار وهو يربت على كتف احمد وقال: لقد اثبت لي الآن بأنك ابن اخي.. وان الدماء التي تجري في عروقي ..هي ذاتها التي تجري في عروقك..
ابتسم احمد وقال: انا طوع امرك دائما يا عمي.. واي شيء ستحتاج الى مساعدتي فيه..اتصل بي واخبرني دون تردد ..وسأنفذه على الفور..
قال فؤاد بابتسامة واسعة: انت تذكرني بشبابي بذكائك الحاد هذا..وخصوصا عندما استدرجت ابنة خالد في الحديث ..
قال ندى بغتة بتردد: عمي.. هل لي بسؤال؟..
التفت لها فؤاد فقالت : ما الذي سيحدث لملاك الآن؟..
قال فؤاد ببرود: لا تقلقي بشأنها فلن نؤذيها.. فقط ستكون وسيلة للضغط على خالد.. حتى يغير رأيه ويترك لناورثة والدنا.. بدلا من ان تكون من نصيب تلك العاجزة..
ازدردت ندى لعابها وآثرت الصمت .. في حين قال احمد : لقد قمت بما طلبت يا عمي.. ولكن لي عندك طلب بسيط..
ابتسم فؤاد وقال: اطلب ما شئت يا احمد.. لن ارفض لك طلبا ابدا..
ظل احمد صامتا لبرهة .. فقال فؤاد وابتسمته تتسع: لا تخجل يا احمد.. نقودي تحت امرك من عشرة الى مائة الف..
قال احمد وهو يهز رأسه نفيا: لا اريد نقودا..
قال فؤاد متسائلا وهو يعقد حاجبيه: اذا ماذا تريد؟..
قال احمد فجأة:اريد ان اطلب يد ابنة عمي امجد.. مها..
ارتفع حاجبا ندى في دهشة.. في حين ضحك فؤاد وقال: هذا فقط ما تريده..
اومأ احمد برأسه وقال: اجل.. وكنت اريد طلب يدها منذ فترة.. ولكني خشيت ان عمي امجد لن يوافق.. نظرا لكوني لازلت ادرس بالجامعة ولم احصل علىعمل بعد..
ابتسم فؤاد بثقة وقال: دعك من عمك.. سيوافق بالرغم منه ..
قال احمد بلهفة وفرح: حقا؟.. هل تستطيع اقناعه؟..
- بكل تأكيد..
قال احمد متسائلا بقلق: ومها؟.. ماذا عنها؟.. هل تستطيع اقناعها هي ايضا؟..
قال فؤاد بابتسامة خبيثة: لا عليك.. ستوافق بكل تأكيد .. عندما تعلم ان مستقبل الجميع يتوقف على موافقتها..
قال احمد وقد انفرجت اساريره: انت داهية يا عمي..
قال فؤاد بابتسامة سخرية: في عالم رجال الاعمال ان لم تكن تفكر بدهاء وتتخطى جميع القوانين لتصل الى كل ما تريده.. فستجد نفسك يوما خارج هذا العالم .. بعد ان يخطوا فوقك من هو الادهى منك ..
واردف بهدوء: والآن انتهت مهمتك يا احمد.. يمكنك العودة الى منزلك..
واستطرد بابتسامة صفراء: اما البقية فاتركها لي انا.. سينتهي هذا الامر كما اريد انا بالضبط..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال مازن بعصبية: وبعد يا مها؟.. الا يوجد حل لهذا؟.. هل سنستمر في التفكير طوال اليوم حتى يأتي عمي فؤاد الى هنا؟ ..
قالت مها بتوتر: ولماذا تتحدث الي هكذا؟.. ما شأني انا؟ .. الست انت الرجل هنا؟.. وعليك ايجاد حل لابنة عمك..
زفر مازن بحدة وقال: الحل الوحيد هو منزل ملاك..ولكن هي من ترفض اخبارنا بمكانه..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها: حسنا .. سافعل ما تشاء يا مازن.. وسأعود الى المنزل..
قال مازن وهو يلتقط مفاتيح سيارته: حسنا اذا .. هيا اســ...
قاطعته ملاك قائلة: سأتصل بالسائق ليوصلني الى هناك..
قال مازن بحدة: الا تثقين بي؟..
قالت ملاك بصوت مضطرب: لقد وعدت ابي ان لا اخبر احدا مهما كان بمكان منزلنا..
قال مازن بحدة اكبر: ولكني ابن عمك اولا.. وانت في ظروف طارئة ثانيا.. لهذا يتوجب عليك اخباري..
قالت ملاك وهي تتحاشى نظراته: لا استطيع .. صدقني..
كانت مها طوال فترة النقاش صامتة.. كانت تعلم ان الحل الوحيد هو منزل ملاك.. وفي الوقت ذاته تعلم ان مازن على حق في اصراره.. فقد يتأخر السائق في الوصول الى هنا ويصل عمها فؤاد قبلهم الى هنا..
واسرع مازن يقول بصوت حاني: ملاك.. اسمعيني.. انت لا تعلمين السائق اين موجود الآن.. قد تقعين في مشكلة لو جاء عمي الى هنا قبله.. لهذا اطلب منك ان تخبريني لمصلحتك..
ظلت ملاك صامته لفترة زادت على الثلاث دقائق ومن ثم قالت بصو خافت: عدني اولا بأنك مهما حدث او سيحدث لن تخبر احد بما سأخبرك اياه..
ابتسم مازن وقال: اعدك ولو على قطع رقبتي..
ازدردت ملاك لعابها .. فمال نحوها وهو ينتظر ان تخبره بكل لهفة.. ربما لفضوله.. ربما لقلقه عليها.. المهم انه يريد معرفة مكان اقامتها.. وقالت ملاك بصوت هامس: انه يقع في المنطقة الـ...
(لا داعي لان تقولي أي شيء يا ملاك.. فقد انتهى الامر تماما)
التفت الجميع الى مصدر الصوت.. وتفجرت الدهشة على ملامحهم.. فقائل العبارة ذاك كان آخر شخص يتوقعون وجوده بينهم في هذه اللحظة...
 
الجزء الثاني عشر
"وداع"

كان الصمت هو سيد الموقف.. الصمت الذي سيطر على الاذهان وشل الاقدام.. ليتوقف الجميع متطلعين بذهول الى الواقف امامهم ناطق العبارة السابقة.. كان آخر شخص يتوقعون وجوده بينهم الآن.. آخر شخص من الممكن ان يخطر على اذهانهم.. ولكنه حطم توقعاتهم وجاء.. وهاهوذا واقف بينهم.. يتطلع اليهم جميعا بنظرة غامضة.. ومن ثم توقفت نظراته على احدهم..على ملاك على وجه التحديد...
وكان مازن هو اول من انتزع نفسه من ذهوله بينهم وقال بغير تصديق: عمي ؟!..كيف جئت الى هنا ؟.. ومتى؟..
اجابه قائلا: ما رأيك انت يا مازن؟.. كيف سأحضر غير بسيارتي.. ومنذ قليل ان كان هذا يهمك..
اما ملاك فقد ارتجفت شفتاها وهي تهمس بصوت خافت: هل انت حقا هنا يا ابي؟.. ام هو حلم كبقية احلامي يا ترى؟ ..
تطلع لها خالد بنظرة حانية ومن ثم قال : بل هو واقع يا صغيرتي.. انا هنا .. وقد عدت من اجلك..
ومن ثم تحرك باتجاهها ليميل نحوها ويقول بصوت دافئ: اشتقت اليك يا صغيرتي وبأكثر مما تتصورين..
سقطت ملاك بين ذراعيه لتقول ودموعها تتفجر من عينيها: وانا اكثر يا ابي.. لا تتركني مرة اخرى ارجوك..
مسح خالد على شعرها بحنان ومن ثم احاط جسدها بذراعيه وقال بهمس: تركت كل مالدي من اعمال .. فقط لاعود اليك يا ملاكي..
ازدرد مازن لعابه وقال مقاطعا: عفوا لمقاطعتي .. ولكن يتوجب عليك يا عمي ان تغادرانت وملاك المكان على وجه السرعة.. فعمي فؤاد علم بأمرها..
عقد خالد حاجبيه بضيق وقال: هذا ما كنت اخشاه..
واردف بشك: ولكن من اخبره ؟..
كاد مازن ان يهم بقول شيء ما..ولكن ملاك اسرعت تقول وهي تمسح دموعها وتبتعد عن والدها قليلا: ليس لأحد شأن فيما حدث يا ابي.. انها غلطتي.. لقد زل لساني امامهم بالحقيقة ..
واردفت وهي تلتفت لتتطلع الى مازن ومها بامتنان: وانا اشكرهم من كل قلبي.. على ما فعلوه لأجلي.. لقد حاولوا اخفاء الامر قدر المستطاع.. هذا بالاضافة لمحاولتهم حمايتي..لقد كانوا لي مثال الاخوة يا ابي..
لم تعجب خالد النظرة التي كانت في عيني ملاك وهي تتطلع الى مازن وكذلك مها.. فقال بصوت هادئ يخفي الكثير من الضيق: يبدوا ان اشياءا كثيرة قد تغيرت في عدم وجودي..
واردف وهو ينهض من مكانه: من فضلك يا مها اطلبي من نادين ان تجهز حقيبتها وحقيبة ملاك.. لنغادر المنزل..
اومأت مها برأسها وكادت ان تنهض من مكانها.. لولا ان قال مازن: لقد طلبت منها ذلك قبل قليل.. لاني كنت في طريقي الى اخراجها من المنزل بالفعل..
قال خالد ببرود: اذا اطلبي منها ان تحضر الحقائب وتتبعني الى السيارة ..
اما ملاك فقدرأت والدها في تلك اللحظة يهم بدفع مقعدها.. فاسرعت تقول: اسبقني انت يا ابي.. سأذهب لأحضر شيء ما من غرفتي واودع ابناء عمي والحق بك..
تطلع لها بنظرة صامتة ومن ثم قال: لا بأس ولكن اسرعي..
قالت وهي تومئ برأسها: سأفعل..
اسرعت ملاك تحرك عجلات مقعدها الى حيث تقف مها التي كانت تتحدث الى نادين.. وما انتهت من حديثها معها.. حتى قالت ملاك وهي تشعر بغصة مرارة في حلقها: اردت ان اودعك قبل ان اذهب يا مها..
التفتت لها مها وقالت بتأثر: الم تغادري بعد يا ملاك؟.. والدك ينتظرك..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: اردت ان اودعكم اولا.. فمن يدري متى سأراكم مرة اخرى..
انحنت مها وهبطت الى مستوى ملاك لتقول بصوت حاني وهي تمسك بكلتا كفيها: ستريننا وقتما تريدين يا ملاك.. ويمكنك الاتصال بنا كذلك في أي وقت..
قالت ملاك بصوت اقرب الى البكاء: انت تعلمين بالظروف التي استجدت الآن.. لا اظن ان ابي سيسمح لي بزيارتكم تحت هذه الظروف..
شددت مها من قبضتها على كف ملاك وقالت بابتسامة شاحبة: ولكننا سنظل دائما اخوات.. اليس كذلك؟..
أومأت ملاك برأسها وترقرقت الدموع في عينيها.. فاسرعت مها تمسح دموعها وتقول برقة ولطف: والآن يا ملاك.. عليك ان تسرعي بالمغادرة.. الوقت ليس في مصلحتك..
قالت ملاك بصوت خافت: لا يوجد شيء في مصلحتي ابدا..
قالت مها وهي تزدرد لعابها لتبتلع الغصة التي في حلقها: لا تقولي هذا.. جميعنا الى جانبك.. والله تعالى سيكون معك دائما..
ابتسمت ملاك بامتنان.. ومن ثم التفتت بمقعدها مبتعدة وقالت بهمس: اتمنى ان اراك عما قريب يا مها..
قالت مها بابتسامة حانية:وانا كذلك يا ملاك ..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها: سأطلب منك طلبا اخيرا..
والتفتت لها لتردف: لقد تركت الفستان هنا يا مها.. لا اريد ان آخذه معي.. احتفظي به لاجلي لو عدت الى هنا يوما ما..
قالت مها بدهشة: ماذا تعنين يا ملاك؟..
قالت ملاك بألم: اعني ان تتركيه كذكرى عندك.. لتتذكريني به.. والايام الجميلة بالنسبة لي التي قضيتها في منزلكم..
قالت مها بحيرة: لم لا تأخذينه معك؟.. نحن سنذكرك دائما به او من دونه..
- لن يقبل ابي صدقيني..
واردفت وهي تمضي في طريقها: الى لقاء لعله يتجدد يوما ما..
وابتعدت بمقعدها مبتعدة عن المكان.. لتعبر الردهة ومن ثم تتوجه الى الباب الرئيسي و...
(ستغادرين دون ان تودعيني يا ملاك)
خفق قلب ملاك بقوة.. وازدردت لعابها لتخفي توترها واضطرابها..وحاولت ان تنطق بحرف واحد ولكنها لم تستطع.. المها على فراقه.. جعلها تكتفي بنظرات الحزن على الكلام..وقال مازن مستطردا وهو يتقدم منها بابتسامة: لو فعلت هذا لم اكن لاسامحك ابدا..
قالت ملاك وهي تحث نفسها على الحديث: ربما لا تحتاج في التفكير في ان تسامحني او لا.. فقد تكون هذه آخر مرة اراك فيها..
قال مازن بحزم وتهديد: اياك وان تقولي شيئا كهذا يا ملاك.. مهما حدث سنجتمع مرة اخرى..
واردف بابتسامة حانية: صدقيني.. اعلم ان الذهاب الى منزلك من مصلحتك.. ولكن منزلنا من غيرك سيكون كئيبا و...
بتر عبارته بغتة واردف بصوت هامس: وسأشتاق اليك كثيرا ..
ارتجفت اطراف ملاك وتسارعت دقات قلبها وهي ترى نظراته لها.. وابتسامته الحانية الموجهة اليها.. وكلماته التي تحمل حنان الدنيا بأكمله.. وازدردت لعابها لتقول بصوت خافت يحمل الكثير من المرارة: سـأشتاق اليكم جميعا..وحاولوا ان تتصلوا بي عندما تتذكروني..
قال مازن بتأنيب: نحن لن ننساك حتى نتذكرك يا ملاك..
واردف وهو يفسح لها المجال للمغادرة: اهتمي بنفسك جيدا يا ملاك..
كادت ان تغادر المكان ولكنه استوقفها مرة اخرى وهو يقول بصوت هامس ورقيق: فأنت غالية علينا جميعا..
ارتفع حاجبا ملاك.. بدهشة.. بفرحة.. بتوتر..خفضت عيناها بخجل وارتباك.. واسرعت بمقعدها مغادرة المنزل.. هربا من مشاعرها التي لا تتفجر الا بوجود مازن.. دون ان تنتبه الى الشخص الذي يسير باتجاه الباب الرئيسي.. واصطدمت به فجأة .. فقالت بارتباك شديد وهي ترفع رأسها اليه: معذرة لم اقصد..
وازداد ارتباكها اضعافا وهي ترى كمال يقف امامها بنظراته الباردة.. وانتظرت أي عبارة من عبارات تجريحه لها او عبارة باردة غير مبالية يلقيها على مسامعها.. ولكنه قال بهدوء: اذا ستغادرين..
اومأت برأسها بهدوء فقال: الى اللقاء يا ملاك.. واعتذر ان كنت قد تسببت في المك في يوم..
ابتسمت ابتسامة شاحبة وقالت: ابدا.. لم يحدث شيء..
رسم ابتسامة باهتة على شفتيه وقال: سنفتقدك كثيرا..
قالت ملاك بابتسامة شاحبة: وانا كذلك..سأفتقدكم جميعا..
واردفت وهي تخفي المها ومرارتها خلف ابتسامتها الشاحبة: اراك بخير يا كمال.. وداعا..
هز كمال رأسه نفيا وقال: بل الى اللقاء يا ملاك..
ازدردت ملاك لعابها وقالت وهي تومئ برأسها: معك حق.. الى اللقاء..
وسارت مبتعدة عنه.. وقلبها يعتصره الحزن لفراقهم جميعا.. كمال لا يعلم أي شيء مما حدث لها.. لهذا يظن انها ستعود يوما ما.. لكنه لا يعلم انها قد تكون المرة الاخيرة التي يراها فيها..
ترقرقت في عينيها الدموع وهي تصعد في سيارة والدها لتجلس الى جواره.. والذي ابتسم لها ابتسامة حانية وهو يقول للسائق: انطلق للمنزل..
ادار السائق محرك السيارة منطلقا بها الى المنزل.. وبدورها وجدت دموع ملاك طريقها لتسيل على وجنتيها بكل الم وحزن ومرارة.. واعتصرت قبضة باردة قلبها وهي تلقي نظرة اخيرة على منزل عمها.. وشريط ذكريات اسبوع تقريبا قد مضى يمر امام عينيها...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تنهد مازن بقوة وهو يهم بالصعود الى غرفته.. حين استوقفه صوت كمال وهو يقول بهدوء: مازن..
التفت له مازن وقال بسخرية: لا يزال الوقت مبكرا يا اخي.. لم جئت؟..
قال كمال ببرود وهو يعقد ذراعيه امام صدره: لم ؟.. ما الذي حصل وكان يستوجب حضوري؟..
قال مازن وهو مستمر في سخريته: لا شيء ابدا.. فقط ان ملاك كادت ان تقع في مشكلة مع عمي فؤاد..لولا ان جاء والدها في الوقت المناسب..
عقد كمال حاجبيه وقال متسائلا: ما الذي حصل؟.. واي مشكلة تعني؟..
قال مازن وهو يمط شفتيه: لقد علم عمي بحقيقة ملاك.. وذلك بسبب احمد وندى اللذان جاءا الى هنا فقط لاستدراجها في الحديث..
قال كمال بضيق: وانت؟.. اين كنت ليحصل كل هذا؟..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: لم اكن اعلم بما يخططون له.. لقد ذهبت لغرفتي حتى استبدل ملابسي واعود اليهم.. ولكني عدت بعد فوات الاوان..
قال كمال مستفسرا: وبعد ماذا فعلت؟..
- بحثت عن حل من اجل ابعاد ملاك لمكان آمن.. ولكن عمي خالد اختصر علينا الامر وجاء ليأخذها الى منزله..
- ولماذا لم تتصل بي و تعلمني بالامر؟.. فربما استطعت فعل شيء ما لملاك..
ابتسم مازن بسخرية وقال: لا اظنك تهتم بأي شخص في هذا العالم.. وخصوصا ملاك..
قال كمال ببرود: ولم ملاك بالذات التي لن اهتم لامرها؟..
قال مازن وهو يلوح بكفه: انسيت؟.. منذ اليوم الاول لها هنا وانت تتعمد ان تجرحها بكلماتك القاسية.. وانت تعلم جيدا انها لم تتعامل مع احد من قبل.. وان كلماتك لها ستجرحها..
قال كمال بهدوء: لم اكن اتعمد ذلك.. ولكن لم اكن استطيع قول غيركلماتي تلك..
تطلع له مازن بنظرة طويلة متشككة ومن ثم قال: ماذا تعني بقولك هذا؟..
قال كمال متجاهلا سؤاله: ثم لا تبرئ نفسك.. فما فعلته مع ملاك يفوق ما فعلته انا بأضعاف المرات..
اشار مازن الى نفسه وقال باستنكار: ما فعلته انا؟.. وماذا فعلت؟.. اخبرني .. هل ضايقتها بكلماتي القاسية؟.. هل جعلتها تبكي الما لتجريحي لها؟..
قال كمال و يشير له ويتطلع اليه بقوة: لا هذا ولا ذاك.. ولكنك فعلت ما هو اعظم.. لقد عاملتها كأي فتاة اخرى تعرفها.. كمئات الفتيات الذين تقابلهن يوميا.. وتجعلهن يتعلقن بك.. ومن ثم تقول لهن بكل برود.. ان ما كان بينكم طوال تلك الفترة هي الصداقة ولا شيء آخر.. وتخبرهن ايضا بأنك لم تعدهن بشيء ابدا.. ولكن اعلم يا شقيقي العزيز.. ان نظراتك وتصرفاتك تكون سببا لأن تتعلق الفتاة بك.. وانت تفهم جيدا ما اعنيه..
صمت مازن مدهوشا للحظة ولكنه لم يلبث ان قال وهو يهز كتفيه: ملاك مختلفة.. انها ابنة عمي..واما عن بقية الفتيات فأنا لم اجبرهن على تكوين علاقة معي.. على العكس.. هن من يطلبن ذلك..
قال كمال ببرود: نظراتك التي تخص بها احدى الفتيات تدفعها لذلك.. تظن انك مهتم لأمرها.. ولكن على العكس.. انت لم تهتم يوما ولا بأي فتاة قد خصصتها باحدى نظراتك..
واستطرد كمال وهو يزفر بقوة: وملاك التي هي ابنة عمك كما تقول..لم تحترم صلة القرابة التي بينكما..بل كنت تخصها دائما بنظراتك يا مازن.. وكأنك تدفعها للتعلق بك كالاخريات..
قال مازن بحدة: من قال هذا؟..
سار كمال عنه ليصعد درجات السلم ومن ثم قال وهو يلتفت له ويلقي عليه نظرة باردة: نظراتها لك ..
قالها ومضى في طريقه ..دون ان يترك لمازن فرصة للسؤال عما يعنيه بقوله هذا..وليتركه في حيرة من امره..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ربت خالد على كتف ملاك وقال بصوت حاني والسيارة لا تزال في طريقها الى منزلهم: ملاك.. يكفي هذا.. ونحن قادمين الى منزل عمك كنت تبكين لأني سأسافر.. فلم تبكين الآن ايضا وها انذا قد عدت؟..
قالت ملاك بصوت مبحوح من شدة البكاء: انا سعيدة بعودتك يا ابي.. ولكني ابكي لفراق عمي وابناءه..
قال والدها وهو يتنهد: ولم تبكين لفراقهم؟.. ايستحقون دمعة واحدة من دموعك الغالية؟..
قالت ملاك بصوت خافت بعض الشيء: مها كانت كأخت لي تماما يا ابي.. وهي ومازن كثيرا ما كانوا يخففون عني آلامي واحزاني..
قال خالد بحزم: ملاك لقد اخذتك الى منزل عمك حتى لا تشعري بالوحدة فحسب في عدم غيابي.. وقد اخبرتك مرارا وها انذا اعيدها على مسامعك.. تناسي ان لديك ابناء عم وحاولي ان تواصلي حياتك بدون أي مشاكل..
قالت ملاك بصوت مختنق: بدون مشاكل وبدون اصدقاء وبدون اهل.. اعيش وحيدة في هذا العالم والى الابد.. اهكذا تريديني ان احيا يا ابي؟.. وحيدة الى الابد..
قال خالد بدهشة: ماذا تقولين يا ملاك؟..وانا اين ذهبت؟.. الست والدك ومعك دائما؟..
اشاحت بوجهها وقالت بمرارة: بلى.. ولكنك مشغول دائما بأعمالك وشركاتك.. وانا لا اجد سوى ساعتين في اليوم تقضيها معي..
- اليس كل هذا لاجلك يا صغيرتي؟..
التفتت له ملاك وقالت بصوت اقرب الى البكاء: لا اريد مالا.. لا اريد حياة ارقى وافخم.. اريد ان احيا مع اشخاص يفهموني وافهمهم.. يحبوني واحبهم.. هذا كل ما اريده يا ابي.. لااريد ان احيا وحيدة.. فهل طلبت الكثير؟ ..
ابتسم خالد بحب وحنان وقال: صغيرتي.. انا اعلم انك تشعرين بالوحدة .. ولكن الحياة ليست كما تظنينها.. وليس جميع الناس طيبون مثلك.. هناك الجيد والسيء.. وانت لن تستطيعي الحكم عليهم ابدا.. فبراءتك تحجب عنك كل ما يعتمل في صدروهم.. قد يكون الشخص الذي امامك يبدوا طيبا .. ولكن يحمل بداخله شرا ليس له آخر..انت تفهمين ما اعنيه يا ملاك .. اليس كذلك؟..
قالت ملاك برجاء: ولكنهم ابناء عمي.. لن يضروني بشيء..
قال والدها باستهزاء: ان كان عمك تفسه يريد ان يضرك.. فكيف بابناءه؟..
- انا اتحدث عن مازن ومها يا ابي..
قال خالد بحزم: واتظنين امجد طيبا يا ملاك؟.. لقد وقف في صف اخوته ضدي .. لمجرد اني كتبت الشركة باسمك.. لقد اعمت النقود اعينهم.. ولم يعودوا يستطيعون التفريق بين شخص غريب او قريب لهم..
عضت ملاك على شفتيها وقالت بمرارة: ولكني اعتدت وجودي بينهم يا ابي.. اريد ان اراهم مرة اخرى.. ارجوك ..
قال خالد بهدوء: اخبريني يا ملاك.. كيف تريدين ان تعودي اليهم بعدما حصل اليوم.. لو وجدك فؤاد فلن ترينني انا ايضا يا صغيرتي.. ارجوك.. انسي ابناء عمك.. وفكري بنفسك.. وفي حياتك..
قالت ملاك بمرارة: وبوحدتي الدائمة..
ربت والدها على كتفها بحنان وقال: سأحاول ان أكون الى جوارك قدر المستطاع.. وسأترك اعمالي للموظفين بالشركة .. ما رأيك؟..
تساءلت ملاك للمرة الاخيرة وصوتها يحمل كل رجاء والم: اهذا يعني اني قد رأيت ابناء عمي للمرة الاخيرة واني لن اراهم مرة اخرى؟..
زفر والدها ومن ثم قال : حاولي ان تتفهمي هذا يا صغيرتي..
قالت ملاك ودموعها تعود لأن تترقرق في عينيها: سأحاول يا ابي..
واردفت وهي تتنهد بمرارة: فليس امامي سوى المحاولة بتفهم الواقع بعد الآن...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
غياب ملاك عن المنزل جعل مها تشعر بفراغ كبير..وخصوصا بعد ان اعتادت وجودها والحديث معها يوميا.. وهذا ما جعل تفكيرها بحسام يزداد..كان اول شخص يخطر على ذهنها اذا حدثت لها أي مشكلة.. ليس لديها اخوات لتتحدث وتتناقش معهن في مشاكلها.. ومازن وكمال لم يهتما ابدا بها.. ووالدتها لا تراها الا مرة واحدة بالشهر.. ولا تريد ان تزيد همومها بمشاكلها.. ووالدها منشغل بأعماله وشركاته ليكون هذا على حساب ابناءه..
والآن بعد ان توترت العلاقة بينها وبين حسام لاول مرة.. الى من تتحدث ؟.. الى من تشكي
 
همومها؟.. لقد كان دائما القلب الكبير الذي يعطف عليها.. ويحاول ان يسدي لها بالنصائح او يخفف عنها بكلماته الرقيقة معها.. ولكنها حمقاء.. اجل حمقاء عندما طلبت كل شيء.. الاهتمام والحنان والحب ايضا!!.. تريده ان يكون اخا وصديقا وحبيبا في الوقت ذاته..لم تكتف بكونه صديقا .. بل طمع قلبها بأن يبادلها الحب ايضا.. وهاهي ذي خسرته و...
لا .. ليس بعد.. لم تخسره بعد.. يمكنها ان تتصل به وتعتذر له عن تجاهلها له.. وتصرفها معه..وسينتهي الامر على ما يرام.. حسام طيب القلب وسيسامحها..
ولكن.. ماذا عن كرامتها وكبريائها؟.. اتدوس عليهما من اجل قلبها؟.. اترمي كرامتها خلف ظهرها وتتصل به بعد ان قابلها بنظراته الباردة؟.. ثم انه المخطأ ايضا بتجاهله لي طوال الوقت .. اجل هو المخطأ..
ترددت طويلا وهي تذرع غرفتها جيئة وذهابا ومن ثم لم تلبث ان التفتت الى حقيبتها حيث هاتفها المحمول .. وبغتة.. حطم سكون الغرفة.. صوت رنين هاتفها.. فشهقت بقوة وهي تقول: ربما كان حسام..
وابتسمت بفرحة وهي تسرع باتجاه حقيبتها وتلتقط هاتفها منها.. ولكن الابتسامة اختفت.. وفرحتها تلاشت عندما شاهدت انه رقم صديقتها.. وشعرت بالسخط وهي ترمي هاتفها على الفراش وتزفر بحدة.. وما ان توقف الرنين حتى قالت وهي تزدرد لعابها بتوتر: لن يتصل.. انا اعرف جيدا انه لن يتصل بي.. لاني انا من ضايقه.. ولكني اكابر واحاول ابعاد هذه الحقيقة عن ذهني..ليس امامي سوى الاتصال به ..حتى تعود العلاقة بيننا كما كانت..
التقطت هاتفها وباصابع متوترة أخذت تضغط ارقام هاتف حسام .. وشعرت بدقات قلبها المضطربة وهي تستمع الى الرنين المتواصل..وهي تتمنى من كل قلبها ان يجيب على اتصالها وان لا يتجاهلها.. واخيرا سمعت صوته الذي وتر جسدها كله وهو يقول بنبرة لا مبالاية: نعم..
رفعت مها حاجبيها بدهشة واستنكار.. منذ البداية يتحدث اليها بجفاء هكذا.. واردف حسام عندما لم يسمع منها جوابا: ماذا هناك يا مها؟.. ماذا تريدين؟..
لم يكلف نفسه حتى عناء السؤال عنها.. وقالت مها وهي تحاول السيطرة على مرارتها لقسوته معها: كيف حالك يا حسام؟ ..
اجابها ببرود: بخير..
ران الصمت عليهما لدقيقة كاملة فقال حسام باستهزاء: انت لم تتصلي بي حتى تصمتي .. اليس كذلك؟.. لديك ما تقولينه بكل تأكيد.. لهذا تحدثي بسرعة حتى اعود لدراستي..
شعرت مها بغصة في حلقها وهي ترى اسلوبه معها.. هذا ليس حسام الذي تعرفه.. انه يبدوا شخص آخر تماما.. شخص لا مبالي ومتبلد المشاعر والاحاسيس.. وتحاملت مها على كرامتها وهي تلاقي كل هذا البرود منه وقالت: بلى .. لقد اتصلت بك حتى اسألك عن شيء ما..
قال حسام بلامبالاة: وما هو هذا الشيء؟..
قالت مها وهي تعض على شفتيها: اردت ان اسالك.. عن سبب معاملتك لي بكل هذا البرود واللا مبالاة..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: اعاملك ببرود ولامبالاة.. الم تقولي بنفسك اني اتجاهلك؟.. وها انتذا تعرفين المعنى الحقيقي لتلك الكلمة..
قالت مها بحدة: اذا انت تعاقبني الآن..
قال حسام وهو يزفر بحدة: لست في حاجة لمعاقبة احد.. هذا اولا.. وثانيا انت تدركين جيدا ما دفعني للتعامل معك بهذا الاسلوب..
صمتت مها للحظة ومن ثم قالت بخفوت: بلى اعرف..لهذا اردت ان اقول لك.. اني آسفة.. لم اقصد مضايقتك صدقني..
ران الصمت عليهم للحظات ومن ثم قال حسام بهدوء: لا بأس يا مها ان كنت حقا آسفة على ما فعلت..
قالت مها بنبرة تحمل الكثير من المشاعر التي في قلبها: حسام انا احتاج اليك ..لا تتركني مرة اخرى.. ارجوك..
قال حسام بابتسامة باهتة: انا معك دائما يا مها.. لا تقلقي..
قالت مها وقد شعرت بالسعادة.. لان طبيعة حسام عادت كما كانت..وانه قد عاد حسام الذي تعرفه..وقالت بصوت متوتر بعض الشيء: لقد حدثت اشياء كثيرة يا حسام هذا اليوم ..
قال بحيرة: اشياء؟.. مثل ماذا؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها بتوتر: ملاك قد غادرت المنزل قبل ساعة من الآن..
قال حسام بهدوء: كان لابد لها ان تغادر بعد ان يعود والدها من السفر.. وان كان الامر يتعلق باعتيادك عليها فـ...
قاطعته مها وقالت بهدوء: صحيح انني افتقد ملاك كثيرا ولكن الامر اكبر من هذا..
عقد حسام حاجبيه وقال: ماذا تعنين؟..
قالت مها وهي تتنهد: لقد جاء احمد وندى الى منزلنا اليوم ..ولم يكن غرضهما سوى استدراج ملاك بالحديث حتى زلت بلسانها بقول الحقيقة لهما..
قال حسام بحدة: لقد حذرتك من احمد هذا كثيرا.. ياله من حقير عندما يفكر باساليب خبيثة كهذه لمعرفة الحقيقة..
- لقد علمت من يكون احمد اليوم ..وعلمت انك محق في كل كلمة قد قلتها عنه واكثر..
قال حسام متسائلا: وبعد؟.. ماذا حصل بعد ذلك؟..
شرحت له الامر باختصار..فقلب حسام وهو يتنهد: من الجيد ان والدها قد جاء في الوقت المناسب.. والا وقعت ملاك في مشكلة هي بغنى عنها..
قالت مها وهي تحرك خصلات شعرها بتوتر: ولكن يا حسام ما حدث سيجعلها تمتنع عن الحضور مرة اخرى.. قد لا اراها بعد الآن ابدا..
قال حسام مبتسما: تفاءلي يا مها.. ومن يدري ماذا قد يحصل في المستقبل؟.. ربما ترين ملاك مرة اخرى و تقضي معك فترة اطول من سابقتها..
لم يعلم حسام لحظتها ان عبارته قد مست شيئا من الحقيقة دون ان يدرك ذلك.. والايام القادمة ستثبت له صحة مقولته هذه ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
التقط مازن مفتاح سيارته.. ودسه في جيب بنطاله..وواصل طريقه الى الطابق الاسفل ليعبر الردهة وابتسم وهو يلمح باب ملاك اثناء سيره.. وقال: لقد كان اسبوعا جميلا بحق..
وهز كتفيه وابتسامته لا تزال على شفتيه.. وهو يمضي في طريقه الى الباب الرئيسي.. لولا ان استوقفته الخادمة وهي تقول: سيد مازن.. هناك من يطلب رؤيتك..
التفت لها وقال: ومن الذي يطلب رؤيتي؟..
جاءه الصوت من عند الباب الرئيسي وصاحبه يقول: انا..
التفت مازن الى صاحب الصوت ومن ثم قال بصوت هادئ تشوبه رنة سخرية: اهلا عمي.. كيف حالك؟..
ابتسم فؤاد بثقة وهو يتقدم من مازن وقال: بخير.. ما احوالك انت واخوتك.. وابنة عمك؟..
ضغط على حروف كلمتي(ابنة عمك)..وكأنه يريد ان ينبهه بأنه قد عرف الحقيقة.. ولكن مازن قال بابتسامة ساخرة: جميعهم بخير.. وندى على ما اظن في منزل والدها وقد غادرت منذ ساعتين تقريبا..يتوجب عليك السؤال عنها هناك..
قال فؤاد ببرود: انت تعلم جيدا انني لا اعني ندى..
قال مازن وهو يصطنع التفكير: اذا من تعني.. ليس لدي ابنة عم غيرها على ما اظن.. وانت لم ترزق بأبناء كما اعلم ..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه:لا تصطنع الغباء يا مازن.. فأنت تعلم جيدا انني اعني ملاك..
قال مازن بدهشة مصطنعة: وماذا بها ملاك؟..لقد غادرت منذ ساعة مع والدها.. فهل حدث لها شيء ما؟..
اتسعت عينا فؤاد وقال بغضب: غادرت؟؟.. كيف؟.. ومنذ متى؟..
ابتسم مازن ابتسامة انتصار وقال: لقد جاء والدها الى هنا واصطحبها الى منزله..
واردف مازن بسخرية وهو يتطلع الى عمه: ولكن لم كل هذه الاسألة عن ملاك يا عمي؟.. اتفكر بخطبتها لأحمد؟..
قال فؤاد بانفعال: لن يحلم خالد بأن نضع يدنا في يده الا بعد ان يعيد حقنا الينا..
قال مازن بمكر: ومن تحدث عن عمي خالد الآن؟.. انا اتحدث عن ملاك ووالدها يدعى محمود على ما اذكر.. وليس بينك وبينه أي مشكلات لأنك لا تعرفه اساسا..
وارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي مازن بعد عبارته الاخيرة.. ولكن فؤاد قال والغضب يشتعل في عينيه: مهما حاولت ان تكذب او تخفي الامر.. فلن تفلح.. لقد فات الاوان.. وادركت جيدا ان ملاك هي ابنة خالد.. مهما انكرت او انكر الجميع ذلك..
قال مازن مواصلا في سخريته: لكن بعد فوات الاوان..
ضيق فؤاد عينه بغضب وانفعال.. ومن ثم قال وهو يشير الى مازن: وليكن في علمك.. ان الحق سيعود لنا.. وملاك لن تهنئ بعد ان اصل اليها واضع يدي على مكانها.. خذ هذا وعدا مني..
والتفت مغادرا المكان.. في حين توتر مازن ودس اصابعه بين خصلات شعره.. وقال : لماذا انا دائما من يوضع في مثل هذه المواقف؟..
زفر بحدة وقوة.. وعندها سمع صوت كمال وهو يقترب منه ويقول : ما الذي حدث يا مازن؟.. كأني سمعت صوت عمي فؤاد قبل قليل..
التفت له مازن وقال : دائما تصل متأخرا يا كمال..
قال كمال وهو يعقد حاجبيه: ماذا تعني؟..
قال مازن وهو يمضي في طريقه: لقد انهيت الامر بطريقتي .. يمكنك الآن ان تعودمن حيث جئت..
تطلع له كمال ببرود ومن ثم قال: لا اتوقع ان الامر سيمضي على خير .. ما دمت قد تصرفت بطريقتك الخاصة..لهذا ان احتجت الى أي مساعدة.. اخبرني..
قال مازن وهو يمط شفتيه: لن احتاج اطمئن..
واكمل سيره ليغادر المنزل ويزفر بقوة.. ومن ثم قال متحدثا الى نفسه: ما هذا الحمل الكبير الذي اصبحت مسئولا عنه؟.. هل اسطيع حمل كل هذا على عاتقي ومواجهة اعمامي ايضا؟ ..
واردف بابتسامة : ولكن اتعلمين يا ملاك.. اشعر بأنك قد اصبحت مسئولة مني بالرغم مني .. وعلي حمايتك بكل الوسائل والطرق لدفع أي خطر عنك..
قالها وواصل سيره الى حيث سيارته.. وما ان انطلق بها.. حتى ابعد ملاك عن ذهنه.. فهو لم يتخيل ابدا.. بعد كل تلك الصداقات التي كونها مع مختلف الفتيات.. ان تشغل تفكيره في النهاية فتاة عاجزة...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
قال خالد وهو يطرق باب غرفة ملاك: هل يمكنني الدخول يا صغيرتي؟..
قالت ملاك في سرعة: بالتأكيد يا ابي..
فتح الباب وقال وهو يتقدم منها: كيف حالك الآن؟..
قالت بهدوء: بخير..
مال نحوها وقال بابتسامة واسعة: الم تنسي ان تسألي عن شيء ما؟..
قالت ملاك بحيرة: شيء؟؟..
اومأ خالد برأسه ايجابيا وقال: اجل .. شيء انت طلبته بنفسك.. ونسيت امره تماما..
قالت ملاك وهي تتنهد: ما حدث اليوم في منزل عمي يا ابي.. جعل كثير من الامور تغيب عن ذهني..
قال خالد وهو يبتسم بحنان: ما حدث في منزل عمك.. هو كابوس ولن يتكرر.. انسيه تماما..
- سأحاول..
قال والدها مغيرا دفة الحديث: حسنا سأساعدك على تذكره .. شيء طلبت ان اشتريه من الخارج بالذات.. ولم تقبلي ان اشتريه من هنا..
ارتفع حاجبا ملاك ومن ثم قالت فجأة: الطائر..
ضحك وقال: اجل هو.. لم احضره الى هنا حتى افاجئك به.. من الغريب انك لم تسألي عنه ابدا منذ حضورنا الى هنا.. وهو الذي كان ينتظرك..
ابتسمت ملاك وقالت: اريد ان اراه يا ابي.. ارجوك..
قال خالد بابتسامة: في الحال يا صغيرتي..
ونهض من مكانه ليخرج خارج الغرفة.. ومن ثم يعود ليدخل غرفة ملاك وهو يحمل في يده هذه المرة قفصا صغيرا وبداخله طائر اصفر اللون وقال والدها مبتسما: ما رأيك في ذوق والدك؟ .. لقد اخترت لك طائر (الكناري) لأجلك .. اعجبني صوت تغريده .. وتوقعت ان يعجبك ايضا..
تطلعت ملاك الى الطائر بلهفة ومن ثم قالت بفرحة: رأئع يا ابي.. اشكرك كثيرا..
تطلع الى الطائر ومن ثم قال وهو يلتفت اليها: ماذا ستطلقين عليه؟ ..
قالت ملاك مستفسرة: هل هو ذكر ام انثى يا ابي؟..
قال خالد مبتسما: على ما اذكر.. لقد قال لي البائع انه ذكر ..
قالت ملاك وعيناها معلقتان بالطائر الاصفر: اذا .. سأطلق عليه اسم..مازن..
عقد والدها حاجبيه بقوة ومن ثم قال وهو يضع القفص على الطاولة المستديرة الموجودة بغرفتها: ولم مازن بالذات؟.. لديك آلاف الاسماء.. الم يعجبك الا اسم ابن عمك ذاك؟..
قالت ملاك وهي تستنكر عصبيته هذه: لو كان انثى لأطلقت عليه اسم مها.. ابي لقد وقف مازن ومها معي وقفة لن انساها مدى حياتي.. اتستكثر ان اطلق على طائر اسم احدهم؟ ..
قال والدها بحدة:ان كان الامر يتعلق بأبناء عمك فبلى.. استكثر ان تطلقي اسمهم امامي حتى..
قالت ملاك بلهجة اقرب الى البكاء: لماذا تكرههم يا ابي؟ .. لقد كانوا طيبين معي.. لم يسيئوا الي ابدا..
قال خالد وهو مستمر في حدته: لقد فعل والدهم وهذا سبب كافي بالنسبة لي لكي اكره ابناءه..
قالت ملاك وهي تشيح بوجهها عنه: بل غير كافي ابدا..
هبط خالد الى مستواها وزفر بحدة ليقول وهو يحاول ان يرسم على شفتيه ابتسامة: ملاك يا صغيرتي.. لا تحزني .. انا افكر فيما هو في مصلحتك دائما..
واردف وهو يربت على كتفها بحنان: وان كنت تريدين اطلاق على الطائر اسم مازن.. فليس لدي أي مانع.. مادام الاسم يعجبك.. فقط لا تتضايقي.. فأنت تعلمين اني لا احب ان اراك عابسة هكذا..
التفتت له ملاك وقالت بابتسامة باهتة: هل هذا افضل؟..
قال مبتسما: بكثير.. والآن.. هيا غادري غرفتك لنتناول طعام العشاء سويا..
اومأت ملاك برأسها وقالت بهدوء: حسنا..
ومن ثم اردفت متحدثة الى نفسها: (فقط لو تفهم ابناء عمي على حقيقتهم يا ابي.. لما اضمرت لهم كل هذا الكره )
ولكن.. من منهما على صواب؟.. وايهما المخطئ؟.. والدها بحقده على ابناء من كانوا سببا في تعاسته هو وابنته.. ام ملاك بطيبتها وتسامحها؟.. سأترك الجواب لكم انتم.. فأنا عن نفسي اجهل الجواب تماما...

 
الجزء الثالث عشر
"غيرة"

شعرت ملاك بتردد كبير وهي تتطلع الى ورقة صغيرة الحجم .. خط عليها ارقام هاتف منزل وآخر محمول..وشعرت بالتوتر من افكارها.. وهي تجلس على اريكة الردهة.. وهاتف المنزل يجاورها.. اتتصل بمها؟.. لقد مضى يوم واحد فقط على مغادرتها لمنزل عمها.. ولكنها تشعر بشوق كبير لمها.. وخصوصا وهي اول صديقة في حياتها..اول اخت شعرت بها وشاركتها احزانها وافراحها.. ولكنها تخشى ان يتضايق والدها اذا علم انها اتصلت بمها..
تنهدت وحسمت امرها لترفع سماعة الهاتف.. وتضغط رقم هاتف مها المحمول.. وعلى الطرف الآخر كانت مها تجلس في الردهة وهي تتطلع بملل الى احد الافلام..وانطلق رنين هاتفها المحمول.. ليجعلها تلتفت له باهتمام.. وتعقد حاجبيها بحيرة وهي تتطلع الى الرقم المجهول الذي يضئ على شاشة هاتفها.. واجابت على الهاتف وهي تقول بحيرة: الو.. من معي؟ ..
اجابها صوت ملاك وهي تقول بخفوت وقد ارادت التأكد من ان من تحدثها هي مها نفسها: مها؟؟..
قالت مها وهي تعقد حاجبيها: اجل مها.. من معي؟..
ابتسمت ملاك بفرحة وقالت: انها انا.. ملاك..
قالت مها بلهفة: ملاك..كيف حالك؟.. اشتقت اليك كثيرا ..
قالت ملاك بابتسامة واسعة: بخير.. وانا ايضا اشتقت لكم كثيرا .. كيف حالكم جميعا؟.. انت وكمال و .. مازن ..
شعرت مها بالتغير الذي طرأ على صوتها عندما نطقت اسم مازن.. ولكنها تجاهلت هذا الامر وقالت مبتسمة: جميعنا بخير.. كيف حال دراستك؟..
قالت ملاك مبتسمة: مثل كل يوم.. اخبريني يا مها.. كيف حالك انت وحسام؟..
استغربت مها سؤالها وقالت: ماذا تعنين؟..
- لقد تضايقت بالامس بسببه.. اليس كذلك؟..
قالت مها وابتسامة ترتسم على شفتيها: يالك من فتاة.. اجل بسببه.. كيف عرفت؟..
قالت ملاك بابتسامة: نظرات الاهتمام التي كان يوجهها لك لم تعد في عينيه.. بل على العكس لم ارى سوى اللامبالاة ..وشعرت انه يتعمد ذلك.. فقد كان يتحدث الي متجاهلا وجودك .. وانت ايضا كنت تلاحقينه بعينيك.. والحزن يملأهما ..هل انا محقة؟..
قالت مها بدهشة: اكاد اشك انك على علم بشاجرنا مسبقا ..
ضحكت ملاك وقالت: ربما..
قالت مها متسائلة:هذا هو رقم هاتف منزلك .. اليس كذلك؟..
اجابتها ملاك بهدوء: اجل..
واصلت مها اسالتها وقالت: اليس لديك هاتف محمول؟.. على الاقل عندما اتصل بك.. اضمن ان تكوني انتي من سيجيبني..
- لا.. ليس عندي.. فلم احتاج الى هاتف محمول وانا لا اغادر المنزل الا نادرا وليس لدي من يسأل عني ابدا؟..
قالت مها بصوت حاني: ليس بعد الآن .. انا من سيسأل عنك دائما منذ الآن..
في هذه اللحظة سمعت مها صوت مازن وهو يتقدم منها ويجلس على مقعد مجاور..وقال وهو غير مهتم لتحدثها بالهاتف: الى من تتحدثين؟..
تجاهلته مها وهي تستمع الى صوت ملاك التي كانت تقول: انا سعيدة جدا لأن لدي ابناء عم مثلكم.. فقط لو يقبل ابي بان ازوركم مرة اخرى..
قالت مها مبتسمة: سيقبل .. صدقيني.. فقط حاولي ان تقنعيه.. فها هوذا قد وافق اول مرة عندما غادر البلاد و...
قال مازن مقاطعا مها: الى من تتحدثين يا مها؟.. اجيبي..
قالت مها وهي تتحدث الى ملاك: لحظة واحدة ..
ومن ثم التفتت الى مازن وقالت: وما شأنك انت من احادث؟ ..
قال مازن بسخرية: الست شقيقتي؟..
قالت مها : للاسف اجل..
وواصلت تحدثها الى ملاك قائلة: وكما اخبرتك يا ملاك.. سيوافق والدك .. حتى وان اختلف الامر بعض الشيء وفي ظل ما حدث...
شهقت مها بقوة عندما اختطف منها مازن هاتفها المحمول وقالت بحنق: اعد الي هاتفي يا مازن..
قال مازن بسخرية: هذا عقابك لأنك لم تخبريني الى من تتحدثين..
واردف وهو يضع الهاتف على اذنه: اهلا ملاك.. كيف حالك؟.. انا مازن..
ارتجف قلب ملاك بقوة.. لم يكن هناك أي حاجة لأن يعرف مازن عن نفسه.. فقد عرفته ملاك منذ اول كلمة نطقها.. كيف لا وصوته محفور في قلبها قبل عقلها..
وازدردت لعابها بارتباك وحاولت ان تنطق أي شيء.. ولكن انعقد لسانها.. وسيطر عليها اضطرابها.. فقال مازن مستفسرا: ملاك .. الا زلت على الخط؟..
اما مها فقد وقفت لتتقدم منه وتقول بانفعال: اعد الي الهاتف يا مازن ..
لم يأبه بها مازن .. وهو يستمع الى ملاك التي قالت اخيرا بصوت مرتبك: اهلا مازن..
قال مازن بلهفة: اهلا ملاك.. كيف هي احوالك بعد مغادرتك لمنزلنا؟.. اشتقنا اليك كثيرا..
قالت ملاك بصوت اقرب الى الهمس: وانا ايضا..
قال مازن مبتسما وهو يبعد عنه مها التي تحاول اخذ الهاتف من يده: المنزل يفتقد وجودك يا ملاك.. اتعلمين اني احيانا اتطلع الى غرفتك واتخيل انك ستخرجين منها؟..
توردت وجنتا ملاك بحمرة الخجل.. هل مازن يهتم بها الى هذه الدرجة حقا؟.. ام انها تتخيل؟.. اما مها فقالت بصوت عالي وهي تقف في مواجهة مازن: هذا يكفي .. اعطني الهاتف ..
فجأة سمعت صوت كمال وهو يقترب من المكان ويقول: مابك؟.. لم تصرخين هكذا؟..
قالت مها وهي تشير الى مازن بغضب: لقد كنت اتحدث الى ملاك .. عندما اخذ الهاتف من يدي واخذ يتحدث اليها كما يشاء .. ويرفض اعادة الهاتف لي..
التفت لها مازن عندما سمع عبارتها وغمز بعينه.. في حين قال كمال ببرود: تصرف لا يستغرب من شقيقك هذا..
قالت مها برجاء: كمال .. دعه يعيد لي الهاتف.. اريد التحدث الى ملاك..
التفت كمال الى مازن وقال: اعد اليها الهاتف يا مازن..
قال مازن بابتسامة: فلتحلم..
واردف متحدثا الى ملاك: وما هي آخر اخبارك؟..
سالته ملاك بغتة قائلة: اخبرني .. ماذا بها مها ؟..اسمع صوت صراخها ..
ضحك مازن وقال: الم تعلمي بعد؟.. لقد اخذت منها الهاتف عندما كانت تتحدث اليك..
قالت ملاك بدهشة: ولم فعلت هذا؟..
قال مازن ببرود: لقد رفضت اخباري الى من تتحدث اولا.. وثانيا لانني اردت التحدث اليك..
شعرت ملاك بخجلها يتضاعف.. مازن اراد ان يتحدث اليها هي.. لابد ان كل ماحدث قبل قليل هو مجرد حلم جميل وستستيقظ منه بعد قليل..وعلى الرغم من فرحتها بحديثها اليه.. قالت وهي تزدرد لعابها لتخفي ارتباكها وخجلها: اعده اليها..ربما تريد ان تخبرني بشيء ما..
قال مازن مبتسما: سأفكر..
اما مها فقد قالت متحدثة الى كمال بحدة: افعل شيئا يا كمال .. هل ستتحدث اليه وتصمت؟..
قال كمال وهو يمط شفتيه: وماذا تريدينني ان افعل ؟.. اضربه؟ ..
قالت مها بضيق: لا ولكن على الاقل حاول اخذ الهاتف منه..
ابتعد كمال عن المكان وقال ببرود: والدي نفسه لن يستطيع .. فعندما يريد شقيقك ذاك فعل شيء.. سيفعله بالرغم منا جميعا ..
وابتعد عن المكان.. تاركا مها تتطلع الى مازن بغضب الذي كان يستمع الى ملاك التي كانت تقول: اعده اليها.. ارجوك..
قال مازن بابتسامة واسعة: لاجلك فقط يا ملاك.. اما مها فلا تستحق ان اعيده اليها..
واردف بصوت هامس: اهتمي بنفسك جيدا.. وانتظر بكل شوق مكالمتك القادمة..
تسارعت ضربات قلب ملاك.. انه.. انه مهتم بها اكثر من كل مرة.. انه يحمل لها مشاعر ما.. ربما الاعجاب.. الميل .. او ربما.. الحب !!.. اناملها الممسكة بسماعة الهاتف بدأت بالارتجاف.. وتلك الافكار تدور بذهنها.. وعلى الطرف الآخر.. رمى مازن الهاتف لمها وقال بابتسامة واسعة: لم اعيده لك من اجل صراخك..بل من اجل ابنة عمك التي ترجتني ..
امسكت مها الهاتف بسرعة وقالت بحدة: كيف ترميه هكذا؟.. ماذا لو تحطم؟..
قال مازن بسخرية: سيتفتت الى اجزاء وتنتهي المشكلة..
لم تجد مها فائدة ترجى من الحديث الى مازن..فقالت وهي تضع الهاتف على اذنها وتتحدث الى ملاك: المعذرة يا ملاك على ما حدث .. لم اقصد.. ولكن مازن هو من اخذ الهاتف من يدي قجأة ..
قالت ملاك بهدوء: لا داعي للاعتذار يا مها.. فهو اراد الاطمئنان علي فحسب ..
لم تعرفي مازن بعد يا ملاك..في حين اردفت ملاك قائلة: سلمي لي على عمي يا مها.. وكذلك على كمال..اراك بخير..
ابتسمت مها بحنان.. بعد كل ما فعله كمال بك.. وبعد كل تجريحه لك.. تطلبين مني ان اوصل له سلامك.. بالفعل انت ملاك يا ملاك!..
وقالت مها مبتسمة: يصل.. وطمأنينا عليك دائما..
- سأفعل .. الى اللقاء..
- الى اللقاء..
انهت ملاك المكالمة.. وابتسمت بفرحة.. براحة.. بحنان وحب.. مازن.. انه مهتم بأمرها.. يفكر بها كما تفكر به.. ومن يدري ربما يبادلها المشاعر ايضا..
طيبة ملاك وقلة خبرتها بالحياة.. جعلتها ترى الامور من هذا المنظور .. ترى الحياة من خلف قناع الكذب والزيف والخداع.. يحجبها عن ادراك الواقع حاجز يسمى الطيبة والحب والقلب الصافي المحب لجميع الناس...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
سار حسام بين ممرات الجامعة مع رفيقيه.. وابتسم وهو يتحدث الى احدهم متسائلا: هه.. وماذا فعلت بعد ذلك؟..
قال رفيقه وهو يهز كتفيه: لا شيء.. تجاهلت الامر تماما.. فمن يهتم بكون فتاة ما تتطلع اليه ..
قال حسام وهو يغمز بعينه: احقا لا يهمك..
قال زميله بخبث: لست مثلك.. فمنذ ان ترى ابنة عمتك تلك.. وانت تتركنا لتذهب وتتحدث اليها..
قال حسام بهدوء: ها انتذا قلتها.. ابنة عمتي ومسئولة مني..
قال زميله الآخر بابتسامة: ها هي ذي .. لو انكم تحدثتم عن الف قطعة نقدية افضل..
قال حسام بابتسامة واسعة: بل ابنة عمتي اثمن من مليون قطعة نقدية..
قال زميله ساخرا: الن تدعونا للحفل اذا؟..
قال حسام مستغربا: أي حفل؟..
ضحك قائلا: زواجك..
قال حسام بحيرة: ومن تحدث عن الزواج الآن؟..
- لا احد.. فقط اذهب اليها قبل ان تمضي عنك..
قال حسام وهو يغمز بعينه مرة اخرى: حالا..
واسرع يبتعد عنهم..ليتوجه الى مها التي كانت كانت تسير لوحدها وقال مبتسما: مها..
التفتت له مها وقالت بلهفة وعلى شفتيها ابتسامة مسرورة: حسام.. اهلا.. كيف حالك وحال الدراسة معك؟..
قال وهو يهز كتفيه: كل شيء على ما يرام.. وانت؟..
قالت مها بغرور مصطنع: لا تحتاج لأن تسأل.. درجاتي دائما ممتازة..
ابتسم حسام وقال: يا للغرور..
واردف متسائلا: الى اين انت ذاهبة الآن؟..
تطلعت مها الى ساعة معصمها ومن ثم قالت: محاظرتي ستبدا بعد عشر دقائق.. لم؟..
قال حسام بهدوء: لا لشيء.. اردت الحديث معك فقط..
- بشأن؟؟..
- ما الذي استجد بشأن ملاك؟..
اجابته مها وهي تتنهد: اتصلت بي بالامس واخبرتني انها بخير..
قال حسام متسائلا وهو يسير الى جوارها: هذا جيد.. وانت؟.. هل تأقلمت على عدم وجودها معك في مثل المنزل؟..
قالت مها بأسف: اتريد الصدق.. لا.. احيانا اشعر انها سأراها وهي آتية لتتناول معنا طعام العشاء.. فمن يعرف ملاك من الصعب عليه ان ينساها..
قال حسام بابتسامة هادئة: معك حق.. انها فتاة بريئة المشاعر والاحاسيس.. يندر وجودها في هذا العالم..
واردف قائلا فجأة: مها اردت ان اسألك سؤالا منذ فترة..
قالت مها باهتمام: اسأل ما شئت..
قال وهو يشعر ببعض التردد لسؤاله: اتشعرين بالضيق عندما اتحدث امامك عن فتاة ما؟..
تطلعت له مها برهة بدهشة.. ومن ثم مطت شفتيها وقالت: ولم تسأل هذا السؤال؟..
قال حسام بحيرة: لان غضبك مني كان بسبب سؤالي عن صديقتك.. اليس كذلك؟..
قالت مها وهي تتطلع له بنظرة اتهام: ما رأيك انت؟..
وبدلا من ان يجيبها سألها باهتمام: ولم تتضايقين؟...
هل هو احمق الى هذه الدرجة؟.. لماذا تتضايق فتاة اذا تحدث شاب عن فتاة اخرى غيرها امامها؟.. أتكون تكره فتيات العالم اجمع مثلا ؟!!..
وقالت مها بسخرية مريرة: ان لم تكن قد فهمت هذا لوحدك.. فهذه مشكلتك..
قال حسام بتردد: اشعر بأنك يا مها.. أ.. تــهتمين لأمري أو لنقل..انك ...
بتر عبارته بغتة فقالت مها وهي تتسائل باهتمام اكبر على الرغم من توترها: اني ماذا؟..
قال حسام بابتسامة باهتة: لا اعلم ان كان يهيؤ لي ام لا.. ولكني اشعر احيانا انك تشعرين بالغيرة علي..
تطلعت له مها بنظرة غامضة بالنسبة له.. ولكن مها كانت تشعر بالفرح وقتها لانه اخيرا فهم.. اخيرا فهم مشاعرها تجاهه.. ولكن.. لا تريد ان يفهمها الآن.. يفهمها وهو لا يبادلها مشاعرها..
 
يفهمها وهو لا يحمل في قلبه لها اية مشاعر خاصة.. لهذا ستحاول ابعاد امر الغيرة عن ذهنه الى ان يبادلها مشاعرها..لا ان تكون مشاعرها من طرف واحد فقط..
وقالت اخيرا مصطنعة اللامبالاة بعد جهد كبير: لا..ابدا.. من قال اني اشعر بالغيرة عليك؟..
ابتسم حسام وغمز بعينه قائلا: وماذا في هذا؟.. الست وسيما وتخشين ان انجذب الى احدى الفتيات؟..
قالت مها وهي تشعر بالتوتر: بالنسبة للوسامة فربما معك حق.. ولكن لانجاذبك لاحدى الفتيات فلا اظن..
- ولم لا؟..
لم ترد ان تخبره انها لا تتخيله الا لنفسها.. وانها تشعر انه مهتم بها بشكل خاص.. ولكن ربما كانت كل تلك اوهام من وحي خيالها.. وانه يهتم بها على هذا النحو لانها ابنة عمته ..
وسمعته في تلك اللحظة يقول: اتعلمين معك حق.. فأنا لا اشعر بانجذاب لأي فتاة حتى هذه اللحظة..
كاد لسانها ان يزل وان تهتف به متسائلة بكل اللهفة التي في قلبها قائلة (وحتى انا؟).. ولكنها تدراكت نفسها في اللحظة الاخيرة وقالت بابتسامة شاحبة: الم اقل لك؟..
ومن ثم اردفت عندما وصلت الى القاعة: عن اذنك الآن يا حسام.. واراك بعد الجامعة..
قال بابتسامة: اذنك معك..
والتفت عنها وهو يعترف لنفسه.. انه لا يشعر بالراحة بالحديث الى شخص كما يشعر وهو يتحدث الى مها..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
(تبا.. تبا.. أي حظ هذا الذي يقف في صفها)
قالها فؤاد بعصبية وهو يجلس في ردهة منزله الفاخرة والمليئة بالتحف واللوحات الفنية الثمينة ..واردف قائلا بعصبية اكبر: تلك العاجزة استطاعت ان تفر هي ووالدها قبل وصولي اليهم .. ياللخسارة.. فقط لو اسرعت في الذهاب اليهم.. لأستطعت ان اصل اليها في الوقت المناسب..
قال عادل الذي كان يجلس في ردهة منزله هو واحمد: فؤاد كن منطقيا.. منزل امجد يبعد عن منزلك مسافة نصف ساعة .. كيف كنت ستصل اليها في الوقت المناسب وهي قد غادرت وقتها قبل ساعة كما تقول..
قال فؤاد بحدة وهو يبحث له عن حل: كنت سأسرع بالسيارة او اتخذ طريقا مختصرا..
واردف بانفعال: يالخالد المحظوظ وابنته استطاع ان يصل ويأخذ ملاك معه في الوقت المناسب.. وكأنه يعلم اني سأصل بعده ..
قال احمد بتردد: عمي.. وماذا عن ما اخبرتك عنه؟..
قال فؤاد بحدة: عما تتحدث؟..
قال احمد وهو يبعد نظراته عن عمه عندما لاحظ عصبيته: مها يا عمي..
قال عادل بدهشة: ماذا اخبرت عمك يا احمد بشأن مها؟..
قال فؤاد بسخرية: الا تعلم؟.. ابنك يفكر بالزواج من مها ..
قال عادل باستنكار: ولم لم يخبرني؟..
قال فؤاد ببرود: لانه يعلم انك لن توافق على زواجه لكونه لا يزال طالبا بالجامعة.. لهذا طلب مني ان اقنعك.. واقنع امجد ومها ايضا..
قال عادل بحدة وهو يلتفت الى ابنه: ولم انت متعجل هكذا؟.. انتظر حتى تكمل دراستك ..
صمت احمد ولم يعلق..اما فؤاد فقال وهو يمط شفتيه: ليس هذا وقته الآن.. المهم الآن ان نجد ملاك.. وليتأجل موضوع احمد لما بعد..
قال عادل بملل: وكيف ستجدها؟..
قال فؤاد بعصبية: بأي وسيلة كانت.. المهم ان نجدها..
- يالك من متفائل..
قال فؤاد فجأة وكأن قد خطر على ذهنه امر ما: خالد.. حالد بنفسه هو من سيرشدنا اليها..
قال عادل بحيرة: وكيف ذلك؟..
قال فؤاد بخبث:سأخبرك..
واخذ يخبرهم بالفكرة التي طرأت على ذهنه.. وبرقت حينها عينا عادل ببريق انتصار واعجاب.. وادرك ان خطة فؤاد عبقرية وخبيثة الى ابعد الحدود...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
تطلع خالد الى ملاك بحنان وهو يراها تتناول ملعقة من صحنها ومن ثم تنظر اليه.. فقال مبتسما: اعلم انك تريدين ان تقولي شيئا ما .. لهذا اخبريني عنه بسرعة..
قالت ملاك بارتباك: انه شيئين وليس واحد..
ضحك خالد وقال: لا بأس .. حتى وان كانوا عشرة .. فقط اخبريني..
ترددت ملاك ومن ثم قالت بابتسامة مرتبكة: اريد.. هاتفا محمولا..
رفع والدها حاجبيه بدهشة ومن ثم قال: ما هذا الطلب الغريب؟ .. لاول مرة تطلبين هاتفا محمولا..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها: في الحقيقة يا ابي.. لقد اتصلت بالامس وتحدثت الى مها.. وسالتني ان كان لدي هاتف محمول ام لا.. حتى تستطيع ان تتصل بي وقتما تشاء ..
صمت خالد قليلا ومن ثم قال: ولم لم تخبريني انك ستتصلين بمها من قبل ان تحدثيها؟..
قالت ملاك بارتباك: لقد خشيت ان تغضب .. ثم لقد اشتقت اليها واردت الحديث اليها..
الوضع يزداد سوءا يا ملاك.. لقد تعلقت بهم خلال اسبوع واحد فقط.. كيف يستطيع ان يزيلهم من تفكيرها الآن..وقال بهدوء: وماذا به هاتف المنزل؟..
قالت ملاك وهي تلوح بكفها: انت تعلم يا ابي.. ان الخدم هم اكثر من يجيبون عليه..
قال والدها متجاهلا عبارتها: وما هو الطلب الثاني؟..
لم تعرف ماذا تقول.. بحثت عن عبارة مناسبة لتخبره بما تريد.. ولكن جميع العبارات تفيد نفس المعنى وربما يتضايق والدها من طلبها.. وقالت بارتباك بعد ان اخذت نفسا عميقا: ابي.. في الحقيقة.. اني افكر..اني.. اعني ارغب في زيارة منزل .. عمي.. هذا ان لم يكن لديك مانع..
قال والدها بحدة: ماذا؟؟.. الم ننته من هذا الامر يا ملاك؟.. اجننت؟.. تريدين ان تذهبي لزيارتهم بعد كل ما حدث..
قالت ملاك برجاء: ولكني اشعر بشوق كبير لرؤيتهم ..ارجوك يا ابي.. دعني اذهب لزيارتهم ولو لمرة واحدة فقط ..
تطلع لها والدها بنظرة صامتة ومن ثم قال: سأرى الامر فيما بعد ..
تابعته عيناها هو ينهض من خلف طاولة الطعام ويتجه لدورة المياه كي يغسل يديه.. وتنهد وهو يتحدث الى نفسه قائلا: (يبدوا اني سارضخ للامر على الرغم من كل المشاكل التي قد تواجهنا .. وكل هذا من اجلك يا ملاك .. وحتى لا اشعر بأني قد قصرت في حقك يوما..)
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ارتسمت ابتسامة على شفتي مازن وهو يتطلع الى مها التي كانت جالسة خلف طاولة الدراسة بغرفتها وتحاول حل احد المسائل.. ولم تنتبه لمازن وهو يدخل الى غرفتها ولا وهو يتوقف عند باب الغرفة ويتطلع لها..
واخيرا ابتسم بمكر وهو يقترب منها ببطء.. ومن ثم يختطف هاتفها المحمول من جوارها.. وشهقت مها بقوة ومن ثم التفتت له لتقول بانفعال: ماذا بك؟.. الا تعرف الاستئذان؟..
قال مازن مبتسما وهو يضغط على ازرار الهاتف: دقائق فقط واعيده لك..
قالت وهي تمط شفتيها: لا تتعب نفسك لن تحصل على ما تريد..
توقف مازن عن ضغط ازرار الهاتف وتطلع الى مها قائلا بشك: واتعرفين ماذا اريد اولا؟..
اومأت برأسها وقالت بسخرية: اجل ..فأنت شقيقي وافهم تصرفاتك جيدا..
قال مازن بتحدي: حسنا وما الذي كنت اريده؟..
قالت مها بثقة: رقم هاتف ملاك..اصحيح ام انا مخطأة؟..
تطلع لها مازن بدهشة من اكتشافها لأفكاره.. وقال متسائلا: ولماذا ظننت انني اريد رقم هاتفها؟..
- هذا شيء معروف من مازن.. الذي اخذ نصف ارقام هواتف صديقاتي من هاتفي دون ان اعلم..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره وقال مبتسما: لم يصلن النصف بعد.. ربما كن ثلاثة او اربعة فحسب..
قالت مها باستهزاء: حقا؟.. وماذا يهمك انت بعددهن ما دمت انا من يتحمل اللوم في النهاية منهن؟..
واردفت وهي تلتفت عنه: ثم ان ملاك ليس لديها هاتف محمول ..لهذا لو حصلت على رقمها فستضطر لمحادثة ابيها احيانا والذي سيتساءل عن سر اتصالك بملاك وسيشك بك ايضا..
قال مازن بملل: لماذا تعقدين الامور ؟.. اعطني رقم هاتفها ولينته الامر..
قالت مها وهي تهز رأسها: لن افعل.. ولن تستطيع انت الحصول عليه كذلك..
- قمت بحفظ رقم هاتفها تحت اسم آخر .. اليس كذلك؟ ..
قالت مها ببرود: ليس هذا من شأنك ان قمت بحفظه تحت اسم آخر ام لا.. وربما اكون قد حفظته عن ظهر قلب وحسب ..
قال مازن بسخرية: فلتحفظي ما تدرسينه اولا حتى تحفظي رقم هاتف ملاك..
قالت مها متجاهلة سخريته: والآن من فضلك.. غادر الغرفة لاني ارغب في الدراسة بهدوء..
قال مازن وهو لا يزال مصرا على مطلبه: ورقم الهاتف؟..
- لن امنحك اياه مهما فعلت.. احصل عليه من احد غيري..
قال مازن بحدة: ستندمين يا مها..لا احد يتحدى مازن امجد..
قالت مها بتحدي: وماذا تستطيع ان تفعل؟.. اسمعني جيدا يا مازن .. لطالما تساهلت معك ووافقت بالرغم مني على اعطائك رقم فتاة من رفيقاتي تحت تهديداتك.. ولكن ملاك لا.. اتسمع؟.. لا..
- ولماذا ملاك بالذات؟..
قالت مها وهي تتنهد: لانها مختلفة.. لن تفهم تمثيلك عليها.. لن تفهم انك تستخدمها كوسيلة لتسلية نفسك.. لن تفهم كل ذلك.. وستظن انك تحمل لها مشاعر بقلبك..
قال مازن بتردد: من قال انني افكر بتسلية نفسي على حساب ملاك.. ملاك مختلفة بالنسبة لي صدقيني.. وانا لا افكر بالتسلية ابدا..ثم لو فكرت بأن اتسلى مع فتاة ما فلن اختار ملاك ابدا..
قالت مها بانفعال: اذا ؟.. ماذا ستفعل اخبرني؟.. ماذا وراء كل تلك النظرات والابتسامات والمحادثات؟.. اتفكر بالارتباط بها مثلا؟.. وحتى لو فكرت مع اني لا اظن ان شخص مثلك سيفكر بالارتباط بملاك.. هل سيوافق والدك او والدها على هذا الامر؟.. فكر جيدا بالامر يا مازن.. ربما تكون معجب الآن بملاك.. ولكنه اعجاب وسيزول .. كما زال اعجابك بعشرات الفتيات قبلها..
قال مازن وهو يبعد نظراته عنها: ليس اعجاب بالمعنى المفهوم ..كيف استطيع ان افسر لك؟.. يمكنك القول بأني اشعر بالراحة والسرورعندما اتحدث اليها..اشعر بشيء من اللهفة عندما لا ارها.. هكذا هي مشاعري تجاه ملاك..
- ولكنك تشفق عليها ولن تفكر بالارتباط بها ..صحيح؟ ..
قال مازن ببرود: ومن تحدث عن الارتباط الآن؟..
عادت مها لتكرر: صحيح؟..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: اجل صحيح.. فقد كان من الممكن ان افكر بملاك حقا لو لم تكن...
ظل مترددا ولم يكمل عبارته.. فقالت مها باستهزاء وهي تكمل عنه: عاجزة.. اليس كذلك؟.. قلها ولا تخجل يا اخي.. فهكذا انت دوما تبحث عن كل ما هو جميل ولا يكاد ينقصه شيء.. صحيح انه من حقك ان تختار من تشاء من الفتيات..ولكن ليس من حقك التلاعب بمشاعرهن ما دمت لا تفكر بالارتباط بهن .. وخصوصا ان كان الامر يتعلق بملاك.. فعندها انا من سيقف في وجهك.. وسأخبر عمي خالد بالامر بنفسي..
واردفت بحدة: لهذا اخبرك ومنذ الآن دع ملاك وشأنها ما دمت لا تفكر بها..
زفر مازن بحدة ومن ثم قال: لا استطيع.. ان هذا اقوى مني .. صدقيني..
- فكر بعقلك يا مازن.. انت لن تفكر بها ابدا.. فكر بصدمتها لو انها تعلقت بك.. ما الذي سيحصل لها لو علمت انك تلاعبت بمشاعرها لا اكثر ولا اقل؟..
زفر مازن بحدة وسار مغادرا غرفة مها بعصبية في حين قالت مها بقلق عندما غادر مازن غرفتها: واخشى ان الآوان قد فات لتصليح تصرفاتك هذه يا مازن.. فأكاد اقسم ان ملاك قد تعلقت بك بالفعل.. وان قلبها قد بات ينبض بحبك...

 
الجزء الرابع عشر
"حلم"
جالسة على كرسي فضي اللون.. يعكس اشعة الشمس المسلطة عليه.. وتبدوا شاردة الذهن وتلك الابتسامة ترتسم على شفتيها في تلك الحديقة الخضراء..تلفتت حولها لترى الزهور.. الطيور.. والسماء الزرقاء الصافية.. اشياء لطالما عشقتها وصنعت حوارا طويلا معها..اشياء حاولت ان تبثها مشاعرها وان تندمج معها في هذا العالم الرائع..
تلفتت حولها مرة اخرى وشاهدت وردة حمراء اللون .. حركت مقعدها قليلا لتصل اليها ومن ثم تمتد يدها لتقطفها .. وما ان فعلت حتى تأوهت بألم عندما جرحت اشواك تلك الوردة اصبعها.. وعضت على شفتيها وهي ترى اصبعها المجروح..و...
(ملاك..)
التفتت له بلهفة.. بشوق.. بهيام وحب.. التفتت له وعيناها تحملان كل ما يخفيه قلبها من مشاعر.. وهمست باسمه قائلة: مازن..
قال مبتسما وهو يتطلع اليها: تعالي..
رفعت حاجبيها باستغراب وحيرة ومن ثم قالت: ولكن قدماي عاجزتان..
عاد يكرر باصرار:تعالي .. هيا حاولي..
تطلعت الى قدميها بألم ومن ثم قالت وهي تهز رأسها: لا استطيع..
تقدم منها وقال وهو يمد لها كفه: بل تستطيعين..
مدت له كفها بتوتر.. وامسكت بكفه.. وهنا شد مازن قبضته على كفها وهو يعاونها على الوقوف.. وهنا فقط وقفت على قدميها.. وقالت بدهشة ممزوجة بالفرحة وهي غير مصدقة: انا اقف يا مازن.. اقف..
قال بابتسامة حانية: الم اقل لك؟..
تطلعت له بفرحة وحاولت ان تسير بخطواتها و...

افاقت ملاك فجأة على صوت طرقات على باب غرفتها ..لتنتشلها من عالم احلامها وتعيدها الى عالم الواقع..وارتسمت ابتسامة حالمة على شفتيها وهي تفتح عينيها وتتذكر تفاصيل حلمها ..ترى ما تفسير هذا الحلم؟.. ولم كان مازن بالذات؟.. ربما لانه هو من يشغل ذهنها دائما.. وما معنى وقوفها على قدميها وهي التي لم تشعر بهذا الشعور ابدا منذ ان كانت في الثانية من عمرها.. لا تكاد تتذكر حتى كيف كانت تسير.. وكثيرا ما تستغرب كيف يستطيع الناس السير على قدمين بكل هذه السهولة.. والوردة الحمراء.. ماذا تعني؟..
حاولت تحريك قدميها ولو حتى حركة طفيفة.. ولكن كان الامر اشبه لها بحمل الف طن من الحديد.. فقدماها لم تكن تشعر بهما ابدا.. وكأنهما غير موجودتان من الاساس .. وابتسمت لنفسها بالم وسخرية مريرة.. ما حدث كان حلما وحسب وعليها ان لا تحلق باحلامها بعيدا..
عادت الطرقات لتطرق على باب غرفتها وسمعت صوت والدها وهو يقول: الا زلت نائمة يا صغيرتي؟..
اسرعت ملاك تمسح عينيها بكفيها وتقول: لا ..ادخل يا ابي ..
واعتدلت في جلستها وهي تبتسم لوالدها الذي دلف الى الغرفة وقال وهو يقبل نحوها ويميل اليها ويقول وهو يمسح على شعرها: صباح الخير يا صغيرتي..
رفعت رأسها له وقالت بابتسامة: صباح الخير يا ابي..
جلس على طرف فراشها وقال بابتسامة: كيف حالك؟..
- بخير..
التفت الى حيث قفص الطائر ومن ثم قال: وماذا عن طائرك؟..
وكأنه يتعمد عدم نطق اسمه.. والتفتت ملاك الى طائرها لتقول: مازن.. انه بخير..
قال وهو يداعب وجنتها: سأغادر الآن الى الشركة.. اترغبين بأي شيء يا صغيرتي؟..
داعبت قلادتها ومن ثم قالت وهي تهز رأسها: لا.. شكرا لك..
قبل جبينها بحنان ومن ثم قال وهو ينهض عن فراشها: اهتمي بنفسك جيدا..
التفتت له ملاك وقالت بابتسامة: وانت ايضا يا ابي..
وابتعد مغادرا الغرفة واغلق الباب خلفه.. في حين التفتت ملاك الى طائرها وقالت مبتسمة: أأخبرك بشيء يا مازن؟..
سمعت صوت تغريده العذب فأردفت وفي عينيها نظرة حالمة: اتمنى لو استطيع الاتصال به.. لو تعلم كم اشتقت اليه.. والحلم الذي حلمت به هذا اليوم.. جعل شوقي يزيد تجاهه.. اريد ان اراه.. ولو لدقائق..
غرد العصفور مرة اخرى.. فقالت ملاك بابتسامة باهتة: ادرك جيدا ان ابي لن يوافق ان ازورهم .. وانه لم يأجل الموضوع بالامس الا لأنه غير راغب بالحديث فيه.. في رأيك هل اتصل بمها فربما استطعت التحدث اليه؟..واليوم هو يوم اجازة ومها ستكون بالمنزل صباحا..
ومن ثم التقطت من على الطاولة الصغيرة المجاورة لسريرها قصة تحمل عنوان " حب الى الابد".. وابتسمت وهي تقول متحدثة الى نفسها: لم استطع ان اكمل القصة بعد.. وكل هذا بسببك يا مازن.. فكلما افتح صفحة واحدة اتذكر ما قلته لي في ذلك اليوم..
وتطلعت الى الوردة التي جفت اوراقها بين صفحات الرواية بنظرة حانية ومن ثم قالت : ولكن لقد تضايقت منك بالفعل يا مازن .. فكيف تقول ان الحب ليس موجودا في هذا العالم.. كيف احببتك انا اذا؟..
ابتسمت وهي تغادر سريرها لتجلس على مقعدها ..ومن ثم تستبدل ملابس النوم بقميص احمر اللون وبنطال اسود.. وابتسمت برضا عن شكلها قبل ان تغادر غرفتها.. وتوجهت الى طاولة الطعام لتتناول افطارها..ومن ثم لم تلبث ان ازدردت لعابها بتوتر وهي تتطلع الى هاتف المنزل.. اتتصل بمها؟.. وماذا في هذا؟.. ما المشكلة ان اتصلت بمها؟.. ولكنها كانت تعلم سبب ترددها هو مازن.. تريد ان تسمع صوته.. وفي ذات الوقت.. تشعر ان ما تفعله خاطئ لانها لا تكاد تتحكم بمشاعرها له..
وحركت مقعدها حتى وصلت الى الهاتف.. ومن ثم رفعت سماعته وزفرت بحدة قبل ان تضغط ارقام هاتف مها.. واجابتها مها بسرعة ولهفة: اهلا ملاك.. اشتقت لك على الرغم من اني حدثتك بالامس فقط..
قالت ملاك مبتسما: اهلا.. وانا ايضا.. ولكن لم تتصلي بي ما دمت قد اشتقت الي كما تقولين..
ابتسمت مها وقالت: كنت سأفعل .. صدقيني.. ولكن انت من سبقني..
قالت ملاك بمرح: هذا يعني اني انا من يحبك اكثر..
قالت مها في سرعة: لا ولكنك استيقظت قبلي.. واستطعت الاتصال بي قبل ان انهي تناول طعام الفطور حتى ..ثم ان هذا ليس مقياسا للحب..
ضحكت ملاك بمرح ومن ثم قالت بابتسامة: وبرأيك ما هو المقياس الحقيقي للحب؟..
- بصراحة المشاعر لا تقاس و...
بترت مها عبارتها عندما شعرت بيد على كتفها والتفتت وهي جالسة على طاولة الطعام الى صاحب تلك اليد ومن ثم قالت متحدثة الى ملاك: لحظة يا ملاك..
قالت ملاك بهدوء: خذي وقتك..
اما مها فالتفتت له وقالت: ما الامر يا كمال؟.. ماذا تريد؟..
قال كمال متسائلا: تتحدثين الى ملاك؟..
اومأت مها برأسها ايجابيا باستغراب فابتسم بهدوء وقال: اوصلي سلامي اليها..
قالت مها بحيرة: انت تريد ان توصل سلام الى ملاك؟.. امتأكد من قرارك هذا؟..
عقد كمال حاجبيه ومن ثم قال بضيق: لا تكوني سخيفة..
ابتسمت مها وقالت: حسنا حسنا لا بأس..
واردفت متحدثة اليه: ثم انها هي ايضا طلبت مني ان اوصل لك سلامها بالامس ولكني نسيت اخبارك..
هم بأن يقول شيء ما لولا ان تحدثت مها في تلك اللحظة الى ملاك وقالت مبتسمة: ملاك.. كمال يوصل لك سلامه..
ارتفع حاجبا ملاك باستغراب.. ولكنها قالت مبتسمة: ابلغيه سلامي انا ايضا..
ومن ثم قالت بارتباك: ومازن؟.. ما هي احواله؟..
ضحكت مها وقالت: انني اتلاعب باعصابه.. واعيد جزءا بسيطا من مضايقاته واستفزازه لي..
قالت ملاك بحيرة: وماذا فعلت؟..
- لانني شقيقة مازن واعرفه جيدا.. فقد علمت مسبقا انه سيحاول البحث عن رقم هاتفك بهاتفي.. لهذا فقد قمت بحفظه تحت اسم لن يتوقعه مازن ابدا..
تساءلت ملاك قائلة: وما هو هذا الاسم؟..
ابتسمت مها بمرح ومن ثم قالت: توقعي ماذا؟.. لقد اضفت رقم هاتفك الى رقم منزلنا.. فلن يخطر على بال مازن ابدا ان الرقم الذي يبحث عنه محفوظ تحت اسم منزلنا..
ازدردت ملاك لعابها وقالت بتوتر: ولم يبحث عنه؟..
صمتت مها للحظة وكأنها ادركت خطأ ما قالته.. ستفسر ملاك تصرف مازن الآن انه اهتمام بها.. ولن تفهم انه قد فعل هذا مع عشرات الفتيات غيرها.. وقالت مها بابتسامة باهتة: لا اعلم..
لم تجد حلا سوى ان لا تمنحها اجابة شافية.. فلا تريد ان تصدمها وفي الوقت ذاته لا تريدها ان تتعلق بأمل زائف..وواصلتا حديثهما حين قالت ملاك مبتسمة: اتعلمين.. لقد اخبرت ابي عن رغبتي في الحصول على هاتف محمول..
- هه.. وماذا قال؟..
اجابتها ملاك وهي تهز كتفيها: الجواب المعتاد.. تجاهل الامر ..
ضحكت مها بمرح في حين اردفت ملاك وهي تضغط على حروف كلماتها: ولقد اخبرته ايضا بأني ارغب بزيارتتكم ..
قالت مها بلهفة واهتمام: وهل وافق؟..
تنهدت ملاك ومن ثم قالت: ليته وافق.. لقد قال انه سيأجل الامر لما بعد.. ولكن اظن بما انه تعمد تأجيله لأنه لن يوافق ابدا.. واذا لم يوافق فلن اتضايق او اعتابه.. فهو يفعل ما هو في مصلحتي..
قالت مها باسف: يؤسفني اني لن اراك في الوقت الحالي.. لقد افتقدتك كثيرا..
ابتسمت ملاك وقالت: وانا ايضا..و...
بترت عبارتها بغتة ومن ثم قالت بضيق: معذرة يا مها.. علي المغادرة الآن.. فقد حضر الاستاذ..
قالت مها مبتسمة: لا عليك.. لم يحدث شيء..
- الى اللقاء اذا..
- الى اللقاء..
اغلقت مها هاتفها وواصلت تناولها لطعامها لولا ان انتبهت بغتة لشخص ما يقف خلفها.. فالتفتت في سرعة ومن ثم قالت بدهشة: كمال .. الا تزال واقفا هنا؟..
قال وهو يعقد ساعديه امام صدره: اطلب تفسيرا لما فعلته..
قالت بدهشة: ماذا فعلت بالضبط؟..
قال وهو يمط شفتيه: بشأن رقم هاتف ملاك..
قالت بحنق: انت تعلم جيدا ان مازن سيبحث عن رقم هاتفها بين الارقام المخزنة في هاتفي.. لهذا اضطررت لفعل ذلك.. لكن ارجوك لا تخبره بشيء.. لا اريد ان يتحدث الى ملاك كما يشاء من وراء ظهورنا..
قال كمال ببرود: وهل انا احمق حتى افعل؟..
واردف قائلا: وماذا عن عدم ايصلاك سلام ملاك الي؟..
قالت بابتسامة ساخرة: ظننتك لن تهتم ان ارسلت لك سلاما او حتى هدية باهضة الثمن..
قال كمال وهو يتطلع اليها: ماذا تظنيني يا مها؟..شخص بلا مشاعر..
قالت مها بضيق: فسر تصرفاتك لي انت اذا.. تتعمد ان تضايق ملاك بكلماتك.. تتعمد جرحها بتلميحاتك.. تتطلع اليها ببرود وضيق وكأنك غير راغب برؤيتها.. وبعد كل هذا تطلب مني ان اوصل سلامها لك.. لقد ظننت بعد كل ما رأيته من تصرفات تجاهها.. بأن مجرد سماع اسمها لن يهمك.. فلم اوصل سلامها لك اذا؟..
قال كمال مدافعا عن نفسه: لم اتعمد جرحها او مضايقتها.. لم اتعمد حتى ان اتطلع لها ببرود.. ولكن كل هذا حدث بالرغم مني..
قالت مها باستنكار: كيف بالرغم منك؟.. لا يوجد شيء يحدث بالرغم منك.. مادمت اردت مضايقتها..ففعلت بكل بساطة..
قال كمال بحدة: انت لا تفهمين..
قالت بحدة مماثلة : ولا اريد ان افهم.. لقد اوصلت لها سلامك وانتهى الموضوع.. ماذا تريد ايضا؟..
زفر قائلا: لاشيء.. لا اريد شيئا ابدا..
وابتعد عنها ليتوجه الى السلم ويصعد الطابق الاعلى.. ومها تستغرب تصرفات شقيقيها.. فمازن ان كان مهتما بملاك.. فهي تعلم جيدا ان اهتمامه بها ينطوي على علاقاته بالفتيات.. ولكن ماذا عن كمال؟.. كمال الذي يتعمد ان يجرح ملاك دائما.. مهتم الآن لأن اوصل له سلام منها.. يا للمفارقة! .. حقا لن افهم كمال هذا ابدا...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
رنين متواصل ازعج فؤاد وجعله يتململ في جلسته ويترك مافي يده.. ليلتقط سماعة هاتف مكتبه ويجيبه قائلا: من المتحدث؟..
جاءه صوت عادل وهو يقول: اهلا فؤاد.. كيف تسير اعماك؟..
قال فؤاد بلامبالاة: ممتازة كما هي دائما..
قال عادل باهتمام: وماذا فعلت؟..
قال فؤاد وهو يعقد حاجبيه متسائلا: بشأن خالد؟..
- اجل..
قال فؤاد بهدوء: كل شيء كما خططت له.. لقد ارسلت شخصا لمراقبة تحركاته.. وسيعلم مواعيد ذهابه وايابه من الشركة.. هذا بالاضافة لمعرفته طريق أي مكان سيذهب له..
قال عادل متسائلا: ولم لم تذهب بنفسك لمراقبة تحركاته؟..
قال فؤاد وهو يمط شفتيه: سيتعرف على سيارتي.. وحتى وان قمت بتغييرها.. فقد يتعرف على سائق السيارة..
قال عادل مواصلا تساؤلاته: وان علمت بمكان منزله.. ما الذي ستفعله حينها؟.. هل سنهدده بأمر معرفتنا لمكان منزله وبابنته؟..
- لا بكل تأكيد.. لو هددناه حينها سيغير مكان منزله بكل بساطة.. وسيكون اكثر انتباها وتيقظا لجميع تحركاتنا..
- اذا؟؟..
اجابه فؤاد وهو يبتسم بخبث: اولايجب ان نعرف مكان منزله.. ومن ثم سنترك الامور تسير بهدوء وكأن شيئا لم يكن.. حتى يغادر البلاد.. وتكون لنا الفرصة لنتصرف بحرية..
ابتسم عادل وقال باعجاب: يدهشني تخطيطك لكل هذا يا فؤاد.. وحتى ابسط الامور..
قال فؤاد بغرور: انت تتحدث الى فؤاد محمود.. المشهور بالذكاء والعبقرية في عالم رجال الاعمال..
واردف قائلا: وستكون ملاك بين ايدينا هذه المرة.. حتى نسترجع جميع حقوقنا منه ..فملاك هي نقطة ضعف خالد الوحيدة ...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ضيق حسام عينيه وهو يمسك ببندقية التصويب بين يديه.. ويحاول التركيز على الاصابة على نقطة المئة بدائرة التصويب ..وبعد تركيز طويل اطلق برصاصته التي اصابت نقطة الخمسين.. وابتسم قائلا وهو يبعد البندقية عنه: جيد..
سمع صوتا من خلفه يقول : بل سيء جدا..
ابتسم حسام وقال وهو يلتفت الى صاحب الصوت: الا تعرف المجاملة ابدا يا مازن؟..على الاقل شجعني وارفع من معنوياتي قليلا..
ابتسم مازن وقال وهو يهز كتفيه ويتقدم منه: بصراحة لا تصلح لأن تمارس هذه المهارة ابدا..
والتقط البندقية الاخرى وقال وهو يمسكها بين يديه ويصوب على قرص التصويب: التصويب على القرص يكون بهذا الشكل ..
قالها واطلق لتستقر طلقته عند نقطة الخمسة وسبعون.. فالتفت له مازن وقال بغرور: ما رأيك؟..
ابتسم حسام وقال وهو يشير على القرص: منذ متى وانت تمارس هذه المهارة؟..
قال مازن بابتسامة: مضى وقت طويل منذ آخر مرة مارستها فيها.. والا لاستقرت طلقتي في منتصف القرص تماما..
قال حسام وهو يتطلع اليه: الن تكف عن غرورك هذا؟..
- اخبرتك بأنها ثقة بالنفس فحسب..
قال حسام وابتسامة واسعة على شفتيه: دعنا من ثقتك هذه.. واخبرني.. هل جئت وحدك الى هنا؟..
قال مازن وهو يهز رأسه: لا .. مها ايضا جاءت معي.. فقد شعرت بالملل من مكوثها بالمنزل..
 
قال حسام متسائلا: واين هي؟..
قال مازن وهو يشير الى ما خلفه: بكفتيريا النادي..
واردف مازحا: ولكن اياك ومغازلتها..
رفع حسام حاجب واحد وقال بسخرية: من تظنني؟.. مازن محمود؟..
قال مازن بغرور: وماذا به مازن؟.. على الاقل يصوب على القرص افضل منك..
قال حسام مبتسما: تركت البندقية والقرص لك.. فلتتباهى الآن بمهارتك امام الفتيات..
ضحك مازن وغمز بعينه وهو يقول: حالا..
وامسك بالبندقية ليكمل التصويب.. في حين سار حسام مبتعدا الى كافتيريا النادي.. وهناك شاهد مها جالسة على احدى طاولات النادي ومنشغلة بشرب العصير.. وما ان لمحته حتى تركت العصير وابتسمت وهي تتطلع اليه قائلة: اهلا حسام..
جذب مقعدا وجلس عليه وهو يقول: كيف حالك؟..
قالت وهي تتطلع له وتحاول ان تحفر ملامحه في ذهنها: بخير.. وماذا عنك؟..
- على ما يرام..
واردف متسائلا: ما بك؟..
قالت بحيرة: لا شيء..
اشار الى وجهها باصبعه ومن ثم قال: بل وجهك قبل ان آتي الى هنا يدل على انك كنت تفكرين بأمر ما..
قالت مازحة او متعمدة .. لا تعلم: افكر فيك انت..
قالتها بابتسامة حتى يظن انها كانت تمزح معه.. ولكن الحق انها كانت تفكر فيه قبل ان يأتي الى هنا.. اما حسام فقد ضحك وقال: يالي من محظوظ اذا.. ما دامت فتاة جميلة تفكر في وتشرد بذهنها ايضا عندما تفكر بي..
ابتسمت مها وقالت: شكرا على المجاملة..
قال متسائلا باستغراب: أي مجاملة؟..
قالت مها بارتباك: بوصفك اني.. جميلة..
قال حسام مبتسما: ومن قال اني اجامل..تعرفين اني لا اقول سوى ما اراه.. اليس لديك مرآة في غرفتك لتتطلعي الى وجهك فيها..
قالت مها بابتسامة مرتبكة: بلى لدي وحتى في الحقيبة التي احملها الآن..
عقد ذراعيه امام صدره ومن ثم قال: اذا انظري الى وجهك فيها ومن ثم احكمي علي ان كنت اجامل او اقول الصدق ..
شعرت مها بضربات قلبها المتوترة في تلك اللحظة.. نادرا ما يتحدث حسام عنها بشكل شخصي.. فدائما ما يتحدث معها في امور مختلفة تاركا اياها تتمنى ولو كلمة واحدة منه..
وقال مبتسما في تلك اللحظة: واخيرا سأنتهي من دراستي بالجامعة بعد عام واحد فحسب..
قالت مها بضيق: لا زال امامي انا ثلاث سنوات او ربما اكثر..
قال حسام متحمسا: لا عليك سيمرون عليك مرور البصر.. المهم اني سأتخرج اخيرا وبعدها سأتوظف .. وبعدها...
تغيرت نظرة حسام بغتة وبتر عبارته وهو يتطلع لها.. ما باله اليوم؟.. انه يتطلع اليها بنظرة غريبة تراها لاول مرة في عينيه.. وعينيه تلمعان ببريق اغرب.. هل هذه النظرات لي انا حقا؟..
والتفتت الى ما خلفها لكي تتأكد من انه يتطلع اليها هي حقا..فضحك حسام وقال وهو يتطلع لها: لم تنظرين الى ما وراءك؟..
قالت متسائلة بدهشة: لقد كنت تنظر الي بطريقة غريبة.. فأردت ان اتأكد بأني انا المقصودة بنظرتك تلك..
ضحك حسام مرة اخرى بمرح ومن ثم قال: تطلعي في عيني لكي تتأكدي..
قالت مها بارتباك شديد ووجنتاها تتوردتا باحراج: حسام هل انت بخير هذا اليوم؟.. ما بالك؟..
ابتسم بحنان ومن ثم قال: سعيد يا مها.. لاني سأتخرج قريبا.. وسأتمكن من تحقيق حلمي..
قالت مها متسائلة: وما هو حلمك؟..
قال وهو يفرد اصابعه الثلاثة: احلامي ثلاثة لكنها جميعا تحقق هدف واحد بالنسبة لي.. فأولها ان اعمل واتوظف واستقر بوظيفتي..
قالت مها بحماس: هذا ممتاز..
قال حسام مبتسما: على العكس من شقيقك فأنت تشجيعنني دائما..
ابتسمت على عبارته ومن ثم قالت متسائلة: وما هو حلمك الثاني؟..
قال مبتسما: ان ابني منزل المستقبل..
قالت مها بابتسامة: وبالتأكيد تتخيله ان يكون مثل منازل الاحلام.. لكن لا تقلق والدك لن يقصر معك وسيساعدك في بناءه..
قال وهو يهز رأسه نفيا: لا ارغب بمساعدة من احد.. اريد ان ادفع من جيبي الخاص.. لأشعر باستقلاليتي واني حققت حلمي بمفردي..
وضم اصبعيه ليبقى اصبعه السبابة مفرودا وهو يكمل: اما حلمي الثالث.. فهو الاهم بالنسبة لي.. انه...
تطلعت له مها بترقب ومن ثم قالت بضيق عندما لم يكمل: هل يتوجب علي ان اقول لك ان تكمل حتى تكمــ...
بترت مها عبارتها.. ذلك لانها لم تعد تستطيع الحديث..وهي تشعر بكف حسام تحتضن كفها.. انها تحلم ولا شك.. ما يحصل امامها ليس حقيقة هي متأكدة.. منذ متى كان حسام يمسك بكفها بكل هذه الرقة والحنان؟.. منذ متى وحسام يتطلع لها بهذه النظرات الغريبة والدافئة..
سرت قشعريرة في جسدها بأكمله من لمسته.. وشعرت بأنه يهم بقول شيء ما..و لكنه اطبق شفتيه وقال وهو يترك كفها بهدوء: ماذا ترغبين ان اطلب لك؟..
ارتفع حاجباها بدهشة كبيرة.. لقد عرفت انها تحلم وان ما حدث معها ليس هو من نسج خيالها.. ولكنه تنهد وقال: شقيقك قادم..
التفتت بحدة الى ما خلفها لتدرك صدق ما قاله.. لهذا صمت.. لهذا بتر عبارته.. لهذ غير الموضوع فجأة.. اذا لم تكن تحلم .. حمدلله..وابتسمت لنفسها.. تريد ان تعلم ماذا كان يريد ان يقول.. ربما كان سيسمعها ما كانت تتمناه طويلا.. ولكن.. القدر لا يكاد يمنحها الفرصة.. وكذلك حسام الذي لا يكاد يتحدث عن شيء بشأنها ابدا الا فيما ندر...
تنهدت بدورها وقالت وهي تجيبه عن سؤاله: قطعة من الكعك ..
قال حسام مبتسما وهو يشير الى مازن: لا بأس.. ولكنه سيكون على حساب شقيقك..
اقترب منهما مازن وقال وهو يتطلع الى حسام بحاجب مرفوع: ماذا به شقيقها؟..
قال حسام مبتسما وهو ينهض من مكانه: ادفع ثمن ما طلبته مها..
قال مازن بسخرية: ولم افعل؟.. يكفيك النظر الى حقيبتها لتعلم انها مليئة بالنقود..
قالت مها بحنق:مليئة بالنقود هاا؟.. اتظن اني احمل معي مصرفا متنقلا؟..ثم اني لا اريد شيئا منك..سأدفع بنفسي..
قال مازن بسخرية: هذا افضل بكثير..
قال حسام وهو يلتفت الى مازن: متى سيأتي اليوم الذي سأراك فيه وانت لا تتعمد استفزاز مها او مضايقتها؟..
ابتسم مازن ابتسامة واسعة ومن ثم قال: لقد اخبرتها من قبل .. سأتوقف عن مضايقتها عندما تتزوج..
ارتبكت مها وتوترت بشكل كبير حتى ان الاحراج قد بات واضحا على وجهها.. وضربت مازن على كتفه لتقول بحدة: يالك من سخيف..
ضحك مازن بقوة ومن ثم امسك بمعصمها ليقول وهو يتطلع لها: ماذا قلت لك من قبل.. هل تريدين ان أكسر يدك الآن؟..
قال حسام وهو يعقد ذراعيه امام صدره: حاول فقط..
التفت له مازن وقال بسخرية: محامي الدفاع لا يزال واقفا هنا ..الم تذهب بعد؟..
قال حسام وهو يتطلع له: دع مها وشأنها اولا..
- وما شأنك بشقيقتي؟..
قال حسام وهو يرفع حاجبيه: وهي ابنة عمتي ايضا..وهذا يعني اني لي شأن بها على الرغم منك..
ضحك مازن وقال وهو يترك معصم مها: لقد نسيت انك كنت تتشاجر معي في الماضي عندما كنت اضرب مها..يبدوا انك تريد ان تعيد تلك الايام..
قال حسام وهو يبتسم: ليتها تعود حقا.. وهل يوجد اجمل من ذكريات الطفولة؟..
واردف وهو يهم بالابتعاد عنهم: ثم اذا كان زواج مها سيجعلك تتركها وشأنها وتتوقف عن مضايقتها.. سآتي غدا الى منزلكم لأطلب يدها..
قالها بلهجة مازحة وابتسامة تدل على ان حديثه لم يكن سوى مزاحا .. ولكن مها رفعت عيناها بقوة له وهي تشعر بدهشة كبيرة من قوله.. وكأنها كانت تنتظر أي تلميح منه يدل على الاقل انه يفكر بها كشريكة لحياته.. ولكن حسام لم يمنحها اجابة شافية او يتطلع حتى لنظراتها نحوه .. فقد سار مبتعدا عن المكان.. وعينا مها تتبعانه بدهشة..
وشعرت بغتة بكف مازن توضع على كتفها.. فالتفتت له بحدة وقالت متسائلة: ماذا تريد؟..
قال بخبث: هه.. الم تكتفي من رؤيته بعد؟..
صمتت باحراج ولكنه قال مبتسما: انه يناسبك..
خفق قلب مها في قوة وادركت انه يعني حسام.. ولكنها قالت بتوتر: من تعني؟..
اسند ظهره لمسند المقعد وقال وهو يهز كتفيه: حسام.. ومن غيره؟..
صمتت بخجل وارتباك دون ان تعلق.. وحاولت ان تتطلع الى حسام بطرف عينيها وهي تتساءل في نفسها.. هل يناسبها حقا كما قال مازن ام انه مجرد حديث عابر لا يعنيه؟...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
فتح خالد باب السيارة الخلفي وجلس على المقعد ليقول للسائق: الى المنزل..
تحرك السائق بالسيارة مغادرا مواقف مبنى الشركة ..لينطلق بالسيارة في الشوارع الرئيسية ..وخالد يشعر بتعب وارهاق شديدين .. ولكنه كذلك يشعر بشوق كبير للعودة الى منزله ورؤية صغيرته ملاك..ويتناول طعام العشاء معها كما في كل يوم.. وابتسم وهو يتطلع الى الكيس الذي وضعه الىجواره.. لا تعلم انه نفذ مطلبها.. واشترى لها هاتفا محمولا كما طلبت.. على الرغم من انها لا تحتاجه.. ولكنها رغبتها ولا يريد ان يشعرها بأنها مختلفة عن بقية الفتيات.. فلتحصل على هاتف محمول ولتتحدث فيه كما تشاء.. المهم ان لا يرى نظرة حزن واحدة في عينيها...
(سيدي..)
انشدت حواس خالد كلها الى السائق وقال باهتمام: ماذا؟..
حرك السائق مرآة السيارة قليلا ومن ثم قال: اظن ان هناك من يتبعنا..
عقد حالد حاجبيه وقال متسائلا: هل انت متأكد؟..
اجابه السائق بهدوء: لا اعلم.. ولكني كنت اراها خلفنا تقريبا منذ بداية مغادرتنا لمواقف الشركة..
قال خالد وهو يزفر بحدة: حسنا استمع الي.. انعطف عند اول منعطف تراه.. ان سارت خلفنا ايضا.. فهي تتبعنا بالتأكيد ..
اومأ السائق برأسه.. وكما طلب منه خالد تماما عند اول منعطف ادار المقود وانعطف بالسيارة الى اليمين.. وتسائل خالد قائلا: الا زالت خلفنا؟..
قال السائق وهو يمسك بمرآة السيارة ويحركها قليلا: اجل.. لا زالت خلفنا..
عقد خالد حاجبيه بتوتر وتساؤل.. من هذا الذي يتبعه؟.. وما غرضه؟.. ولم هو بالذات؟.. لابد ان وراءه امر ما.. وقال خالد وهو يستند الى مسند المقعد ويتنهد: حاول ان تفقده اثرنا اذا ..
قالها خالد وغرق في تفكير عميق.. وهو يتساءل عن هوية هذا الشخص الذي يتبعه ويحاول فهم سبب ملاحقته له..و...
وفجأة فهم الامر كله.. ملاحقتهم لابنته عندما كانت في منزل امجد ورغبتهم في معرفة هويتها الحقيقية.. ارسال ابناء عادل ليجعلوها تقول الحقيقة دون ان تدرك.. وصوله الى منزل امجد قبل ان يصل فؤاد او عادل اليه.. هذا كله جعلهم يشعرون برغبة بالمواصلة في استدراج ملاك وخصوصا بعد ان عرفوا شكلها وهويتها..وهذا ايضا سيجعلهم يفكرون في أي خطة تتيح لهم الوصول اليها.. ولابد انه فؤاد صاحب الافكار الخبيثة الذي طلب من احدهم ملاحقته بعد ان دفع له مبلغ ضخم بكل تأكيد..
والآن ما الذي عليه ان يفعله؟.. فؤاد يحاول ان يتذاكى عليه ويصل الى منزله وبعدها يستطيعون استدراج ملاك واخذها معهم في وقت يكون هو غير موجود بالمنزل..ما الذي عليه ان يفعله؟.. فليكن هو اذكى منه اذا..
وابتسم بسخرية وقال للسائق: اسمع.. غير طريقك.. لا تذهب الى المنزل .. بل الى أي مكان آخر..
قال السائق موضحا: يبدوا انه فقد اثرنا يا سيدي.. فلم اعد اراه خلفي..
قال خالد ببرود: لا تستهن به.. لابد وانه محترف.. وانه يتبعنا دون ان نشعر.. او انه سيصل الينا في أي لحظة..
ولم تمض دقيقة حتى قال السائق وعيناه متسعتان: انه وراءنا بالفعل يا سيدي..
قال خالد فجأة: استمع الي.. اسرع قدرما تستطيع وكأنك ستسير في خط مستقيم.. وحاول ان توحي لمن خلفنا اننا طريقنا هو هذا.. وانعطف فجأة في أي منعطف جانبي حتى لا يتمكن من اللحاق بنا..او نعطله على الاقل..
قال السائق موافقا: معك حق يا سيدي.. سأفعل الآن..
وانطلق بالسيارة بسرعة كبيرة بعض الشيء.. وتلك السيارة تتبعه بكل قوة.. وقد خيل لسائقها ان طريقها هو الطريق الرئيسي فعلا.. ولكن بغتة انحرفت سيارة خالد في ممر جانبي.. وهذا مما جعل تلك السيارة تتجاوزها بالرغم منها...
ولكن...
كلمة من ثلاثة حروف.. كانت حدا فاصلا.. بين الفوز والخسارة ..بين النجاح والفشل..وبين الحياة والموت ايضا... فسرعة سيارة خالد لم تتح لسائقه الانتباه لتلك السيارة التي تنطلق مغادرة الممر الفرعي والاتجاه نحو الطريق الرئيسي..
ولم يكن هناك مفر من حدوث الاصطدام...
ابدا...
 
الجزء الخامس عشر
"ابي"
تحرك عقرب الثواني ليلتحم مع عقرب الدقائق مشيرا الى ان الساعة قد تجاوزت الحادية عشرة والنصف..وبدا صوت دقات الساعة المنخفض في تلك اللحظة بالنسبة لملاك صوتا صاخبا يكاد يسبب لها الصمم.. وهي تكاد تنهار من التوتر والقلق بسبب تأخر والدها الى هذه الساعة على غير عادته .. والدها الذي كان يأتي يوميا في تمام العاشرة.. يتأخر ساعة ونصف كاملة..روادها الشك والقلق وغزى ملامحها.. ليجعل قطرات العرق تتصبب على جبينها.. وضربات قلبها تتسارع وهي تتطلع الى ساعة الردهة بخوف اخذ يسيطر على تفكيرها كله..
واخذت تداعب قلادتها بعصبية لعلها تسيطر على خوفها .. وهتفت بصوت عالي: نادين.. نادين..
لم تسمع ردا من نادين فصرخت بصوت اعلى: نادين.. اجيبي..
رأت نادين تسرع نحوها وتقول بتوتر: ما الامر آنستي؟.. لم تصرخين هكذا؟..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها بخوف: هل قال لك ابي انه سيتأخر اليوم؟..
اسرعت نادين تقول: لا ابدا..
قالت ملاك بخوف اكبر وصوت مختنق: ولا حتى انه سيذهب الى مكان آخر.. غير مكان عمله..
هزت نادين رأسها نفيا وقالت مجيبة: ولا حتى هذا..
ارتجفت شفتا ملاك وقالت بلهجة اقرب الى البكاء: اذا اين يمكن ان يكون قد ذهب؟.. ولم تأخر؟..
قالت نادين بدهشة: والم يعد سيدي بعد؟..
لم تستطع ملاك النطق واكتفت بهز رأسها نفيا.. فقالت نادين متسائلة بتوتر: هل اتصلت به؟..
عادت ملاك لتهز رأسها نفيا.. فقالت نادين وهي تحاول ان تمنح ملاك الامل: اذا اتصلي به.. واسأليه عن سبب تأخره..
اومأت ملاك برأسها بتوتر.. و حركت عجلات مقعدها - التي اعتادت ان تحركها بيسر- بصعوبة هذه المرة.. ورفعت سماعة هاتف المنزل بانامل مرتجفة حتى انها شعرت ان السماعة اثقل من ان تحملها.. وكادت ان تسقط من يدها اكثر من مرة ..
واخيرا ضغطت ارقام هاتفه المحمول وهي تلتقط انفاسها بصعوبة ..وما ان فعلت حتى اتسعتا عينا ملاك بقوة وهتفت بصوت مرتجف: هاتـ..فه..مـ..مغلق..
فالت نادبن متفاجئة: ماذا؟.. مغلق؟.. لم يعتد سيدي على اغلاقه ابدا..
قالت ملاك وعيناها تترقرقان بالدموع: ما الذي حدث لأبي اذا؟.. ماذا حدث له؟..
ربتت نادين على كتفها باشفاق وقالت: آنستي.. لا تتشائمي .. قد يكون عمل مفاجئ قد اخره.. او ربما.. ازدحام سير ..
غطت ملاك وجهها بين كفيها وسالت دموعها بألم وهي تهتف بصوت باكي: لم يتأخر ابدا في حياته.. لابد وان امرا ما قد حصل له..
لم تعلم نادين ماذا تفعل وهي ترى ملاك تبكي بحرقة هكذا ..وقالت اخيرا وهي تفكر بعمق: ربما يكون قد ذهب الى منزل عمك..
رفعت ملاك عيناها المليئتان بالدموع الى نادين وقالت متسائلة وغصة تمتلأ بها حلقها: أي عم؟..
قالت نادين في سرعة: اتصلي بمنزل عمك امجد واسأليهم ان كان والدك موجود هناك ام لا..
وجدت ملاك نفسها اثر رغبتها وامنيتها بأن يكون ابيها هناك ..ترفع السماعة مرة اخرى وتضغط ارقام هاتف مها.. ومسحت دموعها في سرعة وهي تحاول ان توقف دموعها التي تسيل على وجنتيها بكل اصرار وتأبى التوقف..واستمعت الى الرنين المتواصل .. قبل ان يأتيها صوت مها القلق وهي تقول: من؟.. ملاك؟..
اجابت ملاك بصوت خافت اقرب الى الهمس: اجل..
قالت مها التي كانت مستلقية على فراشها وتهم بالنوم: ماذا بك يا ملاك؟.. اقلقتني باتصالك هذا.. انها الثانية عشرة تقريبا ..
قالت مها بصوت مختنق: آسفة ان كنت قد ازعجتك .. لكن الامر مهم..
واردفت وهي تحاول التقاط انفاسها: ابي.. لم يعد الى المنزل حتى الآن..
اعتدلت مها في جلستها وقالت بدهشة: ماذا؟.. لم يعد بعد؟ ..
قالت ملاك وهي تعض على شفتيها بألم: اتصلت به ووجدت هاتفه مغلق.. الم يأتِ اليكم اليوم؟..
قالت مها ودهشتها تتفاقم: لا ابدا.. ومنذ قليل فقط قد صعدت الى غرفتي والا كنت قد رأيته..
وتساءلت مردفة: وهل اتصلت به؟..
اجابت ملاك وهي تحاول السيطرة على اعصابها: اجل ولكنه مغلق دائما..
صمتت مها دون ان تعلق في حين قالت ملاك بانفعال سببه الخوف والتوتر: ماذا حدث لأبي اذا؟.. اين هو؟..
قالت مها وهي تحاول ان تهدئ ملاك: ملاك عزيزتي.. اهدئي.. ربما يكون في منزل عمي فؤاد او عادل.. وربما يكون قد تأخر بسبب عمل هام.. سأذهب مع ابي او احد اخوتي لنرى الامر.. وسأتصل بك بعدها.. اتفقنا؟..
لم تجبها ملاك وخوفها على ابيها يسيطر على تفكيرها كله.. فقالت مها مردفة: اهدئي انت الآن.. ولا تخشي شيئا.. وباذن الله سيكون والدك بخير..
قالت ملاك بصوت خافت: اتمنى هذا من كل قلبي..
- حسنا اذا .. سأذهب لاستبدل ملابسي الآن..
قالت ملاك بمرارة: معذرة يا مها.. لقد ازعجتك.. وسأتعبك معي.. ولكنه ابي..
قالت مها بصوت حاني: لا عليك.. فكما هو والدك هو عمي كذلك.. ولا تقلقي نفسك..
تنهدت ملاك بصوت مسموع ومن ثم قالت: سأحاول.. واتصلي بي عند سماع أي خبر عنه حتى وان كان بسيطا..
قالت مها بهدوء: لا بأس.. الى اللقاء..
اغلقت ملاك الهاتف بدورها وهي تشعر بأناملها ترتجف بقوة وخوف وهي غير عالمة بما حدث لوالدها بعد.. اما مها فقد اسرعت تغادر فراشها وتستبدل ملابسها .. ومن ثم تحمل حقيبة يدها وتنطلق مغادرة الغرفة..وتسير مسرعة بالممر.. ومن ثم تهبط درجات السلم.. وفاجأها مازن وهو يصعد درجات السلم.. فرفع رأسه لها وقال مستغربا: الم تنامي بعد؟.. والى اين انت ذاهبة؟..
قالت في سرعة وهي تواصل هبوطها لدرجات السلم: لقد اتصلت بي ملاك واخبرتني بأن والدها لم يعد الى المنزل بعد و...
قاطعها مازن وهو يمسك بذراعها ويوقفها: لا تتحدثي بسرعة هكذا.. وافهميني الامر بهدوء..
زفرت بحدة ومن ثم التفتت له وقالت: لقد اتصلت بي ملاك قبل قليل.. واخبرتني ان والدها لم يعد الى المنزل بعد.. وسألتني ان كان جاء الى هنا او لا..فقد اتصلت به وكان هاتفه مغلق ..و تخشى ان يكون مكروها قد اصابه..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: عمي خالد؟.. هذا غريب..
واردف متسائلا: ولكن لم تخبريني.. الى اين انت ذاهبة؟..
قالت مها وهي تزدرد لعابها: لقد وعدتها بأنني انا ووالدي سنبحث عنه..حتى نحصل على أي خبر يوصلنا له..
قال مازن وهو يحك ذقنه: لا اظن ان عمي خالد لا يزال طفلا حتى نبحث عنه ..يبدوا ان ملاك قد بالغت قليلا في وصف ما جرى ..
قالت مها بحدة وانفعال: لو سمعت صوتها ما قلت انها قد بالغت.. لقد كانت تبكي بحرقة.. وصوتها قد بح من كثرة البكاء.. لابد وانه قد تأخر طويلا والا لما اتصلت بنا.. ثم انا لم اطلب منك ان تبحث عنه .. سأطلب من والدي ذلك..او من كمال حتى فهو قد يقدر حالة ملاك ويفكر بالمساعدة..
كانت تهم بالنزول ولكن صوت مازن اوقفها قائلا: انتظري يا مها.. والدي ليس هنا.. وكذلك كمال..
واردف بابتسامة: وسوف اذهب للبحث عن عمي ان اردت.. من اجل ملاك فقط..
قالت مها وهي تتطلع له بطرف عينها: الن تتوقف عن تصرفاتك هذه ابدا؟..
قال مصطنعا اللامبالاه: أي تصرفات؟..
قالت مها وهي تمط شفتيها وتهبط درجات السلم: تمثيل دور المحب لكل فتاة تعرفها..
قال مازن بضيق: لم اخبر أي فتاة عرفتها بأني احبها..
قالت مها وهي تعبر معه الردهة: ولكن تصرفاتك واهتمامك بهن.. يجعلهن يشعرن بذلك..
قال مازن وهو يشعر بالملل: هذا ليس وقت الحديث عن علاقاتي .. فلنذهب للبحث عن عمي اولا..
اومأت مها برأسها وآثرت الصمت وهي تغادر بصحبة مازن المنزل..ومن ثم تصعد الى سيارته.. وما ان انطلقا بها حتى تساءل مازن: اخبريني .. هل اتصلت ملاك بوالدها في الشركة؟..
قالت مها وهي تحاول التذكر: لا اظن انها اخبرتني شيئا كهذا.. اتصل به انت زيادة في الاحتياط..
اخرج مازن هاتفه المحمول من جيبه واتصل على الشركة.. واستمع الى الرنين المتواصل طويلا ومن ثم قال وهو يهز رأسه: الساعة الآن هي الثانية عشرة والربع.. لقد اغلقت الشركة ابوابها منذ ساعتين او اقل.. ولا اظن ان احدهم سيجيب على الهاتف..
- دعنا نذهب الى هناك اذا..
قال مازن وهو يرفع حاجبيه بتساؤل: ولم نذهب الى هناك؟.. ما الذي سنستفيده ان ذهبنا الى شركة قد اغلقت ابوابها..
قالت مها برجاء: سنسأل حارس الامن عن عمي خالد.. قد يكون يعرف الى اين ذهب.. او ما الذي حدث له؟..
زفر مازن بضيق ومن ثم قال: فليكن.. سأذهب الى هناك ..
ومن ثم التفت لها وقال: الم يكن من السهل ان تمنحنيني رقم ملاك لأخبرها بكل ما يستجد.. بدلا من تأتي معي وتتعبي نفسك ..
قالت مها وهي تبتسم بسخرية: معك حق.. خطة ممتازة جدا لتحصل على رقم هاتفها..
- انني افكر في راحتك فحسب..
قالت مها مواصلة في سخريتها: شكرا على تفكيرك بي الى هذه الدرجة.. اتعبت عقلك كثيرا..
قال مازن بضيق: كفي عن سخريتك والا اعدتك الى المنزل فورا ..
قالت مها بهدوء: فليكن سأصمت..
انطلق مازن بسيارته في شوراع المدينة حتى وصل الى شركة عمه خالد .. وهناك توقف وهبط منها ليتجه الى رجل الامن الذي يقف عند الممر الداخلي للشركة.. وقال بهدوء: لو سمحت يا سيد..
عقد رجل الامن حاجبيه وقال متسائلا: ما الامر؟..
قال مازن متسائلا بدوره: انت تعرف خالد محمود صاحب هذه الشركة اليس كذلك؟..
اومأ رجل الامن برأسه ايجابيا.. فقال مازن مواصلا اسألته: واليوم .. الى اين غادر بعد انتهاء وقت عمل الشركة؟..
قال رجل الامن بحيرة: الى منزله بكل تأكيد.. فهو معتاد يوميا ان يغادر مع السائق الشركة عند الساعة العاشرة الى منزله على الفور..
قال مازن وهو يعقد حاجبيه: الم يخبرك انه ذاهب الى مكان ما او لديه عمل ما؟..
- لست اعلم.. ولكن ان كان لديه عمل فهو ينجزه وقت عمل الشركة..
قال مازن بهدوء: عن اذنك اذا.. وشكرا لك..
تركه مازن وانصرف عائدا الى سيارته.. ليخبر مها بما دار بينه وبين رجل الامن.. وبعد ان انتهى من حديثه قالت مها بقلق: حديثه يزيدني توترا وقلقا على عمي.. فهذا يعني انه قد تأخر كثيرا على ملاك ومن حقها ان تتصل بنا بالفعل..
قال مازن وهو يضع كفيه على المقود: وما العمل الآن؟.. ما الذي نفعله؟..
زفرت مها بحرارة ومن ثم قالت: ليس امامنا سوى الاتصال بالمستشفيات او مراكز الشرطة الموجودة بالمنطقة.. واتمنى ان لا يكون مكروها قد اصابه..
ما ان انتهت مها من عبارتها حتى انطلق هاتفها بالرنين.. فاخرجته من حقيبتها ومن ثم قالت وهي تتطلع الى الرقم: انها ملاك..
قال مازن في سرعة: اجيبيها.. ربما يكون عمي قد وصل الى منزله..
اجابتها مها وقالت : اهلا ملاك..
جاءها صوت ملاك وهي تتساءل بلهفة وتوتر: الم تجدوه بعد؟ ..
قالت مها بتعاطف: سنجده باذن الله.. فقط اصبري قليلا.. فنحن قد بدأنا في البحث لتونا..
قالت ملاك بصوت باكي: اشكرك كثيرا يا مها.. وعندما تجدون أي خبر عنه.. طمأنيني..
قالت مها بابتسامة مشفقة: وانت كذلك.. اذا وصل الى المنزل.. طمأنينا عليه..
- مع السلامة..
اغلقت مها الهاتف ومن ثم التفتت الى مازن وقالت باشفاق: كل هذا وتقول انها تبالغ.. صوتها لا يكاد يسمع من كثرة البكاء..
دس مازن اصابعه بين خصلات شعره ومن ثم قال بهدوء: حسنا حسنا.. ها انذا قد اقتنعت وبدأت بالبحث عن عمي.. ماذا تريدين اكثر من ذلك؟..
- اتصل بالمستشفيات الموجودة بالمنطقة الآن..
- سأفعل..
واردف وهو يلتفت لها مبتسما: ولكن الم تخبرك ملاك بأي شيء يخصني؟..
قالت مها بعصبية مستغربة تفكيره: الفتاة في ماذا الآن.. سترسل لك سلاماتها مثلا وهي لم تعرف مصير والدها بعد..
قال مازن وهو يلوح بكفه: اهدئي.. لم اقل شيئا يستحق كل هذه العصبية..
والتقط هاتفه ليبدأ في الاتصال .. ومن جانب آخر كانت ملاك جالسة بجوار الهاتف تنتظر أي اتصال من مها.. وهي تشعر بقلق وخوف كبير يشلان حركتها تماما.. وقالت نادين وهي تحاول تهدئتها: آنستي .. لا بد وانه مجرد ازدحام سير صدقيني..
قالت ملاك بعينين دامعتين: انها المرة الاولى التي يتأخر فيها كل هذا الوقت.. شعور سيء يراودني.. ويجعلني اظن الاسوأ..
لم تجد نادين ما تقوله وآثرت الصمت.. مهما كان هذا والدها .. وقد ارتبطت به منذ صغرها.. فهي لم ترى اما ترعاها.. فتحت عيناها على الحياة لتجد والدها امامها..كان لها الام والاب سواء.. حتى انها هي –نادين- نفسها قد اعجبت به.. وهي تراه يعامل ابنته احيانا كأب صارم.. واحيانا اخرى كأم حنون..
ولابد ان ملاك تشعر بهذا الشعور السيء لأن شيئا ما قد اصابه حقا وان شعورها في محله.. يقولون ان الام ترتبط بابنها.. او العكس.. ولكن في هذه الحالة.. ملاك ترتبط بوالدها.. وتشعر بأي شيء قد يصيبه سواء كان الامر خيرا ام لا..
وتعالى فجأة رنين هاتف المنزل ليقطع على نادين افكارها وكذلك ملاك.. التي اسرعت تلتقط سماعة الهاتف في لهفة وتقول: ماذا حدث يا مها؟..
ولكن المتصل لم يكن مها.. ولا أي شخص آخر تعرفه.. كان صوت رجل يقول متجاهلا عبارتها: الو.. هل هذا منزل السيد خالد محمود؟..
اصيبت ملاك بخيبة الامل لان مها لم تكن المتصلة..ولكنها شعرت بقلق وخوف طغى على صوتها وهي تتحدث مجيبة: اجل ..
 
قال الرجل برسمية: اريد التحدث الى ابنه لو سمحت..
قالت ملاك وهي تزدرد لعابها بصعوبة: انا ابنته الوحيدة..
صمت الرجل للحظة ومن ثم قال بتردد: الا يوجد احد يقرب لوالدك.. عمك او خالك مثلا؟..
قالت ملاك وقد شعرت بالخوف من حديثه: لا احد سواي.. اخبريني يا سيدي ما الامر؟..
قال الرجل وهو يزفر بحدة: انا آسف .. ولكني مضطر لأنقل لك هذا الخبر.. والدك قد اصيب بحادث وهو الآن بمستشفى العاصمة و..
لم تستمع ملاك الى المزيد.. لان سماعة الهاتف قد سقطت من يدها.. وهي تهتف بصدمة: هذا كذب.. كذب..
اسرعت نادين نحوها وهي تهتف بقلق وتوتر: ماذا حدث يا آنستي؟..من كان المتصل وبم اخبرك؟..
التقطت ملاك انفاسها بصعوبة ومن ثم قالت بصوت بالكاد يسمع.. وهي غير مصدقة: لا اعلم.. انه يقول ان ابي في المستشفى واصيب في حادث.. هذا كذب بكل تأكيد .. ابي سيأتي بعد قليل الى المنزل.. اليس كذلك؟..
اشاحت نادين بوجهها في الم..فصرخت ملاك بانفعال: اليس كذلك؟..
ولم تلبث ان انفجرت في البكاء.. فقالت نادين مرتبكة وهي تقترب منها وتربت على كتفها: سيكون بخير باذن الله واصابته بسيطة..
قالت ملاك ودموعها تسيل بدون توقف.. وشفتاها ترتجفان: اريد ان اراه.. اريد الذهاب اليه..ارجوك..
قالت نادين بحيرة: من سيأخذنا الى هناك؟..السائق مع سيدي..
صرخت ملاك بانفعال: لا يهمني .. حتى لو خرجت سيرا على الاقدام.. اريد ان اذهب له.. خذيني الى هناك .. ارجوك.. فلنأخذ سيارة اجرة ونذهب..
كانت كلماتها متقطعة توضح حالتها النفسية المرتبكة والخائفة.. فقالت نادين بقلق: انها الواحدة بعد منتصف الليل ..كيف سنأخذ سيارة اجرة في هذا الوقت المتأخر ..
قالت ملاك وهي تهتف باكية: لا يهمني.. لا يهمني.. اريد ان اذهب اليه ..
صمتت نادين بقلة حيلة ومن ثم قالت فجأة: عمك امجد او ابناءه .. قد يستطيع احدهم ايصالك الى هناك..
التقطت ملاك نفسا عميقا ومن ثم قالت ودموعها لاتكاد تتوقف: سأتصل بهم..
اغلقت الخط بعد ان تركته مفتوحا عندما سقطت السماعة من يدها.. وعادت تلتقط السماعة وقلبها يخفق بقوة وخوف ..واناملها تكاد تسقط السماعة مرة اخرى في اية لحظة.. وسمعت صوت الرنين المتواصل بعد ان اتصلت بمها.. وما ان اجابت..حتى قالت ملاك بصوت منهار: ابي في المستشفى.. تعالوا وخذوني اليه.. ارجوكم..
قالت مها بدهشة: ماذا تقولين يا ملاك؟.. من اخبرك بذلك؟..
- اتصل بي احدهم منذ قليل واخبرني بأن ابي قد اصيب في حادث ..ارجوك يا مها.. لم اعد استطيع ان اتحدث.. تعالوا وخذوني اليه..
قالت مها بسرعة: حسنا.. حسنا.. سأطلب من مازن الآن ان ...
قبل ان تكمل مها عبارتها.. التفت مازن الى مها وقال بدهشة: ما الذي حدث؟..
قالت مها وهي تتحدث اليه بسرعة: عمي خالد اصيب بحادث وهو الآن في المستشفى..
اسرع يجذب الهاتف من كفها.. وقال متحدثا الى ملاك: اهلا ملاك.. اخبريني .. تريدين ان نوصلك الى المشفى حيث والدك .. اليس كذلك؟..
اجابته ملاك بصوت خافت: بلى..
- امنحيني عنوان منزلك..
منحته ملاك العنوان دون ان تأبه بأي شيء.. فليحدث لها ما يحدث .. المهم ابيها الآن.. تريد ان تطمأن عليه..فقال مازن بهدوء في تلك اللحظة: دقائق وسنكون عندك.. كوني جاهزة ..
قالت ملاك بهمس: حسنا..
قال بصوت حاني: وهدئي من نفسك.. والدك سيكون بخير.. لا تخافي ..
قالت وهي تزدرد لعابها لتبتلع تلك الغصة التي ملأت حلقها: اتمنى هذا..
- اهتمي بنفسك جيدا.. الى اللقاء..
- الى اللقاء..
اغلق مازن الهاتف واعاده الى مها التي قالت ببرود: لا يزال الوقت مبكرا على اعادته.. يبدوا انه هاتفك وانا لا اعلم..
قال بسخرية: تقريبا..
ووجدته ينطلق بسيارته .. فسألته قائلة: ستذهب الى منزل ملاك الآن .. اليس كذلك؟..
اومأ برأسه دون ان يجيب .. وسار في طرق عديدة حتى وصل بالنهاية الى العنوان الذي اخبرته به ملاك.. وقال بدهشة: يعرف عمي اين يختار منزله.. انها منطقة معزولة عن الناس..
قالت مها وهي تتنهد: وهذا ما كان يريده..
قال مازن وهو يتطلع الى منزل خالد: اتعلمين اشعر اننا جميعنا قد ظلمنا عمي خالد وملاك.. فانظري كيف يعيشان هما في منزل من طابقين بينما نعيش نحن في منازل اشبه بالقصور..
قالت مها وهي تلتقط هاتفها وتتصل بملاك: ولا نزال نظلمهم..
وقالت عندما سمعت صوت اجابة على الطرف الآخر: نحن بالخارج يا ملاك..هيا اخرجي..
ازدردت ملاك لعابها لمرات حتى تستطيع ان تنطق حرفا واخيرا قالت بصوت بالكاد ينسمع: حسنا..
واغلقت سماعة الهاتف..ووالتفت الى ما خلفها لتقول لنادين: خذيني الى الخارج.. لا استطيع دفع عجلات المقعد..
كان صوتها خافتا ولكن نادين سمعته لأنها كانت تجلس بالقرب منها.. وتطلعت الى ملاك باشفاق قبل ان تدفع المقعد الى الخارج.. وما ان لمحها مازن وهي تقترب من سيارته حتى اسرع يهبط منها.. ويقول متحدثا الى ملاك: أأساعدك؟..
لم تعترض ملاك.. لانها تشعر ان قواها قد خارت.. وانها غير قادرة على تحريك يدها حتى.. وصداع عنيف اصابها من كثرة البكاء تشعر به يكاد يحطم رأسها ..ومنحته كفاها باستسلام ليعاونها على الجلوس على المقعد.. وعلى الرغم من قربه الشديد لها لم تهتم.. ابيها فقط من كان يسيطر علىمشاعرها وتفكيرها كله في تلك اللحظة..
واخيرا التقط مازن مقعدها ليضعه في صندوق السيارة..ومن ثم يعود ليجلس على مقعد السائق وينطلق بالسيارة..اما ملاك فقد ظلت صامتة طوال الوقت ودموعها تسيل بصمت هي الاخرى على وجنتيها.. والتفتت لها مها قائلة باشفاق: هذا يكفي يا ملاك.. سيكون والدك بخير..
اما مازن فقد تطلع الى ملاك من مرآة سيارته الجانبية وقال: لم البكاء الآن؟.. سنصل بعد قليل الى المشفى وستطمأنين عليه بنفسك..
قالت ملاك بصوت مختنق: انه ابي.. اقرب الناس الي.. واحبهم الى قلبي.. عندما يجرح فقط كانت عيناي تدمعان دون شعور مني.. فكيف تريدونني ان اتوقف عن البكاء.. بعد ان اصيب في حادث سيارة.. والله تعالى وحده يعلم ماذا حدث له الآن.. قد يكون بخير.. وقد يكون...
صمتت ملاك بالرغم منها عندما اختنقت الكلمات في حلقها ..وغطت وجهها بين كفيها لتبكي بحرقة.. فتطلعت لها مها بألم ومن ثم التفتت الى مازن لتقول بهمس: دعها تبكي كما تشاء.. فقد ترتاح قليلا..
زفر مازن بحدة واحس بالاشفاق وهو يسمع صوت شهقات ملاك .. وبعد عشر دقائق من الانطلاق بالسيارة في الشوارع الرئيسية .. وصل مازن اخيرا الى المشفى.. فأوقف سيارته على عجل في احد المواقف.. واخرج مقعد ملاك من صندوق السيارة.. وقال لمها التي كانت تهم بالخروج من السيارة: ساعدي ملاك في الجلوس على مقعدها .. ريثما اذهب للسؤال عن عمي بالاستقبال..
تابعته مها بنظراتها وهو يتجه الى داخل المشفى..وخرجت من السيارة لتخرج مقعد ملاك وتساعدها في الجلوس عليه.. ومن ثم تدفع مقعدها الى الداخل..
كانت ملاك صامتة بشكل غريب.. خوفها على ابيها وهي تشعر انها على بعد خطوات منه.. جعلها تصمت وتغرق في حالة خوف وتفكير..واما من جانب مها.. فقد كانت تبحث عن مازن بعينيها في ردهة الاستقبال..حتى لمحته.. والتفت لها هو بدوره بعد ان انتهى من الحديث الى الموظف.. واشار لهم بأن يتبعانه..
لحقت به مها وهي تدفع مقعد ملاك و تسير بين ممرات المشفى ومن ثم صعدوا جميعهم بالمصعد الى الطابق الثالث.. وهنا تحدثت ملاك قائلة وهي ترفع رأسها الى مازن: ما هو حال ابي؟ ..
ارتبك مازن قليلا ومن ثم قال: لقد سألته عن رقم الغرفة التي بها والدك .. ومنحني اياها..لم اساله عن أي شيء آخر..
تطلعت له مها بشك.. فالارتباك كان واضحا بملامحه وكذلك صوته.. واخيرا فتح باب المصعد فخرجوا منه جميعا .. وهنا فقط شهقت مها بقوة.. فالتفت لها مازن بنظرة عتاب ..فحاولت ان تبدوا طبيعية وهي تدفع مقعد ملاك مرة اخرى.. فالسبب الذي جعلها تشهق بتلك القوة.. كانت اللافتة التي قرأتها عندما دخلت الى الطابق.. (قسم العناية المركزة)..
واشار مازن الى غرفة مجاورة تحمل الرقم 201 وقال: سأتصل بوالدي.. لابد ان يعلم.. وانت يا مها ادخلي معها الى داخل الغرفة لترى والدها..
اخذت ملاك تتنفس بصعوبة.. سترى والدها.. ستراه.. كيف هي احواله؟.. هل هو بخير؟.. لو كان بخير.. لم أتوا به الى هنا؟..شعرت ببرودة تسري باطرافها وسمعت مها تقول في تلك اللحظة: لا استطيع.. انا خائفة..
قال مازن وهو يتطلع لها بلوم: مها لا تخيفي ملاك.. خذيها الى الداخل..
ولما لم يجد منها ردا .. قال وهو يمط شفتيه: فليكن سآخذها أنا .. واتصلي انت بوالدي وكمال لتبلغيهما بما حدث..
اومأت مها برأسها.. في حين اخذ مازن يدفع مقعد ملاك.. وفي ذات اللحظة خرجت الممرضة من غرفة خالد وقالت وهي تتطلع اليهم: ماذا تريدون؟..
اشار مازن لملاك وقال: انها ابنته وتريد ان تراه..
قالت الممرضة بحزم: شخص واحد فقط من سيدخل..
قال مازن بهدوء: فليكن.. ادخلي انت يا ملاك..
التفتت ملاك الى مازن وقالت بصوت خافت: لا استطيع دفع عجلات المقعد.. يداي ترتجفان..
تطلع مازن للمرضة وهو يطلب منها بعينيه ان توافق على دخوله معها.. فقالت بعد ان تفهمت الموقف: اوصلها الى حيث والدها ومن ثم غادر الغرفة.. فهو ليس في حالة تسمح له بالحديث..
اتسعت عينا ملاك وراقبت الممرضة وهي تغادر.. ماذا تعني؟ .. لم قالت انه ليس في حالة تسمح له بالحديث؟.. هل حالته خطيرة الى هذه الدرجة؟.. لم يمهلها مازن وقتا لتتسائل.. فقد ادخلها على الفور الى تلك الغرفة المظلمة التي ينيرها ضوء خافت فحسب.. وساكنة الا من صوت جهاز ضربات القلب..واقترب بها من سرير ابيها وهنا فقط عادت الدموع لتتجمع في عيني ملاك وهي ترى رأس ابيها محاط بالضمادات وجهاز التنفس موصول الى انفه.. والمغذيات قد وصلت الى ذراعيه.. والتفتت الى مازن لتقول ودموعها تسيل على وجنتيها: ماذا به ابي؟..
لم يجبها مازن وازدرد لعابه .. فالتفتت ملاك الى ابيها دون ان تنتظر اجابة من مازن.. ومن ثم التقطت كف والدها وضغطت عليها وهي تقول بصوت باكي: ابي .. انهض.. انا ملاك..صغيرتك.. قد جئت الى هنا لأجلك..هيا انهض..
تساقطت دموعها على كفه وقالت وهي تحاول منع شهقاتها: ابي لماذا لا تجيبني؟.. لا اريد شيئا.. صدقني لا اريد.. لا اريد هاتفا .. لا اريد زيارة منزل عمي.. فقط اريد ان اراك بخير .. اريد ان ارى ابتسامتك.. ارجوك يا ابي.. انهض وتحدث الي .. الى متى ستظل صامتا هكذا؟..
هبط مازن الى مستواها وقال وهو يتنهد: ملاك .. اهدئي.. والدك بحاجة ماسة الى الراحة الآن.. دعيه يرتاح قليلا..
قالها ووضع كفه على كتفها .. فالتفتت له ملاك وهزت رأسها نفيا ومن ثم قالت : لن اتركه.. حتى يعود معي الى المنزل..
والتفتت عنه لتتطلع الى والدها بحب.. ومن ثم تقبل كفه ودموعها لا تزال تبللها..و...
شعرت فجأة بأنامل كف والدها تتحرك..فتطلعت اليه بلهفة وهتفت قائلة: انهض يا ابي.. هذه انا ملاك..
فتح خالد عينيه اخيرا وهمس باسمها قائلا: ملاك..
اسرعت تقول بلهفة وهي تمسح دموعها: اجل ملاك يا ابي.. ملاك ..
اما مازن فقد تطلع الى الموقف مدهوشا.. فحسبما قال له موظف الاستقبال انه لن يفيق الا بعد ان يجروا له عملية نقلة دم.. فقد فقد كمية كبيرة من االدماء في الحادث.. قدتأثر عليه بشكل سلبي.. ولكن قد يكون الموظف مخطئ.. فما ادراه بحالة عمه.. وقال بابتسامة باهتة: حمدلله على السلامة يا عمي..
قال خالد وهو يلتفت الى مازن ويقول بصوت ضعيف: منذ متى وانا هنا؟..
قال مازن بهدوء: منذ ساعة ونصف..
شعر خالد بصداع عنيف يكتنف رأسه .. وهم بقول شيء ما .. لولا ان رأى اشخاص تدخل الى الغرفة.. وسمع صوت امجد وهو يقول: كيف هو حال خالد الآن؟..
اجابه مازن قائلا: لقد افاق منذ قليل.. ولكنه بحاجة الى عملية نقل دم..
قال امجد بعصبية: وفيم التأخير؟..
واسرع يلتفت الى كمال الذي كان يقف عند باب الغرفة مع مها: كمال اذهب لتتحدث الى الطبيب وتسأله عن سبب التأخير ..
اومأ كمال برأسه ايجابيا.. واسرع يبتعد.. في حين قال خالد بصوت خافت وهو يتطلع الى ملاك: اعذريني يا صغيرتي.. لكن هاتفك تحطم اثناء الحادث.. لقد اشتريته لك صباحا..
اسرعت ملاك تقول باكية وهي تضغط على كفه بكل قوة: قليذهب الهاتف الى الجحيم.. لا اريد شيئا يا ابي.. لا اريد سوى ان تعود معي الى المنزل.. وتكون بخير..
قال خالد بشحوب: ولكن يبدوا ان رغبتك الاخرى ستتحقق ..
والتفت الى امجد ليقول بصوت واهن: اعتني بها جيدا يا امجد.. انها امانة في عنقك.. سواء بقيت حيا او فارقت الدنيا..
هتفت ملاك بانفعال وهي تهز رأسها نفيا: لا تقل هذا يا ابي.. انت ستعيش.. ستحيا.. وستقول لي صغيرتي كما اعتدتها دوما منك.. وستمسح دموعي اذا ما بكيت..وستضحك معي اذا ما فرحت..ستعود معي يا ابي.. ستعود..
ابتسم والدها لها ابتسامة شاحبة ومن ثم قال متحدثا الى مازن: ملاك امانة في عنقك يا مازن.. دافع عنها ان حصل لي مكروه..
قال مازن في سرعة: لا تتعب نفسك بالحديث يا عمي.. ثم ان ملاك هي ابنة عمي.. ومن واجبي حمايتها..
قال خالد بصوت خافت: انا اعتمد عليك في ذلك..
ومن ثم تطلع الى مها التي تقترب منهم وقال وهو يشعر بالصداع يتضاعف ويكاد يفقده وعيه: مها.. ملاك تحبك كما لو كنت اخت لها.. فعامليها بالمثل..
لم تستطع مها التفوه بحرف واحد واكتفت بهز رأسها وهي تشعر بغصة المرارة تملأ حلقها..واخيرا التفت خالد الى ملاك.. وشعر انه قد وصل الى قمة اعياءه.. وقال بصوت اقرب الى الهمس وبالكاد يسمع: ستكونين بخير.. معهم .. باذن الله.. يا .. صغيرتي..
واغمض عينيه ليغط في عالم اللاوعي..في حين وضعت ملاك كفها على شفتيها وقالت وهي تهز رأسها بصدمة: لا .. لا .. ابي انت بخير.. ستنهض.. انهض يا ابي.. لقد وعدتني ان تكون معي دائما.. فلم تخلف بوعدك الآن؟..
اسرع امجد يضع يده على كتفها ويضغط عليه برفق ويقول بابتسامة شاحبة: اهدئي يا ملاك.. فبعد ان يتم نقل الدم له.. سينهض والدك وسيكون بخير.. ادعي له فقط..
عضت ملاك على شفتيها بالم.. وسالت دموعها التي احرقت جفنيها من كثرة بكاءها.. واخيرا وصل كمال الى الغرفة وقال : لقد تحدثت الى الطبيب المعالج.. كان سبب تأخيرهم هو عدم وجود كمية كافية من فصيلة الدم لعمي.. ولكني اجريت الفحوصات لأرى ان كانت فصيلتي مطابقة له.. وبعدها سيتم اجراء عملية نقل الدم له..
كانت الثانية التي تمضي عليهم اشبه بالساعة.. وهم يرون الممرضات يدخلون الى الغرفة.. ويطلبون منهم الانصراف ..لينتظروا في الممر.. الصمت كان سيد الموقف.. الا من صوت شهقات ملاك..واخيرا ظهرت نتيجة التحاليل.. بأن فصيلة كمال مطابقة ويمكنهم اجراء عملية نقل دم له على الفور ..
كان مازن يتطلع الى ساعته في كل لحظة.. ومها تحاول التخفيف عن ملاك بشتى الطرق والوسائل.. اما امجد فقد كان يتطلع الى غرفة العمليات ويترقب خروج الطبيب المعالج في أي لحظة.. واخبارهم بأن العملية قد نجحت اخيرا..ولكن الطبيب تأخر.. ثلاث ساعات مرت اشبه بالدهر.. والطبيب لم يخرج بعد.. وكمال يمسك بذراعه في صمت ومن ثم يتطلع الى ملاك بنظرات صامتة.. ملاك التي لم تكن منتبهة لأحد في تلك اللحظة..
وانفتح باب حجرة العمليات بغتة.. ليخرج منه الطبيب وملامحه جامدة.. فاسرع امجد يتوجه له ويقول بلهفة وقلق: كيف حال خالد يا ايها الطبيب؟.. اخبرني.. طمأني عليه..
تنهد الطبيب ومن ثم قال: العملية نجحت..
ابتسامة شقت الشفاه سرعان ما اختفت عندما اردف الطبيب وهو يزدرد لعابه: ولكن الحادث سبب له ضربة قوية برأسه ..كانت السبب في ما هو عليه الآن..
قال امجد بتوتر: ما الذي حدث له؟..
قال الطبيب وهو يتطلع له بنظرات مشفقة: لقد سقط في غيبوبة ..
اتسعت عينا امجد بقوة.. وقال بدهشة: ماذا؟.. لقد كان يتحدث معنا قبل قليل.. أي هراء تتفوه به؟..
قال الطبيب بصوت خافت: ذلك لأنه لم يكن تحت تأثير الغيبوبة بعد.. لكنها الآن قد سيطرت عليه.. واتمنى ان ينهض سريعا منها.. ادعو له بالشفاء..
اسرع كمال يسأله قبل ان يغادر: ما المدة التي يمكن ان يقع تحت تأثير الغيبوبة فيها؟..
هز الطبيب كتفيه ومن ثم قال بأسف: لا احد يعلم.. ربما يوم.. وربما اسبوع او شهر.. وحتى سنة..
وهنا فقط صرخت ملاك هاتفة: مستحيل.. مستحيل.. كل هذا كابوس..ابي بخير.. انت تكذب.. وجميعكم تكذبون.. ابي بخير.. لن يحدث له شيء.. سيعود معي.. اتفهمون؟.. ابي بخير..
هبط مازن الى مستواها وقال بألم: ملاك اهدئي ارجوك..
قالت ملاك بانفعال: لن اهدأ.. انتم تكذبون.. اعيدوا لي ابي.. اعيدوه.. اريد ابي..
كان صوت صراخها يتعالى ويكاد يملأ ارجاء المشفى وقد بدت في حالة هستيرية جعلت دموع مها تسيل خوفا على ملاك.. وحزنا على ما اصاب عمها.. وفي لحظة اجتمعت الممرضات حول ملاك.. ليحملنها بالقوة ويضعونها على الفراش المتحرك وهي تقاومهم بعنف.. وصوت مازن يقول بحدة: اياكم ان تأذوها .. اتفهمون..
هتفت احدى الممرضات بعصبية: ارجوك لا تتدخل .. ستصاب بانهيار عصبي لو لم نحاول ان نمنحها منوما الآن..
اتسعت عينا مازن ورآهم يدخلونها الى احد الغرف الجانبية.. وتسرع احدى الممرضات باعداد المحقن لها.. وملاك لا تزال تصرخ: دعوني اريد ان ارى ابي.. دعوني.. انتم لاتفهمون ..
خفت صوت ملاك فجأة وتثاقل جفناها وهي تراقب مازن يتقدم منها وفي عينه نظرة مبهمة وقالت برجاء:مازن.. دعهم يأخذوني الى ابي..اريد ان اراه.. اتوسل اليك..مـاز...
تثاقل جفناها وانتشر المخدر في جسدها كله لتغمض عيناها بالرغم منها .. وهمست قائلة وهي تتطلع الى آخر مشهد رأته عيناها قبل ان تفقد الوعي: ارجوك.. يا مازن..
همست بها واغمضت عيناها.. لتغيب عن الواقع المر الذي تحياه .. ومن صدمات القدر المتكررة لها..وتطلع لها مازن بألم .. ومن ثم اقترب منها ليمسح على شعرها بكل حنان.. واعتصرت قبضة باردة قلبه.. وهو يراها غائبة عن الوعي ..ووالدها في قد سقط في غيبوبة ..الله تعالى وحد من يعلم .. متى يستيقظ منها...
 
[font=&quot]الجزء السادس عشر[/font][font=&quot]
"عودة"[/font]
[font=&quot]
[/font][font=&quot]فتحت ملاك عيناها فجأة.. وعادت لتسبل جفنيها عندما آذاها ضوء الشمس المنبعث من النافذة.. ولوهلة كانت ستنادي نادين لتعد لها الفطور.. ولكن ذكرى الامس مرت على ذهنها بسرعة خاطفة.. جعل ملامحها تتقلص.. وخفقات قلبها تتوتر. . اما حدث بالامس كان حلما؟؟[/font]
[font=&quot]..
كانت ستأكد لنفسها ذلك لولا ان فتحت عينيها واستغربت المكان التي هي فيه..وعقدت حاجبيها وهي ترى نفسها تنام في غرفة اشبه بغرف المستشفيات..ما الذي جاء بي الى هنا؟ ..
وبغتة عاد اليها صفاء ذهنها.. وتذكرت ما حدث.. تذكرت الامس.. تذكرت اصعب يوم مر عليها في حياتها.. هل كان يوما حقا؟.. خالته عاما.. دهرا..من المستحيل ان يكون ما مر عليها بالامس من احداث هي ساعات فحسب ..
عادت الدموع لتتجمع في عينيها من جديد.. الم تمل من البكاء؟ .. الى متى ستظل تبكي؟.. وهل ستعيد لنا الدموع من فقدناه يوما؟.. قلبها يبكي بدموع من دم.. وعيناها ذرفت بحورا من الدموع..وهي تحاول ابعاد ذكرى الامس عن ذهنها.. كلماته لا تزال عالقة في ذهنها.. وكأنه كان يشعر بأنه سيتركها وحيدة.. فقد وصى الجميع عليها..
آه يا ابي.. العالم كله لا يعوضني دقيقة واحدة اقضيها معك.. اين انت عني الآن ؟.. تركتني وحيدة اصارع العالم وحدي .. كيف لفتاة مثلي ان تواجه كل هذه الطعنات المتكررة من القدر؟.. يا رب.. ارحني من هذا العذاب.. واشفي ابي ..
(قد تجعلنا المصائب نبدوا في عمر اكبر من عمرنا الحقيقي) .. يبدوا وان هذه المقولة صحيحة.. اشعر بأني امرأة تجاوزت الثلاثين.. تحمل على كاهلها هموم الحياة ومصاعبها..اين انت يا ابي الآن؟.. اين انت؟..
عادت الدموع لتسيل على وجنتيها بصمت.. وراودها سؤال وهي في حالها تلك.. الا تجف الدموع ابدا؟.. لو كانت الدموع تجف.. لجفت دموعها منذ زمن.. تشعر بتقلصات في معدتها.. هل هو الخوف على ابيها ام هو القلق من المستقبل المجهول الذي ينتظرها؟..
تلفتت حولها بألم وشاهدت في تلك اللحظة فقط.. مها وهي تعقد ذراعيها امام صدرها وتجلس على مقعد مجاور لفراشها وتغط في نوم عميق..يبدوا وكأنها تشعر بالبرد.. منذ متى وهي هنا؟.. اخذت تراقبها للحظة.. ولكن انطلق رنين هاتف مها المحمول فجأة محطما سكون الغرفة.. ليجعلها تغمض عينيها لتتظاهر بالنوم.. ولتهرب من الواقع ايضا..
اما مها.. فقد انتفضت فجأة عندما انطلق صوت رنين هاتفها.. وجعلها تفتح عينيها بكسل.. وتبحث عنه في حقيبتها.. وهي تشعر بأن ظهرها يؤلمها بسبب نومها على المقعد.. لقد كان يفترض بها ان تبقى الى جوار ملاك.. فقد كانت حالتها لا تبشر بخير.. وحتى اذا استيقظت منتصف الليل فزعة على والدها.. تكون مها على الاقل الى جوارها.. ولكن عيناها خانتاها.. وتثاقل جفنيها لتغط في نوم عميق دون شعور.. لقد كانت ليلة ليلاء بالفعل بعد كل ما حدث لعمهم ولملاك..
اسرعت تلتقط هاتفها من حقيبتها .. وتجيبه بصوت هامس حتى لا توقظ ملاك من نومها كما تظن: من؟..
جاءها صوت حسام وهو يقول بدهشة: من؟.. اول مرة تجيبين علي بهذه الطريقة يا مها.. خلتك رأيت رقم هاتفي..
فركت مها عينيها بتعب وقالت: لقد كنت نائمة..
عقد حسام حاجبيه وتسائل قائلا: الى الآن؟.. حتى الجامعة لم تحضريها اليوم.. ماذا بك؟.. هل انت مريضة؟..
اسرعت مها تقول: لا لست مريضة.. ولكنها ظروف.. ظروف طارئة اجبرتني على التغيب هذا اليوم..
قال حسام متسائلا: اقلقتني يا مها.. ماذا حدث؟..
ترددت مها للحظة ومن ثم قالت وهي تتنهد: عمي خالد.. لقد اصيب بحادث هذا اليوم.. وسبب له غيبوبة مفاجأة..
وعلى الرغم من ان ملاك تدرك الواقع لم تحتمل سماع مثل هذه العبارات التي تذكرها بما اصاب ابيها.. مما جعلها تضع كفها على شفتيها لتمنع شهقة كادت ان تفلت من بين شفتيها.. واشاحت بوجهها بعيدا لتكمل نحيبها الصامت..
اما مها فقد شعرت بحركة ملاك.. ولكنها ظنت انها تتحرك اثناء نومها..وعلى الطرف الآخر قال حسام بصدمة: عمك خالد؟.. والد ملاك؟..
- اجل هو..
واردفت بمرارة: ومنذ ان علمت بالامر.. حتى اصابتها حالة هستيرية.. جعلها تملأ اروقة المشفى صراخا.. واضطرت الممرضات لاعطائها منوما.. تفاديا لأية مضاعفات..
عضت ملاك على شفتيها في تلك اللحظة.. وهل يكفي الصراخ ؟.. هل تكفي الدموع؟.. لأعبر عن مكانة ابي في قلبي..
قال حسام متسائلا: وكيف حالها الآن؟..
قالت مها وهي تتنهد: لا تزال نائمة.. لا اعلم ما الذي سيحدث ان استيقضت وادركت بما حدث؟..
التقطت ملاك انفاسها بصعوبة..نائمة؟؟.. النوم راحة يا مها .. ولست املك هذا الاخير ..وقال حسام في تلك اللحظة: اهتمي بنفسك جيدا يا مها.. وكذلك بملاك.. عند اول فرصة اجدها سآتي الى المشفى.. سلامتهم جميعا..
قالت مها بشحوب: لا داعي لأن تتعب نفسك .. جميعنا معها.. ابي الوحيد الذي غادر قبل قليل فقط لأن لديه عمل هام.. كمال ومازن هنا ايضا.. غادرا الى المنزل ليناما بضع ساعات وعادا من جديد..
قال حسام مشفقا: وانت؟..
رفعت حاجبيها وقالت بحيرة: ماذا بي؟..
قال حسام بصوت حاني: لم ترتاحي منذ الامس..
اسرعت مها تقول: لقد كنت نائمة مع ملاك..
- اين؟..
قالت بحيرة: على المقعد ..
قال حسام وهو يبلل شفتيه بطرف لسانه: ولم لا تعودين الى المنزل وترتاحي قليلا؟..
- وملاك؟.. من سيبقى معها؟..
عقد حسام حاجبيه وقال: الم تقولي ان كمال ومازن موجودين معها؟..
قالت مها مجيبة: بلى.. ولكنهم لن يستطيعوا التصرف مع ملاك .. مثل ما سأفعل.. فأنا فتاة مثل ملاك وافهمها جيدا..
قال حسام مداعبا فقط ليخرج مها من حالة الحزن الذي يسمعها في صوتها: تبدين لي احيانا فتاة طيبة..
قالت مها بضيق: حقا؟.. هل ابدوا لك شريرة الى هذه الدرجة؟ ..
- احيانا فقط..
ابتسمت مها ابتسامة شاحبة عندما علمت من نبرة صوته انه يمازحها ليس الا وقالت: حسنا اذا.. سأغلق الهاتف الآن حتى تعلم كم انا شريرة..
قال مبتسما: جيد انك اعلمتني.. وان كنت ستظلين في نظري مها الطيبة والرقيقة مهما فعلت..
قالت مها بارتباك: حسام.. هل لي بسؤال؟..
كادت ان تسأله عن سبب اختلاف تصرفاته معها في الآونة الاخيرة.. وسبب حديثه المهتم بها.. ولكن قدوم مازن المفاجئ الى الغرفة.. جعلها تشعر بالخجل من التحدث امامه.. وتقول بهدوء: سأتحدث اليك فيما بعد يا حسام.. الى اللقاء..
- كما تشائين.. واذهبي الى المنزل لترتاحي قليلا كما طلبت منك..مع السلامة..
اما مازن فقد قال ساخرا وهو يراها تعيد الهاتف الى حقيبتها: الا يمل من مغازلتك يوميا ؟..
قالت مها بحدة: حسام لا ينطق بكلمة غزل واحدة عكسك تماما .. فأنت الذي...
وضع كفه على شفتيها ليصمتها وقال بصوت خافت: اصمتي.. ملاك نائمة.. ستوقظينها بصراخك هذا..
وابعد كفه عن شفتيها وقال متسائلا: كيف حالها؟..
قالت مها وهي تزفر بحرارة: كما تراها.. لقد ظلت نائمة طوال الليل والى الآن.. وكأنها لا تريد ان تستيقظ وتدرك ما حدث..
اغمضت ملاك عينيها بقوة ..ادركته يا مها وانتهى الامر.. وقال مازن في تلك اللحظة: اخشى ان مكروها قد اصابها..
واسرع يقترب منها ويتطلع اليها.. لقد كان يبدوا له تنفسها طبيعيا تماما.. وان كانت الدموع لم تجف بعد من على وجنتيها ..وقال مستطردا: انها تتنفس.. ولكن لم هي نائمة الى الآن؟ ..
هزت مها رأسها وقالت : لست اعلم..
اسرع مازن يقول: سأنادي الطبيب.. لعله يعلم ما بها..
اسرع يبتعد عن فراش ملاك.. وهذه الاخيرة تتابع خطواته.. وقالت فجأة بصوت خافت جدا: لا داعي..
لم يسمعها مازن.. ولكن مها سمعتها.. وجعلها تقول متحدثة الى مازن: انتظر لحظة..
التفت لها مازن مستغربا.. ورآها تقترب من سرير ملاك وتقول وهي تتطلع اليها بابتسامة مرتبكة: ماذا قلت يا ملاك؟.. هل استيقظت ام انني اتوهم؟..
فتحت ملاك عينيها وادارتهما فيما حولها بلا شعور ومن ثم قالت بصوت خافت: قلت لا داعي..
ابتسمت مها ابتسامة واسعة وقالت وهي تحتضن كفها: حمدلله على سلامتك يا عزيزتي.. اخفتنا عليك كثيرا..
اسرع مازن يقترب بدوره منها ويقول مبتسما: ما هذا يا ملاك؟ .. اكل هذا نوم؟.. الم تنامي منذ اسبوع؟..
طالعته مها بنظرة.. بأن هذا ليس وقته.. ولكن ملاك لم تهتم باجابته.. واكتفت بأن تطلعت اليه ومن ثم انزلت عينيها بلا اهتمام..وارتفع حاجبا مازن بدهشة من نظرات ملاك نحوه.. فبعد ان كان يرى في عينيها اللهفة والخجل حين تراه.. يرى الآن اللامبالاة.. ربما مها معها حق.. ليس هذا وقت المزاح ابدا ..
فتح الباب في تلك اللحظة.. والتفت مازن الى القادم وقال مبتسما: اقترب يا كمال.. لتوها فقط قد نهضت..
اقترب كمال من فراش ملاك.. وتطلع اليها بنظرة غامضة ومن ثم قال بابتسامة: حمدلله على سلامتك يا ملاك..
لم تجبه ملاك وظلت صامتة.. تبادلوا جميعا نظرات الاستغراب فيما بينهم..ولكن مها ادركت ان الصدمة التي واجهتها بالامس اقوى من ان تجعلها تتقبل أي شيء بسهولة.. حتى الحديث مع الناس..
وقالت مها متحدثة وهي تحاول جذبها الى الحديث: اتريدين شيئا يا ملاك؟..
هزت ملاك رأسها نفيا بصمت.. وقالت مها مردفة: ما رأيك ان اعدل لك من وضع الفراش.. حتى ترتاحي في جلوسك؟..
لم تعلق ملاك ولو بحرف وظلت على وجومها ذاك.. وكل ما فعلته انها اخذت تداعب قلادتها.. وتعض على شفتيها بالم ومرارة وحزن عميق.. لا يزال ابيها يحتل القلب وسيظل ..وقال مازن وهو يبحث عن أي موضوع للحديث: لا بد انك جائعة.. سأذهب لأطلب من احدى الممرضات ان تحضر لك اشهى طعام بالمشفى بأكمله..
التفتت مها الى مازن وقالت بابتسامة شاحبة: لم اكن ادرك ان لديك وساطة قوية في المستشفيات ايضا..
غمز مازن بعينه وقال : ها انتذا علمت..
لديهم رغبة في الحديث.. في المزاح.. في الابتسام ..كيف؟ .. اخبروني بالله عليكم كيف؟ ..ربما لانكم لا تكننون لأبي سوى مشاعر قرابة.. وشعور بالواجب تجاهه.. لا تشعرون بكل هذا العذاب الذي اشعر به.. لا تشعرون بالآلام التي تجعلني اكره الحياة.. ذلك لانكم لم تعرفوه عن قرب كما عرفته.. لم تعيشوا معه.. لم تعرفوه الا منذ عشرة ايام تقريبا.. اما انا فأعرفه منذ ثمانية عشرة عاما.. لا تلوموني ان صمت.. وكرهت التحدث اليكم.. لا تلوموني ان آثرت الانطواء على نفسي.. فكل من بقي لي في هذا العالم هو ابي .. وابي قد تركني وحدي.. تركني اعاني كل هذا وحدي...
كانت عيناها الدامعتان تتطلعان الى مها.. وتحاولان ان تشرح لها كل ما يدور بخلدها.. فقالت مها وهي تربت على كتفها: لا عليك يا ملاك..افعلي ما شئت.. نحن نعلم جيدا انه والدك وتحبينه اكثر من العالم كله.. ونعلم ان الصدمة كانت قوية بالنسبة لك.. ولكن كل ما نطلبه منك هو الصبر والايمان.. لا تضعفي.. تمسكي بأمل ان ينهض والدك من غيبوبته يوما.. وعندها ستشعرين بالراحة قليلا.. بدلا من ان تعيشي في هذا العذاب..
عاد مازن في تلك اللحظة وهو يقول للمرضة: ضعي الطعام على الطاولة.. وصدقيني ستصلك الاطباق خالية بعد قليل.. فلا ريب ان ملاك ستلتهم كل شيء من شدة جوعها..
بل لا شيء!.. لا اريد شيئا.. من لديه رغبة في شرب كأس من الماء فحسب بعدما حصل..حركت مها الطاولة قليلا.. ووضعتها امام ملاك التي تطلعت الى الاطباق بلامبالاة.. ومن ثم اشاحت بوجهها بعيدا.. فقالت مها بحيرة: لم لا تأكلين؟.. انت لم تتناولي شيئا منذ الامس..
هزت ملاك رأسها نفيا وكأنها تعلن رفضها عن تناول أي شيء..فأردفت مها قائلة: لقد اخبرنا الاطباء بأنك بحاجة الى التغذية.. فجسمك ضعيف جدا..
وقالت الممرضة التي لم تغادر الغرفة بعد: يجب عليك ان تتناولي شيئا يا آنسة ملاك.. قهذا سيؤثر بالسلب على صحتك..
تطلعت لها ملاك بنظرة خاوية..ومن ثم عادت لتداعب قلادتها من جديد.. وقال مازن باصرار: تناولي شيئا يا ملاك.. لا تكوني عنيدة هكذا..
تطلعت له ملاك وقالت بحدة: لا اريد..
قال مازن وهو يبتسم بزاوية فمه: واخيرا تحدثت.. يالك من عنيدة.. ولكن مع هذا.. لن اتراجع عن ما قلته.. فستتناولين طعامك كله وذلك...
فجأة صرخت ملاك قائلة بانفعال وهي تزيح الاطباخ كلها من على الطاولة : لا اريد شيئا..لا اريد..
تحطمت الاطباق بدوي مزعج وتناثر الطعام والشراب على ارضية الغرفة..وتطلع الجميع الى الموقف مدهوشين.. ومها قد اتسعت عيناها وشهقت بقوة عندما رأت ما حدث.. فقد استغربت هذا التصرف العنيف من فتاة رقيقة كنسمة الهواء مثل ملاك..واردفت ملاك بانفعال اكبر: فقط دعوني وحدي .. اخرجوا جميعا.. اريد البقاء وحدي.. لا اريد احدا هنا.. اخرجوا.. لا اريد ان اراكم.. اريد ابي.. احضروا لي ابي.. اريد ان اراه.. اعيدوه الي..
اسرعت الممرضة تعد محقنا مهدئا في تلك اللحظة .. فقال مازن بسرعة: اياك[/font]
 
[font=&quot]وان تعطيها محقنا آخر من هذا المهدئ اللعين[/font][font=&quot] ..
قالت الممرضة وهي تشير الى ملاك التي تصرخ بقوة وتردد بأنها تريد ابيها: الا ترى حالتها؟.. قد تنهار في اية لحظة..
قال مازن بحدة وهو يبعد يد الممرضة الممسكة بالمحقن: والا تعرفين ايتها الممرضة التي تعملين هنا ربما لسنوات.. بأن اعتيادها على هذه المهدئات قد يجعل جسدها ينهار.. لا شأن لك انت.. انا سأتصرف..
قالت الممرضة بضيق: تصرف انت.. وانا اخلي مسؤوليتي ان اصابها شيء..
واسرعت تغادر الغرفة بحنق.. فابعد مازن مها المذهولة عن فراش ملاك وتقدم منها ليهتف بحدة: اصمتي يا ملاك.. قلت لك اصمتي ..لا داعي لكل هذا الصراخ..لتخبرينا بأنك تودين منا الخروج وتودين رؤية ابيك..
قالت ملاك وهي تهتف بحدة وانفعال: لماذا لا تزالون هنا اذا؟.. اخرجوا.. لا اريد ان ارى احد هنا.. غادروا حالا.. لا اريد رؤيتكم..
قالت مها في تلك اللحظة بخوف: لماذا جعلت الممرضة تنصرف يا مازن.. كيف سنتصرف نحن معها الآن؟..
التفت مازن الى مها وقال بحدة: اصمتي انت الاخرى ايضا..
وامسك بغتة بكتفي ملاك ليهزها بقوة ويهتف فيها قائلا: اهدئي يا ملاك.. وكفي عن صراخك.. سنفعل كل ما تريدينه فقط اهدئي..
عقد كمال ذراعيه امام صدره وقال ببرود: اتظن انك بهذه الطريقة ستهدئ من صراخها حقا؟..
تجاهله مازن وقال مواصلا وهو يخفف من نبرة صوته: اخبريني بما تريدين بهدوء.. وسنفعله في الحال..
توقفت ملاك عن هتافها المنفعل حقا.. واغرورقت عيناها بالدموع لتقول بصوت مختنق: اريد ابي.. اريد ان اراه..
قال مازن بابتسامة شاحبة: سآخذك اليه بنفسي ان اردت..
قالت ملاك غير مصدقة: حقا؟..
اومأ مازن برأسه وقال: اجل.. ولكن بشرط.. ان تتناولي من الطعام ولو القليل.. فأنت لم تتناولي شيئا منذ البارحة..
هزت ملاك رأسها نفيا وقالت: لا اريد..
ابتسم مازن وقال: عدنا للعناد مرة اخرى.. على الاقل اشربي العصير.. موافقة؟..
اومأت ملاك برأسها وهي تمسح دموعها .. فابتسم مازن وهو يترك كتفيها.. فقالت وهي ترفع رأسها له: وستأخذني الى ابي بعدها؟..
- اجل وخذيها وعدا مني..
والتفت الى مها ليقول مبتسما: اطلبي من أي من الممرضات احضار عصير البرتقال الطازج الى ملاك..
اومأت مها برأسها.. وهي في حيرة من امرها مما حدث.. لماذا تحدثت الى مازن بالذات بينما كانت تصمت عن الجميع؟.. لماذا هدأت عندما تحدث اليها مازن؟.. ألمازن كل هذا التأثير عليها؟.. لو كان كذلك.. فهي غارقة في حبه حتى اذنيها.. لم اتوقع يوما ان ملاك ستحب .. ومن ؟.. مازن.. صاحب التجارب العاطفية .. والذي لديه من بدل الفتاة مائة .. لا استطيع سوى ان اقول..اتمنى ان يكون الله في عونك يا ملاك .. ويجعلك يا مازن تقدر هذا الملاك الذي منحتك قلبها ...
وعلى الطرف الآخر عقد كمال حاجبيه بشك.. وهو غير مصدق ان مازن قد تمكن من امتصاص غضب وانفعال ملاك بهدوءه.. في حين التفت له مازن ورفع حاجبيه وشبح ابتسامة يتراقص على شفتيه.. وقال: ماذا كنت تقول قبل قليل؟..
طالعه كمال بنظرة ضيق.. لم يأبه بها مازن وهو يتحدث الى ملاك التي كانت تتطلع من النافذة بشرود: ملاك.. انت تعلمين انك ستعودين الى منزلنا بعد خروجك من هنا اليوم .. صحيح؟ ..
قالت ملاك وهي تلتفت اليه: سأخرج من هنا اليوم؟..
اومأ برأسه ايجابيا.. فأسرعت تقول برجاء: ولكن ليس قبل ان ارى ابي..
قال بابتسامة باهتة: لا تقلقي.. لن نغادر المكان قبل ان آخذك الى والدك.. لتريه وتتحدثي اليه..
قالت ملاك وغصة مرارة تملأ حلقها: وهل سيسمعني ان تحدثت؟ ..
قال مازن وهو يهز كتفيه: ربما من يدري..
واردف بهدوء: وغرفتك التي بمنزلنا لم يتغير فيها شيء.. وكأنك لم تغادريها.. وها انتذا ستشرفينا بجلوسك معنا من جديد..
صمتت ملاك ولم تعلق.. في حين احضرت مها في تلك اللحظة كأس من العصير.. وطبق من الفاكهة..لم تلمس ملاك منهم شيئا .. اللهم الا رشفة من العصير..وبعدها تطلعت ملاك الى مازن وفي عينيها رجاء له .. فقال مبتسما: حسنا.. حسنا.. كما وعدتك.. سآخذك الآن الى ابيك.. هل انت مستعدة؟..
اومأت ملاك برأسها في سرعة .. فقال مبتسما وهو يحرك مقعدها المتحرك من فراشها: اذا هيا.. اجلسي لآخذك اليه على الفور..
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
اغلق فؤاد الهاتف بحركة عصبية.. جعلت عادل يلتفت له ويقول بدهشة: ماذا بك؟..ماذا جرى؟..
قال فؤاد بحدة وعصبية: الاحمق.. الابله.. لم يخبرني بما حدث الا الآن..
ارتفع حاجبا عادل وقال بدهشة: من هو الاحمق؟..وما الذي حدث؟..
قال فؤاد وهو يلوح بكفه بعصبية: ذلك الذي استأجرته لمراقبة خالد.. اتصل الآن ليخبرني انه في اثناء ملاحقته له.. اصطدمت سيارة خالد بسيارة اخرى.. ونقل بعدها خالد الى المشفى ..
قال عادل بصدمة: ماذا تقول؟.. وماذا حدث لخالد بعد ذلك؟ ..
قال فؤاد بضيق: لقد اصيب بغيبوبة..
اتسعت عينا عادل وقال وهو غير مصدق: لابد وانك تمزح..
طالعه فؤاد بضيق ومن ثم قال: لا تقول انك متأثر بسبب ما حدث لخالد..
قال عادل وهو يزفر بحدة: انه شقيقي قبل كل شيء..
قال فؤاد يعصبية: واين كان شقيقك هذا عندما كتب شركته باسم ابنته واملاكه كلها لها؟.. لقد حرمنا من كل شيء بأنانيته.. ومنح ابنته كل شيء..هو لم يهتم بصلة القرابة التي بيننا .. فلم نهتم نحن؟..
واردف غير منتظر اجابة من عادل: وهذا الاحمق الذي استأجرته .. لم يخبرني بما حصل الا الآن.. ذلك لأن الوقت كان متأخرا بالامس عندما حدث الاصطدام وخشى ان يزعجني .. الاحمق..
قال عادل بهدوء: وماذا ستفعل الآن بعد ان اصبحت ملاك فريسة سهلة لك؟..
قال فؤاد بسخط: وماذا افعل بملاك الآن؟.. لقد كنت اريد استخدامها كوسيلة للضغط على خالد.. ولكن الآن خالد راح ضحية غيبوبة لا اعلم متى يستيقظ منها ولا يمكننا الانتظار حتى يستيقظ..
واردف وهو يكور قبضته بغضب: ثم ان ملاك بحكم القانون.. لديها الاهلية التي تخولها لأن تكون وصية عن نفسها .. وهذه هي المشكلة.. لقد اصبح كل شيء في يد ملاك وحدها ..
قال عادل بقلق: هذا يعني ان ملاك وحدها هي من تملك الحق الآن.. في ادارة كل شركات ابيها..واملاكه..
قال فؤاد بعصبية: اجل هذا صحيح.. يالسخرية القدر.. هذه العاجزة تكون مالكة لشركة وعمارتين.. ورصيد كبير في البنك..
قال عادل وهو يزفر بحرارة: اظن ان عليك ان تزيلها من ذهنك .. فلم يعد هناك حل يوصلك لاملاك خالد..
- انت تهذي.. لن اعدم الوسيلة حتى اجعل املاك خالد بين ايدينا..وسأجد هذا الحل قريبا.. فقط انتظر وسترى بنفسك...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
مثل ما دخلتها اول مرة.. شاحبة .. صامتة..بنظرة الحزن التي تملأ عينيها.. والالم والخوف يعتصران قلبها.. وان اختلف شيء فهو انها تعرف وضع ابيها هذه المرة..
ورفعت عيناها لما حولها.. حتى الغرفة لم يتغير فيها شيء ..الضوء الخافت وصوت جهاز ضربات القلب يتكرر بانتظام..وجسد والدها الممدد على الفراش.. والضماد الذي يلف رأسه.. لم يختلف شيء في الغرفة سوى ان المغذيات والاجهزة قد زادعددها..
والتفتت الى مازن الذي يدفع مقعدها وقالت بصوت متقطع: اتظن انه.. سينهض؟..
قال مازن وهو يبتسم لها ليطمئنها: اجل اظن ذلك.. فقط لا تفقدي الامل..وادعي له دائما بأن يشفى ويعود اليك من جديد..
اومأت ملاك برأسها وقالت بشحوب: وهذا ما افعله..
وعادت لتلتفت الى جسد والدها .. والتقطت كفه بيدها لتقول وهي تحاول منع دموعها من ان تسيل على وجنتيها: ابي.. لا اعلم ان كنت تسمعني ام لا.. المهم انني اريد ان اتحدث اليك .. لقد طلبت مني ان اعود الى منزل عمي وسأفعل بناء على رغبتك.. وانت ايضا..سأطلب منك طلبا واتمنى ان تفعله.. كما كنت تفعل دوما.. فلأجلي كنت تنفذ كل ما اطلبه منك..
ابتعد مازن في تلك اللحظة ليترك الحرية لملاك لتتحدث كما تشاء وجلس في ركن من الغرفة.. في حين اردفت ملاك قائلة ودموعها قد عادت لتتساقط: ارجوك يا ابي قاوم ما انت فيه وعد الي.. احتاج اليك.. اكثر من أي شخص آخر.. لا احتمل فكرة ابتعادك عني.. لا احتمل ان ارااك صامتا هكذا.. لأجلي انهض.. وعد الي من جديد..
قبلت كفه وتنهدت بمرارة.. واخذت تمسح دموعها.. وفوجئت بمازن يقول وهو يمد لها يده بمنديل: خذي امسحي دموعك..
ارتفع حاجبا ملاك بدهشة.. لكنها ما لبثت ان اخذت منه المنديل وقالت بصوت باكي: اشكرك..
قال مازن متسائلا: والآن هل نذهب؟..
القت ملاك نظرة اخيرة على والدها ومن ثم قالت متحدثة الى هذا الاخير: سأعود مرة اخرى يا ابي.. سآتي لزيارتك كل يوم تقريبا.. انتظرني..
قالتها وتركت كفه.. فادار مازن مقعد ملاك ليخرج خارج الغرفة.. والتفتت ملاك مرة اخرى على الرغم منها وهي تتطلع الى جسد اباها الذي اخذ يبتعد تدريجيا.. او بمعنى اصح هي التي كانت تبتعد ..وغادرت في تلك اللحظة الغرفة.. فقالت مها التي كانت تنتظرها بالخارج: اتعلمين يا ملاك كم انا سعيدة لانك ستعودين للعيش معنا..
رفعت ملاك عينيها لمها وكادت ان تهم بقول شيء ما لكنها آثرت الصمت.. لا تريد ان تقول انها ليست سعيدة.. لان السبب الذي اعادها الى منزل عمها يبكيها بدموع من دم ..ووجدت نفسها تهبط معهم بالمصعد الى الطابق الارضي ومن ثم يغادرون المشفى متجهين الى المواقف.. وبعدها انطلقت سيارة مازن بملاك ومها.. اما كمال فقد غادر قبلهم بسيارته ..
وقال مازن وهو يتطلع الى الطريق الممتد امامه: مها اتصلي بنادين واطلبي منها ان تعد جميع حاجيات ملاك.. حتى اذهب الى منزل عمي ليلا واحضر لملاك حاجياتها..
اومأت مها برأسها ايجابيا في حين قال مازن متحدثا الى ملاك: اتريدين أي شيء آخر يا ملاك؟..
قالت ملاك بصوت خافت:احضر نادين معك ان استطعت.. ارغب في وجودها معي..
قال مازن بابتسامة: لا عليك.. من اجلك سأستطيع..
قالت مها متسائلة: وماذا عن الخدم الموجودين بمنزل عمي؟..
قال مازن بهدوء: سأمنحم اجازة مفتوحة.. حتى يتعافىعمي ..
اتصلت مها في تلك اللحظة كما طلب منها مازن بنادين.. واخبرتها بأن تعد جميع حاجيات ملاك.. وكذلك تحضر معها أي اشياء ثمينة تخص عمها خالد كذلك..وعندما سألت نادين عن اخبار سيدها..اخبرتها مها بكلمات مقتضبة بما حصل لهذا الاخير..واخيرا طلبت منها ان لا يعلم احد سواها بما حدث من الخدم..وانهت الاتصال بها ..
والتفتت لمازن لتقول وهي تمط شفتيها: هاقد فعلت.. أي اوامر اخرى.. سيد مازن؟..
التفت لها مازن وقال مبتسما: لا..لو احتجت الى أي شيء آخر سأخبرك..
تطلعت له مها بضيق.. في حين تطلع مازن الى ملاك من مرآة السيارة وقال متسائلا: هه.. ماذا تريدين ان تتناولي على طعام العشاء هذا اليوم؟.. نحن الآن مسئولون عنك.. ويجب ان نهتم بغذائك بدلا من الاطباء والممرضات..
قالت ملاك بصوت خافت: لا شيء..
هز مازن كتفيه وقال: كما تريدين.. ولكن غدا لن آخذك الى المشفى..
هتفت ملاك باستنكار: انت تمزح..
قال في سرعة: ابدا لست كذلك.. ان رفضت تناول طعامك .. سأرفض انا ايضا ان آخذك لتري والدك..
قالت ملاك وهي تلتفت الى مها بتردد: وماذا عن سائقكم يا مها.. سيرفض هو ايضا اخذي لأرى ابي..
قالت مها وابتسامة تتراقص على شفتيها: انا مع مازن.. لن اوافق ان تذهبي الى أي مكان.. قبل ان تتناولي طعامك.. جسدك ضعيف جدا.. وبحاجة ماسة الى الغذاء..
آثرت ملاك الصمت.. من اين تأتيها الرغبة لتناول شيء؟.. كيف تمتلك الشهية لتناول طعامها ووالدها ممدد على فراش بالمشفى؟ .. لا تعلم ان كان يشعر بما حوله وهو في الغيبوبة ام لا ..ولكن عليها ان تتحامل على نفسها قليلا لترى والدها .. قد يمنعها مازن حقا من الذهاب ان لم تتناول أي شيء كما قال! ..
اما مها فقد التفتت لملاك وقالت متحدثة الى نفسها: ( احقا انت قلقة يا ملاك؟.. وصدقت ما قاله مازن بهذه السرعة.. انها ليست سوى وسيلة لاجبارك على تناول طعامك.. هل اقول انها براءة منك ان تصدقي ما يقال لك بهذه البساطة؟..ربما يصفونك بالسذاجة.. ولكني حقا لا اراك سوى صورة مجسدة للشفافية والبراءة.. تقولين كل ما بداخلك دون حواجز.. بعكسنا جميعا.. وتعتبرين جميع الناس من حولك مثلك.. الصدق والطيبة وحب الخير والناس هي صفاتهم..)
توقفت السيارة بعدها امام منزل امجد.. وابتسم مازن وهو يوقفها ويهبط منها ..ومن ثم يفتح صندوق السيارة ليخرج مقعد ملاك..ويضعه امام الباب المجاور لها.. وقال وهو يفرده ويساعدها على الجلوس عليه: مرحبا بك من جديد في منزلنا المتواضع..
تطلعت ملاك الى المنزل.. تذكرت اول مرة جاءت فيها الى هنا ..كانت مع ابيها يومها .. انبهرت يومها بالمنزل الذي يشبه القصور حسب قولها.. واليوم ها هي ذي تعود اليه.. ولكن ليس برغبتها بل بطلب من ابيها قبل ان يحدث له ما حدث.. وها هو ذا المشهد يتكرر امام عينيها وهي تدخل الى المنزل.. ولكن هذه المرة لن تستطيع ان تسمع صوت ابيها حتى ..فسيغيب هذه المرة ايضا ولكن لفترة طويلة .. طويلة جدا .. تاركا ملاك بمصير مجهول بعد عودتها هذه...
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛ [/font]
[font=&quot][/font]​
 

مواضيع ذات صلة

الوسوم
الشيءلا حبي فاقد ملاك يعطيه
عودة
أعلى