اشعار فاروق جويدة / متجدد /

لمن أعطي قلبي؟
يا رمال الشط يوما.. خبريها
بعدما تنسى حياتي كيف لا تنساك فيها؟
بين أحضانك عطر وأمان.. أشتهيها
لم أكن يوما غريبا
مثلما قد جئت وحدي أنشد النسيان فيها..
خبريها..
عندما تأتيك يوما خبريها..
ساعة بالقرب منها بحياتي.. أشتريها
* * *
يا نسيم البحر
هل يوما غدوت صلاة شاعر؟
سوف يأتيك الحيارى
يرجمون الخوف كي تحيا المشاعر
ربما تذكر منا بعض أنفاس وشيء من رحيق
وأماني شاحبات النبض كالطفل الغريق
لم يعد في العمر شيء غير قلب.. لا يفيق
* * *
آه يا شط الأمان
آه يا بيتا
رعانا من رياح الخوف
من بطش الزمان
فيك لاح الدهر أما
تمنح الناس الحنان
بين أحضانك يوم
فاق أعمار الزمان
كان يوما
في ليالي الصيف عشت على ضياه
عندما لاحت عيونك
خلف موج البحر طوقا للنجاة
كنت قد عشت سنينا
بين أمواج الحياة
بين عينيك ولدت
كان صوت البحر يا عمري مخاضا
فيه عانقت الحياة
* * *
عندما أحسب عمري ربما أنسى هواك
ربما أشتاق شيئا من شذاك
ربما أبكي لأني لا أراك
إنما في العمر يوم
هو عندي كل عمري
يومها أحسست أني
عشت كل العمر نجما في سماك
خبريني.. بعد هذا
كيف أعطي القلب يوما لسواك؟
 
يأس الطريق
سألت الطريق: لماذا تعبت؟
فقال بحزن: من السائرين
أنين الحيارى ضجيج السكارى
زحام الدموع على الراحلين
وبين الحنايا بقايا أمان
وأشلاء حب وعمر حزين
وفوق المضاجع عطر الغواني
وليل يعربد في الجائعين
وطفل تغرب بين الليالي
وضاع غريبا مع الضائعين
وشيخ جفاه زمان عقيم
تهاوت عليه رمال السنين
وليل تمزقنا راحتاه
كأنا خلقنا لكي نستكين
وزهر ترنح فوق الروابي
ومات حزينا على العاشقين
فمن ذا سيرحم دمع الطريق
وقد صار وحلا من السائرين
همست إلى الدرب: صبرا جميلا
فقال: يئست من الصابرين
 
وتنتحر المنى
ويمضي المساء على جفن درب
تركناه يوما لكأس القدر
تعربد فيه ليالي الصقيع
ووحل الشتاء وموت الزهر
وتمضي الحياة على وجنتيه
كحلم تعثر ثم انتحر
وفوق المقاعد عهد قديم
وأصداء نشوى وطيف عبر
ويبكي الطريق على الراحلين
على من مضى أو جفا أو غدر
* * *
ويمضي المساء على جفن درب
رعانا بدفء كشمس الشتاء
رأينا على شاطئيه الأمان
وحلما يداعبنا في الخفاء
وفي الدرب عشنا ربيع الأماني
سكارى نعانق فيها السماء
شدونا نشيد الهوى للحيارى
وفي الحب تحلو ليالي الغناء
رجعنا إلى الدرب بعد الرحيل
لنرثي عليه بقايا لقاء
* * *
مقاعدنا أطرقت في سكون
وقالت: رجعت لنفس الطريق
فأين لياليك صارت رمادا؟
وأين أمانيك بعد الحريق؟
وأين النسيم يهيم اشتياقا
يعانق في راحتيها الرحيق؟
على الدرب نامت بقايا زهور
وأشلاء غصن وحلم غريق
ولم يبق شيء سوى أغنيات
تساءل في الليل أين الرفيق؟
* * *
ويمضي المساء على جفن درب
توارى مع الحزن بعد الرحيل
وكم عاش يحمل نبض الحياة
كهمس النسيم وظل النخيل
عرفناه ليلا شقي الظلام
رأيناه شمسا تناجي الأصيل
ومهما عشقنا رحيق الأماني
فعمر الأماني قليل.. قليل
* * *
لقد عشت بالحب طفلا صغيرا
رأى في هواك عطاء السنين
فأطلق في راحتيك الليالي
وما كان يدري عذاب السجين
وكان نصيبك ليلا طويلا
وكان نصيبي قلبي الحزين
وجئنا إلى الدرب يوما حيارى
ليسألنا عن زمان الحنين
عشقنا وذبنا عليه اشتياقا
وجئناه نبكي على الراحلين
 
ويبقى السؤال
سئمت الحقيقة..
لأن الحقيقة شيء ثقيل
فأصبحت أهرب للمستحيل
ظلال النهاية في كل شيء
إذا ما عشقنا نخاف الوداع
إذا ما التقينا نخاف الضياع
وحتى النجوم..
تضيء وتخشى اختناق الشعاع
هموم السفينة ترتاح يوما
وتلقي بعيدا.. بقايا الشراع
إذا ما فرحنا.. نخاف النهاية..
إذا ما انتهينا.. نخاف البداية
وما عدت أدرك أصل الحكاية
لأن الحقيقة شيء ثقيل..
* * *
سئمت الحقيقة..
نحب ونشتاق مثل الصغار
ويصحو مع الحب ضوء النهار
ويجعلنا الحب ظلا خفيفا
وتنبض فينا عروق الحياة
وننسى مع القرب لون الخريف
ويبلغ درب الهوى.. منتهاه
ويوما نرى الحب أطلال عمر
وتصرخ فينا.. بقايا دماه
* * *
سئمت الحقيقة..
شباب يحلق بالأمنيات
يباهي به العمر كالمعجزات
ويسقط يوما كوجه غريب
يطارد عمرا من الذكريات
نقامر بالعمر.. يحلو الرهان
نريد الأماني.. فيأبى الزمان
ونحمل للظل لحنا قديما
نعيش عليه الخريف الطويل
وندرك بين رماد الأماني
بأن الحقيقة.. شيء ثقيل
* * *
سئمت الحقيقة..
تشرد قلبي زمانا طويلا
وتاه به الدرب وسط الظلام
حقيقة عمري خوف طويل
تعلمت في الخوف ألا أنام
نخاف كثيرا
عيون ينام عليها السهر
نخاف الحياة.. نخاف الممات
نخاف الأمان.. نخاف القدر
وأوهم نفسي..
بأن الحياة شيء جميل
وأن البقاء.. من المستحيل
* * *
سئمت الحقيقة..
فما زلت أعرف أن الحياة
ومهما تمادت سراب هزيل
وما زلت أعرف أن الزمان
ومهما تزين.. قبح جميل
وأعرف أني وإن طال عمري
سأنشد يوما.. حكايا الرحيل
وأعرف أني سأشتاق يوما
يضاف لأيام عمري القليل
ونغدو ترابا..
يبعثر فينا الظلام الكسيح
ونصبح كالأمس ذكرى حديث
تراتيل عشق لقلب جريح
وفي الصمت نصبح شيئا كريها
وأشلاء نبض لحلم ذبيح
وتهدأ فينا رياح الأماني
وبين الجوانح.. قد تستريح
ونغدو بقايا..
تطوف علينا فلول الذئاب
فتترك للأرض بعض البقايا
وتترك للناس بعض التراب
حقيقة عمري بعض التراب
وتلك الحقيقة.. شيء ثقيل
* * *
سئمت الحقيقة..
فما عدت أملك في الأرض شيئا
سوى أن أغني..
وأوهم نفسي بأني.. أغني
وأحفر في اليأس نهر التمني
لتسقط يوما تلال الظلام
وينساب كالصبح صوت المغني
وأوهم نفسي..
ببيت صغير لكل الحيارى
يلم البقايا.. ويأوي الطريد
رغيف من الخبز.. ساعات فرح
وشطآن آمن.. وعش سعيد
وأوهم نفسي بعمر جديد
فأبني القصور بعرض البحار..
وأعبر فيها الليالي القصار
وأوهم نفسي..
بأن الحياة قصيدة شعر
وألحان عشق.. ونجوى ظلال
وأن الزمان قصير.. قصير
وأن البقاء محال.. محال
تعبت كثيرا من السائلين
وما زال عندي نفس السؤال
لماذا الحقيقة شيء ثقيل؟
لماذا الهروب من المستحيل؟
سئمت الحقيقة..
لأن الحقيقة شيء ثقيل
 
جاء السحاب بلا مطرمازال يركض بين أعماقى
جواد جامح..
سجنوه يوما فى دروب المستحيل
ما بين أحلام الليالى
كان يجرى كل يوم ألف ميل
وتكسرت أقدامه الخضراء
وانشطرت خيوط الصبح فى عينيه واختنق الصهيل
من يومها ...
وقوافل الأحزان ترتع فى ربوعى
والدماء الخضر فى صمت تسيل
من يومها....
والضوء يرحل عن عيونى
والنخيل الشامخ المقهور
فى فزع يئن .. ولا يميل
ما زالت الأشباح
تسكر من دماء النيل
فلتخبرينى كيف يأتى الصبح
والزمن الجميل
فأنا وأنت سحابتان تحلقان
على ثرى وطن بخيل
من أين يأتى الحلم
والأشباح ترتع حولنا
وتغوص فى دمنا
سهام البطش .. والقهر الطويل
من أين يأتى الصبح
والليل الكئيب على نزيف عيوننا
يهوى التسكع .. والرحيل
من أين يأتى الفجر
والجلاد فى غرف الصغار
يعلم الأطفال
من سيكون منهم قاتل
ومن القتيل
لا تسألينى الآن عن زمن جميل
أنا لا أحب الحزن
لكن كل أحزانى جراح
أرهقت قلبى العليل
ما بين حلم خاننى
ضاعت أغانى الحب
وانطفأت شموس العمر
وانتحر الأصيل
لكنه قدرى
بأن أحيا على الأطلال
أرسم فى سواد الليل
قنديلا وفجرا شاحبا
يتوكآن على بقايا العمر
والجسد الهزيل
إنى أحبك
كلما تاهت خيوط الضوء عن عينى
أرى فيك الدليل
إنى أحبك
لا تكونى ليلة عذراء
نامت فى ضلوعى
ثم شردها الرحيل
إنى أحبك
لا تكونى مثل كل الناس
عهدا زائفا
أو نجمة ضلت وتبحث عن سبيل
داويت أحزان القلوب
غرست فى وجه الصحارى
ألف بستان ظليل
والآن جئتك خائفا
نفس الوجوه
تعود مثل السوس
تنخر فى عظام النيل
نفس الوجوه
تطل من خلف النوافذ
تنعق الغربان .. يرتفع العويل
نفس الوجوه
على الموائد تأكل الجسد النحيل
نفس الوجوه
تطل فوق الشاشة السوداء
تنشر سمها
ودماؤنا فى نشوة الأفراح
من فمها تسيل
نفس الوجوه
الآن تقتحم العيون
كأنها الكابوس فى حلم ثقيل
نفس الوجوه
تعون كالجرزان تجرى خلفنا
وأمامنا الجلاد .. والليل الطويل
لا تسألينى الآن عن زمن جميل
أنا لا ألوم الصبح
إن ولى وودع أرضنا
فالصبح لا يرضى هوان العيش
فى وطن ذليل
أنا لا ألوم النار إن هدأت
وصارت نخوة عرجاء
فى جسد عليل
أنا لا ألوم النهر
إن جفت شواطئة
وأجدب زرعه
وتكسرت كالضوء في عينيه
أعناق النخيل
مادامت الأشباح تسكر
من دماء النيل
فلا تسألينى الآن
عن زمن جميل
 
وما زال عطرك

وإن صرت ليلا.. كئيب الظلال
فما زلت أعشق فيك النهار..
وإن مزقتني رياح الجحود..
فما زال عطرك عندي المزار
أدور بقلبي على كل بيت
ويرفض قلبي جميع الديار..
فلا الشط لملم جرح الليالي
ولا القلب هام بسحر البحار..
فما زال يعشق.. فيك النهار..
 
حتى الحجارة .. أعلنت عصيانها ..
حجر عتيق فوق صدر النيلِ
يصرخُ في العراء ..
يبكي في أسى
ويدور في فزع
ويشكو حزنهُ للماء ..
كانت رياح العري تلفحهُ فيحني رأسهُ
ويئنُ في ألمٍ وينظرُ للوراء ..
يتذكرُ المسكينُ أمجادَ السنينِ العابراتِ
على ضفافٍ من ضياء ..
يبكي على زمنٍ تولَّى
كانت الأحجارُ تيجاناً وأوسمةً
تزيِّنُ قامةَ الشرفاء ..
يدنو قليلاً من مياهِ النهرِ يلمَسُها
تعانقُ بؤسَهُ
يترنَّحُ المسكينُ بين الخوفِ والإعياء ..
ويعودُ يسألُ
فالسماءُ الآن في عينيهِ ما عادت سماء ..
أين العصافيرُ التي رحلَت
وكانت كلما هاجت بها الذكرى
تحِنُّ الى الغناء ..
أين النخيلُ يعانقُ السُّحبَ البعيدةَ
كلما عبَرتْ على وجهِ الفضاء ..
أين الشراعُ على جناحِ الضوءِ
والسفر الطويل .. ووحشة الغرَباء ..
أين الدموعُ تطلُّ من بين المآقي
والربيعُ يودع الأزهارَ
يتركها لأحزانِ الشتاء ..
أين المواويلُ الجميلةُ
فوق وجهِ النيلِ تشهد عُرسَهُ
والكون يرسمُ للضفاف ثيابها الخضراء ..
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يبكي في العراء ..
حجرٌ ولكن من جمودِ الصَّخرِ ينبتُ كبرياء ..
حجرٌ ولكن في سوادِ الصَّخرِ قنديلٌ أضاء ..
حجرٌ يعلمنا مع الأيامِ درساً في الوفاء ..
النهرُ يعرفُ حزنَ هذا الصامت المهموم
في زمنِ البلادةِ .. والتنطُّعِ .. والغباء ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ في العراء ..
قد جاءَ من أسوان يوماً
كان يحملُ سرَّها
كالنورِ يمشي فوق شطِّ النيلِ
يحكي قصَّةَ الآباءِ للأبناء ..
في قلبهِ وهجٌ وفي جنبيهِ حلمٌ واثقٌ
وعلى الضفافِ يسيرُ في خُيلاء ..
ما زالَ يذكرُ لونهُ الطيني
في ركبِ الملوكِ وخلفَهُ
يجري الزمانُ وتركعُ الأشياء ..
حجرٌ من الزَّمنِ القديم
على ضفافِ النيلِ يجلسُ في بهاء ..
لمحوهُ عندَ السدِّ يحرسُ ماءهُ
وجدوهُ في الهرمِ الكبيرِ
يطلُّ في شممٍ وينظرُ في إباء ..
لمحوهُ يوماً
كان يدعو للصلاةِ على قبابِ القدسِ
كان يُقيمُ مئذنةً تُكَبِّرُ
فوقَ سد الأولياء ..
لمحوهُ في القدس ِ السجينةِ
يرجُمُ السفهاء ..
قد كانَ يركضُ خلفَهم مثل الجوادِ
يطاردُ الزمن الردئَ يصيحُ فوق القدسِ
يا اللهُ .. أنتَ الحقُّ .. أنتَ العدلُ
أنتَ الأمنُ فينا والرجاء ..
لا شئَ غيركَ يوقفُ الطوفان
هانت في أيادي الرجسِ أرضُ الأنبياء ..
حجرٌ عتيقٌ في زمانِ النُّبلِ
يلعنُ كلَّ من باعوا شموخَ النهرِ
في سوقِ البغاء ..
وقفَ الحزينُ على ضفافِ النهرِ يرقُبُ ماءَهُ
فرأى على النهرِ المُعذَّبِ
لوعةً .. ودموعَ ماء ..
وتساءَلَ الحجرُ العتيقُ
وقالَ للنهرِ الحزينِ أراكَ تبكي
كيفَ للنهرِ البكاء ..
فأجابهُ النهرُ الكسيرُ
على ضفافي يصرخُ البؤساء ..
وفوقَ صدري يعبثُ الجهلاء ..
والآن ألعَنُ كلَّ من شربوا دماءَ الأبرياء ..
حتى الدموعُ تحجَّرت فوقَ المآقي
صارت الأحزانُ خبزَ الأشقياء ..
صوتُ المَعاولِ يشطُرُ الحجرَ العنيدَ
فيرتمي في الطينِ تنزفُ من مآقيهِ الدماء ..
ويظلُّ يصرُخُ والمعاولُ فوقَهُ
والنيلُ يكتمُ صرخةً خرساء ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدرِ النيلِ يبكي في ألمْ ..
قد عاشَ يحفظُ كلَّ تاريخِ الجدودِ وكم رأى
مجدَ الليالي فوقَ هاماتِ الهرمْ ..
يبكي من الزَّمنِ القبيحِ
ويشتكي عجزَ الهِمَم ..
يترنَّحُ المسكينُ والأطلالُ تدمي حولَهُ
ويغوصُ في صمتِ الترابِ
وفي جوانحهِ سأم ..
زمن بنى منهُ الخلود وآخَرٌ
لم يبْقَ منهُ سوى المهانةُ والندم ..
كيفَ انتهَى الزَّمنُ الجميلُ
الى فراغٍ .. كالعَدَمْ ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ
بعدَ أنْ سَئِمَ السكوتْ ..
حتى الحجارةُ أعلنَت عِصيانَها
قامَت على الطرُقاتِ وانتفضَت
ودارت فوقَ أشلاءِ البيوت ..
في نبضِنا شئٌ يموت ..
في عزمِنا شئٌ يموت ..
في كلِّ حجَرٍ على ضفافِ النهرِ
يرتَعُ عنكبوت ..
في كلِّ يومٍ في الرُّ بوعِ
الخُضرِ يولَدُ ألفُ حوت ..
في كلِّ عُشٍّ فوقَ صدرِ النيلِ
عصفورٌ يموت ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ
لم يزلْ في الليلِ يبكي كالصغارِ
على ضفافِ النيلْ ..
ما زالَ يسألُ عن رفاق ٍ
شاركوهُ العمرَ والزَّمنَ الجميل ..
قد كانت الشطآنُ في يوم ٍ
تُداوي الجرحَ تشدو أغنياتِ الطيرِ
يطربُها من الخيلِ الصهيل ..
كانت مياهُ النيلِ تَعشقُ
عطرَ أنفاسِ النخيل ..
هذي الضفافُ الخُضرُ
كم عاشَت تُغَنّي للهوى شمسَ الأصيل ..
النهرُ يمشي خائراً
يتسكَّعُ المسكينُ في الطُرُقاتِ
بالجسَدِ العليل ..
قد علَّموهُ الصَّمتَ والنسيانَ
في الزمنِ الذّليل ..
قد علَّموا النهرَ المُكابرَ
كيفَ يأنسُ للخُنوعِ
وكيفَ يركَعُ بين أيدي المستحيلْ ..
* * *
حجرٌ عتيقٌ فوق صدر النيلِ يصرخُ في المدى ..
الآن يلقيني السماسرةُ الكبارُ الى الرَّدى ..
فأموتُ حزناً
لا وداعَ .. ولا دُموعَ .. ولا صَدى ..
فلتسألوا التاريخَ عنِّي
كلُّ مجدٍ تحت أقدامي ابتدا ..
أنا صانعُ المجدِ العريقِ ولم أزل
في كلِّ رُكنٍ في الوجودِ مُخلَّدا ..
أنا صحوةُ الانسانِ في ركبِ الخُلودِ
فكيفَ ضاعَت كلُّ أمجادي سُدَى ..
زالت شعوبٌ وانطوَتْ أخبارُها
وبقيتُ في الزَّمنِ المكابِرِ سيِّدا ..
كم طافَ هذا الكونُ حولي
كنتُ قُدّاساً .. وكنتُ المَعبدا ..
حتى أطَلَّ ضياءُ خيرِ الخَلقِ
فانتفَضَت ربوعي خشيةً
وغدوتُ للحقِّ المثابرِ مسجدا ..
يا أيُّها الزَّمنُ المشوَّهُ
لن تراني بعدَ هذا اليومِ وجهاً جامِدا ..
قولوا لهُم
إنَّ الحجارةَ أعلنَت عِصيانَها
والصامِتُ المهمومُ
في القيدِ الثقيلِ تمرَّدا ..
سأعودُ فوقَ مياهِ هذا النَّهرِ طيراً مُنشِدا ..
سأعودُ يوماً حينَ يغتسلُ الصباحُ
البكرُ في عينِ النَّدى ..
قولوا لهُم
بينَ الحجارةِ عاشقٌ
عرِفَ اليقينَ على ضفافِ النيلِ يوماً فاهتدى ..
وأحبَّهُ حتى تَلاشَى فيهِ
لم يعرِف لهذا الحبِّ عُمراً أو مدى ..
فأحبَّهُ في كلِّ شئ ٍ
في ليالي الفرحِ في طعمِ الرَّدَى ..
مَن كانَ مثلي لا يموتُ وإنْ تغيَّرَ حالُهُ
وبدا عليهِ .. ما بدا ..
بعضُ الحجارةِ كالشموس ِ
يَغيبُ حيناً ضوؤُها
حتى إذا سَقَطَت قِلاعُ الليلِ وانكسرَ الدُّجى
جاءَ الضياءُ مغرِّدا ..
سيظلُّ شئٌ في ضميرِ الكونِ يُشعِرُني
بأنَّ الصُّبحَ آتٍ .. أنَّ موعِدهُ غدا ..
ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا ..
ليَعودَ فجرُ النيلِ من حيثُ ابتدا ..
 
شهداؤنا
شهداؤنا بين المقابر يهمسون..
والله إنا قادمون..
في الأرض ترتفع الأيادي..
تنبُت الأصوات في صمت السكون..
والله إنا راجعون..
تتساقط الأحجار يرتفع الغبار..
تضيء كالشمس العيون..
والله إنا راجعون..
شهداؤنا خرجوا من الأكفان..
وانتفضوا صفوفًا، ثم راحوا يصرخون..
عارٌ عليكم أيها المستسلمون..
وطنٌ يُباع وأمةٌ تنساق قطعانا..
وأنتم نائمون..
شهداؤنا فوق المنابر يخطبون..
قاموا إلى لبنان صلوا في كنائسها..
وزاروا المسجد الأقصى..
وطافوا في رحاب القدس..
واقتحموا السجون..
في كل شبر..
من ثرى الوطن المكبل ينبتون..
من كل ركن في ربوع الأمة الثكلى..
أراهم يخرجونْ..
شهداؤنا وسط المجازر يهتفونْ..
الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..
الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..
الله أكبر منك يا زمن الجنونْ..
****
شهداؤنا يتقدمونْ..
أصواتهم تعلو على أسوار بيروت الحزينة..
في الشوارع في المفارق يهدرونْ..
إني أراهم في الظلام يُحاربونْ..
رغم انكسار الضوء..
في الوطن المكبل بالمهانة..
والدمامة.. والمجون..
والله إنا عائدون..
أكفاننا ستضيء يومًا في رحاب القدسِ..
سوف تعود تقتحم المعاقل والحصونْ..
****
شهداؤنا في كل شبر يصرخونْ..
يا أيها المتنطعونْ..
كيف ارتضيتم أن ينام الذئب..
في وسط القطيع وتأمنونْ؟
وطن بعرْض الكون يُعرض في المزاد..
وطعمة الجرذان..
في الوطن الجريح يتاجرون..
أحياؤنا الموتى على الشاشات..
في صخب النهاية يسكرون..
من أجهض الوطن العريق..
وكبل الأحلام في كل العيون..
يا أيها المتشرذمون..
سنخلص الموتى من الأحياء..
من سفه الزمان العابث المجنون..
والله إنا قادمون..
"ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا
بل أحياء عند ربهم يرزقون"
****
شهداؤنا في كل شبر..
في البلاد يزمجرونْ..
جاءوا صفوفًا يسألونْ..
يا أيها الأحياء ماذا تفعلونْ..
في كل يوم كالقطيع على المذابح تصلبونْ..
تتنازلون على جناح الليل..
كالفئران سرًّا للذئاب تهرولونْ..
وأمام أمريكا..
تُقام صلاتكم فتسبحونْ..
وتطوف أعينكم على الدولارِ..
فوق ربوعه الخضراء يبكي الساجدونْ..
صور على الشاشاتِ..
جرذان تصافح بعضها..
والناس من ألم الفجيعة يضحكونْ..
في صورتين تُباع أوطان، وتسقط أمةٌ..
ورؤوسكم تحت النعالِ.. وتركعونْ..
في صورتين..
تُسلَّم القدس العريقة للذئاب..
ويسكر المتآمرون..
****
شهداؤنا في كل شبر يصرخونْ..
بيروت تسبح في الدماء وفوقها
الطاغوت يهدر في جنونْ..
بيروت تسألكم أليس لعرضها
حق عليكم؟ أين فر الرافضونْ؟
وأين غاب البائعونْ؟
وأين راح.. الهاربونْ؟
الصامتون.. الغافلون.. الكاذبونْ..
صمتوا جميعًا..
والرصاص الآن يخترق العيونْ..
وإذا سألت سمعتَهم يتصايحونْ..
هذا الزمان زمانهم..
في كل شيء في الورى يتحكمونْ..
****
لا تسرعوا في موكب البيع الرخيص فإنكم
في كل شيء خاسرونْ..
لن يترك الطوفان شيئًا كلكمْ
في اليم يومًا غارقون..
تجرون خلف الموتِ
والنخَّاس يجري خلفكم..
وغدًا بأسواق النخاسة تُعرضونْ..
لن يرحم التاريخ يومًا..
من يفرِّط أو يخونْ..
كهاننا يترنحونْ..
فوق الكراسي هائمونْ..
في نشوة السلطان والطغيانِ..
راحوا يسكرونْ..
وشعوبنا ارتاحت ونامتْ..
في غيابات السجونْ..
نام الجميع وكلهم يتثاءبونْ..
فمتى يفيق النائمونْ؟
متى يفيق النائمون؟.
 
وطني لا يسمع أحزاني
الحزن يطارد عنواني
وسألت الناس عن السلوى..
عن شيء يهزم أحزاني
عن يوم أرقص بالدنيا
أو فرح يسكر وجداني
قالوا: أفراحك أوهام
ماتت كرحيق البستان
ودموعك بحر في وطن
لا يعرف حزن الإنسان
* * *
كانت أحلاما يا قلبي..
أن يسقط سجن مدينتنا
أنقاضا.. فوق السجان
أن تخرس أصوات حبلى
بالخوف تطارد عنواني
كانت أحلاما يا قلبي..
أن أصبح فيك مدينتنا
إنسانا.. مثل الإنسان!
* * *
صلبوا الأحلام على قلبي..
فغدوت طريدا من نفسي
يأس في الليل يطاردني..
من ينقذ نفسي من يأسي..
فالخوف يطارد خطواتي
وتشد الأرض على قدمي
تستنكر موت الكلمات
والدرب الصامت يسألني
أن أنبش يوما.. عن ذاتي
تحت الأنقاض غدت شبحا
ورفاتا بين الأموات
يا ويحي.. بين الأموات!
* * *
قالوا: في بطن مدينتنا
عراف يكتب أدعية
ويلم الجرح.. ويشفيه
ويداوي الناس إذا تعبوا..
والحائر منهم يهديه
جاء العراف يعاتبني:
في قلبك شيء.. تخفيه؟!
فأجبت: دموعي أحلام
وضلال أجهل ما فيه
في جوف ظلام مدينتنا
نحي الإنسان.. و نفنيه
ويموت كثيرا وكثيرا
إن شئنا يوما نبعثه
ويعود النبض.. ونحييه
ما أسهل أن تحفر قبرا
صوتي يتآكل في نفسي
من منكم يوما.. يحميه؟
من يأخذ عمري.. عاما
من يأخذ مني.. أعواما
لأعيش بصوتي.. أياما؟
صوتي يتآكل في قلبي!!!
كانت أحلاما يا قلبي
أن يسقط سجن مدينتنا
أنقاضا فوق السجان
أن أصبح فيك مدينتنا
إنسانا.. مثل الإنسان
 
قلب شاعر
و نظل تحملنا السنين
يوما إلى الأحزان تأخذنا
و آخر للحنين..
يا رب كيف خلقتنا
الحب درب البائسين
قد نستريح من العذاب
قد ندفن الأحزان في لحن يردده الهوى
أو نظرة تنساب في ذكرى.. عتاب
أو دمعة نبكي بها حلم الشباب
* * *
يا رب..
ما عاد طيف الحب يحملنا
إلى همس المشاعر
فالحب أصبح سلعة
كالخبز.. كالفستان أو مثل السجائر!
أما أنا..
فقد كنت أحمل في حنايا الروح
يوما.. قلب شاعر
الحب عندي كان أجمل ما يقال
و الشعر في عمري تلاشى.. كالظلال
و غدوت مثل الناس أحمل كل شيء..الحب عندي.. و الصداقة.. و الوفاء..
كالخبز.. كالفستان كالأضياف في وقت المساء
و نسيت أني كنت يوما
أحمل الخفقات في قلب كبير
و بأن حبي كان في الأعماق
كالطفل الصغير
* * *
و وجدت نفسي أنتهي..
و غدت حياتي كالضباب
أسير فيها.. كالغريب
و نسيت أني كنت يوما شاعرا
و بأن حبي كان في الأعماق بحرا ثائرا
و بأنني أصبحت ذا قلب عجوز
لا شيء عندي
غير ذكرى.. أو حكايات قديمة
أو همسة مرت مع الأيام
أو شكوى.. عقيمة
أو دمعة تهتز في عيني
و يخفيها نداء.. الكبرياء
أو بسمة كانت تحلق
في حياتي.. كالضياء
ماذا أقول و أنت يا قلبي تموت
عد للحياة
يكفيك في الدنيا صفاء الروح أو همس المشاعر
لا تنس يا قلبي بأنك ذات يوم كنت.. شاعر
 
غدا.. نحب
جاء الرحيل حبيبتي جاء الرحيل..
لا تنظري للشمس في أحزانها
فغدا سيضحك ضوؤها بين النخيل
ولتذكريني كل يوم عندما
يشتاق قلبك للأصيل
وستشرق الأزهار رغم دموعها
وتعود ترقص مثلما كانت على الغصن الجميل
* * *
ولتذكريني كل عام كلما
همس الربيع بشوقه نحو الزهر
أو كلما جاء المساء معذباً
كي يسكب الأحزان في ضوء القمر
عودي إلى الذكرى وكانت روضة
نثر الزمان على لياليها الزهر؟
إن كانت الشمس الحزينة قد توارى دفؤها
فغدا يعود الدفء يملأ بيتنا
والزهر سوف يعود يرقص حولنا
لا تدعي أن الهوى سيموت حزنا.. بعدنا
فالحب جاء مع الوجود وعاش عمرا.. قبلنا
وغدا نحب كما بدأنا من سنين.. حبنا
 
وعشقتُ غيري ؟
وأتيتَ تسأل ياحبيبي عن هوايا
هل مايزال يعيش في قلبي ويسكن في الحنايا؟
هل ظل يكبر بين أعماقي ويسري..في دمايا؟
الحبُ ياعمري..تمزقه الخطايا
قد كنتَ يوماً حب عمري قبل ان تهوى..سوايا
***
أيامُك الخضراء ذاب ربيعُها
وتساقطت أزهاره في خاطري..
يامن غرسَت الحب بين جوانحي ..
وملكت قلبي واحتويت مشاعري
للملمت بالنسيان جرحي ..بعدما
ضيعت أيامي بحلم عابر..
*****
لو كنت تسمع صوت حبك في دمي
قد كان مثل النبض في أعماقي
كم غارت الخفقاتُ من همساته..
كم عانقته مع المنى أشواقي
***
قلبي تعلم كيف يجفو ..من جفاني
وسلكت درب البعد ..والنسيانِ
قد كان حبك في فؤادي روضة
ملأت حياتي بهجة ..وأغاني
وأتى الخريف فمات كل رحيقها
وغداالربيع..ممزقَ الأغصان
***
مازال في قلبي رحيقُ لقائنا
من ذاق طعمَ الحب..لا ينساه..
ماعاد يحملني حنيني للهوى
لكنني أحيا..على ذكراهُ
قلبي يعود إلي الطريق ولا يرى
في العمر شيئاً..غيرطيف صبانا
أيام كان الدربُ مثل قلوبنا..
نمضى عليه..فلا يملُ خطانا
 
من ليالي..الليلة أجلس يا قلبي خلف الأبواب
أتأمل وجهي كالأغراب
يتلون وجهي لا أدري
هل ألمح وجهي أم هذا.. وجه كذاب
مدفأتي تنكر ماضينا
والدفء سراب
تيار النور يحاورني
يهرب من عيني أحيانا
ويعود يدغدغ أعصابي
والخوف عذاب
أشعر ببرودة أيامي
مرآتي تعكس ألوانا
لون يتعثر في ألوان
والليل طويل والأحزان
وقفت تتثاءب في ملل
وتدور وتضحك في وجهي
وتقهقه تعلو ضحكاتها بين الجدران
* * *
الصمت العاصف يحملني خلف الأبواب
فأرى الأيام بلا معنى
وأرى الأشياء.. بلا أسباب
خوف وضياع في الطرقات
ما أسوأ أن تبقى حيا..
والأرض بقايا أموات
الليل يحاصر أيامي..
ويعود ويعبث في الحجرات..
فالليلة ما زلت وحيدا
أتسكع في صمتي حينا
تحملني الذكرى للنسيان
أنتشل الحاضر في ملل
أتذكر وجه الأرض.. ولون الناس
هموم الوحدة.. والسجان
* * *
سأموت وحيدا
قالت عرافة قريتنا ستموت وحيدا
قد أشعل يوما مدفأتي
فتثور النار.. وتحرقني
قد أفتح شباكي خوفا
فيجيء ظلام يغرقني
قد أفتح بابي مهموما
كي يدخل لصا يخنقني
أو يدخل حارس قريتنا
يحمل أحكاما وقضايا
يخطئ في فهم الأحكام
يطلق في صدري النيران
فيعود يلملم أشلائي
ويظل يصيح على قبري
أخطأت وربي في العنوان
* * *
الليلة أجلس يا قلبي.. والضوء شحيح
وستائر بيتي أوراق مزقها الريح
الشاشة ضوء وظلال و الوجه قبيح
الخوف يكبل أجفاني فيضيع النوم
والبرد يزلزل أعماقي مثل البركان
أفتح شباكي في صمت..
يتسلل خوفي يغلقه
فأرى الأشباح في كل مكان
أتناثر وحدي في الأركان
* * *
الليلة عدنا أغرابا والعمر شتاء
فالشمس توارت في سأم
والبدر يجيء بغير ضياء..
أعرف عينيك وإن صرنا بعض الأشلاء
طالت أيامي أم قصرت فالأمر سواء
قد جئت وحيدا للدنيا
وسأرحل مثل الغرباء
قد أخطئ فهم الأشياء
لكني أعرف عينيك
في الحزن سأعرف عينيك
في الخوف سأعرف عينيك
في الموت سأعرف عينيك
عيناك تدور فأرصدها بين الأطياف
أحمل أيامك في صدري
بين الأنقاض.. وحين أخاف
أنثرها سطرا.. فسطورا
أرسمها زمنا.. أزمانا
قد يقسو الموج فيلقيني فوق المجداف
قد يغدو العمر بلا ضوء ويصير البحر بلا أصداف
لكني أحمل عينيك..
قالت عرافة قريتنا
أبحر ما شئت بعينيها لا تخشى الموت
تعويذة عمري عيناك
* * *
يتسلل عطرك خلف الباب
أشعر بيديك على صدري
ألمح عينيك على وجهي
أنفاسك تحضن أنفاسي والليل ظلام
الدفء يحاصر مدفأتي وتدور الناي
أغلق شباكي في صمت.. وأعود أنام
الغربة
 
مرثية حلم
دعني وجرحي فقد خابت أمانينا
هل من زمان يعيد النبض يحيينا
يا ساقي الحزن لا تعجب في وطني
نهر من الحزن يجري في روابينا
كم من زمان كئيب الوجه فرقنا
واليوم عدنا ونفس الجرح يدمينا
جرحي عميق خدعنا في المداوينا
لا الجرح يشفى ولا الشكوى تعزينا
كان الدواء سموما في ضمائرنا
فكيف جئنا بداء كي يداوينا
* * *
هل من طبيب يداوي جرح أمته
هل من إمام لدرب الحق يهدينا
كان الحنين إلى الماضي يؤرقنا
واليوم نبكي على الماضي ويبكينا
من يرجع العمر منكم من يبادلني
يوما بعمري ونحيي طيف ماضينا
إنا نموت فمن بالحق يبعثنا
لم يبق شيء سوى صمت يواسينا
صرنا عرايا أمام الناس يفزعنا
ليل تخفى طويلا في مآقينا
صرنا عرايا وكل الأرض قد شهدت
أنا قطعنا بأيدينا أيادينا
* * *
يوما بنينا قصور المجد شامخة
والآن نسأل عن حلم يوارينا
أين الإمام رسول الله يجمعنا
فاليأس والحزن كالبركان يلقينا
دين من النور بين الخلق جمعنا
ودين طه ورب الناس يغنينا
يا جامع الناس حول الحق قد وهنت
فينا المروءة أعيتنا مآسينا
بيروت في اليم ماتت قدسنا انتحرت
ونحن في العار نسقي وحلنا طينا
بغداد تبكي وطهران يحاصرها
بحر من الدم بات الآن يسقينا
هذي دمانا رسول الله تغرقنا
هل من زمان بنور العدل يحمينا
أي الدماء شهيد كلها حملت
في الليل يوما سهام القهر تردينا
القدس في القيد تبكي من فوارسها
دمع المنابر يشكو للمصلينا
حكامنا ضيعونا حينما اختلفوا
باعوا المآذن والقرآن والدينا
حكامنا أشعلوا النيران في غدنا
ومزقوا الصبح في أحشاء وادينا
مالي أرى الخوف فينا ساكنا أبدا
ممن نخاف ألم نعرف أعادينا؟
أعداءنا من أضاعوا السيف من يدنا
وأودعونا سجون الليل تطوينا
أعداؤنا من توارى صوتهم فزعا
والأرض تسبى وبيروت تنادينا
أعدائنا أوهمونا آه كم زعموا
وكم خدعنا بوعد عاش يشقينا
قد خدرونا بصبح كاذب زمنا..
فكيف نأمل في يأس يمنينا
* * *
أي الحكايا ستروى عارنا جلل
نحن الهوان وذل القدس يكفينا
من باعنا خبروني كلهم صمتوا
والأرض صارت مزانا للمرابينا
هل من زمان نقي يف ضمائرنا
يحيي الشموخ الذي ولى فيحيينا
يا ساقي الحزن دعني إنني ثمل
إنا شربناه قهرا ما بأيدينا
عمري شموع على درب المنى احترقت
والعمر ذاب وصار الحلم سكينا
كم من ظلام ثقيل عاش يغرقنا
حتى انتفضنا فمزقنا دياجينا
العمر في الحلم أودعناه من زمن
والحلم ضاع ولا شيء يعزينا
كنا نرى الحق نورا في بصائرنا
والآن للزيف حصن في مآقينا
كنا إذا ما توارى الحلم عانقنا
حلم جديد يغني في روابينا
كنا إذا خاننا فرع نقطعه
وفوق أشلاءه تمضي أغانينا
كنا إذا ما استكان النور في دمنا
في الصبح ننسى ظلاما عاش يطوينا
كنا إذا اشتد فينا اليأس وانكسرت
منا السيوف ونادانا.. منادينا
عدنا إلى الله عل الله يرحمنا
والآن نخجل منه من معاصينا
الآن يرجف سيف الزور في يدنا
فكيف صارت كهوف الزيف تؤوينا
هل من زمان يعيد السيف مشتعلا
لا شيء والله غير السيف يبقينا
يا خالد السيف لا تعجب ففي زمني
باعوا المآذن والقرآن راضينا
هم من ترابك يا ابن العاص في دمنا
ثأر طويل لهيب العار يكوينا
قم يا بلال وأذن صمتنا عدم
كل الذي كان طهرا لم يعد فينا
هل من صلاح بسيف الحق يجمعنا
في القدس يوما فيحييها.. و يحيينا
هل من صلاح يداوي جرح أمته
ويطلع الصبح نارا من ليالينا
هل من صلاح الشعب هده أمل
ما زال رغم عناد الجرح يشفينا
هل من صلاح يعيد السيف في يدنا
ولتبتروها فقد شلت أيادينا
* * *
حزني عنيد وجرحي أنت يا وطني
لا شيء بعدك مهما كان.. يغنينا
إني أرى القدس في عينيك ساجدة
تبكي عليك وأنت الآن تبكينا
آه من العمر جرح عاش في دمنا
جئنا نداويه يأبى أن يداوينا
ما زال في العين طيف القدس يجمعنا
لا الحلم مات ولا الأحزان تنسينا
لا القدس عادت ولا أحلامنا هدأت
وقد نموت وتحيينا أمانينا
ما أثقل العمر.. لا حلم ولا وطن..
ولا أمان ولا سيف... ليحمينا
 
لمن أعطي قلبي؟
يا رمال الشط يوما.. خبريها
بعدما تنسى حياتي كيف لا تنساك فيها؟
بين أحضانك عطر وأمان.. أشتهيها
لم أكن يوما غريبا
مثلما قد جئت وحدي أنشد النسيان فيها..
خبريها..
عندما تأتيك يوما خبريها..
ساعة بالقرب منها بحياتي.. أشتريها
* * *
يا نسيم البحر
هل يوما غدوت صلاة شاعر؟
سوف يأتيك الحيارى
يرجمون الخوف كي تحيا المشاعر
ربما تذكر منا بعض أنفاس وشيء من رحيق
وأماني شاحبات النبض كالطفل الغريق
لم يعد في العمر شيء غير قلب.. لا يفيق
* * *
آه يا شط الأمان
آه يا بيتا
رعانا من رياح الخوف
من بطش الزمان
فيك لاح الدهر أما
تمنح الناس الحنان
بين أحضانك يوم
فاق أعمار الزمان
كان يوما
في ليالي الصيف عشت على ضياه
عندما لاحت عيونك
خلف موج البحر طوقا للنجاة
كنت قد عشت سنينا
بين أمواج الحياة
بين عينيك ولدت
كان صوت البحر يا عمري مخاضا
فيه عانقت الحياة
* * *
عندما أحسب عمري ربما أنسى هواك
ربما أشتاق شيئا من شذاك
ربما أبكي لأني لا أراك
إنما في العمر يوم
هو عندي كل عمري
يومها أحسست أني
عشت كل العمر نجما في سماك
خبريني.. بعد هذا
كيف أعطي القلب يوما لسواك؟
 
ويخدعنا الزمن!
مضينا مع الدهر بعض الليالي
فجاء إلينا بثوب جديد
وأنواع عطر ونجم صغير
يداعبنا بالمنى من بعيد
وألحان عشق تذوب اشتياقا
وكأس وليل وأيام عيد
ونام الزمان على راحتينا
بريئا بريئا كطفل وليد
وقام يزمجر وحشا جسورا
ويعصف فينا بقلب حديد
فأحرق في الثوب عطر الأماني
وألقى علينا رياحا تبيد
وقال: أنا الدهر أغفو قليلا
ولكن بطشي شديد.. شديد
فأعبث بالناس ضوءا وظلا
وساعات حزن وأنسام غيد
وأمنحهم أمنيات عذابا
يعيشون فيها حياة العبيد
وألقي بهم في ظلام كئيب
وأسخر من كل حلم عنيد
غدا في التراب يصيرون صمتا
وتمضي الليالي على ما أريد
وأمضي على كل بيت أغني
تطوف الكؤوس بوهم.. جديد
 
دائما.. أنت بقلبي
قبل أن يرحل في يأس هوانا
قبل أن تنهار في خوف خطانا
قبل أن أبحث عنك بين أنقاض صبانا
خبريني.. كيف ألقاك إذا تاهت رؤانا
وانطوت أحلامنا الثكلى رمادا.. في دمانا
في زمان ماتت البسمة فيه
وغدا العمر.. هوانا؟
خبريني..
عندما يصبح بيتي في جنون الليل
أشلاء عبير
منهك الأنفاس كالطفل الصغير
كيف ألقاك إذا صارت أمانينا
دماء في غدير
نشرب الأحزان منها
تقتل الأفراح فينا والضمير؟
* * *
من سنين عشت يا عمري
أخاف من الضياع
عندما أدفن بعضي
في سحابات وداع
عندما أشعر أني
صرت أنقاض شعاع
عندما تغدو أمانينا
فتاة بين أحضان الظلام
عندما يغرق قلبي
في دموع لا تنام
عندما أصبح شيئا
كسطور ساقطات كفتات.. من كلام
ربما أبحث عنك بين أحضان كتاب
ربما ألقاك في ذكرى.. عتاب
ربما ألقاك في عمري سراب
ربما أسمع عنك من حكايات صحاب
عندما يصيح قلبي
بين خوف الناس كالأرض الخراب
ربما ألقاك في الأرض الخراب
آه يا دنياي من نفسي تذوب بين الخراب!!
سوف ألقاك ضياء
في عيون الناس يغتال الدموع
رغم كل الحزن يغتال الدموع
سوف ألقاك حياة
في زمن ميت الأنفاس ممسوخ الرفات
سوف ألاقاك عبيرا بين يأس الناس
عذب الأمنيات
دائما أنت بقلبي
رغم أن الأرض ماتت
رغم أن الحلم.. مات
ربما ألقاك يوما في دموع الكلمات!!
 
ربما أنساك
و حملت في وسط الظلام حقيبتي..
و على الطريق تعددت أنغامي
و أخذت أنظر للطريق معاتبا..
كيف انتهت بين الأسى أيامي
شرفاتك الخضراء كم شهدت لنا
نظرات شوق صاخب الأنغام
و الآن جئتك و السنين تغيرت
و غدوت وحدي في دجى الأيام
* * *
و على الطريق هناك بعد وداعنا
رجع الفؤاد محلقا بسماك
و أتيت وحدي كنت أنت رفيقتي
بالدرب يوما كيف طال جفاك؟
و هربت من طيف الغرام تساءلت
عيناي عنك و كيف ضاع هواك؟
و على الطريق رأيت طيفا هاربا
يجري ورائي هاتفا.. كالباكي
طيف الهوا يبكي لأني قلتها
قد قلت يوما ربما أنساك!
* * *
و على الطريق هناك ضوء خافت
ينساب في حزن الزهور الباكية
فأثار في قلبي حنينا.. قد مضى
لشباب عمري للسنين الخالية
و على رصيف الدرب حامت مهجتي
سكرى تحدق في الربوع الغالية
فهنا غرسنا الحب يوما هل ترى..
حفظ التراب رحيق ذكرى بالية؟
فرأيت آثار اللقاء و لم تزل
فوق التراب دموع عين.. باكية
و على الطريق رأيت كل حكايتي
هل أترك الدرب القديم ينادي
و أسير وحدي والحياة كأنها
نغمات حزن صامت بفؤادي؟
طال الطريق و بالطريق حكاية
بدأت بفرحي.. و انتهت.. بسهادي!.
 
الوسوم
اشعار جويدة فاروق متجدد
عودة
أعلى