اشعار فاروق جويدة / متجدد /

في هذا الزمن المجنون
لا أفتح بابي للغرباء
لا أعرف أحدا
فالباب الصامت نقطة ضوء في عيني
أو ظلمة ليل أو سجان
فالدنيا حولي أبواب
لكن السجن بلا قضبان
والخوف الحائر في العينين
يثور ويقتحم الجدران
والحلم مليك مطرود
لا جاه لديه ولا سلطان
سجنوه زماناً في قفص
سرقوا الأوسمة مع التيجان
وانتشروا مثل الفئران
أكلوا شطآن النهر
وغاصوا في دم الأغصان
صلبوا أجنحة الطير
وباعوا الموتى والأكفان
قطعوا أوردة العدل
ونصبوا ( سيركاً ) للطغيان
في هذا الزمن المجنون
إما أن تغدوا دجالاً
أوتصبح بئراً من أحزان
لا تفتح بابك للفئران
كي يبقى فيك الإنسان !
 
في رحاب الحسين
في الأفق تهفو دمعتان
والقلب يخفق بين أشلائي فتسري آهتان
وحبيبتي وسط الزحام حمامة
مهزومة الأشواق
غصن أسقطته الريح من عمر الزمان
الأرض ضاقت حولنا
ما عاد للعشاق في الدنيا مكان
القلب يحضن بين أشلائي بقايا من أمل
وهمست فيه بحسرة: ما زلت تحتضن الأمل؟!
حلم لقيط تاه منا في خريف
اليأس يلقيه على الدرب المخيف
وحبيبتي ضوء حزين خلف قضبان الظلال
وربيعها المهزوم عدل منهك الأنفاس في ليل الضلال
عمر ترنح فوق درب الحزن
حلم ينزوي خلف المحال
وحملت قلبي في سكون
والدمع نار في الجفون
الحلم مقطوع اليدين
وأنا أداري الدمعتين
همست عيون حبيبتي:
هيا لنشكو.. للحسين..
* * *
أنا في رحابك كلما ضاق الزمان
أو ضاع مني الصبر أو تاه الأمان
أترى رأيت حبيبتي؟!
جئنا إليك لنشتكي الأحزان في زمن الهوان
كل الذي نبغيه بيت يجمع الأشلاء من هذا الطريق
في كل درب تسرق الأحلام ينتحر البريق
ويضيع العمر منا في الطرقات
نسأل يا زمان الكفر والجهل العميق
بالله خبرنا متى يوما تفيق؟!
جئنا إليك لنشتكي
فوق الطريق ينام عشاق المدينة
ينبت الأبناء كالأعشاب في بئر السنين
فوق الطريق ننام بالأشواق بالعمر الحزين
وعلى دموع الدرب نفترش الأسى
ما أطول الأحزان في عمر الحيارى الضائعين
* * *
جئنا رحابك يا حسين
جئنا إليك لنشتكي أرضا
رحيق العمر فيها للغريب
تعطي الدموع لأهلها
والفرح فيها.. للغريب
وتعلم الأحباب من ثدي الأسى طعم الجحود
أن يخنق الإنسان صوت حنينه
أن يقتل النجوى وتحترق العهود
أن تصعق الأحلام آلاف السدود
ونعيش نبكي الحظ.. نشكو دائما ظلم الوجود...
أقدارنا جاءت بنا
لا نملك التبديل في أقدارنا
نحيا.. ونعشق.. نغرس الأحلام في أرض المنى
ننسى ونهجر تعبث الأشواق بين دمائنا
ونقابل الفرح الغريب على مشارف بيتنا
ومع ابتسامة أجمل الأيام يسقط.. حلمنا
وإذا سألت الناس يوما عن حكاية عمرنا
قالوا وهمس الخوف يهدر.. عاصفا:
أقدارنا جاءت بنا
أقدارنا جاءت بنا
جئنا رحابك يا حسين
جئنا لنسأل ربنا
لم قد كتبت الحب يا ربي
إذا كان الفراق يصيح دوما.. بيننا؟
ما عاد في الدنيا مكان يجمع الأشلاء
يمنحنا الأمان.. أو المنى
جئنا إليك لنشتكي
هل نشتكي أقدارنا
أن نشتكي أوطاننا
أم نشتكي أحلامنا
أن نشتكي أيامنا
أم نشتكي...... أم نشتكي..... أم نشتكي؟...
* * *
صوت ينادي من بعيد
وحبيبتي كالنور تسأل هل ترى خبر سعيد؟
هل نجمع الأشلاء والحب الطريد
ما زلت أحلم رغم طول اليأس بالبيت الجديد
الصوت يعلو في الضريح
شيخ.. يصيح
هيا انتهى وقت الزيارة
الصوت يعلو في الضريح
هيا انتهى وقت الزيارة للضريح
الحلم بين يدي ذبيح
الحلم بين يدي ذبيح!!!
 
وطني لا يسمع أحزاني
الحزن يطارد عنواني
وسألت الناس عن السلوى..
عن شيء يهزم أحزاني
عن يوم أرقص بالدنيا
أو فرح يسكر وجداني
قالوا: أفراحك أوهام
ماتت كرحيق البستان
ودموعك بحر في وطن
لا يعرف حزن الإنسان
* * *
كانت أحلاما يا قلبي..
أن يسقط سجن مدينتنا
أنقاضا.. فوق السجان
أن تخرس أصوات حبلى
بالخوف تطارد عنواني
كانت أحلاما يا قلبي..
أن أصبح فيك مدينتنا
إنسانا.. مثل الإنسان!
* * *
صلبوا الأحلام على قلبي..
فغدوت طريدا من نفسي
يأس في الليل يطاردني..
من ينقذ نفسي من يأسي..
فالخوف يطارد خطواتي
وتشد الأرض على قدمي
تستنكر موت الكلمات
والدرب الصامت يسألني
أن أنبش يوما.. عن ذاتي
تحت الأنقاض غدت شبحا
ورفاتا بين الأموات
يا ويحي.. بين الأموات!
* * *
قالوا: في بطن مدينتنا
عراف يكتب أدعية
ويلم الجرح.. ويشفيه
ويداوي الناس إذا تعبوا..
والحائر منهم يهديه
جاء العراف يعاتبني:
في قلبك شيء.. تخفيه؟!
فأجبت: دموعي أحلام
وضلال أجهل ما فيه
في جوف ظلام مدينتنا
نحي الإنسان.. و نفنيه
ويموت كثيرا وكثيرا
إن شئنا يوما نبعثه
ويعود النبض.. ونحييه
ما أسهل أن تحفر قبرا
صوتي يتآكل في نفسي
من منكم يوما.. يحميه؟
من يأخذ عمري.. عاما
من يأخذ مني.. أعواما
لأعيش بصوتي.. أياما؟
صوتي يتآكل في قلبي!!!
كانت أحلاما يا قلبي
أن يسقط سجن مدينتنا
أنقاضا فوق السجان
أن أصبح فيك مدينتنا
إنسانا.. مثل الإنسان
 
و تحترق الشموع
أترى ستجمعنا الليالي كي نعود.. و نفترق؟
أترى تضيء لنا الشموع و من ضياها.. نحترق؟
أخشى على الأمل الصغير بان يموت.. و يختنق
اليوم سرنا ننسج الأحلاما
و غدا سيتركنا الزمان حطاما
و أعود بعدك للطريق لعلني أجد العزاء..
و أظل أجمع من خيوط الفجر
أحلام المساء
و أعود أذكر كيف كنا نلتقي
و الدرب يرقص كالصباح المشرق
و العمر يمضي في هدوء الزئبق
شيء إليك يشدني
لم أدر ما هو.. منتهاه؟
يوما أراه نهايتي
يوما أرى فيه الحياة
آه من الجرح الذي
يوما ستؤلمني.. يداه
آه من الأمل الذي
ما زلت أحيا في صداه
و غدا سيبلغ منتهاه
* * *
الزهر يذبل في العيون
و العمر يا دنياي تأكله.. السنون
و غدا على نفس الطريق سنفترق
و دموعنا الحيرى تثور.. و تختنق
فشموعنا يوما أضاءت دربنا
و غدا مع الأشواق فيها نحترق
 
تمهل قليلا.. فإنك يوم
تمهل قليلا فإنك يوم
ومهما أطلت وقام المزار
ستشطرنا خلف شمس الغروب
وترحل بين دموع النهار
وتترك فينا فراغا وصمتا
وتلقي بنا فوق هذا الجدار
وتشتاق كالناس ضيفا جديدا
وينهي الرواية.. صمت الستار
وتنسى قلوبا رأت فيك حلما
فهل كل حلمٍ ضياءٌ... ونار
ترفق قليلا ولا تنس أني
أتيت إليك وبعضي دمار
لأني انتظرتك عمرا طويلا
فتشت عنك خبايا البحار
وغيرت لوني وأوصاف وجهي
لبست قناع المنى المستعار
وجئت إليك بخوف قديم
لألقاك قبل رحيل القطار
* * *
تمهل قليلا..
ودعني أسافر في مقلتيها
وأمحو عن القلب بعض الذنوب
لقد عشت عمرا ثقيل الخطايا
وجئت بعشي وخوفي أتوب
ظلال من الوهم قد ضيعتنا
وألقت بنا فوق أرض غريبة
على وجنتيها عناء طويل
وبين ضلوعي جراح كئيبة
وعندي من الحب نهر كبير
تناثرت حزنا على راحتيه
ويوما صحوت رأيت الفراق
يكبل نهر الهوى من يديه
وقالوا أتى النهر حزنا عجوز
تلال من اليأس في مقلتيه
توارت على الشط كل الزهور
ومات الربيع على ضفتيه
تمهل قليلا..
سيأتي الحيارى جموعا إليك
وقد يسألونك عن عاشقين
أحبا كثيرا وماتا كثيرا
وذابا مع الشوق في دمعتين
كأنا غدونا على الأفق بحرا
يطوف الحياة بلا ضفتين
أتيناك نسعى ورغم الظلام
أضأنا الحياة على شمعتين
* * *
تمهل قليلا..
كلانا على موعد بالرحيل
وإن خدعتنا ضفاف المنى
لماذا نهاجر مثل الطيور
ونهرب من حلم في صمتنا
يطاردنا الخوف عند الممات
ويكبر كالحزن في مهدنا
لماذا نطارد من كل شيء
وننسى الأمان على أرضنا
ويحملنا اليأس خلف الحياة
فنكره كالموت أعمارنا
* * *
تمهل قليلا.. فإنك يوم
غدا في الزحام ترانا بقايا
ونسبح في الكون ذرات ضوء
وينثرنا الأفق بعض الشظايا
نحلق في الأرض روحا ونبضا
برغم الرحيل.. و قهر المنايا
أنام عبيرا على راحتيها
وتجري دماها شذى في دمايا
وأنساب دفئا على وجنتيها
وتمضي خطاها صدى في خطايا
وأشرق كالصبح فجرا عليها
واحمل في الليل بعض الحكايا
وأملأ عيني منها ضياءا
فتبحث عمري.. وتحيي صبايا
هي البدء عندي لخلق الحياة
ومهما رحلنا لها منتهايا
* * *
تمهل قليلا.. فإنك يوم
وخذ بعض عمري وأبقى لديك
ثقيل وداعك لكننا
ومهما ابتعدنا فإنا إليك
ستغدو سحابا يطوف السماء
ويسقط دمعا على وجنتيك
ويمضي القطار بنا والسفر
وننسى الحياة وننسى البشر
ويشطرنا البعد بين الدروب
وتعبث فينا رياح القدر
ونبقيك خلف حدود الزمان
ونبكيك يوما كل العمر
 
شيء سيبقى بيننا
أريحيني على صدرك
لأني متعب مثلك
دعي اسمي وعنواني وماذا كنت
سنين العمر تخنقها دروب الصمت
وجئت إليك لا أدري لماذا جئت
فخلف الباب أمطار تطاردني
شتاء قاتم الأنفاس يخنقني
وأقدام بلون الليل تسحقني
وليس لدي أحباب
ولا بيت ليؤويني من الطوفان
وجئت إليك تحملني
رياح الشك.. للإيمان
فهل أرتاح بعض الوقت في عينيك
أم أمضي مع الأحزان
وهل في الناس من يعطي
بلا ثمن.. بلا دين.. بلا ميزان؟
* * *
أريحيني على صدرك
لأني متعب مثلك
غدا نمضي كما جئنا..
وقد ننسى بريق الضوء والألوان
وقد ننسى امتهان السجن والسجان..
وقد نهفو إلى زمن بلا عنوان
وقد ننسى وقد ننسى
فلا يبقى لنا شيء لنذكره مع النسيان
ويكفي أننا يوما.. تلاقينا بلا استئذان
زمان القهر علمنا
بأن الحب سلطان بلا أوطان..
وأن ممالك العشاق أطلال
وأضرحة من الحرمان
وأن بحارنا صارت بلا شطآن..
وليس الآن يعنينا..
إذا ما طالت الأيام
أم جنحت مع الطوفان..
فيكفي أننا يوما تمردنا على الأحزان
وعشنا العمر ساعات
فلم نقبض لها ثمنا
ولم ندفع لها دينا..
ولم نحسب مشاعرنا
ككل الناس.. في الميزان
 
الشاطئ الخالي
ورجعت في نفس المكان
وأخذت أرتقب الرياح تهزني
والشاطئ الخالي يضيق من الدخان
وتخيلت عيناي يوم لقاءنا
قد كان في هذا المكان
قد مر عام منذ كان لقاؤنا أو ربما عامان
إني نسيت العمر بعدك والزمان
كل الذي ما زلت أذكره لقاء حائر
وأصابع نامت عليها مهجتان
و لقاء أنفاس لعل رحيقها
ما زال يسري حائرا بين.. الرمال
والموج يسمع بعض ما نحكي و يمضي.. في دلال
كم كنت ألقي بين شعرك مهجتي
فيغيب مني العمر في هذي الظلال
والشمس يحضنها السحاب.. مودعا
لكن.. على أمل جديد باللقاء
فغدا تعود الشمس تلقي رأسها فوق السماء
لكننا يوما تعانقنا وسرنا في الظلام
والصمت ينطق في عيونك.. بالكلام
ثم افترقنا عندما اقترب المساء
وعلى جبين الليل نام الضوء وافترش السماء
ومضيت يا عمري. وقلت إلى اللقاء
* * *
ورجعت في نفس المكان
وأخذت أسأل كل يوم عنك موج البحر.. أنفاس الرمال.
أحلام أيامي ترنح طيفها
وهوت على صخر المحال..
الشاطئ الخالي تساءل في خجل
أتراك تبحث عن رفيق العمر عن طيف الأمل..
يا عاشقا عصفت به ريح الشجن
وتبعثرت أيامه الحيرى وتاهت في الزمن
لو كنت أسرعت الخطى
لوجدت من تهوى.. وفي نفس المكان..
عادت ولكن بعدما أضحى لغيرك عمرها
وهناك فوق الصخرة الزرقاء جاءت..
كي تداعب طفلها..!
 
طاوعني قلبي.. في النسيان
عادت أيامك في خجل
تتسلل في الليل وتبكي خلف الجدران
الطفل العائد أعرفه
يندفع ويمسك في صدري
يشعل في قلبي النيران
هدأت أيامك من زمن
ونسيتك يوما لا أدري
طاوعني قلبي.. في النسيان
عطرك ما زال على وجهي
قد عشت زمانا أذكره
وقضيت زمانا أنكره
والليلة يأتي يحملني
يجتاح حصوني.. كالبركان
اشتقتك لحظة..
عطرك قد عاد يحاصرني
أهرب.. و العطر يطاردني
وأعود إليه أطارده
يهرب في صمت الطرقات
أقترب إليه أعانقه
امرأة غيرك تحمله
يصبح كرماد الأموات
عطرك طاردني أزمانا
أهرب.. أو يهرب.. وكلانا
يجري مصلوب الخطوات
* * *
اشتقتك لحظة.. و أنا من زمن خاصمني
نبض الأشواق
فالنبض الحائر في قلبي
أصبح أحزانا تحملني
وتطوف سحابا.. في الأفاق
أحلامي صارت أشعارا
ودماء تنزف في أوراق
تنكرني حينا.. أنكرها
وتعود دموعا في الأحداق
قد كنت حزينا.. يوم نسيتك..
يوم دفنتك في الأعماق
قد رحل العمر وأنسانا
صفح العشاق..
لا أكذب إن قلت بأني
اشتقتك لحظة..
بل أكذب إن قلت بأني
ما زلت أحبك مثل الأمس
فاليأس قطار يلقينا لدروب اليأس
والليلة عدت ولا أدري لما جئت الآن
أحيانا نذكر موتانا.. و أنا كفنتك في قلبي.. في ليلة عرس
* * *
والليلة عدت
طافت أيامك في خجل
تعبث في القلب بلا استئذان
لا أكذب إن قلت بأني
اشتقتك لحظة..
لكني لا أعرف قلبي
هل يشتاقك بعد الآن؟!
 
وأنت الحقيقة لو يعلمون
يقولون عني كثيرا كثيرا
وأنت الحقيقة لو يعلمون
لأنك عندي زمان قديم
أفراح عمر وذكرى جنون
وسافرت أبحث في كل وجه
فألقاك ضوءا بكل العيون
يهون مع البعد جرح الأماني
ولكن حبك لا.. لا يهون
* * *
أحبك بيتا تواريت فيه
وقد ضقت يوما بقهر السنين
تناثرت بعدك في كل بيت
خداع الأماني وزيف الحنين
كهوف من الزيف ضمت فؤادي
وآه من الزيف لو تعلمين
* * *
لماذا رجعت زمانا توارى
وخلف فينا الأسى والعذاب
بقاياي في كل بيت تنادي
قصاصات عمري على كل باب
فأصبحت أحمل قلبا عجوزا
قليل الأماني كثير العتاب
* * *
لماذا رجعت وقد صرت لحنا
يطوف على الأرض بين السحاب؟
لماذا رجعت وقد صرت ذكرى
ودنيا من النور تؤوي الحيارى
وأرضا تلاشى عليها المكان؟
لماذا رجعت وقد صرت لحنا
ونهرا من الطهر ينساب فينا
يطهر فينا خطايا الزمان؟
فهل تقبلين قيود الزمان؟
وهل تقبلين كهوف المكان؟
أحبك عمرا نقي الضمير
إذا ضلل الزيف وجه الحياة
* * *
أحبك فجرا عنيد الضياء
إذا ما تهاوت قلاع النجاة
ولو دمر الزيف عشق القلوب
لما عاش في القلب عشق سواه
دعيني مع الزيف وحدي وسيفي
وتبقين أنت المنار البعيد
وتبقين رغم زحام الهموم
طهارة أمسي وبيتي الوحيد
أعود إليك إذا ضاق صدري
وأسقاني الدهر ما لا أريد
أطوف بعمري على كل بيت
أبيع الليالي بسعر زهيد
لقد عشت أشدو الهوى للحيارى
و بين ضلوعي يئن الحنين
وقد استكين لقهر الحياة
ولكن حبك لا يستكين
يقولون عني كثيرا كثيرا
وأنت الحقيقة لو تعلمين
 
بالرغم منّا .. قد نضيع
1 )
قد قال لي يوماً أبي
إن جئت يا ولدي المدينة كالغريب
وغدوت تلعق من ثراها البؤس
في الليل الكئيب
قد تشتهي فيها الصديق أو الحبيب
إن صرت يا ولدي غريباً في الزحام
أو صارت الدنيا امتهاناً .. في امتهان
أو جئت تطلب عزة الإنسان في دنيا الهوان
إن ضاقت الدنيا عليك
فخذ همومك في يديك
واذهب إلى قبر الحسين
وهناك صلي ركعتين
(2)
كانت حياتي مثل كل العاشقين
والعمر أشواق يداعبها الحنين
كانت هموم أبي تذوب .. بركعتين
كل الذي يبغيه في الدنيا صلاة في الحسين
أو دعوة لله أن يرضى عليه
لكي يرى .. جد الحسين
قد كنت مثل أبي أصلي في المساء
وأظلُ أقرأ في كتاب الله ألتمس الرجاء
أو أقرأ الكتب القديمة
أشواق ليلى أو رياضَ .. أبي العلاء
(3)
وأتيتُ يوماً للمدينة كالغريب
ورنينُ صوت أبي يهز مسامعي
وسط الضباب وفي الزحامِ
يهزني في مضجعي
ومدينتي الحيرى ضبابٌ في ضباب
أحشاؤها حُبلى بطفلٍ
غير معروف الهوية
أحزانها كرمادِ أنثى
ربما كانت ضحية
أنفاسُها كالقيدِ يعصف بالسجين
طرقاتُها .. سوداء كالليل الحزين
أشجارها صفراء والدم في شوارعها .. يسيل
كم من دماء الناس
ينـزف دون جرح .. أو طبيب
لا شيء فيك مدينتي غير الزحام
أحياؤنا .. سكنوا المقابر
قبلَ أن يأتي الرحيل
هربوا إلى الموتى أرادوا الصمت .. في دنيا الكلام
ما أثقل الدنيا ...
وكل الناس تحيا .. بالكلام
(4)
وهناك في درب المدينةِ ضاع مني .. كل شيء
أضواؤها .. الصفراء كالشبح .. المخيف
جثث من الأحياء نامت فوق أشلاء .. الرصيف
ماتوا يريدون الرغيف
شيخٌ ( عجوز ) يختفي خلف الضباب
ويدغدغ المسكينُ شيئاً .. من كلام
قد كان لي مجدٌ وأيامٌ .. عظام
قد كان لي عقل يفجر
في صخور الأرض أنهار الضياء
لم يبق في الدنيا حياء
قد قلتُ ما عندي فقالوا أنني
المجنونُ .. بين العقلاء
قالوا بأني قد عصيتُ الأنبياء
(5)
دربُ المدينة صارخُ الألوانِ
فهنا يمين .. أو يسارٌ قاني
والكل يجلس فوق جسمِ جريمةٍ
هي نزعة الأخلاقِ .. في الإنسانِ
أبتاه .. أيامي هنا تمضي
مع الحزن العميق
وأعيشُ وحدي ..
قد فقدتُ القلبَ والنبضَ .. الرقيق
دربُ المدينة يا أبي دربٌ عتيق
تتربع الأحزانُ في أرجائه
ويموت فيه الحب .. والأمل الغريق
(6)
ماذا ستفعل يا أبي
إن جئتَ يوماً دربنا
أترى ستحيا مثلنا ؟؟
ستموت يا أبتاه حزناً .. بيننا
وستسمع الأصواتَ تصرخُ .. يا أبي : يا ليتنا ..يا ليتنا .. يا ليتنا
وغدوتُ بين الدربِ ألتمسُ الهروب
أين المفر؟
والعمرُ يسرع للغروب
(7)
أبتاهُ .. لا تحزن
فقد مضت السنين
ولم أصلِّ .. في الحسين
لو كنتَ يا أبتاهُ مثلي
لعرفتَ كيف يضيع منا كلُ شيء
بالرغم منا .. قد نضيع
بالرغم منا .. قد نضيع
من يمنح الغرباءَ دفئاً في الصقيع؟
من يجعل الغصنَ العقيمَ
يجيء يوماً .. بالربيع ؟
من ينقذ الإنسان من هذا .. القطيع ؟
(8)
أبتاهُ
بالأمس عدتُ إلى الحسين
صليتُ فيه الركعتين
بقيت همومي مثلما كانت
صارت همومي في المدينةِ
لا تذوب بركعتين
 
وتبقين يا مصر فوق الصغائر
شهيد علي صدر سيناء يبكي
ويدعو شهيدا بقلب الجزائر
تعال إلي ففي القلب شكوي
وبين الجوانح حزن يكابر
لماذا تهون دماء الرجال
ويخبو مع القهر عزم الضمائر
دماء توارت كنبض القلوب
ليعلو عليها ضجيج الصغائر
إذا الفجر أصبح طيفا بعيدا
تباع الدماء بسوق الحناجر
علي أرض سيناء يعلو نداء
يكبر للصبح فوق المنابر
وفي ظلمة الليل يغفو ضياء
يجيء ويغدو.. كألعاب ساحر
لماذا نسيتم دماء الرجال
علي وجه سينا.. وعين الجزائر؟!
***
علي أرض سيناء يبدو شهيد
يطوف حزينا.. مع الراحلين
ويصرخ في الناس: هذا حرام
دمانا تضيع مع العابثين
فهذي الملاعب عزف جميل
وليست حروبا علي المعتدين
نحب من الخيل بعض الصهيل
ونعشق فيها الجمال الضنين
ونطرب حين يغني الصغار
علي ضوء فجر شجي الحنين
فبعض الملاعب عشق الكبار
وفيها نداعب حلم البنين
لماذا نراها سيوفا وحربا
تعالوا نراها كناي حزين
فلا النصر يعني اقتتال الرفاق
ولا في الخسارة عار مشين
***
علي أرض سيناء دم ونار
وفوق الجزائر تبكي الهمم
هنا كان بالأمس صوت الرجال
يهز الشعوب.. ويحيي الأمم
شهيدان طافا بأرض العروبة
غني العراق بأغلي نغم
شهيد يؤذن بين الحجيج
وآخر يصرخ فوق الهرم
لقد جمعتنا دماء القلوب
فكيف افترقنا بهزل القدم ؟!
ومازال يصرخ بين الجموع
قم اقرأ كتابك وحي القلم
علي صدر سيناء وجه عنيد
شهيد يعانق طيف العلم
وفوق الجزائر نبض حزين
يداري الدموع ويخفي الألم
تعالوا لنجمع ما قد تبقي
فشر الخطايا سفيه حكم
ولم يبق غير عويل الذئاب
يطارد في الليل ركب الغنم!
رضيتم مع الفقر بؤس الحياة
وذل الهوان ويأس الندم
ففي كل وجه شظايا هموم
وفي كل عين يئن السأم
إذا كان فيكم شموخ قديم
فكيف ارتضيتم حياة الرمم؟!
تنامون حتي يموت الصباح
وتبكون حتي يثور العدم
***
شهيد علي صدر سيناء يبكي
وفوق الجزائر يسري الغضب
هنا جمعتنا دماء الرجال
فهل فرقتنا غناوي اللعب
وبئس الزمان إذا ما استكان
تساوي الرخيص بحر الذهب
هنا كان مجد.. وأطلال ذكري
وشعب عريق يسمي العرب
وياويلهم.. بعد ماض عريق
يبيعون زيفا بسوق الكذب
ومنذ استكانوا لقهر الطغاة
هنا من تواري.. هنا من هرب
شعوب رأت في العويل انتصارا
فخاضت حروبا.. بسيف الخطب
***
علي آخر الدرب يبدو شهيد
يعانق بالدمع كل الرفاق
أتوا يحملون زمانا قديما
لحلم غفا مرة.. واستفاق
فوحد أرضا.. وأغني شعوبا
وأخرجها من جحور الشقاق
فهذا أتي من عيون الخليل
وهذا أتي من نخيل العراق
وهذا يعانق أطلال غزة
يعلو نداء.. يطول العناق
فكيف تشرد حلم بريء
لنحيا مرارة هذا السباق؟
وياويل أرض أذلت شموخا
لترفع بالزيف وجه النفاق
***
شهيد مع الفجر صلي.. ونادي
وصاح: أفيقوا كفاكم فسادا
لقد شردتكم هموم الحياة
وحين طغي القهر فيكم.. تمادي
وحين رضيتم سكون القبور
شبعتم ضياعا.. وزادوا عنادا
وكم فارق الناس صبح عنيد
وفي آخر الليل أغفي.. وعادا
وطال بنا النوم عمرا طويلا
وما زادنا النوم.. إلا سهادا
***
علي صدر سيناء يبكي شهيد
وآخر يصرخ فوق الجزائر
هنا كان بالأمس شعب يثور
وأرض تضج.. ومجد يفاخر
هنا كان بالأمس صوت الشهيد
يزلزل أرضا.. ويحمي المصائر
ينام الصغير علي نار حقد
فمن أرضع الطفل هذي الكبائر ؟!
ومن علم الشعب أن الحروب
كرات تطير.. وشعب يقامر ؟!
ومن علم الأرض أن الدماء
تراب يجف.. وحزن يسافر
ومن علم الناس أن البطولة
شعب يباع.. وحكم يتاجر؟!
وأن العروش.. عروش الطغاة
بلاد تئن.. وقهر يجاهر
وكنا نباهي بدم الشهيد
فصرنا نباهي بقصف الحناجر!
إذا ما التقينا علي أي أرض
فليس لنا غير صدق المشاعر
سيبقي أخي رغم هذا الصراخ
يلملم في الليل وجهي المهاجر
عدوي عدوي.. فلا تخدعوني
بوجه تخفي بمليون ساتر
فخلف الحدود عدو لئيم
إذا ما غفونا تطل الخناجر
فلا تتركوا فتنة العابثين
تشوه عمرا نقي الضمائر
ولا تغرسوا في قلوب الصغار
خرابا وخوفا لتعمي البصائر
أنا من سنين أحب الجزائر
ترابا وأرضا.. وشعبا يغامر
أحب الدماء التي حررته
أحب الشموخ.. ونبل السرائر
ومصر العريقة فوق العتاب
وأكبر من كل هذي الصغائر
أخي سوف تبقي ضميري وسيفي
فصبر جميل.. فلليل آخر
إذا كان في الكون شيء جميل
فأجمل ما فيه.. نيل.. وشاعر
 
لأنك.. مني
تغيبين عني..
وأمضي مع العمر مثل السحاب
وأرحل في الأفق بين التمني
وأهرب منك السنين الطوال
ويوم أضيع.. ويوم أغني..
أسافر وحدي غريبا غريبا
أتوه بحلمي وأشقى بفني
يولد فينا زمان طريد
يحلف فينا الأسى.. والتجني..
ولو دمرتنا رياح الزمان
فما زال في اللحن نبض المغني
تغيبين عني..
وأعلم أن الذي غاب قلبي
وأني إليك.. لأنك مني
* * *
تغيبين عني..
وأسأل نفسي ترى ما الغياب؟
بعاد المكان.. وطول السفر!
فماذا أقول وقد صرت بعضي
أراك بقلبي.. جميع البشر
وألقاك.. كالنور مأوى الحيارى
وألحان عمر تجيء وترحل
وإن طال فينا خريف الحياة
فما زال فيك ربيع الزهر
* * *
تغيبين عني..
فأشتاق نفسي
وأهفو لقلبي على راحتيك
نتوه.. ونشتاق نغدو حيارى
وما زال بيتي.. في مقلتيك..
ويمضي بي العمر في كل درب
فأنسى همومي على شاطئيك..
وإن مزقتنا دروب الحياة
فما زلت أشعر أني إليك..
أسافر عمري وألقاك يوما
فإني خلقت وقلبي لديك..
* * *
بعيدان نحن ومهما افترقنا
فما زال في راحتيك الأمان
تغيبين عني وكم من قريب..
يغيب وإن كان ملء المكان
فلا البعد يعني غياب الوجوه
ولا الشوق يعرف.. قيد الزمان
 
زمن الذئاب
وبعثت تعتب يا أبي..!
وغضبت مني بعدما
تاهت خطاي.. عن الحسين
أنا يا أبي في الدرب مصلوب اليدين
وزوابع الأيام تحملني و لا أدري.. لأين
والناس تعبر فوق أشلائي
ودمعي.. بين.. بين
وبعثت تعتب يا أبي
لم لا تجئ لكي ترى
كيف الضمير يموت في قلب الرجل؟
كيف الأمان يضيع أو يفنى الأمل؟
لم لا تجئ لكي ترى
أن الطريق يضيق حزنا بالبشر؟
أن الظلام اليوم يغتال القمر؟
أن الربيع يجئ.. من غير الزهر؟
لم لا تجئ لكي ترى..
الأرض تأكل زرعها؟
و الأم تقتل طفلها؟
أترى تصدق يا أبي
أن السماء الآن.. تذبح بدرها؟!
و الأرض يا أبتاه تأكل.. نفسها..
* * *
وغضبت يا أبتاه مني بعدما
تاهت خطاي عن الحسين..
أتراه عاش زماننا
أتراه ذاق.. كؤوسنا؟
هل كان في أيامه دجل.. و إذلال.. وقهر؟
هل كان في أيامه دنس يضيق.. بكل طهر؟
فبيوتنا صارت مقابر للبشر
في كل مقبرة إله
يعطي.. و يمنع ما يشاء
ما أكثر العباد.. في زمن الشقاء
أبتاه لا تعتب علي..
يوما ستلقاني أصلي في الحسين
سترى دموع الحزن تحملها بقايا.. مقلتين..
فأنا أحن إلى الحسين..
ويشدني قلبي إليه فلا أرى.. قدمي تسير
القلب يا أبتاه أصبح كالضرير
أنا حائر في الدرب.. لا أدري المصير!!
* * *
أنا في المدينة يا أبي مثل السحاب..
يوما تداعبني الحياة بسحرها..
يوما.. يمزقني العذاب
ورأيت أحلام السنين كأنها
وهم جحود.. أو سراب
وعرفت أن العمر حلم زائف
فغدا يصير.. إلى التراب
زمن حزين يا أبي زمن الذئاب
* * *
أبتاه لا تغضب إذا
ما قلت شيئا.. من عتاب
أبتاه قد علمتني حب التراب
كيف الحياة أعيشها رغم الصعاب
كيف الشباب يشدني نحو السحاب
حاسبت نفسي عمرها
حتى يئست من الحساب
وضميري المسكين مات من العذاب
أبتاه..
ما زال في قلبي عتاب
لم لم تعلمني الحياة مع الذئاب؟!!
 
طيف نـسميه الحنين
‏'‏إلي أمي‏..‏ وكل أم‏..‏ في عيد الأم‏'‏
***
في الركن يبدو وجه أمي
لا أراه لأنه
سكن الجوانح من سنين
فالعين إن غفلت قليلا لا تري
لكن من سكن الجوانح لا يغيب
وإن تواري‏..‏ مثل كل الغائبين
يبدو أمامي وجه أمي كلما
اشتدت رياح الحزن‏..‏ وارتعد الجبين
الناس ترحل في العيون وتختفي
وتصير حزنـا في الضلوع
ورجفة في القلب تخفق‏..‏ كل حين
لكنها أمي
يمر العمر أسكنـها‏..‏ وتسكنني
وتبدو كالظلال تطوف خافتة
علي القلب الحزين
منذ انشطرنا والمدي حولي يضيق
وكل شيء بعدها‏..‏ عمر ضنين
صارت مع الأيام طيفـا
لا يغيب‏..‏ ولا يبين
طيفـا نسميه الحنين‏..
‏‏***‏
في الركن يبدو وجه أمي
حين ينتصف النهار‏..‏
وتستريح الشمس
وتغيب الظلال
شيء يؤرقني كثيرا
كيف الحياة تصير بعد مواكب الفوضي
زوالا في زوال
في أي وقت أو زمان سوف تنسحب الرؤي
تكسو الوجوه تلال صمت أو رمال
في أي وقت أو زمان سوف نختتم الرواية‏..‏
عاجزين عن السؤال
واستسلم الجسد الهزيل‏..‏ تكسرت
فيه النصال علي النصال
هدأ السحاب ونام أطيافـا
مبعثرة علي قمم الجبال
سكن البريق وغاب
سحر الضوء وانطفأ الجمال
حتي الحنان يصير تـذكارا
ويغدو الشوق سرا لا يقال
في الركن يبدو وجه أمي
ربما غابت‏..‏ ولكني أراها
كلما جاء المساء تداعب الأطفال
‏***‏
فنجان قهوتها يحدق في المكان
إن جاء زوار لنا
يتساءل المسكين أين حدائق الذكري
وينبوع الحنان
أين التي ملكت عروش الأرض
من زمن بلا سلطان
أين التي دخلت قلوب الناس
أفواجا بلا استئذان
أين التي رسمت لهذا الكون
صورته في أجمل الألوان
ويصافح الفنجان كل الزائرين
فإن بدا طيف لها
يتعثر المسكين في ألم ويسقط باكيا
من حزنه يتكسر الفنجان
من يوم أن رحلت وصورتها علي الجدران
تبدو أمامي حين تشتد الهموم وتعصف الأحزان
أو كلما هلت صلاة الفجر في رمضان
كل الذي في الكون يحمل سرها
وكأنها قبس من الرحمن
لم تعرف الخط الجميل
ولم تسافر في بحور الحرف
لم تعرف صهيل الموج والشطآن
لكنها عرفت بحار النور والإيمان
أمية‏..‏
كتبت علي وجهي سطور الحب من زمن
وذابت في حمي القرآن
في الأفق يبدو وجه أمي
كلما انطلق المؤذن بالأذان
كم كنت ألمحها إذا اجتمعت علي رأسي
حشود الظلم والطغيان
كانت تلم شتات أيامي
إذا التفت علي عنقي حبال اليأس والأحزان
تمتد لي يدها بطول الأرض‏..‏
تنقذني من الطوفان
وتصيح يا الله أنت الحافظ الباقي
وكل الخلق ياربي إلي النسيان
‏***‏
شاخت سنين العمر
والطفل الصغير بداخلي
مازال يسأل‏..‏
عن لوعة الأشواق حين يذوب فينا القلب
عن شبح يطاردني
من المهد الصغير إلي رصاصة قاتلي
عن فـرقة الأحباب حين يشدنا
ركب الرحيل بخطوه المتثاقل
عن آخر الأخبار في أيامنا
الخائنون‏..‏ البائعون‏..‏ الراكعون‏..‏
لكل عرش زائل
عن رحلة سافرت فيها راضيا
ورجعت منها ما عرفت‏..‏ وما اقتنعت‏..‏ وما سلمت‏..‏
وما أجبتك سائلي
عن ليلة شتوية اشتقت فيها
صحبة الأحباب
والجلاد يشرب من دمي
وأنا علي نار المهانة أصطلي
قد تسألين الآن يا أماه عن حالي
وماذا جد في القلب الخلي
الحب سافر من حدائق عمرنا
وتغرب المسكين‏..‏
في الزمن الوضيع الأهطـل
ما عاد طفلك يجمع الأطيار
والعصفور يشرب من يدي
قتلوا العصافير الجميلة
في حديقة منزلي
أخشي عليه من الكلاب السود
والوجه الكئيب الجاهل
أين الذي قد كان‏..‏
أين مواكب الأشعار في عمري
وكل الكون يسمع شدوها
وأنا أغني في الفضاء‏..‏ وأنجـلي
شاخ الزمان وطفلك المجنون‏..‏
مشتاق لأول منزل
مازال يطرب للزمان الأول
شيء سيبقي بيننا‏..‏ وحبيبتي لا ترحلي
‏***‏
في كل يوم سوف أغرس وردة
بيضاء فوق جبينها
ليضيء قلب الأمهات
إن ماتت الدنيا حرام أن نقول
بأن نبع الحب مات
قد علمتني الصبر في سفر النوارس‏..‏
علمتني العشق في دفء المدائن‏..‏
علمتني أن تاج المرء في نبل الصفات
أن الشجاعة أن أقاوم شح نفسي‏..‏
أن أقاوم خسة الغايات
بالأمس زارتني‏..‏ وفوق وسادتي
تركت شريط الذكريات
كم قلت لي صبرا جميلا
إن ضوء الصبح آت
شاخت سنين العمر يا أمي
وقلبي حائر
مابين حلم لا يجيء‏..‏
وطيف حب‏..‏ مات
وأفقت من نومي
دعوت الله أن يحمي
جميع الأمهات‏
 
أترى يفيد الحلم
ستجربين حبيبتي.. ستجربين
ستجربين الحب بعدي.. والحنين
وستحلمين بفارس غيري
هزيل الحلم مكسور الجبين
وسترحلين
على جناح الصبح عصفورا كموج البحر
لا يدري جراح المتعبين
وأظل في الأنقاض أجمع بعض أيامي
أدور العمر تحرقني دموع الحائرين
ما زلت أبحث في ظلام الناس
عن زمن بريء الصبح
يهدي التائهين
ما زلت أسكب
حزن أيامي دموعا
في بطون الجائعين
ما زلت أحلم بالزمان الآمن الموعود يحملنا
إلى وطن عنيد الحلم مرفوع الجبين
وغدوت أحلم ها هنا وحدي
قد كنت مثلي ذات يوم تحلمين
* * *
ما زلت أحلم أن يعود العش
يؤوي الطير في ليل الشتاء
فالعش يهجر طيره
والطير في خوف المدينة
يدفن الأحلام سرا في العراء
أترى يفيد الحلم في زمن الشقاء؟
ما زلت ألمح في ظلام الصبح شيئا كالضياء
لا تحزني من ثورتي
فلقد قضيت العمر
بحارا يفتش عن رفيق
وظننت يوما
أن في عينيك مأوى للغريق
فأتيت أبحث في ربى عينيك
عن زمن أعانق فيه سراب الأمان
زمن يعيش الحلم فيه
بغير خوف.. أو هوان
أصبحت في عينيك تذكارا
سطورا.. ضل معناها الزمان
* * *
ستجربين حبيبتي.. ستجربين
سيجيء بعدي عاشق يروي الحكايا..
ينزع الأزهار من صدر الربيع
يلقي عليك عبيرها المخنوق في ليل الصقيع
ويبيع صبحا بالغروب
ويدندن الأوهام كالزمن الكذوب
وأظل في حلمي أذوب
فالحب عندي أن يصير الصبح صبحا
يمسح الأحزان عن كل القلوب
ألا أصير حقيقة عرجاء
في زمن لعوب
وأظل رغم اليأس
أنثر حلمنا المهزوم في كل الدروب
* * *
ستجربين حبيبتي.. ستجربين
وستحلمين بفارس غيري
هزيل الحلم مكسور الجبين
مازال حلمي
رغم طول القهر مرفوع الجبين
قد كنت مثلي ذات يوم.. تحلمين
 
أسافر منك.. وقلبي معك
وعلمتنا العشق قبل الأوان
فلما كبرنا ودار الزمان
تبرأت منا.. وأصبحت تنسى
فلم نر في العشق غير الهوان
عشقانك يا نيل عمرا جميلا
عشقناك خوفا وليلا طويلا
وهبناك يوما قلوبا بريئة
فهل كان عشقك بعض الخطيئة؟!
* * *
طيورك ماتت.. ولم يبق شيء على شاطئيك
سوى الصمت والخوف والذكريات
أسافر عنك فأغدو طليقا
ويسقط قيدي
وأرجع فيك أرى العمر قبرا
ويصبح صوتي بقايا رفات..
* * *
طيورك ماتت
فلم يبق في العش غير الضحايا
رماد من الصبح.. بعض الصغار
جمعت الخفافيش في شاطئيك
ومات على العين.. ضوء النهار
ظلام طويل على ضفتيك
وكل مياهك صارت دماء
فكيف سنشرب منك الدماء..؟
* * *
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
نعاتب فيك زمانا حزينا..
منحناه عمرا.. ولم يعط شيئا..
وهل ينجب الحزن غير الضياع
ترى هل نعاتب حلما طريدا..
تحطم بين صخور المحال
وأصبح حلما ذبيح الشراع..
ترى هل نعاتب صبحا بريئا
تشرد بين دروب الحياة
وأصبحا صبحا لقيط الشعاع
ترى هل نعاتب وجها قديما
توارى مع القهر خلف الظلام
فأصبح سيفا كسيح الذراع
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
ولم يبق في العمر إلا القليل..
حملناك في العين حبات ضوء
وبين الضلوع مواويل عشق..
وأطيار عشق تناجي الأصيل..
فإن ضاع وجهي بين الزحام
وبعثرت عمري في كل أرض..
وصرت مشاعا فأنت الدليل..
ترى من نعاتب يا نيل قل لي..
وما عاد في العمر وقت
لنعشق غيرك..
أنت الرجاء
أنعشق غيرك..؟
وكيف وعشقك فينا دماء
تعود وتغدو بغير انتهاء..
* * *
أسافر عنك
فألمح وجهك في كل شيء
فيغدو الفنارات يغدو المطارات
يغدو المقاهي..
يسد أمامي كل الطرق
وأرجع يا نيل كي أحترق
* * *
وأهرب حينا
وأصبح في الأرض طيفا هزيلا
وأصرخ في الناس أجري إليهم
وأرفع رأسي لأبدو معك
فأصبح شيئا كبيرا.. كبيرا
طويناك يا نيل بين القلوب
وفينا تعيش.. ولا نسمعك
تمزق فينا..
وتدرك أنك أشعلت نارا
وأنك تحرق في أضلعك
تعربد فينا
وتدرك أن دمانا تسيل
وليست دمانا سوى أدمعك
تركت الخفافيش يا نيل تلهو
وتعبث كالموت في مضجعك
وأصبحت تحيى بصمت القبور
وصوتي تكسر في مسمعك
قد غبت عنا زمانا طويلا
فقل لي بربك من يرجعك
فعشقك ذنب.. وهجرك ذنب
أسافر عنك.. وقلبي معك
 
لأن الشوق معصيتي
لا تذكري الأمس إني عشتُ أخفيه..إن يَغفر القلبَ.. جرحي من يداويه. قلبي وعيناكِ والأيام بينهما..دربٌ طويلٌ تعبنا من مآسيه.. إن يخفقِ القلب كيف العمر نرجعه..كل الذي مات فينا.. كيف نحييه.. الشوق درب طويل عشت أسلكه..ثم انتهى الدرب وارتاحت أغانيه.. جئنا إلى الدرب والأفراح تحملنا..واليوم عدنا بنهر الدمع نرثيه.. مازلتُ أعرف أن الشوق معصيتي..والعشق والله ذنب لستُ أخفيه.. قلبي الذي لم يزل طفلاً يعاتبني..كيف انقضى العيد.. وانقضت لياليه.. يا فرحة لم تزل كالطيف تُسكرني..كيف انتهى الحلم بالأحزان والتيه.. حتى إذا ما انقضى كالعيد سامرنا..عدنا إلى الحزن يدمينا.. ونُدميه.. مازال ثوب المنى بالضوء يخدعني..قد يُصبح الكهل طفلاً في أمانيه.. أشتاق في الليل عطراً منكِ يبعثني..ولتسألي العطر كيف البعد يشقيه.. ولتسألي الليل هل نامت جوانحه..ما عاد يغفو ودمعي في مآقيه.. يا فارس العشق هل في الحب مغفرة..حطمتَ صرح الهوى والآن تبكيه.. الحب كالعمر يسري في جوانحنا..حتى إذا ما مضى.. لا شيء يبقيه.. عاتبت قلبي كثيراً كيف تذكرها..وعُمرُكَ الغضّ بين اليأس تُلقيه.. في كل يوم تُعيد الأمس في ملل..قد يبرأ الجرح.. والتذكار يحييه.. إن تُرجعي العمر هذا القلب أعرفه..مازلتِ والله نبضاً حائراً فيه.. أشتاق ذنبي ففي عينيكِ مغفرتي..يا ذنب عمري.. ويا أنقى لياليه.. ماذا يفيد الأسى أدمنتُ معصيتي..لا الصفح يجدي.. ولا الغفران أبغيه.. إني أرى العمر في عينيكِ مغفرة..قد ضل قلبي فقولي.. كيف أهديه
 
أريد الحياة!
ولاحت عيونك ضوءا حزينا
تهادى مع الليل خلف الفضاء
وجئت إليك كغصن عجوز
تئن على وجنتيه الدماء
عشقتك صبحا ندى الرحيق
رعيتك فجرا تقي الضياء
ويوما صحوت من الحلم طفلا
رأيتك مثل جميع النساء
تريدين سجنا وقيدا ثقيلا
وقد عشت عمري سجين الشقاء!
أخاف القيود وليل السجون
وهل بالقيود يكون العطاء..؟!
أريد الحياة ربيعا وفجرا
وحلما أعانق فيه السماء
فماذا تفيد قيود السنين
نكبل فيها المنى والرجاء؟!
ترى هل تريدين سجنا كبيرا
وفي راحتيه يموت الوفاء؟
أريد الحياة كطير طليق
يرى الشمس بيتا يرى العمر.. ماء
أريدك صبحا على كل شيء
كفانا مع الخوف ليل الشقاء!!
 
سيجيء.. زمان الأحياء
أنتزع زمانك من زمني
ينشطر العمر..
تنزف في صدري الأيام
تصبح طوفانا يغرقني..
ينشطر العالم من حولي
وجه الأيام.. بلا عينين
رأس التاريخ.. بلا قدمين
تنقسم الشمس إلى نصفين
يذوب الضوء وراء الأفق
تصير الشمس بغير شعاع
ينقسم الليل إلى لونين
الأسود يعصر بالألوان
الأبيض يسقط حتى القاع
ويقول الناس.. دموع وداع
أنتزع زمانك من زمني
تتراجع كل الأشياء..
أذكر تاريخا.. جمعنا
أذكر تاريخا.. فرقنا
أذكر أحلاما عشناها بين الأحزان
أتلون بعدك كالأيام
في الصبح أصير بلون الليل
في الليل أصير بلا ألوان
أفقد ذاكرتي رغم الوهم..
بأني أحيا.. كالإنسان
* * *
ماذا يتبقى من قلبي
لو وزع يوما.. في جسدين
ماذا يتبقى من وجه
ينشطر أمامي.. في وجهين
نتوحد شوقا في قلب
يشطرنا البعد إلى قلبين
نتجمع زمنا في حلم
والدهر يصر على حلمين
نتلاقى كالصبح ضياءا
يشطرنا الليل إلى نصفين
* * *
كل الأشياء تفرقنا في زمن الخوف
نهرب أحيانا في دمنا
نهرب في حزن يحزننا
ما زلت أقول..
إن الأشجار و إن ذبلت
في زمن الخوف
سيعود ربيع يوقظها بين الأطلال
إن الأنهار وإن جبنت في زن الزيف
سيجيء زمانا يحييها رغم الأغلال..
ما زلت أقول..
لو ماتت كل الأشياء
سيجيء زمان يشعرنا.. أنا أحياء
وتثور قبور سئمتنا
وتصيح عليها الأشلاء
ويموت الخوف.. يموت الزيف.. يموت القهر
ويسقط كل السفهاء
لن يبقى سيف الضعفاء
* * *
سيموت الخوف وتجمعنا كل الأشياء
ذراتك تعبر أوطانا
وتدور و تبحث عن قلبي في كل مكان
ويعود رمادك.. لرمادي
يشتعل حريقا يحملنا خلف الأزمان
وأدور أدور وراء الأفق كأني نار في بركان
ألقي أيامي بين يديك هموم الرحلة.. و الأحزان
نلتئم خلايا و خلايا
نتلاقى نبضا وحنايا
تتجمع كل الذرات..
تصبح أشجارا ونخيلا
وزمان نقاء يجمعنا
وسيصرخ صمت الأموات
تنبت في الأرض خمائر ضوء.. أنهارا
وحقول أمان.. في الطرقات..
نتوحد في الكون ظلالا..
نتوحد هديا وظلالا..
نتوحد قبحا وجمالا
نتوحد حسا.. وخيالا
نتوحد في كل الأشياء..
ويموت العالم كي نبقى..
نحن الأحياء
 
إلى مسافرة
و أظل وحدي أخنق الأشواق
في صدري فينقذها الحنين..
و هناك آلاف من الأميال تفصل بيننا
و هناك أقدار أرادت أن تفرق شملنا
ثم انتهى.. ما بيننا
و بقيت وحدي
أجمع الذكرى خيوطا واهية
و رأيت أيامي تضيع
و لست أعرف ما هيه
و تركت يا دنياي جرحا لن تداويه السنين
فطويت بالأعماق قلبا كان ينبض.. بالحنين
* * *
لو كنت أعلم أنني
سأذوب شوقا في الألم
لو كنت أعلم أنني
سأصير شيئا من عدم
لبقيت وحدي
أنشد الأشعار في دنيا.. بعيدة
و جعلت بيتك واحة
أرتاح فيها.. كل عام
و أتيت بيتك زائرا
كالناس يكفيني السلام..
* * *
ما كنت أدرك أنني
سأصير روحا حائرة
في القلب أحزان..
و في جسمي جراح غائرة
و تسافرين..
لا شيء بعدك يملأ القلب الحزين
لا حب بعدك. لا اشتياقا لا حنين..
فلقد غدوت اليوم عبدا للسنين
تنساب أيامي و تنزف كالدماء
و تضيع شيئا.. بعد شيء كالضياء..
و هناك في قلبي بقايا من وفاء
و تسافرين
و أنت كل الناس عندي و الرجاء..
قولي لمن سيجيء بعدي
هكذا كان القضاء
قدر أراد لنا اللقاء
ثم انتهى ما بيننا
و بقيت وحدي للشقاء
 
الوسوم
اشعار جويدة فاروق متجدد
عودة
أعلى