منهاج المسلم


الأدله العقلية ::

1 – ايمان العبد بالله وملائكته واليوم الاخر يستلزم ايمانه بعذاب القبر ونعيمه وبكل ما يجرى فيه اذ الكل من الغيب فمن آمن بالبعض لزمه عقلا الايمان بالبعض الاخر.

2 – ليس عذاب القبر أو نعيمه أو ما يقع فيه من سؤال الملكين مما ينفيه العقل او يحيله بل العقل السليم يقره ويشهد له .

3 – ان النائم قد يرى الرؤيا مما يسر فيتلذذ بها وينعم بتأثيرها فى نفسه الامر الذى يحزن له او يأسف ان هو استيقظ كما انه قد يرى الرؤيا مما يكره فيستاء لها ويغنم الامر الذى يجعله يحمد من ايقظه لو أن شخصا ايقظه فهذا النعيم او العذاب فى النوم يجرى على الروح حقيقة وتتأثر به وهو غير محسوس ولا مشاهد لنا ولا ينكره احد فكيف اذا عذاب القبر أو نعيمه وهو نظيره تماما .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل القادم من باب العقيدة

الايمان بالقضاء والقدر

 
الفصل الحادى عشر

الايمان بالقضاء والقدر

يؤمن المسلم بقضاء الله وقدره وحكمته ومشيئته وأنه لا يقع شيئ فى الوجود حتى أفعال العباد الاختياريه الا بعد علم الله به وتقديره وانه تعالى عدل فى قضائه وقدره حكيم فى تصرفه وتدبيره وأن حكمته تابعة لمشيئته ما شاء كان ومالم يشأ لم يكن ولا حول ولا قوة الا به تعالى وذلك للأدلة العقلية والنقلية الاتيه ::

الادلة النقلية ::

1 – اخباره تعالى عن ذلك فى قوله (( انا كل شئ خلقناه بقدر)) ( القمر)
وقوله سبحانه وتعالى (( وان من شئ الا عندنا خزائنه وما ننزله الا يقدر معلوم)) (الحجر)
وفى قوله (( ما اصاب من مصيبة فى الارض ولا فى انفسكم الا فى كتاب من قبل أن نبرأها ان ذلك على الله يسير))( الحديد ونبرأها بمعنى نخلقها)
وفى قوله (( ما اصاب من مصيبة الا باذن الله))(التغابن)
وقوله (( وكل انسان الزمناه طائره فى عنقه))(الاسراء)
وقوله (( قل لن يصيبنا الا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون))( التوبه)
وقوله (( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما فى البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة فى ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا فى كتاب مبين ))(الانعام)
وقوله (( وما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين))(التكوير)
وقوله(( ان الذين سبقت لهم منما الحسنى اولئك عنها مبعدون))(الانبياء)
وقوله(( ولولا اذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة الا بالله))(الكهف)
وقوله(( وما كنا لنهتدى لولا ان هدانا الله))(الأعراف)

2 – اخبار رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فى قوله (( ان احدكم يجمع خلقه فى بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل اليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه , وأجله وعمله شقى او سعيد , فوالذى لا اله غيره ان احدكم ليعمل بعمل اهل الجنه حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل النار فيدخلها وان احدكم ليعمل بعمل اهل النار حتى ما يكون بينه وبينها الا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل اهل الجنة فيدخلها))(رواه مسلم 2036/4 كتاب القدر)
وفى قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس (( ياغلام انى اعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك , احفظ الله تجده تجاهك , اذا سألت فاسأل الله , واذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الامة لو اجتمعت على ان ينفعوك بشئ لن ينفعوك الا بشئ قد كتبه الله لك وان اجتمعوا على ان يضروك بشئ لن يضروك الا بشئ قد كتبه الله عليك , رفعت الاقلام وجفت الصحف))(رواه الترمذى 2516 وصححه)
وفى قوله((ان اول ما خلق الله تعالى القلم فقال له اكتب , فقال رب وماذا اكتب ظ قال اكتب مقادي كل شئ حتى تقوم الساعه ))(رواه الامام احمد 317/5 وأبو داوود 4700)
وفى قوله (( احتج آدم وموسى , قال موسى يآدم ! انت ابونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنه فقال آدم : أنت موسى اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده تلومنى على أمر قدره الله على قبل ان يخلقنى بأربعين عاما فحج موسى (غلبه فى الحجه اى ان لوم موسى كان فى غير محله ) ))( رواه مسلم 2042/4 كتاب القدر)
وفى قوله عليه الصلاة والسلام فى تعريف الايمان ((ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الاخر وتؤمن بالقدر خيره وشره))( رواه مسلم فى حديث جبريل 37/1 كتاب الايمان)
وفى قوله صلى الله عليه وسلم((ان النذر لا يرد قضاء))( رواه مسلم 1261/3 كتاب الجماعه)
وفى قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن قيس (( ياعبد الله بن قيس الا اعلمك كلمة هى من كنوز الجنه ؟ لا حول ولا قوة الا بالله ))( رواه البخارى 170/5 ورواه مسلم 2077/4 كتاب الذكر والدعاء)

3 – ايمان مئات الملايين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من علماء وحكماء وصالحين وغيرهم بقضاء الله تعالى وقدره وحكمته ومشئته وأن كل شئ سبق به علمه وجرى به قدره وأنه لا يكون فى ملكه الا ما يريد وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأن القلم جرى بمقادير كل شئ الى قيام الساعه.

 

الأدلة العقلية::

1 – ان العقل لا يحيل شيئا من شأن القضاء والقدر والمشيئة والحكمة والاراده والتدبير بل العقل يوجب كل ذلك ويحتمه لما له من مظاهر بارزه فى هذا الكون .

2 – الايمان به تعالى وبقدرته يستلزم الايمان بقضائه وقدره وحكمته ومشيئته .

3 – اذا كان المهندس المعمارى يرسم على ورقة صغيره رسما لقصر من القصور ويحدد له زمن انجازه ثم يعمل على بنائه فلا تنتهى المده التى حددها حتى يخرج القصر من الورقة الى حيز الوجود وطبق ما رسم فى الورقه بحيث لا ينقص شئ وان قل ولا يزيد فكيف ينكر على الله ان يكون قد كتب مقادير العالم الى قيام الساعه ثم لكمال قدرته وعلمه يخرج ذلك المقدر طبق من قدره فى كميته وكيفيته وزمانه ومكانه ومع العلم بأن الله تعالى على كل شئ قدير ؟!.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل القادم باذن الله تعالى من باب العقيده

فى توحيد العباده

 
الفصل الثانى عشر

فى توحيد العبادة

يؤمن المسلم بألوهية الله تعالى للأولين والاخرين , وربوبيته لجميع العالمين وأنه لا اله غيره ولا رب سواه فلذا هو يخص الله تعالى بكل العبادات التى شرعها لعباده وتعبدهم بها ولا يصرف منها شئ لغير الله تعالى فاذا سأل سأل الله واذا استعان استعان بالله واذا نذر لا ينذر لغير الله فلله وحده جميع اعماله الباطنه من خوف ورجاء وانابه ومحبة وتعظيم وتوكل والظاهره من صلاة وصيام وحج وجهاد وذلك للأدلة النقلية والعقلية الاتيه ::

الادلة النقلية::

1 – أمره تعالى بذلك فى قوله ((لا اله الا انا فاعبدنى ))(طه)
وفى قوله(( وايى فارهبون))(البقرة)
وفى قوله((ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذى خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون , الذى جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناءا وانزل من السماء ماءا فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا وانتم تعلمون))(البقره)
وفى قوله تعالى ((فاعلم انه لا اله الا الله))(محمد)
وفى قوله جل جلاله(( فاستعذ بالله انه هو السميع العليم ))(فصلت)
وقوله((وعلى الله فليتوكل المؤمنون))(التغابن)

2 – اخباره تعالى عن ذلك بقوله (( فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لانفصام لها ))(البقرة)
وفى قوله((وما ارسلنا من قبلك من رسول الا نوحى اليه انه لا اله الا انا فاعبدون))(الانبياء)
وفى قوله تعالى(( اياك نعبد واياك نستعين))(الفاتحه)
وفى قوله((ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن انذروا انه لا اله الا انا فاتقون))(النحل)

3 – اخبار رسوله صلى الله عليه وسلم فى قوله لمعاذ بن جبل لما بعثه الى اليمن (( فليكن اول ما تدعوهم اليه ان يوحدوا الله تعالى))( الحديث رواه البخارى كتاب الزكاه 63,41 ومسلم كتاب الايمان 31,29)
وقوله صلى الله عليه وسلم لمن قال له ما شاء الله وشئت (( قل ما شاء الله وحده))(رواه الامام احمد 282,214/1 وابن ماجه 21/7).
وفى قوله (( اخوف ما اخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا وما الشرك الأصغر يارسول الله قال الرياء يقول الله تعالى يوم القيامة اذا جازى الناس بأعمالهم اذهبوا الى الذين كنتم تراءون فى الدنيا فاننظروا هل تجدون عندهم من جزاء))( رواه الامام احمد 7/3 من طرق وهو حسن)
وفى قوله (( اليسوا يحلون لكم ما حرم الله فتحلونه ويحرمون ما احل الله فتحرمونه قال بلى قال فتلك عباداتهم قاله صلى الله عليه وسلم لعدى بن حاتم لما قرأ قوله تعالى (( اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله )) ( التوبه) فقال عدى يارسول الله لسنا نعبدهم)).(رواه الترمذى فى صحيحه 3095 وحسنه)
وفى قوله (( انه لا يستغاث بى وانما يستغاث بالله))(رواه الطبرانى وهو حسن وورد فى مجمع الزوائد للهيثمى 159/10).قاله لما قال بعض الصحابه قوموا نستغيث برسول الله من هذا المنافق ( اى لمنافق كان يؤذيهم).
وفى قوله(( من حلف بغير الله فقد اشرك ))(رواه الترمذى وحسنه 1535 , ورواه الامام احمد 125/2)
وفى قوله (( ان الرقى والتمائم والتولة شرك))(رواه ابو داوود 3883 والامام احمد 381/1 وابن ماجه 330 وغيرهم والتوله خرزة تحبب معها المرأه الى زوجها .


 

الأدلة العقلية::

1 – تفرده تعالى بالخلق والرزق والتصرف والتدبير يوجب عبادته وحده لا شريك له فى شئ منها .

2 – جميع المخلوقات مربوبة له تعالى مفتقرة اليه فلم يصلح شيئا منها ان يكون الها يعبد معه تعالى .

3 – كون من يدعى او يستغاث به او يستعاذ لا يملك ان يعطى او يغيث او يعيذ من شئ يوجب بطلان دعائه او الاستغاثة به او النذر له او الاعتماد عليه ولكن جل وعلا جدير بكل ذلك جدير بان نتوكل عليه ونعتمد كل الاعتماد عليه .



الفصل القادم باذن الله من باب العقيده

الوسيلة

 
الفصل الثالث عشر

فى الوسيلة

يؤمن المسلم بأن الله تعالى يحب من الأعمال أصلحها ومن الأفعال أطيبها ويحب من عباده الصالحين وأنه تعالى انتدب عباده الى التقرب منه والتودد اليه والتوسل اليه فهو لذلك يتقرب الى الله تعالى ويتوسل اليه بصالح الاعمال وطيب الاقوال فيساله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى وبلايمان به وبرسوله وبمحبته تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليسه وسلم ومحبة الصالحين وعامة المؤمنين ويتقرب الى الله تعالى بفرائض الصلاة والزكاه والصوم والحج وبنوافلها كما يتقرب اليه بترك المحرمات واجتناب المنهيات ولا يسأل الله تعالى بجاه أحد من خلقه ولا بعمل عبد من عباده اذ ليس جاه ذى الجاه من كسبه ولا عمل صاحب العمل من عمله فيسأل الله به او يقدمه وسيلة بين يديه .
والله تعالى لم يشرع الى عباده ان يتقربوا اليه بغير أعمالهم وزكاة أرواحهم بالايمان والعمل الصالح وذلك للأدلة النقلية والعقلية الاتيه ::


الأدلة النقلية ::

1 – اخباره تعالى عن ذلك بقوله (( اليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ))(فاطر)
وفى قوله(( يأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ))(المؤمنون)
وفى قوله((وأدخلناه فى رحمتنا انه من الصالحين ))(الأنبياء)
وفى قوله ((يايها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ))(المائده)
وقوله سبحانه((اولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب))(الاسراء)
وفى قوله((قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم))(آل عمران)
وقوله (ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين))(آ عمران)
وقوله تعالى(( ربنا اننا سمعنا مناديا ينادى للايمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار))(آل عمران)
وفى قوله(( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى اسمائه سيجزون ما كانوا يعملون))(الأعراف)
وفى قوله(( واسجد واقترب))(العلق)

2 – اخبار رسوله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بقوله (( ان الله طيب لا يقبل الا طيبا ))(رواه مسلم 65 كتاب الزكاه).
وفى قوله(( تعرف الى الله فى الرخاء يعرفك على الشده))(رواه الحديث فى الدر المنثور للسيوطى 66/1 وتفسير الطبرى 398/6).
وفوله فبما يرويه عن ربه سبحانه وتعالى(( وما تقرب الى عبدى بشئ احب الى مما افترضته عليه ولا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى احبه ))(رواه البخارى كتاب الرقاق 38)
وفى قوله فيما يرويه عن رب العزة (( وان تقرب منى شبرا تقربت اليه ذراعا وان تقرب الى ذراعا تقربت منه باعا وان اتانى يمشى اتيته هروله))( ايضا رواه البخارى كتاب الرقاق 38)
وفى قوله فى حديث اصحاب الغار الذين انطبقت عليهم الصخره اذ توسل احدهم ببر والديه والثانى يترك ما حرم الله تعالى والثالث يرد حقه الى مستحقه مع تمنيته له بعد ان قال بعضهم لبعض (( انظروا اعمالا صالحه عملتوها لله فادعوا الله بها لعله يفرجها عنكم فادعوا وتوسلوا ففرج عنهم الصخره وخرجوا من الغار سالمين))(رواه البخارى كتاب الاجاره 12)
وفى قوله عليه الصلاة والسلام (( اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد))(رواه مسلم 21 كتاب الصلاه)
وفى قوله(( أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته فى كتابك أو علمته احدا من خلقك أو استأثرت به فى علم الغيب عندك أن تجعل القران العظيم ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى وذهاب همى وغمى ))(رواه الامام احمد بسند حسن وورد فى المعجم الكبير للطبرانى 210/10)
وفى قوله صلى الله عليه وسلم(( لقد سأل هذا باسم الله الأعظم الذى اذا سأل به الا أعطى وما دعى به الا أجاب))(رواه الترمذى كتاب الدعوات 63 وابن ماجه كتاب الدعاء 9).

3 – ما ورد من توسل الانبياء فى القران الكريم , وأن توسلهم كان باسماء الله تعالى وصفاته وبالايمان والعمل الصالح ولم يكن بغير ذلك أبدا فيوسف عليه السلام قال فى توسله (( رب قد آتيتنى من الملك وعلمتنى من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض انت وليى فى اتلدنيا والاخره توفنى مسلما وألحقنى بالصالحين))(يوسف)
وذو النون قال(( لآ اله الا انت سبحانك انى كنت من الظالمين))(الأنبياء)
وموسى قال(( رب انى ظلمت نفسى فاغفرلى فغفر له))(القصص)
وقال (( انى عذت بربى وربكم))(غافر)
وابراهيم واسماعيل قالا (( ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم))(البقره)
وآدم وحواء قالا(( ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين))(الأعراف).

 

الأدلة العقلية::


1 – غنى الرب وافتقار العبد امر يقتضى بأن يتوسل العبد الفقير الى الله الغنى جل وعلا كى ينجو العبد الفقير مما يرهب ويظفر بما يحب ويرغب.

2 – عدم معرفة العبد ما يحبه الرب تبارك وتعالى وما يكرهه من الاقوال والافعال أمر يقتضى ان تكون الوسيلة محصورة فيما شرع الله وبين رسوله من أقوال طيبه وأعمال صالحه تفعل أو أقوال خبيثة أعمال فاسده تجتنب وتترك .

3 – كون جاه ذى الجاه من غير كسب الانسان ولا من عمل يديه أمر يقتضى ان لا يتقرب به الى الله تعالى ويتوسل , اللهم الا اذا كان قد عمل بجوارحه أو ماله على ايجاد جاه صاحب الجاه فعند ذلك له ان يسأل الله به لانه اصبح من كسبه ومن عمل يديه ان كان قد عمل ذلك ابتغاء لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل القادم من باب العقيدة ان شاء الله



فى أولياء الله وكراماتهم – وأولياء الشيطان وضلالاتهم


 
الفصل الرابع عشر

فى أولياء الله وكراماتهم – وأولياء الشيطان وضلالاتهم


1 – أولياء الله تعالى

يؤمن المسلم بأن الله تعالى من عباده استخلصهم لعبادته واستعملهم فى طاعته وشرفهم بمحبته وأنالهم من كرامته فهو وليهم يحبهم ويقربهم وهم أولياؤه يحبونه ويعظمونه يأتمرون بأمره وينتهون بنهيه وبه ينهون يحبون بحبه وببغضه يبغضون اذا سألوه أعطاهم واذا استعانوه أعانهم واذا استعاذوا به اعاذهم وانهم هم اهل الايمان والتقوى والكرامة والبشرى فى الدنيا وفى الاخرى وان كل مؤمن تقى فهو لله ولى غير انهم يتفاوتون فى درجاتهم من حيث تقواهم وايمانهم فكل من كان حظه من الايمان والتقوى أوفى كانت درجته عند الله اعلى وكانت كرامته أوفر فسادات الاولياء هم المرسلون والانبياء ومن بعدهم المؤمنون وأن ما يجريه الله تعالى على ايديهم من كرامات كتكثير القليل من الطعام او ابراء الاوجاع والاسقام او خوض البحار او عدم الاحتراق بالنار وما اليه , هو منم جنس المعجزات غير ان المعجزه تكون مقرونه بالتحدى والكرامة عارية عنه غير مرتبطة به وأن من اعظم الكرامات الاستقامة على الطاعات بفعل المأمورات الشرعيه واجتناب المحرمات المنهيات . وذلك للأدلة الآتيه ::

1 - اخباره تعالىعن أولياء الله وكراماتهم فى قوله (( ألآ ان اولياء الله لا خوف عليهم ولا يحزنون , الذين آمنوا بئاياتنا وكانوا يتقون, لهم البشرى فى الحياة الدنياة وفى الاخره لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم))(يونس).
وفى قوله تعالى(( الله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور )) ( البقرة)
وفى قوله((وما كانوا أولياؤه ان اولياؤه الا المتقون))(الانفال)
وفى قوله (( ان وليى الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين))( الاعراف)
وفى قوله سبحانه(( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء انه من عبادنا المخلصين))(يوسف)
وفى قوله(( ان عبادى ليس لك عليهم سلطان)) ( الاسراء)
وفى قوله (( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يامريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ))(آل عمران)
وفى قوله(( وان يونس لمن المرسلين , اذ أبق الى الفلك المشحون , فساهم فكان من المدحضين , فالتقمه الحوت وهو مليم , فلولآ انه كان من المسبحين , للبث فى بطنه الى يوم يبعثون ))(الصافات)
وفى قوله (( فناداها من تحتها الا تحزنى قد جعل ربك تحتك ثريا , وهزى اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا , فكلى واشربى وقرى عينا ))(مريم)
وفى قوله (( قلنا يانار كونى بردا وسلاما على ابراهيم وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين))(الأنبياء)
وفى قوله (( أم حسبت أن اصحاب الكهف والرقيم كانوا من اياتنا عجبا , اذ أوى الفتية الى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا , فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا))( الكهف)

2 – اخبار رسوله صلى الله عليه وسلم عن أولياء الله وكراماتهم فى قوله فيما يرويه عن رب العزه(( من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب الى عبدى بشئ احب الى مما افترضتهع عليه ولا يزال عبدى يتقرب الى بالنوافل حتى احبه فاذا احببته كنت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى يبصر به ويده التى يبطش بها ورجله التى يمشى بها ولئن سألنى لاعطينه ولئن اعاذنى لاعيذنه))(سبق تخريج الحديث)
وفى قوله ايضا ((ان من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره))(رواه مسلم 1302 والامام احمد 128/3 , 167 , 284)
وفى قوله صلى الله عليه وسلم (( لقد كان فيما كان قبلكم من الامم ناس محدثون فان كان فى امتى احد فهو عمر ))(رواه البخارى 15/5 وورد فى فتح البارى 42/7)
وفى قوله عليه الصلاة والسلام (( كانت امرأة ترضع ولدها فرأت رجلا على فرس فاره فقالت اللهم اجعل ولدى مثل هذا فالتفت اليه الطفل وهو يرضع وقال اللهم لا تجعلنى مثله))(رواه البخارى 201/4 ومسلم 1976/4 ومسند احمد 301/2 , 307 , 308) نطق الرضيع كرامة للولد والوالد
وفى قوله فى جريج العابد وأمه اذ قالت أمه (( اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات))فاستجاب الله لها كرامة منه تعالى لها وقال ولدها جريج لما اتهموه بأن ولد البغى منه قال للولد الرضيع من ابوك؟ فقال راعى الغنم فنطق الرضيع كرامة لجريج العابد وقوله صلى الله عليه وسلم فى أصحاب الغار الثلاثه الذين انطبقت عليهم الصخره فدعوا الله وتوسلوا اليه بصالح اعمالهم فاستجاب الله لهم وفرجها عنهم حتى خرجوا سالمين كرامة لهم وفى قوله فى حديث الراهب والغلام اذ جاء فيه ان الغلام قد رمى الدابه التى كانت قد منعت الجماهير من المرور رماها بحجر فماتت ومر الناس فكانت كرامة لغلام كما ان الملك حاول قتل الغلام بشتى طرق ووسائل القتل رماه من على جبل شاهق ولم يمت , قذفه فى البحر ولم يمت , فكان ذلك كرامة للغلام المؤمن الصالح .(اغلب هذه الكرامات فى الصحيح والسنن الصحيحه والآثار المنقوله المتواتره).

3 – ما رأوه الآف العلماء وشاهدوه من اولياء وكرامات لهم تفوق الحصر ومن ذلك ما روى ان الملائكة كانت تسلم على عمران بن حصين رضى الله عنه وان سلمان الفارسى وأبا الدرداء رضى الله عنهما كانا يأكلان فى صفحه فسبحت الصحفة أو الطعام فيها وأن خبيبا رضى الله عنه كان اسيرا عند المشركين بمكه فكان يؤتى بعنب يأكله وليس بمكة من عنب وان البراء بن عازب رضى الله عنه كان اذا اقسم على الله فى شئ استجاب الله له حتى كان يوم القادسيه اقسم على الله ان يمكن المسلمين رقاب المشركين وان يكون اول شهيد فى المعركة فكان كما طلب
وأن عمر ابن الخطاب رضى الله عنه كان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينه فاذا به يقول ياسارية الجبل ! ياسارية الجبل ! يوجه قائد معركة اسمه ساريه فسمع سارية صوته فانحاز بالجيش الى الجبل فكان فى ذلك نصرهم وانهزم اعدائهم من المشركين ورجع سارية فاخبر عمر والصحابة بما سمع من صوت عمر رضى الله عنه
وأن العلاء بن الحضرمى رضى الله عنه كان يقول فى دعائه ياعليم ياحكيم ياعلى ياعظيم فيستجاب له حتى انه خاض البحر بسرية معه فلم تبتل سروج خيولهم
وان الحسن البصرى دعا الله على رجل كان يؤذيه فخر ميتا فى الحال
وأن رجلا من النخع كان له حمار فمات له فى طريق سفره فتوضأ وصلى ركعتين ودعا الله سبحانه وتعالى فأحيا له حماره وحمل عليه متاعه .
الى غير ذلك من الكرامات التى لا تعد ولا تحصى والتى شاهدها آلآف الناس بل ملايين البشر .

 

2 – أولياء الشيطان

كما يؤمن المسلم بأن للشيطان من الناس أولياء استحوذ عليهم فأنساهم ذكر الله وسول لهم الشر وأملى لهم الباطل فأصمهم عن سماع الحق وأعمى ابصارهم عن رؤية دلائله فهم له مسخرون , ولأوامره طائعون يغريهم بالشر ويستهويهم الى الفساد بالتزيين حتى عرف لهم المنكر فعرفوه ونكر لهم المعروف فأنكروه فكانوا ضد أولياء الله وحربا عليهم وعلى النقيض منهم أولئك والوا الله وهؤلاء عادوه أولئك احبوا الله وأرضوه وهؤلاء أغضبوا الله وأسخطوه فعليهم لعنة الله وغضبه , حتى ولو ظهرت على ايديهم الخوارق ان طاروا فى السماء أو ان مشو على الماء اذ ليس ذلك الا استدراجا من الله لمن عاداه او عونا من الشيطان لمن والاه وذلك للادلة الاتيه ::

1 – اخباره تعالى عن ذلك بقوله (( والذين كفروا اولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور الى الظلمات اولئك اصحاب النار هم فيها خالدون ))(البقره)
وفى قوله (( وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم ليجادلوكم وان اطعتموهم انكم لمشركون ))(الانعام)
وفى قوله (( ويوم يحشرهم جميعا يامعشر الجن قد استكثرتم من الانس وقال اولياؤهم من الانس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا اجلنا الذى اجلت لنا قال النار مثواكم خالدين فيها الا ما شاء الله))(الانعام)
وفى قوله (( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين , وانهم ليصدونهم عن السبيل ويحبون انهم مهتدون ))(الزخرف)
وفى قوله(( انا جعلنا الشياطين اولياء للذين لا يؤمنون))(الاعراف)
وفى قوله(( انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون الله ويحسبون انهم مهتدون))(الاعراف)
وفى قوله(( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين ايديهم وما خلفهم))(فصلت)
وفى قوله(( واذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا الا ابليس كان من الجن ففسق عن امر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو ))( الكهف)

2 – اخبار الرسول صلى الله عليه وسلم فى قوله لما رأى نجما فاستنار قال مخاطبا اصحابه (( ما كنتم تقولون لمثل هذه فى الجاهليه ؟ قالو كنا نقول يموت عظيم أو يولد عظيم فقال (( انه لا يرمى به فى موت احد ولا لحياته ولكن ربنا تبارك وتعالى اذا قضى أمرا سبح حملة العرش ثم سبح أهل السماء الذين يلونهم ثم الذين يلونهم حتى يبلغ التسبيح اهل هذه السماء ثم يسأل اهل السماء حملة العرش ماذا قال ربنا ؟ فيخبروهم ثم يستخبر اهل كل سماء حتى يبلغ الخبر اهل السماء الدنيا وتخطف الشياطين السمع فيرمون فيقذفونه الى اوليائهم فما جاءوا به على وجهه فهو حق ولكنهم يزيدون ))(رواه الترمذى فى صحيحه 32224 وورد كذلك فى مسلم واحمد)
وفى قوله عليه الصلاة والسلام (( ما منكم من احد الا وقد وكل به قرينه))(رواه البخارى 58/8 ورواه مسلم فى كتاب السلام )
وفى قوله (( ان الشيطان يجرى من ابن ادم مجرى الدم فى العروق فضيقوا عليه مجاريه بالصوه))(ورد فى البخارى 64/3 , 100/4 )

3 – ما رآه وشاهده مئات الالوف من البشر من احوال شيطانية غريبة فى كل زمان ومكان تقع لأولياء الشيطان فمنهم من كان يأتيه الشيطان بأنواع من الاطعمة والاشربه ومنهم من كان يقضى له الشيطان حاجته ومنهم من يكلمه بالغيب ويطلعه على بعض بواطن الامور وخفاياها ومنهم من يمنع نفوذ السلاح اليه ومنهم ما يأتيه الشيطان فى رؤية رجل صالح عندما يستغيث بذلك الصالح لتغريره وحمله على الشرك بالله ومعاصيه ومنهم من قد يحمله الى بلد بعيد او يأتيه بأشخاتص وحاجات من اماكن بعيده الى غير ذلك من الاعمال التى تقوى على فعلها الشياطين ومردة الجان وخبثاؤهم .
وتحصل هذه الاحوال الشيطانيه نتيجة لخبث روح الآدمى بمكا يتعاطى من ضورب الشر والفساد والكفر والمعاصى البعيده عن كل حق وخير وايمان وتقوى وصلاح حتى يبلغ الآدمى درجة من خبث النفس وشرها يتحد فيها مع أرواح الشياطين المطبوعة على الخبث والشر وعندئذ تتم الولاية بينه وبين الشيطان فيوحى بعضهم الى بعض كل بما يقدرعليه ولذا لما يقال لهم يوم القيامه (( يامعشر الجن قد استكثرتم من الانس )) يقول اولياؤهم من الانس (( ربنا استمتع بعضنا ببعض))(الانعام)
وأما الفرق بين كرامة اولياء الله الربانيه وبين الاحوال الشيطانيه فانه يظهر فى سلوك العبد وحاله , فان كان من ذوى الايمان والتقوى المتمسكين بشرؤيعة الله ظاهرا وباطنا فما يجرى على يديه من خارقه هو كرامة من الله تعالى له .
وان كان من ذوى الخبث والشرى والبعد عن التقوى المنغمسين فى ضروب المعاصى المتوغلين فى الكفر والفساد فما يجرى على يديه من خارقه انما هو من جنس الاستدراج او من خدمة اوليائه من الشياطين له ومساعدتهم اياه.


الفصل القادم باذن الله من باب العقيدة

الايمان بوجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر وآدابه

 
الفصل الخامس عشر

الايمان بوجوب الانر بالمعروف والنهى عن المنكر وآدابه

1 – فى وجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر

يؤمن المسلم بوجوب الامر بالمعروف والنهى عن المنكر على كل مسلم مكلف قادر علم بالمعروف ورآه متروكا او علم بالمنكر ورآه مرتكبا , وقدر على الامر والتغيير بيده او لسانه وانه من اعظم الواجبات الدينيه بعد الايمان بالله تعالى اذ ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز مقرونا بالايمان قال تعالى (( كنتم خير أمة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ))(آل عمران)
وذلك للأدلة النقلية السمعية والأدلة العقلية المنطقية الآتيه ::

الأدلة النقلية ::

1 – أمره تعالى به فى قوله (( ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون ))( آل عمران)

2 – اخباره تعالى عن أهل نصرته وولايته بأنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فى قوله(( الذين ان مكناهم فى الارض اقاموا الصلاة وءاتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ))(الحج)
وفى قوله(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمروان بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله))(التوبه)
وفى قوله سبحانه فيما اخبر عن وليه لقمان عليه السلام وهو يعظ ابنه (( يابنى أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر واصبر على ما أصابك ان ذلك من عزم الأمور ))(لقمان)
وفى قوله تعالى فيما نعاه على بنى اسراءيل (( لعن الذين كفروا من بنى اسراءيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون , كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يعملون ) (المائده)
وفى قوله تعالى فيما ذكره عن بنى اسراءيل من انه تعالى نجى الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر وأهلك التاركين لذلك (( أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيسبما كانوا يفسقون ))(الاعراف).

3 – أمر الرسول صلى الله عليه وسلم به فى قوله (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ))(رواه مسلم 69)
وفى قوله (( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله ان يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجيب لكم ))(رواه ابو داوود 17 كتاب الملاحم ورواه الامام احمد 391/5)

4 – اخباره صلى الله عليه وسلم فى قوله (( ما من قوم عملوا بالمعاصى وفيهم من يقدر ان ينكر عليهم فلم يفعلوا الا يوشك ان يعمهم الله بعذاب من عنده ))(اتحاف السادة المتقين 6/7)
وفى قوله لابى ثعلبه الخشنى لما سأله عن تفسير قوله (( لا يضركم من ضل اذا اهتديتم))(المائده) فقال ياثعلبه مر بالمعروف وانه عن المنكر فاذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة واعجاب كل ذى رأى برأيه فعليك بنفسك ودع عنك العوام ان من ورائكم فتنا كقطع الليل المظلم للمتمسك فيها بمثل الذى انتم عليه اجر خمسين منكم)) قيل بل منهم يارسول الله , قال (( لا بل منكم لانكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون عليه اعوانا ))(رواه الحاكم 322/4 واتحاف الساده المتقين 6/7)
وقوله صلى الله عليه وسلم (( ما من نبى بعثه الله فى امة قبلى الا كان له من امته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم انهم تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الايمان حبة خردل ))(رواه مسلم 80 كتاب الايمان)
وقوله عليه الصلاة والسلام عندما سئل عن أفضل الجهاد قال (( كلمة حق عند سلطان جائر))(رواه بن ماجه 4012 ورواه النسائى 161/7 ورواه الامام احمد 315/4)
 

الأدلة العقليه ::

1 – لقد ثبت بالتجربة والمشاهده ان المرض اذا أهمل ولم يعالج انتشر فى الجسم وعسر علاجه بعد تمكنه من الجسم وانتشاره فيه وكذلك المنكر اذا ترك فلم يغير فانه لا يلبث ان يألفه الناس ويفعله كبيرهم وصغيرهم وعندئذ يصبح من غير السهل تغييره او ازالته ويومها يستوجب فاعلوه العقاب من الله عز وجل العقاب الذى لايمكن ان يتخلف بأى حال اذ انه جار على سنن الله تعالى التى لا تتبدل ولا تتغير (( سنة الله ))(الاحزاب) , (( فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا ))(فاطر)

2 – حصل بالمشاهدة ان المنزل اذا أهمل ولم ينظف ولم تبعد منه النفايات والاوساخ فتره من الزمان يصبح غير صالح للسكن اذ تتعفن ريحه ويتسمم هواءه وتنتشر فيه الجراثيم والاوبئه لطول ما تراكمت فيه الاوساخ وكثرة ما تجمعت القاذورات وكذلك الجماعة من المؤمنين اذا تفشى فيهم المنكر ولم يغيروه والمعروف فلم يؤمر به لا يلبثون ان يصبحوا خبثاء الارواح شريرى النفوس لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ويومئذ يصبحون غير صالحى للحياه فيهلكهم الله بما شاء من اسباب ووسائط وان بطش ربك لشديد وانه عزيز ذو انتقام .

3 – عرف بالملاحظه ان النفس البشرية تعتاد القبيح فيحسن عندها وتألف الشر فيصبح طبيعة لها فذلك شأن الامر بالمعروف والنهى عن المنكر فان المعروف اذا ترك ولم يؤمر به ساعة تركه لا يلبث الناس ان يعتادوا تركه ويصبح فعله عندهم من المنكر وكذلك المنكر اذا لم يبادر الى تغييره وازالته لم يمض يسير من الزمن حتى يكثر وينتشر ثم يعتاد ويؤلف ثم يصبح فى نظر مرتكبيه غير منكر بل يرونه هو المعروف بعينه وهذا هو انطماس البصيره والمسخ الفكرى والعياذ بالله تعالى
من اجل هذا أمر الله سبحانه وتعالى بالامر بالمعروف والنهى عن المنكر وأوجباه فريضة على المسلمين ابقاء لهم على طهرهم وصلاحهم ومحافظة لهم على شرف مكانتهم بين الامم والشعوب .



آداب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر

1 – أن يكون عالما بحقيقة ما يأمر به من انه معروف فى الشرع وأنه قد ترك بالفعل كما يكون عالما بحقيقة المنكر الذى ينهى عنه ويأمر بتغييره وأن يكون قد ارتكب حقيقة وأنه ممن ينكر الشرع من المعاصى والمحرمات .

2 – ان يكون ورعا لا يأتى الذى ينهى عنه ولا يترك الذى يأمر به (( يايها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون , كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ))(الصف)
وقوله (( أتأمرون الناس بالبر وتنسون انفسكم وانتم تتلون الكتاب افلا تعقلون))(البقره)

3 – ان يكون حسن الخلق حليما يأمر بالرفق وينهى باللين لا يجد فى نفسه اذا ناله سوء ممن نهاه ولا يغضب اذا لحقه اذى ممن أمره بل يصبر ويعفو ويصفح لقوله تعالى (( وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما اصابك ان ذلك من عزم الامور ))(لقمان)

4 – انه لا يتعرف الى المنكر بواسطة التجسس اذ لا ينبغى لمعرفة المنكر ان يتجسس على الناس فى بيوتهم او يرفع ثياب احدهم ليرى ما تحتها او يكشف الغطاء ليعرف ما فى الوعاء اذ الشارع أمر بستر عورات الناس ونهى عن التجسس عنهم والتجسس عليهم وقال صلى الله عليه وسلم (( لا تجسسوا))(البخارى فى حديث اوله اياكم والظن .. 5/4 , 24/7 , 23/8 , 185)
وقال عليه الصلاة والسلام (( من ستر مسلما ستره الله فى الدنيا ولآخره ))( مسلم 38 كتاب الذكر)

5 – قبل أن يأمر من أراد أمره أن يعرفه بالمعروف اذ قد يكون تركه له لكونه انه لم يعرف انه من المعروف كما يعرف بأن ما يفعله من منكر ان هذا منكر ويجب تركه اذ قد يكون فعله له ناتج عن عدم معرفته انه منكر .

6 – ان يأمر وينهى بالمعروف فان لم يفعل التارك للمعروف ولم يترك المرتكب للمنهى وعظه بما يرفق قلبه بذكر ما ورد فى الشرع من أدلة الترغيب والترهيب فان لم يحصل امتثال استعمل عبارات التأنيب والتعنيف والغلظة فى القول فان لم ينفع ذلك غير هذا المنكر بيده فان عجز استظهر عليه بالحكومة أو الاخوان .

7 – فان عجز عن تغيير المنكر بيده او بلسانه مخافة على نفسه او ماله او عرضه وكان لا يطيق الصبر على ما يراه من منكر فيكتفى بتغييره بقلبه امتثالا لقول قدوتنا وملازنا محمد صلى الله عليه وسلم .








 

الفصل السادس عشر

الايمان بوجوب محبة محبة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفضليتهم
واجلال أئمة الاسلام وطاعة ولاة أمور المسلمين .


يؤمن المسلم بوجوب محبة اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وأفضليتهم على من سواهم من المؤمنين والمسلمين وأنهم فيما بينهم متفاوتون فى الفضل وعلو الدرجة بحسب اسبقيتهم فى الاسلام فأفضلهم الخلفاء الراشدون الأربعه : أبو بكر , وعمر , وعثمان , وعلى رضى اله تعالى عنهم اجمعين
ثم العشرة المبشرين بالجنة وهم الراشدون الاربعه وطلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وسعد بن ابى وقاص وسعيد بن زيد وابو عبيده عامر بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف ثم أهل بدر ثم المبشرون بالجنة من غير العشره كفاطمة الزهراء وولديها الحسنين وثابت بن قيس وبلال بن رباح وغيرهم ثم اهل بيعة الرضوان وكانوا الف وربعمائة صحابى رضى الله تعالى عنهم اجمعين .

كما يؤمن المسلم بواجب طاعة ولاة أمور المسلمين وتعظيمهم واحترامهم والجهاد معهم والصلاة خلفهم وحرمة الخروج عليهم ولذا يلتزم حيال كل هؤلاء المذكورين بآداب خاصه

أما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته :
1 – يحبهم لحب الله تعالى وحب رسوله لهم , اذ اخبر تبارك وتعالى انه يحبهم ويحبونه فى قوله (( فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون فى سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ))(المائده)
كما قال فى وصفهم (( محمد رسول الله والذين معه أشدآء على الكفار رحماء بينهم ))(الفتح)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( الله الله فى اصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدى فمن احبهم فبحبى احبهم ومن أبغضهم فبغضى أبغضهم ومن أذاهم فقد أذانى ومن آذى الله يوشك أن يأخذه ))(رواه الترمذى 3862 وحسنه )

2 – يؤمن بأفضليتهم على غيرهم من سائر المسلمين والمؤمنين لقوله تعالى فى ثنائه عليهم (( والسابقون الاولون من المهاجرين والانصار والذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى من تحتها الانهار خالدين فيها ابدا ذلك الفوز العظيم ))( التوبه )
وقال رسول الله عليه الصلاة والسلام (( لا تسبوا اصحابى فان احدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ))(رواه ابو داوود 4658 باسناد حسن )

3 – أن يرى ان ابا بكر افضل اصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام ومن دونهم على الاطلاق وان الذين يلونه فى الفضل هم عمر ثم عثمان ثم على رضى الله عنهم اجمعين وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم (( لو كنت متخذا من أمتى خليلا لاتخذت ابا بكر ولكن اخى وصاحبى ))(رواه البخارى 126/1)
وقول ابن عمر رضى الله عنه كنا نقول للنبى صلى الله عليه وسلم حى ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم على فبلغ ذلك النبى عليه الصلاة والسلام فلم ينكرها ولقول على رضى الله عنه خير هذه الامه بعد نبيها هو ابو بكر ثم عمر ولو شئت لسميت الثالث أى عثمان رضى الله عنهم اجمعين - كنز العمال 32684 , 36139 .

4 – أن يقر بمزاياهم ويعترف بمناقبهم كمنقبة ابى بكر الصديق وعمر وعثمان فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد وقد رجف وهم فوقه (( اسكن أحد انما عليك نبى وصديق وشهيدان )) وكقوله لعلى رضى الله عنه (( أما ترضى ان تكون منى بمنزلة هارون من موسى ؟ وقوله فاطمة سيدة نساء اهل الجنه وكقوله للزبير ابن العوام (( ان كل نبى حوارى وان حواريى الزبير بن العوام وكقوله فى الحسن والحسين اللهم أحبهما فانى احبهما وكقوله لعبد الله بن عمر ان عبد الله رجل صالح(رواه البخارى 31/5 , 47 و 51 /9)كقوله زيد بن حارثه : أنت اخونا ومولانا ( رواه البخارى 232/3 , 180 و 29 /5)وقوله لجعفر بن ابى طالب : أشبهت
خلقى وخلقى( رواه البخارى 242/3 , 180 و 24/5)
وقوله لبلال بن رباح : سمعت دف نعليك بين يدى فى الجنه وكقوله فى سالم مولى ابى حذيفه وعبد الله بن مسعود وأبى بن كعب ومعاذ بن جبل (رواه البخارى 34 و 45 /5)وكقوله فى عائشه : وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ( رواه البخارى فى صحيحه 5419)
وكقوله فى الانصار (( لم ان الانصار سلكوا واديا او شعبا لسلكت فى وادى الانصار ولولا الهجرة لكنت امرأ من الانصار ))( رواه البخارى 38/5)
وقال(( الانصار لا يحبهم الا مؤمن ولا يبغضهم الا منافق فمن احبهم احبه الله ومن ابغضهم ابغضه الله ))( رواه البخارى فى صحيحه 3783) وكقوله فى سعد بن معاذ (( اهتز العرش لموت سعد بن معاذ ))( رواه البخارى 3803)
وكمنقبة اسد بن حضير اذ كان مع احد اصحاب النبى صلى الله عليه وسلم فى بيت رسول الله فى ليلة مظلمه فلما خرجا واذا نور بين ايديهما يمشيان فيه فلما تفرقا تفرق النور معهما – وردت هذه القصه فى صحيح البخارى 3805)
وكقوله لابى بن كعب (( ان الله أمرنى ان أقرأ عليك : (( لم يكن الذين كفروا ...))(البينه) قال وسمانى ؟! قال نعم فبكى أبى .(( رواه الامام احمد 130 /3)
وكقوله فى خالد بن الوليد (( سيف من سيوف الله مسلول ))(رواه البخارى فى صحيحه 3757)
وكقوله فى الحسن (( ابنى هذا سيد ولعل الله ان يصلح به فئتين من المسلمين ))(رواه البخارى 249/4 , 32/5)
وكقوله فى ابى عبيده(( لكل أمة أمين وان اميننا ايتها الامه ابو عبيدة بن الجراح ))(رواه البخارى 218/5 , 109/9) رضى الله عنهم وأرضاهم اجمعين .

5 – يكف عن ذكر مساوئهم ويسكت عن الخلاف الذى شجر بينهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( لا تسبوا اصحابى )) وقوله (( لا تتخذوهم غرضا بعدى ))وقوله (( فمن آذاهم فقد آذانى ومن أذانى فقد أذى الله ومن أذى الله يوشك ان يأخذه))(سبق تخريج الحديث)

6 – أن يؤمن بحرمة زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن طاهرات مبرءات وأن يترضى عليهم ويرى ان افضلهن خديجة بنت خويلد وعائشة بنت ابى بكر وذلك لقول الله تعالى (( النبى أولى بالمؤمنين من انفسهم وازواجه أمهاتهم ))(الاحزاب)

 
وأما ائمة الاسلام من قراء ومحدثين وفقهاء فانه :

1 – يحبهم ويترحم عليهم ويستغفر لهم ويعترف لهم بالفضل لانهم ذكروا فى قول الله تعالى (( والذين اتبعوهم باحسان رضى الله عنهم ورضوا عنه ))( التوبه)
وفى قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( خيركم قرنى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم))( رواه البخارى 224 / 3 , 176 و 113 / 8 , ورواه مسلم 214 كتاب فضائل الصحابه)
فعامة القراء والمحدثين والفقهاء والمفسرين كانوا من اهل هذه القرون الثلاثه الذين شهد لهم رسول الله بالخير وقد أثنى الله على المستغفرين لمن سبقوا بالايمان فى قوله (( ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان))( الحشر) فهو اذا يستغفر لكل المؤمنين والمؤمنات

2 – لا يذكرهم الا بخير ولا يعيب عليهم قولا ولا رأيا ويعلم انهم كانوا مجتهدين مخلصين فيتأدب معهم عند ذكرهم ويفضل رأيهم على رأى من بعدهم وما رأوه على ما رآه من اتى بعدهم من علماء وفقهاء ومفسرين ومحدثين ولا يترك قولهم الا لقول الله او قول رسول الله صلى الله عليه وسلم او قول صحابته رضوان الله عليهم اجمعين

3 – ان ما دونه الائمة الاربعه : مالك والشافعى وابو حنيفة واحمد وما رأوه وقالوه من مسائل الدين والفقه والشرع هو مستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وليس لهم الا ما فهوه من هذين الاصلين او استنبطوه منهما او قاسوه عليهما .

4 – يرى ان الاخذ بما دونه احد هؤلاء الاعلام من مسائل الفقه والدين جائز وان العمل به عمل بشريعة الله عز وجل مالم يعارض بنص صريح صحيح من كتاب الله او سنة رسوله صلى الله علي وسلم فلا يترك قول الله او قول رسوله لقول احدا من خلقه كائنا من كان وذلك لقوله تعالى (( ياأيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله ))( الحجرات)
وقوله (( ما كان لمؤمن ولا مؤمنه اذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم))(الاحزاب)
وقوله صلى الله عليه وسلم (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) ( رواه البخارى 91 /3 , 132 /9 , ورواه مسلم 18 كتاب الأقضيه )
وقوله (( والذى نفسى بيده لا يؤمن احدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ))(رواه النووى وقال فيه حسن صحيح )

5 – يرى انهم بشر يصيبون ويخطئون فقد يخطئ احدهم الحق فى مسألة من المسائل لا عن قصد وعمد – حاشاهم – ولكن عن غفلة او سهو او نسيان او عدم احاطه فلهذا المسلم لا يتعصب لرأى احدهم دون آخر بل له ان يأخذ عن اى واحد منهم ولا يرد قولهم الا لقول الله , او قول رسول الله صلى الله عليه وسلم .

6 – يعذرهم فيما اختلفوا فيه من بعض مسائل الدين الفرعيه ويرى ان اختلافهم لم يكن جهلا منهم ولا تعصب لآرائهم وانما كان : اما ان المخالف لم يبلغه الحديث أو رأى نسخ هذا الحديث الذى لم يأخذ به أو عارضه حديث اخر فرجحه عليه او فهم منه مالم يفهمه غيره اذ من الجائز ان تختلف الافهام فى مدلول اللفظ فيحمله كل على فهمه الخاص ومثال هذا ما فهمه الامام الشافعى رضى الله عنه من نقض الوضوء بمس المرأة مطلقا فهما من قوله تعالى ( او لامستم النساء))( المائده ) فقد فهم او لامستم المس , ولم ير غيره فقال بوجوب الوضوء لمجرد مس المرأه وفهم غيره المراد من الملامسه فى الاية الجماع فلم يوجبوا الوضوء بمجرد المس بل لا بد من قدر زائد كالقصد او وجود اللذه .
وقد يقول قائل : لم لم يتنازل الامام الشافعى عن فهمه ليوافق باقى الائمة ويقطع دابر الخلاف عن الامه ؟
الجواب : انه لا يجوز له ابدا ان يفهم عن ربه شيئا لا يخالجه فيه ادنى ريب ثم يتركه لمجرد رأى او فهم امام اخر , فيصبح متبعا لقول الناس تاركا قول الله وهو من اعظم الذنوب عند الله تعالى .
نعم .. لو ان فهمه من النص عارضه نص صريح من كتاب او سنه لوجب عليه التمسك بدلالة النص الظاهره ويترك ما فهمه من ذلك اللفظ الذى دلالته ليست نصا صريحا ولا ظاهرا اذ لو كانت دلالته قطعية لما اختلف فيه اثنان من عامة الأمه فضلا عن الائمه .

 

وأما ولاة أمور المسلمين فانه :

1 – يرى وجوب طاعتهم لقوله تعالى (( ياأيها الذين آمنوا اطيعوا الله والرسول وأولى الامر منكم ))( النساء)
ولوقل الرسول صلى الله عليه وسلم (( اسمعوا واطيعوا وان تأمر عليكم عبد حبشى كأن رأسه زبيبة))(رواه البخارى 78/9)
وقوله (( من أطاعنى فقد أطاع الله ومن عصانى فقد عصى الله ومن أطاع أميرى فقد أطاعنى ومن عصى اميرى فقد عصانى ))(رواه البخارى 77 / 9)
ولكن لا يرى طاعتهم فى معصية الله عز وجل لان طاعة الله مقدمة على طاعتهم فى قوله (( ولا يعصينك فى معروف ))(الممتحنه)
ولان الرسول عليه الصلاة والسلام قال (( انما الطاعة فى المعروف))( رواه البخارى 89/9 , ورواه مسلم 40 , 39 كتاب الاماره )
وقال ايضا (( لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ))( رواه البخارى 109/9 ومسلم 9 كتاب الاماره )
وقوله (( لا طاعة فى معصية الله ))(رواه الامام احمد 131و409/1 , 66/5 )
وقال ايضا عليه الصلاة والسلام (( السمع والطاعة على المرء المسلم فيما احب وكره مالم يؤمر بمعصيه فاذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة))(رواه البخارى 78/9 , وابو داوود 2626 , والترمذى 17/7 , والامام احمد 17/2)

2 – يرى حرمة الخروج عليهم او اعلان معصيتهم لما فى ذلك من شق عصا الطاعة على سلطان المسلمين ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينصح لهم فى غير اهانه وانتقاض كرامة لقوله صلى الله عليه وسلم (( الدين النصيحه )) قلنا : لمن ؟ قال (( لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ))( رواه مسلم 95 كتاب الايمان )

4 – ان يجاهد وراءهم ويصلى خلفهم وان فسقوا وارتكبوا المحرمات التى هى دون الكفر لقوله عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن طاعة امراء السوء (( اسمعوا وأطيعوا فانما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم )) ( رواه مسلم 49 و 50 كتاب الايمان )
لقول عبادة بن الصامت : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأن لا ننازع الامر اهله قال (( الا ان تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ))( رواه الامام مسلم 42 كتاب الايمان ومعنى بواحا اى ظاهرا مكشوفا ومعنى برهان دليل وحجه )

 
بســم الله الـرحمــن الرحيــم

السلام عليكــم ورحمـة الله وبركاتــه ،،

تم بحمد الله الانتهاء من الباب الاول (( باب العقيدة ))

الباب الثانى باذن الله وهو

باب الآداب

وسنبدأ باذن الله بالفصل الاول آداب النيه

 
الباب الثانى

فى الآداب

الفصل الاول

آداب النية

يؤمن المسلم بخطر شأن النية وأهميتها لسائر أعماله الدينية والدنيوية اذ جميع الاعمال تتكيف بها وتكون بحسبها فتقوى وتضعف وتصح وتفسد تبعا لها وايمان المسلم هذا بضرورة النية لكل الاعمال ووجوب اصلاحها مستمد اولا من قول الله تعالى (( وما أمروا الا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ))( البينة) قوله سبحانه (( قل انى امرت ان اعبد الله مخلصا له الدين ))(الزمر)
وثانيا من قول المصطفى عليه الصلاة والسلام (( انما الاعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى ))(رواه البخارى 2/1 , 175/8 , 29/9 , ورواه ابو داوود 2201 , ورواه الترمذى 1647 , ورواه النسائى (ب 59)
كتاب الطهاره )
وقوله (( ان الله لا ينظر الى صوركم واموالكم وانما ينظر الى قلوبكم واعمالكم))(رواه مسلم 1987 , ورواه الامام احمد 285/2 , 539)
فالنظر الى القلوب نظر الى النيات اذ النية هى الباعث على العمل والدافع اليه ومن قوله صلى الله عليه وسلم (( من هم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنه ))(رواه الامام احمد 279/1 , 361 , 411) فبمجرد الهم الصالح كان العمل صالحا يثبت به الاجر وتحصل به المثوبه وذلك لفضيلة النية الصالحه وفى قوله صلى الله عليه وسلم (( الناس اربعه : رجل اتاه الله علما ومالا فهو يعمل بعلمه فى ماله , فيقول رجل لو اتانى الله تعالى مثل ما اتاه لعمات كما عمل فهما فى الاجر سواء . ورجل اتاه الله مالا ولم يؤته علما فهو يخبط فى ماله , فيقول رجل لو اتانى الله مثل ما اتاه لعملت كما عمل فهما فى الوزر سواء ))(رواه الترمذى 17 كتاب الزهد )
فأثيب ذو النية الصالحه بثواب العمل الصالح ووزر ذو النية الفاسده بوزر صاحب العمل الفاسد وكان مرد هذا الى النية وحدها ومن قوله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك (( ان بالمدينة أقواما ما قطعنا واديا ولا وطئنا موطئا يغيظ الكفار ولا انفقنا نفقة ولا اصابتنا مخمصة الا شركونا ذلك وهم بالمدينة فقيل له كيف يارسول الله ؟ فقال حبسهم العذر فشركوا بحسن النية ))(رواه البخارى 35 كتاب الجهاد وابو داوود جهاد 19)
فحسن النيه جعل غير الغازى فى الاجر كالغازى وحصل غير المجاهد على اجر مثل اجر المجاهد ومن قوله صلى الله عليه وسلم (( اذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول فى النار )) فقيل يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول ؟ فقال : لانه اراد قتل صاحبه ))( رواية البخارى كتاب الايمان لانه كان حريصا على قتل اخيه )
فسوت النية الفاسدة والارادة السيئه بين قاتل مستوجب للنار وبين مقتول لاولا نيته الفاسده لكان من اهل الجنة
ومن قوله عليه الصلاة والسلام (( انما الرجل أصدق المرأة صداقا والله يعلم انه لا يريد أداءه اليها فغرها بالله واستحل فرجها بالباطل لقى الله يوم يلقاه وهو زان وانما رجل أدان من رجل دينا والله يعلم منه انه لا يريد أداءه فغره بالله واستحل ماله بالباطل لقى الله يوم يلقاه وهو سارق ))( رواه الامام احمد 332/4 ورواه ابن ماجه 2410 كتاب الفتن والنسائى 125/7)
فبالنيه السيئه انقلب المباح حراما والجائز ممنوعا وما كان خاليا من الحرج اصبح ذا حرج .
كل هذا يؤكد ما يعتقده المسلم فى خطر شأن النيه وكبر اهميتها لذا فهو يبنى سائر اعماله على صالح النيه اذ النيه روح العمل وقوامه صحته من صحتها وفساده من فسادها والعمل بدون نية صاحبه مراء متكلف ممقوت .
وكما يعتقد المسلم ان النية ركن الاعمال وشرطها فانه يرى ان النية ليست مجرد لفظ باللسان ( اللهم نويت كذا ) ولا هى حديث نفس فحسب بل هة انبعاث القلب نحو العمل الموافق لغرض صحيح من جلب نفع او دفع ضر او مالا كما هى الاراده المتوهجة تجاه الفعل لابتغاء رضا الله او امتثالا لامره .
والمسلم اذ يعتقد ان العمل المباح ينقلب بحسن النيه طاعة ذات اجر ومثوبه وان الطاعة اذا خلت من نية صالحه تنقلب معصية ذات وزر وعقوبه لا يرى ان المعاصى تؤثر فيها النية الحسنه فتنقلب طاعه فالذى يغتاب شخصا لتطييب خاطر شخص اخر هو عاص لله تعالى آثم لا تنفعه نيته الحسنة فى نظره والذى يبنى مسجدا بمال حرام لا يثاب عليه والذى يحضر حفلات الرقص والمجون او يشترى اوراق ( اليانصيب ) بنية تشجيع المشاريع الخيريه او لفائدة جهاد ونحوه هو عاص لله تعالى آثم مأزور غير مأجور والذى يبنى القباب على قبور الصالحين او يذبح لهم الذبائح او ينذر لهم النذور بنية محبة الصالحين هو عاص لله تعالى آثم على عمله ولو كانت نيته صالحة كما يراها اذ لا ينقلب بالنية الصالحه طاعه الا ما كان مباحا مأذونا فى فعله فقط اما المحرم فلا ينقلب طاعه ابدا .


الفصل القادم باذن الله من باب الآداب

الأدب مع الله تعالى
 
الفصل الثانى

الأدب مع الله سبحانه وتعالى

المسلم ينظر الى ما لله تعالى عليه من منن لا تحصى ونعم لا تعد اكتنفته من ساعة علوقه نطفة فى رحم امه وتسايره الى ان يلقى ربه سبحانه وتعالى فيشكر الله تعالى عليها بلسانه بالثناء عليه بما هو اهله وبجوارحه بتسخيرها فى طاعته فيكون هذا ادبا منه مع الله سبحانه وتعالى اذ ليس من الادب فى شئ كفران النعم وجحود فضل المعم والتنكر له ولاحسانه وانعامه والله سبحانه يقول (( وما بكم من نعمة فمن الله )) ( النحل ) ويقول سبحانه (( وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها )) ( النحل ) ويقول الحق سبحانه (( فاذكروى اذكركم واشكروا لى ولا تكفرون ))(البقره) .

ــــــــــــــــــــ

وينظر المسلم الى علمه تعالى به واطلاعه على جميع احواله فيمتلئ قلبه منه مهابة ونفسه له وقارا وتعظيما فيخجل من معصيته ويستحيى من مخالفته والخروج عن طاعته فيكون هذا ادبا مع الله سبحانه وتعالى اذ ليس من الادب فى شئ ان يجاهر العبد سيده بالمعاصى او يقابله بالقبائح والرذائل وهو يشهده وينظر اليه قال تعالى (( ما لكم لا ترجون لله وقارا , وقد خلقكم أطوارا ))( نوح )
وقال (( يعلم ما تسرون وما تعلنون ))( النحل )
وقال (( وما تكون فى شأن وما تتلوا منه من قرءان ولا تعملون من عمل الا كنا عليكم شهودا اذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك مثقال ذرة فى الارض ولا فى السماء ))( يونس )

ـــــــــــــــــــــ

وينظر المسلم اليه تعالى وقد قدر عليه وأخذ بناصيته وانه لا مفر له ولا مهرب ولا منجا ولا ملجأ منه الا اليه فيفر اليه تعالى ويطرح بين يديه ويفوض امره اليه ويتوكل عليه فيكون هذا ادبا منه مع ربه خالقه اذ ليس من الادب فى شئ الفرار مما لا مفر منه ولا مهرب ولا الاعتماد على من لا قدره له ولا الاتكال على من لا حول ولا قوة له قال تعالى (( ما من دابة الا هوءاخذ بناصيتها ))( هود )
وقال (( ففروا الى الله انى لكم منه نذير مبين ))( الذاريات )
وقال (( وعلى الله فتوكلوا ان كنتم مؤمنين ))( المائده )

ــــــــــــــــــــ

وينظر المسلم الى الطاف الله تعالى به فى جميع الامور والى رحمته له ولسائر خلقه فيطمع فى المزيد من ذلك فيتضرع له بخالص الضراعة والدعاء ويتوسل اليه بطيب القول وصالح العمل فيكون هذا ادبا مع الله مولاه اذ ليس من الادب فى شئ اليأس من المزيد من رحمة وسعت كل شئ ولا القنوط من احسان قد عم البرايا .
قال تعالى (( ورحمتى وسعت كل شئ ))( الأعراف ) وقال (( الله لطيف بعباده ))( الشورى ) وقال (( لا تايئسوا من روح الله )) ( يوسف ) وقال (( لا تقنطوا من رحمة الله ))( الزمر )

ــــــــــــــــــــــ

وينظر المسلم الى شدة بطش ربه والى قوة انتقامه والى سرعة حسابه فيتقيه بطاعته ويتوقاه بعدم معصيته فيكون هذا ادبا منه مع الله تعالى . اذ ليس منالادب عند ذوى الالباب ان يتعرض بالمعصية والظلم العبد الضعيف العاجز للرب العزيز القادر والقوى القاهر وهو يقول : (( واذا اراد الله قوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال )) ( الرعد ) ويقول (( ان بطش ربك لشديد ))(البروج) ويقول (( والله عزيز ذو انتقام ))(ال عمران)

ـــــــــــــــــــــ

وينظر المسلم الى الله تعالى عند معصيته والخروج عن طاعته وكأن وعيده قد تناوله وعذابه قد نزل به وعقابه قد حل بساحته كما ينظر اليه تعالى عند طاعته واتباع شرعه وكأن وعده قد صدقه له وكأن حلة رضاه قد خلعها عليه فيكون هذا من المسلم حسن الظن بالله اذ ليس من الادب ان يسئ المرء الظن بالله فيعصيه ويخرج عن طاعته ويظن انه غير مطلع عليه ولامؤاخذ على ذنبه وهو يقول (( ولكن ظننتم ان الله يعلم كثيرا مما تعملون , وذلكم ظنكم بربكم ارادكم فأصبحتم من الخاسرين))( فصلت )
كما انه ليس من الادب مع الله ان يتقيه المرء ويطيعه ويظن انه غير مجازيه بحسن عمله ولا هو قابل منه عبادته وطاعته وهو الحق يقول (( ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فاولئك هم الفائزون ))(النور)
ويقول تعالى (( من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الا مثلها وهم لا يظلمون ))(الانعام)
ويقول سبحانه (( من عمل صالحا من ذكر او انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبه ولنجزينهم اجرهم باحسن ما كانوا يعملون ))(النحل)

ــــــــــــــــــــــ

وخلاصة القول ان شكر المسلم ربه على نعمه وحياءه منه تعالى عن الميل الى معصيته وصدق الانابة اليه والتوكل عليه ورجاء رحمته والخوف من نقمته وحسن الظن به فى انجاز وعده وانفاذ وعيده فيمن شاء من عباده هو ادبه مع الله وبقدر تمسكه به ومحافظته عليه تعلو درجته ويرتفه مقامه وتسمو مكانته وتعظم كرامته فيصبح من اهل ولاية الله تعالى ورعايته ومحط رحمته ومنزل نعمته وهذا اقصى ما يطلبه المسلم ويتمناه طوال حياته .
اللهم ارزقنا ولايتك ولا تحرمنا رعايتك واجعلنا لديك من المقربين يالله يارب العالمين .


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل القادم باذن الله من باب الآداب

الادب مع كلام الله تعالى ( القران الكريم )
 
الفصل الثالث

الأدب مع كلام الله تعالى (القران الكريم)

يؤمن المسلم بقدسية كلام الله تعالى وشرفه وافضليته على سائر الكلام وان القران الكريم كلام الله الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من قال به صدق ومن حكم به عدل وأن اهله هم اهل الله وخاصته والمتمسكون به ناجون فائزون والمعرضون عنه هلكى خاسرون .
ويزيد فى ايمان المسلم بعظمة كتاب الله عز وجل وقدسيته وشرفه ما ورد فى فضله عن المنزل عليه والموحى به اليه صفوة الخلق سيدنا محمد بن عبد الله ورسول الله صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم , فى مثل ثوله (( اقرءوا القران فانه يأتى يوم القيامة شفيعا لصاحبه ))( رواه مسلم 252 كتاب صلاة المسافرين )
وقوله (( خيركم من تعلى القران وعلمه ))( رواه البخارى 236/6)
وقوله (( أهل القران هم اهل الله وخاصته ))( رواه الامام احمد 128/3 وورد فى ميزان الاعتدال 4820)
وقوله (( ان القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد فقيل : يارسول الله وما جلاؤها ؟ فقال : تلاوة القران وذكر الموت ))(رواه البيهقى فى الشعب باسناد ضعيف وورد فى ميزان الاعتدال 9085 وكنز العمال 3924)
وقد جاء مره الى الرسول صلى الله عليه وسلم احد خصومه الالداء يقول : يامحمد ! اقرأ على القران فيقرأ عليه الصلاة والسلام (( ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى ))(النحل)
ولم يفرغ الرسول عليه الصلاة والسلام من قراءتها حتى يطال الخصم الألد باعادتها مدهوشا بجلال لفظها وقدسية معانيها مأخوذا ببيانها مجذوبا بقوة تاثيرها لم يلبث ان رفع عقيرته بتسجيل اعترافه وتقرير شهادته بقدسية كلام الله تعالى وعظمته اذ قال بالحرف الواحد :: والله ان له لحلاوه وان عليه لطلاوه وان اسفله لمورق وان اعلاه لمثمر وما يقول هذا بشر – الخصم الألد هو الوليد بن المغيره كما رواه البيهقى باسناد جيد –
ولهذا كان المسلم زيادة على انه يحل حلاله ويحرم حرامه ويلتزم بادابه والتخلق باخلاقه فانه يلتزم عند تلاوته بالاداب الاتيه :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 – ان يقرأه على اكمل الحالات من طهاره واستقبال القبله وجلوس فى ادب ووقار .
ـــــــــــــــــــــــــــــ

2 – ان يرتله ولا يسرع فى تلاوته فلا يقرؤه فى اقل من ثلاث ليال لقوله صلى الله عليه وسلم (( من قرأ القران فى اقل من ثلاث ليال لم يفقهه ))(رواه اصحاب السنن وصححه الترمذى ورواه الامام احمد 164/2 , 175 , 195). وأمر الرسول عليه الصلاة والسلام عبد الله بن عمر رضى الله عنه ان يختم القران فى كل سبع كما كان عبد الله بن مسعود وعثمان بن عفان وزيد بن ثابت رضى الله عنهم اجمعين يختمونه فى كل اسبوع مره .

ــــــــــــــــــــــــــــ

3 – ان يلتزم الخشوع عند تلاوته وان يظهر الحزن وان يبكى او يتباكى ان لم يستطع البكاء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ان القران نزل بحزن فاذا قرأتموه فابكوا فان لم تبكوا فتباكوا))(رواه بن ماجه 1337 باسناد جيد)

ــــــــــــــــــــــــــ

4 -ان يحسن صوته لقول الرسول عليه الصلاة والسلام (( زينوا القران باصواتكم ))( رواه الامام احمد 283/4 , 285 , 296 ورواه بن ماجه 1342 ورواه النسائى 180/2 ورواه الحاكم 571/1 وصححه )
وقوله (( ليس منا من لم يتغن بالقران ))(رواه البخارى 188/9 وابو داوود 1469 , 1470 , 1471 والامام احمد 172/1 , 175 , 179 ).
وقوله (( ما اذن الله لشئ ما اذن لنبى يتغن بالقران ))( رواه البخارى 236/6 , 173 و 193 /9 ورواه مسلم 34 كتاب صلاة المسافرين ورواه الامام احمد 271)

ــــــــــــــــــــــــــ

5 – ان يسر على تلاوته ان خشى على نفسه رياء او سمعه او كان يشوش به على مصل لما ورد عنه صلى الله عليه وسلم (( الجاهر بالقران كالجاهر بالصدقه )) ومن المعلوم ان الصدقه تستححب سريتها الا ان يكون فى الجهر فائده مقصوده كحمل الناس على فعلها مثلا وتلاوة القران كذلك .

ـــــــــــــــــــــــــ

6 – ان يتلوه بتدبر وتفكر مع تعظيم له واستحضار القلب وتفهم لمعانيه واسراره .

ـــــــــــــــــــــــــ

7 – ان لايكون عند تلاوته من الغافلين عنه المخالفين له اذ قد يتسبب فى لعن نفسه بنفسه لانه ان قرأ (( فنجعل لعنت الله على الكاذبين ))( ال عمران) أو (( لعنة الله على الظالمين ))(هود) وكان كاذبا او ظالما فانه يكون لاعنا لنفسه والرواية التاليه تبين مقدار خطأ المعرضين عن كتاب الله الغافلين عنه المتشاغلين بغيره فقد روى انه جاء فى التوراه ان الله تعالى يقول : اما تستحى منى ياتيك كتاب من بعض اخوانك وانت فى الطريق تمشى فتعدل عن الطريق وتقعد لاجله وتقرؤه وتتدبره حرفا حرفا حتى لا يفوتك منه شئ وهذا كتابى انزلته اليك انظر كيف فصلت لك فيه من القول وكم كررت عليك فيه لتتأمل طوله وعرضه ثم انت معرض عنه فكنت اهون عليك من بعض اخوانك ياعبدى يقعد اليك بعض اخوانك فتقبل اليه بكل وجهك وتصغى الى حديثه بكل قلبك فان تكلم متكلم او شغلك شاغل عن حديثه اومأت اليه ان كف وها أنا مقبل عليك محدث وانت معرض بقلبك عنى افجعلتنى اهون عندك من بعض اخوانك ؟!

ــــــــــــــــــــــــ

8 – يجتهد فى ان يتصف بصفات اهله الذين هم اهل الله وخاصته وان يتسم بسماتهم كما قال عبد الله بن مسعود رضى الله عنه : ينبغى لقارئ القران ان يعرف بليله اذ الناس نائمون وبنهاره اذ الناس مفطرون وببكائه اذ الناس يضحكون وبورعه اذ الناس يخلطون وبصمته اذ الناس يخوضون وبخشوعه اذ الناس يختالون وبحزنه اذ الناس يفرحون .
وقال محمد بن كعب : كنا نعرف قارئ القران بصفرة لونه يشير الى سهره وطول تهجده وقال وهيب بن الورد : قيل لرجل الا تنام ؟ قال ان عجائب القران اطرن نومى وأنشد ذو النون قوله :

منع القران بوعده ووعيده ***** مقل العيون بليلها لا تهجه
فهموا عن الملك العظيم كلامه ***** فهما تذل له الرقاب وتخضع

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الفصل القادم باذن الله من باب الآداب

الأدب مع رسول الله _ صلى الله عليه وسلم -
 
الفصل الرابع من باب الآداب

الادب مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم –

يشعر المسلم فى قرارة نفسه بوجوب الادب الكامل مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -
وذلك للاسباب التالية :

1 – ان الله تعالى قد أوجب له الادب – عليه الصلاة والسلام – على كل مؤمن ومؤمنه وذلك بصريح كلامه سبحانه وتعالى اذ قال (( يايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدى الله ورسوله ))(الحجرات)
وقال سبحانه (( يايها الذين آمنوا لا ترفعوا اصواتكم فوق صوت النبى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض ان تحبط اعمالكم وانتم لا تشعرون ))( الحجرات)
وقال تعالى(( ان الذين يغضون اصواتهم عند رسول الله اولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة واجر عظيم ))(الحجرات)
وقال سبحانه (( ان الذين ينادونك كن وراء الحجرات اكثرهم لا يعقلون , ولو انهم صبروا حتى تخرج اليهم لكان خيرا لهم ))(الحجرات)
وقال سبحانه ((لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ))(النور)
وقال ايضا(( انما المؤمنون الذين امنوا بالله ورسوله واذا كانوا معه على امر جامع لم يذهبوا حتى يستئذنوه ))(النور)
وقال سبحانه (( ان الذين يستئذنونك اولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فاذا اسئذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله ))(النور)
وقال جل وعلا (( يايها الذين امنوا اذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدى نجواكم صدقة ذلك خير لكم واطهر فان لم تجدوا فان الله غفور رحيم))(المجادله)

ـــــــــــــــــــــــــــ

2 – أن الله تعالى فرض على المؤمنين طاعته وأوجب محبته فقال جل وعلا (( يايها الذين امنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ))(محمد)
وقال (( فليحذر الذين يخاالفون عن امره ان تصيبهم فتنه او يصيبهم عذاب اليم ))(النور)
وقال سبحانه (( وما ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ))(الحشر)
وقال تعالى (( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم))(آل عمران)
ومن وجبت طاعته وحرمت مخالفته لزم التادب معه فى جميع الاحوال .

ـــــــــــــــــــــــــ

3 – أن الله سبحانه وتعالى قد حكمه فجعله اماما وحاكما قال تعالى (( انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما آراك الله ))( النساء)
وقال (( وان احكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع اهوائهم ))(المائده)
وقال (( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا فى انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ))(النساء)
وقال (( لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ))(الأحزاب)
والتأدب مع الامام والحاكم تفرضه الشرائع وتقرره العقول ويحكم به المنطق السليم

ــــــــــــــــــــــــ

4 – أن الله تعالى قد فرض محبته على لسانه فقال صلى الله عليه وسلم (( والذى نفسى بيده لا يؤمن احدكم حتى أكون أحب اليه من ولده ووالده والناس اجمعين ))(رواه البخارى 10/1 ورواه النسائى 115/8)
ومن وجبت محبته وجب الأدب ازاءه ولزم التأدب معه .

ــــــــــــــــــــــــ

5 – ما اخنصه به ربه تعالى من جمال الخلق والخلق وما حياه به من كمال النفس والذات فهو أجمل مخلوق وأكمله على الاطلاق ومن كان هذا حاله كيف لا يجب التأدب معه .

ـــــــــــــــــــــــ

هذه هى بعض موجبات الأدب معه – صلى الله عليه وسلم – وغيرها كثير ولكن كيف يكون الأدب ؟ وبماذا يكون ؟ وهذا ما ينبغى ان يعلم !

يكون الأدب معه – صلى الله عليه وسلم - :

1 – بطاعته واقتفاء اثره وترسم خطاه فى جميع مسالك الدنيا والدين .
2 – ان لا يقدم على حبه وتوقيره وتعظيمه حب مخلوق او توقيره او تعظيمه كائنا من كان .
3 – موالاة من كان يوالى ومعاداة من كان يعادى والرضا بما كان يرضى به والغضب لما كان يغضب اليه .
4- اجلال اسمه وتوقيره عند ذكره والصلاة والسلام عليه واستعظامه وتقدير شمائله وفضائله .
5 – تصديقه فى كل ما اخبر به من أمر الدنيا والدين وشأن الغيب فى الحياة الدنيا وفى الاخره .
6 – احياء سنته واظهار شريعته وابلاغ دعوته وانفاذ وصاياه .
7 – خفض الصوت عند قبره وفى مسجده لمن اكرمه الله بزيارته وشرفه بالوقوف على قبره صلى الله عليه وسلم
8 – حب الصالحين وموالاتهم بحبه وبغض الفاسقين ومعاداتهم ببغضه .

هذه هى مظاهر الآداب معه – صلى الله عليه وسلم –
فالمسلم يجتهد دائما فى ادائها كامله والمحافظة عليها تامه اذ كماله موقوف عليها وسعادته منوطة بها والمسؤول الله سبحانه وتعالى ان يوفقنا للتادب مع نبينا وان يجعلنا من اتباعه وانصاره وشيعته وان يرزقنا طاعته وان لا يحرمنا شفاعته .. اللهم آمين ...!


 
الفصل الخامس فى الآداب

الأدب مع النفس وهو عبارة عن التوبة والمراقبة والمجاهدة والمحاسبة

وسنبدأ بحول الله ومدده وجوده ومنه وعطائه بالتوبة

قبل ان نشرع فى التوبة

نعلم جيدا ان المسلم يؤمن جيدا بان سعاده فى كلتا حياتيه الاولى والثانية موقوفه على مدى تأديب نفسه وتطييبها وتزكيتها وتطهيرها كما ان شقاؤها منوط بفسادها وتدسيتها وخبثها وذلك للأدلة الآتية : قوله تعالى (( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها ))( الشمس)
وقوله (( ان الذين كذبوا بئاياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل فى سم الخياط وكذلك نجزى المجرمين , لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزى الظالمين , والذين آمنوا وملوا الصالحات لا نكلف نفسا الا وسعها أولئك اصحاب الجنة هم فيها خالدون ))( الأعراف)
وقوله جل وعلا (( والعصر , ان الانسان لفى خسر , الا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصو بالحق وتواصوا بالصبر ))(العصر)
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (( كلكم يدخل الجنة الا من ابى قالوا ومن يأبى يارسول الله : قال منمن اطاعنى دخل الجنة ومن عصانى فقد ابى )) وقوله (( كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها او موبقها ))(مسلم)

كما يؤمن المسلم بأن ما طهر عليه النفس وتزكو هو حسنة الايمان والعمل الصالح وان ما تتدسى به وتخبث وتفسد هو سيئة الكفر والمعاصى
قال تعالى (( وأقم الصلاة طرفى النهار وزلفا من الليل ان الحسنات يذهبن السيئات )))(هود)
وقال (( بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ))( المطففين)
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( ان المؤمن اذا اذنب ذنبا كان نكتة سوداء فى قلبه فان تاب ونزع واستعتب صقل قلبه وان زاد زادت حتى تغلق قلبه ))(النسائى والترمذى وقال فيه حسن صحيح ) فذلك الران الذى قال الله (( بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ))
وقال صلى الله عليه وسلم (( اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ))(أحمد والترمذى والحاكم)

من أجل هذا يعيش المسلم عاملا على تأديب نفسه وتزكيتها وتطهيرها اذ هى اولى من يؤدب فيأخذها بالآداب المزكية لها والمطهرة لأدرانها كما يجنبها كل ما يدسيها ويفسدها من سيئ المعتقدات وفاسد الاقوال والافعال يجاهدها ليل نهار
ويحاسبها فى كل ساعة ويحملها على فعل الخيرات ويدفعها الى الطاعة دفعا كما يصرفها عن الشر والفساد صرفا ويردها عنهما ردا ويتبع فى اصلاحها وتأديبها لتطهر وتزكو الخوات التالية :
 
الوسوم
المسلم منهاج
عودة
أعلى