الكبائر

القمار
الكبيرة العشرون القمار
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون
و الميسر هو القمار بأي نوع كان نرد أو شطرنج أو فصوص أو كعاب أو جوز أو بيض أو حصى أو غير ، و هو من أكل أموال الناس بالباطل الذي نهى الله عنه بقوله و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، و داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة ، و في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من قال لصاحبه تعالى أقامرك فليتصدق فإذا كان مجرد القول يوجب الكفارة أو الصدقة فما ظنك بالفعل ؟
فصل اختلف العلماء في النرد و الشطرنج إذا خليا عن رهن ، اتفقوا على تحريم اللعب بالنرد لما صح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير و دمه أخرجه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم من لعب بالنرد فقد عصى الله و رسوله و قال ابن عمر رضي الله عنه ، اللعب بالنرد قمار كالدهن بودك الخنزير
قال و أما الشطرنج فأكثر العلماء على تحريم اللعب بها ، سواء كان برهن أو بغيره أما الرهن فهو قمار بلا خلاف ، و أما الكلام إذا خلا عن الرهن فهو أيضاً قمار حرام عند أكثر العلماء ، و حكي إباحته في رواية عن الشافعي إذا كان في خلوة و لم يشغل عن واجب و لا عن صلاة في وقتها و سئل النووي رحمه الله عن العب بالشطرنج أحرام أم جائز ؟ فأجاب رحمه الله تعالى هو حرام عند أكثر أهل العلم و سئل أيضاً رحمه الله عن لعب الشطرنج هل يجوز أم لا ، و هل يأثم اللاعب بها أم لا ؟ أجاب رحمه الله إن فوت به صلاة عن وقتها أو لعب بها على عوض فهو حرام ، و إلا فمكروه عند الشافعي ، و حرام عند غيره ، و هذا كلام النووي في فتاويه
و الدليل على تحريمه على قول الأكثرين في قول الله تعالى حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير إلى قوله و أن تستقسموا بالأزلام قال سفيان و وكيع بن الجراح هي الشطرنج ، و قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه الشطرنج ميس الأعاجم و مر رضي الله عنه على قوم يلعبون بها فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ لأن يمس أحدكم جمراً حتى يطفى خير له من أن يمسها ثم قال و الله لغير هذا خلقتم و قال أيضاً رضي الله عنه صاحب الشطرنج أكذب الناس يقول أحدهم قتلت ، و ما قتل و مات و ما مات و قال أبو موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه لا يلعب بالشطرنج إلا خاطىء
و قيل لاسحاق بن راهوية ، أترى في اللعب بالشطرنج بأس ؟ فقال البأس كله فيه فقيل له إن أهل الثغور يلعبون بها لأجل الحرب ، فقال هو فجور و سئل محمد بن كعب القرظي عن اللعب بالشطرنج فقال أدنى ما يكون فيها أن اللاعب بها يعرض يوم القيامة أو قال يحشر يوم القيامة مع أصحاب الباطل
و سئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الشطرنج ، فقال هي أشر من النرد و تقدم الكلام عن تحريمه و سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله عن الشطرنج فقال الشطرنج من النرد بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مالاً ليتيم فوجدها فوجدها في تركة والد اليتيم فأحرقها و لو كان اللعب بها حلالاً لما جاز له أن يحرقها لكونها مال اليتيم ، و لكن لما كان اللعب بها حراماً أحرقها فتكون من جنس الخمر إذا وجد في مال اليتيم وجبت إراقته كذلك الشطرنج و هذا مذهب حبر الأمة رضي الله عنه و قيل لإبراهيم النخعي ما تقول في اللعب بالشطرنج ؟ فقال إنها ملعونة
و روى أبو بكر الأثرم في جامعه عن واثلة بن الأسقع عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله في كل يوم ثلثمائة رضي الله عنه ستين نظرة إلى خلقه ليس لصاحب الشاه فيها نصيب ـ يعني لا عب الشطرنج لأنه يقول شاه مات و روى أبو بكر الأجري باسناده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام النرد و الشطرنج و ما كان من اللهو فلا تسلموا عليهم ، فإنهم إذا اجتمعوا و أكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم ، كلما ذهب واحد منهم يصرف بصره عنها لكزه الشيطان بجنوده ، فلا يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة فأكلت منها حتى ملأت بطونها ثم تفرقت ، و لأنهم يكذبون عليها فيقولون شاه مات و روي عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال أشد الناس عذاباً يوم القيامة صاحب الشاه يعني صاحب الشطرنج ، ألا تراه يقول قتلته ، و الله مات ، و الله افترى ، و كذب على الله
و قال مجاهد ما من ميت يموت إلا مثل له جلساؤه الذين كان يجالسهم فاحتضر رجل ممن كان يلعب بالشطرنج فقيل له قل لا إله إلا الله فقال شاهك ثم مات ، فغلب على لسانه ما كان يعتاده حال حياته في اللعب ، فقال عوض كلمة الإخلاص شاهك و هذا كما جاء في إنسان آخر ممن كان يجالس شراب الخمر إنه حين حضره الموت فجاءه إنسان يلقنه الشهادة فقال له اشرب و اسقني ثم مات فلا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم و هذا كما جاء في حديث مروي يموت كل إنسان على ما عاش عليه و يبعث على ما مات عليه فنسأل الله المنان بفضله أن يتوفانا مسلمين لا مبدلين و لا مغيرين و لا ضالين و لا زائغين إنه جواد كريم



 
قذف المحصنات
الكبيرة الحادية و العشرون قذف المحصنات
قال الله تعالى
إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم * يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون
و قال الله تعالى و الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة و لا تقبلوا لهم شهادة أبداً و أولئك هم الفاسقون
بين الله تعالى في الآية أن من قذف امرأة محصنة حرة عفيفة عن الزنا و الفاحشة إنه ملعون في الدنيا و الآخرة و له عذاب عظيم ، و عليه في الدنيا الحد ثمانون جلدة و تسقط شهادته و إن كان عدلاً و في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال اجتنبوا السبع الموبقات فذكر منها قذف المحصنات الغافلات المؤمنات و القذف أن يقول لامرأة أجنبية حرة عفيفة مسلمة يا زانية ، أو يا باغية ، أو يا قحبة أو يقول لزوجها يا زوج القحبة ، أو يقول لولدها يا ولد الزانية أو يا ابن القحبة أو يقول لبنتها يا بنت الزانية أو يا بنت القحبة فإن القحبة عبارة عن الزانية ، فإذا قال ذلك أحد من رجل أو امرأة كمن قال لرجل يا زاني ، أو لصبي حر يا علق ، أو يا منكوح ، وجب عليه الحد ثمانون جلدة ، إلا أن يقيم بينة بذلك ، و البينة كما قال الله أربعة شهداء يشهدون على صدقه فيما قذف به تلك المرأة أو ذاك الرجل ، فإن لم يقم بينة جلد إذا طالبته بذلك التي قذفها أو إذا طالبه بذلك الذي قذفه ، و كذلك إذا قذف مملوكه أو جاريته بأن قال لمملوكه يا زاني أو لجاريته يا زانية أو يا باغية أو يا قحبة ، لما ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من قذف مملوكه بالزنا أقيم عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال و كثير من الجهال واقعون في هذا الكلام الفاحش الذي عليهم فيه العقوبة في الدنيا و الآخرة و لهذا ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يزل بها النار أبعد مما بين المشرق و المغرب فقال له معاذ بن جبل يا رسول الله و إنا لمؤاخذون بما نتكلم به ؟ فقال ثكلتك أمك يا معاذ و هل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم ؟ و في الحديث من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت و قال الله تبارك و تعالى في كتابه العزيز ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد و قال عقبة بن عامر يا رسول الله ما النجاة ؟ قال أمسك عليك لسانك و ليسعك بيتك ، و ابك على خطيئتك ، و إن أبعد الناس إلى الله القلب القاسي
و قال صلى الله عليه و سلم إن أبغض الناس إلى الله الفاحش المبذي الذي يتكلم بالفحش ورديء الكلام ، وقانا الله و إياكم شر ألسنتنا بمنه و كرمه إنه جواد كريم






 
الغلول من الغنيمة
الكبيرة الثانية و العشرون الغلول من الغنيمة
و هي من بيت المال و من الزكاة قال الله تعالى
إن الله لا يحب الخائنين و قال الله تعالى و ما كان لنبي أن يغل و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة
و في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم فذكر الغلول فعظمه و عظم أمره ، ثم قال لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء يقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته فرس له حمحمة فيقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته شاة لها ثغاء يقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته نفس لها صياح ، فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته رقاع يخفق ، فيقول يا رسول الله أغثني ، فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك ، لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته صامت ، فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئاً قد أبلغتك أخرج هذا الحديث مسلم
قوله على رقبته رقاع تخفق ـ أي ثياب و قماش ، قوله على رقبته صامت ـ أي ذهب أو فضة ، فمن أخذ شيئاً من هذه الأنواع المذكورة من الغنيمة قبل أن تقسم بين الغانمين ، أو من بيت المال بغير إذن الإمام ، أو من الزكاة التي تجمع للفقراء جاء يوم القيامة حامله على رقبته ، كما ذكر الله تعالى في القرآن و من يغلل يأت بما غل يوم القيامة
و لقول النبي صلى الله عليه و سلم أدوا الخيط و المخيط و إياكم و الغلول بأنه عار على صاحبه يوم القيامة و لقول النبي صلى الله عليه و سلم لما استعمل ابن اللتيبة على الصدقة و قدم ، و قال هذا لكم و هذا أهدي لي فصعد النبي صلى الله عليه و سلم المنبر و حمد الله و أثنى عليه إلى أن قال و الله لا يأخذ أحد منكم شيئاً بغير حقه إلا جاء يوم القيامة يحمله ، فلا أعرف رجلاً منكم لقي الله يحمل بعيراً له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيصر ، ثم رفع يده صلى الله عليه و سلم فقال اللهم هل بلغت ؟
و عن أبي هريرة قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى خيبر ففتح علينا فلم نغنم ذهباً و لا ورقاً ، غنمنا المتاع ـ الطعام ـ و الثياب ، ثم انطلقنا إلى الوادي ـ يعني وادي القرى ـ و مع رسول الله صلى الله عليه و سلم عبد وهبه له رجل من بني جذام يدعى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب ، فلما نزلنا الوادي قام عبد رسول الله صلى الله عليه و سلم يحل رحله ، فرمي بسهم فكان به حتفه ، فقلنا هنيئاً له بالشهادة يا رسول الله ، فقال رسول الله كلا و الذي نفسي بيده إن الشملة لتلتهب عليه ناراً ، أخذها من الغنائم لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال أصبت يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم شراك أو شراكان من نار متفق عليه و عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال كان على ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل يقال له كركرة فمات ، فقال النبي صلى الله عليه و سلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها و عن زيد بن خالد الجهني أن رجلاً غل في غزوة خيبر فامتنع النبي صلى الله عليه و سلم من الصلاة عليه ، و قال إن صاحبكم غل في سبيل الله قال ففتشنا متاعه فوجدنا فيه خرزاً من خرز اليهود ما يساوي درهمين و قال الإمام أحمد رحمه الله ما نعلم أن النبي صلى الله عليه و سلم امتنع من الصلاة على أحد إلا على الغال ، و قاتل نفسه و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال هدايا العمال غلول
و في الباب أحاديث كثيرة و يأتي بعضها في باب الظلم ، و الظلم على ثلاثة أقسام أحدهما أكل المال بالباطل ، و ثانيها ظلم العباد بالقتل و الضرب و الكسر و الجراح ، و ثالثها ظلم العباد بالشتم و اللعن و السب و القذف و قد خطب النبي صلى الله عليه و سلم بمنى فقال ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا متفق عليه
و قال صلى الله عليه و سلم لا يقبل الله صلاة بغير طهور و لا صدقة من غلول فنسأل الله التوفيق لما يحب و يرضى أنه جواد كريم




 
السرقة
الكبيرة الثالثة و العشرون السرقة
قال الله تعالى السارق و السارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله و الله عزيز حكيم
قال ابن شهاب نكل الله بالقطع في سرقة أموال الناس ، و الله عزيز في انتقامه من السارق ، حكيم فيما أوجبه من قطع يده
و قال صلى الله عليه و سلم لا يزني الزاني حين يزني و هو مؤمن ، و لا يسرق السارق حين يسرق و هو مؤمن ، و لكن التوبة معروضة
و عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه و سلم قطع في مجن قيمته ثلاثة دراهم ، و عن عائشة رضي الله عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعداً و في رواية قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة رضي الله عنها و ما ثمن المجن ؟ قالت ربع دينار و في رواية قال اقطعوا في ربع دينار و لا تقطعوا فيما دون ذلك كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم و الدينار اثني عشر درهماً
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الله السارق الذي يسرق البيضة فتقطع يده و يسرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا يرون أنه بيض الحديد ، و الحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي ثمنه ثلاثة دراهم
و عن عائشة رضي الله عنها قالت كانت مخزومية تستعير المتاع و تجحده فأمر النبي صلى الله عليه و سلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فيها فكلم النبي صلى الله عليه و سلم فقال له النبي صلى الله عليه و سلم يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله تعالى ، ثم قام النبي صلى الله عليه و سلم خطيباً فقال إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، و إذا سرق فيهم الضعيف قطعوه و الذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها فقطع يد المخزومية
و عن عبد الرحمن بن جرير قال سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة ؟ قال أتي النبي صلى الله عليه و سلم بسارق فقطع يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه قال العلماء و لا تنفع السارق توبته إلا أن يرد ما سرقه ، فإن كان مفلساً تحلل من صاحب المال ، و الله أعلم



 
قطع الطريق
الكبيرة الرابعة و العشرون قطع الطريق
قال الله تعالى إنما جزاء الذين يحاربون الله و رسوله و يسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض ذلك لهم خزي في الدنيا و لهم في الآخرة عذاب عظيم
قال الواحدي رحمه الله معنى يحاربون الله و رسوله يعصونهما و لا يطيعونهما كل من عصاك فهو محارب لك ، و يسعون في الأرض فساداً أي بالقتل و السرقة و أخذ الأموال ، و كل من أخذ السلاح على المؤمنين فهو محارب لله و رسوله و هذا قول مالك و الأوزاعي و الشافعي قوله تعالى أن يقتلوا إلى قوله أو ينفوا من الأرض قال الوالبي عن ابن عباس رضي الله عنهما أو أدخلت للتخير و معناها الإباحة ، إن شاء الإمام قتل ، و إن شاء صلب ، و إن شاء نفى ، و هذا قول الحسن و سعيد بن المسيب و مجاهد و قال في رواية عطية أو ليست للإباحة ، إنما هي مرتبة للحكم باختلاف الجنايات فمن قتل و أخذ المال قتل و صلب و من أخذ المال و لم يقتل قطع ، و من سفك الدماء و كف عن الأموال قتل ، و من أخاف السبيل و لم يقتل نفي من الأرض ، و هذا مذهب الشافعي رضي الله عنه و قال الشافعي أيضاً يحد كل واحد بقدر فعله فمن وجب عليه القتل و الصلب قتل قبل صلبه كراهية تعذيبه و يصلب ثلاثاً ثم ينزل ، و من وجب عليه القتل دون الصلب قتل و دفع إلى أهله يدفنونه ، و من وجب عليه القطع دون القتل قطعت يده اليمنى ثم حسمت ، فإن عاد و سرق ثانية قطعت رجله اليسرى ، فإن عاد و سرق قطعت يده اليسرى ، لما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في السارق إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله ، ثم إن سرق فاقطعوا يده ، ثم إن سرق فاقطعوا رجله و لأنه فعل أبو بكر و عمر رضي الله عنهما و لا مخالف لهما من الصحابة ، و وجه كونها اليسرى اتفاق من صار إلى قطع الرجل بعد اليد على أنها اليسرى و ذلك معنى قوله تعالى من خلاف
و قوله تعالى أو ينفوا من الأرض قال ابن عباس هو أن يهدر الإمام دمه فيقول من لقيه فليقتله ، هذا فيمن يقدر عليه ، فأما من قبض عليه فنفيه من الأرض الحبس و السجن ، لأنه إذا حبس و منع من التقلب في البلاد فقد نفي منها أنشد ابن قتيبة لبعض المسجونين سعراً
خرجنا من الدنيا و نحن من أهلها
فلسنا من الأحياء فيها و لا الموتى
إذا جاءنا السجان يوماً لحاجة
عجبنا و قلنا جاء هذا من الدنيا
قال فبمجرد قطع الطريق و إخافة السبيل قد ارتكب الكبيرة فكيف إذا أخذ المال أو جرح أو قتل ؟ فقد فعل عدة كبائر مع ما غالبهم عليه من ترك الصلاة و إنفاق ما يأخذونه في الخمر و الزنا و اللواطة و غير ذلك نسأل الله العافية من كل بلاء و محنة ، إنه جواد كريم غفور رحيم



 
اليمين الغموس
الكبيرة الخامسة و العشرون اليمين الغموس
قال الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم
قال الواحدي نزلت في رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه و سلم في ضيعة ، فهم المدعي عليه أن يحلف ، فأنزل ، فأنزل الله هذه الآية فنكل المدعي عليه عن اليمين و أقر للمدعي بحقه و عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حلف على يمين و هو فيها فاجر ليقتطع بها مال امرىء مسلم لقي الله تعالى و هو عليه غضبان
فقال الأشعث في و الله نزلت ، كان بيني و بين رجل من اليهود أرض فجحدني ، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه و سلم ، فقال ألك بينة ؟ قلت لا ، قال لليهودي احلف قلت يا رسول الله إنه إذن يحلف فيذهب بمالي فأنزل الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً أي عرضاً يسيراً من الدنيا و هو ما يحلفون عليه كاذبين أولئك لا خلاق لهم في الآخرة أي لا نصيب لهم في الآخرة و لا يكلمهم الله أي بكلام يسرهم و لا ينظر إليهم نظر اً يسرهم ، يعني نظر الرحمة و لا يزكيهم و لا يزيدهم خيراً و لا يثني عليهم
و عن عبد الله بن مسعود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من حلف على مال امرىء مسلم بغير حق لقي الله و هو عليه غضبان قال عبد الله ثم قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم تصديقه من كتاب الله إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً إلى آخر الآية أخرجاه في الصحيحين و عن أبي أمامة قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة ، فقال رجل و إن كان يسيراً يا رسول الله ؟ قال و إن كان قضيباً من أراك أخرجه مسلم في صحيحه قال حفص بن ميسرة ما أشد هذا الحديث فقال أليس في كتاب الله تعالى إن الذين يشترون بعهد الله و أيمانهم ثمناً قليلاً ؟ الآية و عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم فقرأ بها رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مرات ، فقال أبو ذر خابوا و خسروا يا رسول الله من هم ؟ قال المسبل و المنان ، و المنفق سلعته بالحلف الكاذب و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الكبائر الإشراك بالله ، عقوق الوالدين ، و قتل النفس ، و اليمين الغموس أخرجه البخاري في صحيحه و الغموس هي التي يتعمد الكذب فيها ، سميت غموساً لأنها تغمس الحالف في الإثم ، و قيل تغمسه في النار
فصل و من ذلك الحلف بغير الله عز و جل كالنبي و الكعبة و الملائكة و السماء و الماء و الحياة و الأمانة ، و هي من أشد ما هنا ، و الروح و الرأس و حياة السلطان و نعمة السلطان و تربة فلان
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ، فمن حلف فليحلف بالله أو ليصمت و في رواية في الصحيح فمن كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله أو ليسكت
و عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تحلفوا بالطواغي و لا بآبائكم رواه مسلم الطواغي جمع طاغية و هي الأصنام ، و منه الحديث هذه طاغية دوس أي صنمهم و معبودهم و عن بريدة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حلف بالأمانة فليس منا رواه أبو داود و غيره ، و عنه رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من حلف فقال إني بريء من الإسلام ، فإن كان كاذباً فهو كما قال ، و إن كان صادقاً فلن يرجع إلى الإسلام سالماً
و عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رجلا يقول و الكعبة ، فقال لا تحلف بغير الله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول من حلف بغير الله فقد كفر و أشرك رواه الترمذي و حسنه ابن حبان في صحيحه و الحاكم ، و قال صحيح على شرطهم قال و فسر بعض العلماء قوله كفر أو أشرك على التغليظ كما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال الرياء شرك
و قال صلى الله عليه و سلم من حلف فقال في حلفه و اللات و العزى فليقل لا إله إلا الله ، و قد كان في الصحابة من هو حديث عهد بالحلف بها قبل إسلامه ، فربما سبق لسانه إلى الحلف بها فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يبادر بقوله لا إله إلا الله ليكفر بذلك ما سبق إلى لسانه ، و بالله التوفيق




 
الظلم
الكبيرة السادسة و العشرون الظلم
بأكل أموال الناس و أخذها ظلماً و ظلم الناس و الشتم و التعدي و الإستطالة على الضعفاء
قال الله تعالى و لا تحسبن الله غافلاً عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار * مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم و أفئدتهم هواء * و أنذر الناس يوم يأتيهم العذاب فيقول الذين ظلموا ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك و نتبع الرسل أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال * و سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم و تبين لكم كيف فعلنا بهم و ضربنا لكم الأمثال و قال الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و قال الله تعالى و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون
و قال صلى الله عليه و سلم إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم و كذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى و هي ظالمة إن أخذه أليم شديد
و قال صلى الله عليه و سلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو شيء فليتحلله اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم ، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه
و قال صلى الله عليه و سلم عن ربه تبارك و تعالى أنه قال يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته بينكم محرماً فلا تظالموا و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع ، فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام و حج فيأتي و قد شتم هذا ، و أخذ مال هذا ، و نبش عن عرض هذا ، و ضرب هذا ، و سفك دم هذا فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه من خطاياهم فطرح عليه ثم طرح في النار و هذه الأحاديث كلها في الصحاح و تقدم حديث إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة و تقدم قوله لمعاذ حين بعثه إلى اليمين و اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب و في الصحيح من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين يوم القيامة
و في بعض الكتب يقول الله تعالى اشتد غضبي على من ظلم من لم يجد له ناصراً غيري و أنشد بعضهم
لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً فالظلم يرجع عقباه إلى الندم
تنام عيناك و المظلوم منتبه يدعو عليك و عين الله لم تنم
و كان بعض السلف يقول لا تظلم الضعفاء فتكون من أشرار الأقوياء ، و قال أبو هريرة رضي الله عنه إن الحباري لتموت في وكرها هزالاً من ظلم الظالم و قيل مكتوب في التوراة ينادي مناد من وراء الجسر ـ يعني الصراط ـ يا معشر الجبابرة الطغاة ،و يا معشر المترفين الأشقياء إن الله يحلف بعزته و جلاله أن لا يجاوز هذا الجسر اليوم ظالم عن جابر قال لما رجعت مهاجرة الحبشة عام الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ألا تخبروني بأعجب ما رأيتم بأرض الحبشة فقال فتية كانوا منهم بلى يا رسول الله بينما نحن يوماً جلوس إذ مرت بنا عجوز من عجائزهم تحمل على رأسها قلة ماء ، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت المرأة على ركبتيها و انكسرت قلتها فلما قامت التفتت إليه ثم قالت سوف تعلم يا غادر إذا وضع الله الكرسي و جمع الله الأولين و الآخرين و تكلمت الأيدي و الأرجل بما كانوا يكسبون سوف تعلم من أمري و أمرك عنده غداً قال فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم صدقت كيف يقدس الله قوماً لا يؤخذ من شديدهم لضعيفهم
إذا ما الظلوم استوطأ مركبا و لج عتواً في قبيح اكتسابه
فكله إلى صرف الزمان و عدله سيبدو له ما لم يكن في حسابه
و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال خمسة غضب الله عليهم إن شاء أمضى غضبه عليهم في الدنيا و إلا أمر بهم في الآخرة إلى النار أمير قوم يأخذ حقه من رعيته و لا ينصفهم من نفسه و لا يدفع الظلم عنهم و زعيم قوم يطيعونه و لا يساوي بين القوي و الضعيف و يتكلم بالهوى ، و رجل لا يأمر أهله و ولده بطاعة الله و لا يعلمهم أمر دينهم ، و رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل و لم يوفه أجرته و رجل ظلم امرأة صداقها
و عن عبد الله بن سلام قال إن الله تعالى لما خلق الخلق و استووا على أقدامهم رفعوا رؤوسهم إلى السماء ، و قالوا يا رب مع من أنت قال مع المظلوم حتى يؤدى إليه حقه و عن وهب بن منبه قال بني جبار من الجبابرة قصراً و شيده ، فجاءت عجوز فقيرة فبنت إلى جانبه كوخاً تأوي إليه ، فركب الجبار يوماً و طاف حول القصر ، فرأى الكوخ فقال لمن هذا فقيل لامرأة فقيرة تأوي إليه فأمر به فهدم ، فجاءت العجوز فرأته مهدوماً فقالت من هدمه فقيل الملك رآه فهدمه فرفعت العجوز رأسها إلى السماء ، و قالت يا رب إذا لم أكن أنا حاضرة فأين كنت أنت قال فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على من كان فيه فقلبه
و قيل لما حبس خالد بن برمك و ولده قال يا أبتي بعد العز صرنا في القيد و الحبس فقال يا بني دعوة المظلوم سرت بليل غفلنا عنها و لم يغفل الله عنها ، و كان يزيد بن حكيم يقول ما هبت أحداً قط هيبتي رجلاً ظلمته ، و أنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله يقول لي حسبي الله الله بيني و بينك
و حبس الرشيد أبا العتاهية الشاعر فكتب إليه من السجن هذين البيتين شعراً
أما و الله إن الظلم شوم و ما زال المسيء هو المظلوم
ستعلم يا ظلوم إذا التقينا غداً عند المليك من الملوم
و عن أبي أمامة قال يجيء الظالم يوم القيامة حتى إذا كان على جسر جهنم لقيه المظلوم و عرفه ما ظلمه به ، فما يبرح الذين ظلموا بالذين ظلموا حتى ينزعوا ما بأيديهم من الحسنات ، فإن لم يجدوا لهم حسنات حملوا عليهم من سيئاتهم مثل ما ظلموهم حتى يردوا إلى الدرك الأسفل من النار
و عن عبد الله بن أنيس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة غرلاً بهما فيناديهم مناد بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب ، أنا الملك الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة أو أحد من أهل النار أن يدخل النار و عنده مظلمة أن أقصه حتى اللطمة فما فوقها و لا يظلم ربك أحد قلنا يا رسول الله كيف و إنما نأتي حفاة عراة فقال بالحسنات و السيئات جزاء و لا يظلم ربك أحداً و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من ضرب سوطاً ظلماً اقتص منه يوم القيامة و مما ذكر أن كسرى اتخذ مؤدباً لولده يعلمه و يؤدبه حتى إذا بلغ الولد الغاية في الفضل و الأدب استحضره المؤدب يوماً و ضربه ضرباً شديداً من غير جرم و لا سبب ، فحقد الولد على المعلم إلى أن كبر و مات أبوه فتولى الملك بعده فاستحضر المعلم و قال له ما حملك على أن ضربتني في يوم كذا و كذا ضرياً وجيعاً من غير جرم و لا سبب ، فقال المعلم اعلم أيها الملك أنك لما بلغت الغاية في الفضل و الأدب علمت أنك تنال الملك بعد أبيك ، فأردت أن أذيقك ألم الضرب و ألم الظلم حتى لا تظلم أحداً ، فقال جزاك الله خيراً ثم أمر له بجائزة و صرفه
و من الظلم أخذ مال اليتيم ، و تقدم حديث معاذ بن جبل حين قال له رسول الله واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب
و في رواية أن دعاء المظلوم يرفع فوق الغمام و يقول الرب تبارك و تعالى و عزتي و جلالي لأنصرنك و لو بعد حين و أنشدوا شعراً
توق دعا المظلوم إن دعاءه ليرفع فوق السحب ثم يجاب
توق دعا من ليس بين دعائه و بين إله العالمين حجاب
و لا تحسبن الله مطرحاً له و لا أنه يخفى عليه خطاب
فقد صح أن الله قال و عزتي لأنصر المظلوم و هو مثاب
فمن لك يصدق ذا الحديث فإنه جهول و إلا عقله فمصاب
فصل و من أعظم الظلم المماطلة بحق عليه مع قدرته على الوفاء لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال مطل الغني ظلم و في رواية لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته ، أي يحل شكايته و حبسه
فصل و من الظلم أن يظلم المرأة حقها من صداقها و نفقتها و كسوتها و هو داخل في قوله صلى الله عليه و سلم لي الواجد ظلم يحل عرضه و عقوبته
و عن بن مسعود رضي الله عنه قال يؤخذ بيد العبد أو الأمة يوم القيامة فينادي به على رؤوس الخلائق هذا فلان ابن فلان من كان له عليه حق فليأت إلى حقه قال فتفرح المرأة أن يكون لها حق على أبيها أو أخيها أو زوجها ثم قرأ فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون قال فيغفر الله من حقه ما شاء و لا يغفر من حقوق الناس شيئاً ، فينصب العبد للناس ثم يقول الله تعالى لأصحاب الحقوق ائتوا إلى حقوقكم قال فيقول الله تعالى للملائكة خذوا من أعماله الصالحة فأعطوا كل ذي حق حقه بقدر طلبته ، فإن كان ولياً لله و فضل له مثقال ذرة ضاعفها الله تعالى له حتى يدخله الجنة بها ، و إن كان عبداً شقياً و لم يفضل له شيء فتقول الملائكة ربنا فنيت حسناته و بقي طالبوه ، فيقول الله خذوا من سيئاتهم فأضيفوها إلى سيئاته ، ثم صك له صكاً إلى النار و يؤيد ذلك ما تقدم من قول النبي صلى الله عليه و سلم أتدرون من المفلس فذكر أن المفلس من أمته من يأتي يوم القيامة بصلاة و زكاة و صيام ، و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا ، فيؤخذ من حسناته و لهذا من حسناته ، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار فصل و من الظلم أن يستأجر أجيراً أو إنساناً في عمل و لا يعطيه أجرته لما ثبت في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يقول الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة و من كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي غدر ، و رجل باع حراً فأكل ثمنه ، و رجل استأجر أجيراً فاستوفى منه العمل و لم يعطه أجرته و كذلك إذا ظلم يهودياً أو نصرانياً أو نقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفسه فهو داخل في قوله تعالى أنا حجيجه ـ أو قال أنا خصمه ـ يوم القيامة و من ذلك أن يحلف على دين في ذمته كاذباً فاجراً لما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من اقتطع حق امرىء مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار و حرم عليه الجنة قيل يا رسول الله و إن كان شيئاً يسيراً قال و إن قضيباً من أراك
فخف القصاص غدا إذا وفيت ما كسبت يداك اليوم بالقسطاس
في موقف ما فيه إلا شاخص أو مهطع أو مقنع للراس
أعضاؤهم فيه الشهود و سجنهم نار و حاكمهم شديد البأس
أن تمطل اليوم الحقوق مع الغنى فغدا تؤديها مع الإفلاس
و قد روي أنه لا أكره للعبد يوم القيامة من أن يرى من يعرفه خشية أن يطالبه بمظلمة ظلمه بها في الدنيا كما قال النبي صلى الله عليه و سلم لتؤدين الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء و قال صلى الله عليه و سلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرض أو من شيء فليتحلل منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار و لا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته ، و إن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه ثم طرح في النار و روى عبد الله بن أبي الدنيا بسنده إلى أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أول من يختصم يوم القيامة الرجل و امرأته و الله ما يتكلم لسانها و لكن يداها و رجلاها يشهدان عليها بما كانت تعنث لزوجها في الدنيا و يشهد على الرجل يده و رجله بما كان يولي زوجته من خير أو شر ، ثم يدعى بالرجل و خدمه مثل ذلك فما يؤخذ منهم دوانيق و لا قراريط و لكن حسنات هذا الظالم تدفع إلى هذا المظلوم ، و سيئات هذا المظلوم تحمل على هذا الظالم ، ثم يؤتى بالجبارين في مقامع من حديد فيقال سوقوهم إلى النار و كان شريح القاضي يقول سيعلم الظالمون حتى من انتقصوا أن الظالم ينتظر العقاب و المظلوم ينتظر النصر و الثواب
و روي أنه أراد الله بعبده خيراً سلط عليه من يظلمه ، و دخل طاوس اليماني على هشام بن عبد الملك فقال له اتق الله يوم الأذان ، قال هشام و ما يوم الأذان قال قال الله تعالى فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين فصعق هشام فقال طاوس هذا ذا الصفة فكيف بذل المعاينة يا راضياً باسم الظالم كم عليك من المظالم السجن جهنم ، و الحق الحاكم
فصل في الحذر من الدخول على الظلمة و مخالطتهم و معونتهم قال الله تعالى و لا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار و الركون ههنا السكون إلى الشيء و الميل إليه بالمحبة قال ابن عباس رضي الله عنهما لا تميلوا كل الميل في المحبة و لين الكلام و المودة ، و قال السدي و ابن زيد لا تداهنوا الظلمة ، و قال عكرمة هو أن يطيعهم و يودهم ، و قال أبو العالية لا ترضوا بأعمالهم فتمسكم النار فيصيبكم لفحها و ما لكم من دون الله من أولياء ، و قال ابن عباس رضي الله عنهما ما لكم من مانع يمنعكم من عذاب الله ثم لا تنصرون لا تمنعون من عذابه ، و قال الله تعالى احشروا الذين ظلموا و أزواجهم أي أشباههم و أمثالهم و أتباعهم و عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيكون أمراء يغشاهم غواش أو حواش من الناس يظلمون و يكذبون ، فمن دخل عليهم و صدقهم بكذبهم و أعانهم على ظلمهم فليس مني و لست منه ، و من لم يدخل عليهم و لم يعنهم على ظلمهم فهو مني و أنا منه و عنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم من أعان ظالماً سلط عليه ، و قال سعيد بن المسيب رحمه الله لا تملأوا أعينكم من أعوان الظلمة إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم الصالحة ، و قال مكحول الدمشقي ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة و أعوانهم فما يبقى أحد مد لهم حبراً أو حبر لهم دواة أو بري لهم قلماً فما فوق ذلك إلا حضر معهم فيجمعون في تابوت من نار فيلقون في جهنم و جاء رجل خياط إلى سفيان الثوري فقال إني رجل أخيط ثياب السلطان هل أنا من أعوان الظلمة فقال سفيان بل أنت من الظلمة أنفسهم ، و لكن أعوان الظلمة من يبيع منك الإبرة و الخيوط
و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أول من يدخل النار يوم القيامة السواطون الذين يكون معهم الأسواط يضربون بها الناس بين يدي الظلمة و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال الجلاوزة و الشرط كلاب النار يوم القيامة الجلاوزة أعوان الظلمة
و قد روي أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام أن مر بني اسرائيل أن لا يتلو من ذكري فإني أذكر من ذكرني ، و أن ذكري إياهم أن ألعنهم ، و في رواية فإني أذكر من ذكرني منهم باللعنة و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يقف أحدكم في موقف يضرب فيه رجل مظلوم فإن اللعنة تنزل على من حضر ذلك المكان إذا لم يدفعوا عنه
و روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أتى رجل في قبره فقيل له إنا ضاربوك مائة ضربة فلم يزل يتشفع إليهم حتى صاروا إلى ضربة واحدة فضربوه ، فالتهب القبر عليه ناراً فقال لم ضربتموني هذه الضربة فقالوا إنك صليت صلاة بلا طهور و مررت برجل مظلوم فلم تنصره فهذا حال من لم ينصر المظلوم مع القدرة على نصره فكيف حال الظالم
و قد ثبت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ، فقال يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً فكيف أنصره إذا كان ظالماً تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره
و مما حكي قال بعض العارفين رأيت في المنام رجلاً ممن يخدم الظلمة و المكاسين بعد موته بمدة في حالة قبيحة فقلت له ما أحوالك قال شر حال ، فقلت إلى أين صرت قال إلى عذاب الله قلت فما حال الظلمة عنده قال شر حال ، أما سمعت قول الله عز و جل و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون و مما حكي قال بعضهم رأيت رجلاً مقطوع اليد من الكتف و هو ينادي من رآني فلا يظلمن أحداً فتقدمت إليه ، فقلت له يا أخي ما قصتك قال يا أخي قصة عجيبة ، و ذلك أني كنت من أعوان الظلمة فرأيت يوماً صياداً و قد اصطاد سمكة كبيرة فأعجبتني ، فجئت إليه فقلت أعطني هذه السمكة ، فقال لا أعطيكها أنا آخذ بثمنها قوتاً لعيالي ، فضربته و أخذتها منه قهراً و مضيت بها قال فبينا أنا أمشي بها حاملها إذ عضت على إبهامي عضة قوية فلما جئت بها إلى بيتي و ألقيتها من يدي ضربت على إبهامي و آلمتني ألماً شديداً حتى لم أنم من شدة الوجع و الألم و ورمت يدي ، فلما أصبحت أتيت الطبيب و شكوت إليه الألم ، فقال هذه بدء الآكلة أقطعها و إلا تقطع يدك ، فقطعت إبهامي ثم ضربت على يدي فلم أطق النوم و لا القرار من شدة الألم ، فقيل لي إقطع كفك فقطعته ، و انتشر الألم إلى الساعد و آلمني ألماً شديداً ، و لم أطق القرار ، و جعلت أستغيث من شدة الألم فقيل لي اقطعها إلى المرفق فقطعتها ، فانتشر الألم إلى العضد و ضربت على عضدي أشد من الألم الأول ، فقيل اقطع يدك من كتفك و إلا سرى إلى جسدك كله فقطعتها فقال لي بعض الناس ما سبب ألمك فذكرت قصة السمكة ، فقال لي لو كنت رجعت في أول ما أصابك الألم إلى صاحب السمكة و استحللت منه و أرضيته لما قطعت من أعضائك عضواً، فاذهب الآن إليه و اطلب رضاه قبل أن يصل الألم إلى بدنك قال فلم أزل أطلبه في البلد حتى وجدته ، فوقعت على رجليه أقبلها و أبكي و قلت له يا سيدي سألتك بالله إلا عفوت عني فقال لي و من أنت قلت أنا الذي أخذت منك السمكة غصباً ، و ذكرت ما جرى و أريته يدي فبكى حين رآها ثم قال يا أخي قد أحللتك منها لما قد رأيته بك من هذا البلاء ، فقلت يا سيدي بالله هل كنت قد دعوت علي لما أخذتها قال نعم قلت اللهم إن هذا تقوى علي بقوته على ضعفي على ما رزقتني ظلماً فأرني قدرتك فيه فقلت يا سيدي قد أراك الله قدرته في و أنا تائب إلى الله عز و جل عما كنت عليه من خدمة الظلمة ، و لا عدت أقف لهم على باب ، و لا أكون من أعوانهم ما دمت حياً إن شاء الله و بالله التوفيق
موعظة إخواني كم أخرج الموت نفساً من دارها لم يدارها ، و كم أنزل أجساداً بجارها لم يجارها ، و كم أجرى العيون كالعيون بعد قرارها ـ شعر
يا معرضاً بوصال عيش ناغم ستصد عنه طائعاً أو كارها
إن الحوادث تزعج الأحرار عن أوطانها و الطير عن أوكارها
أين من ملك المغارب و المشارق ، و عمر النواحي و غرس الحدائق ، و نال الأماني و ركب العوائق صاح به من داره غراب بين ناعق ، و طرقه في لهوه أقطع طارق ، و زجرت عليه رعود و صواعق ، و حل به ما شيب بعض المفارق ، و قلاه الحبيب الذي لم يفارق ، و هجره الصديق و الرفيق الصادق ، و نقل من جوار المخلوقين إلى جوار الخالق نازله و الله الموت فلم يحاشه ، و أذله بالقهر بعد عز جاشه ، و أبدله خشن التراب بعد لين فراشه ، و مزقه الدود في قبره كتمزيق قماشه ، و بقي في ضنك شديد من معاشه ، و بعد عن الصديق فكأنه لم يماشه ما نفعه و الله الإحتراز ، و لا ردت عنه الركاز ، بل ضره من الزاد الأعواز ، و صار و الله عبرة للمجتاز ، و قطع شاسعاً من السبل الأوفاز ، و بقي رهيناً لا يدري أهلك أم فاز و هذا لك بعد أيام ، و ما أنت فيه الآن أحلام ، و دنياك لا تصلح و ما سمعت ستراه غداً على التمام ، و يقع لي ولك ، ويحك أما يؤثر فيك الكلام





 
المكاس
الكبيرة السابعة و العشرون المكاس
و هو داخل في قول الله تعالى إنما السبيل على الذين يظلمون الناس و يبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم
و المكاس من أكبر أعوان الظلمة ، بل هو من الظلمة أنفسهم فإنه يأخذ ما لا يستحق و يعطيه لمن لا يستحق ، و لهذا قال النبي صلى الله عليه و سلم المكاس لا يدخل الجنة و قال صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة صاحب مكس رواه أبو داود ، و ما ذاك إلا لأنه يتقلد مظالم العباد و من أين للمكاس يوم القيامة أن يؤدي للناس ما أخذ منهم ؟ إنما يأخذون من حسناته إن كان له حسنات ! و هو داخل في قول النبي صلى الله عليه و سلم أتدرون من المفلس قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له و لا متاع ، إن المفلس من أمتي من يأتي بصلاة و زكاة و صيام و حج ، و يأتي و قد شتم هذا و ضرب هذا و أخذ مال هذا ، فيؤخذ لهذا من حسناته و هذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار
و في حديث المرأة التي طهرت نفسها بالرجم لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له أو لقبلت منه ، و المكاس من فيه شبه من قاطع الطريق و هو من اللصوص و جابي المكس و كاتبه و شاهده و آخذه من جندي و شيخ و صاحب رواية شركاء في الوزر آكلون للسحت و الحرام ، و صح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يدخل الجنة لحم نبت من السحت النار أولى به و السحت كل حرام قبيح الذكر يلزم منه العار
و ذكره الواحدي رحمه الله في تفسير قول الله تعالى قل لا يستوي الخبيث و الطيب و عن جابر أن رجلاً قال يا رسول الله إن الخمر كانت تجارتي ، و إني جمعت من بيعها مالاً ، فهل ينفعني ذلك المال إن عملت فيه بطاعة الله تعالى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أنفقته في حج أو جهاد أو صدقة لم يعدل عند الله جناح بعوضة إن الله لا يقبل إلا الطيب ، فأنزل الله تعالى تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم
قل لا يستوي الخبيث و الطيب و لو أعجبك كثرة الخبيث
قال عطاء و الحسن الحلال و الحرام فنسأل الله العفو و العافية
موعظة أين من حصن الحصون المشيدة و احترس ، و عمر الحدائق فبالغ و غرس ، و نصب لنفسه سرير العز و جلس ، و بلغ المنتهى و رأى الملتمس ، و ظن في نفسه البقاء و لكن خاب الظن في النفس ، أزعجه و الله هازم اللذات و اختلس ، و نازله بالقهر فأنزله عن الفرس ، و وجه به إلى دار البلاء فانطمس ، و تركه في ظلام ظلمة من الجهل و الدنس ، فالعاقل من أباد أيامه فإن العواقب في خلس ينظر
تبني و تجمع و الآثار تندرس و تأمل اللبث و الأعمار تختلس
ذا اللب فكر فما في العيش من طمع لا بد ما ينتهي أمر و ينعكس
أين الملوك و أبناء الملوك و من كانوا إذا الناس قاموا هيبة جلسوا
و من سيوفهم في كل معترك تخشى و دونهم الحجاب و الحرس
أضحكوا بمهلكة في وسط معركة
صرعى و صاروا ببطن الأرض و انطمسوا
و عمهم حدث و ضمهم جدث بأتوافهم جثث في الرمس قد حبسوا
كأنهم قط ما كانوا و ما خلقوا و مات ذكرهم بين الورى و نسوا
و الله لو عاينت عيناك ما صنعت أيدي البلا بهم و الدود يفترس
لعاينت منظراً تشجى القلوب له و أبصرت منكراً من دونه البلس
من أوجه ناضرات حار ناظرها في رونق الحسن منها كيف ينطمس
و أعظم باليات ما بها رمق و ليس تبقى لهذا و هي تنتهس
و السن ناطقات زانها أدب ما شأنها شأنها بالافة الخرس
حتام يا ذا النهي لا ترعوي سفها و دمع عينيك لا يهمي و ينبجس
موعظة يا من يرحل في كل يوم مرحلة ، و كتابه قد حوى حتى الخردلة ما ينتفع بالنذير و النذر متصلة ، و لا يصغي إلى ناصح و قد عذله و دروعه مخرقه و السهام مرسلة ، و نور الهدى قد بدا و لكن ما رآه و لا تأمله و هو يؤمل البقا ، و يرى مصير من قد أمله قد انعكف بعد الشيب على العيب بصبابة و وله كن كيف شئت فبين يديك الحساب و الزلزلة و نعم جلدك فلا بد للديدان أن تأكله
فيا عجبا من فتور مؤمن موقن بالجزاء و المسألة استيقن من غرور وبله و يحك يا هذا من استدعاك و فتح منزله فقد أولاك لو علمت منزله فبادر ما بقي من عمرك و استدرك أوله فبقية عمر المؤمن جوهرة قيمة



 
أكل الحرام و تناوله على أي وجه كان
الكبيرة الثامنة و العشرون أكل الحرام و تناوله على أي وجه كان
قال الله عز و جل و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل
أي لا يأكل بعضكم مال بعض بالباطل قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني باليمين الباطلة الكاذبة يقتطع بها الرجل مال أخيه بالباطل و الأكل بالباطل على وجهين ، أحدهما أن يكون على جهة الظلم نحو الغصب و الخيانة و السرقة والثاني على جهة الهزل و اللعب كالذي يؤخذ في القمار و الملاهي و نحو ذلك ، و في صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة و في صحيح مسلم حين ذكر النبي صلى الله عليه و سلم الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء يا رب يا رب و مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام ، و غذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك و عن أنس رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال صلى الله عليه و سلم يا أنس أطب كسبك تجب دعوتك ، فإن الرجل ليرفع اللقمة من الحرام إلى فيه فلا يستجاب له دعوة أربعين يوماً ، و روى البيهقي باسناده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم ، و إن الله يعطي الدنيا من يحب و من لا يحب و لا يعطي الدين إلا من يحب ، فمن أعطاه الله الدين فقد أحبه و لا يكسب عبد مالاً حراماً فينفق منه فيبارك له فيه و لا يتصدق منه فيقبل منه و لا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار إن الله لا يمحو السيء بالسيء و لكن يمحو السيء بالحسن و عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الدنيا حلوة خضرة من اكتسب فيها مالاً من حله و أنفقه في حقه أثابه الله و أورثه جنته ، و من اكتسب فيها مالاً من غير حله و أنفقه في غير حقه أدخله الله تعالى دار الهوان و رب متخوض فيما اشتهت نفسه من الحرام له النار يوم القيامة و جاء عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أي باب أدخله النار و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال لأن يجعل أحدكم في فيه تراباً خير من أن يجعل في فيه حراماً و قد روي عن يوسف بن أسباط رحمه الله قال إن الشاب إذا تعبد قال الشيطان لأعوانه انظروا من أين مطعمه ، فإن كان مطعم سوء قال دعوه يتعب و يجتهد فقد كفاكم نفسه إن إجهاده مع أكل الحرام لا ينفعه و يؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين من قوله صلى الله عليه و سلم عن الرجل الذي مطعمه حرام و مشربه حرام و ملبسه حرام و غذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك ؟ و قد روي في حديث أن ملكاً على بيت المقدس ينادي كل يوم و كل ليلة من أكل حراماً لم يقبل الله منه صرفاً و لا عدلا الصرف النافلة ، و العدل الفريضة و قال عبد الله بن المبارك ( لأن أرد درهماً من شبهة أحب إلي من أن أتصدق بمائة ألف و مائة ) و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من حج بمال حرام فقال لبيك ، قال ملك لا لبيك و لا سعديك حجك مردود عليك و روى الإمام أحمد في مسنده عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من اشترى ثوباً بعشرة دراهم و في ثمنه درهم من حرام لم يقبل الله له صلاة ما دام عليه و قال وهب بن الورد لو قمت قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك أحلال أم حرام و قال ابن عباس رضي الله عنهما ( لا يقبل الله صلاة امرىء و في جوفه حرام حتى يتوب إلى الله تعالى منه ) و قال سفيان الثوري من أنفق الحرام في الطاعة كمن طهر الثوب بالبول ، و الثوب لا يطهره إلا الماء ، و الذنب لا يكفره إلا الحلال ، و قال عمر رضي الله عنه ( كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة الوقوع في الحرام ) و عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام و عن زيد بن أرقم قال كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج ـ أي قد كاتبه على مال ـ و كان يجيئه كل يوم بخراجه فيسأله من أين أتيت بها ؟ فإن رضيه أكله و إلا تركه قال فجاءه ذات ليلة بطعام و كان أبو بكر صائماً فأكل منه لقمة و نسي أن يسأله ، ثم قال له من أين جئت بهذا ؟ فقال كنت تكهنت لأناس بالجاهلية و ما كنت أحسن الكهانة ، إلا أني خدعتهم فقال أبو بكر أف لك كدت تهلكني ! ثم أدخل يده في فيه فجعل يتقيأ و لا يخرج ، فقيل له إنها لا تخرج إلا بالماء ، فدعا بماء فجعل يشرب و يتقيأ حتى قاء كل شيء في بطنه فقيل له يرحمك الله كل هذا من أجل هذه اللقمة ؟ فقال رضي الله عنه لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها إني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به فخشيت أن ينبت بذلك في جسدي من هذه اللقمة و قد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم لا يدخل الجنة جسد غذي بحرام و إسناده صحيح قال العلماء رحمهم الله و يدخل في هذا الباب المكاس ، و الخاتن ، و الزغلي ، و السارق ، و البطال ، و آكل الربا و موكله ، و آكل مال اليتيم ، و شاهد الزور ، و من استعار شيئاً فجحده ، و آكل الرشوة ، و منقص الكيل و الوزن ، و من باع شيئاً فيه عيب فغطاه ، و المقامر ، و الساحر ، و المنجم ، و المصور ، و الزانية ، و النائحة و العشرية ، و الدلال ، إذا أخذ أجرته بغير إذن من البائع ، و مخبر المشتري بالزائد و من باع حراً فأكل ثمنه
( فصل ) روي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يؤتى يوم القيامة بأناس معهم من الحسنات كأمثال جبل تهامة ، حتى إذا جيء بهم جعلها الله هباءً منثورا ثم يقذف بهم في النار فقيل يا رسول الله كيف ذلك ؟ قال كانوا يصلون و يصومون ، و يزكون ، و يحجون ، غير أنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه فأحبط الله أعمالهم و عن بعض الصالحين أنه رؤي بعد موته في المنام فقيل له ما فعل الله بك ؟ قال خيراً ، غير أني محبوس عن الجنة بإبرة استعرتها فلم أردها فنسأل الله تعالى العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى إنه جواد كريم رءوف رحيم
( موعظة ) عباد الله أما الليالي و الأيام تهدم الآجال ؟ أما مآل المقيم في الدنيا إلى زوال ، أما آخر الصحة يؤول إلى الإعتلال ، أما غاية السلامة نقصان الكمال أما بعد استقرار المنى هجوم الآجال ، أما أنبئتم عن الرحيل و قد قرب الإنتقال أما بانت لكم العبر و ضربت لكم الأمثال ؟
و عزيز ناعم ذل له كل صعب المرتقى وعر المرام
فكساه بعد لين ملبس خشناً بالرغم منه في الرغام
و وجوه ناضرات بدلت بعد لون الحسن لوناً كالقتام
و شموس طالعات أفلت بعد ذاك النور منها بالظلام
و منيف شامخ بنيانه لين الأعطاف مهتز القوام
أف للدنيا فما شيمتها غير نقض العقد أو خفر الذمام
فاستعدوا الزاد تنجوا و اعملوا صالحاً من قبل تقويض الخيام
يا متعلقاً بزخرف يروق بقاؤه كلمح البروق ، يا مضيعاً في الهوى واجبات الحقوق ، تبارز الخالق و تستحي من المخلوق ؟ يا مؤثراً أعلى العلالي ساتراً ذلك الفسوق ، ألا سترى ذلك الفسوق ! يا متولهاً مهاد الهوى و هو في سجن الردى مرموق ، إبك على نفسك العليلة فإنك بالبكاء محقوق ، عجباً لمن رأى فعل الموت لصحبه ، و أيقن بتلفه و ما قضى نحبه ، و سكن الإيمان بالآخرة في قلبه ، و نام غافلاً على جنبه ، و نسي جزاءه على جرمه و ذنبه و أعرض إلى ربه من الهوى عن ربه ، كأني به و قد سقي كأس حمام يستغيث من شربه ، و أفرده الموت عن أهله و سربه ، و نقله إلى قبره ذل فيه بعد عجبه فياذا اللب جز على قبره و عج به لقد خرقت المواعظ المسامع و ما أراه انتفع به السامع ، لقد بدا نور المطالع لكنه أعمى المطالع ، و لقد بانت العبر بآثار الغير لمن اغتر بالمصارع فما بالها لا تسكب المدامع ؟ يا عجبا لقلب عند ذكر الحق غير خاشع ، لقد نشبت فيه مخالب المطامع يا من شيبه قد أتى هل ترى ما مضى من العمر براجع ؟ انتبه لما بقي و انته و راجع ، فالهول عظيم و الحساب شديد و الطريق شاسع ، إن عذاب ربك لواقع ماله من دافع


 
أن يقتل الإنسان نفسه
الكبيرة التاسعة و العشرون أن يقتل الإنسان نفسه
قال الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما * ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا وكان ذلك على الله يسيرا
قال الواحدي في تفسير هذه الآية و لا تقتلوا أنفسكم ، أي لا يقتل بعضكم بعضا لأنكم أهل دين واحد ، فأنتم كنفس واحدة هذا قول ابن عباس و الأكثرين و ذهب قوم إلى أن هذا النهي عن قتل الإنسان نفسه ، و يدل على صحة هذا ما أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد المنصوري بإسناده عن عمرو بن العاص ، قال احتلمت في ليلة باردة و أنا في غزوة ذات السلاسل ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيممت فصليت بأصحابي الصبح ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم فقال يا عمرو صليت بأصحابك و أنت جنب ؟ فأخبرته الذي منعني من الإغتسال فقلت أني سمعت الله يقول و لا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و لم يقل شيئاً فدل هذا الحديث على أن عمرو تأول هذه الآية هلاك نفسه لا نفس غيره و لم ينكر ذلك عليه النبي صلى الله عليه و سلم قوله و من يفعل ذلك كان ابن عباس يقول الإشارة تعود إلى كل ما نهى عنه من أول السورة إلى هذا الموضع و قال قوم الوعيد راجع إلى أكل المال بالباطل و قتل النفس المحرمة ، و قوله تعالى عدواناً و ظلماً مع العدوان أن يعدو ما أمر الله به و كان ذلك على الله يسيرا أي أنه قادر على إيقاع ما توعد به من إدخال النار و عن جندب بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فحذ بها يده فما رقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة مخرج في الصحيحين و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً فيها أبداً ، و من قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ، و من نزل من جبل فقتل نفسه فهو ينزل في نار جهنم خالداً فيها أبداً مخرج في الصحيحين و في حديث ثابت بن الضحاك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن المؤمن كقتله ، و من قذف مؤمناً بكفر فهو كقتله ، و من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة و في الحديث الصحيح عن الرجل الذي آلمته الجراح فاستعجل الموت ، فقتل نفسه بذباب سيفه فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هو من أهل النار فنسأل الله أن يلهمنا رشدنا ، و أن يعيذنا من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا ، إنه جواد كريم غفور رحيم
موعظة ابن آدم كيف تظن أعمالك مشيدة، و أنت تعلم أنها مكيدة ؟ و كيف تترك معاملة المولى و تعلم أنها مفيدة ؟ و كيف تقصر في زادك و قد تحققت أن الطريق بعيدة ؟ يا معرضاً عنا إلى متى هذا الجفا و الإعراض ؟ يا غافلاً عن الموت و العمر لا شك في انقراض يا مغتراً في أمله و أيدي المنايا في أجله تقرضه بمقراض ، يا مغروراً بصحته و بدنه كل يوم في انتقاص ، يا من يفني كل يوم بعضه ستفنى و الله الأبعاض يا غافلاً عن الزاد و قد أنذره بعد السواد البياض ، يا قليل الإحتراس و نبل المنايا طوال عراض يا من يساق إلى موارد التلف و قد نزحت الحياض ، يا ضاحكاً و عيون الفنا غير غماض لمن هذه الأوقات بين يديه كيف يقدر جفنه على الأغماض



 
الكذب في غالب أقواله
الكبيرة الثلاثون الكذب في غالب أقواله
قال الله تعالى فنجعل لعنة الله على الكاذبين ، و قال الله تعالى قتل الخراصون أي الكاذبون ، و قال الله تعالى إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب
و في الصحيحين عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الصدق يهدي إلى البر و إن البر يهدي إلى الجنة ، و ما يزال الرجل يصدق و يتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا و إن الكذب يهدي إلى الفجور ، و إن الفجور يهدي إلى النار ، و ما يزال الرجل يكذب و يتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا و في الصحيحين أيضاً أنه صلى الله عليه و سلم قال آية المنافق ثلاث و إن صلى و صام و زعم أنه مسلم إذا حدث كذب ، و إذا وعد أخلف ، و إذا ائتمن خان و قال عليه الصلاة و السلام أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً و من كانت فيه خصلة منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها إذا ائتمن خان ، و إذا عاهد غدر ، و إذا خاصم فجر و في صحيح البخاري في حديث منام النبي صلى الله عليه و سلم قال فأتينا على رجل مضطجع لقفاه ، و آخر قائم عليه بكلوب من حديد يشرشر شدقه إلى قفاه و عيناه إلى قفاه ، ثم يذهب إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل في الجانب الأول ، فما يرجع إليه حتى يصح مثل ما كان ، فيفعل به كذلك إلى يوم القيامة فقلت لهما من هذا فقالا إنه كان يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق و قال صلى الله عليه و سلم يطبع المؤمن على كل شيء ليست الخيانة و الكذب و في الحديث إياكم و الظن فإن الظن أكذب الحديث و قال صلى الله عليه و سلم ثلاثة لا يكلمهم الله و لا ينظر إليهم يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم شيخ زان ، و ملك كذاب ، و عائل مستكبر العائل الفقير و قال صلى الله عليه و سلم ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به الناس فيكذب ويل له ويل له ويل له و أعظم من ذلك الحلف كما أخبر الله تعالى عن المنافقين بقوله و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون و في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة و لا يزكيهم و لهم عذاب أليم رجل على فضل ما يمنعه ابن السبيل ، و رجل بايع رجلاً سلعة فحلف بالله لأخذتها بكذا و كذا فصدقه و أخذها و هو على غير ذلك ، و رجل بايع إماماً لا يبايعه إلا للدنيا فإن أعطاه منها وفى له و إن لم يعطه لم يف له و قال صلى الله عليه و سلم كبرت خيانة أن تحدث أخاك حديثاً هو لك به مصدق و أنت له به كاذب و في الحديث أيضاً من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين و ليس بعاقد و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم فرى الفرى على الله أن يري الرجل عينيه ما لم تريا معناه أن يقول رأيت في منامي كيت و كيت و لم يكن رأى شيئاً و قال ابن مسعود رضي الله عنه لا يزال العبد يكذب و يتحرى الكذب حتى ينكت في قلبه نكتة سوداء ، حتى يسود قلبه فيكتب عند الله من الكاذبين
فينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن الكلام ، إلا كلاماً ظهرت فيه المصلحة فإن في السكوت سلامة و السلامة لا يعدلها شيء و في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت فهذا الحديث المتفق على صحته نص صريح في أنه لا ينبغي للإنسان أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً و هو الذي ظهرت مصلحته للمتكلم ، قال أبو موسى قلت يا رسول الله أي المسلمين أفضل قال من سلم المسلمون من لسانه و يده و في الصحيحين إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها ـ أي ما يفكر فيها بأنها حرام ـ يزل بها في النار أبعد مما بين المشرق و المغرب و في موطأ الإمام مالك من رواية بلال بن الحارث المزني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى بها له رضوانه إلى يوم يلقاه ، و إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما كان يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه و الأحاديث الصحيحة بنحو ما ذكرنا كثيرة و فيما أشرنا إليه كفاية و سئل بعضهم كم وجدت في ابن آدم من العيوب فقال هي أكثر من أن تحصى ، و الذي أحصيت ثمانية آلاف عيب ، و وجدت خصلة إن استعملها سترت العيوب كلها ، و هي حفظ اللسان جنبنا الله معاصيه و استعملناه فيما يرضيه إنه جواد كريم
( موعظة ) أيها العبد لا شيء أعز عليك من عمرك و أنت تضيعه ، و لا عدو لك كالشيطان و أنت تطيعه ، و لا أضر من موافقة نفسك و أنت تصافيها ، و لا بضاعة سوى ساعات السلامة و أنت تسرف فيها لقد مضى من عمرك الأطايب فما بقي بعد شيب الذوائب يا حاضر البدن و القلب غائب ، اجتماع العيب الشيب من جملة المصائب يمضي زمن الصبا و حب الحبائب كفى زاجراً واعظاً تشيب منه الذوائب يا غافلاً فإنه أفضل المناقب ، أين البكا لخوف العظيم الطالب أين الزمان الذي ضاع في الملاعب نظرت فيه آخر العواقب كم في القيامة مع دمع ساكب على ذنوب قد حواها كتاب الكاتب ! من لي إذا قمت في موقف المحاسب و قيل لي ما صنعت في كل واجب
كيف ترجو النجاة و تلهو باسر الملاعب ، إذا أتتك الأماني بظن الكاذب الموت صعب شديد مر المشارب ، يلقي شره بكأس صدور الكتائب فانظر لنفسك و انتظر قدوم الغائب يأتي بقهر و يرمي بسهم صائب يا آملاً أن تبقى سليماً من النوائب بنيت بيتاً كنسيج العناكب أين الذين علوا متون الركايب ، ضاقت بهم المنايا سبل المذاهب و أنت بعد قليل حليف المصايب ، فانظر و تفكر و تدبر قبل العجايب


 
القاضي السوء
الكبيرة الحادية و الثلاثون القاضي السوء
قال الله تعالى و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون و قال الله تعالى و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون و قال الله تعالى و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون
روى الحاكم بإسناده و في صحيحه عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يقبل الله صلاة إمام حكم بغير ما أنزل الله
و صحح الحاكم أيضاً من حديث بريدة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم القضاة ثلاثة قاض في الجنة و قاضيان في النار ، قاض عرف الحق فقضى به فهو في الحنة ، و قاض عرف الحق فجار متعمداً فهو في النار ، و قاض قضى بغير علم فهو في النار قالوا فما ذنب الذي يجهل ؟ قال ذنبه أن لا يكون قاضياً حتى يعلم و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من جعل قاضياً فقد ذبح من غير سكين و قال الفضيل بن عياض رحمه الله ، ينبغي للقاضي أن يكون يوماً في القضاء و يوماً في البكاء على نفسه و قال محمد بن واسع رحمه الله أول من يدعى يوم القيامة إلى الحساب القضاة و عن عائشة رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يؤتى بالقاضي العدل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يود أنه لم يقض بين اثنين في تمرة و عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن القاضي ليزل في زلقة في جهنم أبعد من عدن و عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ليس من وال و لا قاض إلا يؤتى به يوم القيامة حتى يوقف بين يدي الله عز و جل على الصراط ثم تنشر سريرته فتقرأ على رؤوس الخلائق ، فإن كان عدلاً نجاه الله بعدله ، و إن كان غير ذلك انتفض به ذلك الجسر انتفاضاً ، فصار بين كل عضو من أعضائه مسيرة كذا و كذا ، ثم ينخرق به الجسر إلى جهنم و قال مكحول لو خيرت بين القضاء و بين ضرب عنقي لاخترت ضرب عتقي على القضاء و قال أيوب السختياني إني وجدت أعلم الناس أشدهم هرباً منه و قيل للثوري إن شريحاً قد استقضي ، فقال أي رجل قد أفسدوه ! و دعا مالك بن المنذر محمد بن واسع ليجعله على قضاء البصرة فأبى ، فعاوده و قال لتجلسن ، و إلا جلدتك فقال إن تفعل فإنك سلطان ، و إن ذليل الدنيا خير من ذليل الآخرة ! و قال وهب بن منبه إذا هم الحاكم بالجور أو عمل به أدخل الله النقص على أهل مملكته حتى في الأسواق و الأرزاق و الزرع و الضرع شيء ، و إذا هم بالخير أو العدل أدخل الله البركة في أهل مملكته كذلك و كتب عامل من عمال حمص إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه أما بعد فإن مدينة حمص قد تهدمت و احتاجت إلى اصلاح فكتب إليه عمر حصنها بالعدل و نق طرقها من الجور ، و السلام قال و يحرم على القاضي أن يحكم و هو غضبان و إذا اجتمع في القاضي قلة علم و سوء قصد و أخلاق زعرة و قلة ورع فقد تم خسرانه و وجب عليه أن يعزل نفسه ، و يبادر بالخلاص فنسأل الله العفو و العافية و التوفيق لما يحب و يرضى ، إنه جواد كريم
موعظة يا من عمره كلما زاد نقص ، يا من يأمن ملك الموت و قد اقتص يا مائلاً إلى الدنيا هل سلمت من النقص ؟ يا مفرطاً في عمره هل بادرت الفرص ؟ يا من إذا ارتقى في منهاج الهدى ثم لاج له الهوى نكص ، من لك يوم الحشر عند نشر القصص عجباً لنفس أمست بالليل هاجعة ، و نسيت أهوال يوم الواقعة ، و لأن تقرعها المواعظ فتصغي لها سامعة ، ثم تعود الزواجر عنها ضائعة و النفوس غدت في كرم الكريم طامعة ، ليست له في حال من الأحوال طائعة ، و الأقدام سعت في الهوى في طرق شاسعة ، بعد أن وضحت من الهدى سبل واسعة ، و الهمم شرعت في مشارع الهوى متنازعه ، لم تكن موعظة العقول لها نافعة ، و قلوب تضمر التوبة إذا فزعت بزواجر رادعه ، ثم تعود إلى ما لا يحل مراراً متتابعة


 
أخذ الرشوة على الحكم
الكبيرة الثانية و الثلاثون أخذ الرشوة على الحكم
قال الله تعالى و لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل و تدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم و أنتم تعلمون
أي لا تدلو بأموالكم إلى الحكام ، أي لا تصانعوهم بها و لا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقاً لغيركم و أنتم تعلمون أنه لا يحل لكم و عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الله الراشي و المرتشي في الحكم أخرجه الترمذي و قال حديث حسن و عن عبد الله بن عمرو لعن رسول الله صلى الله عليه و سلم الراشي و المرتشي
قال العلماء فالراشي هو الذي يعطي الرشوة ، و المرتشي هو الذي يأخذ الرشوة و إنما تلحق اللعنة الراشي إذا قصد بها أذية مسلم أو ينال بها ما لا يستحق ، أما إذا أعطى ليتوصل إلى حق له و يدفع عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في اللعنة ، و أم الحاكم فالرشوة عليه حرام أبطل بها حقاً أو دفع بها ظلماً و قد روي في حديث آخر إن اللعنة على الرائش أيضاً و هو الساعي بينهما ، و هو تابع للراشي في قصده خيراً لم تلحقه اللعنة و إلا لحقته
فصل و من ذلك ما روى أبو داود في سننه عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من شفع لرجل شفاعة فأهدى له عليها هدية فقد أتى باباً كبيراً من أبواب الربا و عن ابن مسعود قال السحت أن تطلب لأخيك الحاجة فتقضى فيهدى إليك هدية فتقبلها منه ، و عن مسروق أنه كلم ابن زياد في مظلمة فردها فأهدى إليه صاحب المظلمة و صيفاً فردها و لم يقبلها ، و قال سمعت ابن مسعود يقول من رد عن مسلم مظلمة فأعطاه على ذلك قليلاً أو كثيراً فهو سحت فقال الرجل يا أبا عبد الرحمن ما كنا نظن أن السحت إلا الرشوة في الحكم فقال ذلك كفر نعوذ بالله منه و نسأل الله العفو و العافية من كل بلاء و مكروه
الحكاية عن الإمام أبي عمر الأوزعي رحمه الله ـ و كان يسكن ببيروت ـ أن نصرانياً جاء إليه فقال إن والي بعلبك ظلمني بمظلمة ، و أريد أن تكتب إليه و أتاه بقلة عسل ، فقال الأوزاعي رحمه الله إن شئت رددت القلة و كتبت لك إليه ، و إن شئت أخذت القلة فكتبت له إلى الوالي أن ضع عن هذا النصراني من خراجه فأخذ القلة و الكتاب و مضى إلى الوالي فأعطاه الكتاب فوضع عنه ثلاثين درهماً بشفاعة الإمام ، رحمه الله و حشرنا في زمرته
موعظة عباد الله تدبروا العواقب ، و احذروا قوة المناقب ، و اخشوا عقوبة المعاقب ، و خافوا سلب السالب ، فإنه و الله طالب غالب أين الذين قعدوا في طلب المنى و قاموا ، و داروا على توطئة دار الرحيل و حاموا ؟ ما أقل ما لبثوا و ما أوفى ما أقاموا ! لقد وبخوا في نفوسهم في قعر قبورهم على ما أسلفوا و لاموا أما والله لو علم الأنام لما خلقوا لما هجموا و ناموا
لقد خلقوا لأمر لو رأته عيون قلوبهم تاهوا و هاموا
ممات ، ثم قبر ، ثم حشر ، و توبيخ ، و أهوال ، عظام
ليوم الحشر قد عملت رجال فصلوا من مخافته و صاموا
و نحن إذا أمرنا أو نهينا كأهل الكهف إيقاظ نيام
يا من بأقذار الخطايا قد تلطخ ، و بآفات البلايا قد تضمخ ، يا من سمع كلام من لام و وبخ ، يعقد عقد التوبة حتى إذا أمسى يفسخ ، يا مطلقاً لسانه و الملك يحصى و ينسخ ، يا من طير الهوى في صدره قد عشش و فرخ ، كم أباد الموت ملوكاً كالجبال الشمخ ، كم أزعج قواعد كانت في الكبر ترسخ ، و أسكنهم ظلم اللحود و من ورائهم برزخ ، يا من قلبه من بدنه بالذنوب أوسخ ، يا مبارزاً بالعظائم أتأمن أن يخسف بك أو تمسخ ، يا من لازم العيب بعد اشتماله الشيب ففعله يؤرخ و الحمد لله دائماً و أبداً




 
تشبه النساء بالرجال و تشبه الرجال بالنساء
الكبيرة الثالثة و الثلاثون تشبه النساء بالرجال و تشبه الرجال بالنساء
في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لعن الله المتشبهات من النساء بالرجال و المتشبهين من الرجال بالنساء و في رواية لعن الله الرجله من النساء و في رواية قال لعن الله المخنثين من الرجال و المترجلات من النساء يعني اللاتي يتشبهن بالرجال في لبسهم و حديثهم ، و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن الله المرأة تلبس لبسة الرجل و الرجل يلبس لبسة المرأة
فإذا لبست المرأة زي الرجال من المقالب و الفرج و الأكمام الضيقة فقد شابهت الرجال في لبسهم فتلحقها لعنة الله و رسوله و لزوجها إذا أمكنها من ذلك أي رضي به و لم ينهها لأنه مأمور بتقويمها على طاعة الله و نهيها عن المعصية لقول الله تعالى قوا أنفسكم و أهليكم ناراً وقودها الناس و الحجارة أي أدبوهم و علموهم و مروهم بطاعة الله و انهوهم عن معصية الله كما يحب ذلك عليكم في حق أنفسكم ، و لقول النبي صلى الله عليه و سلم كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته الرجل راع في أهله و مسؤول عنهم يوم القيامة و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ألا هلكت الرجال حين أطاعوا النساء و قال الحسن والله ما أصبح اليوم رجل يطيع امرأته فيما تهوى إلا أكبه الله تعالى في النار ، و قال صلى الله عليه و سلم صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، و نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة و لا يجدن ريحها ، و إن ريحها ليوجد من مسيرة كذا و كذا أخرجه مسلم
قوله كاسيات أي من نعم الله عاريات من شكرها و قيل هو أن تلبس المرأة ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها و معنى مائلات قيل عن طاعة الله و ما يلزمهن حفظه ، مميلات أي يعلمن غيرهن الفعل المذموم ، و قيل مائلات متبخترات مميلات لأكتافهن ، و قيل مائلات يمتشطن المشطة الميلاء و هي مشطة البغايا ، و مميلات يمشطن غيرهن تلك المشطة رؤوسهن كأسنمة البخت أي يكبرنها و يعظمنها بلف عصابة أو عمامة أو نحوهما و عن نافع قال كان ابن عمر و عبد الله ابن عمرو عند الزبير بن عبد المطلب إذ أقبلت امرأة تسوق غنماً متنكبة قوساً فقال عبد الله بن عمر أرجل أنت أم امرأة ؟ فقالت امرأة فالتفت إلى ابن عمرو فقال إن الله تعالى لعن على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم المتشبهات من النساء بالرجال و المتشبهون من الرجال بالنساء
و من الأفعال التي تلعن عليها المرأة إظهار الزينة و الذهب و اللؤلؤ من تحت النقاب ، و تطيبها بالمسك و العنبر و الطيب إذا خرجت ، و لبسها الصباغات و الأزر و الحرير و الأقبية القصار مع تطويل الثوب و توسعة الأكمام و تطويلها إلى غير ذلك إذا خرجت ، و كل ذلك من التبرج الذي يمقت الله عليه و يمقت فاعله في الدنيا و الآخرة ، و هذه الأفعال التي قد غلبت على أكثر النساء ، قال عنهن النبي صلى الله عليه و سلم اطلعت على النار فرأيت أكثر أهلها النساء ، و قال صلى الله عليه و سلم ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء فنسأل الله أن يقينا فتنتهن و أن يصلحهن و إيانا بمنه و كرمه
موعظة ابن آدم كأنك بالموت و قد فجأك و هجم و ألحقك بمن سبقك من الأمم ، و نقلك إلى بيت الوحدة و الظلم ، و من ذلك إلى عسكر الموتى مخيمة بين الخيم مفرقاً من مالك ما اجتمع و من شملك ما انتظم ، و لا تدفعه بكثرة الأموال و لا بقوة الخدم ، و ندمت على التفريط غاية الندم ، فيا عجباً لعين تنام و طالبها لم ينم ، متى تحذر مما توعد و تهدد ، و متى تضرم نار الخوف في قلبك و تتوقد ، إلى متى حسناتك تضمحل و سيئاتك تجدد ، إلى متى لا يهولك زجر الواعظ و إن شدد ، إلى متى أنت بين الفتور و التواني تتردد ، متى تحذر يوماً فيه الجلود تنطق و تشهد ، ، متى تترك ما يفني فيما لا ينفذ ، متى تهب بك في بحر الوجد ريح الخوف و الرجاء ، متى تكون في الليل قائماً إذا سجا ، أين الذين عاملوا مولاهم و انفردوا ، و قاموا في الدجى و ركموا و سجدوا ، و قدموا إلى باب في الأسحار و وفدوا ، و صاموا هواجر النهار فصبروا و اجتهدوا ، لقد ساروا و تخلفت وفاتك ما وجدوا و بقيت في أعقابهم و إن لم تلحق بعدوا
يا نائم الليل متى ترقد قم يا حبيبي قد دنا الموعد
من نام حتى ينقضي ليله لم يبلغ المنزل أو يجهد
فقل لذوي الألباب أهل التقى قنطرة العرض لكم موعد



 
الديوث المستحسن على أهله و القواد الساعي بين الإثنين بالفساد
الكبيرة الرابعة و الثلاثون الديوث المستحسن على أهله و القواد الساعي بين الإثنين بالفساد
قال الله تعالى الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك و حرم ذلك على المؤمنين
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه و الديوث و رجلة النساء و روى النسائي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ثلاثة قد حرم الله عليهم الجنة مدمن الخمر و العاق لوالديه و الديوث الذي يقر الخبث في أهله يعني يستحسن على أهله نعوذ بالله من ذلك
قال المصنف رحمه الله تعالى فمن كان يظن بأهله الفاحشة و يتغافل لمحبته فيها أو لأن لها عليه ديناً و هو عاجز ، أو صداقاً ثقيلاً ، أو له أطفال صغار فترفعه إلى القاضي و تطلب فرضهم فهو دون من يعرض عنه ، و لا خير فيمن لا غيرة له فنسأل الله العافية من كل بلاء ومحنة إنه جواد كريم
موعظة أيها المشغول بالشهوات الفانيات متى تستعد لممات آت ، حتى متى لا تجتهد في إلحاق القوافل الماضيات ، أتطمع و أنت رهين الوساد في لحاق السادات ؟ هيهات هيهات هيهات ! آملاً في زعمه اللذات إحذر هجوم هازم اللذات ، احذر مكائده فهي كوامن في عدة الأنفاس و اللحظات
تمضي حلاوة ما أخفيت و بعدها تبقى عليك مرارة التبعات
يا حسرة العاصين يوم معادهم لو أنهم سبقوا إلى الجنات
لو لم يكن إلا الحياء من الذي ستر العيوب لأكثروا الحسرات
يا من صحيفته بالذنوب قد حفت ، و موازينه بكثرة الذنوب قد خفت ، أما رأيت أكفاء عن مطامعها كفت ، أما رأيت عرائس آحاد إلى اللحود قد زفت ، أما عاينت أبدان المترفين و قد أدرجت في الأكفان و لفت ، أما عاينت طور الأجسام في الأرحام و متى تنتبه لخلاص نفسك أيها الناعس ، متى تعتبر بربع غيرك الدارس ؟ أين الأكاسر الشجعان الفوارس ، و أين المنعمون بالجواري و الظباء الخنس الكوانس ، أين المتكبرون ذوو الوجوه العوابس ، أين من اعتاد سعة القصور ! حبس في القبور في أضيق المحابس ! أين الرافل في أثوابه عري في ترابه عن الملابس ، أين الغافل في أمله و أهله عن أجله سلبته أكف الخالس ، أين جامع الأموال سلب المحروس و هلك الحارث ! حق لمن علم مكر الدنيا أن يهجرها ، و لمن جهل نفسه أن يزجرها ، و لمن تحقق نقلته أن يذكرها ، و لمن غمر بالنعماء أن يشكرها ، و لمن دعي إلى دار السلام أن يقطع مفاوز الهوى ليحضرها



 
المحلل و المحلل له
الكبيرة الخامسة و الثلاثون المحلل و المحلل له
صح من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم لعن المحلل المحلل له . قال الترمذي و العمل على ذلك عند أهل العلم منهم عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان ، و عبد الله بن عمر ، و هو قول الفقهاء من التابعين و رواه الإمام أحمد في مسنده و النسائي في سننه أيضاً باسناد صحيح . و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن المحلل فقال لا ، إلا نكاح رغبة ، لا نكاح دلسة و لا استهزاء بكتاب الله عز و جل حتى يذوق العسيلة . و رواه أبو اسحاق الجوزاني . و عن عقبة بن عامر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال هو المحلل ، لعن الله المحلل و المحلل له . رواه ابن ماجه بإسناد صحيح . و عن ابن عمر أن رجلاً سأله فقال ما تقول في امرأة تزوجتها أحلها لزوجها لم يأمرني و لم يعلم ؟ فقال له ابن عمر لا ، إلا نكاح رغبة إن أعجبتك أمسكتها و إن كرهتها فارقتها ، و إنا كنا نعد هذا سفاحاً على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم . و أما الآثار عن الصحابة و التابعين فقد روى الأثرم و ابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لا أوتي بمحلل و لا محلل إلا رجمتها . و سئل عمر بن الخطاب عن تحليل المرأة لزوجها فقال ـ ذلك السفاح ـ و عن عبد الله بن شريك العامري قال سمعت ابن عمر رضي الله عنهما و قد سئل عن رجل طلق ابنة عم له ، ثم ندم و رغب فيها ، فأراد رجل أن يتزوجها ليحلها له . فقال ابن عمر كلاهما زان و إن مكثا عشين سنة أو نحو ذلك إذا كان يعلم أنه يريد أن يحللها . و عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سأل رجل فقال ابن عمي طلق امرأته ثلاثاً ثم ندم فقال ابن عمك عصى ربه فأندمه ، و أطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجا .فقال كيف ترى في رجل يحلها له ؟ فقال من يخادع الله يخدعه . و قال إبراهيم النخعي إذا كان نية أحد الثلاثة الزوج الأول أو الزوج الآخر أو المرأة التحليل فنكاح الآخر باطل و لا تحل للأول و قال الحسن البصري إذا هم أحد الثلاثة بالتحليل فقد أفسد و قال سعيد بن المسيب إمام التابعين في رجل تزوج امرأة ليحلها لزوجها الأول ، فقال لا تحل . و ممن قال بذلك مالك بن أنس ، و الليث بن سعد ، و سفيان الثوري و الإمام أحمد . و قال اسماعيل بن سعيد سألت الإمام أحمد عن الرجل يتزوج المرأة و في نفسه أن يحللها لزوجها الأول و لم تعلم المرأة بذلك ؟ فقال هو محلل و إن أراد بذلك الإحلال فهو ملعون ، و مذهب الشافعي رحمه الله إذا شرط التحليل في العقد بطل العقد ، لأنه عقد بشرط قطعه دون غايته فبطل كنكاح المتعة ، و إن وجد الشرط قبل العقد فالأصح الصحة ، و إن عقد كذلك و لم يشرط في العقد و لا قبله لم يفسد العقد ، و إن تزوجها على أنه إذا أحلها طلقها ففيه قولان أصحهما أن يبطل . و وجه البطلان أنه شرط يمنع صحته دوام النكاح فأشبه التأقيت و هذا هو الأصح في الرافعي . و وجه الثاني أنه شرط فاسد قارن العقد فلا يبطل كما لو تزوجها بشرط أن لا يتزوج عليها و لا يسافر بها و الله أعلم . فنسأل الله أن يوفقنا لما يرضيه ، و يجنبنا معاصيه ، إنه جواد كريم غفور رحيم موعظة لله در قوم تركوا الدنيا قبل تركها ، و أخرجوا قلوبهم بالنفر عن ظلام شكلها ، التقطوا أيام السلامة فغنموا ، و تلذذوا بكلام مولاهم فاستسلموا لأمره و سلموا ، و أخذوا مواهبه بالشكر و تسلموا ، هجروا في طاعته لذيذ الكرى و هربوا إليه من جميع الورى ، و آثروا طاعته ايثار من علم و دري . و رضوا فلم يعترضوا على ما جرى ، و باعوا أنفسهم فيا نعم البيع و يا نعم الشراء أسلموا إليه سلموا الروح ، و خدموه و الصدر لخدمته مشروح ، و قرعوا بابه و إذا الباب مفتوح ، و واصلوا البكا فالجفن بالدمع مقروح ، و قاموا في الأسحار قيام من يبكي و ينوح ، و صبروا على مقطعات الصوف و لبس المسوح ، و راضوا أنفسهم فإذا المذموم ممدوح . تعرفهم بسيماهم عليهم آثار الصدق تلوح ، قد عبقوا بنشر أنسه رائحة ارتياحهم تفوح ، من طيب الثنا روائح لهم بكل مكان تستنشق ، ممسكة النفحات إلا أنها وحشية لسواهم لا تعبق



 
عدم التنزه من البول و هو شعار النصارى
الكبيرة السادسة و الثلاثون عدم التنزه من البول و هو شعار النصارى
قال الله تعالى و ثيابك فطهر ، و عن ابن عباس رضي الله عنهما قال مر النبي صلى الله عليه و سلم بقبرين فقال إنهما ليعذبان و ما يعذبان في كبير ، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة و أما الآخر فكان لا يستبرىء من البول أي لا يتحرز منه مخرج في الصحيحين ، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم استنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه رواه الدارقطني
ثم إن من لم يتحرز من البول في بدنه و ثيابه فصلاته غير مقبولة و روى الحافظ أبو نعيم في الحلية عن شقي بن ماتع الأصبحي عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى ، يسعون ما بين الحميم و الجحيم ، و يدعون بالويل و الثبور ، و يقول أهل النار لبعضهم البعض ما بال هؤلاء قد آذونا على ما بنا من الأذى قال فرجل مغلق عليه تابوت من جمر ، و رجل يجر أمعاءه ، و رجل يسيل فمه قيحاً و دماً ، و رجل يأكل لحمه قال فيقال لصاحب التابوت ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول إن الأبعد مات و في عنقه أموال الناس ، ثم يقال للذي يجر أمعاءه ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول إن الأبعد كان لا يبالي أين ما أصاب البول منه و لا يغسله ثم يقال للذي يسيل فمه قيحاً و دماً ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول إن الأبعد كان ينظر كل كلمة قبيحة فيستلذها و في رواية كان يأكل لحوم الناس و يمشي بالنميمة ، ثم يقال للذي يأكل لحمه ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى ؟ فيقول إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس ـ يعني بالغيبة ـ
فنسأل الله العفو و العافية بمنه و كرمه إنه أرحم الراحمين
موعظة أيها العبيد تذكروا في مصارع الذين سبقوا ، و تدبروا في عواقبهم أين انطلقوا ، و اعلموا أنهم قد تقاسموا و افترقوا ، أما أهل الخير فسعدوا و أما أهل الشر فشقوا ، فانظر لنفسك قبل أن تلقى ما لقوا
و المرء مثل هلال عند مطلعه يبدو ضئيلاً لطيفاً ثم يتسق
يزداد حتى إذا ما تم أعقبه كر الجديدين نقصاً ثم يمتحق
كان الشباب رداء قد بهجت به فقد تطاير منه للبلا خرق
و مات مبتسم جد المشيب به كالليل ينهض في أعجازه الأفق
عجبت و الدهر لا تفنى عجائبه من راكنين إلى الدنيا و قد صدقوا
و طالما نغصت بالفجع صاحبها بطارق الفجع و التنغيص قد طرقوا
دار لعهد بها الآجال مهلكة و ذو التجارب فيها خائف فرق
يا للرجال مخدوع بباطلها بعد البيان و مغرور بها يثق
أقول و النفس تدعوني لزخرفها أين الملوك ،ملوك الناس و السوق
أين الذين إلى لذاتها جنحوا قد كان قبلهم عيش و مرتفق
أمست مساكنهم قفرا معطلة كأنهم لم يكونوا قبلها خلقوا
يا أهل لذة دار لا بقاء لها إن اغتراراً بظل زائل حمق



 
الرياء
الكبيرة السابعة و الثلاثون الرياء
قال الله تعالى مخبراً عن المنافقين
يراؤون الناس و لا يذكرون الله إلا قليلا و قال الله تعالى فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون * و يمنعون الماعون و قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن و الأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس الآية ، و قال الله تعالى فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً و لا يشرك بعبادة ربه أحداً
أي لا يرائي بعمله و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد في سبيل الله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال فما فعلت فيها ؟ قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت و لكنك فعلت ليقال هو جريء ، و قد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى أقي في النار و رجل وسع الله عليه و أعطاه من أصناف المال فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت و لكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار و رجل تعلم العلم و علمه ، و قرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها ؟ قال تعلمت العلم و علمته و قرأت فيك القرآن قال كذبت و لكنك تعلمت ليقال هو عالم ، و قرأت ليقال هو قارىء ، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار رواه مسلم و قال صلى الله عليه و سلم من سمع سمع الله به ، ومن يرائي يراءى به قال الخطابي معناه من عمل عملاً على غير إخلاص إنما يريد أن يراه الناس و يسمعوه جوزي على ذلك بأنه يشهره و يفضحه ، فيبدو عليه ما كان يبطنه و يسره من ذلك ، و الله أعلم و قال عليه الصلاة و السلام اليسير من الرياء شرك و قال صلى الله عليه و سلم أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، فقيل و ما هو يا رسول الله ؟ قال الرياء يقول الله تعالى يوم يجازي العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءونهم بأعمالكم فانظروا هل تجدون عندهم جزاء ، و قيل في قول الله تعالى و بدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون قيل كانوا عملوا أعمالاً كانوا يرونها في الدنيا حسنات بدت لهم يوم القيامة سيئات ، و كان بعض السلف إذا قرأ هذه الآية يقول ويل لأهل الرياء و قيل إن المرائي ينادى به يوم القيامة بأربعة أسماء يا مرائي ، يا غادر ، يا فاجر ، يا خاسر ، اذهب فخذ أجرك ممن عملت له فلا أجر لك عندنا و قال الحسن المرائي يريد أن يغلب قدر الله فيه هو رجل سوء ، يريد أن يقول الناس هو صالح ، فكيف يقولون و قد حل من ربه محل الإردياء ؟ فلا بد من قلوب المؤمنين أن تعرفه و قال قتادة إذا راءى العبد يقول الله انظروا إلى عبدي كيف يستهزىء بي و روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نظر إلى رجل و هو يطأطى رقبته ، فقال يا صاحب الرقبة إرفع رقبتك ، ليس الخشوع في الرقاب إنما الخشوع في القلوب و قيل إن أبا أمامة الباهلي رضي الله عنه أتى على رجل في المسجد و هو ساجد يبكي في سجوده و يدعو ، فقال له أبو أمامة أنت ، أنت ، لو كان هذا في بيتك ! و قال محمد بن مبارك الصوري أظهر السمت في الليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار ، لأن السمت بالنهار للمخلوقين ، و السمت بالليل لرب العالمين و قال علي ابن أبي طالب رضي الله عنه للمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده ، و ينشط إذا كان في الناس ، و يزيد في العمل إذا أثني عليه ، و ينقص إذا ذم به و قال الفضيل بن عياض رحمه الله ترك العمل لأجل الناس رياء ، و العمل لأجل الناس شرك و الإخلاص أن يعاقبك الله منهما
فنسأل الله المعونة و الإخلاص في الأعمال و الأقوال و الحركات و السكنات إنه جواد كريم
موعظة عباد الله ! إن أيامكم قلائل و مواعظكم قواتل ، فليخبر الأواخر الأوائل ، و ليستيقظ الغافل قبل سير القوافل ، يا من يوقن أنه لا شك راحل ، و ما له زاد و لا رواحل ، يا من لج في لجة الهوى متى ترتقي إلى الساحل ؟ هل انتبهت من رقاد شامل ، و حضرت المواعظ بقلب غير غافل ، و قمت في الليل قيام عاقل ، و كتبت بالدموع سطور الرسائل ، تخفي بها زفرات الندم و الوسائل ، و بعثتها في سفينة دمع سائل لعلها ترسى على الساحل وا أسفاه لمغرور جهول غافل ، لقد أثقل بعد الكهولة بالذنب الكاهل ، و قد ضيع البطالة و بذل الجاهل ، و ركن إلى ركوب الهوى ركبة مائل ، يبني البنيان و يشيد المعاقل ، و هو عن ذكر قبره متشاغل ، و يدعي بعد هذا أنه عاقل تالله لقد سبقه الأبطال إلى أعلى المنازل ، و هو يؤمل في بطالته فوز العامل ، و هيهات هيهات ما فاز باطل بطائل
أيها المعجب فخراً بمقاصير البيوت
إنما الدنيا محل لقيام و قنوت
فغداً تنزل بيتاً ضيقاً بعد النحوت
بين أقوام سكوت ناطقات في الصموت
فارض في الدنيا بثو ب و من العيش بقوت
و اتخذ بيتاً ضعيفاً مثل بيت بيت العنكبوت
ثم قل يا نفس هذا بيت مثواك فموتي



 
التعلم للدنيا و كتمان العلم
الكبيرة الثامنة و الثلاثون التعلم للدنيا و كتمان العلم
قال الله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء يعني العلماء بالله عز و جل ، قال ابن عباس يريد إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي و عزتي و سلطاني و قال مجاهد و الشعبي العالم من خاف الله تعالى و قال الربيع بن أنس من لم يخش الله فليس بعالم و قال الله تعالى إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات و الهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون
نزلت هذه الآية في علماء يهود ، و أراد بالبينات الرجم و الحدود و الأحكام ، و بالهدى أمر محمد عليه الصلاة و السلام ، و نعته من بعد ما بيناه للناس أي بني إسرائيل في الكتاب أي في التوراة ، أولئك يعني الذين يكتمون ، يلعنهم الله و يلعنهم اللاعنون قال ابن عباس كل شيء لا الجن و الأنس و قال ابن مسعود ما تلاعن اثنان من المسلمين إلا رجعت تلك اللعنة على اليهود و النصارى الذين يكتمون أمر محمد صلى الله عليه و سلم و صفته و قال الله تعالى و إذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس و لا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم و اشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون
قال الواحدي نزلت هذه الآية في يهود المدينة ، أخذ الله ميثاقهم في التوراة ليبينن شأن محمد صلى الله عليه و سلم و نعته و مبعثه و لا يخفونه ، و هو قوله تعالى لتبيننه للناس و لا تكتمونه ، و قال الحسن هذا ميثاق الله تعالى على علماء اليهود أن يبينوا للناس ما في كتابهم ، و فيه ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم و قوله فنبذوه وراء ظهورهم قال ابن عباس أي ألقوا ذلك الميثاق خلف ظهورهم ، و اشتروا به ثمناً قليلاً ، يعني ما كانوا يأخذونه من سفلتهم برياستهم في العلم ، و قوله فبئس ما يشترون قال ابن عباس قبح شراؤهم و خسروا و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من تعلم علم مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يعني ريحها ، رواه أبو داود و قد مر حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين يسحبون إلى النار ، أحدهم الذي يقال له إنما تعلمت ليقال عالم و قد قيل ، و قال صلى الله عليه و سلم من ابتغى العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء أو تقبل أفئدة الناس إليه ، فإلى النار و في لفظ أدخله الله النار أخرجه الترمذي و قال صلى الله عليه و سلم من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم أعوز بك من علم لا ينفع و قال صلى الله عليه و سلم من تعلم علماً لم يعمل به لم يزده العلم إلا كبراً و عن أبي أمامة رضي الله عنه قال ، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في النار فيدور بقصبه كما يدور الحمار بالرحا فيقال له بما لقيت هذا و إنما اهتدينا بك فيقول كنت أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه و قال هلال بن العلاء طلب العلم شديد و حفظه أشد من طلبه و العمل به أشد من حفظه ، و السلامة منه أشد من العمل به فنسأل الله السلامة من كل بلاء و التوفيق لما يحب و يرضى إنه جواد كريم
موعظة ابن آدم ! متى تذكر عواقب الأمور ؟ متى ترحل الرحال عن هذه القصور ؟ إلى متى في جميع ما تبني تدور ؟ أين من كان من قبلكم في المنازل و الدور ؟ أين من ظن بسوء تدبيره أنه لا يحور ؟ رحل و الله الكل فاجتمعوا في القبور ؟ و استوطنوا أ خشن المهاد إلى نفخ الصور ، فإذا قاموا إلى فصل القضاء و السماء تمور ، كشفوا الحجاب المخفي و هتك المستور، و ظهرت عجائب الأفعال و حصل ما في الصدور ، و نصب الصراط فكم من قدم عثور ، و وضعت عليه كلاليب لخطف كل مغرور ، و أصبحت وجوه المتقين تشرق كالبدور وباءوا بتجارة لن تبور ، و دعا أهل الفجور بالويل و الثبور ، و جيء بالنار تقاد بالأزمة و هي تفور ، إذ ألقوا فيها سمعوا لها شهيقاً و هي تفور ، ليس في الدنيا لمن آمن بالبعث سرور ، إنما يفرح بالدنيا جهول أو كفور
إنما الدنيا متاع كل ما فيها غرور
فتذكر هول يوم السما فيه تمور




 
الخيانة
الكبيرة التاسعة و الثلاثون الخيانة
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون
قال الواحدي رحمه الله تعالى نزلت هذه الآية في أبي لبابة حين بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني قريظة لما حاصرهم و كان أهله و ولده فيهم ، فقالوا يا أبا لبابة ما ترى لنا إن نزلنا على حكم سعد فينا ؟ فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي أنه الذبح فلا تفعلوا ، فكانت تلك منه خيانة لله و رسوله قال أبو لبابة فما زالت قدماي من مكاني حتى عرفت أني خنت الله و رسوله ، و قوله و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون عطف على النهي أي و لا تخونوا أماناتكم قال ابن عباس الأمانات الأعمال التي ائتمن الله عليها العباد ، يعني الفرائض يقول لا تنقضوها قال الكلبي أما خيانة الله و رسوله فمعصيتهما ، و أما خيانة الأمانة فكل واحد مؤتمن على ما افترضه الله عليه ، إن شاء خانها و إن شاء أداها لا يطلع عليه أحد إلا الله تعالى و قوله و أنتم تعلمون أنها أمانة من غير شبهة ، و قال تعالى وأن الله لا يهدي كيد الخائنين أي لا يرشد كيد من خان أمانته يعني أنه يفتضح في العاقبة بحرمان الهداية ، و قال عليه الصلاة و السلام آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب و إذا وعد أخلف و إذا ائتمن خان و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا إيمان لمن لا أمانة له و لا دين لمن لا عهد له و الخيانة قبيحة في كل شيء و بعضها شر من بعض ، و ليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك و مالك و ارتكب العظائم و عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أد الأمانة إلى من ائتمنك و لا تخن من خانك و في الحديث أيضاً يطبع المؤمن على كل شيء ليس الخيانة و الكذب و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الله أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه و فيه أيضاً أول ما يرفع من الناس الأمانة ، و آخر ما يبقى الصلاة ، و رب مصل لا خير فيه و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إياكم و الخيانة فإنها بئست البطانة و قال عليه الصلاة و السلام هكذا أهل النار و ذكر منهم رجلاً لا يخفى له طمع و إن دق إلا خانه و قال ابن مسعود يؤتى يوم القيامة بصاحب الأمانة الذي خان فيها فيقال له أد أمانتك ، فيقول أنى يا رب و قد ذهبت الدنيا ؟ قال فتمثل له كهيئتها يوم أخذها في قعر جهنم ، ثم يقال له إنزل إليها فأخرجها ، قال فينزل إليها فيحملها على عاتقه فهي عليه أثقل من جبال الدنيا ، حتى إذا ظن أنه ناج هوت و هوى في أثرها أبد الآبدين ثم قال الصلاة أمانة ، و الوضوء أمانة ، و الغسل أمانة ، و الوزن أمانة ، و الكيل أمانة ، و أعظم ذلك الودائع
اللهم عاملنا بلطفك و تداركنا بعفوك
( موعظة ) عباد الله ! ما أشرف الأوقات و قد ضيعتموها ، و ما أجهل النفوس و قد أطعتموها ، و ما أدق السؤال عن الأموال فانظروا كيف جمعتموها و ما أحفظ الصحف بالأعمال فتدبروا ما أودعتموها ، قبل الرحيل عن القليل و المناقشة عن النقير و الفتيل قبل أن تنزلوا بطون اللحود ، و تصيروا طعاماً للدود في بيت بابه مسدود ، و لو قيل فيه للعاصي ما تختارلقال أعود و لا أعود
أين أهل الديار من قوم نوح ثم عاد من بعدهم و ثمود
بينما القوم في النمارق و الإستبـ رق أفضت إلى التراب الخدود
و صحيح أضحى يعود مريضاً و هو أدنى للموت ممن يعود





 
الوسوم
الكبائر
عودة
أعلى