يافاوالبرتقال الحزين
الاعضاء
نهي النساء عن السير وسط الطريق
هناك حديث في سنن أبي داود يقول بأنه لا
ينبغي للمرأة أن تمشي في وسط الطريق ،
وماذا لو أرادت أن تعبر إلى الجهة المقابلة من
الطريق التي تمشي فيها ، فكيف تفعل ذلك ،
وما معنى الحديث ؟
الجواب :
الحمد لله
الشريعة الإسلامية شريعة الآداب السامية ،
والأخلاق العالية ، تدعو لكل فضيلة ، وتنهى
عن كل رذيلة ، وتعتني بكل ما يحفظ على
الناس العفة والستر والحياء ، فهي قوام
المجتمعات الطاهرة الزكية .
ومن ذلك ما جاء في السنة من دعوة النساء
إلى المحافظة على الآداب اللائقة بالمرأة
المكرمة ، والتمسك بكل سلوك رفيع يرقى بها
عن الامتهان والتعرض للأذى ، فنهاها عن
تعمد السير وسط الطريق واقتحام السبيل ،
واعتراض المارة بجسدها كما يفعل العابثون .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" كانت المرأة في الجاهلية إذا كانت تمشي
في الطريق وفي رجلها خلخال صامت - لا
يسمع صوته - ضربت برجلها الأرض ، فيعلم
الرجال طنينه ، فنهى الله المؤمنات عن مثل
ذلك ، وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا
، فتحركت بحركة لتُظهر ما هو خفي ، دخل
في هذا النهي ؛ لقوله تعالى : ( وَلا يَضْرِبْنَ
بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ ): ومن
ذلك أيضا أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند
خروجها من بيتها ليَشْتَمَّ الرجال طيبها ، ومن
ذلك أيضا أنهن يُنهَين عن المشي في وسط
الطريق ؛ لما فيه من التبرج " انتهى باختصار.
" تفسير القرآن العظيم " (6/49-50)
وهذا النهي عن سير المرأة وسط الطريق ورد
عن أبي أسيد الأنصاري رضي الله عنه أَنَّهُ
سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ
- وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ
النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ :
( اسْتَأْخِرْنَ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ
، عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ )
فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا
لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ .
رواه أبو داود (رقم/5272)، وبوب عليه رحمه
الله بقوله : " باب في مشي النساء مع
الرجال في الطريق "
يقول العظيم أبادي رحمه الله :
" ( أن تحققن ) هو أن يركبن وسطها ،
والمعنى أن ليس لهن أن يذهبن في وسط
الطريق .
( بحافات ) جمع حافة ، وهي الناحية .
( ثوبها ) أي : المرأة . ( من لصوقها ) أي : المرأة " انتهى.
" عون المعبود " (11/305)
وورد أيضا في حديث أبي هريرة رضي الله
عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم :
( لَيْسَ لِلنِّسَاءِ وَسطَ الطَّرِيْقِ )
رواه ابن حبان (12/416) وبوب عليه بقوله : "
ذكر الزجر عن أن تمشي المرأة في حاجتها
في وسط الطريق " ، وحسنه الألباني في
"السلسلة الصحيحة" (رقم/856)
قال ابن حبان رحمه الله :
" قوله : ( ليس للنساء وسط الطريق ) لفظة
إخبار ، مرادها الزجر عن شيء مضمر فيه ،
وهو مماسة النساء الرجال في المشي ، إذ
وسط الطريق الغالب على الرجال سلوكه ،
والواجب على النساء أن يتخللن الجوانب حذرا
مما يتوقع من مماستهم إياهن " انتهى .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" قال علي رضي الله عنه : ما يغار أحدكم أن
يزاحم امرأَتَه العلوجُ بمنكبها - يعني في
السوق - ، وكذلك لما قدم المهاجرون المدينة
كان العزاب ينزلون دارا معروفة لهم متميزة
عن دور المتأهلين ، فلا ينزل العزب بين
المتأهلين ، وهذا كله لأن اختلاط أحد الصنفين
بالآخر سبب الفتنة ، فالرجال إذا اختلطوا
بالنساء كان بمنزلة اختلاط النار والحطب "
انتهى باختصار.
" الاستقامة " (1/361)
ويقول ابن الحاج المالكي رحمه الله :
" ينبغي له – يعني للعالم الولي في أهل بيته
- أن يعلمهن السنة في الخروج إن اضطرت
إليه ؛ لأن السنة قد وردت أن المرأة تخرج في
حفش ثيابها - وهو أدناه وأغلظه - وتجر مرطها
خلفها شبرا أو ذراعا ، ويعلمهن السنة في
مشيهن في الطريق ، وذلك أن السنة قد
حكمت أن يكون مشيهن مع الجدران ...
وانظر رحمنا الله وإياك إلى هذه السنن كيف
اندرست في زماننا هذا حتى بقيت كأنها لم
تعرف ، لما ارتكبن من ضد هذه الأحوال
الشرعية ، فتقعد المرأة في بيتها على ما هو
معلوم من عادتهن بحفش ثيابها وترك زينتها ،
وبعض شعرها نازل على جبهتها ، إلى غير
ذلك من أوساخها وعرقها ، حتى لو رآها رجل
أجنبي لنفر بطبعه منها غالبا ، فكيف بالزوج
الملاصق لها ، فإذا أرادت إحداهن الخروج
تنظفت وتزينت ونظرت إلى أحسن ما عندها
من الثياب والحلي فلبسته ، وتخرج إلى
الطريق كأنها عروس تجلي ، وتمشي في
وسط الطريق ، وتزاحم الرجال ، ولهن صنعة
في مشيهن ، حتى إن الرجال ليرجعون مع
الحيطان حتى يوسعوا لهن في الطريق ،
أعني المتقين منهم ، وغيرهم يخالطوهن
ويزاحموهن ويمازحوهن قصدا ، كل هذا سببه
عدم النظر إلى السنة وقواعدها وما مضى
عليه سلف الأمة رضي الله عنهم ، فإذا نبه
العالم على هذا وأمثاله انسدت هذه المثالم ،
ورجي للجميع بركة ذلك " انتهى باختصار.
" المدخل " (1/244-245) .
والحاصل : أنه ينبغي للمرأة أن تتحفظ من
مخالطة الرجال قدر الطاقة ، وأن تكون دائما
في أدنى حالة إلى سترها عن الأعين ،
وأعظمها صونها عن المماسة والملامسة .
لكن حيث تحصل لها الحاجة في وسط
الطريق ، أو في عبور ناحيتيه ، أو نحوا من
ذلك : فلا حرج عليه فيه ، ولا كراهة .
والله أعلم .