العقيدة الاسلامية

تنبيه:

فليكن المرء على حذر من الأحاديث الواهية أو المنكرة أو الموضوعة التي تذكر تفاصيل أخبار يأجوج ومأجوج وصفاتهم وأشكال جسومهم.
وحسبنا أن نؤمن بأن هذه الأمة الكبيرة إذا خرجت فإن خروجها سيتكفل بالتعريف بها للناس كلهم تعريفاً لا يشوبه شك ولا احتمال ولا ظن ولا يحوج إلى استنتاج أو اجتهاد أو ضرب في الغيب.
4- خروج الدابة:
قال الله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ(1) عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنْ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ} [النمل: 82].
فهذه الدابة نَكِلُ علم نوعها وشكلها إلى الله عزَّ وجلَّ تخرج للناس قبيل الساعة تكلمهم وتصف كلاً منهم بصفته من الإيمان أو الكفر، فتسم الكافر بوسم الكفر، وتسم المؤمن بوسم الإيمان، وهذا كله خارج عن المعتاد والمألوف.
وعن عبد الله بن عمرو قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً لم أنسه بعد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول الآيات خروجاً طلوع الشمس من مغربها وخروج الدابة على الناس ضحى وأيتها كانت قبل صاحبتها فالأخرى على أثرها". رواه مسلم.
5- طلوع الشمس من مغربها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت فرآها الناس آمنوا أجمعون، فذاك حين {لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]. رواه البخاري.
وطلوع الشمس من مغربها أي أن الشمس تطلع من جهة المغرب بدل أن تطلع من جهة المشرق.
أخي القارئ ما تحقق ووقع من علامات الساعة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ألف وأربعمائة عام يشهد بصدق نبوته وبأنه نذير لنا بين يدي عذاب شديد فكما رأينا اليوم علامات الساعة الصغرى، تحققت أمام أعيننا، فسنرى العلامات الكبرى وستقع الساعة دون ريب ولا شك، لأن المخبر بها واحدٌ وهو الصادق المصدوق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم.
______________________
(1) قربت الساعة وأهوالها الموعودة.
 
الإيمان بالقدر
1- معنى القدر.
2- وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره من الله تعالى.
3- أثر الإيمان بالقدر في نفوس المؤمنين.
4- اختيار الإنسان وكسبه.
1- معنى الإيمان بالقدر:
الإيمان بالقدر: هو الإيمان بتقدم علم الله سبحانه وتعالى بما يكون وبما سيكون من أعمال المخلوقات كلها، وصدور جميعها عن تقدير منه وخلقٍ لها خيرها وشرها.
- فقد شاء الله أن يخلق الخلائق، وقضى أن تكون بأقدار وأوصاف محددة، وهو العالم بما كان ويكون وما سيكون، وكل ما في الوجود من حركات وسكنات إنما هو كائن بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ولا يحدث شيء، إلا بقدرة الله ومشيئته، فما شاء الله كان ومالم يشأ لم يكن.
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحج: 70].
وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].
وقال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وقال تعالى: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: 54].
وقال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23-24].
وقال تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: 30].
2- وجوب الإيمان بالقدر:
الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره". رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
3- أثر الإيمان بالقدر في نفوس المؤمنين:
إن من يدعي أن الإيمان بالقدر مدعاة للتواكل والكسل والخمول فهذه دعوى فاسدة باطلة وسبها عدم الفهم لمعنى الإيمان بالقدر لأن من آمن أن الله تعالى خلق كل شيء بقدر فهو حريص على معرفة أقدار الخير ليدفع بها أقدار الشرِّ، فهو يدفع قدر الجوع بقدر الطعام، وقدر المرض بقدر الدواء، وقدر الفقر بقدر السعي في طلب الرزق.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرُّقى والأدوية: هل تَرُدُّ من قَدَر الله شيئاً؟
قال: "هي من قدر الله" رواه أحمد.
ومن آمن بقدر الله تعالى لا يصيبه اليأس ولا القنوط بسبب كثرة المصائب، ولا يحزن على ما فاته، ولا يفخر ولا يتكبر مهما أوتي من مال وجاهٍ ومنصب وغير ذلك من حظوظ الدنيا.
قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا(1) عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا(2) بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ(3) فَخُورٍ} [الحديد: 22-23].
ومن آمن بقدر الله وقدرته ومشيئته، وأدرك عجزهُ، وحاجته إلى خالقه تعالى، فهو يصدق في توكلِّه على ربَّه ويأخذ بالأسباب التي خلقها الله، ويطلب من ربه العون والسداد.
والمؤمن يردد في يقين قوله تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 51].
ويوقن بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك".
4- اختيار الإنسان وكسبه:
الإنسان مختار في عمله وكسبه، غير مجبر وهو مفطور على حركة الاختيار، ويمثل هذه الحركة ويطبقها في حياته اليومية، ويقرر بعمله وسلوكه الاختيار وينكر الجبر، فلا يعاقب الجمادَ ولا يغضب على الحجر والخشب والماء والنار والريح مهما لحقه الأذى والعنت من هذه الأشياء، أما إذا تعرض إنسان لإهانتك أو هتك عرضك ثُرتَ عليه ثوراناً عجيباً وعاقبته عقاباً شديداً.
أفلا يدل ذلك على أن الإنسان يميز بين المجبور والمختار، وأن الإنسان صاحب اختيار وإرادة يحاسب ويعاتب ويعاقب ويلام ولا يقبل منه عذر فيما تعمده فهو مخير ليس بمجبور.
- شبهة وردُّها:
الشبهة: قد يتساءل البعض كيف لا يكون ما قد كتب في اللوح المحفوظ مجبراً للإنسان على العمل مع أنه قد كتب قبل وجود الإنسان؟
__________
(1) تحزنوا.
(2) فرح بطر واختيال.
(3) متكبر متباه.
ردُّها: سنضرب مثالاً لكشف هذه الشبهة:
ألا ترى أن الأستاذ الذكي الخبير بأحوال طلابه الذي يضع أسئلة الامتحان، لو أنه كتب في ورقة أسماء من هو متأكد أنهم سيرسبون في الامتحان في أخرى أسماء من هو متأكد من نجاحهم، ثم جاء الامتحان وظهرت النتيجة، ثم جاء الذين رسبوا محتجين بقولهم: إن ما كتبه الأستاذ علينا في الورقة بأننا سنرسب هو السبب في رسوبنا! فهل سيُقبل عذرهم؟ أم أنه سيقال لهم: إن ما كتبه الأستاذ في الورقة أمر متعلق بعلمه وخبرته السابقة بأحوالكم، ورسوبُكم متعلق بإهمالكم، فلا تعتذروا لإهمالكم بعلم الأستاذ وخبرته. (ولله المثل الأعلى) فهو سبحانه وتعالى خالق الخلق وهو العليم بأحوالهم قال تعالى: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].
ولقد خلقنا الله سبحانه لقضاء فترة الامتحان في هذه الحياة الدنيا وهو جلَّ شأنه يعلم نتيجة الامتحان فكتب الشقاء على الأشقياء وكتب السعادة للسعداء حسب علمه المحيط بما كان وما يكون وما سيكون.
وربما أخطأ الأستاذ في تقديره لنتائج طلابه لكنَّ قدرَ الله لا يخطئ في تقديره لأعمال خلقه.
والكتابة في اللوح المحفوظ أمر متعلق بعلم الله السابق، فترك الصلاة مثلاً أمر متعلق بتمرد وإهمال ومعصيةِ تارك الصلاة، وقد أراد الجاحدون أن يعتذروا ويتحججوا للمعصية والضلال بعلم الله تعالى، وهذا مرفوض لأن علم الله سابق لا سائق، فما أخبر الله مما هو كائن إلى يوم القيامة من أفعال العباد الاختيارية ليس فيه أي إجبار ولا فيها سوق للإنسان دون إرادته.




 
عالم الجن
1- وجوب الإيمان بوجود الجن.
2- حقيقة الجن.
3- الجن مطالبون بالتكاليف الشرعية.
4- بلوغ دعوة الرسل إلى عالم الجن.
5- بلوغ دعوة رسول الرحمة صلى الله عليه وسلم إلى الجن.
6- أصناف الجن.
7- عداوة الشيطان للإنسان.
8- مدى تأثير الشيطان على الإنسان.
9- هل الجن تخبر بعلوم أو أخبار غيبية أو غير غيبية للإنسان.
10- مصير الجن في الآخرة.
1- وجوب الإيمان بوجود الجن:
أثبت القرآن الكريم في مواضع متعددة وجود عالم الجن، فوجب الإيمان بوجود الجن إيماناً جازماً.
قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 56-57].
وقال تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنفُذُوا(1) مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا(2) لا تَنفُذُونَ إِلا بِسُلْطَانٍ(3)} [الرحمن: 33].
وقال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا(4) إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: 29-31].
______________
(1) تخرجوا هرباً من قضاء الله.
(2) فاخرجوا وهذا أمر للتعجيز.
(3) بقوة وقهر، وهيهات .. !
(4) وجَّهنا إليك يا محمد.
الواجب علينا أن نؤمن بالجن بأنهم عالم حقيقي ليس وهمياً تخيلياً ولا نفساً بشرية شريرة،وليس هو من البشرية الخبيثة، ولا من نوع الجراثيم المكروبية الضارة، فإن جميع هذه الأوهام والأفهام حَوْل الجن هي تحريف لكلام الله عن معانيه المرادة منه، وصرف له عن الوجه المخبَر عنه إلى وجه آخر هو في معزل عنه، وإنما الجن عالم غيبي حقيقي الوجود له شأنه وأحكامه.
2- حقيقة الجن:
قال الله تعالى: {خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ} [الرحمن: 14-15].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خُلِقَتِ الملائكة من نور وخُلِقَتِ الجانُّ من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم". رواه مسلم.
- فالجن صنف غير صنف الملائكة وغير جنس الإنسان:
فالملائكة: خلقت من نور.
والإنسان: خلق من طين يابس كالفخار.
والجن: من مارج من نار أي من أخلاط من نار.
والجن مخلوقون قبل الإنسان:
قال الله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ(1) مِنْ حَمَإٍ(2) مَسْنُونٍ(3) * وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ(4)} [الحجر: 26-27].
قال تعالى:{ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50].
ففي أمر سجود إبليس - الذي هو من الجن - لآدم عليه السلام دلالة واضحة على أن الجن مخلوقون قبل آدم وهو الإنسان الأول.
- الجن يتناسلون ولهم ذرية.
قال الله تعالى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: 50].
فقد نص القرآن على أن له ذرية.
_________________
(1) طين يابس كالفخار.
(2) طين أسود متغير.
(3) مصور صورة إنسان أجوف.
(4) الريح الحارة القاتلة.
وقال تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ(1) بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا(2)} [الجن: 6].
فحيث كان في الجن رجال ففيهم الإناث، وذلك يقتضي التناسل.
- إن من شأنهم أن يرونا من حيث لا نراهم وهذا في شأن خلقتهم الأصلية.
قال الله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27].
- إن من شأنهم أن يتشكلوا بصور مختلفة كصورة إنسي أو حيوان فنراهم عندئذ.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته، وقلت: لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: دعني فإني محتاج وعليّ عيال ولي حاجة شديدة، فخلَّيت عنه، فأصبحت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟" فقلت يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالاً، فرحمته وخليت سبيله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما إنه قد كذبك، وسيعود" قال أبو هريرة: فعرفت أنه سيعود، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سيعود، فرصدته، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت: لأرفعنك إلى رسول صلى الله عليه وسلم، فقال: دعني فأني محتاج وعلي عيال، لا أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة؟" قلت: يا رسول شكا حاجة وعيالاً فرحمته، فخليت سبيله، فقال: "أما إنه قد كذبك وسيعود".
وقال أبو هريرة: فرصدته الثالثة، فجاء يحثو من الطعام، فأخذته، فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا آخر ثلاث مرات، إنك تزعم أنك لا تعود ثم تعود! فقال دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها قلت وما هي؟ قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم ... } حتى تختم الآية فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح، فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فعل أسيرك البارحة؟" قلت: يا رسول الله زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله! فقال صلى الله عليه وسلم: "وما هي؟ " قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك
______________
(1) يلتجؤون.
(2) إثماً وطغياناً وغياً، وتعباً.
(3) ذريته.
شيطان حتى تصبح، فقال صلى الله عليه وسلم: "أما أنه صدقك وهو كذوب، تعلم من تخاطب من ثلاث ليال يا أبا هريرة؟" قلت: لا، فقال: "ذاك شيطان".
- الجن لهم قدرات كبيرة ومهارات عالية، وقد أخبر سبحانه عن قوة الجن، وأن منهم العفاريت(1) الأشداء الأقوياء، فسخر لسليمان جنوداً قوية من الجن تعمل بين يديه يقومون له بأعمال البناء والغوص في البحار والأعمال الصناعية كالجفان(2) الكبيرة والقدور الراسية والأعمال الفنية كالتماثيل(3) والمحاريب إلى غير ذلك من أعمال كبيرة مختلفة.
قال الله تعالى: {قَالَ عِفْريتٌ مِنْ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].
وذلك أن سليمان عليه السلام لما أراد إحضار عرش بلقيس(4) إلى مقام سليمان من مسافات بعيدة، انبرى عفريت من الجن أنه هو يأتيه به قبل أن يقوم سليمان من مقامه، فهذا التعهد من العفريت الجني والتزامه إحضار ذلك العرش مع قطعه تلك المسافات الشاسعة دليل على شدته وقوته وقدرته الكبيرة.
قال تعالى: {يَعْمَلُونَ لَهُ(5) مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ(6) وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ(7) اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ} [سبأ: 13]
وقال تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً(8) حَيْثُ أَصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ(9)} [ص: 36-37].
- الجن يأكلون أكلاً لا نعلم كيفيته وماهيته، وأن الله قد جعل زادهم من العظام وروث البهائم والفحم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تستنجوا بالروث ولا بالعظم فإنها زاد إخوانكم من الجن" رواه مسلم والترمذي.
____________
(1) الأقوياء الماكرين الدهاة.
(2) قصاع.
(3) كانت التماثيل جائزة ثم حرمت في الإسلام.
(4) ملكة سبأ في اليمن.
(5) لسليمان.
(6) قصاع كبار كالحياض العظام.
(7) ثابتات على المواقد لعظمها.
(8) منقادة حيث أراد.
(9) في البحر لاستخراج نفائسه.
 
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: لما قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: يا رسول الله انْهَ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة(1) فإن الله جعل لنا فيها رزقاً، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك. رواه أبو داود بإسناد صحيح.
- إن الجن يموتون.
قال الله تعالى: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ(2) لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ(3) وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي(4) وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ(5) * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ(6) فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ(7) مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ} [الأحقاف: 17-18].
فهذا دليل على موت الجن طائفة بعد أخرى كالإنس.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: "اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني، أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون".
3- الجن مطالبون بالتكاليف الشرعية:
الجن مكلفون كما أن الإنس مكلفون بالتكاليف الشرعية، وقد يختص الجن بأحكام لا يكلف بها الإنس وكذلك قد يختص الإنسان بأحكام لا يكلف بها الجن، لاختلاف الجنسين عن بعضهما البعض.
قال الله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130].
وقال تعالى إخباراً عن الجن: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا(8) وَلا رَهَقًا (9)} [الجن: 13].
دلت الآيتان على أن الجن مكلفون كتكليف الإنس، وتوجه الخطاب الشرعي عليهم كما هو في الإنس.
_____________
(1) فحم.
(2) كلمة تضجر وتبرم وكراهيته.
(3) أن أبعث من القبر بعد الموت.
(4) مضت الأمم ولم تبعث.
(5) أباطيل الأولين المسطرة في كتبهم.
(6) وجب عليهم العذاب.
(7) مضت وتقدمت وهلكت.
(8) نقصاً في ثوابه.
(9) ولا غشيان ذلةٍ له.
وقال تعالى في شأن الجن: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِي اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأحقاف:29-32].
ومما يظهر في هذه الآيات أنهم مكلفون، وأنهم قالوا لقومهم: يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به، فهم مأمورون بإجابة الرسول وتصديقه فيما أخبر، وطاعته فيما أمر به صلى الله عليه وسلم.
4- بلوغ دعوة الرسل إلى الجن:
قال الله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 130-131].
فهذا إقرار من الجن والإنس بأن الرسل قد بلغت وأوضحت وأنذرت، والكافرون منهم يشهدون على أنفسهم بالكفر وأنهم غرتهم الحياة الدنيا، ثم نبه الله سبحانه وتعالى بعد اعترافهم وإقرارهم بإقامة الحجة عليهم بأن الله لا يعذب قوماً، لم يرسل إليهم من ينبههم من غفلاتهم، ويوقظهم من سكراتهم، ويخرجهم من ظلماتهم حتى لا يبقى عذراً لمعتذر ولا حجة لمن يحتج حتى إذا عذبهم عذبهم بحق وعدل.
5- بلوغ دعوة رسول الرحمة إلى الجن:
إن بعثة النبي صلى الله عليه وسلم عامَّة إلى الجن والإنس وقد بلغ رسول الله دعوته إلى الجن دون شك ولا ريب.
قال الله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19].
- وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن للجن قال الله تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} [الجن: 1-2].
قال تعالى: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنْ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} [الأحقاف: 29].
وهذا يثبت بلوغ دعوته إلى الجن قطعاً، وكان ذلك عن طريق توافدهم عليه، واستماعهم إليه صلى الله عليه وسلم، وعن طريق ذهابه إليهم، وقراءته عليهم وسؤالاتهم وجواباته لهم.
عن علقمة قال: سألت ابن مسعود رضي الله عنه هل شهد أحد منكم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن؟ قال: لا ولكنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ففقدناه، فالتمستاه في الأودية والشعاب! فقيل استطير؟! أو اغتيل؟!- استفهام تعجبي - قال ابن مسعود: فبتنا بشرِّ ليلة بات بها قوم، فلما أصبحنا إذا هو جاء من قبل حِراء، فقلنا: يا رسول الله فقدناك فطلبناك فلم نجدك، فبتنا بشر ليلة بات بها قوم، فقال صلى الله عليه وسلم: "أتاني داعي الجن، فذهبت معهم، فقرأت عليهم القرآن" (22).
قال ابن مسعود: فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم، وسألوه عن الزاد، فقال: "كل عظم ذكر اسم الله يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحماً، وكل بعرة أو روثة علف لدوابكم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فلا تستنجوا بهما فإنهما طعام إخوانكم" رواه مسلم.
وعن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا. فقال: "لقد قرأتها على الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم! كنت كلما أتيت على قوله - تعالى -: {فَبِأَيِّ ءالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قالوا: لا شيء من نعمك ربَّنا نكذب، فلله الحمد".
6- أصناف الجن:
* الجن أصناف متعددة:
- منهم الصالح وغير الصالح:
قال الله تعالى إخباراً عن قول الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ} [الجن: 11].
- ومنهم المسلم والكافر:
قال الله تعالى إخباراً عن قول الجن: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ(1) فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا(2)* وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:14-15].
[font=&quot]{وَشَهِدُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ} [الأنعام: 130]. [/font]​
- والجن أصحاب آراء مختلفة ومشارب متفرقة وطرق متعددة، قال الله تعالى: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا (3)} [الجن: 11].
____________________
(1) الجائرون بكفرهم العادلون عن طريق الحق.
(2) خيراً وصلاحاً ورحمة.
(3) مذاهب متفرقة ومختلفة.
- إبليس من الجن. قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنْ الْجِنِّ فَفَسَقَ(1) عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50].
- الكافر من الجن يسمى شيطاناً قال الله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 112].
7- عداوة الشيطان للإنسان:
قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: 6].
ومن عداوة الشيطان للإنسان:
أنه يزين للإنسان أعماله من كفر وطغيان وفساد، قال الله تعالى: {تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمْ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النحل: 63].
وقال تعالى: {وَزَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنْ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ} [النمل: 24].
وأنَّ الشيطان يثير ويوقع العداوة والبغضاء بين الناس، ويصد عن سبيل الله.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ} [المائدة: 91].
وأنَّ الشيطان يوقع الشرور ويفسد ذات البين: قال الله تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ(2) بَيْنَهُمْ} [الإسراء: 53].
وأن الشيطان يعد الإنسان بالفقر واليأس ويأمره بالفحشاء: قال الله تعالى: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ} [البقرة: 268].
وأن الشيطان يسعى في تحزين الإنسان: قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10].
وأن الشيطان يقذف في قلب الإنسان الظنون السيئة والأباطيل:
عن الحسين بن علي رضي الله عنهما أن صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم معتكفاً، فأتيته أزوره ليلاً، فحدثته، ثم قمت لأنقلب(3) فقام معي ليقلبني، وكان مسكنها في دار أسامة بن زيد، فمرَّ رجلان من الأنصار، فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم أسرعا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
____________
(1) خرج عن طاعة الله.
(2) يفسد ويهيِّج الشر.
(3) لأرجع.
"على رِسلكما(1)، إنها صفية بنت حُييَّ"، فقالا: سبحان الله يا رسول الله! فقال:" إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شراً - أو قال شيئاً(2) -" متفق عليه.
وأن الشيطان يوسوس للإنسان:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يأتي الشيطان أحدَكم فيقول: من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربَّك؟ فإذا بلغه فلتستعذ بالله ولينته".
والمعنى فليترك هذا الخاطر الباطل، وليفكر بالأمر الحق، لئلا يسيطر عليه الشيطان بذلك الوسوسة الفاسدة.
8- مدى تأثير الشيطان على الإنسان:
إن الشيطان ليس له سلطان على الذين آمنوا، فلا سبيل له عليهم إنما سبيله على الذين اتبعوه قال الله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْغَاوِينَ} [الحجر: 42].
عمل الشيطان في نفس الإنسان ينحصر بالوسوسة الخفية، فالمؤمن يطرد هذه الوسوسة بفضل الإستعاذة بالله والذكر، أما غير المؤمن فيستجيب لوسوسة الشيطان وينساق إلى طريقه، فيتسلط الشيطان عليه، ويمده في الغيِّ ويزين له الشر والضلالة.
قال الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ(3) مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ(4) فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ(5) مِنْ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا(6) فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ(7) ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ(8)} [الأعراف: 200-202].
9- هل الجن تخبر بعلوم أو أخبار غيبية أو غير غيبية للإنسان؟
العلوم والأخبار على قسمين:
القسم الأول: علوم تتعلق بالأمور المشهودة أو الأخبار عن الوقائع الماضية، قد تلقي الجن هذه العلوم، أو علوم لم تبلغنا، وقد بلغت للجن على قرنائهم من الكهان، ويجب أن لا نثق بكلامهم لأنه لا يوجد مقاييس عند الإنسان لمعرفة الكاذبين منهم والصادقين.
_________________
(1) مهلكما.
(2) شك من الراوي.
(3) يُصيبنَّك.
(4) وسوسة.
(5) أصابتهم وسوسة ما.
(6) تذكروا أمر الله ونهيه وعداوة الشيطان.
(7) تعاونهم مع الشياطين في الضلال.
(8) لا يكفُّون عن إغوائهم.
القسم الثاني: علوم غيبية:
- إمَّا أن تكون استأثر الله بعلمها، وهذا لا يمكن لنبي مرسل ولا ملك مقرب ولا جني ولا إنسي معرفة شيء منها.
فإذا أخبرت الشياطين وادعت أنه من علم الغيب مما استأثر الله به فإنه كذب وافتراء على الله.
قال الله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل: 65].
- وإمَّا أن تكون من المغيبات التي قضي أمرها في السماء وأصبحت معلومة لبعض الملائكة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الملائكة تنزل في العنان فتذكر الأمر الذي قضي في السماء، فتسترق الشياطين السمع فتسمعه إلى الكهان، فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم" رواه البخاري.
فالجن قد تسترق السمع من الملائكة بعد نزولها إلى جو الأرض، وتخبر الكهان، ولكن لا نثق بأخبارهم لأن دأبهم أن يكذبوا.
- أمَّا استراق الشياطين السمع من السماء فقد منعوا منه بالشهب عند بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى إخباراً عن الجن {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا(1) وَشُهُبًا(2) * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعْ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا(3)} [الجن: 8-9].
ولا يجوز أن يتلقى المرء أيَّ خبر من الشياطين، وكل من يفعل ذلك فهو آثم عند الله عزَّ وجلَّ.
قال الله تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ * يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كَاذِبُونَ} [الشعراء: 221 -223].
تنبيه: فليحذر المرء من المشعوذين والسحرة الذين يدعون أنهم يعرفون الغيب، وأنهم يتصلون بالجن، وينسبون إلى الجن النفع والضرر، فهؤلاء عصاة لله وللرسول، ويريدون أن يلعبوا بعقول السذج من الناس، وأن يستولوا على المغفلين ضعفاء الإيمان ليضلوهم، وليجعلوا من الشعوذة والسحر والتعامل بالجن مهنة ومصلحة تدرُّ لهم الأموال الطائلة، فلا يجوز لأي شخص أن يأتي الكهان ليطلع منهم على بعض الأمور، وقد ورد في الحديث "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد".
______________
(1) حرَّاساً أقوياء من الملائكة.
(2) شُعَل نار تنقضُّ كالكواكب
(3) راصداً مترقباً يرجمه.
وليعلم كل امرئ أنه لا ضارَّ ولا نافع إلا الله سبحانه وتعالى، وأن الجن لا يضرون ولا ينفعون إلا أن يشاء الله، ويأذن قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُؤْمِنُونَ} [المجادلة: 10].
10- مصير الجن في الآخرة:
إن كفار الجن هم في النار يوم القيامة.
قال تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا(1) لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [الأعراف: 179].
وقال تعالى: { وَتَمَّتْ(2) كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود: 119]
قال الله تعالى: {وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ(3) مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْ الْجِنَّةِ(4) وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13].
شبهة: إن الجن خلقوا من نار فكيف تؤثر فيهم نار العذاب في الآخرة؟
دفعها: لا يلزم من كون الجن خلقوا من نار أن يكونوا ناراً أو أن النار لا تؤلمهم، فإن الإنس من تراب، ولكن ليسوا تراباً بل أنشأهم الله تعالى وطورهم وصورهم، ولو أن إنساناً وقع عليه تراب كثيراً وهدم عليه بيت من التراب لهلك، ومات أو استغاث من الآلام والأوجاع، وهكذا الجن خلقوا من نار ولكنهم ليسوا ناراً بل أنشأهم الله تعالى وطورهم وصورهم، وإن النار تؤلمهم وتحرقهم وتعذبهم.
- وإن مؤمنين الجن في الجنة.
قال الله تعالى إخباراً عن الجن: {وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} [الجن: 13].
والمعنى من آمن بربه فلا يخاف نقصان الثواب، ولا الزيادة في العقوبة وهذا نظير قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا(5)} [طه: 112].
وقال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ(6) لَمْ يَطْمِثْهُنَّ(7) إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 56-57].
_______________
(1) أوجدنا.
(2) وجبت وثبتت.
(3) ثنبت وتحقق ونفذ القضاء.
(4) الجن.
(5) نقصان في ثوابه.
(6) قَصَرْن أبصارهن على أزواجهن.
(7) لم يفتضَّهُنُّ قبل أزواجهن أحد.
وقال تعالى: {حُورٌ(1) مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ(2) * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 72 - 75].
وهذا مما يشير إلى أن مؤمني الجن في الجنة.
_________________
(1) نساء بيض حسان.
(2) مخدَّرات في بيوت اللؤلؤ.
 
معنى الشهادتين ومقتضى الإيمان بهما
1- معنى الشهادتين:
أ- معنى شهادة أن لا إله إلا الله.
ب- معنى شهادة أن محمداً رسول الله.
ج- المراد من الشهادتين.
2- مقتضى الإيمان بالشهادتين:
أ- التصديق بكل ما جاء من عند الله عزَّ وجلَّ.
ب-الكفر بالطاغوت والتبرؤ من كل عقيدة ومنهج من سوى الإسلام.
ج- طاعة الله عزَّ وجلَّ وطاعة رسوله واتباعه وتحكيمه في كل شؤون الحياة.
د- القيام بالفرائض والواجبات والانتهاء عن المحرمات.
هـ- التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله تعالى.
و- مولاة المؤمنين والتبرؤ من الكافرين.
ز- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حـ- دعوة الناس إلى دين الله وجهاد الصادِّين عن سبيل الله.
1- معنى الشهادتين :
أ- معنى شهادة أن لا إله إلا الله: أقرُّ بلساني وأصدق بقلبي أن المعبود بحق هو الله سبحانه وتعالى وحده.
ب- معنى شهادة أن محمداً رسول الله: أقرُّ بلساني وأصدق بقلبي أن محمداً رسول الله مرسل من عند الله لإخراج الناس من الظلمات إلى النور أي من الجهل والكفر إلى العلم والإيمان.
ج- المراد من الشهادتين: نفي الألوهية عما سوى الله تعالى، وإثباتها لله تعالى، والإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
فينبغي للإنسان العاقل أن يكثر ذكرها مستحضراً لما احتوت عليه من عقائد الإيمان حتى تمتزج مع معناها بلحمه ودمه، فإنه يعلم بعد ذلك من فحواها وجوهرها ما لا يدخل تحت حصر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له" رواه مالك في الموطأ.
وفي رواية أخرى: "أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" رواه الترمذي وقال حديث حسن.
2- مقتضى الإيمان بالشهادتين:
أ- التصديق بكل ما جاء من عند الله سبحانه وتعالى: فالمؤمن يصدق بكل ما أخبر به الله سبحانه وتعالى في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم تصديقاً جازماً لا شك فيه ولا ريب.
والمؤمن يؤمن أن كل ما يخالف ما أخبر به الله سبحانه فهو باطل مهما زينه أصحابه وجملوه أو زيفوه. قال الله تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حديثاً} [النساء: 87].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلا} [النساء: 122].
ب- الكفر بالطاغوت(1) والتبرؤ من كل عقيدة ومنهج سوى الإسلام: والمؤمن يؤمن بأن الإسلام هو دين الحق وأن الأديان الأخرى باطلة فاسدة.
قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران: 18].
[font=&quot]{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [font=&quot][[/font]آل عمران: 85].[/font]​
فعلى المؤمن أن يتبرأ من كل دين وعقيدة ومنهج ومبادئ إلا من دين الإسلام عقيدة ومنهجاً ودستوراً.
قال الله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى(2) لا انفِصَامَ لَهَا(3)} [البقرة: 256].
ج- طاعة الله عزَّ وجلَّ وطاعة رسوله واتباعه وتحكيمه في كل شؤون الحياة:
إن من آمن بالله ورسوله وتيقن أن وعد الله حق، وأن الله عزَّ وجلَّ قد رتب الأجر والثواب على طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والامتثال لأوامره تعالى ولأوامر رسوله صلى الله عليه وسلم، يُلزِمه الاستسلام الكامل لشريعة الله تعالى فالمؤمن يجتهد في كل عمل يعمله أن يكون موافقاً لكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} [النساء: 69].
_________________
(1) معبود بغير حقَّ كصنم أو وثن أو شيطان أو إنسان أو غير ذلك.
(2) بالعقيدة المحكمة الوثيقة.
(3) لا انقطاع لها.
وقال تعالى: {مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى" قيل: ومن يأبى؟ قال: "من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري.
والمؤمن يحتكم إلى ما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم في شؤون حياته كلها.
قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [القصص: 50].
وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (1)} [النساء:60-61]
وقال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ(2) بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65].
د- القيام بالفرائض والواجبات والانتهاء عن المحرمات: إن القلب إذا امتلأ إيماناً فإن ذلك يقتضي أن تنبعث الجوارح بالأعمال الصالحة، وبالاجتهاد في أداء الفرائض والواجبات والطاعات وفي الانتهاء عما حرمه الله تعالى والابتعاد عن كل مخالفة شرعية.
ومن لا يؤدي الفرائض ولا يتجنب الفواحش والمحرمات ويتظاهر بإيمانه، فلا شك أن الشيطان خدعه وزين له سوء عمله، فلو أن قلبه صلح بالإيمان لصلح جسده كله بأداء الفرائض وفعل الطاعات ولكن فسد قلبه ففسد عمله.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب" متفق عليه.
هـ- التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله تعالى: إذا وقع المؤمن في معصية بارتكاب حرام فإنه يسارع إلى التوبة وذلك بالندم على ما فرَّط في حقّ الله ولا يصرُّ على معصيته ويطلب المغفرة من الله تعالى. قال الله تعالى في وصف عباده من المؤمنين المتقين: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً(3) أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا(1) عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران: 135].
_______________________
(1) يعرضون عنك إعراضاً.
(2) أشكل وألتبس عليهم الأمور.
(3) معصية كبيرة متناهية في القبح كالقتل بغير حق أو الزنا وغير ذلك.
و- موالاة المؤمنين والتبرؤ من الكافرين:
معنى الولاء: هو حبُّ ومناصرة وتأييد المؤمن لأخيه المؤمن.
- المؤمن لا يعطي الولاء إلا على أساس الإيمان.
- والولاء لا يكون إلا لله ولرسوله ولجماعة المؤمنين.
قال الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55-56]
- المؤمن يوالي من والى الله ويعادي من عادى الله لأنه لا يجمع بين محبة الله وأعدائه.
قال الله تعالى: {لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ(2) مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28].
- ورابط الولاء بين المؤمنين هو الإيمان والدين، فلا عبرة برابط النسب، والأقارب، والعشائر والقبليات، والعصبيات، أو بعلاقة شخصية.
قال الله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 71].
- والمؤمن لا يوادُّ أحداً من الكافرين، ولو كان أباه أو ابنه أو أخاه أو عشيرته.
قال الله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة: 22].
- والمؤمن له أسوة حسنة بإبراهيم عليه السلام في التبرؤ ومن الكافرين.
قال الله تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
- وكل من يوالي أعداء الله يخرج من دائرة الإيمان قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51].
__________________
(1) لم يستمروا على فعل المعاصي، بل أقلعوا عنها، وندموا على ما فات، وعزموا على عدم العودة إلى الذنوب.
(2) بطانة أعواناً وأنصاراً.
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنْ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} [التوبة: 23].
ز- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
- إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين قال الله تعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ} [التوبة: 71].
· وقد أُمِرْنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال الله تعالى:
[font=&quot]{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104].[/font]​
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان". رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه والنسائي.
- ويشترط على القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
أولاً أن يكون عالماً بالحكم متأكداً منه فلا يأمر الناس بما هو ليس بفرضٍ على أنه فرض، أو ينهى عن أمر مختلف فيه بين العلماء.
ثانياً: أن يأمن من أن يؤدي إنكاره إلى منكر أكبر منه: كأن ينهى عن شرب الخمر فيؤدي نهيه عنه إلى قتل النفس.
- فالمؤمن لا يفرِّط في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنه به يتواصى بالحق ومن تركه فإن مصيره الخسران.
قال الله تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 1 - 3].
حـ- دعوة الناس إلى دين الله وجهاد الصادِّين عن سبيل الله:
إن العبد إذا ذاق حلاوة الإيمان وتمكن حبُّ الله من قلبه، وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنه يسعى جاهداً في أن يُجنِّبَ نفسه وأهله وإخوانه وعشيرته والناس أجمعين من ظلمات الكفر والإلحاد والشرك إلى نور الإيمان والهداية والقرآن.
- فالمؤمن يدعو إلى الله متحملاً أذى الناس، محتسباً الأجر والثواب عند الله سبحانه.
قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف: 108].
وقال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لئن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك من حمر النعم".
وقال صلى الله عليه وسلم: "من دعا إلى هدى كأن له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئاً". رواه مسلم.
وأما أولئك الذين يصدون عن سبيل الله ويقفون حائلاً بين الناس وبين الدخول في دين الله تعالى، ويحَاربون الإسلام والمسلمين، فالمطالب أن نجاهدهم حتى نمكن دين الله للوصول إلى كافة الناس.
قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39].
 
نواقض الإيمان
ا- الكفر:
أ- معنى الكفر.
ب- أنواع الكفر.
ج- حكم الكفر.
2- الشرك:
أ- أنواع الشرك.
ب- حكم الشرك.
3- الردة:
أ- معنى الردة.
ب- أنواع الردة.
ج- حكم المرتد.
4- النفاق:
أ- معنى النفاق.
ب- صفات المنافقين.
ج- أنواع النفاق.
د- حكم النفاق.
ا- الكفر:
أ- معنى الكفر:
الكفر: هو إنكار شيء مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ووصل إلينا بطريق يقيني قاطع. فهو إذن نقيض الإيمان.
إذ الإيمان لا يتمّ إلا بالتصديق بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن جميع أركانه مع فروعها وحدة متماسكة تماسكاً تاماً حتى إن الإخلال بجزء من أجزائها يفقدها كيانها، فلا بد من الإيمان بها كلها والاعتقاد بكل جزء من أجزائها، فمن أخلَّ بواحد من أجزاء هذه الوحدة الاعتقادية فقد نزل عن أدنى مراتب الإيمان، ومن نزل عن أدنى مراتب الإيمان فقد كفر.
من أنكر شيئاً مما يجب الإيمان به يسمى كافراً.
مثال ذلك:
- من اعتقد ألوهية المسيح عيسى ابن مريم، أو اعتقد ألوهية غيره من البشر، أو اعتقد بأن الله ثالث ثلاثة فهو كافر، وهذا الاعتقاد باطل قال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 72-73].
- ومن اعتقد بعدم فرضية الصلوات الخمس في الإسلام فقد كفر.
- ومن اعتقد إباحة الزنا أو إباحة الخمر أو ما شابه ذلك فقد كفر.
ب- أنواع الكفر:
1- كفر الشك: وهو الذي يشك في ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجزم بصدقه، ولا يجزم بكذبه.
قال الله تعالى: {وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(1)} [إبراهيم: 9].
2- كفر الإعراض: وهو الإعراض عمَّا جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يصدقه ولا يكذبه ولكنه يعرض عنه.
قال الله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} [السجدة: 22].
_____________
(1) موقع للريبة والقلق.
3- كفر الجحود: وهو أن يجحد جملة بما أنزله الله تعالى أو يجحد شيئاً مما هو معلوم بالضرورة من الإسلام.
قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا(1) فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].
وقال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: 33].
4- كفر التكذيب: وهو اعتقاد كذب الرسول صلى الله عليه وسلم في أيِّ شيء مما جاء به.
قال الله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ(2) وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ * ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} [فاطر: 25-26].
5- كفر إباء واستكبار: وهو مثل كفر إبليس فإنه لم يجحد أمر الله ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، وهذا مثل حال من يعلم أن دين الإسلام هو دين الحقِّ الذي لا يقبل الله سواه، والذي فيه صلاحه في الدنيا والآخرة، ثم يتركه إباءً واستكباراً ويتخذ له ديناً أو مذهباً من صنع البشر.
قال الله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 34].
ج- حكم الكفر:
إن حكم الكافرين هو الخلود في النار قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39].
2- الشرك:
أولاً: أنواع الشرك: شرك من يؤمن بالله ولكنه يجعل له شريكاً في المُلك والتصرف في المخلوقات: خلقاً وحياة ورزقاً وموتاً وضراً ونفعاً.
وهذا الشرك كشرك النصارى والمجوس إذ يعتقد النصارى أن الله ثالث ثلاثة - سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً - ويعتقد المجوس أنه ثاني اثنين تعالى الله عما يقولون.
قال الله تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [الفرقان: 2].
ثانياً: شرك من يصف نفسه أو غيره من البشر بصفات الكمال الخاصة بالله عز وجل:
______________
(1) ترفعاً واستكباراً عن الإيمان بها.
(2) الكتب المكتوبة.
وهي الصفات التي لا تكون إلا لله سبحانه وتعالى كقول فرعون: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى} [النازعات: 24].
ثالثاً: شرك من يعبد غير الله بأي لون من ألوان العبادة:
قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} [النساء: 36].
فالعبادة تكون خالصة لله سبحانه ومن أشرك في العبادة شيئاً: كعبادة الشمس أو القمر أو النجوم أو الوثن أو الصنم أو الطبيعة أو الملائكة أو الأنبياء أو الرسل أو الصالحين، فحكمه حكم الكافرين المشركين.
قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونَنِي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ} [الزمر: 64].
وقال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ * بَلْ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ} [الزمر: 65-66].
ب- حكم من أشرك بالله عزَّ وجلَّ:
إن الله لا يغفر إشراك من أشرك به بخلاف من عصى الله من المؤمنين.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا بَعِيدًا} [النساء: 116].
ومن أشرك فإن الله يحرم عليه الجنة فلا يدخلها أبداً.
قال الله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} [المائدة: 72].
3- الردة:
أ- المرتد: من ترك دين الإسلام وهو عاقل بالغ، مختار غير مكره إلى دين آخر، كالنصرانية أو اليهودية أو غير ذلك من الأديان الباطلة، أو إلى عقيدة باطلة ومذهب فاسد كالشيوعية، أو إلى تبنى نظرية إلحادية، أو أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة كوجوب الصلاة والزكاة، أو قال قولاً لا يحتمل تأويلاً غير الكفر، أو حكم بغير ما أنزل الله مع اعتقاده بأنَّ النظام الإسلامي نظام رجعي أو متأخر.
ب- أنواع الردة:
1- ردة في الاعتقاد.
2- ردة في الأقوال.
3- ردة في الأفعال.
1- الردة في الاعتقاد:
اتفقت علماء الأمة الإسلامية على:
أن من أنكر من المسلمين وجود الله، أو أنكر صفات الكمال لله، أو أشرك بالله سبحانه وتعالى فجعل له ولداً أو بناتٍ أو مثيلاً مشابهاً له أو أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، فهو مرتد خارج عن دين الإسلام.
- معنى الأمر المعلوم من الدين بالضرورة:
ما ثبت بنص القرآن الكريم أو بالسنة المتواترة وكان قطعي الدلالة وليس فيه شبهة أو بإجماع جميع الصحابة المتواتر إجماعاً قطعياً قولياً غير سكوتي.
أمثلة عن الأمور المعلومة من الدين بالضرورة:
1- الإيمان بوجود الله ووصفه بصفات الكمال وتنزيهه عن كل نقصان وأن كل ما سواه فهو مخلوق.
2- الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم السلام وبمعجزاتهم.
3- الإيمان برسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها عامَّة إلى جميع الخلق، وهي صالحة لكل زمان ومكان، والإيمان بأنه خاتم النبيين ولا نبي بعده، وأن شريعته باقية إلى قيام الساعة وهي كفيلة بإسعاد البشرية.
4- الإيمان بالملائكة وأنهم عباد مكرمون خلقهم الله تعالى.
5- الإيمان بوجود الجن، وأن النبي صلى الله عليه وسلم محمداً مرسل إليهم وأن الله خلقهم من مارج من نار، وأن منهم المؤمنين ومنهم الكافرين.
6- الإيمان بالبعث والحشر والحساب ووزن الأعمال.
7- الإيمان بالجنة بأنها دار النعيم للمؤمنين خالدين فيها أبداً بأرواحهم وأجسادهم.
8- الإيمان بالنار بأنها للكافرين خالدين فيها أبداً بأرواحهم وأجسادهم.
9- الإيمان باللوح المحفوظ والقلم والعرش والكرسي. خلقها الله لحكمة لا لاحتياج إليها.
10- الإيمان بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم العظمى في فصل القضاء حيث يلجأ إليه الخلق جميعاً في الموقَف العظيم.
11- الإيمان بفرضية الوضوء لمن كان غير متوضئ عند الصلاة والغسل لمن وجب عليه كالجنب، والإيمان بفرضية الصلوات الخمس، وفرضية الجمعة.
12- والإيمان بفرضية الزكاة على من ملك حدَّ النصاب، والصوم، والحج على من استطاع إليه سبيلاً.
13- الإيمان بفرضية الجهاد في سبيل الله، وأنه لا يسقط أبداً.
14- الإيمان بحرمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وعقوق الوالدين، والسحر، وشهادة الزور، والزنا واللواط، وأكل أموال الربا، وأكل أموال اليتامى، والرشوة، والسرقة، والظلم، والغصب، والغش، والخيانة، وإيذاء الناس بغير حق، والسخرية، والغيبة، والنميمة، والكذب، وقذف المحصنات، والرياء، والعجب، والكبر، والبخل، والحسد.
وغير ذلك من الأمور الواضحة المعلومة من الدين بالضرورة.
2- الردَّة في الأقوال:
إذا قال المسلم قولاً مكفِّراً فقد ارتد وخرج عن الإسلام.
من ردة الأقوال: من جحد قولاً لعقيدة من عقائد الإسلام المعلومة من الدين بالضرورة فهو مرتد.
من اعترف اعترافاً قولياً بعقيدة مكفِّرة بأنها صحيحةٌ.
من سبَّ الله أو القرآن أو الرسل أو الأنبياء أو أحدهم سواءً كان مازحاً أو جاداً فهو مرتد.
قال الله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65-66].
من طعن في الدين، فهاجم الإسلام وشرائعه أودعا إلى مبدأ إلحادي أو كفري فهو مرتد.
قال الله تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} [التوبة: 12].
3- الردة في الأفعال:
إذا فعل المسلم فعلاً مكفراً، فقد ارتد وخرج عن الإسلام من ردة الأفعال:
من ألقى المصحف أو جزءً منه في القاذورات أو لطخه بالنجاسات متعمداً فهو مرتد.
ومن سجد لصنم أو شمس أو قمر أو غير ذلك من الأشياء المخلوقة فهو مرتد.
ومن استهزأ بفعل صريح بدين الله فقد ارتد.
ومن علق الصليب على الصدر أو وضع من شارات الكفر الخاصة بهم فقد ارتد.
ومن حارب الشريعة الإسلامية واستبدلها بالقوانين الوضعية البشرية تعطيلاً لأحكام الله سبحانه وتعالى فقد ارتد.
قال الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44].
حكم المرتد:
قال الله تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217].
- حكمه في الدنيا:
لا يرث ولا يورث ولا تؤكل ذبيحته، ولا يُزَوَّج وتقع الفرقة بينه وبين زوجته من غير تنقيص عدد للطلاق، وليس له أن يردها إلى عصمة الزواج إلا بعد أن يسلم من جديد بعقد شرعي، وتحبط أعماله كلها.
المرتد يحبس ثلاثة أيام ويعرض عليه الإسلام مع معرفة سبب كفره ورفع الشبه والشكوك من نفسه بالأدلة المقنعة والنقاش العلمي، فإن أصر على كفره ولم يرجع إلى دين الإسلام، يقتل من قبل الحاكم المسلم.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" .
- حكمه في الآخرة:
حكمه حكم الكافرين يخلد في النار وله عذابٌ أليم.
4- النفاق:
أ- معنى النفاق: وهو أن يظهر الإنسان إيمانه وهو في باطنه كافر مكذب.
قال الله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
ب- صفات المنافقين:
من صفات المنافقين التي جاءت في القرآن الكريم:
1- الإفساد في الأرض وعدم الإصلاح:
قال الله تعالى في وصف المنافقين: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ} [البقرة: 11 - 12].
2- اتهام المؤمنين بالسَّفه:
قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلا إِنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13].
3- خداع الذين آمنوا بإظهار الإيمان إذا قابلوهم، ثم إظهار الكفر مع أوليائهم:
قال الله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [البقرة: 14 - 15].
4- الإعراض عن التحاكم إلى شرع الله وصد الناس عن الحكم بما أنزل الله:
قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ(1) وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء: 60 - 61].
5- اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين:
قال الله تعالى: {بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} [النساء: 138 - 139].
6- الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف:
قال الله تعالى: {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ(2) نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ(3) إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمْ الْفَاسِقُونَ(4)} [التوبة: 67].
ج- أنواع النفاق:
النفاق نوعان:
1- نفاق اعتقادي: وهو أن يظهر الإنسان الإيمان ويبطن خلاف ذلك.
2- ونفاق عملي: وهو أن يكون الإنسان مؤمناً ظاهراً وباطناً إلا أنه يخالف في بعض أعماله الظاهرة العمل الصالح كخيانة الأمانة والتحدث بالكذب وخلف الوعد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية(5) المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا أؤتمن خان، وإذا وعد أخلف".
د- حكم النفاق:
حكم النفاق الاعتقادي: هو كحكم الكافرين وهو الخلود في النار.
قال الله تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} [التوبة: 68].
وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ(6) مِنَ النَّارِ} [النساء: 145].
حكم النفاق العملي: حكمه حكم الفسق وهو معصية يجب الرجوع عنها.
____________________
1) )وهو اليهودي كعب بن الأشرف.
(2) لا يبسطون أيديهم في طاعة وخير بخلاً منهم وشحاً.
(3) حرمهم الله من توفيقه وهدايته.
(4) خارجون عن طاعة الله.
(5) علامة.
(6) في قعر جهنم.
 

الأولياء والكرامات
أ- معنى الكرامة.
ب- معنى الولي.
ج- ثبوت الكرامة في القرآن الكريم.
د- ثبوت الكرامة في الأحاديث الشريفة.
هـ- ثبوت الكرامة لبعض الصحابة رضي الله عنهم.
أ- معنى الكرامة:
الكرامة: هي أمر خارق للعادة يظهره الله على يد بعض الصالحين من أتباع الرسل عليهم السلام الملتزمين لأحكام الشريعة الربانية من غير شذوذ ولا مخالفة، فضلاً من الله وإكراماً لهم، وهي غير مقرونة بدعوى النبوة، وهي في حقيقتها تأييد وتأكيد لرسالة الرسول باعتبار أن الله أظهرها على يد صلحاء أمته، وتابع من أتباعه.
ب- معنى الولي:
الولي: هو الرجل المؤمن التقي المواظب على الطاعات المتقيد بأوامر الله ونواهيه. العارف بالله على حسب الإمكان المعرض عن الأمهات في الشهوة.
قال الله تعالى في حق الأولياء: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمْ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [يونس: 62-63-64].
ج- ثبوت الكرامة في القرآن الكريم:
أولاً: ثبوت الكرامة لأهل الكهف: ما ثبت من كرامة لأهل الكهف، وهم فتية آمنوا بالله، وفروا بدينهم من ظلم ملك كافر كان في زمانهم، فأووا إلى كهف في جبل، فأنامهم الله ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، ثم أيقظهم من نومهم الطويل، وقد ذكر قصتهم في سورة الكهف واسم السورة تشير إليهم.
قال الله تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ(1) كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا(2) * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ(1) فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ(2) لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا(3)} [الكهف: 9 - 12].
____________
(1) لوح حجري رقمت عليه أسماؤهم وقصتهم ووضع على باب كهفهم.
(2) عن العلامات العجيبة المخالفة لعادات الناس.
وقال تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} [الكهف: 25].
ثانياً: ثبوت الكرامة لمريم عليها السلام:
الكرامة الأولى: أن نبي الله زكريا عليه السلام يدخل عليها في محرابها فيجد عندها رزقاً دون أن يأتي به إنسان ودون سبب مادي.
قال الله تعالى: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ(4) وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[آل عمران: 37].
الكرامة الثانية: وهي حملها بعيسى عليه السلام دون أن يمسها بشر حيث جاءها روح القدس جبريل عليه السلام بأمر من الله بصورة رجل عادي، وأخبرها بأن الله أرسله ليهب لها غلاماً زكياً طاهراً يكون له شأن عجيب ويعطيه الله النبوة والحكمة، فاطمأنت على نفسها بعد اضطرابها منه، ثم نفخ في جيب(5) قميصها(6) نفخة وصلت إلى رحمها، فحملت بتلك النفخة(7) بالمسيح عليه السلام، وكانت هذه القصة من العلامات الخارقة التي لم يسبق لها مثيل.
قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ(8) مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا(9) * فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا(10) فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا(11) فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا(12) * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً(13) لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا(14) } [مريم: 16 - 21].
_______________
(1) أنمناهم إنامة ثقيلة.
(2) أيقظناهم من نومهم.
(3) أي الفريقين المختلفين في مدة لبثهم في ضبط أمد بقائهم في الكهف، وهم مضروب على آذانهم بالنوم.
(4) غرفة عبادتها في بيت المقدس.
(5) فتحة الثوب حيث يدخل الرأس.
(6) ثوبها.
(7) تنبيه : قد افترى بعض الناس على جبريل ومريم عليها السلام افتراءً عظيماً حيث ادعوا أنهما مارسا الممارسة الجنسية كما يفعل الرجل والمرأة، وهذا الكلام لا يصدر إلا من إيحاءات إسرائيلية يهودية حاقدة على المسيح ابن مريم وأمه الصديقة، وكيف ذلك؟ وقد قال الله تعالى في صريح كتابه : {ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} [التحريم : 12].
فالتصريح بالنفخ من الروح جلي وواضح، وفي كلامهم وادعائهم معارضة لكتاب الله الكريم.
(8) انفردت واعتزلت.
(9) شرقي المسجد الأقصى.
(10) ستراً.
(11) جبريل.
(12) إنساناً مستوي الخلق تامَّه.
(13) علامة.
(14) قدراً من الله سبحانه وتعالى.
وقال تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنْ الْقَانِتِينَ} [التحريم: 12].
الكرامة الثالثة: لما حملت به عليها السلام ابتعدت عن منازل أهلها، فلما جاءها مخاض الولادة جلست إلى جذع نخلة غير مثمرة، فهزتها فتساقط من الشجرة رطباً طرياً صالحاً للاجتناء والأكل. ولذلك أشار القرآن الكريم إلى ذلك:
[font=&quot]{[/font]فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ(2) مَكَانًا قَصِيًّا(3) * فَأَجَاءَهَا(4) الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا(5) * فَنَادَاهَا(6) مِنْ تَحْتِهَا أَلا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا(7) * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا(8)} [مريم: 22 - 25].
الكرامة الرابعة: لما وضعت ابنها عيسى ابن مريم وأتت به إلى قومها وأخبرتهم أنه ابنها، كان الأمر صعباً عليهم تصديق هذه الخارقة فاتهموها اتهامات وجرحوها بكلماتهم وهي صامتة لا تتكلم وألحوا في استجوابها عن سبب حملها الذي لم يتصور كثير منهم فيه إلا الفاحشة، وهي منها براء، فلما ضاق حالها وانحصر المجال، واحتارت في أمرها، عظم توكلها على الله ذي الجلال والإكرام، ولم يبق إلا الإخلاص والاتكال فأشارت إلى طفلها عيسى ابن مريم حتى يخاطبوه ويكلموه، فعندها استغربوا الأمر، وقالوا كيف نكلم من كان في المهد صبياً، وهو لا يميز بالأمور فظنوا أنها تستهزيء بهم وتتهكمهم، عندها تكلم ونطق وقال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبياً.
قال الله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا(9)* يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا(10) * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي(1) وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(2) * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم: 27 -33].
__________________
(2) انفردت به.
(3) بعيداً من أهلها.
(4) فألجأها.
(5) شيئاً متروكاً لا يخطر بالبال.
(6) جبريل.
(7) نهراً.
(8) صالحاً للاجتناء والأكل.
(9) عظيماً منكراً.
(10) تفعل الفاحشة وهي الزنا.
ثالثاً: ثبوت كرامة صاحب سليمان عليه السلام:
قصَّ لنا القرآن الكريم قصة إحضار عرش بلقيس(3) من مسافات بعيدة في أقلّ من طرفة عين إلى سليمان عليه السلام وهو في بيت المقدس، والذي أحضره واحد من المؤمنين(3) عنده علم من الكتاب، قال الله تعالى: {قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل: 38-40].
د- ثبوت الكرامة في التثبت من نص الأحاديث:
أولاً: قصة ثلاثة نفر من الأمم السابقة، انطلقوا حتى آواهم المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم مدخل الغار فدعوا الله بصالح أعمالهم فانفرجت الصخرة بسبب صالح دعواتهم وخرجوا من الغار يمشون.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انطلق ثلاثة نفر ممن كان قبلكم حتى آواهم المبيت إلى غار، فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل، فسدت عليهم الغار فقالوا: إنه لا يُنجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله تعالى بصالح أعمالكم، قال رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أَغْبِق(3) قبلهما أهلاً ولا ولداً فنأى بي طلب الشجر يوماً فلم أُرِحْ عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غَبُوقهما فوجدتهما نائمين، فكرهت أن أُوقظهما، وأن أغبق قبلهما أهلاً أو ولداً، فلبثت - والقدح على يَدِي - أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، والصبية يتضاغون عند قدمي، فاستيقظا فشربا غبوقهما. اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرِّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئاً لا يستطيعون الخروج منه.
قال الآخر : اللهم إنه كانت لي ابنة عم كانت أحبَّ الناس فأردتها على نفسها(4) فامتنعت مني حتى ألمَّت بها سنة من السنين(5)، فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها، قالت: اتقِ الله ولا تفضَّ الخاتم إلا بحقه(6)، فانصرفت عنها
(1) ملكة سبأ في اليمن.
(2) اسمه آصف كما ذكره المفسرون.
(3) الغبوق : شرب العشي.
(4) طلبت منها ما يطلب الرجل من زوجه.
(5) نزلت بها سنة من السنين المجدبة الصعبة حيث لا تجد مالاً.
(6) لا تُزِل عفافي إلا بالزواج.
وهي أحبُّ الناس إلي، وتركت الذهب الذي أعطيتها، اللهم إن كنتُ فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وقال الثالث: اللهم استأجرت أجراء وأعطيتهُم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمَّرت(1) أجرهُ حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين، فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري، فقلت: كل ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئاً، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون". متفق عليه.
ثانياً: قصة تكلم صبي رضيع من بني إسرائيل تبرئة لامرأة أَمَةٍ اتهمت بالسرقة والزنى، ولم تفعل ذلك وهذا كرامة لها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كانت امرأة ترضع ابنها من بني اسرائيل، فمرَّ بها رجل راكب ذو شارة(2)، فقالت: اللهم اجعل ابني مثله، فترك ثديها، وأقبل على الراكب، وقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديها يمصه - قال أبو هريرة: كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يمصُّ أصبعه - ثم مر بأمة فقالت: اللهم لا تجعل ابني مثل هذه فترك ثديها، فقال: اللهم اجعلني مثلها، فقالت له: لم ذاك ؟ فقال: الراكب جبار من الجبابرة وهذه الأَمَةُ يقولون لها: سرقت، زنيت، ولم تفعل". متفق عليه.
ثالثاً: قصة العابد جريج:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج كان يصلي، فجاءته أمه فدعته، فقال: أجيبها أو أصلي؟ فقالت: اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات، وكان جريج في صومعته، فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى، فأتت راعياً فأمكنته من نفسها، فولدت غلاماً، فقالت: من جريج، فأتوه فكسروا صومعته، وأنزلوه وسُّبوه، وتوضأ وصلى ثم أتى الغلام، فقال: من أبوك يا غلام، فقال: الراعي، فقالوا: أنبني لك صومعتك من ذهب؟ فقال: لا، إلا من طين". متفق عليه.
رابعاً: غلام من الأمم السابقة أجرى الله على يديه أموراً خارقة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إليَّ غلاماً أعلمه السحر، فبعث إليه غلاماً يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجبه وكان إذا أتى الساحر مرّ بالراهب، وقعد إليه فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل:
____________
(1) نميت.
(2) صاحب هيئة وشكل حسن.
حبسني الساحر، فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجراً، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أيْ بُنّيَّ أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرئ الأكمه(1) والأبرص(2) ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ههنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت به دعوتُ الله فشفاك، فآمن بالله تعالى، فشفاه الله تعالى، أتى الملك، فجلس إليه كما يجلس، فقال له الملك: من ردَّ عليك بصرك؟ قال: ربي. قال: أولك ربَّ غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أيْ بني قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمة والأبرص، وتفعل وتفعل! فقال: إني لا أشفي أحداً، إنما يشفي الله تعالى فأخذه أيضاً بالعذاب، فلم يزل يعذبه حتى دلَّ على الراهب، فجيء بالراهب، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى، فدعا بالمنشار في مفرق(3) رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام، فقيل له: ارجع عن دينك فأبى فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته(4)، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به الجبال، فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ قال: كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور(5) وتوسطوا به البحر فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه فذهبوا به، فقال: اللهم اكفينهم بما شئت، فانكفأت(6) بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد(7) واحد، وتصلبني على جذع(8)،
_______________
(1) الذي ولد أعمى.
(2) مرض جلدي.
(3) وسط.
(4) أعلاه.
(5) نوع من السفن.
(6) انقلبت.
(7) الأرض البارزة.
(8) عود من أعواد النخيل.
ثم خذ سهماً من كنانتي(1) ثم ضع السهم في كبد القوس(2)، ثم قل: بسم الله رب الغلام ثم ارمني فإنك إذا فعلت ذلك، قتلتني، فجمع الناس على صعيد واحد، وصلبه على جذع ثم أخذ سهماً من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام ثم رماه فوقع السهم في صدغه(3)، فوضع يده في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأُتي الملكُ، فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك، قد آمن الناس فأمر بالأخدود(4) بأفواه السكك(5) فخُدَّت(6)، وأضرم(7) فيها النيران، وقال: من لم يرجع عن دينه، فاقحموه(8) فيها أو قيل له اقتحم(9)، ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها فتقاعست(10) أن تقع فيها، فقال لها غلام: يا أمَّهْ اصبري فإنك على الحق". رواه مسلم.
هـ- ثبوت الكرامة لبعض الصحابة رضي الله عنه:
أولاً: تكثير الطعام لأبي بكر رضي الله عنه:
عن عبد الرحمن بن أبي بكر قال: إن أصحاب الصُّفة كانوا أناساً فقراء وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو بسادس، وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشر، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم، ثم لبث حتى صليت العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء بعد ما مضى من الليل ما شاء، قالت: له امرأته: ما حبسك عن أضيافك؟ قال: أو ما عشيتهم؟ قالت: أبوا حتى تجيء فغضب، وقال: والله لا أَطْعمه ابداً، فحلفت المرأة أن لا تطعمه، وحلف الأضياف أن لا يطعموه، قال أبو بكر: كان هذا من عمل الشيطان - يعني يمينه - فدعا بالطعام فأكل وأكلوا، فجعلوا لا يرفعون لقمة إلا ربت من أسفلها أكثر منها، فقال لامرأته: يا أخت بني فراس ما هذا؟! قالت: وقرَّة عيني إنها الآن لأكثر منها قبل ذلك بثلاث مرار، فأكلوا وبعث بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه أكل منها. متفق عليه.
ثانياً: كرامة أسيد بن حضير وعبَّاد بن بشر رضي الله عنهما:
_____________
(1) بيت السهام.
(2) وسطه.
(3) ما بين العين والأذن.
(4) الشقوق في الأرض.
(5) حديد لحفر الأرض وشقها.
(6) شقت.
(7) أوقد.
(8) ألقوه
(9) ألقي نفسك.
(10) توقفت وجبنت.
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن أسيد بن حضير وعبَّاد بن بشر تحدثا عند النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لهما، حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلبان، وبيد كل واحد منهما عُصَيَّة، فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه، فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه، حتى بلغ أهله. رواه البخاري.
ثالثاً: كرامة سَفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عن ابن المنكدر: أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ الجيش بأرض الروم، أو أسر فانطلق هارباً يلتمس الجيش فإذا هو بالأسد، فقال: يا أبا الحارث(1)، أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الأسد له بصبصة(2) حتى قام إلى جنبه، كلما سمع صوتاً أهوى إليه، ثم أقبل يمشي إلى جنبه حتى بلغ الجيش، ثم رجع الأسد. رواه الحاكم. وقال: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
رابعاً: كرامة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن عمر بعث جيشاً، وأَقَّرَ عليهم رجلاً يدعى سارية، فبينما عمر يخطب، فجعل يصيح: يا ساريةُ الجبلَ! فقدم رسول من الجيش، فقال: يا أمير المؤمنين لقينا عدونا فهزمونا، فإذا بصائح يصيح: يا ساريةُ الجبلَ، فأسندنا ظهورنا إلى الجبل، فهزمهم الله تعالى. رواه البيهقي في دلائل النبوة ورواه ابن عساكر وغيره بإسناد حسن.
خامساً: كرامة علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
ورد أنَّ علياً رضي الله عنه حدَّث بحديث، فكذبه رجلٌ، فقال عليٌّ: أدعو عليك إن كنت كاذباً؟ فقال: ادْعُ، فدعا عليه، فلم يبرح حتى ذهب بصره. رواه الطبراني في الأوسط.
_____________________
(1) كنية الأسد.
(2) تحريك الذنب.
 
ياسر

جزاكـ الله كل خير

على هذا الموضوع المميز

جعله فى ميزان حسناتكـ

دمت فى امان الله
 
العقيدة الاسلامية

 
الوسوم
الاسلامية العقيدة
عودة
أعلى