كتاب فنون الحرب فى الإسلام

من منا لم يسمع عن السلطان .. محمد الفاتح

فاتح القسطنطينيه .. نعم الجيش و نعم الأمير كما قال رسوا الله عليه الصلاة و السلام فى حديثه عن فتح القسطنطينيه

و اليكم لمحة من عبقريته رضى الله عنه و جزاه عن الاسلام خير الجزاء



لاحت للسلطان فكرة بارعة وهي نقل السفن من مرساها في (بشكطاش) إلى القرن الذهبي، وذلك بجرها على الطرق البري الواقع بين الميناءين مبتعداً عن ( حي غلطة ) خوفاً على سفنه من الجنوبيين ، وقد كانت المسافة بين الميناء نحو ثلاثة أميال ، ولم تكن أرضاً مبسوطة سهلة ولكنها كانت وهاداً وتلالاً غير ممهدة.

جمع محمد الفاتح أركان حربه وعرض عليهم فكرته، وحدد لهم مكان معركته القادمة، فتلقى منهم كل تشجيع، وأعربوا عن إعجابهم بها.

بدأ تنفيذ الخطة،

وأمر السلطان محمد الثاني فمهدت الأرض وسويت في ساعات قليلة وأتى بألواح من الخشب دهنت بالزيت والشحم، ثم وضعت على الطريق الممهد بطريقة يسهل بها انزلاج السفن وجرها، وكان أصعب جزء من المشروع هو نقل السفن على انحدار التلال المرتفعة ، إلا أنه بصفة عامة كانت السفن العثمانية صغيرة الحجم خفيفة الوزن.

وجرت السفن من البسفور إلى البر حيث سحبت على تلك الأخشاب المدهونة بالزيت مسافة ثلاثة أميال ،

حتى وصلت إلى نقطة آمنة فأنزلت في القرن الذهبي ،

وتمكن العثمانيون في تلك الليلة من سحب أكثر من سبعين سفينة وإنزالها في القرن الذهبي على حين غفلة من العدو ،

بطريقة لم يسبق إليها السلطان الفاتح قبل ذلك ، وقد كان يشرف بنفسه على العملية التي جرت في الليل بعيداً عن أنظار العدو ومراقبته.

وقد تم كل ذلك في ليلة واحدة ، واستيقظ أهل المدينة البائسة صباح يوم 22 أبريل على تكبيرات العثمانيين المدوية ،

وهتافاتهم المتصاعدة ، وأناشيدهم الإيمانية العالية ، في القرن الذهبي ،

وفوجئوا بالسفن العثمانية وهي تسيطر على ذلك المعبر المائي ، ولم يعد هناك حاجز مائي بين المدافعين عن القسطنطينية وبين الجنود العثمانيين ،

ولقد عبر أحد المؤرخين البيزنطيين عن عجبهم من هذا العمل فقال : (ما رأينا ولا سمعنا من قبل بمثل هذا الشيء الخارق ، محمد الفاتح يحول الأرض إلى بحار وتعبر سفنه فوق قمم الجبال بدلاً من الأمواج ، لقد فاق محمد الثاني بهذا العمل الإسكندر الأكبر).

ظهر اليأس في أهل القسطنطينية وكثرت الإشاعات والتنبؤات بينهم، وانتشرت شائعة تقول: ستسقط القسطنطينية عندما ترى سفن تمخر اليابسة.

وكان لوجود السفن الإسلامية في القرن الذهبي دور كبير في إضعاف الروح المعنوية لدى المدافعين عن المدينة الذين اضطروا لسحب قوات كبيرة من المدافعين عن الأسوار الأخرى لكي يتولوا الدفاع عن الأسوار الواقعة على القرن الذهبي إذ أنها كانت أضعف الأسوار، ولكنها في السابق تحميها المياه، مما أوقع الخلل في الدفاع عن الأسوار الأخرى.

وقد حاول الإمبراطور البيزنطي تنظيم أكثر من عملية لتدمير الأسطول العثماني في القرن الذهبي إلا أن محاولته المستميتة كان العثمانيون لها بالمرصاد حيث أفشلوا كل الخطط والمحاولات.


 
جاء فى كتاب المستطرف فى كل فن مستظرف

لمؤلفه الأبشيهي


فصل الحرب خدعه ...


وينبغي لقائد الجيش أن يخفي العلامة التي هو مشهور بها،

فإن عدوه قد يستعلم حيلته وألوان خيله ورايته،

ولا يلزم خيمته ليلاً ولا نهاراً، وليبدل زيه ويغير خيمته كي لا يلتمس عدوه غرة منه،


وإذا سكن الحرب، فلا يمشي في النفر اليسير من قومه خارج عسكره، فإن عيون عدوه متجسسة عليه،


وبهذا الوجه كسر المسلمون جيوش إفريقية عند فتحها،


وذلك أن الحرب سكنت وسط النهار،

فجعل مقدم العدو يمشي خارج عسكره يتميز عساكر المسلمين،

فجاء الخبر إلى عبد الله بن أبي السرج وهو نائم في قبته،


فخرج فيمن وثق به من رجاله، وحمل على العدو،


فقتل الملك، وكان الفتح.


الله أكبر


وبمثل هذا قهر ألب أرسلان ملك الترك، ملك الروم وقمعه وقتل رجاله وأباد جمعه.


وكانت الروم قد جمعت جيوشاً يقل أن يجمع لغيرهم من بعدهم مثلها،


وكان قد بلغ عددهم ستمائة ألف، كتائب متواصلة، وعساكر مترادفة،


وكراديس يتلو بعضها بعضاً، لا يدركهم الطرف ولا يحصيهم العدد،


وقد استعدوا من الكراع والسلاح والمجانيق، والآلات المعدة للحروب، وفتح الحصون بما لا يحصى،


وكانوا قد قسموا بلاد المسلمين الشام والعراق، ومصر، وخراسان، وديار بكر،


ولم يشكوا أن الدولة قد دارت لهم، وأن نجوم السعود قد خدمتهم،


ثم استقبلوا بلاد المسلمين فتواترت أخبارهم إلى بلاد المسلمين، واضطربت لها ممالك أهل الإسلام،


فاحتشد للقائهم الملك ألب أرسلان، وهو الذي يسمى الملك العادل،


وجمع جموعه بمدينة أصبهان، واستعد بما قدر عليه، ثم خرج يؤمهم،


فلم يزل العسكران يتدانيان إلى أن عادت طلائع المسلمين إلى المسلمين، وقالوا لألب أرسلان: غداً يتراءى الجمعان،


فبات المسلمون ليلة الجمعة،


والروم في عدد لا يحصيهم إلا الله الذي خلقهم،


وما المسلمون فيهم إلا أكلة جائع، فبقي المسلمون وجلين لما دهمهم، فلما أصبحوا صباح يوم الجمعة نظر بعضهم إلى بعض، فهال المسلمين ما رأوا من كثرة العدو،


فأمر ألب أرسلان أن يعد المسلمين، فبلغوا اثني عشر ألفا فكانوا كالشامة البيضاء في الثور الأسود،


فجمع ذوي الرأي من أهل الحرب والتدبير والشفقة على المسلمين، والنظر في العواقب، واستشارهم في استخلاص أصوب الرأي،


فتشاوروا برهة، ثم اجتمع رأيهم على اللقاء،


فتوداع القوم وتحاللوا وناصحوا الإسلام وأهله، وتأهبوا أهبة اللقاء، وقالوا لألب أرسلان: بسم الله نحمل عليهم،


فقال ألب أرسلان: يا معشر أهل الإسلام أمهلوا، فإن هذا يوم الجمعة، والمسلمون يخطبون المنابر، ويدعون لنا في شرق البلاد وغربها، فإذا زالت الشمس، وعلمنا أن المسلمين قد صلوا، ودعوا الله أن ينصر دينه حملنا عليهم إذ ذاك،


وكان ألب أرسلان قد عرف خيمة ملك الروم وعلامته وزيه وزينته وفرسه، ثم قال لرجاله: لا يتخلف أحد منكم أن يفعل كفعلي، ويتبع أثري، ويضرب بسيفه، ويرمي سهمه حيث أضرب بسيفي، وأرمي بسهمي،


ئم حمل برجاله حملة رجل واحد إلى خيمة ملك الروم،


فقتلوا من كان دونها،


ووصلوا إلى الملك،


فقتلوا من كان دونه، وجعلوا ينادون بلسان الروم قتل الملك قتل الملك،


فسمعت الروم أن ملكهم قد قتل فتبددوا،


وتمزقوا كل بمزق،


وعمل السيف فيهم أياماً، وأخذ المسلمون أموالهم، وغنائمهم،


وأتوا بالملك أسيراً بين يدي ألب أرسلان والحبل في عنقه، فقال له ألب أرسلان: ماذا كنت تصنع بي لو أسرتني.


قال: وهل تشك أنني كنت أقتلك،


فقال له ألب أرسلان: أنت أقل في عيني من أن أقتلك اذهبوا به، فبيعوه لمن يزيد فيه،


فكان يقاد والحبل في عنقه، وينادي عليه من يشتري ملك الروم،


وما زالوا كذلك يطوفون به على الخيام، ومنازل المسلمين، وينادون عليه بالدراهم والفلوس، فلم يدفع فيه أحد شيئاً،


حتى باعوه من إنسان بكلب، فأخذه الذي ينادي عليه، وأخذ الكلب، وأتى بهما إلى ألب أرسلان،


وقال: قد طفت به جميع العسكر، وناديت عليه، فلم يبذل أحد فيه شيئاً سوى رجل واحد دفع فيه هذا الكلب،


فقال: قد أنصفك إن الكلب خير منه.


ثم أمر ألب أرسلان بعد ذلك بإطلاقه وذهب إلى القسطنطينية،


فعزلته الروم، وكحلوه بالنار.



فانظر ماذا يأتي على الملوك إذا عرفوا في الحرب من الحيله والمكيدة.



اللهم انصر جيوش المسلمين وعساكر الموحدين، وأهلك الكفرة، والمشركين، وانصر المسلمين نصراً عزيزاً برحمتك يا أرحم الراحمين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.



 
عن الشجاعة..


حدّثني أبو حاتم عن الأصمعيّ قال: حدّثنا أبو عمرو الصّفّار قال:

حاصر مسلمة حصنا فندب الناس إلى نقب منه ( فتحة)

فما دخله أحد.

فجاء رجل من عرض الجيش فدخله ففتحه اللّه عليهم،

فنادى مسلمة: أين صاحب النقب؟

فما جاءه أحد،

فنادى: إني قد أمرت الآذن بإدخاله ساعة يأتي، فعزمت عليه إلاّ جاء.

فجاء رجل فقال: استأذن لي على الأمير.

فقال له: أنت صاحب النقب؟

قال: أنا أخبركم عنه.
فأتى مسلمة فأخبره عنه
فأذن له

فقال له: إن صاحب النقب يأخذ عليكم ثلاثاً:

ألاّ تسوّدوا اسمه في صحيفة " إلى الخليفة "

ولا تأمروا له بشيء

ولا تسألوه ممن هو.

قال: فذاك له.

قال: أنا هو.

فكان مسلمة لا يصلي بعدهم صلاة إلا قال:

اللهم اجعلني مع صاحب النقب.

 
الكتاب : مختصر تاريخ دمشق
المؤلف : ابن منظور


حديث رجلين من غسان :
لما كان المسلمون بناحية الأردن تحدثنا بيننا أن دمشق ستحاصر، فقال أحدنا لصاحبه: هل لك أن ندخل المدينة فنتبين من سوقها قبل حصارها، فبينا نحن فيها نتسوق إذ أتانا رسول بطريقها اصطراخيه، فذهب بنا إليه


فقال: أنتما من العرب؟
قلنا: نعم.
قال: وعلى النصرانية؟
قلنا: نعم،
قال: ليذهب أحدكما إلى هؤلاء فليتحسس لنا من خيرهم ورأيهم، وليثبت الآخر على متاع صاحبه، ففعل ذلك أحدنا فلبث لبثاً

ثم جاءه فقال:
جئتك من عند رجال دقاق

يركبون خيولاً عتاقاً

، أما الليل فرهبان

وأما النهار ففرسان

يريشون النبل ويبرونها ( السهام )

ويثقفون القنا ( الرماح )

لو حدثت جليسك حديثاً ما فهمه عنك لما علا من أصواتهم بالقرآن والذكر

فالتفت إلى أصحاب فقال: أتاكم منهم ما لا طاقة لكم به.


 
جاء فى كتاب المنتظم فى التاريخ لأبن الجوزي

قال علماء السير:
انصرف المهلب من وراء النهر يريد مرو

فمرض،
فجمع من حضر من ولده
ودعا بسهام فحزمت

فقال: أترونكم كاسريها مجتمعة?

قالوا: لا

قال: أفترونكم كاسريها متفرقة?

قالوا: نعم

قال: فهكذا الجماعة، فأوصيكم

بتقوى الله عز وجل

وصلة الرحم

وأنهاكم عن القطيعة

واعرفوا لمن يغشاكم حقه

وكفى بغدو الرجل ورواحه إليكم تذكرة له

وآثروا الجود على البخل

وعليكم في الحرب بالأناة والمكيدة فإنها أنفع من الشجاعة

وعليكم بقراءة القرآن وتعلم السنن وآداب الصالحين

وإياكم وكثرة الكلام.


 
جاء فى كتاب الكامل فى التاريخ .. لأبن الأثير
وقعة اليرموك

وخرج جرجة إلى بين الصفين وطلب خالداً
، فخرج إليه

فآمن كل واحد منهما صاحبه

فقال جرجة: يا خالد اصدقني ولا تكذبني، فإن الحر لا يكذب، ولا تخادعني، فإن الكريم لا يخادع المسترسل، هل أنزل الله نبيكم سيفاً من السماء فأعطاكه فلا تسله على قوم إلا هزمتهم?

قال: لا.

قال: ففيم سميت سيف الله?

فقال له: إن الله بعث فينا نبيه، صلى الله عليه وسلم، فكنت فيمن كذبه وقاتله
ثم إن الله هداني فتابعته

فقال: (أنت سيف الله سله على المشركين)! ودعا لي بالنصر.

قال: فأخبرني إلى ما تدعوني.

قال خالد: إلى الإسلام أو الجزية أو الحرب.

قال: فما منزلة من الذي يجيبكم ويدخل فيكم?

قال: منزلتنا واحدة.

قال: فهل له مثلكم من الأجر والذخر?

قال: نعم وأفضل
لأننا اتبعنا نبينا وهو حي يخبرنا بالغيب ونرى منه العجائب والآيات

وحق لمن رأى ما رأينا وسمع ما سمعنا أن يسلم

وأنتم لم تروا مثلنا ولم تسمعوا مثلنا

فمن دخل بنية وصدقٍ كان أفضل منا.

فقلب جرجة ترسه ومال مع خالد وأسلم

وعلمه الإسلام
واغتسل وصلى ركعتين

ثم خرج مع خالد فقاتل الروم.


 
جاء فى كتاب لباب الآداب لفارس الفرسان أسامه بن منقذ ..

أورد الإمام أبو الليث السمرقندي رحمه الله في كتاب تنبيه الغافلين:
"أن رجلاً حبشياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إني كما ترى:
دميم الخلقة،
منتن الريح،
غير زاكي الحسب،
فأين أنا إن قاتلت حتى أُقتل ?

قال: أنت في الجنة.

فأسلم الرجل،
فقال: عندي غنمٌ فكيف أصنع بها ?
قال: وجهها إلى المدينة ثم صِحْ بها،
فإنها ترجع إلى أهلها.
ففعل ذلك.

ثم التحم القتال فاقتتلوا،

فلما افترق القوم قال النبي صلى الله عليه وسلم: تفقدوا إخوانكم.
ففعلوا
، فقالوا: يا رسول الله، ذلك الرجل قُتل في وادي كذا.
فقام النبي صلى الله عليه وسلم معهم.

فلما أشرف عليه قال: اليوم حسَّن الله وجهك، وطيَّب ريحك، وزكَّى حَسَبك. ثم أعرض عنه.

فقالوا: رأيناك أعرضت عنه ?

قال: والذي نفسي بيده، لقد رأيت أزواجه من الحور العين ابتدرن حتى بدت خلاخلهن".


 
وأورد الإمام الحافظ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل الأصبهاني رحمه الله في كتاب الترغيب والترهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"الشهداء ثلاثة رجال: رجلٌ خرج بماله ونفسه محتسباً في سبيل الله تعالى،
لا يريد أن يَقتل ولا يُقتل،
لتكثير سواد المسلمين

-: فإن مات أو قُتل غُفرت له ذنوبه كلها، وأُجير من عذاب القبر، وأومن من الفزع الأكبر، وزوج من الحور العين وحلّت عليه الكرامة ووضع على رأسه تاج الوقار والخلد.

والثاني: رجلٌ جاهد بنفسه وماله محتسباً،
يريد أن يَقتل ولا يُقتل

-: فإن مات أو قتل كانت ركبته مع ركبة ابراهيم خليل الرحمن عليه السلام بين يدي اللّه عز وجل في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

والثالث: رجلٌ خرج في نفسه وماله محتسباً، يريد أن يَقتل ويُقتل

-: فإن مات أو قُتل جاء يوم القيامة شاهراً سيفه واضعه على عنقه،
والناس جاثون على الركب،
يقول: ألا فافسحوا لنا مرتين،
فإنا قد بذلنا دماءنا وأموالنا لله عز وجل

"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"والذي نفسي بيده،
لو قال ذلك لابراهيم خليل الرحمن أو لنبي من الأنبياء لتنحى لهم عن الطريق،
لما يرى من واجب حقهم.

حتى يأتوا منابر من نورٍ عن يمين العرش،
فيجلسون ينظرون كيف يُقضى بين الناس،
لا يجدون غمَّ الموت
ولا يغتمون في البرزخ،
ولا تفزعهم الصيحة،
ولا يهمهم الحساب ولا الميزان ولا الصراط، ينظرون كيف يُقضى بين الناس،
ولا يسألون شيئاً إلا أُعطوا،
ولا يشفعون في واحدٍ إلا شُفعوا فيه،

ويُعطى من الجنة ما أحب،
وينزل من الجنة حيث أحب".


 
قال عمران بن الحصين رحمه الله:

"أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرف عمامتي من ورائي،

فقال: يا عمران،
إن الله يحب الإنفاق ويبغض الإقتار،
فأنفق وأطعم ولا تصر صراً فيعسر عليك الطلب.
واعلم أن الله يحب النظر النافذ عند مجيء الشبهات،
والعقل الكامل عند نزول الشهوات،
ويحب السماحة ولو على تمرات،
ويحب الشجاعة ولو على قتل حية".

وعن أبي بكر بن عبد الله بن قيس رحمه الله قال: سمعت أبي - وهو بحضرة العدو - يقول:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف"

فقام إليه رجل رث الهيئة فقال: يا أبا موسى،
أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا ?
قال: نعم.

قال: فرجع إلى أصحابه قال: أقرأ عليكم السلام،
ثم كسر جفن سيفه فألقاه،
ثم مشى بسيفه إلى العدو،
فضرب به حتى قُتل رحمه الله،
ولم يُذكر اسمه .


 
وروى أحمد بن يوسف بن إبراهيم: أن أمر إفريقية اضطرب بتنازع أعيانِها الرياسة فيها
، فكتب عمرو بن العاص من مصر -
وهو يومئذٍ عليها -

إلى عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: يخبره بذلك،
وأنه قد عزم أن يسيِّر إليها جيشاً،
واستدعى من عمر رضي الله عنه نجدةً.

فكتب إليه عمر يستصوب رأيه،
ويذكر له:
أنه ينفذ إليه على إثر كتابه ألف فارس،

فتشوف عمرو إليهم،

فوافاه الزبير بن العوام رضي الله عنه وحده،

ومعه كتاب عمر رضي الله عنه:
"قد أنفذت إليك الزبير بن العوام،
وهو عندي يعدل ألف فارس إن شاء الله"وسيَّر عمرو الجيش إلى إفريقية.

فلما انتهوا إلى مفرق طريقين خافوا أن يسلكوا في أحد الطريقين فتقع بهم مكيدة في الأخرى

، فقال لهم الزبير رضي الله عنه: أفردوني في إحدى الطريقين،
فإني أكفيكموها.

فسار وحده في أحد الطريقين،

وسلك الجيش في الطريق الأخرى،

واتفق أن كانت طريق الزبير قريبة جداً،
فلم تزل الشمس حتى وافى حصن إفريقية،
فنزل عن دابته واحتش لها بقلاً يشغلها به،
وقام يصلي،
وأشرف كفرة إفريقية من حصنها،
فرأوا رجلاً واحداً من المسلمين حسن الطمأنينة،
غير قلق في موضعه،
ولا مستوحش من محله،
فقالوا لرجل من شجعانهم

: اخرج إليه واكفنا مؤونته،
فخرج إليه،
وركب الزبير رضي الله عنه فرسه وجاوله فقتله،
وخرج إليه فارسان،
فطعن أحدهما فقتله وهرب الآخر منه،

وصار إلى أصحابه،
فقال: لو خرجتم بأجمعكم إلى هذا الرجل لقتلكم، فريعوا منه ووجهوا إليهم أسقفهم،
فقالوا: يا هذا، ما تلتمس ?

وهل جئتنا وحدك أو في جماعة ?

فقال: أنا واحدٌ من جمعٍ كثير قد توجهوا معي إليكم،
والذي ألتمسه أن تسلموا أو تؤدوا إلينا الجزية،

قال: فنحن نجيب إلى أحدهما،
فماسحوه وفتحوا له الباب،
ووافى الجيش وقد فتح الزبير رضي الله عنه إفريقية وحده .



 
عن إسماعيل بن عمر رضي الله عنه
قال: لما فرض عمر رضوان الله عليه الدواوين جاء طلحة بن عُبيد الله رحمه الله بنفرٍ من بني تميم يستفرض لهم، وجاء رجلٌ من الأنصار بغلامٍ مصفرٍّ سقيمٍ،
فقال: من هذا الغلام ?

قال: هذا ابن أخيك البراء بن النضر،

فقال عمر رضي الله عنه: مرحباً وأهلاً،
وضمَّه إليه،
وفرض له في أربعة آلاف،

فقال طلحة: يا أمير المؤمنين،
انظر في أصحابي هؤلاء،
قال: نعم،

ففرض لهم في ستمائة ستمائة،

فقال طلحة: ما رأيت كاليوم شيئاً أبعد من شيء !
أي شيء هذا ?!
فقال عمر رحمه الله عليه:
أنت يا طلحة تظن أنني منزلٌ هؤلاء بمنزلة هذا ?!

إني رأيت أبا هذا .. ( يعنى البراء بن عازب) .. جاء يوم أُحدٍ وأنا وأبو بكر قد تحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتل،

فقال: يا أبا بكر، ويا عمر، ما لي أراكما جالسين ?!
إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتل فإن الله حي لا يموت،
ثم ولّى بسيفه،

فضُرب عشرين ضربة،
أعدها في وجهه وصدره،
ثم قُتِل رحمه الله،

وهؤلاء قتل آباؤهم على تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإطفاء نور الله تعالى،

فمعاذ الله أن أجعلهم بمنزلته



 
فى معركة القادسيه ..

ووقفت الأعاجم كتيبة فيها فيل،

فقال: عمرو بن معدي كرب رحمه الله:

أنا حاملٌ على الفيل ومن معه،
فلا تدعوني أكثر من جزر جزور( مقدار ذبح وسلخ و تقسيم جمل )،
فإن تأخرتم عني فقدتم أبا ثور ( و كانت تلك كنيته )
، وأين لكم مثل أبي ثور ?!

فقذف نفسه في وسطهم،
فاستلحموه،
وشجروه بالرماح طويلاً،
ثم أفضى إلى السيف،
ثم سقط عن فرسه،
فتعطَّفت عليه رجالهم،

ونادى المسلمون: أبو ثور، الله الله،
فإنه إن هلك لم تجدوا منه عوضاً !

وحملوا عليهم فأفرجوهم عنه،

وإذا هو قد طُعن من كل ناحية،
وإن هو جاثٍ على ركبتيه قد أزبد،
يضرب بسيفه يميناً وشمالاً،
وإذا سواعد الرجال وأسوقهم حوله كأنها أكاريع الغنم،

فلما انفرج عنه الأعاجم أخذ برجل فرسٍ منهم،

فحركه الفارس فلم يستطع براحاً،

فنزل عنه الفارس،
وانهزم إلى أصحابه،

وركبه عمرو،

فقال له رجل: فداك أبي وأمي يا أبا ثور، كيف تجدك ?

قال: أجدني صالحاً،
قال: فإذا إهابه قد خرِّق،
فعصِّب بالعمائم،

وعاد إلى القتال كأنه لم يصنع شيئاً .


 
وإنما سمي مالك بن الحارث .. "الأشتر" .. بضربةٍ أصابته في قتال بني حنيفة حين ارتدوا.

وذلك: أنه حين تواقف الفئتان دعا أبا مسيكة الإيادي،

فخرج إليه،
فقال له: ويحك يا أبا مسيكة !
بعد الإسلام والتوحيد ارتددتَ ورجعت إلى الكفر ?!

فقال: يا مالك، إياك عني،
إنهم يحرِّمون الخمر ولا صبر عنها !

قال: فهل لك في المبارزة ?
قال: نعم.

فالتقيا، فتطاعنا بالرماح،
ثم رمياها وصارا إلى السيوف،
فضربه أبو مسيكة فشق رأسه حتى شتر عينه،
فعاد معتنقاً رقيه فرسه،
فاجتمع حوله أصحابه يبكون،
فقال لأحدهم: أدخل إصبعك في فمي،
فعضها مالك،
فالتوى الرجل من شدة العضة !
فقال: لا بأس على صاحبكم،
إذا سلمت الأضراس سلم الراس،

ثم قال احشوها سويقاً ثم شدوها بعمامة،

ثم قال: هاتوا فرسي !

قالوا: إلى أين ?

قال: إلى أبي مسيكة !

فركب، ودعا أبا مسيكة،
فخرج إليهم مثل السهم،
فتجاولا،
فضر به مالك فقطعه إلى السرج،

وعاد،
فبقي مغمى عليه عدة أيام رضي الله عنه.

فبهذه الضربة سمي"الأشتر".


 
جاء فى كتاب المستطرف فى كل فن مستظرف لمؤلفه الأبشيهي

قال الحكماء:
وأصل الخير كله في ثبات القلب والشجاعة عند اللقاء على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: إذا التقى الجمعان
وتزاحف العسكران،
وتكالحت الأحداق بالأحداق،
برز من الصف إلى وسط المعترك
يحمل ويكر
وينادي: هل من مبارز.


والثاني: إذا نشب القوم
واختلطوا ولم يدر أحد منهم من أين يأتيه،
يكون رابط الجأش
ساكن القلب
حاضر اللب
لم يخالطه الدهش
ولا تأخذه الحيرة،

فيتقلب تقلب المالك لأموره القائم على نفسه.


والثالث: إذا انهزم أصحابه يلزم الساقة
ويضرب في وجوه القوم
ويحول بينهم وبين عدوهم،
ويقوي قلوب أصحابه،
ويرجي الضعيف
ويمدهم بالكلام الجميل،
ويشجع نفوسهم،
فمن وقع أقامه
ومن وقف حمله
ومن كبا به فرسه حماه،
حتى ييأس العدو منهم،

وهذا أحدهم شجاعة.

وعن هذا قالوا: إن المقاتل من وراء الفارين كالمستغفر من وراء الغافلين،

ومن أكرم الكرم الدفاع عن الحرم.




 
حكي أنه كان للعرب فارس يقال له: ابن فتحون

، وكان أشجع العرب والعجم في زمانه،

وكان المستعين يكرمه ويعظمه ويجري له في كل عطية خمسمائة دينار،

وكانت جيوش الكفار تهابه،
وتعرف منه الشجاعة،
وتخشى لقاءه.

فيحكى أن الرومي كان إذا سقى فرسه ولم يشرب يقول له: ويلك لم لا تشرب?

هل رأيت ابن فتحون في الماء.

فحسده نظراؤه على كثرة العطاء،
ومنزلته من السلطان،
فوشوا به عند المستعين،
فأبعده ومنعه من عطائه.

ثم إن المستعين أنشأ غزوة إلى بلاد الروم،

فتقابل المسلمون والمشركون صفوفاً،
ثم برز علج ... (و هى لفظة تعنى فارس من العجم و الله اعلم )
إلى وسط الميدان،
ونادى وقال: هل من مبارز?

فبرز إليه فارس من المسلمين،
فتجاولا ساعة،
فقتله الرومي،
فصاح المشركون سروراً
، وانكسرت نفوس المسلمين،
وجعل الكلب الرومي يجول بين الصفين وينادي: هل من اثنين لواحد.

فخرج إليه فارس من المسلمين،
فقتله الرومي،
فصاح الكفار سروراً،
وانكسرت نفوس المسلمين،
وجعل الكلب يجول بين الصفين وينادي ويقول: ثلاثة لواحد،

فلم يجترىء أحد من المسلمين أن يخرج إليه.

وبقي الناس في حيرة، فقيل للسلطان ما لها إلا أبو الوليد ابن فتحون،

فدعاه،
وتلطف به
، وقال له: يا أبا الوليد: ما ترى ما يصنع هذا العلج?

فقال: ها هو بعيني،
قال: فما الحيلة فيه?

قال: الساعة أكفي المسلمين شره، فلبس قميص كتان،
واستوى على سرج فرسه بلا سلاح،
وأخذ بيده سوطاً طويلاً،
وفي طرفه عقدة معقودة،
ثم برز إليه،

فتعجب منه النصراني،
ثم حمل كل واحد منهما على صاحبه فلم تخط طعنة النصراني سرج ابن فتحون،
وإذا ابن فتحون متعلق برقبة الفرس ونزل إلى الأرض لا شيء منه في السرج،

ثم انقلب في سرجه وحمل على العلج وضربه بالسوط،
فالتوى على عنقه،
فجذبه بيده من السرج،
فاقتلعه

، وجاء به يجره حتى ألقاه بين يدي المستعين،

فعلم المستعين أنه كان قد أخطأ في صنعه مع أبي الوليد بن فتحون،
فاعتذر إليه،
وأكرمه،
وأحسن إليه،
وبالغ في الإنعام عليه
، ورده إلى أحسن أحواله،
وكان من أعز الناس إليه.

 
قيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام:

إن جالت الخيل فأين نطلبك?

قال: حيث تركتموني.



وقيل له: كيف صرت تقتل الأبطال?

قال: لأني كنت ألقى الرجل فأقدر أني أقتله،

ويقدر أني أقتله فأكون أنا ونفسه عونين عليه.


وقال مصعب الزبيري:
كان علي عليه السلام حذراً في الحروب،

شديد الروغاء من قرنه،

لا يكاد أحد يتمكن منه،

وكانت درعه صدراً لا ظهر لها،

فقيل له: ألا تخاف أن تؤتي من قبل ظهرك?

فقال: إذا أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى علي.




 
قال المهلب: أشجع الناس ثلاثة:
ابن الكلبية
وأحمر قريش
وراكب البغلة،

فابن الكلبية مصعب بن الزبير أفرد في سبعة نفر وأعطي الأمان وولاية العراقين فأبى ومات كريماً،

وأحمر قريش عمر بن عبيد الله بن معمر ما لقي خيلاً قط إلا كان في سرعانها،

وراكب البغلة عباد بن الحصين الحبطي ما كنا قط في كربة إلا فرجها؛

فقال الفرزدق وكان حاضراً:
فأين أنت عن عبد الله بن الزبير وعبد الله بن خازم?

فقال: ويحك إنما ذكرنا الإنس، فأما الجن فلم نذكرهم بعد.



 
كتاب فنون الحرب فى الإسلام



 

معركة الزلاقه


كتاب فنون الحرب فى الإسلام


سقطت طليطلة التي كان يحكمها بنو ذو النون – الذين حكموها في فترة ملوك الطوائف بالأندلس مدة 78سنة –
في يد ألفونسو ملك قشتالة النصراني عام 478هـ
بمعاونة المعتمد ابن عباد صاحب إشبيلية

، بعد أن حكمهـا المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً ،

وأحدث سقوطها دوياً عنيفاً ،

واشتدت وطأة النصارى على المسلمين وتوحدت جهود ألفونسو السادس ملك قشتالة الذي كان يحكم جليقية وجزءا ًمن البرتغال ، مع سانشو الأول ملك أراجون ونافارا
، والكونت برنجار ريموند حاكم برشلونة وأورجل
، وساروا بجيش مشترك وحاصروا مدناً وقلاعاً واحتلوا قرى وأحرقوا أراضي كثيرة

، وانتبه ابن عباد لخطئه بمعاونة النصارى فاجتمع مع أمراء الأندلس الآخرين في إشبيلية ثم في قرطبة واتفقوا على أن يرسلوا سفيراً إلى يوسف بن تاشفين سلطان دولة المرابطين في المغرب والجزائر وتونس وموريتانيا يلتمسون عونه وغوثه وهنا كانت الاستغاثة الصحيحة بالمسلمين وهنا لم يتوانى المسلمون في نصرة إخوانهم فجاءت وفود شعبية كثيرة لمدينة مراكش لنفس الغرض ، فاستشار ابن تاشفين مجلسه الاستشاري فوافقوا شرط أن يعطيه الأندلسيون الجزيرة الخضراء يجعل فيها أثقاله وأجناده ، وتكون حصناً له ، وليكون بها على اتصال بإفريقية .
ومع شدة ضغط ألفونسو على المسلمين في الأندلس دفع الأمراء الجزية له ، أو سلموا حصوناً له ، وسلم ابن عباد الجزيرة الخضراء للمرابطين ،

وقال لابنه : ( أي بني ، والله لا يسمع عني أبداً أنني أعدت الأندلس دار كفر ولا تركتها للنصارى ، فتقوم علي اللعنة في منابر الإسلام مثل ما قامت على غيري ) ،

وقال : ( إن دهينا من مداخلة الأضداد لنا فأهون الأمرين أمر الملثمين – لقب المرابطين - ، ولأن يرعى أولادنا جمالهم أحب إليهم من أن يرعوا خنازير الفرنج ) ،"

وكان الدافع في أن يقول المعتمد بن عباد ذلك خوفا منه من أن يوسف بن تاشفين قد يستولى هو على الحكم إن نصرة الله ولكن ليست هي أخلاق المجاهدين الموحدين فكان المعتمد قد أخطأ الاعتقاد في هذه الكلمات " وقال لبعض حاشيته لما خوفوه من ابن تاشفين :
( تالله إنني لأوثر أن أرعى الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعاً لملك النصارى وأن أؤدي له الجزية ، إن رعي الجمال خير من رعي الخنازير) .



وعندما شرع بن تاشفين في عبور البحر المتوسط بجنوده وبينما هم في عرض البحر وما كادت السفن تنشر قلاعها حتى هاج البحر فصعد إلى مقدمة السفينة ،
ورفع يديه نحو السماء ، ودعا الله مخلصاً :
( اللهم إن كنت تعلم أن في جوازي هذا خيرا ًوصلاحاً للمسلمين فسهل علي جواز هذا البحر ، وإن كان غير ذلك فصعبه حتى لا أجوزه ) ، فهدأ البحر ، وجازت السفن سراعاً ، ولما وصلت إلى شاطئ الأندلس سجد لله شكراً .

وتسلم ابن تاشفين الجزيرة الخضراء ،
وأمر بتحصينها أتم تحصين
، ورتب بها حامية مختارة لتسهر عليها
، وشحنها بالأقوات والذخائر لتكون ملاذاً أميناً يلتجئ إليه إذا هزم .

ولبث ابن تاشفين في إشبيلية ثمانية أيام حتى يرتب القوات وتتكامل الأعداد ،
وكان صائم النهار قائم الليل ،
مكثراً من أعمال البر والصدقات ،
ثم غادر إشبيلية إلى بطليوس
، في مقدمة الجيش الفرسان يقودهم أبو سليمان داود بن عائشة ، وعددهم عشرة آلاف ،

ثم قوات الأندلس عليهم المعتمد بن عباد ،
ثم سار بعدهم - بيوم واحد - جيش المرابطين ،
ولما وصلوا إلى بطليوس أقام هناك ثلاثة أيام .

ولما سمع ألفونسو بمقدم المرابطين وكان محاصراً سرقسطة تحالف مع ملك أراجون
، والكونت ريموند
، فانضما إليه
، وانضم إليه كذلك فرسان من فرنسا ،
وجاءته الإمدادات من كل صوب من ملوك أوروبا
، وعمل الباباوات دوراً كبيراً في توجيه النصارى وحثهم على القتال .

وكان جيش المسلمين ثمانية وأربعين ألفاً نصفهم من الأندلسيين ونصفهم من المرابطين
، أما جيش ألفونسو فقد كان مائة ألف من المشاة وثمانين ألفاً من الفرسان
، منهم أربعون ألفاً من ذوي العدد الثقيلة ،
والباقون من ذوي العدد الخفيفة .

وعسكر الجيشان قرب بطليوس في سهل تتخلله الأحراش ، سماه العرب الزلاقة ،
وفرق بين الجيشين نهر صغير ،
وضرب ابن تاشفين معسكره وراء ربوة عالية
، منفصلاً عن مكان الأندلسيين
، وعسكر الأندلسيون أمام النصارى

، ولبث الجيشان أمام بعضهما ثلاثة أيام راسل فيها ابن تاشفين النصارى يدعوهم للإسلام أو الجزية أو القتال فاختاروا الثالثة .


وتكاتب القائدان ، ومما كتبه ألفونسو: ( إن غداً يوم الجمعة وهو يوم المسلمين ، ولست أراه يصلح للقتال ، ويوم الأحد يوم النصارى ، وعلى ذلك فإني أقترح اللقاء يوم الاثنين ، ففيه يستطيع كل منا أن يجاهد بكل قواه لإحراز النصر دون الإخلال بيوم ) ،
فقبل ابن تاشفين الاقتراح ،
ومع هذا تحوط المسلمون وارتابوا من نيات ملك قشتالة ، فبعث ابن عباد عيونه لترقب تحركات معسكر النصارى ،

فوجدوهم يتأهبون للقتال

، فارتدوا مسرعين لابن عباد بالخبر
، فأرسل الخبر إلى ابن تاشفين يعرفه غدر ألفونسو
، فاستعد ،
وأرسل كتيبة لتشاغل ألفونسو وجيشه

.تهيأ الطرفان للمعركة ، وسير ألفونسو القسم الأول من جيشه بقيادة جارسيان ورودريك لينقض بمنتهى العنف على معسكر الأندلسيين الذي يقوده المعتمد ،
آملاً في بث الرعب في صفوف المسلمين
، ولكنهم وجدوا أمامهم جيشاً من المرابطين قوامه عشرة آلاف فارس بقيادة داود بن عائشة أشجع قادة ابن تاشفين
، ولم يستطع ابن عائشة الصمود لكثرة النصارى وعنف الهجوم ، لكنه استطاع تحطيم عنف الهجمة
، وخسر كثيراُ من رجاله في صد هذا الهجوم .

ولما رأى الأندلسيون كثرة النصارى هرب بعض أمرائهم ، بيد أن فرسان إشبيلية بقيادة أميرهم الشجاع المعتمد بن عباد استطاعوا الصمود وقاتلوا قتال الأسود الضواري
، يؤازرهم ابن عائشة وفرسانه


وأيقن ألفونسو بالنصر عندما رأى مقاومة المعتمد تضعف

، وفي هذه اللحظة الحرجة وثب الجيش المرابطي المظفر إلى الميدان ،
وقد كان مختبأ خلف ربوة عالية لا يرى ،
وأرسل ابن تاشفين عدة فرق لغوث المعتمد ،
وبادر بالزحف في حرسه الضخم ،
واستطاع أن يباغت معسكر ألفونسو الذي كان يطارد ابن عباد حتى بعد قدوم النجدات التي أرسلها ابن تاشفين .

وفي تلك اللحظة يرى ألفونسو جموعاً فارة من النصارى ،
وعلم أن ابن تاشفين قد احتوى المعسكر النصراني ،
وفتك بمعظم حرسه ،
وغنم كل ما فيه ،
وأحرق الخيام ،
فتعالت النار في محالهم ،
وما كاد ألفونسو يقف على هذا النبأ حتى ترك مطاردة الأندلسيين ،
وارتد من فوره لينقذ محلته من الهلاك ،
وليسترد معسكره ،
وقاتلوا الجيش المرابطي بجلد ،

وكان ابن تاشفين يحرض المؤمنين على الجهاد ،
وكان بنفسه يقاتل في مقدمة الصفوف يخوض المعركة في ذروة لظاها ،
وقد قتلت تحته أفراس ثلاث ،

وقاتل المسلمون قتال من يطلب الشهادة ويتمنى الموت .


ودام القتال بضع ساعات ،
وسقطت ألوف مؤلفة وقد حصدتهم سيوف المرابطين ،
وبدأت طلائع الموقعة الحاسمة قبل حلول الظلام
، فقد لاحظ ابن عباد وابن عائشة عند ارتدادهما في اتجاه بطليوس أن ألفونسو قد كف عن المطاردة فجأة ،
وسرعان ما علما أن النصر قد مال إلى جانب ابن تاشفين ، فجمعا قواتهما وهرولا إلى الميدان مرة أخرى
، و أصبح ألفونسو وجيشه بين مطرقة ابن عباد وسندان ابن تاشفين .

وكانت الضربة الأخيرة أن دفع يوسف ابن تاشفين بحرسه وقوامه أربعة آلاف إلى قلب المعركة ،
واستطاع أحدهم أن يصل إلى ملك قشتالة ألفونسو وأن يطعنه بخنجر في فخذه طعنة نافذة ،
وكانت الشمس قد أشرفت على المغيب ،
وأدرك ألفونسو وقادته أنهم يواجهون الموت ،
ولما جن الليل بادر ألفونسو في قلة من صحبه إلى التراجع والاعتصام بتل قريب ،
ولما حل الليل انحدر ومن معه تحت جنح الظلام إلى مدينة قورية .

ولم ينج من جيش القشتاليين مع ملكهم سوى أربعمائة أو خمسمائة فارس معظمهم جرحى ، ولم ينقذ البقية من جيش ألفونسو سوى حلول الظلام حيث أمر ابن تاشفين بوقف المطاردة ، ولم يصل إلى طليطلة فيما بعد من الفرسان سوى مائة فارس فقط .

كل ما سبق كان في 12 رجب من سنة 479هـ ،

وقضى المسلمون ليلهم في ساحة القتال يرددون أناشيد النصر شكراً لله عز وجل ،
فلما بزغ الفجر أدوا صلاة الصبح في سهل الزلاقة ،
ثم حشدوا جموع الأسرى ،
وجمعوا الأسلاب والغنائم ،
وأمر ابن تاشفين برؤوس القتلى فصفت في سهل الزلاقة على شكل هرم ،
ثم أمر فأذن للصلاة من فوق أحدها ،
وكان عدد الرؤوس لا يقل عن عشرين ألف رأس .

وذاع خبر النصر وقرئت البشرى به في المساجد وعلى المنابر ، وغنم المسلمون حياة جديدة في الأندلس امتدت أربعة قرون أخرى .

ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين


 
الوسوم
الإسلام الحرب فنون فى كتاب
عودة
أعلى