كيف يكون الانسان سعيدا..؟!!

  • تاريخ البدء
المقومات الروحية..
كذلك تعتمد السعادة على حسن العلاقة بين الفرد والأقارب والجيران والأطفال والآباء والناس، والشعور بالنجاح والإنجاز يؤدي إلى السعادة؛ وكلما حقق الإنسان أهم رغباته ازدادت سعادته، ولكن إذا قارنا سعادة الأفراد بعضهم ببعض فإن الرضا بالحال قد يكون في مستوى أدنى من الإنجاز؛ فمستوى الحياة ونوعيتها والإنجاز الذي يحققه الفرد يحدد قوة السعادة وشدتها؛ فقديماً قال سقراط: أريد أن أكون سقراطاً غير راض من أن أكون حيواناً راضياً. فنوعية الحياة تؤثر في مستوى السعادة؛ لكن هنالك تعقيداً في هذه العلاقة ، لأن نوع النشاط نفسه قد يحدث سعادات متفاوته باختلاف الأشخاص ، لأن بعض التجارب تحتاج إلى من يتذوقها ، ويحدث ذلك عادة بممارستها والتعود عليها ، وقد يحتاج إلى نوع من المجاهدة والصبر عليها في بداية الأمر. وقد اختلف المفكرون في النشاط الذي يحدث أعظم قدر من السعادة؛ فمنهم من رأى السعادة في تحقيق اللذات الحسية ، ومن رآها في قمع الشهوات بالكلية والزهد في الحياة المادية حتى يحيا حياة روحية خالصة ، ومنهم من يرى السعادة في حياة الفكر والتأمل والنظر ، لكن السعادة في اعتقادنا لا تقتصر على جانب واحد من حياة الإنسان؛ فإنها تشمل كل جوانب حياته المادية والعقلية والروحية والسلوكية والذوقية ، فجانب الحياة المادي ينبغي أن يشمل ما هو ضروري وحاجى وكمالي، ويتحقق الجانب النفسي من حياة الإنسان مثلاً بصحته النفسية بزوال الخوف والشعور بالأمن والطمأنينة ووجود علاقات اجتماعية للفرد وصداقات؛ وذلك بمشاركته للآخرين أفراحهم وأتراحهم ومشاركتهم له في ذلك وفي محبته لهم، ومحبتهم له وتتمثل الصحة النفسية في الإتزان الإنفعالي والعاطفي؛ وذلك بتجنب الغضب والحسد والحقد مثلاً وأن يتجنب كل عاطفة رذيلة، وألا تخلو نفسه من العواطف المناسبة في المواقف المثيرة لتلك العواطف، بأن يتسم بالرحمة والشفقة والمحبة وغيرها من العواطف النبيلة.


ويشمل جانب الحياة الذوقية تذوق الجمال والفن والأدب ويعد هذا الجانب من الحياة عادة جانباً كمالياً ، ويختلف الناس في السعي لتحقيقه وطلبه. ويتمثل جانب الحياة العقليةفي التأمل والفكر والنظر وسعي الإنسان لإكتساب العلم والمعرفة ورغبته في الكشف عن الحقائق وفي حل المسائل والمعضلات والمشكلات وغوامض الأموروفي زوال الشكوك والتخلص من التيه الفكري والحيرة؛ إنها الرغبة في الأمن العقدي والمعرفة ، النافعة واللذة المصاحبة لتلك المعرفة وأعلى مراتب الأمن العقدي هي معرفة الله ومعرفة ما شرع وأخبر.


وهنالك المقومات الروحية التي تشمل العبادات الظاهرة كالصلاة والصوم والحج والزكاة والعبادات الباطنية كالإيمان وإخلاص النيه والتوجه بالعمل لله سبحانه وتعالى وما يتبع تلك العبادات والطاعات من أحوال وتجارب ولذات وما يشعر به المؤمن من متعة وطمأنينة وأنس ورضا نتيجة لذلك. * فلا ينبغي أن يركز الإنسان على الجانب الروحي دون المادي ولا المادي دون الروحي ولا العقلي أو الذوقي دون الجوانب الأخرى ، لأن الإنسان يحتاج إلى تلبية كل الجوانب الأخرى ، لأن الإنسان يحتاج إلى تلبية كل الجوانب ، فإن الإنسان لا يمكن أن يحيا حياة عقلية أو ذوقية بحته؛ فمن المجرب والمشاهد أنه إذا نال من إحداها معيناً فإنه قد يمله ويكون عائد الاستمتاع به متناقضاً. ولقد نهى الرسول e الصحابة الذين أرادوا ترك الأكل والنوم والزواج.وإن طبيعة الإنسان تحتم عليه تلبية كل الجوانب.من ناحية أخرى فإن الناس متفاوتون في رغبتهم وتذوقهم لجانب دون جانب؛ كما أن بعض الجوانب قد يكون أكثر لذة ومتعة من الجوانب الآخرى.فقد ذكر أحد العباد عن جانب العبادة مقارناً له بجانب الثروة والماديات فقال: لو علم الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.وقد يحتاج الإنسان إلى شيء من الممارسة والتعود حتى يتذوق جانباً من الجوانب.


ويشمل الجانب الأخلاقي والسلوكي التزام الإنسان بالقيم الأخلاقية كالصدق والعدل والإحسان والطهارة والعفة والشجاعة والأمانة والرحمة؛ إن الالتزام بهذا الجانب يحدث رضى وسعادة في نفس صاحبه ويحدث آثاراً حسنة في حياته وحياة غيره من الناس.كما أن من مقومات السعادة أن يعيش الإنسان في مجتمع فاضل تتحقق فيه قيم معينة كقيم التكافل والأخوة والمحبة والرحمة والشورى والعدل والطهارة والوحدة والنجدة والتناصح والتآزر والتناصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيثار والإيمان والحرية والتقوى والعلم والمعرفة وغيرها من القيم النبيلة.


ولكن مهما حقق الإنسان من مقومات الحياة المادية والذوقية والروحية والسلوكية والعقلية والنفسية ، ومهما حقق من رغبات وأهداف ، ومهما حقق من نجاح ، فإنه لن يشعر بالسعادة إذا لم يصاحب ما حقق وأنجز شعور بالرضا والقناعة؛ لأن مطالب الإنسان قد لا تنتهي؛ ولأن الإنسان قد يهتم بتحقيق أمر يرى فيه قمة سعادته كالحصول على درجة علمية معينة أو الزواج من فتاة معينة؛ ولكنه عندما يحصل على مقصوده تقل رغبته فيه ولا يحس بسعادة وهو حاصل له، ولكن الإنسان القانع الراضي يحس بالنعم التي أنعم الله بها عليه فيكون سعيداً بذلك.

 
وسائل السعادة:

إن مقدرة الفرد على تحقيق رغباته وأهدافه ومقاصده لا تعتمد فقط على سعيه وجهده؛ ولكنها تعتمد أيضاً على قدراته وعلى الظروف المحيطة به. من ناحية أخرى فإنه السعي يتطلب*.

-اكتساب العلم بما يسعد

محبة الإنسان لما علم

معرفة الأسباب التي تحقق ما علم وأحب

السعي لتحقيق هذه الأسباب

الصبر ومجاهدة النفس في السعي لتحقيق هذه الأسباب.

قال ابن القيم "ومعلوم أن كمال العبد هو بأن يكون عارفاً بالنعيم الذي يطلبه والعمل الذي يوصل إليه ، وأن يكون مع ذلك فيه إدارة جازمة لذلك العمل ومحبة صادقة لذلك النعيم ، وإلا فالعلم بالمطلوب وطريقه لا يحصل إن لم يقترن بذلك العمل ، والإرادة الجازمة لا توجب وجود المراد إلا إذا لازمها الصبر "

على المسلم أن يسعى بشتى الوسائل لنيل السعادة ويرجو الله ويدعوه أن يتم له ذلك في الدنيا والآخرة ، وفي الدعاء (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (البقرة:201) وعلى الإنسان أن يسعى بالفكر والروية قبل العمل ، وعليه أن يكتسب المعرفة ، يقول ابن القيم "إن الإنسان قد يحب الضار وقد يحب النافع" إن النافع يعلم بالشرع والعقل ، ولكن أصدق الطريقين إليه الشرع لخفاء صفات الأفعال وأحوالها ونتائجها ، وأن العالم بذلك على التفاصيل ليس هو إلا الرسول صلى الله عليه وسلم فأعلم الناس وأصحهم عقلاً ورأياً واستحساناً من كان عقله واستحسانه وقياسه موافقاً للسنة.* وأن يبذل الجهد والمثابرة والصبر ، يقول الله تعالى: ()يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153) وأن يقابل إحباطات الحياة وإبتلاءاتها بروح عالية ما وسعه ذلك ، وأن يكون أمله في الله كبيراً "ولا يقنط من رحمته")يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (يوسف:87) وأن يكون في حال رجاء دائم في أن يحقق الله له خيري الدنيا والآخرة (فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ)(النساء: من الآية104) وأن يستشير في أموره أهل الرأي والمشورة وأن يستخير الله عندما يقدم على أي أمر من الأمور فإذا أخذ بالأسباب توكل على الله وأقدم ولم يتردد وكان قوى الإرادة والعزيمة؛ وأن يلح ويكثر من الدعاء (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186) ولقد وردت أدعية كثيرة يجدها القارئ في كتب الأذكار المختلفة. ومن أسباب السعادة لزوم الاستغفار قال صلى الله عليه وسلم: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ".* إن ما يؤلم الإنسان وينقص سعادته اقترافه الذنوب وشعوره بالذنب ، لكن المؤمن يزول منه هذا الشعور عندما يقرأ قول الله تعالى:)(َلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (التوبة:104) فالله سبحانه وتعالى يمدح التائبيين المستغفرين ويعدهم بالمغفرة: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:135) ومن أسباب السعادة الإيمان بالله والتوكل عليه يقول الغزالي "إن التوكل هو ثمرة التوحيد وهو عبارة عن اعتبار المؤمن أنه لا فاعل إلا الله واعتقاده أن الله متصف بتمام العلم وتمام القدرة على كفاية العباد وأنه يتصف بتمام العناية والعطف والرحمة ". * ولا يعنى بالتوكل ترك السعي.

وإذا قرر الإنسان وعزم بعد التروي والمشورة والاستخارة فلا يتردد ويتوكل على الله ويشرع في تنفيذه ما عزم عليه قال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(آل عمران: من الآية159) ومن أسباب السعادة الطموح قدر المقدرات وترقية المقدرات.

ينبغي على الفرد معرفة مقدراته وإمكاناته ومحاولة استثمارها ، وعليه ألا يتطلع إلى تحقيق أهداف لا تتناسب مع هذه المقدرات والإمكانيات ، فإن ذلك سوف يشعره بالإحباط والفشل. ولكن هذا لا يعني ألا يجتهد ويسعى إلى تحسين مقدراته بالعلم والتدريب وغيرها من الوسائل فالحياة الخالية من الطموحات والأهداف والرغبات حياة خاملة ومملة؛ فينبغي ألا يكون الإنسان في حالة طموح كاذب ، أو حالة خمول معقد ، ومن أسباب السعادة والنجاح الالتزام بقدر الطاقة ، فينبغي للفرد ألا يلتزم بالقيام بأعمال كثيرة لا يستطيع الوفاء بها كلها، أو أعمال يمكنه القيام بها ولكن ترهقه وتؤثر في حسن أدائه لها، أو تجعله يقصر في واجبات أخرى ، فالإنسان عادة يقبل ويلزم نفيه بالقيام بأعمال كثيرة فوق طاقته إرضاء لمن يطلب مساعدته أو رغبة منه في تحقيق أكبر عدد من الأهداف في أقل زمن ممكن ، ومن أسباب السعادة تنويع الأهداف فيحسن للفرد أن ينوع من أهدافه وغاياته ولا يجعل له هدفاً واحداً ، لأنه قد يفشل في تحقيق هذا الهدف. فإذا نوع من أهدافه في أقل زمن ممكن. ومن أسباب السعادة تنويع الأهداف فيحسن للفرد أن ينوع من أهدافه وغاياته ولا يجعل له هدفاً واحداً ، لأنه قد يفشل في تحقيق هذا الهدف. فإذا نوع من أهدافه وحدث أن فشل في واحد منها فإنه قد ينجح في تحقيق هدف آخر ، فإن في ذلك سلوى عظيمة له "علماً بأن الأهداف الأساسية قد لا تتغير".

ومن أهم أسباب السعادة تكيف الفرد مع الظروف والمجتمع الذي يعيش فيه ، وهذا التكيف بالنسبة للمسلم محكوم بقواعد الإسلام السمحة ، فليس للمسلم أن يتكيف مع أي مجتمع وبأي شكل من الأشكال ، وليس على حساب المبادئ والقيم والمثل الإسلامية.

إن من أهم أسباب السعادة كذلك مقدرة الفرد على التوفيق بين رغباته وأهدافه. ويمكن أن يتم هذا التوفيق بأن يكون له نظام لدرء التعارض بين رغباته وأهدافه وواجباته. وهذا قد يكون بالتخلي عن بعضها أو بوضعها في ترتيب بحسب أوليتها ، أو أن يجمع بينها بطريقة من الطرق. فالفرد قد يرى من الواجب عليه إرضاء أسرته وخدمتها وصرف جل وقته في ذلك ، وقد تكون له رغبة في الوقت نفسه في تحقيق طموحاته الشخصية ، وقد يرى أنه من الواجب عليه خدمة مجتمعه ، أو تحقيق مبادئ وأهداف معينة في الحياة وقد تتعارض هذه الواجبات والرغبات والأهداف مع بعضها.

إن أفضل طريقة لدرء التعارض بين الرغبات والواجبات هي الاحتكام لقوانين الشريعة الإسلامية، وإلى داعي العقل فيما لم يرد فيه نص شرعي؛ فإذا عجز عقله استشار أهل الرأي والاختصاص والحكمة ، فإذا صعب اتخاذ قرار معين يقرأ دعاء صلاة الاستخارة.)34( فيقدم على ما يجد نفسه تميل إليه متوكلاً على الله سبحانه وتعالى.فالإنسان قد لا يستطيع أن يهتدي 4في كثير من الأمور بعقله وتجاربه إلى أختيار بديل من بين البدائل المختلفة لقلة المعلومات ، أو لصعوبة تقييم الموقف ، أو لشعور قوى في نفسه يدعوه إلى فعل أمرين متناقضين ، أو لغيرها من الأسباب؛ إما إذا كانت هنالك جهة يثق في حكمتها وجميل اختيارها فإنه سيلجأ إليها وهو راض. وهذا اللجوء يزيل القلق ويخفف من الصراع الناتج من اتخاذ القرار.

أما إذا كان النزاع بين رغبات النفس وواجبات الدين؛ فإن الإنسان يحتاج للتغلب على النزاع الناشئ في نفسه إلى مجاهداتها؛ وقد يعاني الفرد في البداية الطريق ، ولكن النفس تسكن وتسعد بطاعة ربها وتوكلها واعتمادها عليه ورضاها بما أوجب وحكم (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)(الأحزاب: من الآية36).

لا شك أن معرفة حكم الله قد تحتاج في بعض الحالات إلى جهد كبير وقد يقع الامر المراد معرفة حكم الله فيه تحت نصوص قد يبدو أنها متعارضة؛ فيحتاج المجتهد إلى التوفيق بينهما ، ولكن سلواه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:""إذا حكم الحاكم فاجتهد فاصاب فله أجران وإذا حكم واجتهد ثم أخطأ فله أجر.)35
 

من اسباب السعادة..
تجدر الإشارة هنا إلى أنه كلما كانت النفس مستقرة على فعل الخير ولا صراع في داخلها كان ذلك أفضل ، ولكن من ناحية أخرى فإن الذي تنازعه نفسه لفعل الشر ويختار الخير أفضل سعيد؛ باعتبار ما سيؤول إليه حاله في الآخرة ، وباعتبار أنه إذا تجاوز هذه الحالة واستقرت نفسه على فعل الخير سعيد سعادة حقيقة ، إن التخلص من صراع النفس بالاستجابة لدواعي الشهوة والرغبة الحرام "والمدمرة في حقيقة الأمر"أو إزالة الصراع بغرض التكيف مع المجتمع الذي يمارس الحرام ، قد يحدث راحة ، ولكنها تكون راحة زائفة وكاذبة وفي مستوى أدنى الحياة الروحية والخلقية التي يقاوم الإنسان فيها دواعي الشهوة والهوى. إن رفض دواعي الشهوة رفضاً كاملاً حلالاً كانت أم حراماً ورفض التكيف مع المجتمع مهما كان كان والتنطع في التعامل معه أمر غير طبيعي وغير سليم.

فإن المؤمن يجب أن تستقر نفسه في امر إشباع رغباته وعلاقاته بأفراد مجتمعه على ما تسمح به الشريعة الإسلامية وما تتطلبه ، إن من أهم أسباب الصراع النفسي عند كثير من شباب المسلمين وشيبهم جهلهم بأحكام الشرع وعدم معرفتهم بما هو مشروع وحلال من شهوات النفس ورغباتها وماهو حرام ، علاج هذا هو التفقه في الدين ومعرفة أحكام الشرع.

ومن أسباب السعادة أن ينظر الإنسان إلى محاسن الآخرين ويغض النظر عن مساوئهم قال رسول الله: "لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضى منها آخر" لأنه إذا تتبع عوراتهم ونقائضهم لم تنم بينه وبينهم محبة وتصعب عليه معايشتهم ، هذا لا يعني عدم إسداء النصح لهم ولا يعني ترك أمرهم بالمعرف ونهيهم عن النكر.

ومن أسباب السعادة: أن ينظر الفرد إلى من دونه وليس لمن فوقه، وإلى ما حقق وليس إلى ما لم يحقق، وتذوق نعم الله التي لا تحصى، وشكر الله على تلك النعم (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ)(ابراهيم: من الآية7). وعلى الفرد ألا يؤخر عمل اليوم لغد ، وأن يفرغ من واجباته أولاً بأول فالإنسان عادة إذا واجهه عمل صعب أو غير محبب أخره لغد ، لأن النفس عادة تخلد إلى الراحة ، ولكن تأخير ما لابد منه يزيد من مشكلاته ومصاعبه خاصة إذا ظهرت له أعمال أخرى تحتاج إلى وقت وجهد كبير ، فعليه بالصبر والمجاهدة حتى ينجز ما ينبغي عليه عمله. ومن أسباب السعادة تعود النظام والحفاظ على الصحة وصدق الالتزام والشجاعة والمرونة والتفاؤل والثقة بالنفس ووضوح الهدف وقوة الدوافع الداخلية والتحكم في السلوك والشعور بالمسئولية. وعلى الرغم من أننا ذكرنا عدداً لا بأس به من العوامل المساعدة على تحقيق السعادة ، ولكن كان ذلك دون استقصاء لكل العوامل والأسباب.
 
دور الجماعة والدولة في سعادة الفرد:


كان تركيزنا فيما سبق من حديث على الدور الذي يمكن أن يقوم به الفرد في تحقيق السعادة ، ولقد كانت الحلول والنصائح التي قدمناها موجهة للفرد.


لا شك أن للفرد دوراً كبيراً في تحقيق السعادة لنفسه ولغيره ، ولكن من ناحية أخرى لا يخفى ما للجماعة والدولة من دون الضروريات من المأكل والمشرب والملبس والمركب والزواج والعلاج وغيرها من ضروريات الحياة وحاجتها وكمالياتها، ولا شك أن المجتمع الذي يقوم على أساس من العقيدة الصحيحة ، والذي يوفر الأمن لأفراده ، والذي تسوده روح العدالة والحرية والمساواة والتعاون والمحبة والتكافل والتساند والإحسان والرحمة والشفقة والعفة والطهارة والفضيلة والعمل والبذل والتضحية والعزة والكرامة والشورى وغيرها من قيم الإسلام ومثله وفضائله ، وتنفي فيه الرذيلة ، وينتفي فيه الظلم والتفرقة والعنصرية والحسد والأنانية والبغض والغل والانتهازية والتكبر والاستعلاء والاستغلال ، لا شك أن هذا المجتمع يخلق للفرد حالة أمنية واقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وعقدية وتؤدي إلى سعادته. وهذا الحالة تتهيأ للفرد من كل المجتمع الإسلامي.

 
إمكانية السعادة:


تعتمد إمكانية السعادة على تعريفها وعلى إمكانية حدوث أسبابها؛ فالسعادة قد تعرف بطرقة يلزم منها استحالة تجريبية؛ فإذا عرفنا السعادة بأنها صافية وغير مشوبة بالهموم والغموم والآلام فإنه سيكون من المستحيل تحققها في الدنيا ، فالسعادة الصافية غير ممكن حدوثها في الدنيا ، ونعني بالسعادة الصافية السعادة بمعنى تحقق الراحة الكاملة والمتعة الكاملة والمتعة الكاملة وتحقيق جميع الرغبات وإنتفاء جميع الاحزان والهموم والمتاعب والآلام والأمراض والمصائب والمكدرات.


وتحقق السعادة يعتمد على تحقق أسبابها ، وهناك ثلاثة أنوع من أسباب السعادة: استعداد الفرد وما يملك من مقدرات لنيل السعادة ، والظروف الخارجية التي تؤثر في نيل السعادة ، وسعى الفرد لتحقيقها.والاستعداد فيه ما هو مكتسب وفيه ما هو غير مكتسب؛ فالاستعداد غير المكتسب قد يكون استعداد جسمياً أو عقلياً أو نفسياً ، والاستعداد المكتسب هو الذي يكتسبه الفرد بإرادته وجهده وسعيه. والظروف الخارجية فيها ما يمكن أن يتحكم فيه ظروفهم واستعداداتهم مواتية لنيل السعادة وبعض الناس تكون استعداداتهم وظروفهم غير مواتية لنيل السعادة. فالاستعدادات والظروف أقدار ، فالسؤال هل يمكن للفرد أن يتحكم فيها بإرادته وبسعيه مهما كانت استعداداته وظروفه. أن السعادة شيء داخلي لا يؤثر فيها عامل خارجي ، وتخضع لإرادة الإنسان ، فالإنسان يمكنه أن يتغلب على كل مشكلة وكل صعوبة تواجهه ويقبل كل مكروه يقع عليه؛ إنه يمكن أن يرضي بالفقر والحرمان والأمراض والآلام مهما كانت. وسنناقش هذه المسألة عند الحديث عن مفارقة الرضا وعند الحديث عن مفهوم الإبتلاء.

 
خصائص السعادة:

اعتماداً على ما تقدم ذكره يمكن ذكر بعض خصائص السعادة بإيجاز على النحو التالي:

- إن للسعادة معايير موضوعية يمكن بموجبها الحكم على سعادة الأفراد والجماعات.

- تتحقق السعادة بأمور متنوعة "مادية ، نفسية ، عقلية ، روحية ، ذوقية ، وسلوكية".

- تتصل السعادة بكيان الإنسان كله وحياته كلها.

- تتحقق السعادة بالتزام الفرد والمجتمع بنظام وقيم معينة.

- يخضع تحقيق السعادة لظروف وعوامل خارج إرادة الإنسان.

- تعرض الأفراد لهذه العوامل والظروف يختلف من فرد إلى فرد.

- يمكن أن يسيطر الإنسان على هذه الظروف والعوامل إلى حد ما ، لأن الإبتلاء قد يكون فوق قدرته وطاقته في التحمل؛ ولا يعني هذا تحمل الابتلاء والتضجر منه.

 
معتقدات خاطئة عن السعادة


المال والسعادة:


يرى كثير من الناس أن السعادة تتحقق بجمع المال ، فبالمال يمكن للإنسان أن يحصل على متع الحياة ولذاتها ، لكن هذا الرأي لا يقوى للاختبار ، لأن في جمع المال والحفاظ عليه مشقة ،وكذلك تنتج مشكلات مختلفة عند إنفاقه. يقول ابن القيم عن المال "إنه مقرون بالخوف والحزن فصاحبه حزين قبل حصوله خائف بعد حصوله "وقال إن هنالك نصباً في تحصيله وجمعه وضبطه وقال: "إن غني المال يستدعى الإنعام على الناس والإحسان إليهم فصاحبه إما أن يسد على نفسه الباب وإما يفتحه ، فإن سده على نفسه اشتهر عند الناس بالبعد عن الخير والنفع فابغضوه وذموه واحتقروه.. وإذا عرف من الخلق أنهم يمقتونه ويبغضونه ولا يقيمون له وزناً تألم قلبه غاية التألم وأحضر الهموم والغموم والأحزان.. وإن فتح باب الإحسان والعطاء فإنه لا يمكنه إيصال الخير والإحسان إلى كل أحد؛ فلا بد من إيصاله إلى بعض دون الآخر، وهذا يفتح عليه العداوة والمذمة من المحروم والمرحوم أما المحروم فيقول كيف جاد على غيري وبخل علي؛ أما المرحوم فإنه يتلذذ ويفرح بما حل له من الخير والنفع فيبقي طامعاً مستبشراً لنظيره على الدوام، وهذا قد يعتز غالباً فيفضي ذلك إلى العداوة الشديدة والمذمة. فالمال لا يحصل إلا بالمشاق والآلام. ولتعلق القلب بالمال وحفظه وحراسته؛ فإن صاحبه لا يصبح إلا مهموماً ولا يمسى إلا مغموماً ، فهو بمنزله عاشق مفرط المحبة قد ظفر بمحبوبه والعيون من كل جانب ترشقه؛ فأي عيش ولذة لمن هذه حالة وقد علم ان أعداءه وحساده لا يفترون عن سعيهم في التفريق بينه وبين معشوقه. إن لذة الغني بماله مقرونة بخلطة الناس؛ وإن لم يكن إلا خدمة وأزواجه وسراريه وأتباعه ، إذ لو انفرد الغني بماله وحده من غير أن يتعلق بخادمه أو زوجه أو أحد من الناس لم يكتمل انتفاعه بماله ولا التذاذه به، وإذا كان كمال لذته بغناه موقوف على اتصاله بالغير ، فذلك منشئ الآفات والآلام؛ ولو لم يكن إلا اختلاف الناس وطبائعهم وإراداتهم؛ فقبيح هذا حسن هذا ، ومصلحة ذلك مفسدة هذا ، ومنفعة هذا مضرة هذا ، وبالعكس فهو مبتلى بهم ، فلا بد من وقوع النفرة والتباغض والتعادي بينهم وبينه ، فإن إرضاءهم كلهم محال. وهو جمع بين الضدين،وإرضاء بعضهم وإسخاط غيرهم سبب الشر والمعاداة. وكلما طالت من جانب الغني بالمال. أما إذا لم يكن فيه فضيلة لهم فإنهم يتجنبون مخالطته ومعاشرته فيستريح من أذى الخلطة إنما حصلت من جانب الغني بالمال. أما إذا لم يكن فيه فضيلة لهم فإنهم يتجنبون مخالطته ومعاشرته فيستريح من أذى الخلطة والعشرة.)36(


ولكن المال يمكن أن يكون سبباً في السعادة إذا أحسن الإنسان التصرف فيه وأنفقه في سبيل الله ، عن أبي هريرة رضى الله عنه "أن فقراء المهاجرين أتوا الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: ذهب أهل الدثور بالدرجات العلا والنعيم المقيم يصلون كما نصلى ويصومون كما نصوم ولهم فضل أموال يحجون ويعتمدون ويجاهدون ويتصدقون فقال: ألا أعلمكم شيئاً تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثلما صنعتم قالوا بلى يا رسول الله قال: تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة وثلاثين قال أبو صالح الراوي عن ابي هريرة رضى الله عنه لما سئل عن كيفية ذكرهن قا ل: يقول سبحان الله والحمد لله والله أكبر حتى يكون فيهن كلهن ثلاثاً مرة ")37( قال صلى الله عليه وسلم: نعم المال الصالح للرجل الصالح. المال إبتلاء يجب تحمله بحسن التصرف فيه. فإذا اعتبر هدفاً في ذاته تسبب في الكثير من البلايا والهموم والغموم والآلام والمال سبب في إدخال السرور إلي نفوس المحتاجين وبذاك يكون سبباً في إدخال السرور علي منفقه.
 
العلم والسعادة:-


يري ابن القيم أن العلم بخلاف المال يحدث لذة وسعادة حقيقية ، ولكني أري انه مثل المال قد يحدث لذة أو ألماً لان لذة العلم مشوبة كذلك، لان العلم يتحصل عليه الإنسان بالمعاناة كما هو الحال بالنسبة للمال، وقد يكون للعالم حساد ومعارضون يفسرون كلامه بطريقة غير صحيحة وغير منطقية وغير منصفة، فيحرف فيقول أنه قال كذا وكذا دون أن يكون قال ذلك، وهذا يحزنه وقد ينتقد كلامه من ليس أهلاً للنقد ، وقد يتحامل عليه النقاد وينتقدونه نقداً غير عادل، وقد يفضل عليه في من هو أقل منه علما،ً وقد يجره علمه إلي السجن والضرب كما حدث لكثير من العلماء، إن العلم مسئولية فالعالم إن تحدث أو كتب يخاف الخطأ، وإن سكت وكتم يخاف عقوبة الكتمان، إن العلم واسع ولا حدود له والعمر قصير قد يصرف الإنسان وقته في علم "كما حدث لبعض العلماء" ويتبين له أن صرف في علم لا يفيد كثيراً، وهنالك مشكلات تتعلق بالنشر، فقد تنشر ما لا يستحق النشر ولا ينشر ما يستحق النشر، وقد تمنح الدرجات والتقريرات والجوائز لعلماء لا يستحقونها ولا تمنح لمن يستحقونها، وغيرها من الأسباب التي تكدر التلذذ بالعلم ولكن من جعل علمه لخدمة المسلمين ولمرضاة الله ووطن نفسه علي ذلك فأنه يسعد بعلمه.


من ناحية أخرى فأنه لا شك أن العلم سبب من أسباب سعادة المجتمع وركن يعتمد عليه قوامه وبه تكون قوته العسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية.
 
أسباب السعادة الآخرى:-


كذلك إذا نظرنا إلي الأسرة الزوج والزوجة والأولاد بوصفها من اسباب السعادة نجد انها قد تكون سبباً من أسباب المعاناة: معاناة الأنفاق علي افرادها والسهر علي راحتهم وقضاء حوائجهم، بالإضافة إلي هذا فإن صاحب الأسرة قد يواجه مشكلة تربية الأولاد وضمان مستقبلهم، وغيرها من المشكلات وما يتصل بها من إبتلاءات، ولكن إذا وفق الإنسان في أسرته فأنها لا تصفو لأحد، وهكذا في جميع مسببات السعادة الدنيوية فانها لا تصفو لأحد قلما توجد سعادة صافية إلا في الدار الباقية حيث لا هموم ولا أحزان ولا أكدار يقول الله تعالي: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر:34) ما بعد السعادة:

 
الابتلاء والسعادة:-


إن الدنيا دار إبتلاء فالله سبحانه وتعالي يبتلي الناس فيها بأصناف شتي من الإبتلاءات بالهموم والغموم والآحزان والهزائم والقتل وبما يكرهون أنه يبتليهم مؤمنين كانوا أم غير مؤمنين يقول تعالي: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104) (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران:185) ويقول تعالي: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) (البقرة:214) ويقول تعالي: (إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) (الإنسان:2) ويقول تعالي: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) (البقرة:49) وضرورة من ضروريات الحياة "ولكنه ليس سبباً كافياً " فالعلم من الأمور التي يجد فيها بعض الناس سلوى عظيمة وملجأ جميلاً من تعب الحياة ومشقاتها وفيه متعة وترويح وبه تزول شكوك الإنسان وظنونه وحيرته والشبهة التي ترد عليه.


إن أفضل العلم عظيم في نبال الإنسان العليا يوم القيامة)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11) لكن السعادة المتصلة بالعلم لا تصفو إلا إذا اراد به صاحبة ثوابه ومرضاته بالإضافة إلي ما ذكرنا فالعلم سبب من أسباب سعادة): (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران:152):(إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (آل عمران:153) فالمؤمن يبتلي بالمكارة للتمحيص والإختبار والتطهير من الذنوب والصقل وأذا صبروأحتسب يجد الجزاء الأوفى في الآخرة ،أى كرباً بعد كرب قتل من قتل من اخوانكم وعلو عدوكم عليكم وما وقع في أنفسكم من قول قتل نبيكم فكان متتابعاً عليكم غماً بغم )38(


وافضل البشر رسول الله وجد من اذى الكفار 0ما وجد ففي غزوة احد إصيبت رباعية رسول الله صلي الله عليه وسلم ويحزن لتكذيب الكفار ومكرهم به قال تعالي: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33) ولقد تقدم أنه شرع الدعاء وورد عنه صلي الله عليه وسلم، فالمؤمنون تصيبهم المكارة من أمراض وغيرها ففي حديث إبي سعيد الخدرى رضي الله عنه: دخل رسول الله صلي الله وسلم المسجد سفي غير وقت الصلاة فإذا برجل به يقال له ابو أماماة جالسا فيه فقال يا ابا إمامة مالي اراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة قال هموم لزمتني وديون يا رسول الله قال صلي الله عليه وسلم (افلا اعلمك كلاماً إذا قلته اذهب الله همك.. إلي اخر الحديث)


يقول بعض الناس: أن الإنسان قد يصل إلي درجة في العبادة لا يشعر فيها الإ باللذة ومتعة دائمة. هذا امر ينافى ما ذكرناها من ادلة إن المؤمن الذى تكون له أسرة وعمل واطفال يود تربيتهم والعناية بهم، الذى يتعامل مع الناس بالبيع والشراء وانواع المعاملات، والذى يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر والذى يجاهد في الكفار والمنافقين، لابد ان يجد عنتاً ومشقة في ذلك ولابد ان يجد ما يكره من الأعراض أو المخالفة أو الأذى، والمؤمن الذي يحزن إذا تفوق الكفار علي المسلمين في القوة والعتاد – وهو الحال اليوم ويحزن لأذلال المسلمين والبطش بهم، ويحزن لموالاة بعض المسلمين للكفار، ويحزن لكيدهم بعضهم بعضا،وإذ تصورنا أن المسلم اليوم قد لا يحزن لحادثة من حوادث الدنيا ومما يجد فيها من مكاره، فان المؤمن يخاف من مصيره في الآخرة يخاف من الحساب وهول العقاب وشدته، ومن الصراط والميزان يقول الله تعالي: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (المؤمنون:60) إى يتصدقون وقلوبهم خائفة يظنون أن ذلك لا ينجيهم من عذاب الله لأنهم راجعون وسبب الوجل هو أنهم يخافون ألا يقبل منهم ذلك علي الوجه المطلوب )39(
 
السلوى:-


سلوى المؤمن تشتمل علي في رجائه رفع البلاء ورجائه ثواب الآخرة يقول تعالي: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104)وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139) يقول تعالي:)إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران:140) ،و الله عز وجل وعد المؤمن إما الشهادة أو الفوز بالجنة وإما النصر لكن سلوى المؤمن إنه ما من شئ يصيبه إلا كتب اله له اجراً يقول صلي الله عليه وسلم "ما من شئ


يصيب المؤمن حتى الشوكة تصبيه إلا ما كتب الله بها حسنة أو حطت عنه خطيئة)40( وقال صلي الله عليه وسلم "ما يصيب المؤمن من وصب ولا تعب سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر به من سيئاته " )41(ومن سلوى المؤمن آن الله يلطف بعباده ويخفف البلاء عنهم يقول الله تعالي: (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ) (لأنفال:11) ومن سلوى المؤمن هنالك دواعي للرضا بالابتلاء، ذكر منهم إبن القيم الجوزية ستين داعياً نذكر بعضها ونترك التفصيل عند الحديث عما سميناه بمفارقة الرضا إن من دواعي الرضا إن الابتلاء قدر من أقدار الله وان الله يبتلي المؤمنين بحسب درجاتهم اشد الناس بلاء الأنبياء ثم الصالحين)42( والمؤمن يرضى لانه مفوض والمفوض بكل ما اختاره)43( له من فوض إليه ولا سيما إذا علم انه جاهل بعواقب الأمور وسيده أعلم بمصلحته وبما ينفعه )44( والمؤمن يرضى البلاء لانه يعلم بأنه إذا رضي انقلبت الأمور في حقه نعمة ومنحة وخف عليه حمله واعين عليه، وإذا سخط تضاعف عليه وثقل كله ولم يزد إلا شدة، فلو أن السخط يجدي عليه شيئاً لكان له فيه راحة أنفع له من الرضا)45(، ومن سلوى انه يرجو رفع البلاء في الدنيا وثواب الآخرة فيشعر بنفحات السعادة تتحلل أوقات الألم والهم والحزن.
 
مفارقة الرضا: -

يقول إبن القيم الجوزية "وليس من شرط الرضا ألا يحس بالآلم والمكاره بل أن لا يعترض علي الحكم ولا يسخطه ولهذا أشكل علي بعض الناس الرضا بالمكروه وطعنوا فيه، وقالوا هذا ممتنع عن الطبيعة وإنما الصبر وإلا فكيف يجتمع الرضا والكراهة وهما ضدان. وأعطى حلاً لهذه المفارقة فقال " والصواب إنه لا تناقص بينهما وإن وجد التألم وكراهة النفس له لا ينافي الرضا كرضاالمريض بشرب الدواء الكريه، ورضا الصائم في اليوم الشديد الحر بما يناله من ألم الجوع والظمأ ورضى المجاهد بما يحصل له في سبيل الله من ألم الجراح وغيره ")46(

الرضا رضي بمكروه وبشيء غير محبب للنفوس والشيء غير المحبب للنفوس كالآلام والهم والغم، إذن فالرضي رضى بشيء لا يرضى به الإنسان لكن إذا عرفنا بأنه رضي بمكروه لغيره، فأن ما هو مكروه لغيره قد لا يكون مكروهاً له، والمكارة إبتلاءات يبتلي بها المؤمن، ولا يمكن أن يبتلي المؤمن بما يحب، والحل الذي أشار إليه إبن القيم أنه يرضي به لآجل محبوب كرضا المريض بالدواء لكي يجد نعمة العافية، فرضا المؤمن المبتلي بالآلم والهم والغم يكون لآجل اللذة والمتعة والسعادة التي يجدها في الآخرة، فهو يرضى بقدر الله تعالي ويصبر ويحتسب رجاء ثواب الله في الآخرة، فسعادة المؤمن يتمنى ويرجو زوال المكروه في الدنيا، لذلك دعا الرسول صلي الله عليه وسلم لزوال المكاره، وشرع ذلك وشرع التداوي، ووردت أدعية كثيرة عنه صلي الله عليه وسلم يدعو بها الصحابة والصالحون: قد يستثني بعض المتصوفة من ذلك، فقد كانوا يتمنون المكارة لكي يجدوا ثواب الآخرة " وتجدر الإشارة إلى أن المعاناة كانت سبباً في إبداعات ومساهمات عظيمة في تاريخ البشر، وأن المعاناة في كثيرمن الأحيان يتبعها إنجاز وتتبعه سعادة ورضى.

 
سعادة الآخرة:


إن السعادة في الإسلام تشمل سعادة الدنيا وسعادة الآخرة وسيتضح أن السعادة الحقيقية هي سعادة الآخرة. وهذا البحث يهتم في المقام الأول بسعادة الدنيا – إمكانياتها ومقوماتها وأسبابها – لأجل ذلك سيكون حديثنا عن سعادة الآخرة موجزاً. إن الحديث عن وجود سعادة الآخرة يحتاج إلي برهان وجود الجنة كما وصفها القرآن الكريم وكما وصفتها السنة الشريفة. على هذا الأساس عندما يقال عن إنسان إنه سعيد قد يقصد بذلك سعيد الدنيا ’ لأنه حقق ما يريد ’ وقد يقصد به أنه سيكون سعيداً أي ستؤول حاله إلي حال سعيدة ’ فقد نصف شخصاً مثلاً بأنه سعيد ’ لأنه سينتقل إلي مكان وبلد يكون عيشه فيها سعيداً ورغداً. وكذلك يقال عن المؤمنين الصالحين إنهم سعداء" في عالم الذر وفي علم الله أو هم أجنة في بطون أمهاتهم " لماسيؤول إليه حالهم في الأخرة من النعيم المقيم واللذة والمتعة الدائمة. ويقال عن الكفار أشقياء لما سيؤول إليه حالهم من العذاب الأبدي. والقرآن وصف سعادة الآخرة ووصف فيها لذات حسية ومعنوية مع الفارق مقارنة بلذات الدنيا. ذكر جان كزنوف في معرض نقده لمفهوم السعادة في الإسلام كلاماً قال فيه: إن القرآن يصف نعيم الجنة التي فيها سعادة المسلم بأنه يحوى لذات حسية ويصف هذا النعيم بأنه دائم والحياة فيه خالدة فقال ناقداً لصورة النعيم التي وردت في القرآن"إن الخلود يبعث على الملل)47( وهل تعرفون شهوات لا يؤول أمرها إلي الغثيان ’ ولا سيما عندما ينالها أصحابها بدون كفاح وعندما يكفى أن يمدوا أيديهم للحصول عليها.. أي ملل نشعر به إذا ما قدمت إلينا باستمرار وإذا لم يتح لنا الوقت لاشتهائها ’ ولكن لا بد أن تجرى الأمور على هذا النحو في جنة النعيم ’ وذلك لانكم لو أدخلتم إليها الانتظار والحرمان لكنتم على درب الألم’’. )48( نقول أن سعادة الجنة ينالها أصحابها بكفاح في الدنيا مثلهم مثل عامل كد وتعب أثناء العام وحصل بعد ذلك على عطلته السنوية وقضاها في فندق مريح. ومما يزيد سعادة الفرد أنه إذا كان في الماضي يكد ويتعب وصار له حاضر سعيد ’ فإن سعادته تزداد بتذكره عناء الماضي (إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين)’(الحمد الله الذي أذهب عنا الحزن)’(لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب). وإذا كان في الحاضر شقياً وفي الماضي سعيداً فإن شقاوته في الحاضر تزداد بتذكره الماضي.(إن الخاسرين الذي خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين).


وقال: "إن أوجه الشهوات من النساء والشراب والأكل إنما جعلت لإرضاء ذوق العربي ")49( لكن تنبه الكاتب بعض الشيء لما قد يكون رداً على اعتراضاته ’ فقال قد يقال "لا تحكموا على الفردوس بأذواقكم وأحكامكم الأرضية".)50( لا تتحدثوا عن الملل والسأم والقلق ’ لكن جان كزنوف لا يعجبه هذا الرد فيعترض عليه بقوله:"إننا سنكون أمام أوصاف للجنة لا تخاطب الخيال والحساسية".)51(


نقول رداً على هذا الكاتب أن القرآن ذكر لذات حسية ولذات معنوية، والملذات الحسية التي ذكرها القرآن مثل لذة أكل الفاكهة وشرب الخمر والاستمتاع بالنساء ’ وليست فواكه الجنة وخمرها ونساؤها كفواكه الدنيا وخمرها ونسائها، إنها وصفت بهذه الصورة – والله أعلم – لكي يدركها الإنسان ’ ولكي يكون لديه إحساس بها يولد حافزاً للعمل لنيلها. ولكن القرآن لم يكتف بوصف الجنة بهذه الطريقة إنما وصفها بأوصاف الكمال ’ فقال عز من قائل (لهم مايشاءون فيها ولدينا مزيد)(ق:35). وللإنسان أن يطلق لخياله العنان في تصور ما بها من نعيم، وكذلك يصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأن فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. كما أن الملذات التي وردت في القرآن في وصف لذات الجنة ليست حسية فقط – مع أنني لا أرى مبرراً للتقليل من قدر هذه الملذات الحسية وعدم اعتبارها لذات تؤدي إلي سعادة حقيقة – فالقرآن يصف أصحاب الجنة بأنهم (على سرر متقابلين)(الصافات:44). يستمتعون بلذة الصحبة والمحادثة. إن إلذ الأمور في الجنة وأكثرها بهجة ومتعة النظر إلى وجه الله الكريم قال تعالى:(للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)(يونس:26). قيل "الحسنى":نعيم الجنة "وزيادة": النظر إلى وجهه الكريم. ويقول الله تعالى(ورضوان من الله أكبر)(التوبة:72)’ عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة ’ فيقولون: لبيك ربنا وسعديك والخير في يديك ’فيقول:هل رضيتم ’ فيقولون ربنا وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطه أحداً من خلقك ’ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك ’ قالوا: ربنا وأي شيء أفضل من ذلك’ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً.


إن جان كزنوف ظن خطأ أن أهل الجنة يصيبهم الملل والأم ’ وأن الخلود قد ينتج منه الرغبة في زواله ’ لكن القرآن يثبت أن أهل الجنة لا يريدون زوال ما هم فيه من نعيم يقول تعالى:(خالدين فيها لا يبغون عنها حولاً)(الكهف:108). وهذا أمر متصور عقلاً’ وكذلك يمثل وجوداً لأن العليم الخبير أخبر عنه. إن لذات الدنيا مشوبة بالألام والهموم والأحزان ’ ولكن لذات الجنة خلاف ذلك يقول تعالى (لا فيها غول ولا هم عنها ينزفون)(الصافات:47) ’ يقول تعالى (وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن)(فاطر:34). لأجل ذلك لا يريد الإنسان زوالها.
 
الوسوم
الانسان سعيدا؟ كيف يكون
عودة
أعلى