أسباب وموانع قبول الدعاء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
[FONT=&quot]أسباب وموانع قبول الدعاء:[/FONT]
[FONT=&quot]الدعاء من أقوى الأسباب فى دفع المكروه وحصول المطلوب، ولكن قد يتخلف أثره عنه، إما لضعفه فى نفسه، بأن يكون دعاء لا يحبه الله، لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب، وعدم إقباله على الله وجمعيته عليه وقت الدعاء فيكون بمنزلة القوس الرخو جداً، فإن السهم يخرج منه خروجاً ضعيفاً وإما لحصول المانع من الإجابة: من أكل الحرام، ورين الذنوب على القلوب واستيلاء الغفلة والشهوة واللهو وغلبتها عليها[/FONT]
[FONT=&quot] وقيل لبعض الحكماء : إنا ندعو ولا يستجاب لنا وقد قال الله تعالى : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(غافر: 60) . [/FONT]
[FONT=&quot]قال: لأن فيكم سبع خصال تمنع دعاءكم من السماء قيل: وما هن؟[/FONT]
[FONT=&quot]قال أولها: أنكم أسخطتم ربكم ولم تطلبوا رضاه، يعنى أنكم تعملون أعمالاً توجب عليكم السخط من الله ولم ترجعوا عن ذلك ولم تندموا على ما فعلتم.[/FONT]
[FONT=&quot]ثانيها: أنكم تقولون نحن عبيد الله ولا تعملون عمل العبيد، يعنى أن العبد يعمل بما أمره سيده ولا يخرج عن أمره.[/FONT]
[FONT=&quot]ثالثها: أنكم تقرءون القرآن ولم تتعاهدوا حروفه، يعنى لا تقرءونه بالتفكير والتعظيم ولا تعملون بما أمر الله فيه.[/FONT]
[FONT=&quot]رابعها: أنكم تقولون نحن أمة محمد صلى الله عليه ولم تعملوا بسنته.[/FONT]
[FONT=&quot]خامساً: أنكم تقولون أن الدنيا لا تساوى عند الله جناح بعوضه وقد اطمأننتم إليها.[/FONT]
[FONT=&quot]سادسها: أنكم تقولون إنها زائلة وأعمالكم أعمال الدنيا المقيمين بها.[/FONT]
[FONT=&quot]سابعا: أنكم تقولون إن الآخرة خير من الدنيا ولا تجتهدون فى طلبها وتختارون الدنيا على الآخرة.[/FONT]
[FONT=&quot]ويمكن إيجاز موانع الإجابة فيما يلى:[/FONT]
[FONT=&quot]1-عدم التوبة من المعاصى.[/FONT]
[FONT=&quot]2-تجنب أوامر الله تعالى.[/FONT]
[FONT=&quot]3-ترك العمل بسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.[/FONT]
[FONT=&quot]4-أكل الحرام وما فيه شبهه.[/FONT]
[FONT=&quot]5-الاطمئنان إلى الدنيا.[/FONT]
[FONT=&quot]6-العمل لها أى للدنيا.[/FONT]
[FONT=&quot]7-العزوف عن الآخرة وتفضيل الدنيا عليها.[/FONT]
[FONT=&quot]8-الدعاء بالإثم.[/FONT]
[FONT=&quot]9-الدعاء بقطيعة الرحم.[/FONT]
[FONT=&quot]10-الدعاء بمستحيل.[/FONT]
[FONT=&quot]11-أو الدعاء بظلم.[/FONT]
[FONT=&quot]12-أو يكون الداعى مستعجلاً.[/FONT]
[FONT=&quot]13-أو غير جازم بأن يكون شاكاً فى الإجابة.[/FONT]
[FONT=&quot]14-أو غافلاً.[/FONT]
[FONT=&quot]15-أو متعالياً متكبراً.[/FONT]
[FONT=&quot]16-أو قصد الدعاء عند الأضرحة أولها.[/FONT]
[FONT=&quot]وغير ذلك مما يحول بين الدعاء وإجابته ومن جميل ما ذكرته رابعة العدوية فى هذا المقام حينما سألها رجل وهى متجه إلى المقابر قائلاً لها: [/FONT]
[FONT=&quot] " ادعى الله لى فقالت: يرحمك الله أطع الله وادعه فإنه يجيب المضطر إذا دعاه"[/FONT]
[FONT=&quot]قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: الذنوب تزول عقوباتها بأسباب بالتوبة وبالحسنات الماحية وبالمصائب المكفرة ، لكنها من عقوبات الدنيا وكذلك ما يحصل فى البرزخ من الشدة، وكذلك ما يحصل في عرصات القيامة ، وتزول أيضاً بدعاء المؤمنين كالصلاة عليه، وشفاعة الشفيع المطاع لمن شفع فيه .[/FONT]
[FONT=&quot]وسئل ما السبب في أن الفرج يأتى عند انقطاع الرجاء بالخلق ؟ وما الحيلة فى صرف القلب عن التعلق بهم وتعلقه بالله عز وجل ؟ فقال سبب هذا تحقيق التوحيد : توحيد الربوبية ، وتوحيد الإلهية فتوحيد الربوبية أنه لا خالق إلا الله عز وجل فلا يستقبل شىء سواه بإحداث أمر من الأمور بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ، وكل ما سواه إذا قدر شيئاً فلا بد له من شريك معاون وضد معروف ، فإذا طلب مما سواه إحداث أمر من الأمور طلب منهما ما لا يستقبل به ولا يقدر وحده عليه إلى أن قال: فالراجى مخلوقا طالب بقلبه ما يريده من ذلك المخلوق وذلك المخلوق عاجز عنه[/FONT]
[FONT=&quot]ثم هذا من الشرك الذي لا يغفره الله عز وجل ، فمن كمال نعمته وإحسانه إلى عباده أن يمنع تحصيل مطالبهم بالشرك حتى يصرف قلوبهم إلى التوحيد ثم إن وَحَّدَهُ العبد حصلت له سعادة الدنيا والآخرة إلى أن قال فمن تمام نعمة الله على عباده المؤمنين أن ينزل بهم من الشدة والضرر ما يلجئهم إلى توحيده فيدعونه مخلصين له الدين،ويرجونه ولا يرجون أحداً سواه، وتتعلق قلوبهم به لا بغيره فيحصل لهم من التوكل عليه والإنابة إليه وحلاوة الإيمان، وذوق طعمه والبراءة من الشرك، ما هو أعظم نعمة عليهم من زوال المرض والخوف والجدب، أو حصول اليسر، أو زوال العسر في المعيشة.[/FONT]
[FONT=&quot]فإن ذلك لذة بدنية ونعمة دنيوية قد يحصل منها للكافر أعظم مما يحصل للمؤمن وأما ما يحصل لأهل التوحيد المخلصين لله والدين فأعظم من أن يعبر عنه بمقال، أو يستحضر تفصيله بال، ولكل مؤمن من ذلك نصيب بقدر إيمانه، ولهذا قال بعض السلف : يا ابن آدم لقد بورك لك في حاجة أكثرت فيها من قرع باب سيدك سبحانه وتعالى .[/FONT]
[FONT=&quot]وقال بعض الشيوخ : إنه ليكون لي إلى الله حاجة وأدعو فيفتح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحب معه أن يعجل قضاء حاجتى خشية أن تنصرف نفسى عن ذلك؛ لأن النفس لا تريد إلا حظها فإذا قضى انصرفت.[/FONT]
[FONT=&quot]واعلم أن القلوب تضعف وتمرض وربما ماتت بالغفلة والذنوب وترك إعماله فيما خلق له من أعمال القلوب المطلوبة شرعاً وأعظم ذلك الشرك وتحيا وتقوى وتصح بالتوحيد واليقظة، والضد يزول بضده وينفعل عنه عكس ما كان منفعلا عنه، وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله :[/FONT]

[FONT=&quot]رأيت الذنوب تميت القلوب[/FONT]
[FONT=&quot] ** وقد يورث الذل إدمانها[/FONT]

[FONT=&quot]وترك الذنوب حياة القلوب[/FONT]
[FONT=&quot] ** وخير لنفسلك عصيانها[/FONT]

[FONT=&quot]قال تعالى: ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا )[/FONT]
[FONT=&quot] (الأنعام : 122).[/FONT]
[FONT=&quot]وفى صحيح مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه" إن العبد إذا أذنب نكت فى قلبه نكتة سوداء ثم إذا أذنب نكت فى قلبه نكتة سوداء حتى يبقى أسود مربدا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه"مسلم برقم (231) فالهوى أعظم الأدواء ومخالفته أعظم الدواء، وخلقت النفس فى الأصل جاهلة ظالمة كما قال تعالى: ( وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) . (الأحزاب : 72) فلجهلها تظن شفاء فى اتباع هواها ،وإنما هو أعظم داء فيه تلفها، وتضع الداء موضع الدواء والدواء موضع الداء ، فيتولد من ذلك علل وأمراض ، ثم مع ذلك تبرئ نفسها وتلوم ربها عز وجل بلسان الحال وقد تصرخ باللسان ولا تقبل النصح لجهلها وظلمها.[/FONT]
[FONT=&quot]المعاصى وما تحدثه بالعبد: [/FONT]
[FONT=&quot]المعاصى تسلب العبد أسماء المدح والشرف :[/FONT]
[FONT=&quot]ومن عقوباتها : أنها تسلب صاحبها المدح والشرف وتكسوه أسماء الذم والصغار ، فتسلبه اسم المؤمن ، والبر ، والمحسن ، والمتقى ، والمطيع والمنيب ، والولى ، والورع ، والصالح ، والعابد ، والخائف ، والأواب ، والطيب ونحوها [/FONT]
[FONT=&quot]وتسكوه اسم الفاجر ، والعاصى ، والمخالف ، والمسئ ، والمفسد والخبيث ، والمسخط، والزانى ، والسارق، والقاتل ، والكاذب، والخائن، واللوطى وقاطع الرحم ، والغادر ، وأمثالها . فهذا هو الفسوق قال تعالى: [/FONT]
[FONT=&quot](بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(الحجرات:11)[/FONT]
[FONT=&quot]الذى يوجب غضب الديان ، ودخول النيران ، وعيش الخزى والهوان [/FONT]
[FONT=&quot]وتلك أسماء أى الأولى توجب رضاء الرحمن ودخول الجنان ، وتوجب شرف المسمى بها على سائر نوع الإنسان ، فلو لم يكن فى عقوبة المعصية إلا استحقاق تلك الأسماء وموجباتها لكان فىالعقل ناه عنها ، ولو لم يكن فى ثواب الطاعة إلا الفوز بتلك الأسماء وموجباتها لكان فى العقل آمر بها، ولكن لا مانع لما أعطى ، ولا معطى لما منع ، ولا مقرب لما باعد ، ولا مبعد لمن قرب قال تعالى: ( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ) (الحج:18).[/FONT]
[FONT=&quot]المعصية تنقص العقل :[/FONT]
[FONT=&quot]ومن عقوباتها : أنها تؤثر فى نقصان العقل ، لا تجد عاقلين أحدهما: مطيع لله، والآخر: عاص ، إلا وعقل المطيع أوفر وأكمل ، وفكرة أصح، ورأيه أسد وأصوب. [/FONT]
[FONT=&quot]ولهذا نجد خطاب القرآن إنما هو مع أولى العقول والألباب كقوله (وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ(البقرة: 197) ( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(المائدة: 100) ( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (البقرة: 269) ونظائر ذلك كثيرة. [/FONT]
[FONT=&quot]وكيف يكون عاقلاً وافر العقل من سيعصى من هو قبضته وفى داره وهو يعلم أنه يراه ويشاهده ، فيعصيه وهو بعينه غير متوارٍ عنه ، ويستعين بنعمه على مساخطه ، ويستعدى كل وقت غضبه عليه، ولعنته له وإبعاده من قربه وطرده عن بابه ، وإعراضه عنه، وخذلانه له ، والتخلية بينه وبين نفسه وعدوه وسقوطه من عينه، وحرمانه رضاه، وقرة العين بقربة ، والفوز بجواره ، والنظر إلى وجهه فى زمرة أوليائه، إلى أضعاف أضعاف ذلك من كرامة أهل الطاعة وأضعاف أضعاف ذلك من عقوبة أهل المعصية . [/FONT]
[FONT=&quot]فأى عقل لمن آثر ساعة أو يوماً أو دهراً ، ثم تنقضى كأنها حلم لم يكن على هذا النعيم المقيم والفوز العظيم ؟ بل هو سعادة الدنيا والآخرة ، ولولا العقل الذى تقوم به عليه الحجة لكان بمنزلة المجانين ، بل قد تكون المجانين أحسن حالاً منه وأسلم عاقبة ، فهذا من هذا الوجه. [/FONT]
[FONT=&quot]وأما تأثيرها فى نقصان العقل المعيش ، فلولا الاشتراك فى هذا النقصان لظهر لمطيعنا نقصان عاصينا ، ولكن الجائحة عامة ، والجنون فنون. [/FONT]
[FONT=&quot]يا عجباً لو صحت العقول لعلمت أن طريق تحصيل اللذة والفرحة والسرور وطيب العيش إنما هو فى رضاء الله والنعيم كله فى رضاه ، والألم والعذاب كله فى سخطه وغضبه ففى رضاه قرة العيون وسرور النفوس، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ، وأطيب الحياة ولذة العيش وأطيب النعيم ، ومما لو وزن منه مثقال ذرة بنعيم الدنيا لم يف به ، بل إذا حصل للقلب من ذلك أيسر نصيب لم يرض بالدنيا وما فيها عوضاً منه ، ومع هذا فهو يتنعم بنصيبه من الدنيا أعظم من تنعم المترفين فيها ، ولا يشوب تنعمه الحظ اليسير ما يشوب تنعم المترفين من الهموم والغموم والأحزان ، بل قد حصل على النعيمين، وهو ينتظر نعيمين آخرين أعظم منهما ، وما يحصل له فى خلال ذلك من الآلام ، فالأمر كما قال تعالى : ( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء: 104)[/FONT]
[FONT=&quot]فلا إله إلا الله، ما أنقص عقل من باع الدر بالبعر ، والمسك بالرجيع وموافقة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين بمرافقة الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدلهم جهنم وساءت مصيراً. [/FONT]
[FONT=&quot]المعاصى توجب القطيعة بين العبد والرب :[/FONT]
[FONT=&quot]ومن أعظم عقوباتها : أنها توجب القطيعة بين العبد وبين ربه – تبارك وتعالى :- وإذا وقعت القطيعة انقطعت عنه أسباب الخير واتصلت به أسباب الشر ، فأى فلاح ، وأى رجاء ، وأى عيش لمن انقطعت عنه أسباب الخير وقطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذى لا غنى عنه طرفه عين ولا بدل له منه ولا عوض له عنه ، واتصلت به أسباب الشر ، ووصل ما بينه وبين أعدى عدو له فتولاه عدوه وتخلى عنه وليه ؟ فلا تعلم نفس ما فى هذا الانقطاع والاتصال من أنواع الآلام وأنواع العذاب. [/FONT]
[FONT=&quot]قال أحد السلف : رأيت العبد ملقى بين الله سبحانه وبين الشيطان ، فإن أعرض الله عنه تولاه الشيطان ، وإن تولاه الله لم يقدر عليه الشيطان، وقد قال تعالى : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) (الكهف:50). [/FONT]
[FONT=&quot]يقول سبحانه لعباده : أنا أكرمت أباكم ، ورفعت قدره ، وفضلته على غيره فأمرت ملائكتى كلهم أن يسجدوا له ، تكريماً له وتشريفاً، فأطاعونى وأبى عدوى وعدوه ، فعصى أمرى ، وخرج عن طاعتى ، فكيف يحسن بكم بعد هذا أن تتخذوه وذريته أولياء من دونى ، فتطيعونه فى معصيتى ، وتولونه فى خلاف مرضاتى وهم أعدى عدو لكم ؟ فوليتم عدوى وقد أمرتكم بمعاداته ، ومن والى أعداء الملك كان هو وأعداؤه سواء ، فإن المحبة والطاعة لا تتم إلا بمعاداة أعداء المطاع وموالاة أوليائه، وأما أن توالى أعداء الملك ثم تدعى أنك موال به ، فهذا محال . فالعداوة التى بينكم وبينه أعظم من العداوة التى بين الشاة والذئب؟ فكيف يليق بالعاقل أن يوالى عدوه وعدو وليه ومولاه الذى لا مولى له سواه . [/FONT]
[FONT=&quot]ونبه سبحانه على قبح هذه الموالاة بقوله تعالى ( وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ) (الكهف: 50)، كما نبه على قبحها بقوله تعالى : ( فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّه)(الكهف: 50) تبين أن عدواته لربه وعداوته لنا كل منهما سبب يدعو إلى معاداته، فما هذه الموالاة؟ وما هذا الاستبدال ؟ بئس للظالمين بدلاً . [/FONT]
[FONT=&quot]ويشبه أن يكون تحت هذا الخطاب نوع من العتاب عجيب، وهو أنى عاديت إبليس إذ لم يسجد لأبيكم آدم مع ملائكتى ، فكانت معاداته لأجلكم ، ثم كان عاقبة هذه المعاداة أن عقدتم بينه وبينكم عقد المصالحة. [/FONT]
[FONT=&quot]المعاصى تمحق بركة العمر والرزق والعلم :[/FONT]
[FONT=&quot]ومن عقوباتها : أنها تمحق بركة العمر ، وبركة الرزق، وبركة العلم وبركة العمل ، وبركة الطاعة. [/FONT]
[FONT=&quot]وبالجملة تمحق بركة الدين والدنيا ، فلا تجد أقل بركة فى عمره ودينه ودنياه ممن عصى الله ، وما محقت البركة من الأرض إلا بمعاصى الخلق، قال الله تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) (الأعراف:96).[/FONT]
[FONT=&quot]وقال تعالى ( وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً ) (الجن:16- 17) [/FONT]
[FONT=&quot]وإن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ؟ وفى الحديث "إن روح القدس نفث فى روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها ، فاتقو الله وأجملوا فى الطلب ، فإنه لا ينال ما عند الله إلا بطاعته ، وإن الله جعل الروح والفرح فى الرضى واليقين ، وجعل الهم والحزن فى الشك والسخط [هذا اللفظ رواه أبو نعيم كما " الجامع الصغير " وصححه الألبانى فى " الصحيحة " (2085)][/FONT]
[FONT=&quot]وليست سعة الرزق والعمل بكثرته ، ولا طول العمر بكثرة الشهور والأعوام، ولكن سعة الرزق بالبركة وفى العمر. [/FONT]
[FONT=&quot]وعمر العبد هو مدة حياته ، ولا حياة لمن أعرض عن الله ، واشتغل بغيره بل حياة البهائم خير من حياته ، فإن حياة الإنسان بحياة قلبه ، ولا حياة لقلبه إلا بمعرفة فاطره ومحبته وعبادته وحده والإنابة إليه، والطمأنينة بذكره ، والأنس بقربه، ومن فقد هذه الحياة فقد الخير كله ، ولم تعوض عنها بما فى الدنيا بل ليست بأجمعها عوضا عن هذه الحياة ، فمن كل شئ يفوت العبد عوض، وإذا فاته الله لم يعوض عنه شئ ألبتة. [/FONT]
[FONT=&quot]وكيف يعوض من لا يملك مثال ذرة عمن له ملك السموات والأرض؟ [/FONT]
[FONT=&quot]فمن ههنا كان للمعاصى أعظم تأثير فى محق بركة العمر والرزق والعلم والعمل . وكل وقت عصيت الله فيه ، أو مال عصى الله به ، أو بدن أو جاه أو علم أو عمل فهو على صاحبه ليس له ، فليس له من عمره وماله وقوته وجاهه وعلمه وعمله إلا ما أطاع الله به. [/FONT]
[FONT=&quot]ولهذا فمن الناس من يعيش فى هذه الدار مائة سنة أو نحوها ، ويكون عمره لا يبلغ عشر سنين أو نحوها ، كما أن منهم من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة، ويكون ماله فى الحقيقة لايبلغ ألف درهم أو نحوها ، وهكذا الجاه والعلم، وفى الترمذى : عنه صلى الله عليه : " الدنيا ملعونة ، ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه ، وعالم أو متعلم". (أخرجه الترمذى فى ( الزهد /2322 ) ، وابن ماجة فى ( الزهد /4112 ) ، وحسنه الألبانى فى " صحيح الجامع ( 3414)[/FONT]
[FONT=&quot]المعاصى تزيل النعم الحاضرة وتقطع النعم الواصلة:[/FONT]
[FONT=&quot]ومن عقوباتها: أنها تزيل النعم الحاضرة، وتقطع النعم الواصلة، فتزيل الحاصل وتمنع الواصل، فإن نعم الله ما حفظ موجودها بمثل طاعته، ولا استجلب مفقودها بمثل طاعته، فإن ما عنده لا ينال إلا بطاعته، وقد جعل الله سبحانه لكل شئ سبباً وآفة، سببا يجلبه، وآفة تبطله، فجعل أسباب نعمه الجالبة لها طاعته، وآفاتها المانعة منها معصيته، فإذا أراد حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها.[/FONT]
[FONT=&quot]ومن العجيب علم العبد بذلك مشاهدة فى نفسه وغيره، وسماعاً لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه، وهو مقيم على معصية الله كأنه مستثنى من هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم، وكأن هذا أمر جار على الناس لا عليه، وواصل إلى الخلق لا إليه.[/FONT]
[FONT=&quot]فأى جهل أبلغ من هذا؟ وأى ظلم للنفس فوق هذا؟ فالحكم لله العلى الكبير.[/FONT]
[FONT=&quot]المعاصى التى تسبب هلاك العبد فى الدنيا والآخرة:[/FONT]
[FONT=&quot]ومن عقوباتها: أنها تستجلب مواد هلاك العبد من دنياه وآخرته فإن الذنوب أمراض متى استحكمت قتلت ولا بد، وكما أن البدن لا يكون صحيحاً إلا بغذاء يحفظ قوته، واستفراغ يستفرغ المواد الفاسدة والأخلاط الردية التى متى غلبت أفسدته، وحمية يمتنع بها مما يؤذيه ويخشى ضرره، فكذلك القلب لا تتم حياته إلا بغذاء الإيمان والأعمال الصالحة تحفظ قوته، واستفراغ بالتوبة النصوح التى تستفرغ بها المواد الفاسدة والأخلاط الردية منه، وحمية توجب حفظ الصحة وتجنب ما يضادها، وهى عبارة عن ترك استعمال ما يضاد الصحة.[/FONT]
[FONT=&quot]والتقوى: اسم متناول لهذه الأمور الثلاثة، فما فات منها، فات من التقوى بقدره، وإذا تبين هذا فالذنوب مضاده لهذه الأمور الثلاثة، فإنها تستجلب المواد المؤذية، وتوجب التخليط المضاد للحمية، وتمنع الاستفراغ بالتوبة النصوح.[/FONT]
[FONT=&quot]فانظر إلى بدن عليل قد تراكمت عليه الأخلاط ومواد المرض وهو لا يستفرغها، ولا يحتمى لها، كيف تكون صحته وبقاؤه؟ ولقد أحسن القائل:[/FONT]
[FONT=&quot]جسمك بالحمية حصنته[/FONT]
[FONT=&quot] ** مخافة من ألم طارئ[/FONT]

[FONT=&quot]وكان أولى بك أن تخشى[/FONT]
[FONT=&quot] ** من المعاصى خشية البارى[/FONT]

[FONT=&quot]المعصية تمنع إجابة الدعاء:[/FONT]
[FONT=&quot]الدعاء طلب ورجاء، فكيف بك يا من تعصى الله تجرؤ على الطلب منه أما علمت أن المعصية شؤم، وأنها تمنع إجابة الدعاء، روى أن بنى إسرائيل أصابهم قحط فى زمن سيدنا عيسى عليه السلام فخرجوا يستسقون، فقال عيسى عليه السلام: من أذنب منكم اليوم فليرجع، فرجع الناس جميعاً عدا رجلاً واحداً، فقال له عيسى عليه السلام: أنت الذى لم تعص الله؟ فقال: إنى عصيت الله، كنت أصلى فمرت من أمام عينى امرأة فنظرت إليها ، فعمدت إلى عينى التى نظرت بها إليها فانتزعتها بأصبعى وألقيت بها وراءها، فقال عيسى عليه السلام: أنت الذى تدعو الله وأنا أؤمن وراءك، فدعوا الله فأمطرت السماء. [/FONT]
[FONT=&quot]حصاد المعصية:[/FONT]
[FONT=&quot]قد يكون للمعصية لذة يشعر بها متعاطيها نظراً لغلبة الهوى وإيثار العاجلة، ولكنها لذة منقطعة لا تدوم، بل تذهب سريعاً وتخلف وراءها عواقب وخيمة، وعقوبات متعددة، وحسرات وجراحات قد تصيب الإنسان فى مقتل، وهذه ثمرات الذنوب والمعاصى:[/FONT]
[FONT=&quot]1-قلة التوفيق.[/FONT]
[FONT=&quot]2-فساد الرأى.[/FONT]
[FONT=&quot]3-فساد القلب ومرضه وقسوته وضيقه وهلاكه.[/FONT]
[FONT=&quot]4-خفاء الحق.[/FONT]
[FONT=&quot]5-عداوة الخلق وبغضهم.[/FONT]
[FONT=&quot]6-الوحشة بين العبد وربه.[/FONT]
[FONT=&quot]7-منع إجابة الدعاء.[/FONT]
[FONT=&quot]8-محق البركة من الرزق والعمر.[/FONT]
[FONT=&quot]9-حرمان العلم.[/FONT]
[FONT=&quot]10-الابتلاء بالمذلة. قال الحسن: أبى الله إلا أن يذل من عصاه.[/FONT]
[FONT=&quot]11-تسليط الأعداء.[/FONT]
[FONT=&quot]12-ضيق الصدر.[/FONT]
[FONT=&quot]13-فساد الذرية.[/FONT]
[FONT=&quot]14-الابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت.[/FONT]
[FONT=&quot]15-طول الهم والغم.[/FONT]
[FONT=&quot]16-ضنك المعيشة.[/FONT]
[FONT=&quot]17-كسف البال.[/FONT]
[FONT=&quot]18-ضعف البدن.[/FONT]
[FONT=&quot]19-الابتلاء بالأمراض النفسية والعضوية.[/FONT]
[FONT=&quot]20-صرف القلب عن سماع القرآن واستئناسه بسماع الغناء.[/FONT]
[FONT=&quot]21-الغفلة عن ذكر الله.[/FONT]
[FONT=&quot]22-سوء الخاتمة.[/FONT]
[FONT=&quot]23-إزالة النعم الحاضرة.[/FONT]
[FONT=&quot]24-فساد العقل.[/FONT]
[FONT=&quot]25-سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله.[/FONT]
[FONT=&quot]26-عمى البصيرة.[/FONT]
[FONT=&quot]27-ذهاب الحياء.[/FONT]
[FONT=&quot]28-ذهاب الغيرة.[/FONT]
[FONT=&quot]29-جلب المذلة.[/FONT]
[FONT=&quot]30-إبعاد العبد من الملك الموكل به الناصح له، وتقريبه من الشيطان الغاش له.[/FONT]
[FONT=&quot]هذه بعض ثمار الذنوب والمعاصى التى ذكرها الإمام ابن القيم فى كتابه الداء والدواء" "والفوائد" وهذه الثمار إن اجتمعت على إنسان أهلكته ولابد أن تحرص أخى المسلم على طاعة ربك سبحانه وتعالى واجتناب معصيته، تسعد فى الدنيا وتفوز بالنعيم المقيم يوم القيامة.[/FONT]
[FONT=&quot] [/FONT]
 
الوسوم
أسباب الدعاء قبول وموانع
عودة
أعلى