طيور وطن

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
طيور وطن
تنبّهَت لصوت فيروز يستجدي( وينك رايح يا شادي؟)، خنقتها عبرات القهر على بلد غادره الشّوادي ليتبعثروا على متن السّراب، و يتركوا الوطن يعصف به الحنين، و توجعه الحسرة بعد أن خسر زينة الشّباب بين مزروع في أحضان التّراب، و مهاجر ضيّعه الغياب.
ألقت برأسها على كتف صاحبتها، أسندتا الجسدين المنهكين على جدار ظلّ متماسكاً رغم قذائف الحرب، و مسحت دمعاً يأبى أن يجفّ، ربتت المرأة على كتف جارتها:
- هل ذكّرتك الأغنية بابنك أم برفاقه؟ اهدئي، ماذا يمكن أن نقول؟
- تأوّهت متوجّعة نقول:
- تعازينا يا فيروز في شادي لبنان ابتلعته حرب طُويت صفحتها. هل عندك أغنية عن شادي سورية؟
- لا... لا أظنّها تملك أغنية بعد أن نالت منها سنوات العمر.
- وأنا موقنة بعجزها وعليها أن تعذرني، (شوادينا) تبعثروا، و مزّقتهم رياح القدر، و تعجز الرّوايات عن حكاية جرحهم فكيف لأغنية عابرة أن تشجو بمآلهم؟
- من أين نبدأ؟
- من شادي الصّغير أحرقته دموع الحزن على أمّه ذُبِحتْ أمام عينيه، وأبوه اقتيد إلى المجهول وهو لا يعي ما يحصل حوله.
- أنسيت شادي الفتى؟
- يا حسرة قلبي عليه! شادي الفتى حمل السّلاح ثمناً لخبز أسرته، ثمناً لهواء بلده يتنشّقه رغم روائح الموت، احتمى ببندقيّة باعها تاجر لا يجيد إلا لغة الحساب في البنوك، و ينسى همس أرواح تأمل بالحياة، حملها رفيقة بؤس لا يدري على من يُطلق حممها، و لا يعرف رصاصة مَن قد تخترق جسده البريء!
- وماذا نقول عن شادي الشّاب؟
- نترك للراوي أن يقول: شادي الشّاب مخضّبٌ بدمائه الطّاهرة دفع الرّوح ثمناً لانتمائه إلى تراب الوطن، ، غسلته دموع الأمّ، و كفّنته آهات الصّبايا تاركاً جرح الفراق لا يندمل في قلوب اكتوت بنار حرب يديرها الغرباء على الأرض المقدّسة.
- لم لا تذكرين ابنك و رفاقه المهجرين؟
- المهاجر شادي أعجزه فهم ما يجري، و قرّر أن يمارس حبّ الوطن بالابتعاد عنه علّه لا يكون وقوداً في حرب لم يعد أحد يذكر كيف بدأت، و لا قارئة فنجان تتكهن، و لا فلكيّ يحمل بين ثنايا كلماته بشرى بالخلاص بعدما سئم النّاس كلام كلّ من يجيد اللّعب بالألفاظ.
- و آهٍ يا بلد تشرّد أبناؤه!
- لا . لم يتشرّدوا بل توزّع الشّوادي نجوماً في أقطار المعمورة.
- ما زال الأمل مضيئا عندك؟
- نعم. و رغم عجز هذا الشّادي عن التّأقلم مع البلد الغريب و العيش بعيداً عن الأهل و رابط اللّغة، و رغم تذمّر ذاك الشّادي من ظلم أرباب العمل، و تمرّده على مرارة البؤس التي يتجرّعها في صباح الغربة و مسائها و قضمه لأصابعه إلا أنّ شهاب الشّوادي تألّق رغم عتمة الليالي.
- ما شاء الله عن تفاؤلك؟ ما دليلك؟
- ألم تعلمي أنّ شادي أتقن لغة لم يخطر في باله أن يسمعها حين كان يقفز في شوارع الوطن، و حفظ أزقّة المدن الغريبة من غير أن ينسى شوارع الحيّ التي درج عليها ، تابع دراسته، و أتقن العمل رغم يقينه أنّهم يسرقون عمله.
- و غداً تخطفه ابنة البلد الغريب؟
- لا. مازال يرقب ابنة الوطن تلحق به ليشكلا أسرة تضيء عتمة الأيّام، و تمسح صور القبح من ذاكرة الغرباء، ليبنيا عائلة عربية تجمع سحر الشرق و عقلانية الغرب، ويعودان بها إلى البلد عندما تنطفئ نار الحرب ليشرعا في بناء الوطن.
- و قامتا تتساعدان، و حداء الأمل يرقص في العيون وعلى شفاه جففها المرار:
- سنقيم الأفراح، وننتظر كل صاحب صوت جميل أن يغني للوطن، لعودة شادي من رحلة العذاب.
 
الوسوم
طيور وطن
عودة
أعلى