السيدة من تل ابيب ربعي المدهون..!!

سـSARAـاره

من الاعضاء المؤسسين
السيدة من تل أبيب..

السيدة من تل ابيب ربعي المدهون..!!
السيدة من تل ابيب ربعي المدهون..!!
هناك ثلاث طبقات وثلاث روايات في رواية ربعي المدهون (السيدة من تل أبيب) والصادرة حديثا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، الطبقة الاولى سيرة ذاتية للكاتب ربعي المدهون نفسه لكنه حوَّل اسمه من ربعي المدهون إلى وليد دهمان ، وربما تكون الصورة الاولى على الغلاف هي صورة ربعي نفسه وهو في ريعان الشباب وهي الصورة التي قد يكون ابنه رامي اشتغل عليها كغلاف وظلت بالأسود والأبيض لتوحي بتلك الأيام الجميلة التي يتحدث عنها ربعي في الرواية قبيل مغادرته غزة للدراسة في مصر. هذه السيرة الشيقة والجميلة التي يوردها ربعي على لسان بطل روايته وليد دهمان تتمع بلغة ساحرة وشفافة وقريبة من القلب ، لغة مغوية ومغرية وجذابة في آن واحد ، تذكرنا بتلك الأيام الجميلة التي عشناها قبيل مغادرة البلدة ومسقط الرأس وهي التجربة التي مر فيها مئات آلاف الطلاب الفلسطينيين الذين تركوا امهاتهم وبيوتهم للدراسة ومنعوا من العودة ، وظلت تلك الوجوه الحميمة والصديقة تعيش في المخلية وكأنها حية ، وربما تكون أجمل ما في الرواية هي هذه الفصول التي تتحدث عن غزة وعن الأصدقاء الذين تركهم هناك وعن الوالدة والوالد وتلك الحياة. وكان يمكن لو اكتفى ربعي بهذه السيرة القديمة التي تعود للذاكرة بعد ثمانية وثلاثين عاما من الغربة خلال عودته لزيارة غزة ولقاء أمه بجواز سفر بريطاني ومواجهة المتخيل والمكان الحميم بما آل إليه اليوم لكانت وحدها سيرة تشكل عملا روائيا كاملا ومدهشا. لكن لعبة السرد تغري الكاتب بقلب الرواية وجعل هذه السيرة الشخصية سيرة لبطل الرواية وليد دهمان ، لكن الروائي لا يريد أن ينفي الصلة بين الإثنين بل لعله مزج الاسم الحقيقي بالروائي وليد دهمان ليكون قريبا من المدهون وليعرف القارئ بلا مشقة انه يتحدث عن سيرته نفسه. كما قلنا اغرت لعبة الرواية الكاتب الا يكتفي بكونها سيرة ذاتية بل ادخلها في رواية ثانية وهي رواية تتحدث عن روائي وكاتب فلسطيني يعيش في المنفى تجيئه رسالة من مهاجر فلسطيني ترك غزة في تلك الفترة تقريبا وعاش في المانيا وحمل جنسيتها وجواز سفرها ، وكما حصل مع ربعي المدهون نفسه المولود في عسقلان عام 1945 حصل مع بطله الروائي وليد دهمان ومع عادل البشيتي بطل رواية وليد أيضا ، وهي إشارة للقول ان هناك آلافا بل عشرات الآلاف من مثل ربعي ووليد وعادل ممن غادروا بلادهم وانقطعوا عن العودة لها بسبب الاحتلال الاسرائيلي ، ويريدون العودة لها بحثا عن الذكريات والامهات والحبيبات وعن حلم ما ظل يلاحقهم. وهناك رواية ثالثة وهي رواية دانا اهوفا بطلة وليد دهمان والتي يتعرف عليها بالصدفة خلال رحلة العودة للبحث عن الوالدة في غزة ولكن على طائرة العال الإسرائيلية هذه الرحلة التي تشبه التقرير الصحفي ولكن مزج هذا التقرير بسيرة الماضي وبسيرة الواقع في غزة وبسيرة المستقبل للممثلة الإسرائيلية بطلة رواية وليد جعل هذه الروايات متداخلة مع بعضها البعض تخلط الشخصي بالعام ، الماضي بالحاضر ، الفلسطيني بالاسرائيلي ، الاسرائيلية بالعربي ، ابن الزعيم العربي الذي لم تكشف لنا الرواية عنه ولكننا نعرفه من خلال دانا الاسرائيلية والتي كانت قد خدمت في الجيش الاسرائيلي واخذت موقفا رافضا للخدمة وصارت من معارضي احتلال المناطق الفلسطينية ، بعد ان شاهدت بعض جرائم الجيش الاسرائيلي ضد الفلسطينيين. هناك تداخل وتطابق وتشابه في الكثير من هذه الشخصيات والاحداث ولكن هناك أيضا تشابك وحياد بارد في النظرة تجاه الاسرائيليين وكانها تقبل بوجود الاسرائيلي الطيب والمتفهم في نفس الوقت الذي تنتقد فيه الواقع الفلسطيني الذي آلت إليه الامور في غزة ، أو لعلها تعترف بوجود اسرائيليين وتقر بوجود لغة عبرية يضعها وليد دهمان بالحروف العبرية على غلاف روايته وهو اسم الممثلة دانا اهوفا. لا أريد ان أن أقلل من اهمية هذه الرواية ولكنها قد تكون الرواية الفلسطينية الاولى التي تتخلى عن النظرة التقليدية للوطن ولمسقط الرأس وللأهل وحتى للعدو ، وتنتقد الجتمع الفلسطيني ولا ترى كل شئ فيه بعاطفة وحنين تقليديين ، وفيما ينجح وليد دهمان بالوصول لوالدته بعد هذا الانقطاع الطويل ينجح عادل البشيتي بطل روايته بالعثور على ليلى حبيبته القديمة ولكن الممثلة الاسرائيلية التي تعيش قصة حب مع ابن الزعيم العربي تركت جنينا في بطنها ، والتي قررت الارتباط به اشارة الى امكانية الوصول الى سلام بين الطرفين تموت في لندن ويموت معها الجنين وتموت معها القصة دون ان تعرف وسائل الاعلام عنها.هنا الكثير من الاسقاطات والاشارات وكأن الروائي يريد القول أن الطرفين غير جاهزين بعد للوصول الى صيغة تقبل الآخر ، وبغض النظر عن موقفنا السياسي من بعض آراء الكاتب لكننا لا نستطيع أن نغفل أهمية هذه الرواية ولغتها وحس السخرية العميقة فيها واسلوبها الجذاب والتي جاءت في قالب سردي مدهش مستخدمة الحوار العامي البسيط والقريب من القلب وحتى بعض الكلمات العبرية والانجليزية والألمانية اغنت لغة الحوار وربما تحمل رسائل معينة أيضا.ببساطة تلك السيدة من تل ابيب رواية عصرية تخطت النظرة التقليدية للرواية الفلسطينية لكنها بحاجة الى نقاش وحوار موسعين
ليس على الصعيد السياسي فقط ولكن على الصعيد الفني أيضا


*******
في مقالة نشرت في بداية شهر فبراير الجاري في جريدة ” الأهرام ” وفي معرض كتابته عن هذه الرواية التي نتناولها الآن في مقالنا النقدي هذا يتساءل الناقد المصري د. صلاح فضل عن السبب الذي يجعل روائياً مثل ربعي المدهون يتأخر كثيراً في نشر أولى رواياته بمعنى أنه كان لربعي المدهون الوقت الكافي لنشر ” السيدة من تل أبيب ” – وربما غيرها – وهو لا يزال شاباً ( فعمره الآن في الخمسينات ) ..
وفي هذا المجال نحيله إلى الروائي المبدع غابريل غارسيا ماركيز الذي يدعو بل يلح على الروائيين أن ينتظروا كثيراً عند نشر رواياتهم ففي مقالة عن ” كيف تكتب رواية ” يقول ماركيز :
“جاء الى بيتي في مدينة مكسيكو شاب في الثالثة والعشرين من العمر، كان قد نشر روايته الأولى قبل ستة شهور، وكان يشعر بالنصر في تلك الليلة لأنه سلم لتوه مخطوط روايته الثانية إلى ناشر . أبديت له حيرتي لتسرعه وهو لا يزال في بداية الطريق ، فرد علي باستهتار ما زلت أرغب في تذكره على أنه استهتار لا إرادي: “ أنت عليك أن تفكر كثيراً قبل أن تكتب لأن العالم بأسره ينتظر ما ستكتبه ، أما أنا فأستطيع أن أكتب بسرعة ، لأن قلة من الناس يقرؤونني” . عندئذ . . . فهمت . . . فذلك الشاب قرر سلفاً أن يكون كاتباً رديئاً ، كما كان في الواقع ، إلى أن حصل على وظيفة جيدة في مؤسسة لبيع السيارات المستعملة، ولم يعد بعدها الى إضاعة وقته في الكتابة ” .
ويوضح ماركيز وجهة نظره بقوله لاحقاً إن كتابة القصص القصيرة “ أشبه بصب الاسمنت المسلح . أما كتابة الرواية فهي أشبه ببناء الآجر ” .
إن هذا ما آمن به وطبقه الروائي الفلسطيني ربعي المدهون لتظهر روايته ” السيدة من تل أبيب ” بهذا الشكل والمضمون المميزين .


خطوات أولـى :
ليست هذه الرواية أول رواية يتناول فيها كاتب فلسطيني رحلة العودة إلى فلسطين سواء الضفة الغربية منها أو قطاع غزة ، إن بعض الروائيين تناولوها من قبل وأستحضر الآن مثالاً على ذلك هو الشاعر والروائي الفلسطيني المعروف مريد البرغوثي في روايته الصادرة عام 1998 عن المركز الثقافي العربي وكانت بعنوان ” رأيت رام الله ” وفيها يتحدث عن رحلة عودته إلى الضفة الغربية ورام الله تحديداً مع موجة السياسيين والمنفيين والأدباء والكتاب وغيرهم والذين عادوا إلى البلاد عقب اتفاقيات السلام وأبرزها اتفاقية أوسلو ، غير أن موضوع هذه الرواية يختلف فالكاتب ربعي المدهون يعود إلى غزة عقب الاتفاقيات بزمن طويل وهدفه ليس الحنين ورؤية البلاد فقط ، هدفه رؤية أمه الذي ابتعد عنها أكثر من ثمانية وثلاثين سنة إضافة إلى رغبة الكاتب والصحفي وليد الدهمان لتكملة روايته التي يكتبها ووضع نهاية لعادل البشيتي ورغبته بالزواج من ليلى الدهمان في أواخر العمر .

إذن فالهدف يفترق عند المدهون عنه عند البرغوثي وإن كانا في العموم يتفقان .
يركب الطائرة وفيها يلتقي بالفنانة الإسرائيلية دانا أهوفا العائدة من لندن للهروب من نور الدين ابن الحاكم العربي الذي تحبه ويكون الحديث وتبادل الآراء واختلاف العقليات والمفاهيم .

يقول وليد الدهمان لدانا التي تبدو بآرائها مختلفة عن العقلية اليهودية والإسرائيلية إذ تقول :
” أتمنى أن يقوم سلام بيننا وبين الفلسطينيين ، لقد تعبنا جميعاً ، المشكلة هي في السياسيين عندنا وعندكم ، شارون لا يريد السلام كذلك كان ياسر عرفات”.
فيجيبها بقوله :
” كلهم يقولون ذلك في محاولة لاقتسام الجريمة والمسؤولية عن الدم الفلسطيني ( المباح لكل الأسلحة ) : المتطرفون عندكم والمتطرفون عندنا ، أخرجوا من أرضنا ، من برنا ، من بحرنا ، من قمحنا ، من ملحنا ، من جرحنا ، من مفردات الذاكرة كما قال محمود درويش وتكفلوا بمتطرفيكم ونحن سنتكفل بمتطرفينا ” .
ثم يخلص إلى وجهة نظره وهي الرؤية التي يتبناها في هذه الرواية :
” أتمنى أن يخرج الفلسطينيون والإسرائيليون من ساحة الحرب إلى العيش المشترك ، ونتمشى أنا وهي معاً في أوتوستراد طويل لا عداء فيه ولا معابر ، لا اغتيالات ولا انتحاريين ، لا مجندين ولا مقاومين ، لا صهيونية ولا حركةتحرير وطني فلسطينية ، لا انتفاضة ولا مستوطنات ، لا شارون ولا عرفات ، لا أبو مازن ولا شاؤول موفاز ، شيوخ ولا مستوطنين ، لا أباتشي ولا إف 16 ولا انتحاريين بل مسافران عاديان ( عابران في فضاء عابر)”.
وتجيبه دانا :
” نحن يا وليد ظلان لمأساتين اجتمعتا في مكان واحد ، ما حدث لنا ترك ظلالاً سوداء عليكم ، وما يحدث لكم يصبغنا بظلال أكثر سواداً ، شعبان لا يرتاحان أبداً ، كلما هدآ ازدادا جنوناً “
. يقول دايال صديق دانا في مذكراته :
” لن يكفوا – أي الفلسطينيين – عن الحبل بالانتفاضات وإنجابها حتى يكنسونا ويتخلصوا من احتلالنا .. لا أريد أن أموت عن احتلال غير شرعي وباهظ الثمن للطرفين أيضاً ” .
وفي النهاية يلخص كل شيء في جملته :
” هذه البلاد لا مستقبل لها ، ملف جمعت أوراقه في ظروف معينة وقد تتغير في ظروف أخرى ويغلق إلى الأبـد ” .
هذه هي مفاهيم ربعي المدهون على لسان أبطاله وشخصياته الرئيسة وكما أرى :
إن وليد ودانا ظلان – بل دعني أقول – وجهان لعملة واحدة أو مأساة مشتركة كما يريدنا المدهون أن نؤمن به ، وجهان كل منهما يفسر ويفلسف الأمور حسبما يرى ويعتقد لقضية الصراع الأزلية بين الفلسطينيين واليهود .
تصوير ونقـد لاذع ..

وفي الرواية نقد مرير لكل شيء وكافة الأوضاع وكل الأماكن فها هو وليد دهمان يصور لنا بكاميرته ما يدور في المعابر الإسرائيلية ثم يخلص إلى النتيجة التي يريد تثبيتها وهي :
” إن الراوي مهما ذهب في التخييل لا يبلغ حافة الحقيقة ، أن تسمع عن معبر إسرائيلي أو تكتب عنه ، لن ترسم سوى ظلاً لها يكبر أو يصغر يقصر أو يطول بقدر ما تلقي عليه من ضوء أما الحقيقة نفسها فعصية على الخيال نفسه وعلى الرواة ” .
وفي غزة كانت الصور والمشاهد لكل ما هو جديد عليه ففي الفجر يصور لنا ما يجري عند الآذان فيقول :
” نمت قرابة الثانية فجراً ، كأنني لم أنم إذ استيقظت بعد ساعة أو أكثر على أصوات آذان متداخلة متلاحقة متنافرة مثل أصوات فرقة موسيقية يحاول عازفوها ضبط آلاتهم قبل العزف حولوت ” لا حول ولا قوة إلا بالله ” وحاولت النوم ثانية ، بعد نصف ساعة أخرى انطلق الأذان بإيقاعات أكثر صخباً وتضارباً كأن المؤذنين ما يزالون يتمرنون عليه ، دهشت : هل يصلون الفجر في غزة مرتين ؟ ” .
ومن ثم يعلق لأمه قائلاً :
” أربعون عاماً يا أمي لم يوحد الفلسطينيون منظماتهم ولا أعتقد أنهم سينجحون في توحيد الأذان خلال زيارتي هذه ” .
ويتسع المشهد الصباحي ويضم فقرات أخرى لم تكون مألوفة عند وليد يتابعها كلها ويقول :
” قررت العودة إلى النوم متجاهلاً كل ما يمكن أن يحدث ،وغفوت مستيقظاً على أصوات محركات السيارات وعربات الخضار التي تجرها الحمير تثير ضجيجها الخاص الذي نسيت إيقاعه منذ أربعة قرون وعلى شواكيش النجارين وطرقات الحدادين تعلن بداية يوم عمل جديد ، وفوق هذا كله لم تكن الزنانة – الطائرة الإسرائيلية التي لا يقودها طيار قد كفت أصلاً عن التأكيد طيلة الليل بأنها تستحق اسمها الشعبي ، ولا الرصاص المتقطع عن تقطعه . صباحي الأول أصيب بالصرع فلم يترك النعاس ينعس في عيني ولا جعل اليقظة تستيقظ فيهما ” .
مثل شعاراتها التي ترفعها إلى مصاف الحقيقة ويصدق أصحابها أنهم يناقشون جوهر قضاياهم ، مجتمع يتفاعل معه طوال أيام زيارته ثم يصورهم قائلاً :
” أخذت أتأمل الجميع وفي داخلي يتمدد مشهد بانورامي عريض لغزة التي أزورها، هواء تحجب بروائح المجاري ، بحر محجاب بالمستوطنات فلا يراه بعض سكانها ، نساء محجبات بالسواد يعلن حداداً أبدياً على من رحلوا ولم يرحلوا بعد، عملة محجبة بالشيكل الإسرائيلي ، دين محجب بأطروحات شيوخ المساجد الذين لا عدد لهم وشمس تشرق خلف كل الأحجبة باحثة عن وجه يطل عليها لتصبح عليه فتنكسر خجولة مما صار عليه الحال وتحتجب متعبة من طول بحثها ” .
ويطيل وليد بجولاته وبحثه عن أصدقاء الأمس ويرى ويعرف ما لم يكن يظن أنه سيعرف ويرى في يومٍ من الأيام وإذ يجيء موعد السفر وعودته إلى لندن نراه مثل ملهوفاً عليه يتعجله .
- نقـاط مهمة في الرواية :



  • • النقطة الأولى والمهمة تتعلق بالزمان والمكان في الرواية وأقول في هذا الخصوص أن جُل الأحداث في الرواية لم تتعدَّ فترة زمنية محددة ( ثلاثة أسابيع قد تزيد يومين أو ثلاثة ليس إلا ) من بداية التحضير لسفره من لندن إلى غزة ووصوله هناك ومكوثه فترة ثم عودته ثانية إلى عاصمة الضباب مقر سكنه وعمله ، أي أن الزمن محدد في أيام قليلة أما المكان فهو غير محدد ويتنوع ويتغير مع أبطال الرواية الرئيسيين ( وليد الدهمان ودانا أهوفا ) . وأثناء تتبع الأحداث وذكريات البطلين الوحيدين ينفتح باب الزمان والمكان على مصراعيهما ويتنوعان ويتغيران وهذا ديدن الروائي في كتاباته الإبداعية .
  • • النقطة الثانية تكمن في الشخصيات الرئيسة وأتساءل هنا : هل يمكن اعتبار شخصيات الرواية الرئيسة شخصيات ملحمية ؟ وأقول ليس بالضرورة أن نعتبر شخصيات الرواية شخصيات ملحمية لأن الرواية بمجملها وبأحداثها ومضامينها ليست كذلك ، هي شخصيات قوية تقوم بأعمالها وتتطور وتنمو ولكن لا تأخذ المساحة الشاسعة والمهيمنة للشخصية الملحمية التي نعرفها والتي كانت تتميز بها الروايات القديمة لبلزاك وزولا وغيرهما أما في روايات القرن العشرين والحادي والعشرين اذي نعيشه الآن فقد انتفى وجود هذه الشخصيات لأن الروائيين نحوها جانباً فروائي كبير مثل عبد الرحمن منيف يقول في هذا الصدد : ” إن بطل الرواية الفرد، الذي يملأ الساحة كلها ، وما الآخرون الذين يحيطون به الا ديكورًا لإبرازه وإظهار بطولاته ، ان هذا البطل الوهمي الذي سيطر على الرواية العالمية فترة طويلة ، آن له ان يتنحى، وأن لا يُشغل الا ما يستحقه من مكان وزمان ” ، ( الكاتب والمنفى ص 76 ) إن الرواية الحديثة قد أصبحت كما يقول الناقد الفلسطيني الدكتور نبيه قاسم : ” عبارة عن بانوراما كبيرة متناسقة متكاملة تتوالى فيها الاحداث وتتداخل وتتباعد، ومثلها ايضا الشخصيات التي تقوم بأدوارها” ومع ذلك يبقى وليد الدهمان ودانا أهوفا هما الشخصيتان المحوريتان في الرواية اللتين تأخذان حيزاً كبيراً فيها ، ولست أدري لماذا يأتيني هذا الشعور غير أنني أعتقد أن شخصية دانا اليهودية قد أثر فيها الكاتب نفسه وجعلها تدور في فلك محدد ، أي أن الروائي ربعي المدهون قد رسم هذه الشخصية ووضع على لسانها ما يريده هو وبالتالي لا تستطيع أن تخرج عن المسار الذي جعله لها فصعب جداً أن نرى فنانة مشهورة في عالم التمثيل على صورة وهيئة دانا فتكون تحب فنها والأضواء والجمهور وتؤمن بآراء الجميع والدولة الإسرائيلية ومعتقداتها أما أن تكون على الضفة الأخرى فهذا غريب بل ومستهجن ، ممكن جداً أن تهوى ابن زعيم عربي ولكن من أجل هدف سياسي تقوم به لحساب الدولة والموساد وليس نزوة منها تدفع ثمنها في نهاية المطاف .
  • • والنقطة الثالثة والمهمة التي أود الحديث عنها في هذه المقالة هي قدرة الروائي ربعي المدهون على تجسيد الواقع وتصوير حياة أهل غزة والناس البسيطين فيها وتقديم شخصيات نشعر بالعاطفة معهم ونعيش معاناتهم اليومية عبر الأحداث والحوارات والكلام الشعبي الدارج لا بل أنه يستخدم اللهجة الشعبية في كثير من المواطن المهمة والحوارات وهذا يحسب له بشكل كبير .
  • • وأما النقطة الرابعة والأخيرة فهي الأسلوب الروائي والشكل الفني الذي استخدمه المدهون في روايته بحيث أنه قطعها أجزاءً وقدم السرد على لسان الأبطال الرئيسيين فمرة وليد ومرة دانا – هو وهي – فالراوي ، نظام التقطيع هذا حديث في الرواية المعاصرة ويبدو أن الكثيرين من الروائيين قد أخذوا في استخدامه بشكل مميز .
خاتمـة :
وفي النهاية وكخاتمة للمقالة أقول أن رواية ربعي المدهون والتي اختيرت هذا العام ضمن الروايات الست المرشحة لجائزة البوكر العربية هي بكل صدق رواية مميزة في الشكل والمضمون ويمكن اعتبارها من أفضل الروايات التي نشرت في الآونة الأخيرة فهي مكسب عظيم للمكتبة العربية ومجرد ترشيحها لجائزة البوكر العربية اعتراف بكاتبها كروائي مختلف ومميز في عالم الرواية العربية المعاصرة.
 
ايفووو الغااالية
اشكر لك روعة مرورك
المتعة في قرائتها ايضاا
تحياتي لك
 
الوسوم
ابيب السيدة المدهون تل ربعي من
عودة
أعلى