استغاثة

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
فيضُ أجفاني، والدّمُ القاني فداءٌ لمدرّسٍ في العمل متفانِ. قلبي تمزّقه الأحزان على حاله بعد أن حُرِم من التّكريم كإنسان، فقبل أن يرتاح من استهتار الطلاب، وتقديس الأهل للصغار، و عدم تقبّل نقدهم من الأخيار قبل الأشرار، وقبل أن يهنأ باله بالراحة من قوانين تحمي الدّارسين من الرّسوب ومن أصغر عقاب، وتسهل عليهم النّجاح بلا عذاب حتى يصل شهر الامتحان، ليغدو الوحيد المستهدف المغبون حقه والمهان، إذ يقف في القاعة حذرا من طالب سليط اللسان متّكئ على أبٍ عالي البنيان، أو جيبه بالعملة الخضراء ملآن، فإن لم يضبط الغش ضبطه مندوب الوزارة يظنّ نفسه حاز كرسيّ الإمارة، يهدده برفع اسمه في سجلات العقوبة، وإن غاب يبقى وجلاً بانتظار قطع الرّاتب.
و ما إن يهرب إلى مركز التّصحيح فلا يخطرنَّ ببالك أنّه مستريح، عليه أن يدور ويفتّش على طاولة يجلس عليها من غير أن يكلّفه مسمارها الهارب تمزيق ملابس يداري بها نفسه عن العيون،وإن اقترب منها فالحذر واجب من غبار سنة كاملة سيجعل المربي الفاضل بحاجة لدخول الغسالة بملابسه الكاملة، ويستمرّ بالتّفتيش عن كرسيّ الجلوس ليجد نفسه بين فكّي كماشة: الجسد المضنى من التعب، وقاعدة كرسيّ من ( البلاستيك)تمّت صناعته من النّفايات المدوّرة للمرّة العاشرة، أرجله عاجزة عن حمل الصّغير، وسرعان ما ترمي بمن يودّ الجلوس على الأرضّ المتّسخة، يا حسرة! هذا السقوط المريع لم يسلم منه الأستاذ النّحيل، و لا المدرّسة ذات الجسد الثقيل من الشّحوم و كثرة الأدواء.
تتراكم أرجل الكراسي ومساندها في الزاوية المهملة مكوّنة تلّة تشهد أنّ في المركز مجزرة و لا أحد يأبه للمدّرّسة الموجوعة، و مناشدتها غير مسموعة.
إلى من يشكو هذا البائس أمره؟ و رياح السموم تعصف به فتزيد على الروح المأزومة الهموم، و تلهو به رياح الخماسين، ويتصاعد من القلب الأنين.
فمن يغيث المدرسات والمدرّسين يا سادة! يا محترمين!؟
 
الوسوم
استغاثة
عودة
أعلى