على هامش الحرب

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
تجلس نسوةٌ ملتحفاتٌ بالقهر وبالصّبر على قارعة رصيفٍ مهملٍ لشارعٍ عريض نسي ضوضاء الحافلات و جلبة السّفر. عيونهنّ ترقب بضع سيّارات تحمل عتاد حربٍ مجنونة أهلكت العباد و البلاد، و تودّع نظراتهنّ الحنونة شباباً بعمر الورد يدركون أنّ طاحونة الموت سترسلهم في رحلة إلى باطن الأرض.
- تصرخ الأولى بابنتها الصّغيرة: هاتي أخاك، اقتربا منّي، حذارِ من الشّارع فقد تدهسه عجلة صبيّ يلعب. وتتذمّر بانزعاج: أفّ من رعونة الأولاد!
- - تبتسم الثّانيةُ بأناةٍ: اِفرحي بهم، تمتّعي بوجودهم حولك، ليت أولادي بقربي، لقد وزّعتهم هذه الحرب البلهاء سفراء في أصقاع الأرض.
- - تهزّ الثّالثة رأسها بأسىً كبير: يا لحظك السّعيد! أنت تسمعين صوتهم، و ترين صورهم، أمّا أنا فأدفع نصف عمري مقابل خبر صحيح يطمئنني عن ابني: أهو فوق الأرض أم تحتها؟ أقابع في سجن فئة أم حلّقت روحه في السّماء على يد مّنْ لا يملك قلبا و لا عقلا؟ تخنقها شهقة البكاء، و تعصيها دمعة أحرقها كثرة الانهمار. وتترك ذهول العين للمرأة الرّابعة التي تصرّ على جلستها الوقور وكأنها جزء من الكرسيّ البلاستيكيّ، بيدها سبحة، و ترقب الشّفاه حيناً، وتغيب بنظراتها الشّاردة أحيانا، فقذائف الحرب المدمّرة أفقدتها السمع، و جعلتها تعيش في عالمها الرّاحل لا تقدر على مفارقته: ألسنة اللهب تلتهم الحقول، البيت حجارة مبعثرة، و الأهل و الجيران تشردوا نازحين... لاجئين تحت سماء بلد ما.
- تتمتم إحداهنّ: مساكين هؤلاء النّازحون، خرّبت الحرب حياتهم.
- تنتفض أخرى مرتجفة، تلوّح بيدها: أنا لا آسف إلا على حالي، كنت أعيش مع زوجي وأولادي راضية بهموم الحياة اليوميّة، لكنّ تلك النّازحة اللّعوب أقنعت زوجي بضعفها، و جعلته يسعى لتأمين طلباتها: خطيّة أمها مريضة، خطية تريد الغاز والمازوت والخبز، خطيّة لا زوج يساندها، فما كان منه إلا أن عقد قرانه عليها، وتركني مع أولادي نفتش عمّن يقول عنّا: خطية.
- يرفع المؤذن صوته بتكبيرات المغرب، تسحب كلّ منهنّ كرسيّها، تؤوب إلى البيت، و في جعبتها الكثير من الكلام و الملام، و هي تقتات على حلم كبير، وخبر صغير: انتهت الحرب.
 
الوسوم
الحرب على هامش
عودة
أعلى