القناع الأخير

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
القناع الأخير

قام عن كرسيّ منصبِهِ تاركاً الاتزان والحسّ بالمسؤوليّة. غادر المكتب وهو يودّع المستخدم بابتسامة عريضة، وقبل أن يركب سيّارته رمى بالتّهذيبِ والاحترام على قارعة الطّريق، وانطلق بين المركبات المتدافعة يشتم هذا و يلعن ذاك. وحين دخل السوقَ، وتجوّل بين الباعة المحتشدين على الأرصفة المعذّبين بنار الصّيف وزمهرير الشّتاء ، وراح يجادلهم، و يسابق الجميع في حمل وزر الأيمان الكاذبة بعد أن نسي الصّدق والوقار.
أوقف عربته الفارهة بين مثيلاتها في الحيّ الرّاقي. نزل وكيس مشترياته يتأرجح بين أصابعه ليخلع الشّهادة العلميّة قبل دخول المبنى، و يمسح من ذاكرته كلمات الودّ الطّيّبة. تأهبّ سكان الدّار لاستقباله بالامتعاض على الوجوه، والخوف ينهش قلب كلّ فرد من قذائفه التي لا يستطيع أحدهم لها رداً.
تأجّجت شرارة غضبه الذي لا يهدأ إلا حين يجد من يسدّ جيبه بالمال. و راح يرمي بشتائمه على الأولاد حيناً و على الزوجة في أكثر الأحيان.
لم يجرؤ أحد أن يسأله: ماذا أحضرت؟ و أين طلبات الصّغار؟ و أين ملابس الكبار؟
مذنبة تلك المرأة التي جهدت في مساندته براتبها الذي لم يُشبع كرشه المترهّل، و لا عينه الذّئبيّة تخترق المحرّمات في سبيل إشباع الرّغبات.
لجأ الصغار إلى غرفتهم، وطفقت حمم لسانه تنصبّ على الشّريكة التي خسرت إرثها الكبير في الحرب المجنونة. هاجم وشتم من شهد على زواجه وهو يتوجّه إلى الحمام يتوضأ، و يعد الأسرة بالويل بعد إنهاء صلاة العصر.
 
الوسوم
الأخير القناع
عودة
أعلى