التربية ودرجات نضج الشخصية..!!

سـSARAـاره

من الاعضاء المؤسسين
التربية ودرجات نضج الشخصية
وعاداتها الفكرية والنفسية
إن النضج الكامل في شخصية الإنسان هو الأساس الأول الذي تقوم عليه تنمية الفاعلية .
والتربية الواعية تعمل على تنمية نضج الشخصية الإنسانية عبر درجات ثلاث من الحالات النفسية – الاجتماعية . وهذه الدرجات :
1- درجة الاعتماد على الغير.
2- درجة الاستقلال عن الغير.
3- درجة تبادل الاعتماد مع الغير.
درجة الاعتماد على الغير وعاداتها
الفكرية والنفسية
يتمحور وجود ( درجة الاعتماد على الغير ) حول تصور معين للتأثير والإنجاز خلاصته ( أنت المسؤول ) .
إن صاحب درجة ( الاعتماد على الغير ) إنسان حُرم الوعي بالذات . والوعي بالذات هو أهم منطلقات الفاعلية لدينا؛ لأنه يساعدنا على رؤية أنفسنا ورؤية الآخرين، ويساعدنا على تقييم خبراتنا وخبرات الآخرين، وأفعالنا وأفعال الآخرين.
الإنسان الذي يكون في درجة الاعتماد على الغير لا يستطيع أن يرى ذاته وذات الآخرين، ولا يمكن أن تتيسر له هذه الرؤية إلا بتضافر جهود مؤسسات التنمية الاجتماعية والأسرة والمدرسة والجامعة . أما إذا فشلت هذه المؤسسات فإنها ستكوّن عادتين سلبيتين هما :
الأولى : العجز عن رؤية الذات
أصحاب هذه العادة لا يرون أنفسهم إلا من خلال الآخرين أو ما يعبر عنها
( بالمرآة الاجتماعية )، وعندما تصبح المرآة الاجتماعية هي المعبر الوحيد عن ذواتنا ستكون ذواتنا متغيرة ومتبدلة بحسب المرآة الاجتماعية التي نخضع لكلامها فمثلاً :
الشرقي بطبيعته كسول يكره النظام والعمل
المسلم إرهابي
ومع أن هذه المفاهيم غير مترابطة إذ أنها اسقاطات نفسية لاتجاهات قائليها إلا عند عدم نضجنا العقلي واعتمادنا على المرآة الاجتماعية تبعث الاضطراب والاختلال في أفعالنا وردود أفعالنا .
والقرآن الكريم يسمي صاحب هذه العادة ( مرائياً ) وينذرهم بفشل الأعمال وسوء المآل . قال تعالى {وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ } (47) سورة الأنفال .
والنبي صلى الله عليه وسلم يندد بأصحاب هذه العادة بقوله ( لا تكونوا إمعة )
الثانية : ردود الفعل التلقائيّة
أصحاب هذه العادة يفقد القدرة على المبادرة الذاتية وتصبح أفعاله نتيجة لردة أفعال تلقائية على أحداث تعترضه أثناء حياته، لا تحكمها تفكير ولا يقودها منطق، فيصبح المرء ضحية الظروف والممارسات الخارجية؛ وذلك سببه التنشئة الاجتماعية والأسرية ونظم الإدارة السلطويّة، ونظم الحكم الظالمة.
والقرآن الكريم يسمّي صاحب هذه العادة ( كلّا ) وصفاته أنه دائماً يعتمد على الغير. والنبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من هذه الدرجة ويصفها بالعجز .
درجة الاستقلال عن الغير وعاداتها
الفكرية والنفسية
تتمحور هذه الدرجة حول تصور الفاعلية والإنجاز بـ ( أنا المسؤول ). أي صاحب هذه الدرجة يتحمل مسؤولياته ويواجه التحديات. والإنسان المستقل عن الآخرين جسدياً ينجز حاجاته ومسؤولياته المادية وحده. وإذا كان مستقلاً عقلياً طوّر قناعاته من داخله ووجه نفسه بنفسه. وإذا كان مستقلاً عاطفياً لم يتأثر إحساسه بذاته وقيمته بمعاملة الآخرين أو آرائهم.
وهذه الدرجة أفضل من درجة الاعتماد على الغير .
وتجسد هذه الدرجة ثلاث عادات فاعلة هي :
العادة الأولى : القدرة على الأخذ بزمام الأمور :
أصحاب هذه العادة يتصفون بصفتين : الأولى أنهم حققوا درجة عالية من النضج العقلي مما مكنهم من رؤية ذواتهم وتحليلها وتقييمها وتحديد الخطأ من الصواب، وقادرون على استلام زمام المبادرة ، وتعني المبادرة ألا تكون أفعاله ردود فعل تلقائية واستجابات شرطية للمثيرات. أما نظريات علم النفس الشرطي فإنها لا تنطبق على الإنسان لأنها نتيجة تجارب على حيوانات والإنسان تكوينه يجعله فوق عالم الحيوان.
والفرق بين الأشخاص القادرين على أخذ زمام المبادرة وبين العاجزين عن ذلك كالفرق بين الليل والنهار
فالقادرون: يستطيعون مشاهدة بدائل السلوك المطلوب، والعاجزون يشعرون بالعجز عن التفكير والاختيار.
القادرون : لا يخضعون لقسوة البيئة وإنما يحملون أجواءهم معهم . والعاجزون يتكيفون مع المؤثرات البيئية الطبيعية.
القادرون : أناس مدفوعون بقيمهم ومبادئهم. والعاجزون : يتأثرون بمعاملة الناس لهم بين الإحسان والسوء.
القادرون : يتفاعلون مع البيئة تفاعلاً حراً. والعاجزون : يتأثرون بالبيئة تأثراً تلقائياً.
الصفة الثانية : أنهم حققوا درجة عالية من النضج العاطفي؛ ولذلك تحررت إرادتهم من الأهواء والانفعالات وصاروا قادرين على اختيار بدائل السلوك المناسب للمواقف وتحديد الأعمال والميادين التي يركزون فيها طاقاتهم وأوقاتهم.
وفي العادة يكون للإنسان دائرة واسعة من الاهتمامات ، ويمكن تقسيم هذه الدائرة إلى دائرة الاهتمام : وهي الدائرة التي لا نملك التأثير بها، ودائرة التأثير : وهي الدائرة التي نستطيع التأثير بها.
وتتحدد فاعلية درجة فاعلية الإنسان من خلال التعرف على أي من الدائرتين ويركز جهوده ويقضي معظم أوقاته فالذين يركزون جهودهم في دائرة التأثير هم الذين يتصفون بالفاعلية والحكمة .
والذين لا فاعلية لهم فيهدرون جهودهم في دائرة الاهتمامات التي لا تأثير لهم فيها، فإذا فشلوا عوضوا فشلهم بتركيز مظاهر الضعف والنقص عند الآخرين.
وفي بعض الأحيان تكون فيها دائرة التأثير أكبر من دائرة الاهتمام، بسبب ما يتوفر له من المكانة والنفوذ والعلاقات الواسعة والثروة وهذا يعكس قصر نظر وقلة تبصر، لأن ذوي الفاعلية لهم دائرة اهتمام تتساوى على الأقل مع دائرة تأثيرهم، ويتحملون المسؤولية لاستعمال تأثيرهم استعمالاً مؤثراً فاعلاً.
إن تربية الإنسان على التركيز على دائرة التأثير يفرز فاعلية تعمل على توسيع هذه الدائرة واكتساب مساحات جديدة من دائرة الاهتمام.
العادة الثانية : القدرة على التحديد العقلي للهدف وتطبيقاته
ويتم إحكام هذه العادة من خلال تربية العاملين على إتقان عدد من التطبيقات هي :
التطبيق الأول: إلى ماذا نريد أن ننتهي؟؟
ليكون معياراً لكل عمل نقوم به اليوم أو غداً ... الخ . والمحافظة على وضوح الهدف الكلي النهائي وضوحاً عقلياً يساعد العاملين على عدم التناقض في أعمالهم اليومية مع المعيار الذي حددوه.
التطبيق الثاني : حسن اختيار القيادة الناجحة والتنظيم السليم
فالنجاح في اختيار العنصرين أمر في غاية الأهمية؛ لأنه تجسيد لمبدأ: الولادة مرتين، حيث اختيار القيادة الولادة الأولى للعمل، وسلامة التنظيم هي الولادة الثانية.
واقتران القيادة الفعالة بالتنظيم الفعال يؤدي إلى الفاعلية في الأداء والإنجاز؛ لأن الفاعلية لا تعتمد على مقدار الجهود والطاقات التي تبذل فحسب، وإنما تعتمد أيضاً على بذل الجهود في الميادين الملائمة. لذلك لابد من التمييز الدقيق بين القيادة وبين التنظيم. فالقيادة تعني عمل الأشياء الصحيحة، أما التنظيم فيعني تنفيذ الأشياء الصحيحة بطرق صحيحة.
التطبيق الثالث : بلورة برنامج عمل واضح
ولصياغته نحتاج إلى الانطلاق من أمور ثلاث :
1- مراجعة برامج العمل المستعملة .
2- الانطلاق من القيم والمبادئ التي نؤمن بها.
3- أن نبدأ من مركز ( دائرة التأثير ) ، والعمل المستمر على توسيعها
العادة الثالثة : إتقان ترتيب الأولويات في برنامج العمل
تتكامل هذه العادة مع العادتين الأولى والثانية؛ لأنهما تركزان على الولادة العقلية للعمل، بينما تركز العادة الثالثة على الولادة الحسية . وما لم يتم التوفيق بين العادات الثلاثة لا يكون العمل فعالاً ونافعاً. وهذا يعني الجمع بين الثقافة الفكرية والمهارة التطبيقية خاصة عند من يتولون صف القيادة والنظام.
إن النضوج في هذه العادات الثلاث وبلوغ درجة التفوق على الآخرين نتيجته
( النجاح في الإنجازات الفردية وتحقيق الانتصارات الشخصية )

درجة تبادل الاعتماد على الغير
وعاداتها الفكرية والنفسية
( النضوج )
تمثل هذه الدرجة أعلى درجات نمو الشخصية ونضجها، والعادات النفسية المرافقة لهذه الدرجة هي عادات القيادة الناجحة التي تدور حول تصور معين لفاعلية الإنجاز محوره ( نحن المسؤولون ). أي أن صاحبها لا يفكر وحده ولا يعمل وحده، وإنما يعمل ويفكر مع الآخرين.
وهذه الدرجة أفضل من الاستقلال عن الغير لأن إنسان هذه الدرجة جدير بالاعتماد على نفسه وقدراته، ولكنه يوقن بأن العمل مع الآخرين يحقق إنجازاً أكبر مما ينجزه وحده.
ويصاحب درجة تبادل الاعتماد مع الغير عدد من العادات النفسية – الفكرية الإيجابية المؤدية لإثراء الفكر والأداء والإنتاج وهي :
العادة الأولى : تفكير ( أربح ويربح الآخرون )
تستهدف هذه العادة النفسية – العقلية تبادل النفع في جميع التفاعلات الإنسانية، ويكون من ثمارها التزام الجميع بالتعاون من أجل صالح المجتمع. وهذا ما يوجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
وهذه العادة هي المناسبة للقيادة الناجحة لأنها تستعمل جميع المواهب الإنسانية، ويحتاج الإنسان إلى جهد كبير ليصل إلى هذا النوع من التفكير وجني فوائده.
ويحتوي هذا التفكير ( أربح ويربح الآخرون ) على خمسة أبعاد من نشاطات الحياة وهي :
البعد الأول : الشخصية الناضجة
هي أساس هذا التفكير ولها ثلاث مزايا ( الأولى الاستقامة ومعناها أن يعيش الإنسان منسجماً مع قيمه ومبادئه التي يؤمن بها في جميع مواقف حياته . الثانية النضج من خلال التوازن بين الشجاعة وهي القدرة على التعبير بصراحة عن الأفكار والمشاعر والاعتبار ويتحقق من خلال فهم الآخرين واحترام مشاعرهم . الثالثة عقلية الوفرة تقوم هذه الفكرة على أن صاحبها يعتبر أن في الحياة متسعاً لكل الناس، لذلك تجده واثقاً من نفسه مطمئناً، يرى أن الناس كلهم يستطيعون المشاركة في المكانة والاعتبار والمنافع ...الخ)
البعد الثاني : العلاقات الإنسانية
القائمة على الثقة المتبادلة. فالثقة هي الرصيد المؤدي إلى دوام هذه العلاقات.
البعد الثالث : القدرة على عقد الاتفاقات وتحقيق الانجازات
وهي أيضاً ثمرة العلاقات الإنسانية النبيلة، ويراعى في هذا البعد : ( تحقيق النتائج المرغوبة، وتوفير التوجيهات التي ترشد إلى تحقيق النتائج، وتوفر الموارد البشرية والمادية اللازمة للإنجاز، وبلورة معايير الإنجاز وتقييم الوقت، والتقييم النهائي للإنجاز )
البعد الرابع : ملاءمة البيئة السائدة والنظم القائمة
ملاءمة البيئة والنظم لهذه العادة واحترامها لنتائجه وثماره.
البعد الخامس : تجانس الوسائل والغايات
إذ لا يمكن تحقيق أهداف تفكير ( اربح ويربح الآخرون ) بوسائل وأساليب
( أربح ويخسر الآخرون ).
ومن المؤسف أن غالبية الناس الذين تخرجهم المؤسسات التربوية العربية والإسلامية يتوزعون في تفكيرهم على خمسة نماذج وهي :
1- أربح ويخسر الآخرون : وهذه العادة هي اتجاه نفسي – عقلي قائم على منطلق التنافس والتحاسد، وينظر للحياة على أنها ميدان لا يربح فيه أحد إلا على حساب خسارة الآخر.
2- أخسر ويربح الآخرون: هذه العادة في التفكير أصحابها فاقدوا الثقة بأنفسهم، عديمو الإحساس بذواتهم، يتوقعون الخسارة أو الفشل في كل عمل، لذلك يعيشون ضحية التردد والنكوص.
3- أخسر ويخسر الآخرون: هذا التفكير يظهر عندما يتعامل اثنان من ذوي عادة ( أربح ويخسر الآخرون ) يقوم على العدوان والأنانية ورغبة كل منهما في تدمير الآخر.
4- أربح ولا يهمني الآخرون: أصحاب هذه العادة يقومون على فكرة النجاح الفردي دون أن يفكروا بربح غيرهم أو خسارته.
5- يربح الآخرون شريطة أن أربح أو لا أربح على الاطلاق: أصحاب هذه العادة يشترطون لربح الآخرين ربحهم أو لا يربح أحد، وهذا التفكير هو الغالب على رجال الأعمال في بلادنا.

العادة الثانية : افهم الآخرين ودعهم يفهمونك
والتطبيق العملي لهذه العادة في مهارات ( التواصل والحوار الإيجابي ) لأن التواصل أهم مهارات الحياة، فيها نقضي معظم ساعاتنا، ولأن فهم الناس وحسن الاستماع إليهم من أهم مقومات التعامل الناجح معهم.
ويقدم القرآن الكريم مهارة الاستماع كأحد أسباب الفهم المؤدي إلى الإيمان والنجاة.
قال تعالى {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } (18) سورة الزمر
وقال تعالى { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ} (23) سورة الروم

العادة الثالثة : التعاون الجماعي
وهذه العادة هي جوهر مبادئ القيادة الناجحة، لأنها حافزة للهمم، موحدة للجهود، مفجرة لأعظم الطاقات. وهي المراد النهائي من ممارسة العادات الخمس.
ومعنى التعاون أن تتكامل الأفراد وتتناسق جهودهم في كلٍّ واحد.
والأساس الذي تقوم عليه هذه العادة هو الوعي بقيمة الاختلافات والفروق العقلية والنفسية والعاطفية والجسدية بين الأفراد والجماعات، وأن هذه الفروق تجعل الناس أكثر تعاوناً وتماسكاً مما لو تشابهوا. كالاختلاف بين الرجل والمرأة الذي يجعل كل منهما ينجذب للآخر.
وآخر عادات الشخصية الناضجة الصيانة الدورية لمحتويات العادات الست: ومراجعة تطبيقاتها وممارساتها من خلال فحص آثارها في الواقع الذي نعيش فيه بغية تزكيتها وتجديد طاقاتها ومهاراتها
والصيانة تستهدف أربعة أبعاد ( تجديد جسدي، تجديد روحي، تجديد عقلي، تجديد اجتماعي – عاطفي )
إن تفعيل هذه العادات كلها يتطلب قدراً كبيراً من الجهد والبذل للتخلص من الأعراف الفاسدة، وهذه المسؤولية تقع على عاتق مؤسسات التربية والتوجيه والإعلام. (وكذلك تقع على عاتق كل فرد يريد أن يرتقي بنفسه وبأمته، وكذلك على عاتق الآباء والأمهات الذين ينبغي عليهم أن يدركوا أهمية هذه العادات السبع في بناء شخصية المسلم)

نظـم الـتربيـة الـعربيـة والإسـلاميـة الحـديثـة
ونشر ( القولبة العقلية ) و ( الوعي الساذج )
إن التربية السائدة في الأقطار العربية والإسلامية، تربية ليس فيها من صفات التجديد شيء وذلك للأسباب الآتية :
السبب الأول:
أنها ( قولبة عقلية وإرادية ) هدفها إبقاء العقل والإرادة أسيرين للتربية الكلامية والإطناب في اللغة . ولهذا تسمى هذه التربية بتربية ( لغو كلامي ) . ونحن بحاجة إلى التنظير القائم على تحليل الواقع للمساعدة على فهمه وتطويره بشكل كامل.

السبب الثاني :
إن الأساليب المتبعة لا تشجع على مناقشة الموضوعات والجدل فيها، وإنما تحترم الخطابات وإلقاء المحاضرات، ولا تشجع العمل مع المتعلمين والناس العاديين، وإنما تشجع الاشتغال بهم وفرض النظام عليهم.

السبب الثالث :
أن التربية متخلفة الولاء عن طور الأمة وعصر قرية الكرة الأرضية اللذين يحتاجان إلى المؤسسات الجماعية والعمل الجماعي. لا العيش في طور المجتمعات المحلية والولاءات الإقليمية ... الخ ، وعن هذه ينتج كل التخلف.

السبب الرابع :
قصور التربية عن المستوى المطلوب في ( الكم ) التربوي ، وفي ( النوع التربوي ). أما الكم فإن الدراسات كثرة المؤسسات التربوية يلعب دوراً مهماً في فاعلية الشعوب كما في اليابان فإنه في منطقة عدد سكانها 60 مليون يملكون حوالي 1000 جامعة .
ومن حيث النوع فإن التركيز على حاجات الحاضر، واستثمار خبرات الماضي، والاجتهاد في اكتشاف المستقبل كفيل بأن يرفع فاعلية الأمة .

التربية والفاعلية
وسلم الحاجات الإنسانية
هناك علاقة متلازمة وطردية بين تلبية الحاجات الفطرية في الإنسان وبين تفجير طاقاته في العمل ورفع درجة فاعليته في الإنجاز والإبداع. وأي تعطيل لأي منها يعطل الفاعلية.
وقد أولى علم النفس ظاهرة الحاجات الإنسانية عنايته، وتناولها في علوم السياسة والإدارة والتربية بالتطبيق، ومن المصادر المعتمدة في هذا المجال نظرية سلم الحاجات عند أبراهام ماسلو التي تقول بتفرد الإنسان وترفض المقررات التي تسوي بينه وبين الحيوان.
تقوم النظرية على أساس أن للإنسان دوافع أو حاجات كثيرة تتزاحم لتوجيه سلوكه وتتخذ أوضاعاً تقوى وتضعف بحسب العوامل الخارجية المؤثرة به.
فيصنف ماسلو حاجات الإنسان في مجموعات رئيسية وهي :
- الحاجات الفسيولوجية .
- حاجات الأمن .
- حاجات الانتماء.
- حاجات التقدير.
- حاجات تحقيق الذات.
وأما ترتيب هذه الحاجات فإنه يتم على خمسة أشكال الآتي :
الشكل الأول :
تكون فيه الحاجات الفسيولوجية في أعلى السلم، حيث تكوّن حاجات الإنسان الضرورية لحياته كالحاجة إلى الطعام والشراب ... الخ وما لم تؤمن هذه الاحتياجات تبقى كل نشاطات الإنسان تتمحور حول إشباع هذه الحاجات.
الشكل الثاني :
تكون فيها الحاجة إلى الأمن أعلى الدرجات حيث تكون الحاجات الفسيولوجية أُشبعت فهنا تسطير الحاجة إلى الأمن، فهي تعبر عن التحرر من الخوف أو الإيذاء الجسدي أو الحرمان من العمل أو الوظيفة أو ما شابه.
الشكل الثالث :
عندما تتحقق الحاجات الفسيولوجية والحاجة إلى الأمن تبرز الحاجة إلى الانتماء والتقبل لدى الجماعة وإقامة العلاقات الاجتماعية .
الشكل الرابع :
عندما تُشبع حاجة الانتماء تبرز الحاجة إلى التقدير ويتعلق بها دافعان : المكانة بين الناس فإما أن تكون بالنسب أو بالمال، والقوة وهي كذلك إما أن تكون مادية أو تكون شخصية .
الشكل الخامس :
عندنا تُشبع الحاجة إلى التقدير، يبدأ الفرد في التطلع إلى ما يثبت به ذاته وهي أقوى دوافع السلوك وتتمركز في قمة سلم الحاجات. وهذه الحاجة تستدعي من الفرد مضاعفة الإنتاج وبلوغ أقصى ما يستطيعه من الإبداع.

وليس من الضروري- حسب رأي ماسلو – أن تعمل الحاجات طبقاً لهذا النسق، وليس من الضروري أن تنطبق هذه الحاجات على كل البشر، ولكنها النموذج الغالب.
وضرب مثالاً لأناس قدموا على الحاجات الفسيولوجية أشياء أخرى ، كـ غاندي الذي ضحى بحاجاته الفسيولوجية والأمن ليشبع حاجات أخرى .
والناظر يجد أن الله تعالى يقرر مبدأ سلم الحاجات ويجعله مبدأً أصيلاً في الرسالات الإلهية التي يتحدث عنها القرآن، ويبدو ذلك واضحاً في الآيات
قال تعالى {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (126) سورة البقرة .
فالله تعالى لم يقصر توفير الحاجات الإنسانية على جنس معين، أو أتباع عقيدة معينة، بل جعلها حقاً مقرراً لكل البشرية.
وعلى ذلك لا يجوز الضغط على الناس والعبث بحاجاتهم الأساسية بسبب الاختلاف في المعتقد أو السلوك أو الآراء.

العبث بالحاجات الإنسانية وتوقف
فاعلية المسلم المعاصر
يعترف الكثير من خبراء السياسة والمختصين في التربية على أن سلم ماسلو تطبق في كل مجتمعات العالم .
أما في مجتمعات العالم الثالث ومنه غالبية المجتمعات العربية والإسلامية فقد جرى تطبيق سلم ماسلو بالعكس أدى إلى تدمير فاعلية الإنسان في هذه المجتمعات .
فالغالبية العظمي تدور حياتهم على تأمين حاجاتهم الفسيولوجية مما جعل ارتقاءهم إلى تحقيق الذات أمراً مستحيلاً.
واستخدموا لذلك أدوات كثيرة منها عن طريق إهدار الموارد الطبيعية في الانقلابات العسكرية والخصومات الإقليمية ، وهدّموا الحاجة إلى الأمن من خلال إشاعة سوء العلاقات بين القيادات والشعوب، وهدّموا الحاجة إلى الانتماء عن طريق نشر المذاهب والأيديولوجيات المتنافرة والمناقضة والتمزيق الجغرافي ومحاربة عوامل الوحدة وتنظيم مناهج التربية والثقافة لترسيخ ( الاغتراب الثقافي ).
ومما ضاعف حدة الأزمة التناقض الحاد بين عمل المؤسسات التربوية والثقافية والمؤسسات الإدارية والأمنية . فعندما عملت مؤسسات التربية على ترسيخ مبادئ الوحدة والحرية واحترام الإنسان ، وأخوة العروبة والإسلام ، ولما حاول الفرد تجسيدها في سلوكه وواقعه، وجد المؤسسات الأمنية والإدارية تقف بوجهه بالقسوة والعنف ... وهكذا إلى أن انتهت سلسلة الاحباطات والانشطارات النفسية التي غسلت الأدمغة إلى هجرة العقول والأدمغة المبدعة والمنتجة والفاعلة إلى بلاد الغرب والكفر. وهكذا حرمت منها الأمة وبقيت في التخلف فزاد ذلك في ضعف فاعلية الإنسان في هذه المجتمعات وعجزه عن الجدارة والإنجاز.

حاجة المجتمعات العربية والإسلامية إلى
حركة تربوية – تجديدية تنقلها من
" المجتمع المغلق" إلى " المجتمع المفتوح"
إن أهم ما تحتاجه المجتمعات العربية والإسلامية هو حركة تربوية – تجديدية تعي التحولات التي تجري خلال ( الحقبة الزمنية ) التي تمر بها ثم ( تتكامل ) مع قوى التنفيذ والإدارة لبلورة الاستراتيجيات التي تتطلبها تحديات الحقبة وحاجاتها ، وتربي الأكثرية لتنهض بمسؤولياتها ولتتكامل مع العالم المحيط بما يجسد إنسانيتها ويحررها من ثقافة القطيع ويؤهلها للتفكير الناقد والقرار المستقل بدل الإبائية والعصبيات المحلية التي تروضها للتكيف لتحديات الواقع والإذعان لضغوطه ومشكلاته.
وهذا هو جوهر ما جاء به الإسلام وعكسه هو الصنمية .
ولتقوم الحركة التربوية – الفكرية – التجديدية المنشودة بإرجاع إنسانية الإنسان العربي والمسلم الحديث، ولتنهض بهذا الواجب لا بد من طليعة واعية تراجع موروثاتها الفكرية والاجتماعية والسياسية وتلتزم بالمبادئ الآتية :
المبدأ الأول : الوعي بمخاطر العصبيات النخبوية
يعمل علماء التربية المجددون على القيام بأمرين :
الأول : تربية الجماهير واستنقاذها من ثقافة القطيع ومدجنات العصبيات الحزبية والطائفية والمذهبية والإقليمية والقبلية، وإعادة إنسانيتها الراقية القادرة على صنع قياداتها والمشاركة في مناقشة أعمالها وتقييمها.
الثاني : تطوير خطاب خاص للمرشحين من النخب القوية؛ لاستلام الحكم والقيادة؛ لتزكية من لديهم قابلية الشفاء من الطغيان ومرض انتفاخ الشخصية أمام الأقرباء، وتقلصها أمام الغرباء، وللارتقاء بإرادتهم إلى درجة التقزز من وجود ( نخبة طاغية ) تتربع فوق الأكثرية وتفرض عليها أفكارها وتجردها من إدارتها وتفكيرها، والارتقاء بعقولهم إلى درجة الوعي بأخطار انقسام المجتمع إلى نخبة سلطوية وجماهير مدجنة.
المبدأ الثاني : الإنسان المجدد إنسان محب للإنسانية، متواضع، يؤمن بالحوار والاقتناع، ويرفض الانفعال والعنف، ويخضع أعماله للتفكير والنقد الواعي.
والمجددون يقنعون بصواب مواقفهم ولكنهم يحترمون حق الآخرين في أن يعتبروا أنفسهم على صواب كذلك.
والمجددون لا يقصرون حق التمتع الإنسانية على الرجال دون النساء، ولا على الغني دون الفقير، ولا على المؤمن دون الكافر، ولا يستنكرون على أي إنسان مهما كان جنسه أو دينه أو مذهبه أو طبقته بحق التفكير وحق التعبير والاختيار. فالاعتداء على أي من هذه الحقوق هو إساءة بالغة في حق الإنسانية يستنكرها المجددون – خاصة الإسلاميين الأصلاء- ويجاهدون ضدها بكل ما يملكون.
والمجددون لا يحاولون سحق خصومهم وإنما يحاولون إقناعهم وتحويلهم لمناصرة أفكارهم والعمل معهم.
المبدأ الثالث : يسترشدون بقوله تعالى ( لن يضروكم إلا أذى )
وهو بهذا يفرقون بين الضرر الذي هو مرض أساسي داخلي حقيقته تدمير إنسانية الإنسان وسلبه حرية التفكير والاختيار وتحويله إلى الصنمية والأصنام .
والأذى هو إسراع الطامعين من خارج لاستثمار آثار الضرر الداخلي وما يحدثه في الأمة من طغيان واستضعاف يعجزانها عن تحمل مسؤولياتها وحل مشكلاتها وتلبية حاجاتها.
المبدأ الرابع : لا يعتبرون أنفسهم مالكين للتاريخ
ويوقنون أنه من المستحيل أن يعمل أحد على وقف حركته أو تسريعها ودفعها قبل أوانها أو تحويل مسيرتها دون عقوبة. ولذلك يعي المجددون كيفية المشاركة في الحقب التاريخية ويفقهون مظاهر حكمة التخطيط اللازم لمعالجة التناقضات التي تحدث خلال مسار الحقبة التاريخية، ويتعاملون معها طبقاً لسننها وقوانينها. وهم يحسنون وعظ جماهير الأغلبية وأفراد النخب القوية، ويجادلون النخبة المثقفة المفكرة بأحسن مما عندها خلال التقلب بين التناقضات المذكورة ليستعيد جميع هؤلاء إنسانيتهم ويشاركوا في حمل مسؤولياتهم.
 

مواضيع ذات صلة

الوسوم
التربية الشخصية نضج ودرجات
عودة
أعلى