[ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ] .

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ" كُنَّا جُلُوسًا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عُودٌ يَنْكُتُ فِي الْأَرْضِ وَقَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا قَدْ كُتِبَ مَقْعَدُهُ مِنْ النَّارِ أَوْ مِنْ الْجَنَّةِ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ أَلَا نَتَّكِلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ ثُمَّ قَرَأَ : [ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى ] .

أخرجه البخاري في صحيحه : كتاب القدر ، باب : وكان أمر الله قدرا مقدورا ، رقم الحديث : 6605.

أولا / الجوانب الإيمانية والحياتية في الحديث الشريف :

وهذا الحديث يناقش قضية مهمة ، وهي قضية الإيمان بالقدر ، حيث لا يبلغ المؤمن مرتبة الإيمان ولا يذوق طعم الإيمان ولا حقيقة العلم بالله تعالى حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ، وحتى يعلم المسلم أن ما أصابه من أمر هو مقدر في علم الله.

كما أن قدرة الله تعالى حادث لا محالة ، فمشيئة الله غالبة ، وإرادته نافذة [ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ] [الأنبياء : 23 ][يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ] [ آل عمران : 176] ، [يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْر] [البقرة : 185 ] فهي تثبت المشيئة وهي تثبت الإرادة لله عزوجل ، كما قال تعالى [فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ] [ الأنعام : 125 ]

والله تعالى يحبب الطاعة أو الإيمان إلى عباده ويمنع عنهم الشيطان فلا سبيل إلى وصوله إلى قلوبهم ، كما قال تعالى[إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ][الحجر:34]

ومن حكمته تعالى أن يعطي ويمنع ، ويقدم ويؤخر ، وإذا أراد شيئًا هيَّأ له الأسباب المؤدية إليه ، وليس للعبد أن يحتج على الله تعالى في مسألة القدر ؛ ذلكم أن الإرادة لله تعالى هي إرادة كونية شاملة كما تقدم .

وأما العباد فإنهم في طريق الاختيار ، والله تعالى لا يفرض عليهم المعصية ، وإنما يعلم بها الملك سبحانه وتعالى قبل وقوعها (( فالأقدار غالبة ، والعاقبة غائبة )) فلا ينبغي لأحد أن يغتر بظاهر الحال ومن ثم شرع الدعاء بالثبات على الدين وحسن الخواتيم .

وربما يتساءل بعض الناس، لم يعمل العاملون ما دامت الأمور مقدرة ؟! والإجابة في قوله صلى الله عليه وسلم " كل يعمل لم خلق له أو لم يسر له "

فالذين سبقت لهم من الله الحسنى سارعوا إلى الخيرات ، كما قال تعالى " [إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ] [ الأنبياء : 101 ]

وهناك أيضا من يسارعون في الكفر ، وهم له سابقون ، كما قال تعالى [وَلاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] [البقرة :176 ]

ثانيا / الجوانب البلاغية والدلالية في الحديث الشريف .

يدور هذا الحديث الشريف في إطار قصصي مبسط ، يشدك إليه بسهولة ويُسر بعد أن شهد الصحابة جنازة في البقيع فجلسوا حول النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يعكس لك - سلمك الله تعالى - مدى ملاصقة الصحابة للنبي ( صلى الله عليه وسلم ) وقربهم منه ، وتآلف قلوبهم مع قلبه ( صلى الله عليه وسلم ).

وإذا كان الأمر كذلك والأجواء يخيم عليها جانب الحزن ، لِمَا ناسب الحديث الشريف من وجودهم في البقيع ، فكان الأمر يتحتم أن يذكرهم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) بالآخرة ، وهي بلاغة السياق وبلاغة الموقف وحسن اختيار المقال بما يتناسب مع الحال .

استخدام النبي صلى الله عليه وسلم وسيلة تعليمية إيضاحية بصورة تقريبية عملية يعكس لك - سلمك الله - جانب المعايشة للموضوع وحرصه صلى الله عليه وسلم على ربط المفاهيم الغيبية بالواقع وعلى تشويق الصحابة لم سيقوله النبي صلى الله عليه وسلم - تأمل - " كنا جلوسا مع النبي( صلى الله عليه وسلم ) ومعه عود ينكت به في الأرض" ؛ هنا بلاغة تفوق الجمال نفسه ، فهو ينكت في الأرض بعوده؛ أي : ينثر ما في الأرض ويؤثر فيها ، وتحمل معنى تأمليا ؛ أي : ينكت . أي: يفكر، كأنما يحدث نفسه ، وهي كلمة جمعت بين جانب حسي وجانب تأملي ، وأتى بيان هذا في قوله تعالى ( فنكس ) أي أطرق متأملا ، وبعد طول ترقب من الصحابة ، قال لهم النبي " ما منكم من أحد إلا وكتب مقعده من النار أو من الجنة .

هذا البيان فيه تعميم بعد تخصيص ، وهو من باب اللف والنشر ، وهذا واضح في قوله تعالى " كتب مقعده من النار أو من الجنة ، و ( أو ) هنا تحمل معنى التنويع ، وبالفعل فإن المقابلة هنا بين النار والجنة أحدثت تنويعًا في الأسلوب وحسن تقسيم المعنى ، على أن الغاية من هذا البيان النبوي أن يتضح في نفوس بعض الصحابة الكرام رضي الله عنهم .

فكانت اللغة حوارية بين الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم خاصة أن الموضوع شيق وشائك في الوقت نفسه ، فقال الصحابي بلغة الاستفهام ، أفلا نتكل يارسول الله ؟ والمعنى أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل ؟ أي : نعتمد على ما قدر علينا ؟ فرد النبي صلى الله عليه وسلم " اعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير " وهنا قال النبي صلى الله عليه وسلم " اعملوا " بلغة الأمر الطلبي " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " والجواب هنا من الأسلوب الحكيم ، والمعنى أنه أمرهم بالتزام أوامر العبودية وزجرهم عن التصرف في الأمور الغيبية .

ثم أردف صلى الله عليه وسلم بآية كريمة تبرز جانب الاجتهاد في العمل وأن العبد لا يجبر على العمل ، فقرأ قوله تعالى [فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى {5} وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى {6} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى {7} وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى {8} وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى {9} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى {10} ][ الليل ]
 
الوسوم
. [ ] أَعْطَى فَأَمَّا مَنْ وَاتَّقَى
عودة
أعلى