فَقَالَ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الطَّاعُونِ فَقَالَ كَانَ عَذَابًا يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ.

أخرجه البخاري في صحيحه ، كتاب : القدر، باب : قل لن يصيبنا إلا ماكتب الله لنا ، رقم الحديث : 6619.

أولا : الجوانب الإيمانية والحياتية في الحديث النبوي الشريف .

هذا الحديث أيضا أورده الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - في كتاب القدر ، وهو يفسر قوله تعالى " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا " والشاهد هنا " كتب الله لنا " وهي التي سيدور حولها الحديث الشريف بعد هذا .

والمعنى أن الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف أنه أن يصيبنا من خير و من شر ، ولا خوف ولا رجاء ولا شدة إلا وهو مقدر علينا مكتوب عند الله تعالى ، ويدل على كونه معلوما عند الله مقتضيا به عند الله ـ وأن قضاء الله تعالى شامل لكل شيء ، وأن تغير الشيء عما قضى الله تعالى محال ؛ ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال " حق على القلم بما هو كائن يوم القيامة "

كما أن الله تعالى عندما كتب جميع الأحوال في اللوح المحفوظ فقد علمها ، وحكم بها كما قال تعالى "[ وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ] [ يس : 10] ولأجل هذا فلا اعتراض عليه في شيء من أفعاله ، وإذا وقعت على بعض العلماء أنواع من المصائب فإنه يجب الرضا بها فهو سبحانه وتعالى مولاهم وهم عبيده ، كما قال تعالى " [قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ] [ التوبة : 51]

والحديث الشريف الذي معنا فيه حض على الرضا بقضاء الله تعالى وعلى الصبر والاحتساب عند نزول البلاء واشتداد الكرب وشيوع الأمراض والأوبئة كما هو في الحديث الشريف الذي معنا " مَا مِنْ عَبْدٍ يَكُونُ فِي بَلَدٍ يَكُونُ فِيهِ وَيَمْكُثُ فِيهِ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْبَلَدِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ إِلَّا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ"

وجانب المعنى هنا واضح لا يخفى عليكم في أن الصبر على مواجهة البلاء عند وقوعه باحتساب وسكينة يرتقي بالمسلم إلى أجر الشهيد " والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم "

وفي الحديث إشارة إلى عدم الجزع من القضاء المقدر في علم الله سلفا ، وما دام يوقن أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له فهذا يقين ، ونفهم أنه نال أجر الشهيد في سبيل الله ، وذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما

ثانيا : الجوانب البلاغية والدلالية والوقفات البيانية.

الحديث الشريف الذى معنا يحبب إلينا السؤال والحوار فى قضايا الدين " فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " .

فالسيدة عائشة – رضى الله عنها – تبادر النبى ( صلى الله عليه وسلم ) سائلة عن الطاعون ، وهو سؤال عام ولكنه يدور حول قضية ملحة مهمة : سألت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عن الطاعون ولم يكشف السؤال ماهية الحكم ولا مناطه ؛ ولذا جاءت إجابة النبى ( صلى الله عليه وسلم ) فيما يسمى بجواب الحكيم ، فأجاب عن سؤالها – رضى الله عنها – إجابة تاريخية أخلاقية جامعة شاملة من بيانه الشريف فيما يسمى بحكم الإطناب ، فبدأ كلامه بذكر الجانب التاريخى التأصيلى ، فقال مستخدما الجملة الفعلية كان عذاباً يبعثه الله على من يشاء ثم استخدم الفاء التحويلية التعقيبية حيث تحول هذا العذاب إلى رحمة وخص المؤمنين بالرحمن دون غيرهم ، ولغة التخصيص هنا واضحة ؛ فجعله الله رحمة للمؤمنين وتتابع الجمل الفعلية هنا يعكس لك جانبًا من المعايشة الحقيقية للطاعون وتحوله من كونه عذابا إلى كونه رحمة للمؤمنين وهذا استئناس بلغة القرأن الكريم " والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم "

وبعد هذا البيان النبوى على سبيل الإطناب والتوضيح تحول الكلام النبوى إلى أسلوب آخر فى التعبير وهو الأسلوب الشرطى فقال " ما من عبد يكون فى بلد يكون فيه ويمكث فيه لا يخرج من البلد صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد"

فى هذه الجملة الشرطية ثلاث جمل رئيسة ، وهى جملة فعل الشرط ، وهى قوله " ما من عبد يكون فى بلد يكون فيه"

تلاحظ - سلمك الله - تتابع الأفعال بل وتكرارها بصورة تأكد المعنى تأكيدا لفظيا - يكون فى بلد - يكون فيه يمكث فيه لا يخرج من البلد ، والمعنى أي أنه عندما يوجد الطاعون فى هذا البلد يكون العبد المسلم فيه أى موجودا فيه ، ويتعايش مع الطاعون ويستقر فى البلد امتثالا لمعنى العبودية " ما من عبد " مع اشتراط معنوى ودلالى فى قوله " لا يخرج من البلد صابرا محتسبا ؛ أى : أنه استخدم كل أساليب التوكيد التى تبرهن على كون المسلم مكث فى وقت البلاء ومكانه مستسلما لقضاء الله وقدره ثم أردف قائلا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له فهو تتابع لفظى للمعانى السابقة نفسها حتى نصل فى ترقب شديد إلى جملة جوانب الشرط التى يسعدنا بها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) وتنشرح بها صدورنا وهى قوله فى بيان الصابر المحتسب عند نزول البلاء " فقال " إلا كان له مثل شهيد . وهى إجابة تمثيلية تشبيهية لا تخفى عليك فى مقاربة المعنى للمستمع وتشبيه حالة الصبر عند البلاء بالجهاد .
 
الوسوم
اللَّهُ رَحْمَةً عَذَابًا عَلَى فَجَعَلَهُ فَقَالَ كَانَ لِلْمُؤْمِنِينَ مَنْ يَبْعَثُهُ يَشَاءُ
عودة
أعلى