يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا قَالَ نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ .
أخرجه الترمذي في سننه ، كتاب : القدر ، باب : ما جاء بين أصبعي الرحمن ، رقم الحديث : 2140.

أولا : الجوانب الإيمانية والحياتية في الحديث النبوي الشريف .

فى الحديث الشريف إشارة إلى أحد المعانى القرآنية فى قوله تعالى " واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " .
والمعنى أن الله تعالى يحول بين المرء وبين قلبه حيث يدركه الموت ، وهو يريد أن يبلغ أعمالا صالحة ويريد أن يتوب ؛ كى يلقى الله تعالى نقيًّا طاهراً والأجل يحول دون الأمل ، ولا يدرك الإنسان الأمانى الحاصلة فى القلب .
والمعنى الأساسى الذى يدور حوله الحديث : أن القلب سريعًا ما يتقلب ؛ ولذا كان يقول النبى ( صلى الله عليه وسلم ) لا ومقلب القلوب ؛ أى : الذى يقلب قلوب عباده كيف يشاء .

وهكذا يحدث التحول فى حياة الناس من حالة الضلال إلى حالة الهداية ، ومن حالة الإدبار إلى حالة الإقبال ، ومن حالة الإيمان إلى حالة الكفر ، ومن حالة الغفلة إلى حالة الذكر . ومن حالة البعد إلى حالة القرب ... والعكس فى جميع الأحوال ؛ ولذا فإن هذا القلب فى حاجة إلى أن يثبت على الإيمان .
وتقل أسباب التحول عنده ؛ ذلك أنه عندما يشع نور الايمان والهداية فى قلب عبد من عباد الله يبعث فى هذا القلب الحياة من جديد ، فلأول مرة يحس هذا الإنسان بطعم الحياة ، ففى السابق لم يجد للحياة معنى غير الأكل والشرب والنوم ، أما بعد دخول نور الهداية والإيمان فى القلب ، فكل شيء يتغير ، وكل شيء له معنى فيعرف ما هدفه من الحياة ، ويعرف ما له وما عليه، فيبدأ فى أول الخطوات لتحقيق هذا الهدف المنشود ، ويبدأ بالقيام بالواجبات المكلف بها ويتجنب المحذورات التى حذر من التقرب منها ولو بمقدار أنملة ، وتكون أول هذه الـأيام من أحلى الأيام التى مرت على كل شاب وشابة استقاموا على طريق الإيمان والهداية - أيام فيها النشاط والحيوية - فى طاعة الله من صلاة وصيام وصدقة وبراً للوالدين وصلة للأرحام وإحسان للناس كافة ، إلا أن هذه الشعلة من النشاط والحماس فى بعض الأحيان ما يلبس نورها إلا ويخفت، وقد تنطفئ هذه الشعلة لسبب .
ويحتاج المسلم إلى رفقة صالحة وزوجة صالحة واجتهاد فى العبادة ومجاهدة لنفسه ؛ كى يثبت قلبه على الإيمان ولا يتبلد ولا يتغير، فإن الصدق فى الإخلاص أشق الأعمال صعوبة على النفس وأشدها على القلب .


ثانيا : الجوانب البلاغية والدلالية والوقفات البيانية

الحديث الشريف الذى معنا نستنبط منه الجوانب البلاغية التالية :-

اولا : التعبير بالفعل الماضى : كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يكثر أن يقول " يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ " ، وفيه إشارة إلى ضرورة الإكثار من أدعية معينة يثبت بها قلب المسلم خاصة ساعة إحساس المسلم بتغير قلبه وتبدله .
ثانيا : قوله ( يا مقلب القلوب ) فيه استغاثة واستجارة بالله تعالى ونداء بلغة الإلحاح والرجاء ؛ أى : يا مصرفها تارة إلى الطاعة وتارة إلى المعصية ، وتارة إلى الحضور والتذكر وتارة إلى الغفلة .

ثم قال بعد النداء النبوى بلغة الرجاء والطلب ( ثبت قلبى على دينك ) وهذا أسلوب إنشائى الغرض منه طلب الثبات على الدين القويم والصراط المستقيم وأنت ترى - سلمك الله - دقة الألفاظ وترابطها وانسجام المعانى وتآلفها : انظر إلى قوله : يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك ، وكلمة الدين هنا تحمل دلالة دقيقة فى شمول كلمة الدين فهي شاملة للطاعة والهداية والاستقامة والمجاهدة وهكذا ، وهى من جوامع الكلم فى البلاغة النبوية كما أوضحنا .

ثالثا : يبدو لك من الحديث الشريف أن الصحابة الكرام كانوا شغوفين بتتبع المعانى وتعاقبها دون الرضا باليسير من العلم ؛ ولذا سأله الصحابى - رضى الله عنه - فقال له متعجبا بلغة النداء التى تحمل خلفها اللهفة فى طلب الإجابة قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) "آمنوا بك وبما جئت به" هذه لغة تقريرية لا تخرج على أنها حقيقة نعم لقد أمنوا به وصدقوه ورغم هذا فإن النبى الكريم يريد لأمته عدم التحول عن الدين ، فقال الصحابى بلغة الاستفهام : فهل تخافوا علينا ؟
قال : نعم ، يعنى أخاف عليكم وأعاد بيانا نبويًّا للحكمة من أصابع الله فى بعض الروايات ، من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، يقلبها حالة مضارعة لسرعة تقلب القلوب من زوال نعمة الإيمان أو الانتقال من الكمال إلى النقصان وهى مفعول مطلق : أى تقليب يريده الله أو حال من الضمير المنصوب أى يقلبها على أى صفة شاءها - فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك .
 
الوسوم
الْقُلُوبِ ثَبِّتْ دِينِكَ عَلَى قَلْبِي مُقَلِّبَ يَا يَقُولَ
عودة
أعلى