جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنِي سُمَيٌّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ الْبَلَاءِ وَدَرَكِ الشَّقَاءِ وَسُوءِ الْقَضَاءِ وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ قَالَ سُفْيَانُ الْحَدِيثُ ثَلَاثٌ زِدْتُ أَنَا وَاحِدَةً لَا أَدْرِي أَيَّتُهُنَّ هِيَ.

أخرجه الإمام البخاري في صحيحه ، كتاب : الدعوات ، باب: التعوذ من جهد البلاء ، رقم 6347
هذا الحديث الشريف ورد فى بابين فى باب الدعاء وفى باب القدر ، وفى هذا الحديث الشريف نتعلم فقها جديداً فى التعوذ من الأمور التى لا يستطيع الإنسان أن يدفعها عن نفسه وهى تفوق احتماله وطاقته .

" ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به " وفى الحديث أيضا جانب قدرى وهو التعوذ من سوء القضاء وهو عام فى النفس والمال والأهل والولد والخواتيم .
وهو المقضى به فى علم الله تعالى ورغم أن حكم الله تعالى كله حسن ليس فيه سوء لكن المراد التعوذ من سوء الحكم وليس اعتراضا على القضاء وهو تعليم للأمة فى الاستعاذة بالله تعالى من وقوع سوء القضاء وفيه مشروعية الاستعاذة رغم كونه قد سبق فى القدر فقد يشاء الله على المرء بالبلاء ويقضيه عليه ثم إذا دعاه تعالى كشف عنه فالقضاء محتمل للدافع والمدفوع فالقضاء وفائدة الاستعاذة والدعاء إظهار حاجة العبد إلى ربه وتضرعه إليه .

وأما تغير القدر بالدعاء فتلك مشيئة من الله سبحانه وتعالى فالله تعالى يحب الملحين فى الدعاء والدعاء ينفع مما نزل وما لم ينزل والداعى لا يعرف ما قدر ؛ ولذا فإن الدعاء من جملة العبادة لما فيه من الخضوع والافتقار، وهكذا قال النبى الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) "ما على الأرض مسلم يدعو بدعوة إلا أتاه الله أيامًا أو صرف الله عنه مثلها ".

وفى رواية أخرى إما يعجلها له وإما أن يدخرها له ، وفى الحديث الشريف الذى تأكيد لكل المعانى السابقة فهذه الخصال الأربع التى تعوذ منها النبى ( صلى الله عليه وسلم ) هى جامعة شاملة لكل ما يتعرض له الإنسان فى حياته أو ما ينتظره فى مستقبل حياته أكان هذا عن طريق البلاء الذى لا يستطيع الإنسان دفعه أم عن طريق الشقاء الذى لا يتحمله مسلم ولا بسوء القضاء الذى يفضى إلى مظالم ومهالك لا يتحملها الإنسان ، وكذلك التعوذ من شماتة الأعداء لما تحمله من نزول الفرح عند حلول البلية بالمسلم وما يصاحب هذه الشماتة من استهزاء وسخرية وتفتيش عن العيوب فى وقتً تتهشم فيه القلوب ، فى وقت هى أحوج أن يجبر خاطرها بدعوى صادقة صالحة أو بكلمة طيبة وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا أولو الألباب .

الجوانب البلاغية والدلالية والوقفات البيانية

فى بلاغة هذا الحديث الشريف الذى بدأ بجملة فعلية استهله الراوى الأعلى بقوله " كان النبى ( صلى الله عليه وسلم ) يتعوذ من ذكرها وما تعوذ منه النبى ( صلى الله عليه وسلم ) هذه الاستعاذة كلمة قرآنية مأخوذة من قوله تعالى " فإذا قرأ القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم "
والاستعاذة فى لغة العرب : تعنى الاستجارة والتحيز إلى الشيء على معنى الامتناع به من المكروه ، ويقال عذت بفلان واستعذت به أي لجأت إليه .
والاستعاذة فى الحديث الشريف هنا بمعنى التعوذ والاستجارة مما استعاذ به النبى ( صلى الله عليه وسلم ) على سبيل التعميم ثم على سبيل التخصيص .
فعلى سبيل التعميم : اللهم إنا نستعيذ بك مما استعاذ به نبيك محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وعلى سبيل التخصيص نتعوذ مما ورد فى هذا الحديث الشريف من الأمور الأربعة وهى ما سنبدأ فى تحليله بلاغيا .

أولا : التعوذ من جهد البلاء : وهو كل ما أصاب المرء من شدة ومشقة وما لا طاقة له بحمله ولا يقدر على دفعه مثل قلة المال وكثرة العيال . والجهد بفتح الجيم وضمها أى المشقة وقد وردت هذه اللقطة فى حديث بدء الوحى

ثانيا : التعوذ من درك الشقاء : فهى كلمات موحية بما يهبط إليه الإنسان فى درك الهم والغم عندما يشقى بحالة أو تشقى ذريته ويكون الشقاء فى أمور الدنيا وفى أمور الآخرة معنا وهى من جوامع الكلم عند النبى ( صلى الله عليه وسلم )

ثالثا : التعوذ من سوء القضاء : وقد أوضحنا قبل قليل، وهو عام فى النفس والمال والأهل والولد فهو ليس دفعا للقضاء والقدر، وإنما يتعوذ مما بجملة الغيب للإنسان مما لا يدفع إلا بلطف الله تعالى " إن ربى لطيف لما يشاء "

رابعا : التعوذ من شماتة الأعداء : وكم فيها من بلاغة حسية لما تحمله النوائب من همزات الأعداء وشماتتهم مما يكسر قلب ويوجع النفس ويوحش الصدر .
وأنت ترى فى الجانب البلاغى حسن التقسيم فى الحديث الشريف كما ترى جانبا تعليميا (أدب الاستفادة ) وأنها ليس منافية للإيمان بالقدر والقلب وفيه إشارة إلى استحباب الاستعاذة من الأشياء المذكورة من غيرها .

ولعله يلفت انتباهك سلمك الله أن الحديث ورد بكلام مسجوع تأمل جهد البلاء ودرك الشقاء وسوء القضاء وشماتة الأعداء والكلام المسجوع ليس مكروها لأنه صدر منه ( صلى الله عليه وسلم ) من غير قصد إليه ولا تكلف إلى طلبه، وإنما أتى الكلام مترادفا متناغما مسجوعا تقبله النفس ولا تستوحش منه كما أن هناك تدرجا فى الحديث وحسن انتقال فى الأمور الأربعة المتدرجة فى موضوعها ما بين جهد البلاء وعموميته ودرك الشقاء واتساعه وسوء القضاء وشموله وشماتة الأعداء التى هى أقل فى التخصيص من غيرها .
 
الوسوم
الشَّقَاءِ الْبَلَاءِ الْقَضَاءِ جَهْدِ وَدَرَكِ وَسُوءِ
عودة
أعلى