حاجة الإنسانية إلى العقيدة الصحيحة

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
إن الإنسان آية الله في خلقه ، طبعه ربه على هذا النحو العجيب وفطره على هذه الصبغة الفذة مقترنة بعديد من الغرائز والميول ، وحينما تشده الأولى إلى زكاة النفس ، واستواء الفطرة ، وقصد السبيل ، فان الثانية تشده إلى النقيض تماما بتمام ، وبين هذا وذاك يتطلع الإنسان ويرنو إلى ما يحفظ عليه نقاء معدنه ، وصفاء جوهرة ، وزكاة نفسه ، وطهارة قلبه ، واعتدال خلقه ، وقصد سلوكه ، ويجعله على طول الخط سوى المنهج ، قوى السبيل ، زكى الباعث ، نبيل المقصد ، متعلقاً بمعالي الأمور ، نائيا عن سفاسفها ، يتطلع إلى ذلك ويهفو إليه ، فلا يجده إلا فى رحاب الإيمان بالله ، وأحضان الطاعة له ، وظلال القرب منه .

والإنسان بفطرته لا يملك إن يستقر في هذا الكون الهائل ، فلابد له من رباط معين بهذا الكون ، يضمن له الاستقرار فيه ، ومعرفة مكانه في هذا الكون ، الذي يستقر فيه ، فلابد له إذن من عقيدة تفسر له ما حوله ، وتفسر له مكانه فيما حوله ، فهي ضرورة فطرية ، شعورية ، تقوم بالتأصيل لجوهر الفطرة ومتابعة بعثها لضمان استمرار حركتها وعملها وانطلاقها .
ومن هنا : كانت حاجة الإنسان إلى العقيدة حاجة فطرية مركوزة في فطرته ، ومغروسة في شعوره ، ومخلوطة بدمه وعصبه ، ولكنه قد يضل عن إدراك هذه الحقيقة ، فيشقى ويحار ، ويفقد الاستقرار .

هذه الحاجة الفطرية في الإنسان إلى الدين ، هي التي يتحقق بها إدراك الإنسان لحقيقة مقامه في هذه الحياة ، ورسالته وعملة ودورة
وقد أودع الله – سبحانه وتعالى – في الإنسان ما يستطيع به إدراك الحقائق الكبرى في الوجود وندبه الله – سبحانه وتعالى – للقيام بمهمة التعرف على هذه الحقائق التي يراها الحس والعقل والوجدان ، في الآفاق وفى النفس ، وفى كل شيء ففي الأرض آيات للمؤمنين ، وفى السماء مثلها وأعظم فالفطرة الإنسانية السليمة هي
التي تتوجه إلى الكون بروح متفتحة تكشف ما فيه من قصد وتصميم وإبداع وتنتهي إلى إدراك مكانها من هذا الوجود وتحديد كيفية سلوكها فيه ، ومن خلال هذا التصور تتحدد علاقة الإنسان بربه – عز وجل - .
فالإنسان لا غنى له عن الدين ، لأنه يحسه فى نفسه ، شعوراً ووجداناً ويشير إلى هذا الشعور ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله علية وسلم قال : " ما من مولود إلا يولد على الفطرة "
وقول الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ{172} أَوْ تَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ{173}) (الأعراف : 172 ، 173)
ففي هذه الآية : بين الله – تعالى – انه اخرج من صلب ادم وبنية ذريتهم نسلا بعد نسل ، على هيئة الذر ، وذلك قبل خلقهم فى الدنيا وأشهدهم على أنفسهم قائلا لهم : ( الست بربكم) فأجابوا : (بلى شهدنا) بذلك ، فالله – سبحانه وتعالى – أشهدهم على ربوبيته ، حتى لا يقـولوا يوم القيامة : إنا كنا عن هذا التوحيد غافلين ، أو غير عالمين(1) .
فالإيمان بالله فطرة فطر الناس عليها ، وإنما يضلون عنها بعض الوقت او كل الوقت ، ثم يعودون اليها ولو عند فراق الحياة ، او عند نزول الكوارث والإحداث ، فقد كان فرعون يدعى الألوهية ، ويقول لقومه (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى{24}) (النازعات : 24) ، وسام بنى إسرائيل سوء العذاب ، وكفر بموسى ، واله موسى ، ولكنة عندما أدركه الغرق ، قال : (آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ{90}) (يونس : 90)
والمشركون بالله ، والكافرون به ، فى كل الأجيال ، كانوا يعبدون الأصنام ويستقسمون بالازلام فإذا مسهم الضر فى البر أو البحر ، لجأوا إلى الله يدعونه ويسألونه النجاة (وَإِذَا مَسَّ الإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ{12}) (يونس : 12)
ومن هذا يتبين : انه يوجد فى طبيعة تكوين الإنسان استعداد فطرى لمعرفة الله وتوحيده ، فالاعتراف بربوبيته متأصل فى فطرة الإنسان ، موجود فى أعماق روحه ، فقد أنشأهم الله على الاعتراف بالربوبيه له وحده ، فالاعتراف بربوبية الله وحده ، فطرة فى الكيان البشرى ، فطرة أودعها الله الخالق فى هذه الكينونة ، وشهدت بها على نفسها بحكم وجودها ذاته ، وحكم ما تستشعره فى أعماقها من هذه الحقيقة، فالتوحيد ميثاق معقود بين فطرة البشر، وخالق البشر، منذ كينونتهم الأولى (1) .
والوجود كله عابد بطبيعته، منصاع لوظيفته، لا يسعه إلا أن يطيع ربه فى ولاء لا يشوبه استكشاف، ولا يطاوله كائن، بل إنه جميعا من أعلاه إلى أسفله يهتف فى البداية بلغة المقهور أمام عظمة القاهر، وخاف العابد تجاه قدسية المعبود بما سجله الحق في قوله تعالى :" ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{11} "( فصلت 11 ) 0
والإنسان وإن كان يساوى الكون في العبادة بفطرته ، فإنه ينبغي عليه أن يفوقه منزله، وأن يعلوه فيها درجات، تتناسب وتركيبه، وتكوينه المتميز بالعقل والإرادة، والاختيار، والميول والنزعات، والرغائب، بيد أن الإنسان من طبعة أن ينسى أحيانا، وأن يغفل أحيانا، وأن يجحد أحياناً، وأن يكفر، لأن امتزاج الروح بالجسد، وانشغال الإنسان بمطالب جسده ، وبمطالبة المختلفة ، التي تستلزمها حياته في الدنيا ،
وعمارة الأرض ، قد جعلت من معرفة الإنسان بربوبية الله ، واستعداده الفطري للتوحيد ، عرضة لان تطمره الغفلة ، ويغمره النسيان ، ويطويه اللاشعور في أعماقه ، ويصبح الإنسان في حاجة إلي ما يوقظ هذا الاستعداد الفطري ويبعد عنه النسيان ، و يبعثه من أعماق اللاشعور ، فيظهر جليا واضحا في الإدراك ، والشعور ، ويتم ذلك عن طريق تفاعل الإنسان مع الكون وتلك فطرة فطر الله الناس عليها ، وصبغة صبغهم بها ، لا فكاك لهم منها ، ولا شذوذ لهم عنها .
فعاطفة التدين أو الاعتقاد بدين من الأديان أمر غريزي ، ومشترك بين الناس ، عامة في كل عصر ومكان ، فانه لم تخل جماعة من الناس في أي زمان من عقيدة دينية على نحو ما – " وقد اثبت التاريخ انه قد وجد في الماضي السحيق جماعات إنسانية من غير فلسفات وعلوم وفنون ، ولكن لم توجد قط جماعة إنسانية من غير دين إذ لابد في حياة الناس من نظم تلم شتاتها ، وترفه حياتها ، وتضمن لها أسباب النهوض والتقدم ، ويعيش الناس في ظل هذه النظم على قواعد الحق والعدل ، في أمن وسلام ، وقد كرم الله الإنسان بالعقل لكنه أودع فيه نفسا إمارة بالسوء ، وهو يعيش في صراع بين عقله الهادي إلى الصلاح ، ونفسه الأمارة بالسوء ، فكان من تمام نعمته عليه إن وضع له النظم التى توصله إلى التغلب على النفس ، وسد منافذ الشيطان إليها ، فحملة أمانة التكليف ، واخذ عليه العهد بان يعبده ولا يشرك به شيئا ، وأمده بهداية الرسل – عليهم الصلاة والسلام –
إذن " لكي تتحقق الحكمة الإلهية في خلق الإنسان ، ويتبين المصدق الحق لقوله تعالى أرشادا للملأ الأعلى : (قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{30}) (البقرة : 30) لابد لقوة الخير في الإنسان من مدد يعينها ويغريها على سد منافذ الشر والطغيان"
 
الوسوم
إلى الإنسانية الصحيحة العقيدة حاجة
عودة
أعلى