رسالة من فوق الغيم

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
حمل النّسيمُ حروفَه المتلعثمةَ كلماتٍ داعبَتْ ذهولَها:
- أمّاه اِهدئي! لا تجزعي، أنا سعيدٌ بالبعدِ عن وجوه البشر، لا جوع، لا حرمان، آمنٌ في عالم الملكوت.
- أمّاه! دمعك يحرقني، كفكفيه، خبئيه، فقد يسعفُكِ إن لم تجدي خيمةً تحميك، وقد يشفع لك إن طردك أحد موظّفي الإغاثة، وحرمك من وجبة طعامٍ لإخوتي.
- أمّاه! اِسعدي لأجلي. وددْتُ لو جئتم معي لكنّه فراق مؤقّت.
- أمّاه ! بشفاعة جيرتنا القصيرة، لا تؤنّبي نفسك، وتقولي: قدّمته للموت، فهو يلح على استضافتنا ببطاقات دعوات قسريّة.
- أمّاه! بحقّ حرصك، حزنك، قلقك علينا لا تلومي أبي، كفّي الصّغيرة لم تستطع التّشبّث، وموج البحر أقوى من عضلاته، وأولئك العابثون الذين هاجموا زورقنا الصغير كانوا يضحكون من استهتار الكون بنا، من تشردنا في مياه مالحة .
- أمّاه! اُشكري موجاً على الشّاطئ رماني ، فقد أصبح لموقع موتي عنوانا بعد أن فقدْت في وطني المكان والزمان، ولن يتكفّل أحد بكتابة اسمي على شاهدة قبر.
- أمّاه! لومي الفقر، اشتمي الطمع الذي جعل الرّجال يمتهنون تهريب البشر في بحر الموت، اُبصقي في وجه المزيفين الذين لا يسمحون لنا ولوج بلادهم إلا بعد اجتياز امتحان لا ينتصر فيه إلا الأقوى وهم يتأملون نتيجة لعبهم، ويضحكون منّا وعلينا.
- أمّاه! العارُ كلّ العار لمن يقدّم الموت غرقا لِهاربٍ من الموت جوعاً... حرقاً... أو بالرّصاص.
- أمّاه! لا تغرنّك إنسانيّة تجعل صور الضّحايا تتصدر الصّفحات. فهل تراهم يمنحونك تأشيرة دخول لبلد تجدين فيه المأوى والمشفى؟ لسْت متفائلاً بهم فاعذريني. لكِ الثُكلُ والوجع، وما أنا إلا وصمة العار في وجه مَنْ تبّقى من الأخيار.
- أمّاه! لملمي جراحك يمكنك أن تعودي إلى إحدى جارات اللّجوء، و لا تنزعجي إن طردَتْك خوفاً على لقمة أبنائها.
- أمّاه! تسوّلي وأنت تجرين أخي في اتجاه، واتركي أختي لأبي يتسول إن وجد بين الشّحاذين مكاناً. ربما تجمعون المال لمهرّب قد يصل بكم مع إخوتي إلى بلد الأحلام، وقد تلحق أرواحكم بنا، وتُترَك أجسادكم لعدسات الهواة يلتقطونها ليصفعوا بها وجوه من يراها ويتوجع لأنّه إنسان.
- أمّاه! نامي لترتاحي، باتت قهوة الصّباح تتأفّف من رائحة قهرنا، وغدونا مادة لسخرية رواد حانات المساء.
- أمّاه! اعذريني، فكلّ قوانين البشر، ثرثرتهم، تعاطفهم لا يستحق أكثر من حذائي المقلوب.
- أّماه! سامحي أنانيّتي: إنّني هانئ البال سعيد الحال، لا يؤرقني حتى الشوق إليكم لأنّني أثق باقتراب موعد اللّقاء.
 
الوسوم
الغيم رسالة فوق من
عودة
أعلى