شارب الخمر والمخدرات

الخمر: ما غطَّى العقل وعطَّل وظيفتَه، سواء كان أشرِبة سائلة، أو عقاقير جامدة؛ كالحشيش والأفيون وما أشبهها، وبعض الناس لا يتصوَّر إلا ما أَسكَر من عصير العنب أو القصب أو الشعير أو غير ذلك، وهذا خطأ؛ فإن الأمم التي تَشيع بينها الخمور السائلة أحسن حالاً من الشعوب التي يُخدِّرها الحشيش والقات والأفيون، ولا يُتصوَّر أن يَحظر الشارع أخفَّ الضررين، ويترك الإثم الآخر دون تحريم.

وقد عُرفت الخمر من قديم بأنها تَشُل الفكر، وتطيش الحُكم، وتُفسِد التصوُّر، واضطراب النظر في الأمور على هذا النحو يهبط بقيمة الإنسان وكرامته العقلية، ويَحرمه أجلَّ مَيزة فضِّل بها على أنواع الخَلْق، وهي عقله الذكي البديع.

وعندما بتَّ القرآن الكريم الحكم بتحريم الخمر، ذكَر أن ذلك لآثارها النفسيَّة والعقلية السيئة، ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ﴾ [المائدة: 91]، والمرء إذا استرخى زِمام فِكره، استيقظت غرائزه، وتلاشى ما يَحكُمها، وشرَعت تنطلِق هنا وهـناك دون حَذَر، ومن ثم ترى المخمور أو المخدَّر يأتي أفعاله وكأنه حيوان لا صاحب له.

وقد أحسَّت أمم كثيرة خطورة هذه الحال على يومها وغَدِها، فقاومت المُسكِرات والمخدِّرات بقوة، ونفَّذت بعضُ الحكومات عقوبة الإعدام فيمن يتناول المخدرات أو يروِّجها، وانطلقت صيحات كثيرة تُرهب من الخمور وغائلتها، وتَلفِت الأنظار إلى ضراوتِها وفتْكها، ولكن أمر الناس عجيب، فهم يُوقِنون أن الدخان مثلاً لا جدوى فيه، يَحرق المال والصحة، وأنه يكمُنُ وراءه أمراض راعبة، ومع ذلك يتهاوى الصغار والكِبار على هذه العادة الحمقاء - عادة التدخين - ولا يبالون بما تَجرُّه عليهم من وبالٍ.

ويظهر أن البعض يَفِر من الإحساس بالواقع إلى غيبوبة مؤقَّتة أو نشوة متاحة، يظنها استجمامًا لأعصابه وهي - لو صح ما توهَّم - غيبوبة يَعقُبها صحو أليم؛ فإن المسكِرات والمخدِّرات قد تنقل ذويها إلى عالم من التبلُّد وقلة المبالاة، وربما أشعرتهم ببعض السرور الغبي الماجن، لكن الصحو الذي يَعقُب هذه الغيبوبة يجيء مضاعَف الحسرة.

وذلك إلى جانب ما يسكُن البدنَ الإنساني من عِلل مختلفة، وهذا هو السر في تعبير القرآن الكريم عن الخمر والميسر: ﴿ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ﴾ [البقرة: 219]؛ أي: إن النتائج الضارة التي لا فِكاك منها أرجحُ مما يتوهَّمه السِّكير أو يشعر به من نشوةٍ ولذة.

وكذلك ما يُسبِّبه الميسِر من شحناء أكبر مما يعود على الفقراء من أرباح القمار، وفي أواسط هذا القرن أرادت الولايات المتحدة أن تُحرِّم الخمر لما استبانتْه من سوئها، وسنَّت لذلك قانونًا حسنًا، ولكنها فشِلت في تطبيقه؛ لأنها لم تتَّبِع سُنة التدرج التي اتخذها الإسلام، ولو أنها تدرَّجت في الحَظْر لنجحت في وقاية الجمهور من هذا البلاء.

والإسلام يُحرِّم المسكِرات، ويُعاقِب شاربيها بالجلد ثمانين جلدة، وهو حد اتفقت الأئمة عليه؛ لأن الروايات اختلفت في عقوبة شاربِ الخمر، فمنها ما جاء بضربه وإهانته، ومنها ما جاء بجلده أربعين، ومنها ما بلغ بالجلد ثمانين.

وقد رأى الصحابة أن من سكَر هذى، ومن هذى افترى، فليُعاقَب بحد الافتراء، أي قذْف المُحصَنات، ونَلفت النظر إلى أن الإسلام يُعاقِب على شرب الخمر لا على السُّكر منها، فمن شرب - سكِر أو لم يَسكر - ضُرب الحد المقرَّر.













 
الوسوم
الخمر شارب والمخدرات
عودة
أعلى