.يوميات

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
صار الهوس قرشاً يجري في شريان النّهم لعلّ البناء يزيد طابقاً والأثاث تزينه تحفة ثمينة، وغدا الجوع وحشاً يفتك بالضّلوع: لقمة خبز لِصغارِ الفقراء تكفي لكنّ خروفاً محشيّاً بمكسرات هنديّة لفُقراء الصَّغَار لا يسمن و لا يُشبع.
زينب وصويحباتها في بيتٍ كلّه مطبخ تديره سيدة تعرف كيف تستنزف جهد العاملات لتبيعه خضراً مجفّفة، حلويات شهية، أطعمة جاهزة تلبية لطلبات من يدفعون حفنات نقود من أجل حفلاتهم ، وحذار أن تطلب منهم صدقة، فَـسهام النظرات ستقتل كل رغبة في الحياة عند من تجرأ على الطّالب منهم.
تعمل النّسوة مذ يُغلق عليهنّ الباب بتقطيع اللّحم والخضار وهنّ محاصرات بعيون العدسات ترقب الحركات والسكنات خوفاً على قرص بندورة( طماطم)، إصبع خيار، قطعة لحم أو فخذ فروج في أيّام حرب مستعرة تسابق ثمن السلع في اللّهيب، وتجار الهلاك ينفخون النّار.
أصابعهن الرّشيقة تلفّ ورق العنب تهمس زينب لجارتها: ابني البكر يحلم بهذه اللّفافات مطهوّة بالدّهن، وليتني أستطيع تأمين ثمن الورق فكيف بدفع ثمن اللحم؟ وعلبة السمنة التي حصلت عليها من مركز الإعانة مسحنا جدرانها قبل أن يمر عليها أسبوع في ديارنا.
يرقص القهر على شفاه صبيّة فتردّ بحدّة: الفقراء يتبارون بإنجاب الأولاد ، ثمّ البكاء على جوعهم.
تحوقل امرأة مسنّة: اسكتي يا بنت! الأولاد هبة السّماء تأتي مع أفواههم أرزاقهم.
تضحك الصّبيّة باستخفاف: لماذا تشكون من جوعهم، وتتسولون لهم اللّقمة؟
صاحت امرأة أخرى بانزعاج: ما زلت صغيرة. اخرسي، اسكتي.
ضحكت صّبيّة أخرى باستخفاف: سكتنا، وستأتي السيّدة وتصرخ: اسكتن، ونسكت، أبي يصيح ، وأمي تصرخ، وعمري يبكي، والكل يقول للمحروم: اسكت.
طأطأت النّسوة الرّؤوس، وكلّ منهنّ تبتلع غصّة ترفضها معدة مريضة. وتلقي الكآبة بظلّها على ساعات العمل فتطول، تتبرّع إحداهنّ بزغرودة لعروس لا يعرفنها تشاركها الأخريات هرباً من ألم يزيد الوجع، ويتمنين عريسا غنيّا لصبايا أيديهن مبللة بالماء طوال النّهار دفعهن فقر الأهل والحرمان من الشهادة إلى منح شبابهن لجدران مطبخ والعمل في أطعمة لا يملكن إلا تذوّق رائحتها والخوف من الاقتراب.
ينتهي الدّوام بعد غسل الصّحون ومسح الأرض والجدران: لا وجع ظهر يمنع، و لا آلام الرّقبة تشفع، و تغادر المنهكات المطبخ يتساءلن عن شكل تلك النسوة اللواتي تُلبى طلباتهن من غير أن يوجعن أيديهن، تقف زينب طويلا أمام أصابع الموز، تشمّ الرّائحة ليتها تصل إلى أنوف الصّغار فتزكمها، وتنسيهم المطالبة بها، تمضي في طريق عودتها لتشتري من الدّكان القريبة كمية من البطاطا بعد أن حظيت بعلبة زيت استعمل في المطبخ عشرات المرات، وتحلم بأن يشبع صغارها وزوجها العاجز ليناموا.
 
الوسوم
يوميات
عودة
أعلى