مارد القرن الواحد والعشرين (الحلقة الثّانية)

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
سار علاء الدين الهوينى وخياله شارد يفكر بطريقة لإقناع المارد بالتّخلّي عن موقفه الجامد وعيونه ترصد ما يرى في الشّوارع الواسعة المكتظّة بما لا يحتمل المشاهد، التقطت ذاكرته صوراً تغيظ الكافر والعابد، ولا يستطيع القبول بها عاقل ولا معاند. لم يعد يحتمل المزيد والعقل كاد عن الصّواب يحيد، رجع مصمّماً على إخراج المارد علّه لحل يكون له رافد.
برفقٍ تحسّس المصباح، وناداه بصوت فيه رجاء: قم يا صديقي أنت صاحبُ عطاء! اشتقت إليك أما تكفيك سنوات الجفاء، هيّا قم لرؤية ما في الدّنيا من بهاء .
ردّ المارد بصوت يتقطّع من الغيظ: أنا مرتاح في قمقمي من البرد ومن القيظ. لا تحاول إغرائي برؤية أحدٍ وخاصّة النّساء، فكثيرات منهنّ تخلّين عن الكبرياء، وسُحب من وجوههن بريق الحياء. ألم تصدمْك المهرّجات في الطّرقات وفي الحافلات حيث الصّباغ الأبيض على الوجنتين يبكي، والأحمر على الشّفاه يغلي، والكحل في العيون يجري، والأخضر أو الأزرق على الجفون يسري؟ والنكتة المؤلمة أنّهنّ يتفنّن بالتزيّن لأنفسهنّ فلا شابّ يأبه، و لا عجوز يهتم اللهم إلا تلك الغبيّة الأم التي نسيت مصطلح: حرام... عيب... فهي تطمح بالحصول لابنتها على عريس يهبط عليها من عالم الغيب.
بالله عليك ألم تر الصبايا جعلن سنام الجمل على رؤوسهن إكليل غار، وحشون أرجلهن فيما يسمى بنطال متناسيات مفهوم العار، تمشي إحداهنّ تتمايل غير آبهة بصدرها يغمز وبأردافها تقفز. والصّغيرات في الطّرقات راقصات عاريات، وكأنّ الأقمشة تلاشت من المحلات.
كاد الخرس يشلّ لسان علاء الدين، كيف لمارده أن يعرف ما يجري وهو في قمقمه لا يبين.
- لا أقصد هذه الفتيات و لا أمهاتهن يا ماردي النّبيل!
- لن أخرج حتى لو أطلقت عليّ النّار، وتلاشيت بين ركام الدّمار. هل يُعقل أن أقف قرب أمّ ثكلى تندب ابنها وإخوانه، وتطلب منّي رؤيته، ولعلها تطالبني أن أقتصّ من القاتل. اِرحمني يا صاحبي العادل! ففي حرب الجنون لا يوجد عاقل يستطيع أن يحكم مَن القتيل ومن القاتل.
- احذر أن توصني بأرملة حسناء وحولها صبية يشتهون رائحة الشواء وبيتا يرتاحون فيه من النّوم بالعراء، تبكي عيناها على الصغار المحرومين، وعلى ذاتها التي باتت في البؤس مدفونة ، وإن طالبت بأيّ من حقوقها تراكضت نحوها الذّئاب المتخومة، أو اتّهموها بأنها ساقطة أو مجنونة.
- تمهّل يا صاحبي: ربما سترسلني إلى صبايا ركبن قطار العنوسة: هذه خطيبها مات، وتي خطيبها في المجهول فات، وتلك من وعدها بالزواج تركها ليتزوج صديقتها الغنيّة، واللواتي ينتظرن عودة الشّباب من الغياب، في كلّ ما سأعدهنّ لن أكون إلا الكذّاب.
- أخذ المارد نفساً عميقا، وأطلق زفرة ناريّة: أقسم بالذّات العليّة لن أخرج حتى لو رميتني بقنبلة ذرّية، لا أستطيع تحمّل الدّمعات السّخيّة على وجوه فتيّة كانت تحلم بالشهادة والأسرة الهنيّة، وباتت في الطّرقات بائسة شقيّة تبيع الدّخان والمحارم الورقيّة أو تُباع في سوق النّخاسة على أيدي تجار البشريّة.
- اتركني يا علاء الدين! قلبي يتقطع من شدّة الخَطب وأذني سئمت من الخُطب في بلد كلّ ما يجري فيه أغرب من العجب.
- لا تحاول إخراجي بالإغراء يوجعني أنّ في هذا البلد كلّ بلاء.
 
الوسوم
الثّانية الحلقة القرن الواحد مارد والعشرين
عودة
أعلى