مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ» (( أخرجه النسائي في سننه ، 4 / 197 ))

النية من أركان الصيام ولا صحة شرعًا لصوم الفريضة دون النية التى هى أساس صحة العبادة [ وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (4)] [ البينة ] . أما صوم النافلة فينعقد بدونها (( النية )) .



وتكون النية مرة واحدة يعقدها الصائم لصيام كل أيام الشهر الكريم ، ولا حرج فى أن يجدد الإنسان نيته فى كل ليلة بقلبه وليس بلسانه ، فالله تعالى مُطلع على قلب الصائم ، ويعلم ما يدور فى خاطره ، ومن تمام الإيمان عدم التلفظ بالنية فى العبادات إلا فى الحج لكونه عملا واحدًا .
والليل كله وقت للنية وتصح النية فى أي جزء من الليل ، وتنعقد فى أى وقت منه ، والذى يتأمل الأحاديث الشريفة يتأكد له أن الله تعالى لا يقبل عبادة إلا بنية ، وهذا يتأكد فى الصوم ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ )).(( أخرجه البخارى فى كتاب التوحيد، بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ}، رقم الحديث،7492)) .
فمن ترك الطعام والشهوة من أجل شيء سوى الله تعالى لم يصم الصيام الشرعى . ويكفى المسلم عما تقدم أن يعقد القلب على الفعل .
ولا يخفى عليك أن الصائم يدلل على نيته بقيامه للسحور ، وترتيبه أعماله ويومه على كونه صائمًا . فالنية إذن حاضرة وقائمة لدى كل مسلم معتاد على الصوم .

وإذا توجبت النية ليلا فى رمضان فإنها لا تتوجب فى صيام التطوع ، كما كان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم ، فقد كان المعصوم صلى الله عليه وسلم يُتِمُّ اليوم فى التطوع دون نيَّة سابقة على الصيام ، وفي هذا ما فيه من السعة لرحمة الله تعالى بهذه الأمة الشريفة التى أُسْقِطَ عنها الحرج [ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)][النساء] . [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] [الحج :78].
ويدرك المسلم بنيته في الصيام وغيره .. من العبادات ما لا يدركه ؛ ولذا فإن أفضل الجهاد هو جهاد النية .


السمات البلاغية والأسلوبية :

1- أتى الحديث الشريف فى جملة خبرية شرطية ، فقال النبي الكريم :" مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ " وتلاحظ أن جملة فعل الشرط المضارعة المنفية توحى لك بفعل مستمر لدى الصائم هذا الفعل القلبى الذى لم يأت، فما النتيجة؟ فجاء جواب الشرط : فلا صيام له . وهنا نلاحظ التماثل فى البناء التركيبى بين جملتى الفعل والجواب وأما كونها خبريةً ؛ فذلك لأنها تقدم حكمًا فقهيًّا من أساسيات صحة الصيام فاستلزم أن تأتى سهلة واضحة لا غموض فيها ولا تعقيد ؛ ولذا فالخبر له دلالة فى الإفادة عن كون النية من أركان الصوم .
2- حسن الرط بين جملتى فعل الشرط وجوابه ، فجاء الربط بالفاء التعقيبية التى تعكس لك التلازم والتواصل بين الفعل وجوابه . فمن عقد النية صح صوم الفريضة ومن أغفلها فلا صيام له . والمعنى فلا صيام له مقبول وهنا تقدير حذف واصل الكلام فلا صيام صحيح له أو فلا صيام يصح له .....
وكل هذا من روافد البلاغة النبوية التى وضحت عنصر الزمن وجعلته متلازما للفعل ، فقال صلى الله عليه وسلم ( من الليل ) وذلك من السعة النبوية إشارة إلى صحة النية فى جميع أوقات الليل ، وإلى كون الليل له دلالة إيمانية فى صوم رمضان .
3- كلمة ( بيت ) بها دلالات قلبية يعنى بها عن حالة وجدانية لدى المسلم من عقد القلب وصدق النية ، وهى تعكس لك بصيغة المضارعة ( يبيت ) ليس على استمرار هذا وإنما على كون النيات هى الأخرى تحتاج إلى عقد وعزم واستعداد ، فقال تعالى [وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) ][التوبة : 46 ] وعندئذ فإن الإرادة لدى المسلم تظهر جليةً فى إعمال القلوب قبل الجوارح ... و( يبيت ) فيها دلالة أخرى وفيها أهداف أخرى لليل الصائم فمنها تبدأ الأركان و يصفو الوجدان وتنعقد النية الصالحة .
4- والحديث الشريف به أجناس لطيفة حيث أحدث إيقاعًا صوتيًّا مناسبًا ، فكرر كلمة الصيام مرتين ؛ لكونها الفعل الأساسى فى بناء لغة الحديث الشريف الذى بنى على فكرة أساسية هى أهمية عقد النية القلبية للصيام استعدادا لصدق العمل .
اللَّهُمَّ يَسِّرْ لَنَا الصِّيَامَ ، وَأحْسِنْ نِيَّاتنَا ، وارْزُقْنَا القبُولَ ، وأفْرِغْ عَليْنَا صَبْرًا، وتَوفَّنَا مُسْلِمِينَ .

 
الوسوم
الصِّيَامَ اللَّيْلِ، صِيَامَ فَلَا لَمْ لَهُ مَنْ مِنَ يُبَيِّتِ
عودة
أعلى