لن نحقق لك النهاية التي تريد

نجمه سما

الاعضاء
“لن نحقق لك النهاية التي تريد!!”
اليوم، كانت الحدائق مكتظة، أطفالٌ بـ عُمر الزهور يلعبون هنا وهناك، كُهولٌ يجلسون على بعض المقاعد الخشبية، لعلهم يستحضرون أيام شبابهم ويعيدون شريط حياتهم، ربما أمهات يلاعبن أطفالهن الرُضَّع. وآباءٌ يمارسون بعض الرياضة، وبعض العمال ينظفون الحدائق ويسقون الورود.
الكثير من الحياة حولي… وكعادتي؛ سأتخذ من شجرةٍ مكاناً لأجلس، لا بد أن أختار مكاناً استراتيجياً، يتيح لي مشاهدة أكبر قدر ممكن من القصص حولي.
جلست أنسج بفكري بعض القصص لهم، أساير حركاتهم، ملامحهم، أفعالهم، أتخيل الكلمات التي تقبع خلف هذه الوجوه. وأبدأ بكتابة قصصي…
قد أصيب ببعض الاماكن، وقد تخطئ عيناي بقراءة شفاههم بصفحاتٍ أخرى… ولكن تبقى الحقيقة مبهمة! وقد هممتُ مراراً أن أشاركهم ببعض ما كتبت عنهم، لأعلم مدى صحة ما أكتب…
كان المشهد يتكرر يومياً، وأغلب الأوقات كنت أمارسه وحيداً. ما زلت أؤمن أن التأملات تمارَسُ بشكلٍ فردي، لا أعلم متى تشكلت لديّ هذه القناعة، ربما حملتها معي من وطني…!!
اليوم سيكون مختلفاً، لا تتشابه الأيام بالنسبة لي رغم ممارسة الطقوس اليومية ذاتها!! الكثير من القصص حولي. سأختار لكم أجملها.
هناك على مقربة مني شاب وفتاة في مقتبل العمر (العشرينات حسب تقديري)، قد اتخذا من العشب فراشاً لهم. كانت زاويةُ الرؤيةِ مثاليةٌ بالنسبةِ لي وأنا أستند على جذع الشجرة، ساعدتني وضعية الجلوس على ملاحظة أدق تفاصيل حركاتهم… قد بدى لي أن شيئاً سيحدث!!
أخرجت قلمي ودفتري لاهفاً وبدأت أكتب…
كانا على أعلى درجةٍ من الانسجام، سواءً بالشكل أو الحركات أو المضمون… تارةً يستلقيان على الأرض وربما يخوضان في نوم هستيري، وتارةً أخرى يمارسان بعض اليوجا، وتارة يقرآن.
يتخذان من جسديهما متّكأً لتسهل عملية القراءة وأحيانا، يمضيان دقائق من الصمت!!. قد أتخيل أن يحدث كل هذا، ولكن لم أتخيل يوماً أن القراءة يمكن أن تمارس بطقوسٍ مشتركة!!
أغلب الأوقات كانا يتخذان وضعاً عكسياً بالجلوس، بحيث يلتقي رأساهما وساقاهما يبتعدان كل البعد… بطريقةٍ تجعلك لا تستطيع أن تتخيل
صورة
لن نحقق لك النهاية التي تريد
احداهما من دون الطرف الآخر… كانا منسجمان ومتكاملان بطريقةٍ سحرية!! لو حذفت أحدهما، ستترك فراغاً واسعاً بالصورة، وستقتل كل عناصر الجمال.
أدهشني هذا الانسجام!! لهذا اكتب لكم …
وأنا في قمة انسجامي يفاجئني هذا الغراب بصوته الخشن!، يقف على الشجرة المقابلة لي وينعق؛
“اففف، ليس وقتك الآن!!، اغرب عن وجهي”
ولكن لا سبيل… يستمر بالنعاق! اختار النعاق، لا أن يصمت ويستمتع بالمشهد معي!
بعد أن طردت فكرة الغراب من ذهني، كما طردت أشخاصاً كثيرين ينعقون من أفكاري. ما زالا يبهران كل حواسي بهذا الانسجام والحب…!!
تقترب الشمس من الغروب، الأضواء تخفت رويداً رويداً، لقد أدركا أن عيونهما لم تعد تساعدهما على القراءة، توقفا عن القراءة معاً، قد بدت لي نفس الثانية، ربما كان يود أحد منهم أن يكمل بعض الجمل، أو نهاية فقرة ما قبل أن يتوقف، ولكن لأن شخصاً آخر يشاركه هذه اللحظات، سيتوقف حتى لو بقي له كلمة واحدة!!
الجو بدأ يبرد؛ ومع أفول الشمس ازداد الجو برودةً، أعانا جسديهما على البرد بارتداء بعض الملابس الخفيفة شعرا بالدفء وشعرت بالدفء أنا أيضاً.
عادا الى نفس الوضعية بالجلوس، الوضعية العكسية ورغم انهما كانا متعاكسان، وربما مختلفان بكثير من الأفكار التي تبدو من طريقة جلوسهما ونومهما، غير أنهما كانا على درجةٍ من الانسجام يتحملان مشقة هذا الجلوس، كانا لرأسيهما أقرب… تحملا مشقة الأجساد في سبيل تلاقي الرؤوس.
في وضعيه الجلوس تلك، عادا للحديث ولعلّ الحديث هذه المرة كان مختلفاً بعض الشيء، الشمس قد زالت وقد بدى الليل بأبهى حلته، قد يكون الجو ملائماً أكثر للبوح ولإفشاء بعض الأسرار الخفية… بدى ذلك من خلال سلسلةٍ من الابتسامات والضحكات التي اعتلت شفتيهما… ربما ستخبره عن أول قصه
حب
لن نحقق لك النهاية التي تريد
لها وكيف تركها بأول منعطف، ستخبره عن سذاجتها وجهلها وستضحك لأن شيئا بينهم لم يحدث وسيضحك هو ويؤكد لها صحة اختيارها له… سيحدثها هو عن صديقاته، وبعض مغامراته ونزواته، وسيتذكر المواقف المضحكة وسيعبر لها عن جهله. ستضربه ضربة فيها من الحب أكثر من العقاب.
يضحكان بأصواتٍ عاليةٍ وتتعالى الضحكات… ثم يهدآن فجأة!! لأن كل من حولهم بدأ يلاحظ ضحكاتهم. سيكتمان ضحكاتهم. ثم يعودَ ليذكر لها كلمة تفجّرها ضحكاً، ستضربه مجدداً ولأن المشهد والايقاع أصبح خارج حدود الذوق العام، قرّرا المغادرة!!
كل ذلك وأنا أرقبُ من بعيد… ماذا بعد!؟
اتوق للنهاية، تشدني النهاية مثل ما تشدكم. كنت أرقب حدوث خلل ما؛ سيحدث شيء يقلب الموازين، ربما كلمة، ربما نظرة، ربما تدخل خارجي يفسد المشهد…
طبيعتي الشرقية تشدني لمثل هذه النهايات، ربما لأني لم أعهد مشهداً مكتملاً خلال حياتي، وربما لأن مفهوم الكمال بحق
رجل
لن نحقق لك النهاية التي تريد
شرقي هو أبعد البعد عن الواقع…!! انتظرت كثيراً حدوث هذا الخلل الطارئ،
ربما الآن، ربما ستكون في مشهد النهاية…
مشهد النهاية بدأ يتوارى أمام نظري…
سأسرع من ايقاع كتابتي لكي لا أفقد بعضاً من المشاهد، المشهد يحدث أمامي، يبث مباشرة على
الهواء على أعلى الترددات. ..
سيغادران!!!
كلٌّ أعان الآخر على حمل حاجياته وهمّا بالمغادرة، اتسعت أحداق عيني وأنا أرقب النهاية، سيختلفان من يحمل الكتب، وربما سيختلفان إذا غادر أحد قبل الاخر!! أمسك يدها وكلٌ منهم حمل كتاب باليد الأخرى وانطلقا بالمسير…
في مشهد المغادرة، اقتربا مني باتجاه طريق العودة وقد اقترب جسديهما من بعضهما أكثر فأكثر، أكاد أرى جسدا واحداً!! لم استطعأن أرمش عيني!! كل المشاهد من حولي تجمّدت، لم أرى سوى مشهد الاقتراب!!
اقتربا أكثر فأكثر حتى تصادمت عيني بعينيهما، عمرٌ من الحوار حدث بلحظة، وأنا ما زلت لم أرمش بعد، بدت ابتسامه على شفتيهما… “لن نحقق لك النهاية التي تريد!!”
ابتعدا شيئاً فشيئاً، ضمّها إليه أكثر، وربما رسم بعض من القبلات على جبينها وتواريا خلف الأشجار، حتى اختفيا كلياً، كل ذلك وأنا أشاهد مندهشاً!!
لم تتحقق النهاية التي اتوقعها!! النهاية كانت سعيدة!! ربما سيشاهدان بعض الأفلام السينمائية ويغطان في نومٍ ملائكي. ..
أما عقلي الشرقي سيستمر بالتخيل، سيختلفان من يشاهد برنامجه المفضل على التلفاز، أو ربما سيتخاصمان لأن أحدهما لم يقفل باب الثلاجة!!!

انتهت قصتي ولعل قصتكم مع من تحبون قد بدأت …

 
الوسوم
التي النهاية تريد لك لن نحقق
عودة
أعلى