مُلتفّةٌ بعباءةِ القهرِ جاثمةٌ على رصيف الضّياعِ وصوتها الشجيّ يستوقفُ بعضَ المارّةِ الذينَ يتنبهون لجلستها المستكينة وهي مستندة على عمود كهرباء بلا كهرباء. بضع كلمات متقطّعة ترددها: من مالِ اللّه.... من كرمِ الله يا عبادَ اللّه... يمدّ لها فتىً يدَهُ بقطعة نقدية تأبى أن تأخذها، وتتابع كلامها. يبتعد مسرعاً ،ويهمس لرفيقه بضع كلمات ثمّ ينفجران بضحك الاستغراب: لا بدّ أنّها مجنونة.يقف رجل يقدم لها قطعة ورقية، ترفضها، وتردّد عباراتها. يتركها وهو يسترجع محاولاً أن يبتلع آهته، ويلحق به آخر يحوقل، ويمسح دمعه، تتحلّق النسوةُ حولها، يسمعن وتسيل الدّموع، و يغادرنها بحيرة المستغرب وانزعاج العاجز المتألّم. وما زالت تردّد: من مال اللّه عيون تبكي وطني الذّبيح. من مالِ اللّه يا عبادَ اللّه فأنا جفّت ينابيع دمعتي.