حملُ الصبي ، وتعلقُه بالمصلي:

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
فعن أبي قتادة، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى، وأُمَامَةُ بنتُ زينب(1) بنت النبي صلى الله عليه وسلم على رقبته، فإذا ركع، وضعها، وإذا قام من سجوده، أخذها، فأعادها على رقبته، فقال عامر، ولم أسأله: أيُّ صلاة هي؟ قال ابن جريج: وحُدثت عن زيد بن أبي عتاب، عن عمرو بن سليم، أنها صلاة الصبح(2). قال أبو عبد الرحمن (3). جوَّده. أي؛ جوّد ابن جريج إسناد الحديث، الذي فيه أنها صلاة الصبح. رواه أحمد، والنسائي، وغيرهما. قال الفاكهاني: وكأن السر في حمله صلى الله عليه وسلم أمامةَ في الصلاة؛ دَفعاً لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، فخالفهم في ذلك، حتى في الصلاة؛ للمبالغة في ردعهم، والبيانُ بالفعل قد يكون أقوى من القول. وعن عبد اللّه بن شداد، عن أبيه، قال: خرج علينا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاة العَشِي "الظهر أو العصر" وهو حامل "حَسَناً أو حُسَيْناً" فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم، فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى، فسجد بين ظَهْراني صلاته سجدة أطالها، قال: فرفعت رأسي، فإذا الصبي على ظهر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهو ساجد، فرجعت إلي سجودي، فلما قضى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس: يا رسول اللّه، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك ! قال: "كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن آعجِّلَه، حتى يَقْضِي حاجته"(4). رواه أحمد، والنسائي، والحاكم.
قال النووي: هذا يدل لمذهب الشافعي -رحمه اللّه تعالى- ومن وافقه، أنه يجوز حمل الصبي، والصبية، وغيرهما من الحيوان الطاهر، في صلاة الفرض، وصلاة النفل، ويجوز ذلك للإمام والمأموم. وحمل أصحاب مالك -رضي اللّه عنه- على النافلة، ومنعوا جواز ذلك في الفريضة. وهذا التأويل فاسد؛ لأن قوله: يؤم الناس. صريح، أو كالصريح في، أنه كان في الفريضة، وقد سبق، أن ذلك كان في فريضة الصبح. قال: وادعى بعض المالكية، أنه منسوخ، وبعضهم، أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم، أنه كان لضرورة. وكل هذه الدعاوى باطلة ومردودة؛ فإنه لا دليل عليها، ولا ضرورة إليها، بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك، وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع؛ لأن الآدمي طاهر، وما في جوفه معفو عنه؛ لكوِنه في معدته، وثياب الأطفال تحمل على الطهارة، ودلائل الشرع متظاهرة على هذا. والأفعال في الصلاة لا تبطلها، إذا قلّت أو تفرقت، وفعل النبى صلى الله عليه وسلم هذا، بياناً للجواز، وتنبيهاً به على هذه القواعد التي ذكرتها، وهذا يرد ما ادعاه الإمام أبو سليمان الخطابي، أن هذا الفعل يشبه أن يكون كان بغير تعمد، فحملها في الصلاة؛ لكونها كانت تتعلق به صلى الله عليه وسلم، فلم يرفعها فإذا قام، بقيت معه. قال: ولا يتوهم أنه حملها مرة أخرى عمداً؛ لأنه عمل كثير، ويشغل القلب، وإذا كان عَلَم الخميصة شغله، فكيف لا يشغله هذا ؟ هذا كلام الخطابي -رحمه اللّه تعالى- وهو باطل، ودعوى مجردة. ومما يردها قوله في "صحيح مسلم": فإذا قام، حملها. وقوله: فإذا رفع من السجود، أعادها. وقوله في رواية غير مسلم:خرج علينا، حاملاً أُمامَةَ، فصلى... فذكر الحديث، وأما قضية الخميصة، فلأنها تشغل القلب بلا فائدة، وحمل أمامة لا نسلم أنه يشغل القلب، وإن شغله، فيترتب عليه فوائد، وبيان قواعد مما ذكرناه وغيره، فأصل ذلك الشغل لهذه الفوائد، بخلاف الخميصة، فالصواب الذي لا معدل عنه، أن الحديث كان لبيان الجواز، والتنبيه على هذه الفوائد، فهو جائز لنا، وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين، واللّه أعلم.
 
الوسوم
الصبي بالمصلي حملُ وتعلقُه
عودة
أعلى