التبرُّم من رمضان

نغم السماء

من الاعضاء المؤسسين
التبرُّم من رمضان

tr13.gif
tl13.gif

مما يلاحظ على بعض الصائمين: تَبَرُّمُهُم من قدوم شهر رمضان، وتمنيهم سرعة انقضائه، فلا تراهم يفرحون بقدومه، ولا يخطر ببالهم فضائله وبركاته.. بل يستقبلونه بتوجُّع، وتحسُّر، وكأن الواحد منهم يمن على الله وعلى الناس بالصيام.. ومن كانت هذه حاله فتراه سريع الغضب، كثير السخط لأدنى سبب، لا يتحمَّل أدنى كلام، أو مفاوضة وإن هذا الصنيع معاكس لحكمة الصيام، ومنافٍ لهدي السلف الكرام، فقد كانوا يفرحون بمقدم رمضان، علاوة على أنهم يصومون في غير رمضان أياماً في الأسبوع، أو أياماً في الشهر يهذبون بها أنفسهم، ويتقربون بها إلى ربهم، ويتدربون على أعباء حمل الرسالة، وتحقيق الحياة الكريمة الطيبة.
فأين حال أولئك المتبرمين من الشهر من حال سلفنا الصالح (قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ)(58) (سورة يونس.)

رمضان مدرسة لتجديد الإيمان

رمضان بالنسبة للمسلم محطة يتزود منها بالإيمان الذي يعينه في رحلته إلى الله.

وفي السنة النبوية آداب عظيمة في استقبال هذا الشهر، وكيفية التعامل معه، والاستفادة من أوقاته الثمينة.

وفي هذه المادة بيان لواقع الناس مع هذا الشهر، واختلافهم في الاستعداد له.

فمنهم من يفرح بحلوله ويستعد له بالأعمال الصالحات، ومنهم من يستعد له بأصناف المأكولات، والسهر أمام الفضائيات!

كما احتوت هذه المادة على واجبات الأمة في الاقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم في الاستعداد لرمضان، وقضاء أوقاته في العبادات المختلفة.

واقع الأمة مع شهر رمضان




الحمد لله يمن على عباده بمواسم الخير أفراحاً، ويدفع عنهم بلطفه أسباب الردى شروراً وأتراحاً، أحمده تعالى وأشكره شكراً يتجدد ويتألق غدواً ورواحاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، مبدع الكائنات أرواحاً وأشباحاً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله رافع لواء الدين دعوة وإصلاحاً، والهادي إلى طريق الرشاد سعادة وفلاحاً، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خيار هذه الأمة تقىً وصلاحاً، والتابعين ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام مساءً وصباحاً، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله جل وعلا، فهي العدة العتيدة لمن رام خيراً وصلاحاً، ونشد عزاً وفلاحاً، وقصد براً وتوفيقاً ونجاحاً.

أيها المسلمون: أرأيتم بماذا تقاس أفراح أهل الإيمان؟

إنها أفراح علوية، ومسرات روحية، تطلق النفوس من قيد المطامع الشخصية، وتحررها من أسر الأغراض المادية، وتحلق بها في آفاق أسمى وأولى، وتترقى بها في طموحاتٍ أرحب وأعلى، لذلك كانت أفراح أهل الإيمان عن الملذات تتسامى، وعن المشتهيات تترفع وتتعالى، أفراح المؤمنين تتجدد بتجدد مواسم الخير والعطاء، ومناسبات الطهر والصفاء، والمحبة والمودة والإخاء، والبر والسعادة والهناء.......



فرحة الأمة بحلول هذا الشهر الكريم



إخوة الإسلام: ويا لها من فرحة غامرة تعيشها الأمة الإسلامية هذه الأيام، فهي إزاء دورة جديدة من دورات الفلك السيار، والزمن الدوار، وإن في مرور الليالي والأيام لعبراً، وفي تصرم الشهور والأعوام لمزدجراً ومدكراً.

تمر الأيام وما أسرعها! وتمضي الشهور وما أعجلها! ويطل علينا موسمٌ كريم، وشهر عظيم، ويفد علينا وافدٌ حبيب وضيف عزيز، فبعد ساعاتٍ معدودات يهل علينا شهر رمضان المبارك بأجوائه العبقة، وأيامه المباركة الوضاءة، ولياليه الغر المتلألئة، ونظامه الفريد المتميز، وأحكامه وحِكَمه السامية.

هو من فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة لما له من الخصائص والمزايا، ولما أعطيت فيه أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم من الهبات وخصت فيه من الكرامات، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين }.

فيا لها من فرصة عظيمة، ومناسبة كريمة، تصفو فيها النفوس، وتهفو إليها الأرواح، وتكثر فيها دواعي الخير، تفتح الجنات، وتتنزل الرحمات، وترفع الدرجات، وتغفر الزلات، وتحط الأوزار والخطيئات، يجزل الله فيها العطايا والمواهب، ويفتح أبواب الخير لكل راغب، ويعظم أسباب التوفيق لكل طالب، فلله الحمد والشكر على جزيل نعمائه، وترادف مننه وآلائه.




حاجة الأمة لهذه الفترة الروحية



معاشر المسلمين: إن الأفراد والأمم لمحتاجون لفترات من الراحة والصفاء لتجديد معالم الإيمان، وإصلاح ما فسد من أحوال، وعلاج ما جد من أدواء، وشهر رمضان المبارك هو الفترة الروحية التي تجد فيها هذه الأمة فرصة لاستجلاء تأريخها، وإعادة أمجادها، وإصلاح أوضاعها. إنه محطة لتعبئة القوى الروحية والخلقية التي تحتاج إليها الأمة، بل يتطلع إليها كل فردٍ في المجتمع، إنه مدرسة لتجديد الإيمان، وتهذيب الأخلاق، وتقوية الأرواح، وإصلاح النفوس، وضبط الغرائز، وكبح جماح الشهوات، إنه مضمار يتنافس فيه المتنافسون للوصول إلى قمم الفضائل، ومعالي الشمائل، وبه تتجلى وحدة الأمة الإسلامية.

الصيام مدرسة للبذل والجود والبر والصلة، هو حقاً معين الأخلاق ورافد الرحمة، ومنهل عذب لأعمال الخير في الأمة.

فما أجدر الأمة الإسلامية وهي تستقبل شهرها أن تقوم بدورها! وتحاسب نفسها! وتراجع حساباتها! وتعيد النظر في مواقفها.

ما أحوجها إلى استلهام حكم الصيام، والاستفادة من معطياته، والنهل من معين ثمراته ونمير خيراته.
واجب الأمة تجاه هذا الشهر الكريم




إن استقبالنا لرمضان يا عباد الله يجب أن يكون بالحمد والشكر لله جل وعلا، والفرح والاغتباط بهذا الموسم العظيم، قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

والتوبة والإنابة من جميع الذنوب والمعاصي، وأي عبدٍ لم يلم بشيءٍ منها؟ كما يجب الخروج من المظالم، وأداء الحقوق إلى أصحابها، وفتح باب المحاسبة الجادة للنفوس، والمراجعة الدقيقة للمواقف، والعمل على الاستفادة من أيامه ولياليه صلاحاً وإصلاحاً، بهذا الشعور والإحساس يتحقق الأمل المنشود، وتسعد الأفراد والمجتمعات بإذن الله.

أما أن يدخل رمضان ويراه بعض الناس تقليداً موروثاً وأعمالاً صورية محدودة الأثر ضعيفة العطاء، بل لعل بعضهم أن يزداد سوءاً وانحرافاً والعياذ بالله، فذلك انهزام نفسي، وعبثٌ شيطاني، له عواقبه الوخيمة على الفرد والمجتمع، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري و مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: {من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه }^ ألا فلتهنأ الأمة الإسلامية جميعاً بحلول هذا الشهر العظيم، وليهنأ المسلمون قاطبة بهذا الوافد الكريم.

إنه فرصة للطائعين للاستزادة من العمل الصالح، وفرصة للمذنبين للتوبة والإنابة، كيف لا يفرح المؤمن بفتح أبواب الجنان؟! وكيف لا يفرح المذنب بإغلاق أبواب النيران؟! يا لها من فرصٍ لا يرحم فيها إلا مرحوم، ولا يحرمها إلا محروم! ويا بشرى للمسلمين بحلول شهر الصيام والقيام!

فالله الله عباد الله في الجد والتشمير دون استثقالٍ لصيامه! واستطالة لقيامه، واستبطاءٍ لأيامه! وحذار حذار من الوقوع في نواقضه ونواقصه! أو تعاطي مفطراته الحسية والمعنوية! وقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه صلى الله عليه وسلم قال: {من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه }^.

إخوة الإيمان! إن شهر رمضان آتٍ بعد لحظات:

جاء شهر الخيرات بالبركات فأكرم به من زائرٍ هو آت


فالذين يستقبلونه على أنه شهر جوعٍ ونومٍ، وحرمانٍ نهاري، وشبع وسهر ليلي، وأعمالٍ وأقوالٍ لا تجاوز اللسان، ولا يعمر به جنان، لن يستفيدوا من معطياته، ولن ينهلوا من خيراته.

وأما الذين يستقبلونه على أنه مدرسة لتجديد الإيمان، ومحطة لتهذيب الأخلاق والسلوك، وتقوية الضمائر والأرواح، وانطلاقة جادة لحياة أفضل، ومستقبلٍ أكمل، فهؤلاء هم المستثمرون على الحقيقة، قد أغذوا السير وأعدوا الحياة لتروح نسماته، والنهل من خيراته وبركاته، هؤلاء هم الخليقون بالرحمات، الحقيقون بالخيرات، الجديرون بالعطايا والهبات، المبشرون بروح الجنات، هؤلاء بإذن الله هم المعول عليهم بعد الله في صلاح الأوضاع، واستنزال النصر والعزة، وكسب الجولات، في إسعاد المجتمعات، ومواجهة التحديات.

وما أحوجنا إلى هذا الجيل الإيماني اليوم ونحن نواجه المؤامرات من قوى الشر والطغيان، وإن الغيور ليتساءل بحرقة وأسى: بأي حالٍ يستقبل إخواننا المسلمون في الأرض المباركة فلسطين شهر رمضان المبارك، وهم يواجهون العدوان اليهودي الغاشم ضد مقدسات الأمة ومقدراتها هناك؟! بأي حال يستقبل إخواننا في العقيدة على ثرى كشمير و الشيشان وفي بقاعٍ كثيرة من العالم هذا الشهر الكريم؟!......



الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في الاستعداد لرمضان




تأسوا بنبيكم صلى الله عليه وسلم، فقد كان عليه الصلاة والسلام إذا جاء رمضان استعد له، لا بالمآكل والمشارب، بل بالطاعة والعبادة والجود والسخاء، فإذا هو مع ربه العبد الطائع والمنيب الخاشع، ومع عباده الرسول الجائع السخي الجواد الكريم: {وكان عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة }^.

فيا أيها المؤمنون: استعدوا لشهر رمضان واستقبلوه بالخير والعمل الصالح.

إذا رمضان أتى مقبلاً فأقبل فبالخير يستقبل


وأعدوا أنفسكم للتخلق بأخلاقه، والاستفادة من حكمه وأسراره، فيا من يريد تجارة لن تبور، ورزقاً لا ينفد، وربحاً لا يحد ولا يعد! في هذا الشهر تدرك، وبالصيام فيه تلحق بركب الفائزين، هاهي سوق الخير نصبت فأين المتاجرون؟ وساحة العفو اتسعت فأين المتنافسون؟

هيا أيها المؤمنون: قد فتحت أبواب الجنة، فأين الراغبون؟

ويا أيها المذنبون: قد أغلقت أبواب النار، فأين التائبون توبة صادقة نصوحاً شاملة لكل جوانب الحياة؟

نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم منهم بمنه وكرمه.

br13.gif
bl13.gif


 
جزاك الله خيراً واثابك الجنه أن شاء الله
 
الوسوم
التبرُّم رمضان من
عودة
أعلى