البيوت السعيدة

  • تاريخ البدء

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
إن من أعظم الأهداف وأجلها ومن أهم الأشياء في حياتنا أن نزرع السعادة في بيوتنا؛ فتصبح بيوتنا جنة وارفة الظلال ينبع فيها الرفق والإحسان والمودة. قال – تعالى - : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم : 21)
ولنتأمل ما تحمله هذه الآية من معاني السكينة التي يتبدد في سمائها القلق والحزن والاضطراب ليجد المؤمن والمؤمنة البيت مكانًا للسكينة والراحة والسعادة .
وما تحمله كلمة بينكم التي تعني المشاركة والتبادل لهذه المودة والرحمة وهما أعظم صفتين يقوم عليهما سعادة البيت المسلم.

وقد جاءت هذه الآية ضمن مجموعة من الآيات التي تتحدث عن آيات الله في الكون، وتفتح القلوب لتدبر الحياة والموت وتوجهه إلى آيات الله في خلق السماوات والأرض واختلاف الألسنة والألون والنوم واليقظة والراحة والكد وإلى ما يعتري الكون من ظواهر .

وفي وسط هذا الحشد الهائل من آيات الله في الكون والإنسان تأتي تلك الآية العجيبة ، وهي خلق الزوج من نفس زوجه ومن كيانه ، وجعل المودة والرحمة دستور التعامل بينهما ، وجعل الهدف من هذه العلاقة السكن والطمأنينة والراحة .

ولقد بين لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن البيت مسؤولية مشتركة يقع بناء السعادة فيه على الزوج والزوجة فجعل الزوج راعيًا في بيته وجعل الزوجة راعية في بيتها :
فالمرأة مسترعاة على بيت زوجها ، مأمورة بحفظه ، وهي أمانة عظيمة وهي مسؤولة عنها كما ثبت في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (( ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته ، فالإمام الأعظم الذي على الناس راعٍ وهو مسؤول عن رعيته ، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم ، وعبد الرجل راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه ، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) أخرجه البخاري ( 7137 ) 13/111، ومسلم (1829) 12/529 .

والراعي هو : الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه ومما يدل على عِظم مسؤولية الرعاية ، والتحذير من إضاعتها والغش فيها : ما ثبت في الحديث الصحيح من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( ما من عبد يسترعيه الله رعية ويموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) أخرجه مسلم (142) 2 / 325 ، من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه
فيجب على الزوجة حفظ زوجها في كل شيء حتى تكون أجدر بثقته واطمئنانه ومحبته .

وقد مدح الله سبحانه الزوجات الحافظات لأزواجهن حال غيبته بالقيام بحقه في نفسها وماله ، فقال تعالى: (( فالصالحات قانتات ٌحافظاتٌ للغيب بما حفظ الله )) [ النساء : 34] .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى (( الرجال قوَّامون على النساء )) [النساء: 34] يعني أمراء عليهن أي : تُطيعه فيما أمرها به من طاعته ، وطاعته أن تكون محسنة لأهله حافظة لماله [تفسير الطبري 6 / 687 ، تفسير ابن كثير 1 / 491].

وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى عليه وسلم قال : ((خير النساء التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في نفسها ومالها )) [أخرجه الطياليسي في مسنده (2444 ) 4 / 86 . وقد أخرج أبو داود (1664 ) 2/ 126] .

ومدح النبي صلى الله عليه وسلم نساء قريش بحفظ مال الزوج والإبقاء عليه كما ثبت ذلك في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : (( خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده )) متفق عليه [أخرجه البخاري (5365 ) 9/511 ، ومسلم ( 2527 ) 16/ 63] .
وكما تضطلع المرأة بكثير من الأمور في طريق بناء البيت السعيد فكذلك الرجل لا بد أن يتحلى بالرفق وحفظ أهله والحدب عليهم وإعفافهم وبذل كل جهده لحفظهم ووقايتهم.
ويعد الرفق من أهم المداخل لبناء الحياة السعيدة المستقرة التي تملؤها المحبة والمودة والسكينة .
ولقد حرص الأسلام في المحافظه على المرأة وعلى مكانتها وشرفها وعفتها وأنسانيتها .

ويعلمنا كيف نعامل المرأة مع بيان حساسية طبيعتها بما فيها من رقه وضعف وحياء وأعوجاج , وأنها لا تحتمل الظلم والقوة والقسوة 0
وقد وردت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم يذكر فيه مكانة المرأة وطبيعتها وحقوقها وواجباتها , وكيفية التعامل معها ، ومنها:
ــــ حديث ((حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة)) (رواه الإمام أحمد والنسائي والحاكم والبيهقي عن أنس بن مالك)0
ـــ وحديث ((إنما النساء شقائق الرجال)) رواه الإمام أحمد بن حنبل وأبو داود عن عائشه , والبزار عن أنس 0
ـــ وحديث ((الدنيا كلها متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) ) رواه الإمام أحمد ومسلم والنسائي عن عبدالله بن عمر بن العاص)
ـــ وحديث ((حاملات مرضعات رحيمات بأولادهن لولا ما يأتين لأزواجهن دخل مصلياتهن الجنه)) (رواه الإمام أحمد وأبن ماجه والطبراني والحاكم عن أبي أمامة) 0
ـــ وحديث : ((آمروا النساء في بناتهن)) (رواه أبوداوود والبيهقي عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما )0
ـــ وحديث : ((إني أحرّج عليكم حق الضعيفين المرأة واليتيم)) (رواه الحاكم والبيهقي عن أبي هريرة) 0
ـــ وحديث : ((رفقا بالقوارير)) (رواه البخاري) 0

و نذكر بعض الأمثلة الزاهرة لبعض النساء الصالحات في بيوتهن :

فمن حديث علي رضي الله عنه : (( أن فاطمة رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ـ وبلغها أنه جاءه رقيق ـ فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها . فلما جاء أخبرته عائشة قال : فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا ، فذهبنا نقوم ، فقال : على مكانكما . فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني . فقال : ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما ـ أو أويتما إلى فراشكما ـ فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين ، فهو خير لكما من خادم )) [أخرجه البخاري (5361) 9/506، ومسلم (2727 )17/206].

فهذه سيدة النساء وابنة خير خلق الله رسول الله صلى الله عليه وسلم تلقى ما تلقى في سبيل سعادة البيت المؤمن .
وحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : (( تزوجني الزبير وما له في الأرض من مالٍ ولا مملوك ولا شيء غير فرسه ، قالت : فكنت أعلف فرسه وأكفيه مؤونته ، وأسوسه ، وأدق النوى لناضحه وأعلفه ، وأستقي الماء وأخرز غربه وأعجن ، ولم أكن أُحسن أخبزُ ، وكان يخبز لي جارات لي من الأنصار، وكنَّ نِسوة صِدق ، قالت : وكنت أنقل النوى من أرض الزبير ـ التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ على رأسي ، وهي على ثُلثي فرسخ قالت : فجئت يوماً والنوى على رأسي ، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار ، فدعاني ثم قال : إخ إخ ، ليحملني خلفه، فاستحييت وعرفت غيرتك، فقال:والله لحملك النوى على رأسكِ أشد من ركوبك معه ، قالت : حتى أرسل إلي أبوبكر بعد ذلك بخادم فكفتني سياسة الفرس ، فكأنما أعتقتني )) .

هذا عن النساء أما عن الرجال فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه أن عائشة رضي الله عنها في حجة النبي صلى الله عليه وسلم أهلّت بعمرة؛ فلمّا أصابها ما يُصيب النّساء، وساق الحديث إلى أن قال: وَكَانَ رَسُول الله صَلّى الله عَلَيْه وَسَلّم رَجُلاً سَهْلاً؛ إذا هَوِيَتْ الشّيء تَابَعَهَا عَلَيْه. فَأرْسَلَها مَع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلّت بِعُمرةٍ من التّنْعيم.

قال النّووي في شرحه: قوله : (وكَانَ رَسُول الله صَلّى الله عَلَيْه وَسَلّم رَجُلاً سَهْلاً؛ إذا هَوِيَتْ الشّيء تَابَعَهَا عَلَيْه( معناه: إذا هَوِيَتْ شَيْئا لا نقص فيه في الدين؛ مثل طلبها الاعتمار وغيره، أجابها إليه. وقوله : ( سهلاً ) أي سهل الخلق، كريم الشمائل، لطيفاً مُيَسِّراً في الخلق، كما قال الله تعالى : {وإنّك لعلى خُلقٍ عَظيم} وفيه حسن معاشرة الأزواج. قال الله تعالى: {وعاشروهنّ بالمعروف}. لا سيما فيما كان من باب الطاعة.

هذه هي البيوت السعيدة التي تقوم على المودة والسكينة وحفظ المرأة لزوجها ورعاية الزوج لأهله والرفق الإحسان في كل شيء.
كل ذلك وغيره من كرائم الأخلاق ومحاسن الشمائل بين الرجل والمرأة يبني لنا بيتًا سعيدًا ترفرف عليه طيور الرحمة وتظله ظلال الطاعة وينعم صاحباه بالسعادة في الدنيا والجنة في الآخرة.
مقال لفضيلة فضيلة الدكتور/ أحمد عبده عوض
 
الوسوم
البيوت السعيدة
عودة
أعلى