جوانب من الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في مجالي التطهير والتعدين
قال الله تعالى في كتابه العزيز" أنزل من السماء ماءً فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبداً رابياًومما توقدون عليه في النار ابتغاءحلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرضكذلك يضرب الله الأمثال"
تمثل هذه الدراسة محاولة لإعطاء تفسيراً علمياً لهذه الآية مع مراعاة ضوابط تفسير القرآن الكريم بعيداً عن التأويل أو تحميل النص ما لا يطيق. وقد كشفت النقاب عن بعض جوانب الإعجاز العلمي في مجالي التطهير والتعدين.
في المقطع الأول تحدثت الآية الكريمة عن عملية سيلان الأودية إثر نزول المطر. وفي هذا إشارة إلى ظاهرة بيئية لم يكتشفها العلماء إلا في السنوات الأخيرة وهي ظاهرة التطهير الذاتي للمسطحات المائية. وهي عبارة عن مجموعة من الأساليب الهيدرولوجية والفيريوكيمائية والبيولوجية تتفاعل مع بعضها البعض لتقوم بتصفية المياه من ملوثاتها العضوية.
فينتج عن هذه العملية ماءً صافياً صالحاً للشراب ينفع الناس. وزبد يعلوه يطرح ويلقى لأنه لا فائدة فيه. وقد اقتبس العلماء هذه الظاهرة الطبيعية وطوروا أساليبها تكنولوجيا وطبقوها ميدانيا في شكل محطات لتطهير المياه المستعملة.
في المقطع الثاني من الآية الكريمة وفي نفس السياق تحدث القرآن عن عملية التعدين التي تبدو في ظاهرها عملية فيزيائية بحتة وهي المعاملة الحرارية لاستخراج المعادن. وينتج أيضا عن هذه العملية معادن صافية يستفاد بها للحلية والمتاع من ناحية وزبد يطرح ويلقى من ناحية أخرى. لكن في الآن نفسه ركزت الآية الكريمة على مثلية الزبد (زبد مثله) الناتج عن كلا العمليتين: التطهير والتعدين في حين أن الأساليب المستعملة مختلفة تماماً في المعاملة الأولى والثانية. وبالتالي لا يمكن مماثلة الزبد إلا من حيت أنه خبث يطرح ويلقى. إلا أن سياق الحديث في الآية ودقة القرآن في لفظ "مثله" يأبى هذه المماثلة الضعيفة. فجاءت الاكتشافات العلمية الحديثة في مجال هندسة الأساليب والتعدين لتؤكد إمكانية استخراج المعادن بأساليب هيدرولوجية وفيزيولوكيمائية وبيولوجية ينتج عنها زبد يشبه تماماً الزبد الذي ينتج عن عملية التطهير الذاتي التي تحدثت عنها الآية في المقطع الأول.
وهذا يمثل قمة في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم، فمن أعلم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم منذ 14 قرنا بهذه الأساليب في مجالي التطهير والتعدين التي لم يكتشفها العلم الحديث إلا في السنوات الأخيرة.
حقاً إنه القرآن الكريم الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى وصدق الله العظيم.
الـمـقــدمـــة
إن الإعجاز العلمي للقرآن الكريم قد شمل العديد من المجالات المعرفية مثل الطب والصيدلة والفلك وعلوم الأرض والنبات والحيوان وغيره من الفنون والآداب كالاقتصاد والتشريع والبيان.
وبحمد الله تم نشر الكثير من الأبحاث والدراسات المتخصصة مما أدى إلى ظهور ما يسمى بموسوعة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. ولو دققنا النظر إلى محتوى هذه الموسوعة للاحظنا فقرا نسبيا في مجالي التطهير والتعدين مقارنة بالمجالات العلمية الأخرى. فجاءت هذه الدراسة كمحاولة متواضعة لإثراء هذه الموسوعة في ميدان العلوم البيئية وعلوم المعادن والتعدين وكشفت النقاب عن بعض كنوز الإعجاز القرآني وما انطوت عليه من حقائق علمية لم تكتشف إلا مؤخرا كان الله قد ذكرها في قرآنه منذ مئات السنين. والمتأمل في كتاب الله يلاحظ بعض الإشارات القرآنية لمشكلة التلوث البيئي " ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس" سورة الروم. والمعادن مثل الحديد والنحاس:" وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس". ولطالما استوقفتني الآية17 من سورة الرعد " انزل." فكنت أتصفح كتب التفاسير للوقوف على معانيها وأطالع ما قاله المفسرون بشأنها. غير أني لم أجد ضالتي فيها وواصلت تدّبري وبحثي إلى أن شاءت إرادة الله وقدرته والتحقت بالمدرسة القومية العليا للإلكتروكيمياء و الإلكتروميتالورجيا (ENSEEG)بفرنسا لإنجاز أبحاثي العلمية في إطار تحضير رسالة الدكتوراه في مجال هندسة الأساليب. وكنت أحرص دائما على ربط موضوع البحث بمجال الإعجاز العلمي. وبحمد الله وجدت نفسي أغوص في بحر من المعارف والعلوم لم تتطرق إليها الأبحاث السابقة وهي في الآن نفسه قمة في الإعجاز العلمي في مجال التطهير والتعدين,وآية من آيات الله الدالة على صدق الرسالة وعظمة الرسول صلى الله عليه وسلم وقدسية القرآن الكريم.ومن باب الحرص على التبليغ وإيصال العلم النافع عزمت على صياغة هذه الأفكار في شكل وثيقة علمية. وبعون الله وحمده كان المؤتمر الثامن للإعجاز العلمي فرصة سانحة لتقديم هذه الدراسة وطرحها للنقاش. نسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم ومساهمة مني للدعوة إلى الله بأسلوب علمي يتفهمه أهل الإختصاص ويقنع العقول التي تبحث عن الحقيقة بكل موضوعية ولا تؤمن إلاّ بالأساليب العلمية والبراهين العقلية.
الآية المعجزةII