من اعلام القرأن طالوت وجالوت

بندق

من الاعضاء المؤسسين
وهنا علمان على شخصين أحدهما كافر والآخر مؤمن، وهما طالوت وجالوت. ذكرهما الله جل وعلا في سورة البقرة، ولم يكرر ذكرهما في أي سورة أخرى، والله تبارك وتعالى أحياناً يريد أن ينبه على الأشخاص وأحياناً يريد أن ينبه على الأحداث، فإذا أراد أن ينبه على الأحداث أغفل ذكر الأشخاص ولو كانوا عظماء، وإذا أراد أن ينبه على الشخص ذكر الشخص ولو لم يكن عظيماً، وإذا أراد أن ينبه على الأمرين ذكر الله جل وعلا الشخص والحدث. هنا قال الله: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ } [البقرة:246]، قوله (لنبي) نكرة، ولم يذكر اسم ذلك النبي؛ لأنه ليس المقصود حوار أولئك القوم مع ذلك النبي، وإنما المقصود الحدث التاريخي. بنو إسرائيل مكثوا في أرض التيه (40) عاماً، وخلال هذه الأربعين مات هارون ثم مات موسى، ثم عهد موسى بأمر النبوة من بعده إلى يوشع بن نون فتاه، ثم مكثوا سنين طويلة، وخلال هذه السنين الطويلة كان العماليق يحاربون بني إسرائيل ويتعرضون لهم، فكان الإنهاك والقتل في بني إسرائيل أكثر، فلما شعر بنو إسرائيل بالضعف لجئوا إلى نبي لهم قيل: إن اسمه: شمعون وقيل إن اسمه: شوميل، وقيل إن هذين الاسمين لرجل واحد، وهو الأظهر. فسألوه أن يبعث الله لهم ملكاً يقودهم؛ لأن الناس لا يمكن أن يجاهدوا أو يحاربوا أو يسوسوا أمرهم بدون شخص يأتمرون به، فهذا أمر خلاف العقل. فبنو إسرائيل أرادوا ملكاً يقودهم في الجهاد:{ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } [البقرة:246]، وهذا النبي شوميل أو شمعون كان قد اعتزلهم لما رأى من عصيانهم، وذلك أنه أخذ عليهم المواثيق أنه إذا كتب عليهم القتال أن يقاتلوا، فقالوا: نعم، بل استغربوا وقالوا:{ وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا } [البقرة:246]، فلما كتب الله عليهم القتال نكصوا، فأخبرهم نبيهم أن الله قد بعث لهم طالوت ملكاً، فاعترضوا بأن هذا الملك لم يكن من السبط الذين فيهم الملك، ولم يكن من السبط الذين فيهم النبوة، { قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ } [البقرة:247]، ولا يمكن أن يوجد ملك بدون عصبة. أما العصبة التي كانت مع طالوت فهي أن الله جل وعلا هو الذي اختاره وكفى بها عصبة، لكن في زماننا هذا لا يوجد وحي من الله: أن الله اختار فلاناً! فلا بد من عصبة يقوم بها الملك. والمقصود: أن نبيهم أخبرهم إن الله قد بعث لهم طالوت ملكا،ً وأخبرهم بذلك حتى يلين قلوبهم لأمر الله وطاعته، وآتاه بسطة في العلم والجسم، أي: علم عام بالشرع، وعلم بالحروب، وكانت الحروب آنذاك تعتمد اعتماداً كلياً على القوة الجسمية، وقوله جل وعلا:{ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ } [البقرة:247]، فيه رد على قولهم: { وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ } [البقرة:247]. وبعد أخذ وعطاء أذعنوا، وذلك بعد أن أخبرهم نبيهم أن ثمة آيات أعطاها الله جل وعلا لـطالوت، قال الله تعالى:{ وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ } [البقرة:248]، والتابوت والسكينة تحدث العلماء عنها من جوانب عديدة، لكن لا يوجد شيء يعتمد عليه ممكن أن ينقل، وكلها أقاويل منقولة عن مسلمة أهل الكتاب، ولا يدرى صحيحها من سقيمها أو قويها من ضعيفها. لكن نقول جملة: إن الله جل وعلا أعطى طالوت قرائن لا يستطيع معها بنو إسرائيل أن يردوا ملكه منها: تابوت ينصرون به، وهيئة هذا التابوت لا نعلمها. أما السكينة فقد تكون بمعناها العربي المعروف وهي الطمأنينة، وقد يكون غير ذلك، كما قيل: إنها ريح، وقيل: إنها طائر، وقيل غير ذلك. قال تعالى: { وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ } [البقرة:248]، قيل: عصا موسى وعصا هارون ورضاض من الألواح التي كتبت فيها التوراة لموسى، وهذا محتمل، لكنني لا أجزم به. أخذ طالوت الجيش يعبر بهم نهر الأردن لمقابلة العمالقة الذين يقودهم جالوت. فالدنيا قائمة على الامتحان وكلما ابتلى الله الإنسان بشيء وفاز فيه يبتليه بشيء آخر، وهذه سنة الله جل وعلا في خلقه، والله يقول: { وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت:43]. كان جيش طالوت (80000)، ذهب ليحارب بهم فمر على نهر وقال لهم:{ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ } [البقرة:249]. فقسمهم ثلاثة أصناف: قوم سيشربون، وقوم لن يشربوا أبداً، وقوم يذوقون؛ لأن (يطعم) تأتي في اللغة بمعنى: يذوق،{ وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ }[البقرة:249]. فالذين لم يشربوا بالكلية قطعاً سيكونون في الجيش، والذين سيغرفون غرفة باليد ممكن أن يقبلوا، وأما الذين شربوا من النهر واغترفوا غرفاً كثيراً فهؤلاء لا مكان لهم في جند طالوت. وهذه تقاس على الدنيا، فالدنيا مثل النهر الذي اعترض بني إسرائيل، فمن شرب منه بالكلية لا مكان له في الآخرة، ومن أخذ شيئاً بالمقدار الذي يبلغه إلى الله سيصل للآخرة، ومن لم يشرب منه أبداً سيصل، لكن الأوسط أفضل؛ لأنه هدي الأنبياء. ......

حكايتان في الابتلاء والافتتان بالدنيا

يقولون في الأمثال الدارجة: إن رجلاً فقيراً رأى امرأة حسناء، فقال لها: أريد أن أتزوجك، فوافقت، وهو غير مصدق أنها ستقبله، فأخذها إلى المأذون ففتن بها المأذون فعرض عليها نفسه، فأقبلت عليه وتركت الفقير. فذهب الفقير فاشتكى المأذون إلى القاضي، فلما أحضر الثلاثة فتن القاضي بها أعظم من فتنة المأذون، فطلبها لنفسه، فذهب المأذون والفقير يشكوان القاضي إلى الوالي، فقال الوالي: أين هذا القاضي الذي يراد به الخير فيجبل الناس على الشر؟ فلما رآها الأمير ازداد بها فتنة وطلبها لنفسه. فذهبوا إلى العامة حتى يستعينوا بهم على الأمير، فكل رجل من العامة أخذ يطلبها لنفسه، ففرت من أمامهم وهي تقول: أنا الدنيا؛ الكل يطلبني ولست مكتوبة لأحد! إن هذه هي الدنيا لا يوجد أحد إلا ويتعلق بها، وهي تفر من الجميع، فكلما أتعبت نفسك وراءها ابتعدت، وإن تركتها ستأتيك وهي راغمة، وإن جريت وراءها فلن تنال منها إلا ما كتب لك. كان رجل من الصالحين مسافراً على ناقة فيها خطام، فأدركته الصلاة وقد خرج الناس، فأراد أن يصلي في مسجد لكنه خاف على الناقة، فنادى غلاماً وقال له: اقبض لي الناقة حتى أصلي ركعتين وأعود، فدخل يصلي، فأخذ الغلام الخطام وشرد به، فخرج الرجل ووجد الناقة ولم يجد الخطام ولم يجد الغلام، فعرف أنه سرقه، وقبل أن يخرج الرجل من المسجد أخرج دينارين، ليكافئ بهما ذلك الغلام، فلما وجد الناقة بدون خطام رد الدينارين في جيبه، وذهب إلى السوق ليشتري خطاماً، فوجد نفس الخطام عند أحد الباعة واشتراه بدينارين وأخذ الخطام، فقال الرجل: لا إله إلا الله، سبحان الله، والله أكبر، يأبى ابن آدم إلا أن يستعجل الرزق. قال: لو صبر لأخذ الدينارين حلالاً، لكنه استعجل وأخذهما حراماً، وهذا هو سوء الظن برب العالمين جل جلاله.

تكملة قصة جالوت

كان جيش طالوت (80000) فما بقي أحد لم يشرب إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً، وهؤلاء هم عدد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في يوم بدر. أقبلوا على جالوت وجنوده، قال الله تعالى: { وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا } [البقرة:250]، ولما نجحوا في اختبار النهر كان حرياً بهم أن ينجحوا في اختبار جالوت؛ لأن اختبار النهر مقدمة لما قبله. كان في الجيش رجل يقال له: أبشي والد داود عليه السلام وعنده عشرة من الولد، جاء بسبعة منهم إلى المعركة، أصغرهم داود عليه الصلاة والسلام، وكان معه المقلاع، والمقلاع مثل الجلد، طويل، يوضع فيه حجر يرمى به. يقال في بعض الروايات -ولا أجزم-: كان داود وهو ذاهب إلى المعركة يناديه الحجر يقول: خذني يا داود تقتل بي عدو الله، فرد الحجر الأول، ورد الحجر الثاني، وأخذ الحجر الثالث أو الرابع معه، فلما أخذه معه برز جالوت كالعادة، وفر الناس منه، واستأذن داود طالوت فلم يأذن له لقصر قامته وصغر سنه، ثم أذن له بعد إلحاحه، فضرب داود جالوت بمقلاعه فقتله، قال الله في محكم التنزيل: { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ } [البقرة:251]، وقد سبق أن أسباط بني إسرائيل انقسموا فسبط كان لهم الملك وسبط كان لهم النبوة، وإكراماً من الله لداود جمع الله جل وعلا له ما فرقه في السبطين، قال الله جل وعلا:{ وَآتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ }[البقرة:251]، فجمع الله لداود الملك والنبوة عليه الصلاة والسلام. من هنا نعلم أن طالوت وجالوت علمان أحدهما لمؤمن وهو طالوت والآخر لكافر وهو جالوت.

أول ملك في الإسلام

أول ملوك المسلمين هو معاوية، قيل للإمام أحمد رحمه الله: أكان معاوية خليفة؟ قال: لا، إنما كان ملكاً من ملوك المسلمين، وقد اتفق الناس على أن معاوية رضي الله تعالى عنه هو أول ملوك المسلمين. وهكذا الأمور تجري بقدر الله، فأمه هند بنت عتبة مكثت مدة تحارب الدين ثم هداها الله للإسلام، وقبل أبي سفيان والد معاوية كانت متزوجة من رجل يقال له: الفاكه بن المغيرة ، وكان الفاكه بن المغيرة كريماً، فكان يضع خباء بجوار بيته يدخله الناس من غير استئذان، فذات يوم كان الفاكه مع هند زوجته ثم قام لبعض شأنه، فجاء ضيف ودخل المجلس ولم يجد الفاكه فرأى هنداً دون أن تراه وفر هارباً. فقابله الفاكه وهو عائد، فظن أنه كان على علاقة مع زوجته هند بنت عتبة ، فدخل عليها فضربها وسألها عن الرجل وهي تحلف أنها لم تر شيئاً، وشاع هذا في مكة قبل الإسلام، وفي مجتمع جاهلي كان يحرص على الشهامة والعرض، فأخذها أبوها عتبة لوحدها وقال لها: يا بنيتي إن كان ما قاله الفاكه حقاً فأخبريني وسوف أدس له من يقتله فينتهي الموضوع، وإن كان كاذباً في دعواه فأخبريني فأنا أحتكم إلى كهان العرب، فقالت: فحلفت له بما كانوا يحلفون به من أصنام الجاهلية أنه ما حصل شيء، فصدقها أبوها، فلما صدقها ذهب إلى الفاكه وقال له: إنك رميت ابنتي بأمر سوء، فلنحتكم أنا وأنت إلى أحد كهان العرب، فوفد الفاكه من بني مخزوم، و عتبة بن أبي ربيعة من بني عبد مناف، وأخذت هند معها نسوة يسلينها في الطريق حتى وصلوا إلى أحد كهان اليمن، وقبل أن يصلوا إلى الكاهن تغير وجه هند ، فخاف أبوها أن تكون قد تراجعت فسألها فقالت: يا أبتاه والله إن الأمر كما أخبرتك لكننا نفد على رجل يكذب أو يصدق، فاختبر أبو سفيان الكاهن قبل أن يعرض عليه القضية، فنجح في الاختبار، بعد ذلك عرضت عليه النساء وفيهن هند فكان هذا الكاهن يمشي يضرب النساء حتى وصل إلى هند فقال: انهضي لا رسحاء ولا زانية ولتلدن ملكاً يقال له: معاوية، ففرح الفاكه وتشبث بها فرمته من يدها وقالت: والله لن يكون منك، يعني: الولد، فلما رجعوا إلى مكة تزوجها أبو سفيان بن حرب فبقيت في نفسها مقولة الكاهن فولدت معاوية ، وكان أبوه أبو سفيان يقول: إن ابني هذا سيصبح ملكاً، فتقول هند : ثكلته إن لم يملك العرب والعجم، فحكم معاوية حتى ملك العرب والعجم، وعمِّر رضي الله عنه وأرضاه حتى بلغ من العمر 77 سنة، حتى كان آخر أيامه يخطب قاعداً؛ لأنه كثر لحمه واشتهر بحلمه. جاء أحد ملوك العرب إلى المدينة وأسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان النبي عليه الصلاة والسلام يعامل الناس على قدر منازلهم خاصة حديثي العهد بالإسلام، وكان هذا الملك زعيماً في قبيلته، قال النبي عليه الصلاة والسلام لـمعاوية : خذه إلى بيت فلان! يعني: يستريح في بيت فلان! و معاوية في تلك الأيام كان من المسلمين المتأخرين ولم يكن له صيت، فلما دخل معاوية ، قال للرجل: أردفني وكان الجو حاراً، قال: أنت من أرداف الملوك؟ قال: لا، قال: ابق مكانك، قال معاوية : أعطني نعلاً، فقال على أنفة العرب: لا أعطيك، يكفيك أن تستظل بظل الناقة، قال: اجعل وطاءك على الظل ولا حاجة للنعال، يقول معاوية : أخذته وأنا حافي القدمين، والشمس حارة حتى أوصلته كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم. ومرت الأيام حتى حكم معاوية ودخل هذا الرجل على أنه أحد الرعية على معاوية ، فأكرمه معاوية وأعطاه، وكان معاوية حليماً. موضع الشاهد: أن الإنسان لا يدري أين يضع الله جل وعلا أمره في الخلق. والمقصود: أن طالوت وجالوت علمان من أعلام القرآن أحدهما لأحد المؤمنين وهو طالوت، والآخر لأحد الكفار وهو جالوت.
 
بندق


بارك الله فيك لهذا الطرح الرائع جزاك الله خير الجزاء وعمر الله قلبكِ بالايمان وطاعة الرحمن
من اعلام القرأن طالوت وجالوت


 
الوسوم
اعلام القرأن طالوت من وجالوت
عودة
أعلى