خدعوك إذ قالوا: نهاية العالم ستكون عام 2012

رنون

من الاعضاء المؤسسين
خدعوك إذ قالوا: نهاية العالم ستكون عام 2012




لماذا يعتقد بعض الناس أن نهاية العالم ستكون في سنة 2012؟ ما الذي يُعزِّز معتقدهم هذا؟ وهل تكون السنة الجديدة 2010، موعداً مخيفاً يقترب من نهاية العالم؟


كثيرون يعيشون حالة من الخوف من أن نهاية العالم ستحلّ في ديسمبر/ كانون أول من عام 2012، ويربطون اعتقادهم هذا بظهور الفيلم الجديد «2012»، وهو أمرٌ تناقلته وسائل الإعلام كافة، ومَواقع «الإنترنت» المختلفة، إضافة إلى كتب كثيرة بدأت تُنشر للغاية عينها. ذلك أنه منذ أنْ وُجد الإنسان على الأرض، وُجِـد معه هاجس التوقعات بنهاية العالم.


فمع بداية الألفيّة الثانية توقّعوا نهاية العالم في سنة 2000 ولم يحصل ذلك. ثم تلتها توقعات أخرى عام 2006، اعتقاداً من البعض أن تاريخ 6/6/2006 هو رقم الشيطان، ولم ينتهِ العالم. أما اليوم، فتتحدّث التوقّعات عن نهاية العالم عام 2012، ويبدو أن العالم، أو بعضه على الأقل، سيعيش الخوف من هذا التاريخ إلى حين حلوله. فما تلك الحكاية التي يُروّج لها عبر «الإنترنت»؟ يُقال إنّ الأمر يعود إلى اكتشاف روزنامة قديمة تخصّ قبائل الـ«مايا» (القرن السادس قبل الميلاد)، وهذه الروزنامة تنتهي في تاريخ محدد، إذا تمّ تحويله إلى تاريخ العدّ الميلادي، فإنه يوافق تاريخ 21/12/2012. وقد تم نشر موضوعات عديدة تتحدث عن هذا الموضوع، كما تمّ ربطه بالفراعنة، فقيل إنهم تَوقّعوا بدورهم، تحولات في كوكب الأرض ستحدث عام 2012، حيث يصبح قطب الأرض الشمالي جنوبياً والعكس، مع حدوث فيضانات وزلازل وبراكين وكوارث طبيعيّة أخرى كثيرة، تُنهي الحياة على الأرض.


المهمّ أن هذا الموضوع يثير في الوقت الراهن رعب الكثيرين، لاسيَّما ممّن يصدِّقون هذه التوقعات. ومازاد من حيرتهم نزول فيلم أميركي بعنوان «2012» يبني مضمونه على تلك التوقّعات. سواء أكنت تصدّق هذه التوقعات أم لا، إليك هذا التحقيق الذي يُلقي الضوء على الجدل القائم حول نهاية العالم في عام 2012.


شباك التذاكر


وسط تَرقُّب واسع من ملايين الجماهير التي تعشق الأفلام التي تتحدث عن نهاية العالم، بدأ عرض فيلم «2012» الذي يحكي عن توقّعات قبائل الـ«مايا» الخاصة، بانتهاء العالم يوم 21 ديسمبر/ كانون أول عام 2012، بسبب ظاهرة كونيّة تسبّب حقلاً مغناطيسياً قوياً، يُذيب قلب الأرض ويعكس قطبيها فتتفجر البراكين والزلازل المدمرة، وتنتهي الأرض وكل ما ومَن يعيش عليها.


وصلت كلفة فيلم «2012»، الذي أخرجه وشارك في كتابته وإنتاجه الألماني رونالد إيمريتش، إلى أكثر من 200 مليون دولار، وتم تصويره في كل من لوس أنجلوس وكاليفورنيا وكندا. وهو من بطولة جون كوزاك، وودي هاريلسون، وأماندا بيت. في مقابلة مع كفاح غزيري (مدير تنفيذي في مجموعة «أومبير العالمية» وكلاء توزيع أفلام السينما الخاصة بشركتي «كولومبيا» و«فوكس» في الشرق الأوسط) تحدّث الأخير عن فيلم «2012» بإسهاب قائلاً: «في حياتنا كلّها لم نعمل على فيلم نعرضه في السينما كما نعمل في هذه الأيام».


ويؤكّد غزيري أنَّ «فيلم «2012» يحطّم بورصة شبّاك التذاكر محلّياً وعالمياً»، لافتاً إلى أن «هذا النجاح منقطع النظير، سوف يستمر لأكثر من عشرة أسابيع على الأقل». ويشير إلى أنه «نتيجة الضجّة الكبيرة التي مازالت ترتفع أصداؤها من هنا وهناك، وفي جميع وسائل الإعلام ومواقع «الإنترنت»، فقد تحوّل الفيلم إلى حديث الساعة في الصالونات وأماكن العمل، لا بل في أنحاء العالمين العربي والغربي كافة». يضيف: «هذه الضجّة تتحدّث عن توقّعات يعود قسم منها إلى قبائل الـ«مايا»، التي كانت مشهورة بقراءة المستقبل، وقسم آخر إلى تحليلات العلماء وقراءتهم التفاعلات المناخية التي أخذت تؤثّر في الأرض مؤخراً، وتُنذر بكوارث طبيعيّة مدمّرة».


«هذا ليس كل شيء»، يتابع غزيري موضحاً: «بات الكل يدرك أن الفيلم ضخم الإنتاج، ويتمتّع بتقنية صوتية وصُورية مذهلة، لا بل تحبس الأنفاس وتخطف الأبصار، وهذا الأمر يؤكّده كل من شاهده». يُشير غزيري إلى أن «نجاح «2012» لا يقتصر على دولة الإمارات العربية المتحدة فحسب، ذلك أنه يحقق النجاح في كل الدول العربية كما هي الحال في أميركا وأوروبا». ويقول: «ربما هي حشريّة الناس الذين يسمعون عنه وعن أصدائه كما ذكرنا، أو قد يكون تصديقهم التوقّعات بنهاية العالم وراء الهجوم الكاسح بأعداد كبيرة لمشاهدته».


وعن ارتباط التوقّعات الخاصة بنهاية العالم بفيلم «2012»، يفسِّر غزيري ذلك بالقول: «بالتأكيد هناك مَن ربط أمر التوقّعات بالفيلم». يضيف: «لكن، بمراقبتي عن كثَب الناس الذين يدخلون السينما، اكتشفت أن معظمهم لا يصدِّقون ما يحدث في الفيلم، ولا يتوقّعون إطلاقاً أن ما يحدث على أرض الواقع. هم لا يصدّقون، لأنهم ببساطة مؤمنون بالله سبحانه تعالى». يختصر غزيري حديثه بالقول: «الفيلم مشوِّق ورائع وفيه تصوير باهر، وقد استُخدمت في صناعته أحدث تكنولوجيا في عالم السينما. لذلك أنصح الجميع بمشاهدته للاستمتاع، لاسيَّما عشّاق هذا النوع من الأفلام».


النهاية


بين التوقّعات التي تَتردَّد هنا وهناك، والفيلم الذي يبدو أنه بات يَشغَـل العالـمَـيْـن العربي والغربي، ماذا يقول الناس؟


«نعم أصدِّق التوقّعات كلّها، وهي التي دفعتني إلى مشاهدة فيلم «2012» وقد أعجبني جداً». هذا هو التصريح الأول الذي تُقـرُّ من خلاله جيهان عيسى بوضوح، أنها تصدِّق التوقعات التي تُنبئ بنهاية العالم، وتقول: «أول مرّة سمعت عن الأمر كنت في سيارتي، وكان مذيع على إذاعة أجنبية محلّية يقرأ خبراً بالإنجليزية عن جريدة تصدر في بريطانيا، فَشدَّني الخبر وقررت أن أتحرّى عنه». وبالفعل هذا ما فعلته جيهان، التي تشير إلى أنها ما إنْ وصلت إلى عملها، حتى فتحت «الإنترنت» وراحت تبحث عن الموضوع، فوجدت عنه الكثير، كما قرأت عن قبائل الـ«مايا» التي كانت أول مَن استبْصَر هذا الأمر، وتعرفت إلى توقّعاتهم التي تحققت في السابق، إلى أن وصلت إلى أخبار أخرى، صدرت عن بعض علماء الجيولوجيا الذين «يتّفقون في قراءاتهم» مع تكهّنات الـ«مايا» بحسب ما تقول.


تبلَع جيهان ريقها، وهي تكمل باستنفار واضح: «لا أعرف لماذا يحاولون التكتّم على الأمر، نحن نعرف أن هناك نهاية لنا، فلماذا لا تكون في ديسمبر «2012» بالتحديد؟ لا أعتقد أن الموضوع يتعارض مع ديانتنا ولو شاء البعض التعتيم عليه». وتعود جيهان إلى الفيلم الذي شاهدته لتُعلِّق قائلة: «الفيلم يستند إلى قراءة للتغيُّرات المناخية التي تؤثّر في الأرض، أكثر من استناده إلى التوقّعات، ولقد أحببته لأنه جعلني أعيش الأحداث وكأنها تحدث في لحظتها، كان ذلك مخيفاً، كان الله في عوننا».


صدمة


كان عبدو أيوب (مهندس كهربائي، متزوج منذ 5 أعوام، لديه بنتان) يخرج من صالة السينما حين استوقفناه، حيث سألناه عن الموضوع، فتَملمَل قليلاً قبل أن يجيب: «مازلت مصدوماً بما رأيته، اتركوني لآخذ نفسي». لم تأخذ نظرة الذهول إلاّ لحظة من عبدو، الذي خَطَا إلينا عائداً وهو يقول: «إذا أردتم أن تسألوني عن الفيلم، فقد أحببته جداً».


وعندما سألناه عن الدافع الذي جعله يأتي لمشاهدته، سارع إلى القول: «لقد سمعت الكثير عنه وعن إنتاجه الضخم، كما أني من المغرمين ببطله (جون كوزاك)، ولا أفوّت له فيلماً. ولكن الذي شدّني أكثر، هو ما تردد مؤخّراً عن اقتراب نهاية العالم، استناداً إلى تكهّنات صدرت عن قبائل الـ«مايا»، فأردت أن أُرضي فضولي وأعرف ما يجري في الواقع». «هل أصدّق التوقّعات»؟ يسأل نفسه قبل أن يعود ليُجيب: «نعم ولِـمَ لا، خصوصاً أننا نسمع مؤخّراً عن الاحتباس الحراري، الذي يتعرّض له كوكب الأرض الذي نعيش عليه، والذي يقولون إن الأرض بسببه بدأت تأكل نفسها. مثل هذه الدلائل أصدّقها بالتأكيد، وبصراحة أربطها بالتوقّعات التي سمعت عنها، والله يسترنا».


علم


من جهتها تعترف حلا أمين (خبيرة تجميل، متزوجة منذ 7 أعوام، لديها ولد) قائلة: «أصدِّق التوقّعات إذا جاءت من علماء يستندون إلى حركة الكواكب، لأن علم الفلك موجود ومُعترف به في كل العالم». كما أن حلا لا تخفي احترامها، «الناس الذين يملكون حاسة سادسة، تميّزهم عن الآخرين». تضيف: «هناك مَن تصيب حاسته وهناك مَن يخيب. إنما هذا كلّه لا يعني أن أصدّق كل مَن نَجَّم أو حاول أن يستبصر ما سيحدث في المستقبل. ففي النهاية نحن نؤمن بالله وبقضائه، ونؤمن بأن القيامة آتية لا مَحَالة، ولكن يجب ألّا نجمّد حياتنا اليومية استناداً إلى تكهّنات من هنا أو من هنالك». وتؤكّد حلا أنها لم تسمع عن الفيلم، «ولكني بدأت أهتم بمتابعة أخباره، ويمكنني القول إنه استفزّ حشريتي، لكني لن أحكم عليه قبل أن أشاهده».


فوضى


على صعيد آخر، هناك فئة من الناس ممَّن لا يصدّقون التوقّعات، لا بل يسخرون منها على طريقتهم، ومن هؤلاء جان قطّار (مدير تنفيذي) الذي يهزأ قائلاً: «لو قُـدِّر لشخص من البشر أن يعرف ماذا سيحصل في المستقبل، لتنبّأ لنفسه وأصبح مليارديراً». هذا يشير إلى أن جان، لا يؤمن بالتوقّعات، بل يحسب الأمر على أنه بمثابة «إهانة واستخفاف بعقول الناس، وسخرية من الديانات السماوية التي تشير بوضوح إلى علامات تسبق القيامة».


لكنه من ناحية أخرى، يطلق العنان لمخيّلته وهو يضيف: «لو صدّقت شخصيّاً ما يُحكى عن نهاية العالم في عام 2012، كنت سأستقيل من العمل وأتقاعد لأعيش الحياة التي أريدها، مستمتعاً بالكسل أو السفر في أرجاء العالم، وكنت سأخصِّص وقتاً أطول للصلاة والتعبُّد». يضحك جان مسترسلاً بأفكاره، ويقول: «لقد شاهدت فيلم «2012»، لأني سمعت عن أهميّة التقنيّات الصوتية والتصويرية التي استُخدمت فيه، وبالفعل أعجبني ما شاهدته، لكن الْـمُشاهَدة اقتصرت على التسليّة لا على تصديق ما حصل في الفيلم. وأتمنّى من الآخرين أن يَحذوا حَذْوي ولا يؤمنوا بما يشاهدونه، لكي لا يحوّلوا حياتهم إلى فوضى وخوف ورعب».


دجل


على صعيد متصل، وانطلاقاً من مبدأ «كَذب المنجّمون ولو صَدقوا»، يصرِّح جورج الزغبي (مدير تسويق) قائلاً: «لم أسمع عن توقّعات عام 2012، لكني شاهدت الفيلم الذي يحمل هذا الاسم، مع بعض الأصدقاء الذين نصحوني بمشاهدته، ولا أعرف ما إذا كانوا هم شاهدوه نتيجة تصديقهم هذه التكهّنات».


يبقى أن المهمّ بالنسبة إلى جورج، هو أن «الفيلم رائع من ناحية الإخراج والتنفيذ، ومشاهده باهرة، لاسيَّما تلك التي تصوّر الأرض وهي تبتلع نفسها». لكنه يعود ليشير إلى أن «القصّة لم تعجبني، ربما لأني لا أؤمن بمثل هذه الأمور، ولا آخذ ما يُروَّج من تبصير ورؤى على محمل الجد».


ويُعلن جورج أنه كان ليَعيش في خوف دائم وفي عدم استقرار نفسي، لو صدّق قصص المنجّمين، ويبرر ذلك بالإشارة إلى «أننا في كل زمن نشهد دجّالاً في مكان ما، يسترسل في إقناعنا بما يراه في أحلامه أو يشعر به جرّاء حدسه الكبير، هذا هراء في هراء». يُتابع: «فلنتصوّر أن هناك مَن يرى المستقبل في الواقع، ورأى أنه سوف يصبح غنيّاً. هذا الإنسان سيعيش في رخاء ما إن يصدِّق توقّعاته، وربما يستدين ليعيش في نعيم، متّكلاً على أنه في المستقبل سيسدد ديونه، من الثروة التي ستهبط عليه من السماء». ويقول: «لذلك، يجب أن ينتبه الناس إلى هؤلاء المشعوذين الذين يتخذون من التبصير مهنة لهم، بغية الإفادة الماديّة. وليتوكّلوا على الله لأنه الوحيد الذي يقدّر لنا ما يصيبنا».


انطباع


الرأي نفسه يحمله ماهر صلاح (موظّف)، الذي يجاهر بالقول: «أنا أيضاً شاهدت الفيلم، وبُهرت بتصويره وإخراجه ومشاهده التي تحبس الأنفاس، لكني لم أصدّق قصّته مطلقاً». يضيف: «لن يحصل هذا لكوكب الأرض الذي نعيش عليه». يتابع: «لقد كنت مقتنعاً بهذا قبل دخولي قاعة السينما لأشاهد الفيلم، وخرجت منها أكثر اقتناعاً». ويؤكد ماهر أن «هذه القناعة تعود إلى إيماني بالله، ووعيي لِـمَـا يقوله دين الإسلام». ويقول: «للأسف لم يكن انطباعي هذا هو نفسه في نفوس الآخرين، لأني استمعت إلى آراء بعض الذين شاهدوا الفيلم، وخرجوا متأثّرين للغاية، ومصدّقين أن الذي رأوه على الشاشة الفضية، سوف يرونه ويعيشونه على أرض الواقع. لا أستطيع أن أقول عن هؤلاء إلاّ أنهم قليلو الإيمان بدينهم وأدعو الله أن يهديهم».


حكمة


أما الدكتورة رانيا شبير(صيدلانية، متزوجة منذ سبعة شهور) فهي الأخرى لا تصدّق التوقّعات، وتوضح وجهة نظرها بالقول: «إذا استندت إلى ديني كمسلمة، فيجب أن لا أصدّق كل التوقّعات الخاصة بنهاية العالم في العام 2012، وأعتقد أن مَن يصدّقها فيجب أن يكون بالتأكيد مستنداً إلى دينه أو إلى معتقداته وبيئته ومجتمعه. وأؤكّد لهم أنهم سوف يُخذلون مع انتهاء ديسمبر 2012، وحلول عام 2013 وهم بَعدُ أحياء يُرزقون».


وتُعرب رانيا عن سعادتها، لكونها لا تصدّق هذه الأمور. تضيف: «لو كنت مثل هؤلاء أصدّق التكهّنات لتوقّفت حياتي عن الدَّوران، ولبتُّ أسيرة مخاوفي، لا أتطوّر ولا أتقدّم على الصعيدين الشخصي والعملي، وساعتها تكون بحقّ نهاية العالم بالنسبة إليَّ».


وقبل أن تختم حديثها تعلّق بشكل جاد: «هناك حكمة في إخفائه سبحانه تعالى مستقبلنا، ولو أراد لنا أن نعرف عن الغد لكان أول من أخبرنا».


قناعة


يُؤيّد العوضي محمد (موظّف) كلام د.رانيا، ويُعلّق قائلاً: «المؤشرات الدينية التي أنا مؤمن بها، لا تعلن اقتراب نهاية العالم. واستناداً إلى إيماني هذا لن أصدّق التوقّعات ولا الأفلام التي يصنعونها بهدف تأكيدها». لا ينكر العوضي أنه متشوّق إلى مشاهدة فيلم(2012)»، «لأني سمعت عن ضخامة إنتاجه وروعة تصويره لا أكثر، ولكنه لن يؤثّر في قناعاتي الدينيّة».


في المقابل يعترف العوضي، بأنه من الناس الذين يؤمنون ويصدّقون بعض التوقّعات التي يتوقّعها البعض للعالم، «إنما تصديقي لها يستند إلى تحليلاتهم الواقعية التي تؤول إلى نتيجة قد يرونها قبل سواهم، وليس لأنهم أنبياء أو سحرة».


حرام


كذلك، تُقرُّ عبير الجمل (موظّفة، متزوجة منذ 6 أعوام، لديها ولد وبنت) بثقة تامة بأنها لا تصدِّق التوقّعات، ولا الأفلام التي يصنعونها بناء على تكهّنات من عرّافين كاذبين. وتقول: «أنا أعتبر أنّ كل مَن يصدِّق هذه الأمور هو مُلحد أو غير مثقّف أو الاثنان معاً». تضيف مبتسمة: «لن أخاف ما ينتظرني في المستقبل، فأنا لست أهم من الآخرين، إذا شاء لنا الله النهاية»، وتكمل عبير، والابتسامة دائماً على ثغرها. وتقول: «لقد باتت مهنة المنجّمين مرغوبة، لأنها تحظَى بجمهور كبير، يعتمد عليها قبل أن يخرج من منزله، وهذا حرام ولا يتّفق مع الدين الذي يحثّنا على تسليم أمرنا وقدرنا إلى ربّ العالمين القدير».


الحق


من جانبه، يبدو حمادة محمد، وكأنه قد قرر إغلاق عينيه وسدّ أذنيه عن كل توقّعات يسمعها، سواء أكانت تتحدّث عن نهاية العالم أم عن غير ذلك. يعلّق على الموضوع سائلاً: «مَن هو المغفّل الذي يصدّق مثل هذه الأقاويل؟». ويُجيب: «بالتأكيد هو خفيف العقل أو جاهل أو غبي، لا تفسير آخر عندي لأصفه به». و يشير إلى أنه «من الأشخاص الذين لا يتأثّرون بما يسمعونه، خصوصاً عندما يتعارض الأمر مع الدين»، لافتاً إلى أن إيمانه يفرض عليه «عدم تصديق توقّعات عن نهاية العالم». ويقول: «الله تعالى أنبأنا في الكتاب الكريم بالعلامات التي تسبق النهاية». يلتفت حمادة يساراً ويميناً ويضيف: «الناس أحرار في ما يصدّقون، ولكني أدعوهم إلى أن يُصدِّقوا كلام الله لأنه الحق».


خوف


«يا ليت الدنيا تنتهي، فنرتاح من الشرّ الموجود لدى الناس». بهذه العبارة، تعلّق عطاف عوكر (إداريّة)، غاضبة على كل ما يُقال في ما يتعلق بنهاية العالم، وتكمل: «لا أؤمن بأي توقّعات تشير إلى انتهاء العالم، فالله وحده يعلم بهذه الأمور. وتصديق أمر كهذا يتعارض مع إيماني وديانتي».


لا يظهر على عطاف أي استعداد لمتابعة الحديث، لذلك تختصر كلامها بالقول: «لست خائفة من أن تنتهي الحياة في هذه اللحظة، لأني مؤمنة بالله. مَن يخاف من نهايته، هو إنسان غير مؤمن في الإجمال».


توتر


عن البُعد النفسي لهذه التنبؤات وتداعياتها في نفوس البشر، يتحدّث الدكتور طلعت مطر (طبيب نفسي) فيقول: «هذه ليست المرّة الأولى التي يتنبّأ فيها الناس، ويقدّمون الحجج والبراهين والأدلّة على تكهّناتهم، وأعتقد أنهم سيستمرون إلى ما لا نهاية في هذا الأمر». يضيف: «من الجانب النفسي، يختلف تأثير هذه التوقعات بين شخص وآخر، فهناك من لا يصدّقها ولا يعترف بها، وهنالك مَن يريد أن يصدقها لأنه متوتّر نفسيّاً ويشعر في داخله بنهاية العالم، فيغيّر من سلوكه إلى حين أو إلى أن يجد أن العالم لم ينته».


ويصف الدكتور مطر المتأثّرين بالتكهّنات، بـ«الخائفين والجبناء، لكون علاقتهم بالله مشروطة، تماماً كالموظّف الذي يعمل بانتظام ليرضي مديره لا ليرضي ضميره، فما إن يتغيّب المدير، حتى يتقاعس عن تأدية واجبه المهنيّ». يضيف: «من هنا نرى أن البعض يهب ماله ورزقه للمؤسسات الخيرية أو الدينية، أو نشهد كثرة حالات الانتحار الجماعي، بسبب الإحساس الشديد بالذنب، وافتقاد الشجاعة والإيمان لتجاوز المرحلة، معتقدين أن الله تخلّى عنهم. وللأسف لو كان هؤلاء مؤمنين لَـمَـا اعتقدوا هذه الأمور ولا خافوا من الموت».


يلفت الدكتور مطر إلى أن «هناك أشخاصاً يعملون على تعزيز القصص المتعلقة بموجة التكهّنات والتنبؤات المرتبطة بنهاية العالم، ونشرها بين الناس. وفي المقابل، فإن بعض الناس يتأثرون بها». يضيف: «أما عن المتأثّرين من الناحية النفسيّة، فهؤلاء يلعبون على سيكولوجيّة الناس، باحثين عمَّن يتبعهم ويؤيّد أقوالهم، وببساطة ينجحون، لأن طبيعة الإنسان مجهولة، هو لا يعرف من أين أتى وإلى أين يذهب، يلفّه المجهول دائماً من كل صوب واتجاه، وهذا الخوف من المجهول، يصوّر له الكثير من الأفكار والمعتقدات».


ويسأل: «ما هدف الإنسان منذ وجوده على هذه البسيطة؟»، ليعود ويجيب: «هو محاولة فك شيفرة الوجود. والأبحاث العلمية تحاول دون كلَل أن تجد إجابة للسؤال الأزلي، من أين جاء الإنسان وإلى أين يذهب؟ وبالتأكيد هذا التفكير لا نتبناه كمؤمنين بالله، ولكنه حقيقة تقضّ مَضجَع الكثير من العلماء والباحثين». ويختم الدكتور مطر حديثه بتقديم نصيحة إلى الخائفين من نهاية العالم، حيث يقول: «مادام الإنسان يعرف أن نهايته محتّمة وأن الموت هو آتٍ إليه لا محالة، فلماذا يخاف من الموت الجماعي إذا قدّره الخالق له؟ فليتوكّل عليه ويعش في طمأنينة».


علم الساعة


وفي سياق تعليقه على الموضوع، يشير الدكتور أحمد بن عبدالعزيز الحداد. كبير المفتين ومدير إدارة الإفتاء، إلى أن «نهاية العالم من الأمور الغيبية التي لا يعلمها إلا الله تعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ}. وقال: {إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ}. وقال: {وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون}. وقال جلّ شأنه: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.


يضيف: «الآيات في هذا المعنى كثيرة صريحة وواضحة ولا تحتاج إلى تكلُّف بحث، أو توقف في الفهم، من أنه لا يعلم متى الساعة إلا الله تعالى». ويقول: «في صحيح البخاري عن ابن عمر، رضي الله تعالى عنهما، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتح الغيب خمس: «إنّ الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إنّ الله عليم خبير». فَمَن ادَّعى أنه يعلم متى هي فهو مُفترٍ، لا يملك برهاناً على ما يقول، وقد سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، جبريل عليه السلام، عن ذلك فقال: «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل». أي لا أنا ولا أنت يا رسول الله نعلم ذلك، بل هذا ممَّا استأثر الله تعالى نفسه بعلمه، فلا يعلم نبأها نبي مُرسل ولا ملك مقرب، إلا أن جبريل عليه السلام، قرب المسافة بذكر أشراطها، وأماراتها بقوله: «أن تلد الأمة ربّتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان».


يُضيف الدكتور الحداد: «لا ريب في أنّ للساعة أشراطاً صغرى، وقد ظهرت كلها، كما قال الله تعالى: { فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ}. ومنها بعثة النبي، صلى الله عليه وسلم، فإنه كان يقول عن نفسه الشريفة: «بُعثت أنا والساعة كهاتين». وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى، كناية عن قرب الساعة من بعثته، فإنه خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده، وأشراطاً كبرى وهي التي لا يعلم مجيئها إلا الله تعالى، وأولها ظهور: المهدي، ثم خروج الدجال، ثم نزول عيسى ابن مريم، ثم خروج الدابة التي تكلم الناس، فتقول للمؤمن مؤمناً وللكافر كافراً، ثم طلوع الشمس من مغربها، وعندئذ لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، كما قال سبحانه: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً}. فهذا غاية مَبْلَغ علم الناس من حال الساعة، مما ورد عن الله تعالى ورسوله، صلى الله عليه وسلم، ولا مجال لأن يعلموا أكثر من ذلك، فمن أين يأتون بالتخرُّصات والتكهنات؟ وكيف يُروّجون لهذه المقالات المفتريات؟ وكيف يُصدقون على هذه الأراجيف الباطلات؟». يضيف: «إذا كان أولئك يفترون لأغراض مادية أو غيرها، فلا يجوز لعاقل أن يصدقهم».


ويوضح أن «الدِّين ينظر إلى المنجّمين على أنهم أهل افتراء وباطل، لأنهم لا يعتمدون في أقوالهم على حقائق، بل على تخرّصات وتكهنات، وقد قال الله تعالى: } قُتل الخَرَّاصون{أي الأفَّاكون، وهو دعاء عليهم بالطَّرد من رحمته. فلا يجوز الاعتماد عليهم بمجريات الأحداث أو التنبؤ بالمستقبل، ولو كانوا صادقين، لَـمَـا مَسَّهم ولا مُريديهم السوء، ولكانوا أهل غنَى مطلق وعز مطبق، بينما هم على العكس من ذلك تماماً، فمن أين لهم الحقائق العلمية من نبأ الغيب حتى يصدّروها للناس»؟ ويختم قائلاً: «لا ينبغي لعاقل أن يُعوِّل على أخبارهم، بل يثق بالله ويتوكل عليه، {ومَن يتوكّل على الله فهو حسبه} أي كافيه. وعلى العاقل أن يأخذ بالأسباب ويتوكل على الله سبحانه، في تحقيق النتائج، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل».
 
سمايل
أشكرك لروعه تواجدك
دمتي بود
 
الوسوم
2012 العالم خدعوك ستكون قالوا: نهاية
عودة
أعلى