مظاهرة

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
قبل أن تعتاد خطواتها على جنبات المنزل، وتألف عيناها سقفَه، وتحفظ ذاكرتها لونُ جدرانه.....صُعِقَتْ به: غضبُه إعصار.
- قبل أن تشبع معدتها الصّغيرة من حلوى خصّها بها، أو فاكهة اشتراها احتفاءً بها...جفّت اللّقمة في حلقها: شحُّهُ بوار.
- قبل أن تفرح بملابسها الجديدة التي اعتنت بانتقائها، و دفعت ثمنها من راتبها الصّغير...أوجعها: حضورُه مرار، حديثُه محض اجترار، كلماته ثرثرة حمقى صغار.
- قبل أن تطمئنّ لحماية ذراعيه، ومؤازرة جيبه... ألزمها دفع ما تملك ثمن نومها وبؤس لقمتها.
- قبل أن تطلعه على ذكرياتها، شهادات تفوّقها في الدّراسة والعمل..... صدمتها شهادته: قطعة ورق لا تقيس الإنسانيّة، و لا تعترف بالذوق ولا بكريم الخلق ولم تدر عن حسن المعاملة شيئا.
- قبل أن تبتلع مرارة زواجها السّريع... كان الجنين يركل أحشاءها، وفشلت بمواجهة محيطها وإقناعه بقرار الانفصال.
- أمّها العجوز دأبت على رواية حكايات الصّبر، ونصائح الجدّات، و أبوها المشلول لا يدري بوجعها، و إخوتها موزّعون في مدارات أيام تطحن البسطاء الّذين يقتاتون أحلاماً ورديّة تعينهم على متابعة مشوار عمرهم.
- حاولت التّصدي لفجوره بالصّمت مرّة، و بالدّموع مرّات ، لكنّ قلبه الصّوان لم يكن ليتأثّر بعملها خارج المنزل و داخله، لا بتعبها، و لا برعاية أولادها، لم يردعه حمل و لا إرضاع، لم يخجله تفانيها، ولم يجعله يلجم سيل كلماته القبيحة الذي ينشر رائحة تزكم الأنوف، و ترنو على القلب العطوف، فتسحب منه لهفة الحياة رويداً، رويدا.
- استجمعت قواها لمواجهته لكنّ تكسير الصحون، رمي الطعام على الأرض، ضرب الأولاد، وشرر النّار المتطاير من عينيه المستعد لحرق كل شيء جعلها تعيد حساباتها، وتتجرّع عجزها عن الهرب بأولادها، باتت أسيرة خوف و اشمئزاز ووحشة مخيفة بعدما غادرها الوالدان.
- قبل أن تأخذ قرار الخلاص منه كان الصهر يدق الباب، و الكنّة ترقب العمّ المتجبّر بارتياب، و الأولاد الذين كبروا رغم الصّعاب يهربون سراعاً من الرّجل الذي أجاد أن يكون طنجرة ضغط على موقد نار ومستعداً كلّ حينٍ للانفجار.
- قبل أن ترمي سلاح الصّبر أمام العيون المترقّبة، و الألسنة المتسلّقة... أسبغت الوضوء، ووقفت تصلّي... وحدها كريّات الدّم تجمّعت في مظاهرة احتجاج صامتة لم تُسقِط الظّالم، و لم ترفع عنها سطوة ظلمه، اتّخذت عنها ذاك القرار، وجعلتها تسجد بلا قيام.
 
الوسوم
مظاهرة
عودة
أعلى