رواية منازل القمر

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
الفصل الأول + الفصل الثاني

ارتديت معطفي الشتوي عدلت قميصي وأغلقت زرين من أزرار المعطف

وخرجت من منزلي وأغلقت الباب بهدوء كما تقول العبارة السخيفة القديمة

لا تغلقوا الأبواب بقوة كي لا تؤذوا من دفع ثمنها , خرجت أولى خطواتي

للخارج فلفح وجهي نسيم بارد قوي فلا شيء أبرد من برد صباح الشتاء إلا

ثلاثة أشياء الموت والرسائل الفارغة والحب , عدلت ياقة المعطف ورفعتها

للأعلى مثبتا لها بيدي مغطيا لفكا وجهي وجزءا من خداي وسرت بخطوات

متوسطة السرعة تراقب عيناي الرصيف تحتي كي أتجنب بقع المياه

عند منتصف الشارع كان هناك باب آخر عليا فتحه في هذا الصباح دفعت

الباب الزجاجي بيدي فرنت الأجراس المعلقة به معلنة دخولي وصلت عند

طاولة البائع بخطوات ثابتة فقال مبتسما ما أن رآني

" صباح الخير أراك مبكرا اليوم "

صدق من قال أن أكثر الناس فضولا هم الباعة , سحبت علبة سجائر ووضعت

له النقود على الطاولة في صمت وغادرت فوصلني صوته قائلا

" هذا أكثر من ثمن العلبة "

قلت بهدوء " أترك الباقي للمرة القادمة "

وخرجت من فوري دسست علبة السجائر في جيبي وتابعت طريقي , أمطار الأمس

لا تزال بقع مياهها في الطريق حتى اليوم وثمة أطفال بزي المدرسة يقفزون حولها

كم يذكرني هذا بالطفولة فكم كنا نضيع الوقت قبل وصولنا للمدرسة أنا أحسد

الأطفال على هذه العفوية لو كان أحد الكبار من يفعل هذا الآن لأصبح سخرية

بعد وقت من السير وصلت لمقهى بواجهة من الخشب والزجاج وطاولات في الخارج

مبللة بمياه المطر وأخرى في الداخل وصوت لطرقات خفيفة , عبرت الباب بخطوة

واحدة دخلت وأبعدت يدي عن ياقة معطفي لتبتعد عن وجهي وجلت بنظري حتى وقع

على الجالس في آخر المقهى وحيدا يميزه المعطف الشتوي بالأزرار الذهبية الذي يرتدي

مظهرا طبيعة وضيفته , كان منشغلا بقراءة جريدة في يده ويظهر على ملامحه الضيق

هكذا هوا حيدر إن قرأ خبرا سيئا تعكر مزاجه لباقي النهار توجهت نحوه سحبت الكرسي

وجلست فنظر لي وقال " صباح الخير لقد تأخرت "

قلت بلامبالاة وأنا أخرج علبة السجائر وأضعها على الطاولة

" كل هذا وتأخرت هل كنت تريد إخراجي من صلاة الفجر "

ضحك وهوا يضع الجريدة من يده وقال " لم تغير عاداتك إذا "

سحبت كأس الشاي من أمامه رشفت منه رشفة وقلت ببرود

" ولما أغيرها أنا مرتاح هكذا "

قال بضحكة خفيفة " أنتم الكُتاب غريبو أطوار حقا "

أخرجت سيجارة أمسكتها بشفتاي وقلت وأنا أشعلتها

" هل جئت بي لتحلل شخصيتي "

نظر لعيناي بهدوء وقال

" بل جئت لأراك لما تصنع بنفسك هكذا يا رجل "

نفثت دخان السيجارة من فمي وقلت

" هل ضايقت أحدا لما تشغلون بالكم بي , حقا أنتم غريبين فهل أصبحت

الآن نقطة يجب وضعها فوق أحد الحروف لتفهموا وجودها في الحياة "

هز رأسه بيأس وتنهد وقال

" مريم تسلم عليك وأوصتني أن أقنعك بأن تتحدث معها "

نظرت للطاولة الفارغة خلفه وابتسمت ابتسامة جانبية وقلت ببرود

" أمازالت كما كانت "

سحب كوبه من أمامي وقال بضيق

" إنها شقيقتك يا رجل أحبها ربع ما تحبك واسأل عنها كما تسأل عنك "

قلت بلامبالاة " ستعتاد هذا "

نظر لي ونظري على السيجارة في يدي وقال بحدة

" متى !! إنها سنين لن يموت قلبها مثلك إننا أهلك يا رائد أنا ووالدك وإخوتك "

رفعت نظري إليه وابتسمت بسخرية وقلت

" أتعلم ما أكثر ثلاثة أشياء إن أعطيتها ظهرك فلا تلتفت إليها "

أشاح بنظره عني متضايقا وقال بتذمر

" الحب وما الاثنان الآخران "

ابتسمت وقلت " الماضي والمدينة التي ولدت فيها "

هز رأسه بيأس وقال

" سنين مرت يا أخي آن لك أن تنسى ما حدث وترجع لهم "

ضحكت ضحكة ساخرة وقلت

" وهل تمحوا السنين شيئا إنها كالطابعة كلما كررت تحريكها للأمام ضاعفت

عدد الطبعات فهل نسوا هم ذلك أم لم ينسوا شيئا إلا وجودي في هذه الحياة "

نظر لكاس الشاي أمامه وأدار إصبعه على حوافه في حركة دائرية وقال بهدوء

" وحتى متى ستعيش وحيدا وبعيدا "

قلت بهدوء " المهم أنني مرتاح "

نظر لي مطولا بصمت فقلت " كيف هي مريم وأبنائها "

أشاح بنظره عني وقال ببرود " بخير "

قلت بهدوء " ما هذه الزيارة المفاجئة للمدينة على غير العادة "

نظر لي وقال " لقد تم نقلي للمدينة المجاورة لهذه "

ضحكت وقلت " أقسم أنهم يدبرون لقتلك "

نظر لي باستغراب وقال " كيف يدبرون لقتلي "

سندت مرفقي بالطاولة أضرب طرف السيجارة على المطفئة وقلت

" وبما تفسر كثرة نقلهم لك من مدينة لأخرى , أسوء

قرار اتخذته في حياتك أنك دخلت الجيش "

قال بسخرية " هذا هوا الحال الآن القرارات الطائشة موضة الأعوام الأخيرة "

ابتسمت وقلت " مقبولة منك , أخبرني كيف تسير أمورك مع زوجتك "

قال ببرود " قررنا الانفصال "

نظرت له بحيرة مطولا فقال " قل ما لديك أعرف ما تفكر فيه "

سندت ظهري لظهر الكرسي وقلت

" حياتك وأنت حر فيها لكني حذرتك منذ البداية "

قال ببرود " العبارة الأخيرة هي الخلاصة فلما المقدمات "

قلت بابتسامة جانبية

" كي لا تكون توقعت كل العبارة ويبقى فيها شيئا مختلفا "

قال بجدية " تحدث مع شقيقتك ولو لمرة واحدة لا أريد أن أستمع

لنبرتها الحزينة حين أخبرها أنك رفضت "

قلت بهدوء مشيحا بنظري بعيدا عنه " سأفكر "

قال بضيق " أنت تضيع حياتك يا رائد ستعيش وحيدا وتموت

وحيدا ولن تجني شيئا سوى الألم "

رفعت رأسي للأعلى ونفثت دخان السيجارة وقلت بابتسامة حزينة

" ومن قال لك أني لم أمت "

ثم نظرت له وقلت " لقد مت عندما لم أكن وحيدا "

وقف على طوله ليظهر صوت صرير الكرسي ينسحب خلفه قرب وجهه قليلا وقال

" لقد أوصلت الرسالة وفعلت ما في وسعي وفشلت ككل مرة "

قلت بابتسامة جانبية " بل نجحت ككل مرة "

نظر لي بحيرة فقلت " نجحت في إزعاجي و إيقاظي باكرا "

تنهد بضيق وغادر بخطوات ثقيلة وسريعة أطفأت السيجارة في المطفئة محاولا

إطفاء نيرانها في صدري , بلى نجحت يا حيدر في إبعادي عنهم أكثر فلو قلت

لي أنه لم يسأل عني منهم أحد كان خير ألف مرة من أن تذكرني مجددا أنها مريم

وحدها من سأل عني

خرجت من المقهى وسرت ذات الطريق معطيا وجهي للأشياء التي أعطيتها

ظهري منذ قليل وأنا قادم إلى هنا فأي شيء يمكنك أن توليه ظهرك للأبد إلا

الشوارع وجهها لوجهك وقفاها لقفاك بث أعشق لعب هذه اللعبة معها ومحاولا

اليوم شغل بالي بها عن حديثه ككل مرة

يالك من حالم يا حيدر كيف أنسى ما حدث هل يضن الأمر بهذه السهولة ها هي

ست سنوات مرت حتى الآن من منهم فكر أن ينسى وأنا الأحق أن أتذكر ذلك كل

حياتي , نعم هكذا هي الحياة مفترق طرق فمنذ ست أعوام سلكت طريقا فرعيا

وهجرت تلك المدينة عن بكرة أبيها ومنذ ثلاثة أعوام سلكت الآخر لأهجر النساء

والكتابة ليصبح هذا الحال لا يعجب الجميع , لما كان حالي سابقا يعجبهم هل

يكرهون راحتي أم يريدون مني فعل ما يريحهم هم

قطعت الطريق مسرعا لأقطع كل هذه الأفكار وأدوسها بخطواتي وصلت المنزل

فتحت الباب ودخلت أنفخ قبضة يداي لأدفأهما قليلا , حيدر لا يفلح إلا في هذا

إيقاظي مبكرا من أجل بضع دقائق وبعض العبارات التي لا تجدي نفعا

خلعت معطفي وعلقته ودخلت المطبخ حضرت كوبا كبيرا من الشاي وجلست

وسط المنزل وشغلت التلفاز و أخفضت الصوت كان برنامجا صباحيا مملا للغاية

ولكن لا شيء أقل مللا منه , سمعت حينها طرقات على باب المنزل تنهدت بضيق

من هذا الذي يريد إفساد الصباح أيضا لا ويطرق الباب بدلا عن أن يقرع الجرس

وقفت بتذمر وفتحت الباب كان ثمة فتاة بثياب مرتبة عينان بنيتان وبشرة بيضاء

وابتسامة مشاكسة تضع حقيبة على كتفها وتمضغ العلكة نظرت لها بسخرية وقلت

" لن تدخلي المنزل ولن أشيري منك شيئا "

ضحكت وقالت " ومن قال أنني أريد الدخول "

قلت بذات السخرية " لأني أعرفكم جيدا الباعة المتجولين "

لوت شفتيها بضيق فقلت بابتسامة جانبية

" هل تعلمي ما أسوء ما في النساء "

نظرت لي بحيرة فقلت

" أنهن لا يعرفن التجارة إلا في مشاعر البشر "

نظرت لي باستفهام بادئ الأمر ثم بصدمة فقلت بسخرية

" وأنهن لا يفهمن إلا بعد وقت "

نظرت جانبا لطرف الشارع تأففت ثم نظرت لي وقالت بضيق

" ما بك يا هذا إننا في الصباح "

كتفت يداي لصدري واستندت بكتفي على طرف الباب وقلت ببرود

" أخبرتك منذ البداية أنني لن أشتري شيئا "

قالت بنفاذ صبر " وهل تحكم على ما عندي دون أن تعرفه "

قلت " لا يهم فأنا لا أريده "

قالت بضيق " لا تتعبني معك أيها السيد "

ما بها هذه معي عند الصباح كله بسبب حيدر لكنت نائما الآن لتطرق حتى

تتعب وتغادر , غيرت وقفتي ووضعت يداي في جيوب بنطالي وقلت بتذمر

" هيا قولي ما لديك ولكن اعلمي أنك تضيعين وقتك ولن اشتري منك شيئا "

ابتسمت ابتسامة جانبية وقالت بتحدي

" بل ستشتري وليس هذه المرة فقط "

قلت بدهشة مصطنعة " رائع ما كل هذه الثقة "

أشارت لوجهي بسبابتها وقالت بتحدي أكبر " سنرى "

قلت بابتسامة سخرية " حسننا أرني ما لديك "

قالت بابتسامة " الأميات "

ضحكت كثيرا ثم قلت " أقسم أنك مجنونة هل تبيعين الأميات "

قالت بضيق " لست مجنونة وأبيع الأميات حقا "

قلت وأنا أشير بعيناي ليدها

" في هذه الحقيبة !! ماذا لو كانت أميتي طائرة أو باخرة "

قالت ببرود وهي تدير الحقيبة خلفها

" ليس أنت من تحدد أنا أحدد ذلك "

ضحكت مجددا وقلت

" كيف تكون أميتي وأنتي من تحددينها "

قالت بابتسامة " ادفع المال واشترى وسترى "

قلت " خطة فاشلة "

قالت بحزم " ستشتري رغما عنك "

قلت رافعا حاجباي " رائع وهل سترغمينني "

قالت بجدية " إن لم تشترى أمنيتك مني سرقت أمنيتك منك ولك أن تختار "

قلت بابتسامة جانبية " وإن لم يكن لدي أمية لا أشتريها منك ولا تسرقينها "

قالت بحدة " كاذب "

نظرت لها بصمت واستغراب لا تبدوا مجنونة لكن ما تقوله لا يمكن لعاقل قوله يجذر

بهذه أن تقفز حول بقع مياه الطريق ولن يلوم عليها أحد لأنها من المجانين العاقلين

كانت تنظرت للمنزل خلف كتفي وهي ترفع جسدها لترى ما بالداخل ثم قالت

" ماذا قررت "

سحبت الباب من ورائي وقلت

" اسمعي يا فتاة تعبت من الوقوف في البرد كم تريدي ثمن تفاهاتك وترحلي "

قالت ببرود " تفاهات !! ..... سترى إن لم تصبح تزيد المال لتشتريها مني "

قلت بنفاذ صبر " سأعطيك عشرة وليس لدي غيرها لك "

ضحكت وقالت " بخيل "

قلت ببرود " بل بضاعتك هي التي لا تستحق "

قالت " حسننا سأعطيك بما ستدفع هذه المرة ولكن في المرات

القادمة أنا من سيحدد السعر "

ضحكت وقلت " هل تبيعين المخدرات "

نظرت لي بصدمة ثم قالت

" أصمت لا يسمعك أحد وتورطني في شيء لم أره يوما "

ثم فتحت حقيبتها وأخرجت ظرفا ورقيا ومدته لي وقالت

" هذه المرة ستكون مجانية لأني سآخذ حقها مضاعفا فيما بعد "

وما أن أمسكته منها حتى غادرت من فورها تبعتها بنظري وهي تعبر الشارع

مسرعة ثم نظرت للظرف بين يدي كان ظرفا ورقيا بني اللون ويحوي مجموعة

أوراق على ما يبدوا وكان مكتوبا على غلافه ( منازل القمر )

قلبته كثيرا بحيرة ثم دخلت ورميته على الأريكة وجلست أشاهد باقي البرنامج

وقفــــــــــــة

عبرت تلك الفتاة الشارع ووقفت في نهايته وتأففت وقالت

" ياله من متعجرف لست أعلم ما الذي أحبته فيه يوما صحيح أنه وسيم

ويتنفس رجولة وحتى ضحكته مخملية تذيب القلب لكنه فض ومغرور "

ثم تابعت سيرها مسرعة وقائلة

" لو تعلم قمر بما فعلت فستقتلني دون أدنى تفكير ولكنني لن أتراجع أبدا "

الفصل الثاني ❤

بعدما أكملت كوب الشاي والبرنامج السخيف ذاك نظرت للساعة بتململ ووقفت

ارتديت معطفي وخرجت من المنزل عبرت نصف الشارع ثم أوقفت سيارة أجرة

ركبت مقعدها الخلفي وقلت " جريدة الرواسي "

نظر لي في المرآة وقال بابتسامة واسعة " بالتأكيد علمت دون أن تخبرني "

نظرت له بحيرة وقلت " وكيف علمت "

قال بابتسامة صغيرة " ومن لا يعرف الكاتب رائد المنذر "

ابتسمت بسخرية وقلت " يبدوا أنك تقرأ الكتب والصحف القديمة "

قال بابتسامته ذاتها " بل لم يغب حرف مما تكتب عن بالي "

لذت بالصمت كي لا يطول الحديث في الأمر وصلت الصحيفة نزلت وأعطيته نقوده

عليا جلب سيارتي بسرعة بدلا من ركوب سيارات الأجرة , دخلت المبنى أعبر الممرات

متجها للطابق الثاني مجيبا تحية الصباح على كل من مر بجانبي , صعدت السلالم وتوجهت

من فوري لذاك المكتب طرقت الباب طرقتين خفيفتين ودخلت فوقف من فيه مباشرة ما أن

رآني وقال مصافحا لي " مرحبا بالمنذر على الموعد تماما "

قلت بضحكة صغيرة " الفضل لمن أيقظني مبكرا اليوم "

جلست على الكرسي المقابل له وقلت " هل الأوراق جاهزة "

فتح درج مكتبه وقال

" بلى جاهزة اطلع عليها وقم بلمساتك السحرية الدائمة وارمي الغير مناسب ككل مرة "

أمسكت الأوراق قلبتها قليلا ثم قلت

" تبدوا لي أكثر من السابق هل ستزيدون عدد الصفحات هذه المرة "

ضحك وقال " أبدا ولكن هناك عمود لم يعد شاغرا فلا تحسبه "

نظرت له بحيرة وقلت " وما الجديد "

دار بكرسيه الجلدي ووقف ولف حول الطاولة ووقف بجانبي وضع يده على كتفي وقال

" لأن أحدهم سيكتب فيه منذ الأسبوع القادم "

نظرت له فوقي وقلت " ومن هذا الذي تثبتون له عمودا خاصا غير المثبت سابقا "

ضحك وشد على كتفي بقوة وقال " ليس أنت بالتأكيد وليته يكون كذلك "

قلت بابتسامة جانبية " أعلم أنه ليس أنا "

ترك كتفي وتوجه بخطواته أمامي جلس على الكرسي المقابل لي وقال

" رائد متى ستتحفنا بإحدى مقالاتك لا ننتظر كتابا مقال يكفي "

قلت بلامبالاة وأنا أرتب الأوراق بين يداي

" لا أعلم ... أخبرني من هذا الذي سيأخذ العمود في الصحيفة "

وقف وعاد لكرسي مكتبه جلس وقال بابتسامة واسعة

" بل قل أفضل عمود "

قلت رافعا حاجباي " أرجو أن لا تكون مجرد بهرجة فارغة "

ضحك وقال " مقبولة منك وليست بهرجة إنها فرصة ذهبية حصلت عليها الجريدة "

قلت ببرود وعيناي في عيناه " حركات التشويق هذه أضنك تعلم أنها لا تجدي معي "

قال مبتسما " بلى أنا أكثر من يعلم ذلك عموما إنها كاتبة كانت تحتل عمودا في صحيفة

الفجر طيلة العام الماضي "

نظرت له بهدوء وصمت فتابع " نورسين هل تعرفها "

شردت بعيناي قليلا أبحث في عقلي عن شيء يخص ذلك ثم قلت

" لم أسمع بها "

ضحك وقال " اسكت لا يسمعك أحد من لا يعرفها يا رجل "

قلت بضيق " وهل يجب عليا أن أعرف كل من يكتب في الصحف "

قال بجدية " سوف ترسل لنا مقالا مرتين شهريا فهي لم تكتب في جريدتها تلك منذ فترة

لقد سعى أسعد حتى حفي لتوافق "

ضحكت وقلت " شريكك أسعد هذا سيتسبب بدمار صحيفتكما "

ضحك وقال " بل هذه المرة أصابها "

قلت بابتسامة " أراك متحمسا "

قال بضحكة " إنها فرصة العمر لصحيفتنا بعدما فقدت مقالاتك لأشهر عديدة "

قلت بلامبالاة " أتمنى أن لا تكون العكس "

قال بحماس " هذا لأنك لا تعرفها "

فتح الدرج السفلي لمكتبة وفتش فيه كثيرا ثم أخرج مقصوصة من صحيفة وقال

" اسمع واحكم بنفسك هذه مقالة لها قبل مقربة نصف العام في جريدة الفجر

( البراءة هي أغلى الأشياء لأن ما هوا ثمين لا يمكن أن يحدث إلا للقلب البريء للماكر لا يحدث

شيء الحب مستحيل والنشوة مستحيلة وأي شيء مستحيل عليه , المال ممكن والقوة والمظاهر

وهي كلها أشياء لا قيمة لها فالموت يدمرها جميعا ( م/ن أوشو ) ) "

توقف عن القراءة ونظر لي يبحث عن الاهتمام في ملامحي ثم قال

" هل أتابع "

ابتسمت وقلت " نعم "

قال مبتسما " بداية مشجعة قد تدفعك للكتابة مجددا "

قلت بابتسامة " وقد يُخسركم ذلك مقالاتها "

ضحك وقال " لا تقلها يا رجل يبدوا أنك ستهاجمها بمقالاتك النقدية "

ضحكت بهدوء وقلت " تبدوا لي تستحق مقالا هجوميا لاذعا لكني لا أفكر في ذلك "

ضحك وقال " جيد لأنه سيخنقك أسعد "

قلت " لا تقلق الكاتب آخر من يعلن هزيمته ولن يخسرها بسبب مقالاتي "

فتح الدرج العلوي لمكتبه وأخرج بطاقة ومدها لي فأمسكتها وقلت

" ما هذه "

قال مبتسما " دعوة "

ضحكت وقلت " هل ستتزوج "

ضحك وقال " لو سمعتك زوجتي لقتلك إنه حفل الكتاب الجديد لعادل مراد بطاقات

الزواج ننتظرها منك أنت "

قلت ببرود " ولما كل شيء تنتظره مني "

قال بهدوء " لأنك متوقف عن العالم منذ وقت لا جديد ولا مفيد , أخبرني هل ستحظر "

قلت بهدوء وأنا أقف مغادرا " لا أعلم "

وقف وقال " إلى أين ستذهب "

التفتت له وقلت " لجلب سيارتي من كراج التصليح "

ضحك وهوا يتوجه ناحيتي وضع يده على كتفي وقال

" هل تعطلت العروس "

ضحكت وقلت خارجا برفقته

" السيارات كالنساء تماما ما أن توقع عقد ملكيتها حتى تصبح بحاجة دائمة للتصليح "

قال ضاحكا " لا أحسد زوجتك عليك هيا سأوصلك في طريقي لدي مشوار ضروري سأخرج له "

ركبنا سيارته وشغلها وانطلقنا نتبادل بعض الأحاديث ثم صمت لبرهة وقال

" اتصل بي أيوب بالأمس "

تنهدت بضيق فقال بهدوء " يبدوا لي لا تريد الحديث في الأمر "

قلت مختصرا " نعم "

قال " حسننا كما تريد ولكن يا رائد أ نــ ...... "

قاطعته قائلا " ولا أريد أي موضوع يوصلنا إليه "

تنهد واكتفى بالصمت فقلت " لف يمينا الشارع الثالث "

دخل الشارع وأوقف السيارة وقال " ما لديك اليوم "

قلت " لما تسأل !! "

قال بتذمر " أجب بدون سؤال ولو لمرة واحدة "

ضحكت وقلت " سآخذ الثياب للمغسلة وأتسوق من أجل المنزل وسأزور

المكتبة زيارة ودية هذا فقط لليوم "

قال بابتسامة وهوا يستند بساعده على المقود " لما لا تتزوج وترتاح يا رجل "

قلت ببرود " وما الراحة التي تكون مع النساء "

ضحك وقال " أنت فقط لم تجرب "

قلت وأنا أفتح باب السيارة وأخرج منها

" سبق وجربت شيئا أقل من هذا وكانت النتيجة مؤسفة "

أغلقت باب السيارة قبل أن يتحدث أو أسمع ردا منه دخلت فاقترب مني صاحب

المكان مبتسما وقال " مرحبا لم تترك لنا رقم هاتفك السيارة جاهزة

منذ يومين العطل كان بسيطا وهي جديدة لم تأخذ وقتا "

قلت بهدوء " شكرا , هل لي أن أستلمها الآن "

مد لي بالمفتاح وقال " بكل تأكيد "

دفعت له نقوده وغادرت أنهيت بعض المشاوير فيما عدا المكتبة وعدت للمنزل صليت

الظهر وجهزت غداءً خفيفا وقضيت باقي الوقت في مكتبي مع الأوراق وبعض الكتب

عند المساء جلست على الأريكة لمشاهدة بعض الأخبار فلمحت شيئا موضوعا بجانبي

كان الظرف الورقي الذي تركته تلك البائعة الفاشلة جيد أنها لا تسوق لكل المنتجات

لخسرت الدولة بسببها الكثير

رفعته ونظرت له مطولا بتمعن منازل القمر يالا الأيام هذا الاسم كان في فترة من العمر

يعني لي طموحا وجهدا كبيرا يالا سخافة المناهج المدرسية , عليا رؤية ما فيه قبل أن تعود

تلك الفتاة مجددا وتصدع لي رأسي , رميته جانبا وعدت لتقليب القنوات وبعد وقت طويل

دخلت المطبخ أعددت سندوتشا من الجبن والزيتون وكوبا من الشاي حملت الظرف وتوجهت

لمكتبي من جديد جلست وفتحته كان يحوي مجموعة من الأوراق منزوعة من مفكرة , الورقة

الأولى كانت تحوي ذات العنوان تبدوا لي وكأنها قصة أو يوميات من مفكرة أو ما شابه ما سر

هذه الفتاة وهذه الأوراق وما تعني بالأمية , طردت كل تلك الأفكار عني وأزحت ورقة العنوان

جانبا ونظرت للورقة الأولى نظرة تفحصيه كان الخط خفيفا ومرتبا وجميلا يبدوا وكأنه خط فتاة

كما أن رائحة العطر تدل على ذلك وليست كرائحة عطر تلك البائعة أي أنها ليست هي صاحبتها

عدت لرأس الصفحة وبدأت بالقراءة من أول السطور

( نعجز أحيانا عن فهم بعض الكلمات وأكثر ما عجزت عن فهمه في حياتي هي كلمة طفولة , حين

كنت أعيش هذا الشيء المسمى بذاك الاسم , كلمة طفولة في البلدان الموضوعة تحت خط الفقر تعني

البؤس والنوم في العراء والموت جوعا بالنسبة لي لست من البلدان المعدومة ولكن تلك الطفولة لم

أعرفها إلا بذاك الاسم ولم تحوي أي حرف من تلك الحروف ولم أعرفها جيدا إلا ذاك اليوم حين

استيقظت من نومي لأجد نفسي في روتين غير روتيني اليومي بدون قبلة على جبيني من شفتا أمي

ولا ابتسامة من والدي وأنا امسك بيده الباردة عند قدومه من عمله لأدخله معي للمنزل بل استيقظت

على صوت صراخ أمي , كانت صرخة واحدة قوية انخفضت رويدا رويدا حتى اختفت كما اختفت

هي معها واختفى والدي في ذات اليوم لأجد نفسي أمام رجل ينظر لي بنظرات باردة ومخيفة

وصوته يدوي في أذني كالطرق على الحديد وهوا يقول " ماتوا "

كان هذا جوابه لطفلة عمرها خمس سنوات وهي تسأل عن والدين افتقدتهما ذاك الصباح

الموت كلمة لم أكن أعرف معناها ولم يشرحها لي يومها , كل ما فهمته وقتها أنها تعني أن

تشرق شمس الصباح ولا تجد والديك كانت تلك المعاني الوحيدة التي عرفتها عن ثلاثة

أحرف في كلمة موت , كما اكتشفت بعدها العديد من الكلمات الجديدة لأفهمها بغير معانيها

الحقيقية كما كلمة طفولة التي اعتقدت فيما بعد أنها تعني البؤس والحرمان والخوف والجوع

والنوم في العراء والبرد لأكتشف بعد سنين طويلة أنه لا شيء اسمه موت بتلك الطريقة

صرخة أم واختفاء أب , ليس الموت بذاك المعنى أبدا ولكنه الجواب الوحيد الذي وجدته حينها

أمسكت تلك اليد الجوفاء الخالية من المشاعر كصاحبها بتلك اليد الرقيقة الصغيرة وأخذتها معها

لبيت ليس بيتها وأم ليست أمها ورجل يطلقون عليه أسم ( خالي ) لتضيف لقاموسها معنا جديدا

لكلمة جديدة .... ( خال )

لم أكن أعلم معنى لتلك الكلمة فكتبتها في قاموسي فيما بعد بمعنى الإهمال والضرب والسب

كلها كانت تعني عندي تلك الكلمة ولم أعرف يوما من تلك الأيام أنها تعني شقيق الأم , ووجدت نفسي

أمام سيدة بعينان كعينا التنين الذي كان موجودا في دفتر تلويني الذي أحضره لي والدي صغيرتان

ومسحوبتان للخلف وملامح لا تشبه ملامح والدتي الجميلة الرقيقة وصوت رنان خرج من حنجرتها

وهي تضع يديها وسط جسدها قائلة " فعلت ما تريد وأحضرتها "

خرجت حينها الكلمات من الواقف بجواري قائلا

" لا أحد لها غيرنا ولا أطفال لدينا فما المشكلة "

ابتسمت ابتسامة شريرة لم تكن تبتسمها والدتي اكتشفت بعد سنين طويلة أنها تعني ابتسامة سخرية

مددت لها يدي الصغيرة البيضاء مفرودة الأصابع لأصافحها كما كانت تعلمني والدتي : صافحي

دائما من هم أكبر منك سنا بهذه اليد وليس بتلك

نظرت ليدي مطولا ثم أمسكتها بقوة وسحبتني معها ثم رفعتني للأعلى ورمتني على الأريكة جالسة

وقالت بغضب " اجلسي هنا إن تحركت من هذا المكان أو كسرتي شيئا أو تحرك من مكانه قتلتك "

جلست في ذاك المكان وعلى تلك الأريكة ولم أحرك حتى أطرافي لتمر الساعات تلو الساعات

حتى غلبني النعاس ونمت في مكاني ضامه ساقاي لصدري فوق تلك الأريكة وليس سرير غرفة

نومي ولم أعلم حينها أنني حتى تلك ألنومه سأفقدها فيما بعد , رأيت في الحلم أمي تبتعد وأنا أركض

مسرعة نحوها وأناديها أركض وتبتعد وتبتعد فتعثرت قدماي بصخرة كبيرة ووقعت أرضا

ثم ارتفعت للأعلى وسقطت وصوت صراخ يدوي في رأسي قائلا

" انهضي هيا من سمح لك بالنوم هنا "

فتحت عيناي لأجد الواقفة فوقي صاحبة عينا التنين التي ينادونها ( سلوى ) تمسك بيدي وأنا

مرمية أرضا لأكتب لدي أن كلمة سلوى تعني القسوة ورفع الجسد من يد واحدة

سحبتني معها دخلنا مطبخا ثم حجرة في نهايته رمتني فيها وقالت

" هذا هوا مكانك أخرجي منه لتري ما سأفعل بك "

ثم غادرت وجلبت كيس ملابسي ورمته عليا وغادرت , أخرجت الدمية القماشية التي صنعتها

لي أمي حضنتها ونمت على تلك الأرضية الباردة وقلت

" أمي لقد أصبح لي منزلا جديدا وأما جديدة ليست مثلك أبدا وغرفة جديدة لا تشبه غرفتي

إنها مليئة بالعلب والصناديق ولكنها غرفتي قالت مكاني يعني أنها لي , أمي أحبك متى

ستعودين إلي أنتي ووالدي متى سيحضركم ذاك الذي يسمونه ماتوا متى سيعيدكم , أمي لا

تتركيني وحيدة عودي رجاءا "

ونمت في ذاك المكان البارد الخالي حتى من الإنارة لأستيقظ على ذات الصوت صارخا

" قمر "

جلست من فوري أفرك بيداي الصغيرتان تلك العينان العسليتان الواسعتان وقلت بصوت رقيق

طفولي بالكاد يخرج من تلك الحنجرة الصغيرة " نعم خالتي "

رفعتني من يدي مجددا وقالت بصراخ " لست خالتك ولا تقولي خالتي ثانيتا فهمتي "

نزلت حينها دموعي من عيني اليمنى لليسرى لأنها تحملني ورأسي سقط جانبا لتسقط تلك

الدموع على الأرض ولتخرج تلك الكلمات الطفولية الرقيقة من حنجرتي قائلة

" حسننا "

رمتني أرضا وقالت " نادني سيدتي منذ اليوم , تعالي خلفي هيا "

خرجت أتبعها أخذتني لخارج المنزل حيث غرفة تشبه غرفتي الجديدة غير أنها أكبر

ومتسخة أخذت وسادة من هناك مدتها لي وقالت بقسوة " أمسكي هذه "

أمسكتها بل حضنتها بقوة كي لا تقع مني وأعرف معنا جديدا لاسم سلوى , أخذت فراشا

وبطانية وقالت " تعالي "

تبعتها مجددا لتعود بي لذات المكان لغرفتي رمتهما أرضا وقالت

" نامي عليهم ستعيشين هنا واحمدي الله مئة مرة أننا آويناك فمكانك ليس هنا بل دار

الأيتام رغم أنك لست منهم "

ثم خرجت وتركتني لا أفهم مما قالت شيئا فعقلي لم يحمل حينها كل تلك المعاني القاسية

والظالمة , لتمر بي الأيام في ذاك المنزل طفلة في الخامسة تغسل الأواني وتمسح الغبار

وتحضر حتى الماء لهما عندما يعطشان , طفلة تأكل بقايا طعامهم مجموعا في صحن واحد

وعلى الأرض , طفلة ليس هناك من يحممها ويغسل لها ثيابها ويسرح شعرها غير يديها

لتعرف حينها تلك المعاني الغير حقيقية لكلمة طفولة

في ذاك اليوم كنت أقف على أطراف أصابعي محاولة رؤية ما هناك خلف جدار هذا السقف

أمد جسدي أكثر وأكثر ولا أرى إلا شيئا بسيطا لأسمع تلك الصرخة من خلفي

" قمر ما الذي تفعلينه هنا وتتركين أعمالك "

نظرت لها بخوف وقلت " لا شيء كنت أريد الرؤية فقط"

قالت بغضب وهي تشدني من شعري " تريدي أن تري ما هناك حسننا "

رمتني أرضا وغادرت وأغلقت الباب خلفها ونزلت السلالم لتتركني سجينة سطح المنزل

ولم تخبرني حينها أنها لن تكون المرة الأخيرة ولم يخبرني أحد أن كلمة سطح تعني أعلى

المنزل وكتبتها في قاموسي بمعنى السجن والظلام والبرد وصوت الريح , كنت أركض

وألعب فيه طوال ذاك النهار وأصعد فوق تلك العلبة الحديدية لأرى منازل الجيران ولم أدرك

أن بعد النهار ليل لتظلم الدنيا ويشتد البرد والظلام لأعرف حينها المعنى الحقيقي لذاك المكان

فجلست عند زاوية الباب أترجاه أن يفتح لي ومن سيشرح حينها لطفلة أن الأبواب لا تسمع

ولا تتحرك من تلقاء نفسها , تكمش جسدي في ذاك المكان وضممت يداي لصدري وأغمضت

عيناي بشدة أبكي وتخرج تلك الكلمات الصغيرة كحجمي قائلة من جديد

" أمي أشعر بالبرد تعالي لا تتركيني أنا خائفة أمي أصابعي تتجمد أخبريها بذلك "

ومن كان سيجيب أو سيشعر , ولم ينفتح ذاك الباب إلا بعد وقت طويل لتجرني تلك اليد وتنزل بي

تلك السلالم , فقط كنت طفلة في السادسة وليتها تحكي لكم تلك الطفولة وتلك السنين )

رفعت الورقة فكانت التي تليها الأخيرة قلبت الأوراق هل قرأت كل هذه لم أشعر بنفسي

وبالوقت , كانت الأوراق قليلة لكني كنت متأكد أنني لن أقرأ سوى واحدة وسأمل منها

ما هذه يا ترى هل هي قصة حقيقية أم رواية من الخيال ما كل هذا البؤس , تلك البائعة

الحمقاء من أخبرها أنني أحتاج للحزن , شربت بعضا من الشاي الذي بدأ يبرد وهوا على

حاله ونظرت للورقة ما قبل الأخيرة فيهم وقرأت

( لم يكن ذاك اليوم الأخير لقد كان ذاك السطح يشدني لأنه المتنفس الوحيد لطفلة لم ترى

الشارع منذ شهور وشهور كنت أستغل وقت نوم عينا التنين لأصعد هناك فتمسك بي أحيانا

وتسجنني فيه حيث البرد والجوع والخوف ومن يخبر طفلة في ذاك العمر أن التوقف عن

الجرم يؤدي للتوقف عن العقاب ضننت أن ذاك السجن ليس عقابا على ذلك لأن القسوة عنوان

ذاك المكان فكل شيء كنت أتوقع أنه بدون أسباب

في ذاك اليوم الذي يشبه الكثير من تلك الأيام كنت أجلس ألتمس الدفء من برودة ذاك الباب

الحديدي حين سمعت صوتا لاصطكاك حديد من سطح الجيران الملاصق , وقفت وأخذت العلبة

الحديدية ووضعتها عند ذاك الجدار الفاصل بين المنزلين وصعدت فوقها لأجد في ذاك السطح

فتى يكبرني بسنين يثبت شيئا طويلا مخروطيا ويتذمر ويسبه لأنه لا يثبت فبدأت أضحك عليه

لتصله تلك الضحكات الصغيرة البريئة فالتفتت إليا وقال

" ماذا تفعلي هنا ومن أنتي ولما تضحكين "

قلت بعفوية وأنا أنظر لذاك الشيء الغريب " ماذا تفعل "

اقترب مني وقال واضعا يديه وسط جسده

" ماذا تفعلي أنتي في هذا الوقت فوق المنزل وأين والدتك "

قلت بحزن " ذهبت مع ماتوا ولم ترجع حتى الآن ولا حتى والدي لقد أحبوه ونسوني "

هز رأسه بعدم فهم ولامبالاة وقال " وما تفعلين هنا "

قلت بعفوية " لا أعلم "

قال يضيق " كيف لا تعلمي "

قلت بابتسامة " ماذا تفعل أنت "

نظر للخلف حيث ذاك الشيء الغريب وأشار له بإبهامه وقال

" أراقب القمر "

ضحكت وقلت " تراقبني "

نظر لي ببرود وقال " قلت قمر وليس أنتي "

قلت بمرح " وأنا قمر "

ضحك وقال وهوا يشير بأصبعه للأعلى " ذاك فوق "

نظرت حيث أشار وقلت باستغراب " تلك قمر ولكني هنا "

ضحك مجددا وأمسك بطنه ونزل أرضا فقلت

" ما بك هل تؤلمك معدتك أنا عندما تؤلمني أفعل مثلك "

ضحك أكثر ثم وقف وقال وهوا يضحك

" أسكتي يا فتاة سوف تقتلينني من الضحك "

قلت بتذمر " لما تضحك علي "

عاد لذاك الشيء الغريب وبدأ يحركه وينظر لتلك الكرة المضيئة التي تضيء لي ليلا وتنطفئ

عندما تغضب مني دون سبب وتتركني في الظلام علمت الآن لما كانت تفعل ذلك لأني أحمل

اسم كاسمها , كان ينظر له ويدور بتلك الأشياء وأنا كنت مستندة بيداي على حافة سور السطح

واضعة ذقني عليهما وأراقبه ثم قلت " لما تنظر له "

نظر لي وقال " أراقبه "

قلت بتعجب " لما هل سيفعل شيئا "

ضحك وقال " لا أنا أرى منازله "

قلت بدهشة " وله منازل ما يفعل بها وهوا وحيد "

عاد للضحك مجددا وقال

" منازل القمر يا غبية ثمان وعشرون منزلا ينزلها هكذا أخذناها في المدرسة " )

رفعت عيناي عن الورقة في شرود وتفكير بل تشتت وضياع قمر ومنازل القمر وسطح

ومراقبة عدت بنظري سريعا لأكمل وأتأكد أو لأهرب من تلك الفكرة وبدأت بالقراءة

( كنت لا أفهم من ذلك شيئا وبقيت أراقبه في صمت بمعطفه الشتوي الأسود المناسب

لطوله وحجمه وشاله الصوفي الأبيض الذي يلفه حول عنقه , كنت أراقبه باهتمام وصمت

حتى انتهى وجمع أشيائه ثم نظر لي وقال

" انزلي فالجو بارد "

قلت " لا استطيع "

قال باستغراب " ولما لا تستطيعي "

أشرت بأصبعي جهة الباب وقلت " لأنها أغلقته "

قال " من هي "

قلت بهمس جامعة كفاي حول فمي كي لا تتبعثر الكلمات وتسمعها

" خالتي ولكن لا تقل لها فهي تريد أن أناديها سيدتي "

نظر لي بعدم فهم ثم قال " ما أسمك "

قلت بابتسامة " قمر "

ضحك كثيرا ثم قال " لذلك إذا "

قلت بضحكة " وما أسمك أنت "

قال وهوا يحمل أشيائه تلك " رائد "

ثم نزل وأغلق الباب خلفه )

كانت الورقة الأخيرة قد انتهت رميتها على الطاولة وضربت جبهتي بيدي عدة مرات ثم قلت

" قمر نعم قمر الطفلة في ذاك السطح "

كنت أظنها تكذب في تلك الأشياء التعيسة التي تقولها وأنها مجرد مخيلة طفلة صغيرة

كنت في الحادية أو الثانية عشرة من العمر حينها لم أنسى أبدا تلك الأيام قمر الطفلة الجميلة

المبتسمة ذات الشعر البني الفاتح الحريري والعينان العسليتان نعم أذكرها جيدا

نظرت للأوراق أمامي بشرود ترى ما علاقة تلك الفتاة البائعة بها وأين هي الآن لابد وأنها

هي من كتبت هذه , أذكر أني لم أرها منذ تقريبا حين كانت في التاسعة أو العاشرة وأذكر أنها

اختفت فجأة انتظرتها كثيرا وناديت عليها من سطح منزلهم مرارا ولم تظهر , ترى لما أحضرت

تلك الفتاة هذه الأوراق لي فمن كتب هذه ليس أي قلم عادي , يبدوا أني كما قالت تلك الحمقاء

سأشتري الأوراق منها بالسعر الذي تحدده ستأتي قريبا بالتأكيد فهذه المذكرة لم تنتهي ولن أتركها

حتى أفهم منها كل شيء .... يااااه قمر يالا المصادفات
 
الفصل الثالث + الرابع

قضيت باقي أيام الأسبوع بين أوراقي والكتب وبين مكتبي وغرفة الجلوس والتلفاز

والطلعات المعدودة وكان عليا اليوم زيارة الجريدة , وصلت هناك عبرت ذات الممر

وتوجهت لذات المكتب طرقت الباب ودخلت نظرت لهم بابتسامة وقلت

" مرحبا أرى اجتماعا مغلقا اليوم "

وقف الذي كان يجلس على أحد الكرسيين أمام المكتب وصافحني بقوة وقال ضاحكا

" ما أسعد هذا الصباح "

ضحكت وقلت " هل توجد عبارة صباحية لا تُدخل فيها اسمك "

ضحك ضحكة قوية وقال " لا يتغلب علي أحد غيرك في هذه البلاد "

صافحت الجالس خلف المكتب قائلا " كيف أنت اليوم "

قال مبتسما " أسعد من الأمس "

وضحك ثلاثتنا ثم قال أسعد " ستريان "

جلست ووضعت الأوراق على الطاولة أمامي فقال قيس

" جاهزة بالتأكيد "

قلت بهدوء " ما كنت سأحضرها لو لم تكن كذلك "

قال أسعد " حتى متى ستبقى تعيد صياغة ما يكتب الغير ليأخذوا المجد وأنت خلف الكواليس "

قلت ببرود " أنا مرتاح هكذا "

تنهد وقال " رائد متى ستعود "

قلت بابتسامة سخرية " لم أعلم أنني سافرت "

قال بابتسامة حزينة " بل تعي ما أقول الحياة تحتاجك إن كنت لا تحتاجها "

تجاهلته وقلت ناظرا جهة قيس

" المقالات السياسية لا تقدمها لي ثانيتا أو فصلت رأسك عن جسدك "

ضحك وقال " أمازلت عدوا للسياسة "

قلت بتذمر " إنهم يخلطون الأدب والفلسفة وكل شيء ويعكرون المزاج ولا يخرجون بنتيجة "

ضحك وفتح درج مكتبه قائلا " هذا لأنك تعشق المقالات الأدبية لكنت نظرت لهم بنظرة

مختلفة , لدي مفاجئة لك "

ابتسمت ابتسامة جانبية وقلت " وأي مفاجأة تخرج من جريدة "

اكتفى بالضحك دون تعليق وأخرج ورقة مطبوعة مدها لي وقال

" ستكون أول من يقرأها "

أخذتها وقلت " ما هذه !! "

قال بابتسامة واسعة " نورسين "

قلت ببرود " آه أجل صفقة أسعد المحترمة "

ضحك أسعد وقال " ستدمرك بكل تأكيد "

نظرت له وقلت " من سيدمر من "

قال بابتسامة تحدي " إنها قنبلة في المقالات النقدية الهجومية لقد أسكتت عاصم

في مقال واحد فقط منذ ثلاثة أشهر "

ضحكت وقلت " ومن هذا الذي يسكت عاصم "

ضحك وقال " أنت من أشعله في الماضي وهي من أسكته إنكما ثنائيا رائعا هههههه "

نظرت جهة قيس وقلت " ولما تركت تلك الجريدة "

نظر جهة أسعد وقال " الأخبار لديه "

نظرت جهته فقال رافعا كتفيه " لا أعلم !! الأمر مبهم لقد كانت في الخارج وعادت منذ

عام وبضعة أشهر , عملت لعام كامل لمصلحة تلك الجريدة ثم توقفت فجأة "

ثم ضحك وقال " رئيس التحرير كاد يجن عند اتخاذها تلك الخطوة لقد قفزت

بجريدتهم خطوة واسعة للأمام "

ضحكت وقلت " حاذر من أن تجن أنت أيضا حين تترك جريدتكم دون سابق إنذار "

قال مبتسما " لا تخف فكنزي هوا أنت وليس هي "

ابتسمت بسخرية وقلت " كنزك حتى من خلف الكواليس يا أسعد "

قال بضحكة " كم أتمنى أن أتحدث بالألغاز في وجودك فأنت تفهمني دون كلام "

ضحكت ضحكة خفيفة ونظرت للورقة وقرأت بضع سطور ثم نظرت لأسعد وقلت

" معه حق يفقد عقله "

قال بابتسامة " المقالات الأدبية إنها جنونك الحقيقي "

قلت بابتسامة مماثلة " نعم إنها كنوز الحياة اسمع هذا السطر

( الألماس في الداخل ونحن في الخارج إنه جزء من كياننا لكننا نبحث عنه في كل مكان

عدا ذلك المكان فيكون البؤس والإحباط واليأس ( م/ن أوشو )) "

ضحك وغمز لقيس وقال " يبدوا أنها ستحرك ذاك الجبل "

قلت بضحكة جافة " لا تتأمل كثيرا فلن تجد ما تتوقع مني "

ثم نظرت للاسم مطولا وقلت بهدوء

" نورسين هذا الاسم معناه ضوء القمر هل هوا اسمها الحقيقي "

قال أسعد بهدوء " لا أعلم يبدوا لي كذلك "

نظرت له وقلت " وكيف تعمل معها ولا تعلم "

قال " لا عقد بيننا سترسل المقلات عن طريق الفاكس كهذا الذي بين يديك هكذا اشترطت "

ضحكت وقلت " لذلك هي تهرب كالنسيم مثلما تدخل غلبتكم بذكائها "

ضحك وقال " بل لسبب ما تركت تلك الجريدة أنا متأكد "

قال قيس مبتسما " كم لدي من فضول لرؤيتها قد تحضر حفل الكتاب "

ضحك أسعد وقال " يمكنني تصور شكلها فتاة هاجمت عاصم بتلك الشراسة ستكون ترتدي

بنطلون جينز وقميص يشبه الرجالي وخطوات ثقيلة واسعة وصوت مدوي في السماء هههههه "

ضحكنا جميعنا وقال قيس " بالفعل القوة والرقة لا يجتمعان "

وقفت ووضعت الورقة على الطاولة وقلت مغادرا " أراكما لاحقا "

قال قيس بصوت مرتفع لأني وصلت للباب " رائد لم تقل هل ستحضر الحفل "

قلت دون أن ألتفت لهما " ما يزال الوقت مبكرا على أن أقرر "

ثم خرجت عائدا لمنزلي وما أن دخلت حتى بدأت الأمطار بالهطول جيد أنني وصلت

آه أجل كيف نسيت كان عليا زيارة المكتبة قبل الجريدة , التفتت للخلف وأخذت المعطف الذي

علقته للتو , من قال أن الروتين شيء ممل هوا يعلمك أن التغيير قد يكون سيئا جدا , ارتديت

المعطف وخرجت وركبت السيارة من فوري كي لا أجمع قدرا كبيرا من برد هذا الكون وحبات

الأمطار الرقيقة عند هذا الصباح

وصلت المكتبة نزلت ركضا لأدخل بسرعة وهذا هوا حال الجميع هنا نهرب من المطر وفي

أرض ما من هذا الكوكب يرقصون فرحا تحته لأنهم لا يرونه إلا فيما نذر , وهذا هوا طبع

البشر يعشقون المفقود وينبذون الموجود في آن واحد حتى يصبح الموجود مفقودا والمفقود

موجودا ليعرفوا القيمة الحقيقية لكل منهما

دخلت للداخل وأنا أنفض كتفا معطفي بيدي مزيلا حبات المطر التي علقت فوقه قبل

أن تتسلل إلى الداخل وتوجهت من فوري لتلك الرفوف التي يجذبني سحرها كالمغناطيس

اقلب الكتب وأبحث عن الموجود وألا موجود وبعد جهد وجدت ضالتي الكتاب الذي جئت

لأجله وككل مرة حملت معي مجموعة أخرى من الكتب لم تكن وجهتي لها ولكني هكذا

أذوب في سحرها , رفعت الكتاب بقوة من الرف وأنا أهمس قائلا بحماس

" وجدتك أخيرا "

ليسقط الكتاب المجاور له أرضا نزلت لأرفعه فشدني العنوان ( أكسير الحياة ) رفعته

ونظرت للاسم تحته ( نورسين ) تبدوا تلك الكاتبة , غريب لم ألمح اسمها سابقا هل هذا

كتابها الوحيد , فتحت الكتاب من المنتصف لأن البدايات لا تعطيك انطباعا حقيقيا عن

الشيء ولأن النهايات قد تجعلك لا تقرأه بتاتا , قرأت من رأس الصفحة وكان

(كذلك هم وكذلك نحن هم تركوا كل شيء لأقدار الله ونحن لم نفعل فلو رأيت شخصا

صباح الغد الباكر يبتسم من قلبه ستكون وجدت السعادة عند أحدهم وتأمل أن تأتي إليك

يوما وأحب أن أبشرك بأنك لن تلتقي بهذا الشخص لا في الغد ولا بعده هل تعلم لما لأنه

لم ينسى أخطاء الماضي ويفكر كيف سيصلح المستقبل لذلك هوا تعيس ولذلك العصفور

والنملة سعداء لأنهم لم يسألوا ولم يجيبوا وخالفونا نحن البشر وضحكوا على سذاجتنا فعندما

سأل أحدٌ منا الآخر عن السعادة قال أنها في بلاد لا توجد على الخارطة فسألوا السعادة

أين نجدك قالت بكل بساطة تحت أقدام التعساء , فلا تبحث طويلا عنها لأنها ستهرب منك

ولا تحزن إن لم تجدها فهي تسخر ممن ركضوا ورائها وبكوا لأنهم لم يدركوها )

مررت بعض الصفحات الأخرى وقرأت من نصف الصفحة

( من قالوا أنهم بنو المجد فهم واهمون لأنهم لم يروا المجد بعد فلم ينزل المسيح ابن مريم

ويصلي بالمسلمين في بيت المقدس وكسر الصليب وقتل الخنزير ولم تخضر الأرض حتى

تكفي تمرة الرمان العشرة من الرجال أي لم تشرق الشمس من مغربها فالمجد لم يبنى بعد )

قلت بابتسامة " رائع وأخيرا كتاب لا يتحدث عن السياسة والأدب المعاصر للقديم ومشاكل الحياة "

وضعته على مجموعة الكتب وقلت بحماس " يستحق القراءة "

حملت الكتب وتوجهت لطاولة المسئول عن المكتبة كانت ثمة فتاة تقف متحدثه معه بصوت

رقيق وهادئ ومنخفض أنا خلفها لا أفهمه , بعد وقت قلت بضيق

" عذرا يا آنسة فالتعب في وقت حملك للشيء وليس في وزنه "

التفتت إليا ونظرت لي مطولا لا أعلم ما تلك النظرة بتلك العينان العسلية الواسعة

نظرة حيرة أم صدمة أم ضياع , لقد زعزعت هذه العينان كياني وكأني لا أراهما للمرة

الأولى , كانت تنظر لعيناي بضياع وكأنها تبحث عن شيء داخلهما أو تنتظر شيئا مني

ولا تعلم أني بدأت أفقد حواسي أمام عينيها شيئا فشيئا ... لو تبتعد عني ما الذي تنوي فعله

بي .... بقيت عينانا معلقتين ببعض ثم انتقلت عيناها سريعا للكتب في يدي وأعلاهم كان

كتاب ( أكسير الحياة ) نظرت له مطولا ثم ابتعدت جانبا خافضة رأسها للأسفل لتخرج

منها أحرف تشبه الهمسات بالكاد تخرج وبالكاد تُسمع وهي تقول برقة

" تفضل "

اقتربت من الجالس خلف المكتب فابتسم من فوره وقال

" مرحبا بالسيد رائد مجموعة جديدة إذا "

وضعت الكتب وقلت بضحكة خفيفة

" جئت لأجل واحد فقط وككل مرة خرجت بمجموعة "

حرك الكتب أمامه ليدونها لديه وعندما وصل لذاك الكتاب وضعت يدي

عليه وقلت " لا هذا سأشتريه "

ابتسم ونظر لي وقال " هذه طبعة المكتبة النسخ المعدة للبيع انتهت "

حملت الكتاب أمام عيناي وقلبته وقلت " منذ متى صدر هذا الكتاب "

ثم وقع نظري على التاريخ فقلت " منذ عام لم أره أو أسمع به "

قال " لأنه كتابها الوحيد وقد تمت ترجمته للعربية من مدة قصيرة "

وضعته على الطاولة وقلت " حسننا سأستعيره إذا ثم أعيده "

وقفت عنده أنتظر أن ينتهي ولم تغفل عيناي عن العينان الواقفتان بجانبي وهما تدققان في

تفاصيل ملامح الجانب المقابل لهما من وجهي , ما بها هذه هل تشبه عليا بشخص ميت

أم ماذا , من أخبرها أنني أريد أن أختبر صمودي أمام نوع جديد من النساء لم ألتقية يوما

نظرت باتجاهها بسرعة فتوترت ملامحها بوضوح وانخفض نظرها أرضا وانتقلت العدوى

لي لأتفحص ملامحها بكل جرأة , العينان الواسعة والبشرة البيضاء كالثلج والملامح الرقيقة

الدقيقة , ملامح أقل ما يقال عنها أنها عنوان من عناوين الأنوثة الحقيقية ليزيدها هذا الهدوء

الغريب توهجا , عجيب أمازال هنالك من تحمل كل هذا السحر الأنثوي مجتمعا وكأن ثمة

مغناطيس في هذه الملامح الفاتنة الجذابة , سبق والتقيت بنساء جميلات كثر في حياتي لكن

هذه شيء مختلف تماما جمالها مختلف

" يمكنك أخذها لقد انتهيت "

عدت بنظري له وقلت " شكرا "

حملتهم وغادرت حين استوقفني صوته قائلا

" سيد رائد لدي شيء من أجلك "

عدت ناحيته وكانت تلك الفتاة لا تزال تقف مكانها وقفت عنده بصمت نظرت ناحيتها

نظرة خاطفة فكانت تنظر لي وشتت نظرها بعيدا عني , نظرتُ جهة مشرف المكتبة

فأخرج ظرفا ورقيا ومده لي مقلوبا وقال

" أحدهم ترك هذا من أجلك "

أخذته منه وقلبته كان مكتوب عليه ( منازل القمر ) , نظرت له بحيرة وقلت
" من تركه هنا "
قال بهدوء " فتاة لا أعرفها وأراها للمرة الأولى قالت أنك تعرفها "

دسسته بين الكتب وغادرت المكتبة راكضا للسيارة كما أتيت , يبدوا أن تلك الفتاة تفكر

بدهاء وتعلم أنني سأسألها عنها لذلك ستتخفى عني لم أتوقع منها هذه الحركة ولكن لماذا

وما مصلحتها من ذلك

وقفــــــــــــة

وقفت تلك الفتاة أمام الطاولة وقالت بنعومة وهدوء

" ما أن يأتي ذاك الشاب الذي غادر للتو فأعطه نسخة الكتاب وسأعطيك واحدة مماثلة "

نظر لها بحيرة ثم قال " ولكنها القوانين يا آنسة ولا مماثل لتلك الطبعة "

أخرجت بطاقة صغيرة من جيب حقيبتها وقدمتها له نظر لها مطولا ثم رفع نظره لها يتفحص

ملامحها ثم قال " حسننا لك ذلك ولكن ليس قبل أن تأتيني بالنسخة الأصلية "

ابتسمت برقة وقالت " في الغد "

**********

دخلت المنزل علقت معطفي وضعت الكتب في مكتبي وتوجهت عنوة للمطبخ أعددت

وجبة خفيفة صليت الظهر وعدت للمطبخ وضعت الطبق على الطاولة وسكبت الطعام

وجلست أقلبه بالملعقة وسافر خيالي لتلك الفتاة في المكتبة , يبدوا لي تعرفني أو لا أعلم

تعرف شخصا يشبهني يا لها من قذيفة ملتهبة فتنة مرسلة للبشرية , ضحكت على أفكاري

وعدت لتناول الطعام أنهيت طعامي ثم عدت لمكتبي وضعت الكتب جانبا وأمسكت بذاك

الظرف ثم ضحكت , صدقت تلك الفتاة يبدوا أنني سأدمن هذا ولكن لم أفهم حتى الآن قصدها

بالأمية , تجاهلت كل تلك الأفكار وفتحت الظرف كان بداخلة كالمرة السابقة مجموعة من

الأوراق منزوعة من ذات المفكرة وبذات العطر والخط ومرتبة الوضعية فيبدوا أنها لم تحركها

بعد نزعها من مكانها , وضعت الأوراق أمامي رشفت رشفة من كوب الشاي وبدأت بالقراءة

( اليوم يسمونه يوم العيد لم أدون سابقا هذا الاسم عندي , لقد عشته مع والداي ولكني لم

أعرف ما يكون غير ثوب جديد في الصباح الباكر وحلوى ولحم واحتفال جميل في الليل

وأصدقاء يزوروننا , كان يوما غريبا عن أيامنا المعتادة ولكني لم أعرف اسمه حينها , فقط

اليوم عرفت أن هذا عيد ولكن ليس كذلك اليوم أبدا , كنت فوق علبتي الحديدية عند سطح المنزل

لأنني في هذا اليوم مسجونة في سجني الدائم , أقف على تلك العلبة برؤوس أصابعي لأشاهد عائلة

الجيران وهم يشوون اللحم الرائحة لذيذة لكن الألذ في نظري كان شيئا آخر , لما لا يعطوني واحدا

ليس من الشواية ولكن من الجالسان معهم ... أب أو أم , واحد فقط لا أريد كلاهما

" قمر "

نظرت باتجاه الصوت ثم نزلت عن العلبة وحملتها بين يداي مبتسمة وركضت بها جهة ذاك

الصوت وضعتها وصعدت فوقها وقلت " رائد هذا أنت "

قال بابتسامة " نعم ماذا تفعلين "

قلت بابتسامة مماثلة " أراقب الجيران "

عقد حاجبيه وقال " ولكن تلك عادة سيئة "

قلت باستغراب " ولما تراقب أنت القمر "

ضحك وقال " القمر لا بأس الجيران لا "

مددت شفتاي مستاءة وقلت " ماذا افعل إذا "

قال " انزلي وشاركي عائلتك العيد "

قلت " لا أستطيع "

قال بتساؤل " لما !! "

أشرت للباب وقلت " لأنهم أغلقوه "

قال بعفوية " أطرقي الباب لابد وأنه الريح أغلقه "

ثم أخرج لي من جيبه شيئا ومده لي وقال " خذي "

ليصبح منذ ذاك اليوم اسم رائد مسجل لدي بمعنى الحلوى لأني لم أكن آكلها إلا منه ولم

يعطني غيره إياها , كانت أحيانا نصف قطعة وأحيانا قطعة كاملة ليقول لي عقلي الصغير

حينها أنه يأكل حصتي في السلالم ويعطيني نصفها فقط لأكتشف بعد كل هذه السنين أنه كان

يقتسم عليا حلواه وأنه حين يعطيها لي كاملة فهوا أعطاني حصته كلها

ومرت بي تلك الأيام والشهور غرفتي ذاتها مخزن المئونة ولا شيء غير الأوامر والشتم

والضرب والتوبيخ أشياء كبيرة على عقل طفلة وصغيرة على قلبها فالأطفال لا يقدرون

حجم البؤس فهم يضحكون ويلعبون في غمرة تعاستهم ولكن من يكبر في تلك الظروف

سيعرف المعنى الحقيقي لتلك الكلمات التي كل واحدة منها لا تحمل إلا معنا واحد

.... الحرمان والأسى والضياع ....

" قمر هيا الم تنتهي بعد "

قلت وأنا أخفي الكراسة تحتي وأكتب فيها تلك الكلمة " نعم سأنتهي الآن "

ثم ركضت نحو الجدار ومددتها له أخذها وقال " جميل صحيحة لقد تعلمت بسرعة "

قفزت وقلت " هييييييييييييه صحيحة صحيحة هيا علمني واحدة أخرى "

هل تعلمون الآن ما أصبحت تعني كلمة رائد في قاموسي حينها ....... ( المدرسة )

فهوا من علمني أول الكلمات التي أكتبها في حياتي والحروف والأرقام , من قال أن الجدران

تفصل البشر فطفلان في ذاك الوقت كسرا تلك القاعدة فلم أرى المدرسة عندهم يوما إلا في

عيني رائد , حتى الكراسة والقلم هوا من كان يحضرهم لي )

رفعت عيناي عن الأوراق نظرت للسقف وابتسمت بعفوية " أجل أذكر ذلك وقد يوبخني

والدي حين أخبره أنني أضعت إحدى كراساتي والقلم وأريد غيرهم "

ثم نظرت جهة باب مكتبي بشرود , نعم لم أنسها أبدا ولم أتخيل أن تعود لحياتي مجددا , ترى

أين أصبحت الآن وما حل بها , أين تكونين يا قمر ولما تفعل تلك البائعة هذا وما صلتها بها

هززت رأسي وتنهدت بحيرة ثم عدت بنظري للأوراق وتابعت القراءة

( فأصبحت بعدها الكلمة جملة والجملة دروسا وأنا أجلس على تلك العلبة في سطح المنزل

وهوا يشرح لي ما درسه اليوم ويوبخني إن تثاءبت أو نظرت بعيدا عنه , ليتغير المشهد لطفلة

ذات عشر سنين سجنها ذاك المنزل وعقابها ذاك السطح الذي هوا متنفسها الوحيد ولم يخبرها

أحد أنها ستفقد حتى ذاك المتنفس إلا ذاك اليوم عندما وضعوا لها العقاب الأقسى بأن أغلقوا

عليها ذاك الباب بل ذاك المخرج للنور ذاك السجن الذي كان يعني لها الحرية ليحرموها حتى

من قطع الحلوى وتعلم الدروس بل من الشخص الوحيد الذي لا يضربها ويسبها , لتصبح سجينة

المنزل الموحش ويمر بها العام والعامان وتبدأ تلك الطفلة تنضج قليلا وتفكر أفكارا أخرى

وتتسلل لغرفة عينا التنين وهي غير موجودة لترتدي فستانها الزهري الطويل وحدائها العالي

وتجمع الفستان بين يديها ليناسب طولها وتتمشى في تلك الغرفة لتعيش دور الكبار وتتحدث

مع أشخاص غير موجودين يستقبلونها عند الباب وتتبادل معهم القبل والتحايا والضحكات وهي

وحدها هناك ليصبح هذا العالم الخيالي هوا عالمها الجديد كلما غادرا سيدا ذاك المنزل ليلا

ولم تخبرها التعاسة أن ذاك المتنفس سيُخسرها الكثير إلا تلك الساعة التي عادت فيها عينا

التنين مبكرا لتجد تلك الطفلة تلبس حليها وتمشط شعرها بمشطها وأمام مرآتها لينزل بي أسوء

عقاب رأيته في حياتي ولأضرب ضربا لم أتذوق مثله طيلة تلك السنين ولتتحول قمر لشكلها

الجديد بدون شعر ....... ( صلعاء ) عقابا لها على غرس ذاك المشط في شعرها

لتدخل قمر لعالمها الجديد وتكره شكلها وتهرب من المرآة , لتمر بها الشهور وتنغرس الآلام في

قلبها مع كل ثانية فلم تعد الطفلة طفلة تستقبل المرارة بعفوية بل أصبحت تشعر بتلك الكلمات

تجرح قلبها وذاك الضرب يبكي أحشائها قبل عينيها وذاك الرأس الخالي من الشعر يجرح أنوثتها

فلم ينتهي ذاك العقاب عند تلك اللحظة بل امتد معها لسنين لتصبح فتاة في الخامسة عشرة من العمر

بدون شعر ولا حلم ولا أمل ولا تعليم مع الكثير من التعاسة والبؤس لا تعرف ما تسمي نفسها خادمة

أم بوابة أم ساعي بريد أم جارية تعمل على راحة سيداها

ولم يعد حتى لرائد وجود في قاموسها ليتحول لشاب تراقبه من فتحة صغيرة في النافذة

وهوا يغادر صباحا للجامعة حاملا مذكراته , لو أنهم لم يغلقوا ذاك الباب لصرت الآن في

الجامعة أيضا فهوا مدرستي الوحيدة ولم يخبروني حينها أنني سأفقد حتى تلك الفتحة الصغيرة

التي أراه من خلالها ولم يخبروني أيضا أنها لن تكون نهاية قصتنا معا , بل ليته اخبرني أحدهم

أن في مشرق تلك الشمس سيتغير شيء في كل ذاك الواقع ولم أعلم إلا حين استيقظت ذاك

الصباح على صوت صراخ غاضب غريب عني لامرأة ما فخرجت من المطبخ حيث كان

هوا ممري الوحيد للمنزل ووجدت سيدة لا أعرفها بل من الذي أعرفه أنا أو أراه

كانت تصرخ فيهما بكل عنف وقوة وهما واجمان , كل ما فهمته منها هوا التوعد بإبلاغ

الشرطة ولم أفهم شيئا مما يجري لتتوجه ناحيتي وتمسك بيدي وتسحبني معها وهي تصرخ

قائلة " لن تبقى معكم يوما واحدا وحتى الثياب الرثة التي تصدقتم بها عليها لا أريدها "

لتخرجني تلك اليد من ذاك المنزل وذاك العالم وما لم تعلمه أنها أخرجت ذاك العالم معي لأنه

منغرس في عقلي للأبد , لأعلم فيما بعد أن هذه السيدة تحمل مسمى في قاموسي اسمه ( عمة ) )

رميت الأوراق على الطاولة بقوة وقلت بغيض " أين كنتي عنها منذ سنين "

ثم تنهدت بضيق ومسحت وجهي بيدي وجمعت الأوراق ووضعتها في الظرف لأن الفصول

المهداة إلي هذه المرة انتهت وعليا أن انتظر متى تأتيني تلك البائعة بالجديد فقد ذكرت قمر أن

قصتها معي لم تنتهي عند تلك اللحظة ولابد من مزيد

الفصل الرابع

بت أكره الحفلات وكل التجمعات ولكن عليا حضور ذاك الحفل لتجنب المزيد من الهمز

والشائعات حول الكاتب الذي سكت فجأة , ألا يحق لي أن أنسلخ عن كل هذا العالم لما

لا يفهم البشر أن لكل واحد منهم نسخة عن نفسه فقط لا يحق لهم التدخل في شؤونه

ارتديت بنطلون من الجينز الأسود وقميص قطني أسود بكتابة رمادية ومعطفا رماديا

يصل للركبتين وحداء رمادي أيضا وتوجهت لهم , جيد أنه اختار مقر الحفلات بدلا من

حديقة منزله في هذا الجو البارد

دخلت هناك كان عدد الحضور لا بأس به والنقاشات محتدة , هكذا هم الأدباء والكُتاب

يتناقشون في كل شيء وفي أي مكان وشيء آخر بغيض كميرات الصحافة التي تستلم كل

من يدخل من الباب , اقترب أول من رآني وقال بضحكة عالية

" المنذر هنا لابد وأنني أحلم "

تصافحنا وقلت ضاحكا " لم أكن أعلم أنني شخص مهم "

ضحك وقال " متى تواضعت هكذا "

اقترب واحد آخر وقال مبتسما

" سمعت ضحكة مجلجلة علمت أنها لمصعب وأن من قابله شخصا مهما "

صافحته وأمسكت كتفه بيدي الأخرى وقلت " مبارك لك الكتاب الجديد "

ضحك وقال " ومتى ستتحفنا بواحد لك "

قال مصعب بضحكة " هل قرأت المقال الذي كُتب عنك ( لما نام قلم المنذر ) "

قلت ببرود " لا لم أقرأه "

انظم للمجموعة اثنان آخران وأخذ الحديث دفة أخرى فابتعدت عنهم بخطوات سريعة

نظرت باتجاه الذي يحييني من بعيد توجهت ناحيته مسرعا وشعرت بذراعي ترتطم

بكتف أحدهم رجعت خطوة ونظرت للخلف وقلت

" عذرا يا ..... "

ثم نظرت مطولا للواقف خلفي يمسد كتفه , عدلت وقفتي وقلت

" هذه أنتي ؟!! "

نظرت لي بنظرتها البريئة الساحرة حاملة تلك المعاني التي يتعسر عليا فهمها مهما

حاولت ثم قالت بصوتها الرقيق ذاك نفسه مسافرة بنظرها للأرض " هل تعرفني "

ابتسمت ابتسامة جانبية وأنا أكاد ألتهم ملامحها بعيناي وقلت

" أنا لا أنسى الوجوه بسهولة ألستِ الفتاة في المكتبة يالا الصدف "

نظرت لي بابتسامة رقيقة لم تزدها إلا جاذبية , كم في عوالم النساء من أسرار وكم لهذه المرأة

من أنوثة تعصف مع كل نفس من أنفاسها ترفعك وترميك أرضا مع كل حركة لجفون عينيها

نظرت للأرض خجلة من جرأتي في تفحصها وقالت " هكذا هم الكُتاب كالكتب تماما "

ضحكت ضحكة خفيفة وقلت " نعم يلتقون في ذات الأمكنة "

نظرت لي وقالت بذات الابتسامة " بل في أي شيء مرتبط بكلمة كتاب "

شعرت بيد تلمس ظهري نظرت جانبا فكان أسعد ابتسم وقال

" كنت أود أن أكون أنا من يعرفكما ببعض ولكنكما سبقتماني "

نظرت للفتاة ثم له وقلت " ولكننا لم نتعرف بعد "

قال بابتسامة " وفيما كنتما تتحدثان كل هذا دون تعارف "

نظرت لها وقلت بعفوية " عن الكتب والمكتبات "

ضحك وقال " صدق من نعتنا بالمجانين , هذه نورسين يا رائد وهذا هوا رائد المنذر "

ابتسمت وقالت وهي تنظر لي " لا يحتاج أن تخبرني تشرفت بمعرفتك "

سحبت يد تلك الفتاة قبل أن أجيب عليها مجاملا فنظرت جهة أسعد وانفجرنا ضاحكان فقال

" لا بنطلون جينز ولا صوت يدوي في السماء أشك أنها من كتب المقال "

قلت بضحكة " يخجل نسيم الصباح أمام عذوبتها لقد صورتها لي رجلا "

رن حينها هاتفي المحمول نظرت للمتصل واعتذرت مبتعدا وأجبت

" مرحبا حيدر كيف أنت "

قال بضيق ودون مقدمات " تحدث معها يا رجل واشتري قلبا ولو بالدَين "

تنهدت وقلت " حسننا تأمر بشيء آخر "

قال من فوره " إجازتي القادمة سأقضيها معك وداعا "

وأغلق الخط , ضحكت بخفة وقلت معيدا الهاتف لجيبي

" لم ينتظر حتى موافقتي "

اقترب أسعد مني ومد يده وقال " هذا لك "

نظرت بحيرة وتشكك وقلت " ما هذا !! "

رفع كتفيه وقال " لا أعلم , من تركه قال أنك تعرف ما يكون "

أخذته منه فكان ذات الشيء ظرف ورقي مكتوب عليه كلمة منازل القمر نظرت

له بحيرة وقلت " كيف وصلك "

قال " فتاة صنعت لنا شوشرة كبيرة في الجريدة لتقابلني وتعطيني إياه "

ضحكت وقلت " أعرفها جيدا تفعلها "

طويت الظرف وابتعدت عنه متوجها جهة السيد عادل وضعت يدي على كتفه وقلت

" عليا المغادرة شكرا على الدعوة "

التفتت ناحيتي لتظهر الفتاة التي كان يخفيها جسده العريض واقفة أمامه , نظر لي

مبتسما وقال " بهذه السرعة لقد وصلت للتو "

قلت بابتسامة جانبية " يكفيك هذا "

ضحك وقال " لا تتغير أبدا , انتظر لأعطيك نسختك "

غادر ونظري يتبعه وبقيت والفتاة نظرت لها فكانت تنظر إلي بنظرة غريبة في عيناها

لو افهم سر هذه النظرات , لو ترحمني فقط من عينيها فلا رغبة لي بإعادة الكره من جديد

للانزلاق خلف مشاعري والسقوط على قلبي

ما أن وقعت عيناي عليها حتى شتت نظرها أرضا , أقسم أن هذه لا يمكنها كتابة حرف واحد

في مقال نقدي كيف لهذه الرقة أن تهاجم بشراسة

قلت مبتسما " أكسير الحياة كان كتابا رائعا "

قالت بعذوبة وهي تعدل حجابها وتنظر لعيناي

" شكرا لك شهادتك شرف كبير لي "

قلت بهدوء " بل لأنه يستحق "

قالت بهدوء مبتسمة " وكتبك كلها مميزة ألن يكون لديك جديد "

نظرت للبعيد وقلت " لا أعتقد "

قالت بهمس حزين " لكن لما !! "

نظرت لها مطولا باستغراب ثم نظرت لحركة قدمي على الأرض وقلت

" هكذا هي الحياة كالساعة الرملية تسحب منك وتسكب عند غيرك "

قالت بهدوء " اقلبها إذا "

ضحكت وأشرت بأصبعي لها ولي وقلت

" قد تسحب منك حينها لتسكب عندي "

ابتسمت بعفوية ورفعت كتفيها وقالت " لا بأس "

نظرت لها بحيرة فسافرت فورا بنظرها للأرض , ما هذه اللغز لو يشرح لي أحدهم من

أين خرجت لي هذه فكم أخاف على مشاعري من هذه الأسطورية , اقترب حينها السيد

عادل ناولني نسخة عن كتابه ودعتهما وغادرت قبل أن أتهور وأدعوها للخروج معي

هههههه قد أجن وأفعلها

وصلت المنزل غيرت ثيابي أعددت كوبا من الشاي وأشعلت سيجارتي قلبت الكتاب

قليلا حتى أنهيت السيجارة ثم أخذت هاتفي من على المنضدة واتصلت بمريم فأجابت

من فورها قائلة " رائد كيف أنت يا أخي اشتقت لك كثيرا "

قلت بهدوء " بخير كيف أمورك أنتي وأبناءك وأيوب "

قالت بعبرة " طمئني عنك يا رائد متى سنراك "

تنهدت وقلت " مريم ما الداعي للبكاء الآن "

قالت بحزن " لما تفعل بنفسك وبنا هكذا عد يا رائد "

قلت بضيق " مريم لا تجعليني أندم على أنني اتصلت بك "

قالت من فورها بذات الحزن

" حسننا لن أعيد هذا فقط لا تنقطع عني ولو بالهاتف ما هي أخبارك "

قلت ببرود " جيدة وأنتي "

قالت بحنان " لا ينقصني شيء إلا رؤيتك ووجودك "

قلت بهدوء " إذا لا ينقصك شيء "

تنهدت وقالت " لما لا تنسى يا رائد "

قلت بحدة " كلكم يريد مني النسيان هل ترونها كلمة سهلة لهذا الحد "

ثم تنهدت وقلت بضيق " مريم لا تتكلمي في الأمر لا أريد أن أصرخ بك "

قالت بأسى " ليته بإمكاني فعل شيء يمحوا كل الماضي "

قلت بابتسامة حزينة ونظري للسقف

" لا شيء يمحوا الذكريات المؤلمة لقد آمنت بذلك "

قالت " هذه صبا تقفز على رأسي تريد محادثتك "

قلت بابتسامة " حسننا "

جاءني الصوت الطفولي المرح قائلا

" خالي رائد متى ستزورنا وائل أخذ لعبتي وكسرها والدتي ستشتري لي غيرها ولن تشتري له "

ابتسمت مستمعا لها وقفزت بي الذاكرة لفتاة السطح وهي تركض فيه وتتحدث بعفوية وابتسامة

عن أمور لو حكاها الآن شخص راشد لبكى بمرارة وهوا يحكيها , وأعادني من شرودي صوت

مريم وهي تقول " رائد هل أنت معي "

قلت بهدوء " نعم أسمعك "

قالت بضيق " هذه الثرثارة قالت سأسلم عليه فقط , رائد ألن تقوم بزيارتي "

قلت ببرود " لا أعلم "

قالت بحزن " أعلم معنى هذه الكلمة لديك إنها لا , ولكن ما ذنبي أنا يا رائد "

قلت بهدوء " سلمي لي على أيوب "

قالت بهدوء حزين " حسننا وداعا الآن واتصل بي ثانيتا أو أجب على اتصالاتي "

قلت مختصرا " وداعا "

أعدت الهاتف مكانه وأمسكت بالظرف الورقي قلبته قليلا وسافرت لتلك الذكريات

" قمر تعالي وانظري "

ركضت مسرعة باتجاهي فتاة في السابعة حافية القدمين نحيلة الجسد بثياب تهتكت من

كثرة الغسيل يوم بعد يوم فستان بأطراف متمزقة وابتسامة تعاكس ذاك الواقع

" نعم "

قلت بابتسامة " احضري العلبة واصعدي سأريك شيئا "

ركضت مبتعدة تحمل تلك العلبة الصدئة لتضعها وتصعد عليها وتقف ليصبح وجهها

موازيا لوجه هذا الفتى " انظري لهذه "

قالت بحيرة وهي تنظر للورقة في يدي أمامها " ما هذه "

قلت بابتسامة عريضة " لقد نجحت وبتفوق "

استلت الورقة من يدي ونزلت من العلبة تركض وتقفز في السطح وتصرخ

بفرح وكأنها لها وليست لي

أجل أذكر ذاك اليوم جيدا لقد أريتها لها قبل حتى والدي , وها أنا أيضا يا قمر لم أكتشف

ذلك إلا اليوم ولم ألحض حينها أنهما ذات الفستانان يتغيران على جسدك يوميا ولم أدرك إلا

الآن أنه ما كان لباب سطح أن يغلق على طفلة من تلقاء نفسه في كل مرة ولم أكتشف إلا اليوم

أنه مهما تعدى هذيان الأطفال حدوده فلن يصل لأن يذكروا كل تلك الأشياء المؤسفة التي كنتي

تحكيها لي بعشوائية وعفوية ... عينا التنين ومخزن المئونة الضرب والظلام والبرد والسجن

وغيرها الكثير , كلها كلمات كنت أسمعها منك بلامبالاة ضنا مني أنها هذيان أطفال

عدت من أفكاري تنهدت بضيق ودخلت مكتبي جلست وفتحت ذاك الظرف وأخرجت الأوراق

وبدأت بالقراءة غير متسائل هذه المرة من أين أتت ومن له مصلحة في هذا قرأت فقط دون تفكير

( أخرجتني تلك اليد للنور أخيرا ولكنه لم يصل لقلبي لماذا .. ؟؟ ولم أعرف الجواب إلا بعد وقت

صعدنا سيارة ونزلنا منزلا جديدا وغريبا عني لأجد فتاة في عمري في استقبالنا احتضنتني بحب

شيء لم أعرفه وأعتد عليه شيء نسيته منذ سنوات طويلة , الشيء الوحيد الذي لم يوفره لي ولا

حتى رائد , ولكن لما لا أشعر بشيء أبدا

وهذه كانت النتيجة خيال لفتاة وجسد بلا روح وعينان لا تفارقان الفراغ لأتلقى قبل التعليم

المدرسي شيء آخر يسمونه العلاج النفسي لتصبح قمر فتاة في السابعة عشرة بدأت حياتها

للتو كما يقول الجميع هناك لكنهم لم يعلموا أن الحياة الأولى لم تمت لتبدأ الثانية , وأدركت ذاك

الحين أن كره عينا التنين لي لأنها لم تنجب أبناء وليس لأني دخيل ومنزلهم ليس مكانه وأن

حلقها لشعر رأسي لسنوات لأن شعرها أجعد وقصير وليس لأنه عقاب لي على مشطي بمشطها

ولو بقيت معهم بضع سنين أخرى لشوهت لي وجهي لأنها بشعة , عشر سنين من العذاب فكيف

لذاك العالم أن يغيب

أصبحت لي غرفة نوم وسرير وأشياء كثيرة , حضن دافئ وعائلة وثياب ومال ولكن لما لم

تمحوا مرارة تلك السنين ولما أشعر أن ذاك السطح أجمل من هذه الحياة بكثير وأن تلك الفتحة

في نافذة المنزل أجمل من هذه النافدة الواسعة المطلة على تلك الحديقة الجميلة ..... لما !!!!

علمت حينها أن كلمة رائد لم تكن تسجل في قاموسي بالحلوى ولا المدرسة بل بكلمة أخرى

غريبة عني تعني ............ الحب أو التعلق أو الجنون

وذابت قمر في ذاك العالم وأصبحت تدرس وتقفز السنين في شهور ليس لأنها نابغة ولكن

لأن ثمة مدرسة درست فيها ذات يوم لسنوات , مدرسة لا فصول لها ولا طلبة ولا شهادة

مدرسة لم تتعدى علبة حديدية وجدار فاصل ورائد الكلمة التي لازالت تحتل كل ذاك القاموس

ولم يخبرني أحد حينها أن ذاك الاسم لم ينتهي من حياتي وعالمي بعد حتى ذاك اليوم وتلك

اللحظة التي قفزت فيها نوران ابنة عمتي فوق سريري وقالت بدهشة

" انظري يا قمر لهذه "

نظرت لها ببرود وقلت " لما كل هذه القفزة "

قالت بضحكة " مدونة خطيرة وجدتها عند صديقة لي تتابعها على الانترنت "

قلت بلامبالاة " ستكون كباقي مدونات صديقاتك "

قالت بتذمر " ما بك قمر ليس الجميع مبدعا مثلك اسمعي فقط ( على الحب أن يكون أعلى من

الجسد لكنه يعجز عن ذلك دون مساعدته على الحب أن يكون أعلى من العاطفة لكن العاطفة

يجب أن تكون داعمة له ( م/ن أوشو ) ) "

نظرت لها باهتمام وقلت " لمن هذه "

ضحكت وقالت " مبدع أليس كذلك "

قلت بهدوء " نعم ويبدوا لي شخصية معروفة "

قالت " رائد المنذر مدون مشهور الآن عند كل الفتيات "

نظرت لها بصدمة لتغرورق تلك العينان بالدموع , رائد مدرستي وكل قطع الحلوى في

حياتي والمعنى الوحيد الجميل لكلمة طفولة , نظرت لي بحيرة وقالت

" قمر ما بك "

أغمضت عيناي بقوة لتتقاطر منها الدموع الواحدة تليها الثانية حتى العاشرة كلها وهما

مغمضتان بشدة , احتضنتني وقالت " قمر أخبريني ما بك "

أبعدتها عني مسحت دموعي وقلت " لا شيء فقط تلك الذكريات "

تنهدت وقالت " قمر لا تنسي ما قال الطبيب إن لم تتخطي محاولة منع الماضي من

التسلل لعقلك فستعودين كما كنتي "

ابتسمت وقلت " لا تقلقي أعطني المدونة لأراها "

خبئت هاتفها عني ومدت لسانها ثم قالت

" لديك جهاز محمول لم أمتلكه يوما وموصول بالانترنت أيضا اطلعي عليها من هناك "

قلت بعد تردد " وما نشاطاته الأخرى "

قالت " لديه صفحة خاصة على مواقع التواصل ويشارك في منتدى للأدباء "

قلت بعد ضحكة صغيرة " يبدوا أنك تجسست عليه "

ضحكت وقالت " إنه حديث الفتيات مقالاته سلبت القلوب إنه مدون مميز "

ليصبح رائد بعد ذاك اليوم شيئا جديدا في عالمي بل لأصبح أنا نقطة جديدة في عالمه

واعشق كل كتاباته وكل مقالاته وكل حرف يكتبه ردا على معجبيه ليصبح هوسي وجنوني

فاخترت من بين كل ..... )

كان باقي الورقة ممزقا , نظرت لها بحيرة وقلبتها من جميع الاتجاهات ثم نظرت للورقة

بعدها وكانت الأخيرة ويبدوا أنه بينهما أوراق أخرى وكان مكتوب فيها سطر واحد فقط وهوا

( فوجدت نفسي بعد سنين في دهليز جديد ومتاهة جديدة من متاهات حياتي واسما مستعارا

لتكون قمر الجديدة تحولت لـ ........ نورسين )

من صدمتي بقيت أنظر لذات السطر بعينان مفتوحتان وكل خلاياي الحسية قد توقفت عن

العمل وبدأت الأشرطة تمر أمام عيناي شريط طفولتي معها يليه لقاءاتي بها الآن وكل

واحد منهم يعرض خلف الآخر تباعا

سندت جبهتي بكف يدي أستجمع أشلاء أفكاري ثم نظرت للسقف وقلت بابتسامة حزينة

" قمر ... أنتي هي قمر رائد , إنها أنتي يا نورسين "

ثم تحركت دون شعور وخرجت من المكتب ركضا للصالة حيث هاتفي واتصلت من فوري بأسعد

في الفصل القادم ستكون دفة الحديث فيه لبطلتنا قمر
 
الفصل الخامس +السادس

كنت جالسة على سريري أرتدي فستانا قطنيا أبيض قصير بعض الشيء وأمسك شعري

بمشبك بسيط عند منتصف ظهري لتتدلى جوانبه على أكتافي كستائر حريرية وغرة

مقصوصة حتى أطراف الحاجبين وهوا الحل الوحيد لها لأنها لن ترتفع عن عيناي مهما

حاولت , أُمسك قلما ودفتر أوزع عليه الكلمات بعشوائية لأرجع وأجمعها مع بعضها فيما بعد

وما هي إلا لحظات وقفز ذاك الجسد بجواري وتسللت تلك الأصابع لغرتي تحركها كالريش

وهي تقول بضحكة " قمر هل لي بطلب "

أبعدت يدها وأعدت ترتيب غرتي وقلت بتذمر " نوران لما أنتي مزعجة هكذا "

أمسكتْ جديلتي من خلف ظهري ورمتها للأمام لتضرب بجسدي وقالت بحسرة

" آه كم أحسدك يا قمر شعرك تجاوز نهاية خاصرتك متى سيتوقف عن النمو "

أمسكته ورميته للخلف وقلت وعيناي على الورقة في حجري

" حتى إن وصل كعب قدماي فلن يمحوا يوما واحدا من السنين التي عشتها دون شعر "

تنهدت وقالت " قمر ما هوا الشيء الذي يمحوا تلك الذكريات من رأسك شوري به

علي وأنا أشتريه بعمري "

قبضت على القلم بين أصابعي بقوة وقلت بنبرة حزينة

" لا شيء يمحوا ما في القلب إلا شيء علق فيه يا نوران "

سقطتْ مني دمعتان على الورقة لتتناثرا في كل مكان وتحكيا ألما يسكن قلبي وحزننا لن

تخفيه السنين بكل ما فيها , مدت أصابعها لذقني ورفعت وجهي لترى عيناي من خلف

الغرة التي تخفيهما وقالت بحيرة وحزن " قمر ماذا حدث !! "

نظرت للسقف لتنزل الدموع عابرة خداي وقلت بابتسامة حزينة " لقد قابلته "

عم صمت موحش وغريب وكأن المكان لم يتبقى به إلا الفراغ وصدى كلماتي في أذنينا

حركَتْ رأسها بعدم استيعاب ثم قالت بهمس " أين ؟!! "

نظرت للأسفل مسحت دموعي وقلت " في حفل الكتاب وقبلها في المكتبة "

قالت بهدوء حذر " هل عرف من تكونين "

قلت بابتسامة ألم " من منهما "

قالت " قمر طبعا "

قلت بحزن " لا يبدو ذلك "

قالت بهدوء " لما لم تخبريه "

تنهدت وقلت بأسى " أخبره بماذا يا نوران وعن ماذا , فلأبقى نورسين خيرٌ لنا "

أمسكت ذراعاي وقالت بحيرة " قمر أنا لا أفهمك , لما لا تخبريه كل شيء فأنتي لا

ذنب لك فيما حدث ولن يمحوا أحد الأسى الذي في قلبك وكل تلك المآسي غير رائد

فهوا الشيء الذي انغرس فيه منذ سنين "

ابتسمتُ ابتسامة حزينة وقلت " لن يصدقني ولن يغفر لي , قد يكون يذكر قمر الطفلة وإن

لم يتعرف علي فلما اشوه صورتها لديه "

تنهدت وقالت بهدوء " بماذا شعرتي حين رأيته "

أمسكت قلبي وكأن كلماتها أصابته في صميمه ثم ابتسمت ابتسامة حزينة وأنا أشده

أكثر وقلت بشرود " شعرت بالنار تشتعل هنا "

قالت بحيرة " قمر يبدوا لي حالتك متطورة جدا "

نظرت لها مبتسمة وقد امتلأت عيناي بالدموع في صمت , ليثه بإمكاني أن أعبر لك عن

الذي أشعر به ويجتاحني كلما رأيته وتحدثت معه فلأول مرة يعجز قلبي عن شرح شيء

ثم تنهدت بحزن فقالت بمرح وهي تشير لقلبي

" حاذري فهذا الذي اشتعلت فيه النيران به قطعة صناعية قد تذوب "

ضحكت ومسحت عيناي ثم وقفت وتوجهت للخزانة فتحتها فتشت فيها قليلا ثم أخرجت

شيئا ونظرت لها بصدمة وقلت " مفكرتي !!! أين هي من مزقها "

قفزت أمامي وقالت " أنا "

قلت بصدمة " لما يا نوران وأين هي "

قالت بتردد " لأن ... لأن عليك أن تنسي الماضي عليك محوه يا قمر "

قلبت صفحاتها وقلت " أين الأوراق كلها لم تبقي إلا الأخيرة , لماذا يا نوران "

استلتها من بين يدي وقالت " سآخذها أيضا "

أخذتها منها بقوة فقالت وهي تسحبها مني " قمر يجب أن تختفي هذه أيضا هناك حيث

البقية إنها الجزء الأهم في الموضوع , أعطيهم لي حالا قبل فوات الأوان "

سحبتها منها بقوة أكبر وقلت " أي موضوع وأي بقية أين ذهبت بها أعيديها الآن "

غادرت الغرفة متذمرة تتمتم قائلة بغيض

" أنا الغبية هل كان عليا أن أتأخر كل هذا الوقت لقد أفسدت كل شيء لأنــ.... "

وانقطعت كلماتها لأنها ابتعدت ونظرت أنا للباب الذي لم تغلقه خلفها ولبقايا المفكرة

في يدي , كانت دائما تلوميني على الاحتفاظ بها ولكني لم أتصور أن تفعل بها هذا

هذه الأوراق وحدها جسري للماضي الجميل معه , كم كان تصرفك هذا أحمقا يا نوران

أخذت ما تبقى منها وخرجت متسللة بخفة وخبأتها في مخزن المنزل كي لا تجدها

وتتخلص منها هي أيضا , لما لا يبقى لي شيء منه ولا حتى تلك الأحرف التي أقرأها

كلما دفعني الحنين لتلك اللحظات

عدت لغرفتي نمت على سريري وخبأت رأسي تحت اللحاف كي أغرق في ظلامٍ دامس

لأني لا أنام إلا هكذا أو لم أعتد النوم إلا بهذه الطريق وقرأت أذكار النوم عشرات المرات

ككل ليلة حتى غفيت كي تحصني من رؤية الكوابيس من عينا التنين وزوجها وتلك الهوة

التي أسقط فيها في الحلم , نمت لوقت ثم سمعت صوتا رنانا لم يكن صوتها بل منبه الساعة

مددت يدي من تحت اللحاف وأسكته وعدت لإغماض عيناي من جديد , لحظة اثنان ثلاثة ثم

رميت باللحاف من على وجهي ليس لأجبر نفسي على الاستيقاظ ولكن لأني لم أعتد إلا على

هذا لأصحو بسحب اللحاف مني بقوة لكن الآن دون صرختها المدوية

( انهضي أيتها الكسولة )

جلست أتنهد بضيق مسحت وجهي بيدي وعبثت بغرتي بين أصابعي بعشوائية

..... لما لا تتركيني وشأني يا عينا التنين .....

تسحبت من السرير ودخلت للحمام توضأت أولا وصليت كي لا يفوتني وقت الفجر ثم عدت

للحمام استحممت وخرجت , ارتديت فستانا يصل عند الركبة برسومات بسيطة وصورة لفتاة

صغيرة تجلس في منتصفه تمسك باقة أزهار , له كمان طويلان يصلان لنصف الكف

وربطات حمراء صغيرة موزعة عند الرقبة , جففت شعري مشطته للخلف وغرتي للأمام

ثم جمعته أماما وربطته بشريطه حمراء عند منتصفه ورميته خلف ظهري ونزلت

للأسفل , عبرت السلالم لتظهر لي عند منتصفها طاولة الطعام وشخصان يجلسان

عليها وقد اختفيا ما أن وصلت نهاية السلالم , نزلت ولففت خلف ذاك الدرج

الضخم ليظهروا لي من جديد

نظرَتْ لي الجالسة هناك بابتسامة وقالت "صباح الخير على القمر "

قلت بابتسامة مماثلة " صباح الخير عمتي , صباح الخير عمي "

وقبلت رأسيهما ككل صباح وجلست , وما هي إلا دقائق وسقطت على الكرسي بجانبي

قذيفة هزت كرسيها وكرسيي معها وهي تقول " صباح الخير يبدوا أنني سأتأخر "

قالت عمتي بتذمر " لو أراك صباح واحد فقط بغير هذا الاستعجال لقد حطمتِ الكراسي "

ضحكتُ ضحكة صغيرة وهادئة فقالت نوران بضيق " أعجبتك النكتة سيدة قمر "

قالت عمتي بحدة " كوني ربع هدوئها ورتابتها وسأحمد الله كل ليلة على ما أعطاني "

ضربت الطاولة بقبضة يدها وقالت " أبي أين لسانك ابنتك تُهان "

ضحك وقال " معها حق "

قالت ببكاء مصطنع " إهي إهي سوف أترك لكم البيت وأهاجر واشبعوا بقمركم "

جاءت حينها قذيفة أخرى ولكنها أصغر حجما من هذه وقبلت رأسا والديها ثم مرت

بجانبي وقالت " صباح الخير يا قمري "

ضحكت نوران وقالت " سنتين للأمام وسيطلب يدك للزواج يا قمر "

نظرت لها بضيق فضحكت من فورها وجلس مؤمن غير مدرك أو متجاهل لما

تقول وقال " أبي أريد نقود "

قال عمي ببرود " نقود الأمس تكفيك شهرا "

قال بضيق " شهر !!! إنها لا تكفي نصف يوم لدينا رحلة مدرسية أخبرتك سابقا "

قال بجدية " الرحلة سأتفاهم في أمرها مع مدير المدرسة , بسرعة كُل

وغادر , السائق ينتظرك ليأتي ويأخذ والدتك "

وقف مغادرا بضيق دون إفطار , مؤمن يدرس في المدرسة الابتدائية وعمره تسع سنين

نوران في نفس سني تخرجت من الجامعة العام الماضي وتعمل في شركة لا أعرف ولم

أهتم ما تكون , عمتي مدرسة في الجامعة وزوجها مدير عام لشركة تابعة للدولة , كانوا

يعيشون في الخارج من أجل دراسة عمي وسبب آخر هي المشاكل بينه وبين والد

والدي في الماضي لأنه ابن عمهم فطردوه وابنتهم من العائلة وقطعوا أي صلة تربطهم

به وانقطعت أخبار الطرفين عن بعض لسنين طويلة ولم يرجعا للوطن إلا تلك السنة التي

أخرجتني فيها عمتي من بيت خالي وزوجته

غادرت نوران مسرعة ومستعجلة كعادتها بعدما همست في أذني قائلة

" لدي لك مفاجئة لن أخبرك بها حتى أعود "

وقف زوج عمتي وقال " سأغادر هل توصيان شيئا "

قالت عمتي بحب " سلامتك فقط "

خرج مغادرا وصعدت عمتي للأعلى لتجهز نفسها فستلحق بهم ما أن يعود السائق

فجدول محاضراتها مزدحم ككل يوم , جاءت الخادمة تجمع الأطباق فوقفت وخرجت

للحديقة جلست على الأرجوحة النحاسية متكئة على عمودها النحاسي أراقب النافورة

أمامها في صمت وشرود , لما لا أشعر بكل هذا ..؟ لما لازالت الهوة الفارغة تسكن

جوفي وأحلامي ولما لازلت أشعر بالبرد يجمد أطراف أصابعي كل ليلة رغم التدفئة

والأغطية السميكة الناعمة ورغم هذا الشعر الطويل لازلت أشعر أنني صلعاء وأن

الجميع يراني دون شعر

شعرتُ بيد تمسح على شعري وترفع غرتي عن جبيني , رفعت نظري فكانت

عمتي بابتسامتها الجميلة , جلست بجواري على الأرجوحة وقالت

" قمر الجو بارد وملابسك خفيفة "

قلت بشرود وعيناي على نافورة المياه

" يبدوا اليوم مشمسا ولا نسائم باردة نحن في مقبل الربيع "

قالت ماسحة على شعري الحريري بحنان " قمر ما بك أنتي لا تعجبينني , تكلمي حبيبتي "

قلت بدمعة محبوسة " أريد والداي أريد أن أراهما ولو ليوم واحد , واحد فقط عمتي "

ضمتني لصدرها بقوة وقالت " قمر يا ابنتي ما نفع هذا الكلام "

تمسكت بها بقوة وقلت بحزن

" لما لم يرجع أي شيء مما خسرته , كلهم ضاعوا ثلاثتهم رحلوا ولم يعودوا "

أبعدتني عن حضناها وقالت بحنان

" من هذا الثالث كي أشتريه بالمال لأراك سعيدة سعادة حقيقية ولو ليوم واحد "

هززت رأسي وقلت ببكاء " لا فائدة عمتي انتهى كل شيء "

تنهدت وقالت " ليثه بيدي شيء أفعله الأطباء قالوا أنك تخطيتي الأزمة والباقي لقوتك وعزمك "

مسحت دموعي ونظرت لها وقلت " كيف مات والداي أخبريني أرجوك "

قالت وهي تمسح على وجهي بيدها " وفيما ينفعك ذلك فالطرق عديدة والنتيجة واحدة "

هززت رأسي نفيا وقلت " لا ليس كذلك كيف يموتان بصرخة من أمي ثم يختفيان كليهما كيف ..؟ "

تنهدت وقالت " هل هذا فقط ما يحزنك !! , صارحيني يا قمر "

اتكأت على كتفها في صمت فضمتني لها وقالت

" لما لا تعملي وتخرجي من هذه العزلة حتى أنك تخفي حقيقة انجازاتك خلف اسم مستعار "

اكتفيت بالصمت فقالت " قد تجدي السعادة يوما في غير الماضي عليك نسيانه يا ابنتي "

قلت بأسى وأنا أدس وجهي في حضنها " لا أستطيع , كيف ذلك من دونه كيف ..؟ "

قالت بهمس متجاهلة أن تسألني من يكون " وأين هوا أخبريني كيف نجده "

ابتعدت عن حضنها ونظرت لعينيها وقلت بحسرة " لم يعرفني عمتي لقد نسيني تماما "

قالت بحنان ماسحة بيدها على وجهي " انسيه أنتي أيضا يا قمر عامليه بالمثل "

دخلت حينها سيارة السائق فأمسكت وجهي وقالت " سنتحدث فيما بعد صغيرتي , حسنا "

هززت رأسي بلا دون كلام فقالت

" حسننا كما تريدين , وداعا الآن وقومي بشيء يسليك حتى نعود "

هززت رأسي بنعم مبتسمة فقبلت خدي وغادرت , دخلت لغرفتي شغلت التلفاز حضنت

وسادة الأريكة وكلماته يوم الحفل لا تغيب عن مخيلتي أحفظ كل حرف قاله لي بل كل

تعبير في كل حرف خرج من شفتيه بل وكل نفس تنفسه أعرفه بالعدد فقد خرج من رئتيه

ليدخل لقلبي , تنهدت بأسى غيرت المحطة ورفعت الصوت

بعد ساعتين وقفت وتوجهت للخزانة أخرجت بنطلونا أسودا وقميص شتوي أسود غيرت

ملابسي ولبست حجابي وارتديت معطفا شتويا مخصرا أحمر اللون يصل طوله للركبتين

أخذت حقيبة يدي وخرجت نزلت السلالم وغادرت المنزل , شددت المعطف على جسدي

وسرت بخطوات بطيئة حتى نهاية الشارع الآخر حيث يوجد محل لبيع الأدوات المكتبية

والمدرسية , نوران المستهترة تنسى يوميا المفكرة الجديدة التي أوصيها بأن تحضرها

وأنا مرغمة على الخروج الآن لأن التي لدي انتهت منذ أيام

منذ عام عدنا من الخارج لنستقر هنا ولم أخرج من المنزل سوى للمشاور الضرورية

وكانت معدودة جدا وحتى الجريدة التي كنت أكتب فيها كنت أتواصل معهم بالفاكس فقط

وكما هوا الحال مع جريدتي الجديدة الآن , زوج عمتي اقترح عليا أن استخدم اسما مستعارا

لكتاباتي فوافقت على رغبته رغم استغرابي هذا الطلب منه وكأنه لا يريد أن يظهر اسمي

كاملا لعوام الناس , يبدوا أنني سأصبح كعمتي التي لا يعرفها أحد إلا باسم زوجها وكأن

عائلة والدي تموت من التاريخ شيئا فشيئا وكل ما أخشاه أن يموت اسم قمر نهائيا وأفقده

هوا أيضا وللأبد

وصلت المحل دفعت الباب ببطء ودخلت ملقية التحية , لم أزر هذا المكان سوى مرة واحدة

أنا ومؤمن ليشتري أغراضا للمدرسة حين لم يجد من يرافقه فوالده يرفض بشدة خروجه

وحده رغم أن المحل قريب لكنه يستلزم عبور الشارع الرئيسي السريع للوصول له ويبدوا

هذا سبب رفض زوج عمتي ذهابه له لوحده

اقتربت من الرف المخصص للمفكرات والذي يأخذ الجهة المجاورة لطاولة البائع وبدأت

بالتنقل بين الأنواع العديدة الموجودة فيه حتى شد انتباهي شخص يقف في الخارج أراه

بوضوح من خلال الباب الزجاجي للمحل , يرتدي معطفا أسود حتى ركبتيه متناسق مع

جسده وكأنه صنع له خصيصا , يخرج عقب سيجارة من فمه ونظره للأرض لا أرى

سوى نصف وجهه وجسده لأنه يقف بالجانب , رمي السيجارة أرضا وداسها بحدائه

الأسود فشعرت بالدموع تجتمع في عيناي , لو لم يدسها بقدمه لحسدتها طوال العمر

على نومها في جيبه ولمسه لها بأصابع يديه وشفتيه بل على دخولها لمنزله ولو ليوم واحد

مسحت عيناي وخبأت وجهي جهة الرفوف حين دفع الباب بيده ودخل متوجها من فوره

لطاولة البائع ليصبح واقفا خلفي مباشرة ودقات قلبي تضطرب بقوة لوجوده الذي غزى

المكان وعطره القوى الذي تغلب على رائحة السجائر في ثيابه

كم يسهل على رجل أن يبعثر مشاعر أنثى ويحولها لبقايا في لحظة واحدة وكم يسهل

عليه هوا تحديدا سرقتي من نفسي وسرقة نفسي مني في طرفة عين

ألقى التحية ليجيب عليه الشاب الموجود خلف الطاولة ثم قال " أعطني ورقا أبيض وورق

بحوث وحبر طابعة وإن أعطيتني كالسابق سكبته لك على أرضية محلك ... تفهم "

ضحك الشاب بعفوية وتحركت شفتاي بابتسامة حزينة .... رائد لم تتغير أبدا كما

كنت في طفولتك

أخرج له البائع ما طلب وهوا يقول

" هذا وصل اليوم ونوعه جيد سيعجبك , لا تورطني في تنظيف الأرضية أرجوك "

ضحك ضحكته الخفيفة المخملية الدافئة وقال " أنقذت نفسك مني هذه المرة "

ثم مد يده ليأخذ قلماً من العلبة في طرف الطاولة فاقترب جسده مني أكثر فاضطربت

كل مفاصلي وسقطت المفكرة من يدي دون شعور لتسقط بيني وبينه , انحنيت لأرفعها

فسبقني لها وهوا يقول " عذرا يا آنسـ ..... "

ثم ابتسم ما أن رأى وجهي واكتفى بالصمت ونظرت أنا للأرض مباشرة أُمسك يداي

ببعضهما عند خصري فدس المفكرة بين معطفي وجسدي وقال هامسا

" صدفة .... أليس كذلك "

نظرت له نظرة ضياع وحيرة وشوق وكل المعاني التي دفنتها في قلبي كل تلك السنين فابتسم

لي وعيناه تبحث في عيناي عن شيء لا أفهمه ثم توجه للبائع همس له شيئا في أذنه وغادر

مسرعا وكأنه يهرب من المكان

تنفست بقوة أعوض الهواء الذي فقدته ثم وضعت المذكرة على الطاولة وقلت

" سوف آخذ هذه "

قال بابتسامة وهوا يدسها في كيس

" وقع اختيارك على المذكرة التي كنتي تتجنبينها منذ وصولك "

نظرت للأرض وقلت بابتسامة حزينة

" لم تعجبني بادئ الأمر لكني الآن لن أستطيع شراء غيرها "

مد لي الكيس ففتحت حقيبتي فقال وهوا منشغل بترتيب رف الطاولة تحته

" ثمنها مدفوع لا تعطيني شيئا "

نظرت له بحيرة فوقف على طوله ونظر لي وقال

" الشاب الذي كان هنا سيدفع ثمن كل ما ستأخذينه من المحل "

نظرت له مطولا باستغراب ثم قلت " ولما !! "

رفع كتفيه وقال " لا أعلم ولا تورطيني معه رجاءا فأنتي لا تعرفينه وقد

هددني فلن آخذ منك مليما واحدا "

ابتسمت وشكرته وخرجت عائدة للمنزل لا شيء معي سوى المذكرة التي لمستها أصابعه

أدسها في حضني وكأني أخشى ضياعها من يداي , أسير ولا شيء يعبر عما بي سوى

الدموع التي تملأ عيناي تكابر السقوط , من قال أن الصدف غير مدبرة فقد أخطأ خطأً كبيرا

نوران لا أعلم هل أشكرك أم أدعوا عليك لإخراجي في هذا الوقت تحديدا

وصلت المنزل دخلت غرفتي وارتميت على السرير والمفكرة في حضني وأغمضت

عيناي التي بدأت تتسلل الدموع منهما بحزن ثم انقلبت على ظهري ونظرت للسقف

وقلت بابتسامة حزينة " لقاء بلا موعد وجع أقسى من موعد بلا لقاء "

لتتدحرج دموعي وتمارس عيناي عادتها الدائمة وهي البكاء دون توقف

عند المساء طرق أحدهم باب غرفتي ثم دخلت نوران تخفي يدها خلف ظهرها

اقتربت مني وقالت " ماذا تفعل القمر "

قلت ونظري على الأوراق في يدي وأنا جالسة على السرير

" أكتب المقالة لأنهي طباعتها فعليا تسليمها لهم مطلع الشهر "

قفزت على سريري كعادتها وقالت " لم تسأليني عن المفاجأة فجئت بنفسي لأقولها لك "

نظرت لها ببرود ثم عدت بنظري للأوراق وقلت " لابد وأنها كسابقاتها "

ضحكت وقالت " بل مختلفة تماما "

ثم رفعت وجهي بأصابعها من ذقني وقالت ببريق في عينيها

" لقد كتب مقالا "

نضرت لها بصمت وشرود بادئ الأمر ثم قلت " من !! "

صفقت بيديها وقالت بحماس " ومن غيره حبيب الطفولة "

ضربتها وقلت بحدة " أخفضي صوتك يا مجنونة "

قفزت على السرير وهي جالسة وضامه ليديها عند صدرها وقالت

" عنوان المقال ... عندما يأتي القمر "

نظرتُ لها بحيرة بل بتيه وتشتت أحاول فهم أو حتى استيعاب ما تقول وما أسمع

ثم قلت بهدوء ولهفة تشق أضلعي من إخفائي لها " أين هوا !! "

التفتت خلفها ثم أخرجت جريدة من وراء ظهرها فأخذتها منها فورا ودون شعور لتسقط

عيناي على الاسم قبل المقال بل على صورته أعلاه قبل كل شيء وطبول قلبي تزف عيناي

وهما تتدرجان من كلمة لكلمة ومن سطر لسطر ثم وقفت عند السطرين الأخيرين مطولا

بملامح غريبة عني حتى أنا لذلك لا أستطيع وصفها لكم فقالت نوران

" قمر ما بك علقتِ هناك "

رفعت رأسي ونظرت لها وأشرت بإصبعي على آخر المقال وقلت بحيرة

" هذان السطران ...!!! "

نظرت للجريدة بين يداي بفضول وقالت " أين هما !؟ , اقرئي "

قرأت ببرودة تتسلل لأطرافي وعينان تلمعان كالبلور من حبس الدموع وصوت هادئ

لقلب يرتعش ( كل شيء معرض للكسر في هذه الحياة فمثلما الأشياء تنكسر كذلك

الأحلام تنكسر الأماني تنكسر والقلوب تنكسر وجميعها لا تعود مع الأيام وتنجبر

كما الأشياء المكسورة لا تعود كما كانت , فماذا عن الليالي الجميلة وذكريات

الطفولة عن الماضي وما خلف السنين , هوا لا ينكسر لأنه ... )

قالت بهدوء " لأنه ماذا يا قمر تابعي "

قلت برجفة " ( لأنه يأتي مع قدوم القمر ) "

قالت بحيرة أكبر " وما الغريب في هذه السطور "

نظرت لها وقلت " كلها غريبة لا أعلم لما "

قالت بتذمر " آه قمر أنتم الكُتاب غريبو أطوار حقا هوا مقال رائع ويكفي قولي كما يقول الجميع "

ابتسمتُ ابتسامة صغيرة فقالت بمرح " جيد أول ابتسامة مشرقة لأول مقال له منذ ..... "

سكتت فجأة فتابعت أنا قائلة بألم " منذ كسرتُ قلبه "

قالت بحزن " بل منذ تكسر قلبك أنتي فلن أنسى ذاك اليوم ما حييت حين سقطتي أرضا ولم

تستفيقي إلا في مستشفى القلب بألمانيا بعد جراحة طويلة وخطيرة "

تنهدت وقلت " كان يوما قاسيا على الجميع "

هزت رأسها بالنفي وقالت

" لا , عليك أنتي نعم أما هوا فلم يخسر شيئا وقد توقف عن الكتابة بمحض إرادته "

قلت بدمعة علقت على رموشي " بل لأني حطمت أحلامه الوردية فالأدباء أكثر من

يشعرون يا نوران , هم أكثر من يعشق بقوة وأكثر من يشعر بجرح المشاعر وبقوة "

قالت بهدوء حزين " ما ذنبك يا قمر أنتي ضحية مثله "

تنهدت بحزن ومسحت عيناي وقلت " إذا انتهت مهمتي "

قالت بحيرة " أي مهمة !! "

قلت بابتسامة مغصوبة " عهد بيني وبين قلبي "

تنهدت بضيق ودفعت رأسي بأصبعها وقالت

" لو أدخل هذا الرأس وأجد فيه شيئا أفهمه غير السيد رائد "

ابتسمت ودفعتها بيداي وقلت " هناك عينا التنين أيضا "

ضحكت بصرخة وقفزت واقفة خارج السرير وقالت ضاحكة " لا كل شيء إلا هي "

ضحكنا سويا ثم قالت وهي تخرج مغادرة " سأترك لك الجريدة لابد وأنك تريدي حفظ المقالة "

قلت بهمس " ومن قال أني لا أحفظها الآن "

أخرجت مقصا من الدرج جانب السرير وقصصت المقالة لألصقها في الدفتر الذي يحوي كل

مقالاته , الدفتر الذي رافقني لسنين وقد توقفت عن إضافة أي شيء جديد له منذ ثلاث سنوات

حين توقف رائد عن الكتابة وها هوا ينتعش بالحياة من جديد , ألصقت المقالة وضممت الدفتر

لصدري , أشعر اليوم أن عمرا جديدا أضيف لعمري بعودته للكتابة

بعد ساعتين رن هاتف غرفتي رفعت السماعة فجاءني صوت الخادمة وهي تقول

" آنسة مكالمة لك هل أحولها أم أعتذر "

قلت بهدوء " من !؟ "

قالت " لم يفصح عن اسمه "

غريب يبدوا رجلا ترى من يكون !!! قلت " حسننا حوليها لغرفتي "

انتظرت في صمت حتى دقت طبلة أذني تلك الكلمة " نورسين "

لا بل ضرب ذاك الصوت قلبي حتى أوجعه ليتوقف عند آخر نبضه أخرجها عند

سماعي ذاك الصوت , جمعت كل ما لدي وأوتيت من قوة وقلت بهمس مخنوق

" نعم "

قال بعد صمت طويل " أنا رائد "

كل الدموع التي بكيتها سنين حياتي تجمعت لحظتها في عيناي وشعرت بألم فضيع في

حنجرتي من كثرة ما أمسكت عبرتي عن الخروج وما لم أستطع إمساكه هي دموعي

مسحت عيناي وقلت بهدوء " من رائد "

قال مباشرة " رائد المنذر "

أغمضت عيناي بقوة وكأني أريد عصرهما ليتوقفا عن ذرف الدموع وأبعدت السماعة عن

أذني ودسستها في حضني لأشهق العبرة التي تكاد تقتلني تريد الخروج ولأطلق سراحها قبل

أن تفضحني وتصل إليه , ثم رفعت يدي ببطء أعدت السماعة لأذني وقلت

" مرحبا سيد رائد "

قال بهدوئه ذاته " هل قرأتِ المقالة "

قلت بابتسامة حزينة " نعم وأخيراً قلبتَ الساعة الرملية "

قال بعد ضحكة صغيرة " نعم ولابد وأنها ستأخذ من أحدهم لتسكب عندي "

ابتسمت وقلت " بكل تأكيد وقريبا جدا "

قال من فوره " لماذا فقلمك مميز "

قلت بحزن " لأنها ستسكب لديك وتنتهي عندي هكذا هي الحياة "

قال بنبرة هادئة " ولما لا تسكب عند كلينا "

لذت بالصمت فقال " هل أعجبك "

قلت " نعم رائع لكن السطرين الأخيرين غريبان "

سكت حتى ضننت أنه اختفى وأني كنت أتوهم اتصاله حتى كدت أنادي عليه لأرجعه

لواقعي لولا أن وصلني صوته قائلا بنبرة غريبة " ما بهما !! ألم يعجباك "

قلت من فوري " يعجبانني بالتأكيد ولكنهما يحويان معاني كثيرة ليست في

المقالة , يبدوان مقالة منفردة تحتاج للكثير من التعمق والتوضيح "

قال بهدوء " أنتي وحدك من لاحظ ذلك لماذا يا ترى "

قلت بحيرة " لا أعلم "

قال بعد صمت لحظة " حسننا تصبحين على خير و آسف على الإزعاج

أردت فقط معرفة رأيك في المقالة "

قلت بابتسامة حزينة " لا داعي للاعتذار شكرا لك سيد رائد وشكرا على

كرمك معي في المحل اليوم "

قال ضاحكا " لم تأخذي شيئا يستحق كنتي كلفتني أكثر "

قلت بحياء " أخجلتني بكرمك "

قال مباشرة " لأنك تستحقين , وداعا الآن "

قلت بهمس " وداعا "

قال من فوره " قمر "

أحسست قلبي ارتجف حتى فقد السيطرة على دقاته بل يبدوا أني لم أشعر بنبضه في

ضلوعي إلا الآن ليضرب ويضرب حتى توقفت أنفاسي وتيبس لساني فقال عندما

طال صمتي " السيد أسعد أخبرني أنه اسمك الحقيقي آسف إن كان سريا "

قلت بدمعة تترقرق في عيناي وبحة تخنق صوتي " لا أبدا الكثيرين يعرفونه "

سكت مطولا ثم قال بشبه همس " تصبحين على خير .... يا قمر "

وأغلق الخط ولم تطاوعني نفسي لأفعلها أنا أولاً ولا لأن أعيد السماعة لمكانها بل أعدتها

لحظني من جديد أستشعر صوته الذي خرج منها لعله ينسكب بين ضلوعي رغم انه هوى

من أذني لقلبي مباشرة , كم تمنيت لو تذكرني وذكر شيئا من طفولتنا بل لو استطعت أنا أن

أذكرها له الآن , لكن الأماني لا تبقى إلا أماني

بقيت على ذاك الحال طويلا ثم تنهدت وأعدت السماعة لمكانها , ترى كيف علم أني لم

أشتري غير مفكرة يبدوا أنه اتصل به وسأله أو زاره مجددا , وهل سبق وأخبرت السيد

أسعد باسمي !! قد أكون فعلتها

طرق أحدهم الباب ودخلت نوران ونظرت من فورها للساعة على الحائط وقالت

" وجدت هاتف المنزل مشغولا مع من كنتي تتحدثين هذا الوقت "

قلت بضيق " أليس لديك هاتف محمول ما تصنعيه بهاتف المنزل "

قالت بتذمر " هذه أحلام لا تحب التحدث إلا من هاتف منزلهم أرسلت لي

رسالة تخبرني أن أجيب عليه "

ثم اقتربت وقالت " ماذا بشأن المقالة هل أنهيتها , هل لي أن أراها "

قلت " لا لم تنتهي بعد قد أغيرها "

قالت بحيرة " ولما "

قلت بهدوء وعيناي على يداي " لأنها ستكون الأخيرة "

شهقت بصدمة ثم اقتربت أكثر وجلست على السرير وقالت " ولكن لماذا !! "

قلت ببرود " هكذا من غير سبب "

قالت بحدة " لا , لاشيء يكون بغير سبب لقد تركتي جريدة الفجر لأن رئيس

تحريرها طلب منك كتابة مقال تهاجمين به رائد والآن لا بد وأن مقاله السبب "

أشحت بنظري بعيدا عنها وقلت " نعم لأن مهمتي انتهت "

وضعت يديها وسط جسدها وقالت " هكذا إذا فقد قبلتي العمل لجريدتهم من أجل أن يكتب هوا "

تنهدت وقلت " نعم كنت أتوقع مقالا نقديا منه يوجهه لي ولكن حدث غير ذلك ولا يهم المهم

أنه كتب مجددا ليخف تأنيب الضمير عني ولو قليلا "

هزت رأسها بيأس وقالت " قمر لما لا تتحدثي معه عن الحقيقة وترتاحي "

قلت بحزم " لا وإياك يا نوران أن تفكري في التحدث إليه "

نظرت لي بصدمة ثم قالت " قمر لما كل هذا الاعتراض "

استلقيت على السرير وقلت " أريد النوم هيا تصبحين على خير "

تذمرت كثيرا ثم غادرت الغرفة تسحبت تحت الغطاء أريد النوم دون تفكير

قمر نامي هيا وكأن شيء لم يحدث , ولكن هيهات فكيف سأنام بعدما رأيته وسمعت

صوته وقرأت حروفه , بعدما عاد من سلب قلبي يوما ليسلبه من جديد , أخبروني ما

العمل وكيف يكون لي , كيف يتذكرني ويتذكر طفولتي , كيف يصدقني ويغفر لي

وليثكم أخبرتموني أن المفاجأة لم تنتهي هنا

الفصل السادس

كنت أقلب الجريدة وعيناي تسافران وتعودان لذات المقال لأكتشف أن إمساكي لها كل

هذا الوقت ليس إلا من أجله , آه قمر يا قمر كيف تظهرين في حياتي فجأة في الوقت

الذي أبعد شيء أفكر فيه هوا النساء , آمنت الآن بالعبارة التي تقول

( يوجد دائماً من يهتم لأمرك وأنت لا تعلم به )

لكن لما تُخفي أمرها عني ولم تُذَكريني بها أو حتى تسألني إن كنت أذكرها !!!

عدت بنظري لمقالها وعلقت عيناي على الجملة التي قرأتها عشرات المرات

( إن أحببت أحدهم بعنف فلا تصدق أن تكرهه مهما جرحك بعنف وكسرك بوجع وأبكاك

بألم فسيبقى الحب حباً والعشق أبدياً فقط هي الأماني ستتغير لتتماشى مع الواقع وسيبقى

هنالك عِرق في قلبك ينبض خصيصا حين يذكر أحدهم اسمه أمامك وأنت تضنه ألم في

قلبك بسبب كرهك له , لكنه أقصى علامات الحب الدفين )

طويت الجريدة ورميتها بعيداً عني كي أرحمها وأرحم نفسي , لا أفهم هذا الجزء من

المقالة ولم أعد أفهم شيئاً , ما تعني بهذا !! هل جرحها أحدهم أم هي جرحته ... آآآه ما

الذي فعلته بي يا فتاة , كيف يكون للإنسان ماضي لم ينتهي بعد وهوا يضن أنه طوى

صفحاته منذ زمن بعيد ليظهر من يفرشه أمامه كالبضائع في الأسواق

أخذت مفاتيحي ومحفظتي من على الطاولة ارتديت معطفاً خفيفاً فالجو أصبح يقترب

للاعتدال وغادرت المنزل وتوجهت من فوري للجريدة ومن فوري طبعاً لمكتب رئيسا

تحريرها , طرقت الباب ودخلت قائلاً بابتسامة " هل جُن أسعد أم ليس بعد "

تأفف قيس الجالس في المكتب وقال " كم تمنيت أن كنتما معا في الجريدة كنا سنفجر

البلاد بأعدادها القادمة , لما تركت تلك الفتاة جريدتنا أيضاً "

جلست وقلت " كان عليكما توقع ذلك منذ البداية "

قال بضيق " لو أعلم لما فعلت ذلك فجأة وتركت الجريدة يالها من لغز "

حركت القلم على الطاولة ونظري عليه وقلت بابتسامة جانبية

" لسبب أزال السبب الأول هكذا كان مخططها ولكن ما يحيرني لما هكذا تحديداً "

نظر لي باستغراب فضحكت وقلت " لن أوضح لك شيئاً "

دخل حينها أسعد وما أن رآني حتى وضع يديه وسط جسده وقال " هل لي أن أفهم لما

اعتذرت نورسين عن إرسال المقالات لنا فور عودتك للكتابة , ولما طلبتَ أنت مني

رقم هاتف منزلها وبعدها بح انتهى كل شيء "

قلت ببرود " لا تلقي باللوم علي لا دخل لي بما حدث ولا تتهور لتخسر مقالاتي أيضاً "

اقترب وضرب كتفي بيده وقال بابتسامة " المهم أنه تحرك هذا الجبل فهذا هوا الأهم لدينا "

ثم غمز بعينه وقال " لما أخذتَ رقم هاتفها مني ها , يبدوا أنها حركت شيئاً في ذاك الحجر

الذي ينبض بين ضلوعك , كنت أرى نظراتها إليك وأنت تتحدث بهاتفك في الحفل , يالك

من محضوض إنها كارثة بشرية يا رجل "

أخذت القلم من على الطاولة ورميته به وقلت بغيض " احترم محارم غيرك "

ضحك وقال " لم يزعجك كلامي عنك وأزعجك تغزلي بها !! "

تجاهلته ونظرت جهة قيس وقلت

" لدي موضوع سأطرحه في الجريدة ليس من كتاباتي لكنه يستحق "

قال باستغراب " كيف !!! أنا لم أفهم "

قلت وأنا أقف مغادراً " احجز عمودا لمقالة بعنوان ( ذكريات طفلة صغيرة ) وسنتحدث لاحقاً "

عند المساء وأنا غارق في أوراقي وقفت وأخرجت ظرف مذكرتها الذي وصلني مؤخراً

لأضع أوراقه مع البقية فأخرجت الأوراق وفرزتها , سوف أعد لها بها مفاجأة جميلة لنتذكر

كل تلك الأيام , ولكن ما يحيرني ما صلتها بتلك الفتاة البائعة ولما أرادت تذكيري بها

وهل ترفض قمر فعل ذلك بنفسها أم ماذا !!!

انتبهت لقصاصة ورقة مرمية على الأرض لابد وأنها التي تكملة تلك الورقة الناقصة

ويبدوا أنها كانت في الظرف ولم انتبه لها , نظرت لها بحيرة ثم رفعتها من على الأرض

وأخرجت الأخرى قبل أن أقرأها لأقرأهما معا ورقة كاملة كانت القصاصة مطوية على

مرتين , تبدوا وقعت في الظرف بالخطأ من تلك الفتاة !!!

توجهت بهم لمكتبي وأوصلتهما ببعض فوق طاولة المكتب وكان مكتوب فيها

( ليصبح رائد بعد ذاك اليوم شيئاً جديداً في عالمي بل لأصبح أنا نقطة جديدة في عالمه

وأعشق كل كتاباته وكل مقالاته وكل حرف يكتبه ردا على معجبيه ليصبح هوسي وجنوني

فاخترت من بين كل تلك الأشياء المنتدى الأدبي الذي يشارك فيه ومن بين كل الأسماء اسم

(ضوء القمر) لأظهر به )

بقيت أحملق في الكلمات كالتائه ثم نثرت الأوراق أمامي من على الطاولة وقلت بصراخ

غاضب " مستحيل أن تكوني تلك .... لماذا ؟! "

ثم رميت كل ما كان على الطاولة وأنا اضرب بيدي عليها يمينا ويساراً وأصرخ

" لماذا يا قمر , لماذا تكونين تلك الفتاة التي علقتني بها وخدعتني وذهبت لماذا "

ولم يقف العنف والعنفوان عند ذلك فقد حطمت كل شيء وقلبت المكتب رأساً على عقب

بصراخ وغضب وخرجت منه ألهث بأنفاسي كالأسد , توجهت لدورة المياه فتحت صنبور

الماء البارد لتتدفق تلك المياه باردة كالجليد على رأس يغلي كالبركان ثم ابتعدت والمياه

تقطر من رأسي وتساندت بالجدار ونظرت للسقف بتوهان

كيف تكون قمر كيف !! , كيف لتلك الطفلة البريئة التي عانت الأمرين أن تخدع

وتخذل وتجرح قلب إنسان , وقلب من !! قلب رائد... لماذا يا قمر لماذا ..؟

لماذا أنتي الفتاة التي علقتني بها بكتاباتها وردودها وتشجيعها لي وكلامها لتخبرني بكل

برود أنها ستتزوج بحبيبها وأني لست سوى زميل في منتدى وأنك كنتي لم تكتشفي حقيقة

مشاعرك بعد , هكذا وبكل بساطة , من هذا الذي أحببته غيري وسلبك عقلك لتبيعيني من

أجله , خرجت من الحمام وأنا أردد " صدقت تلك البائعة حين قالت أنها تبيع الأميات "

أمسكت الأوراق كالتائه المطعون بسكين مرتين من ذات المرأة وفي نفس المكان وهوا

صميم القلب , رميتهم أرضاً وخرجت من المكتب ومن كل المنزل لففت الشوارع وأنا

بين متناقضان جرح وكره وعاطفة وتعاطف , لما كنتي أنتي من بين كل النساء , كيف سأفي

بقسمي الآن وانتقم منك على تلاعبك بي , كيف سأجرح قلب فتاة عانت الأمرين كيف

لما ظهرتِ في حياتي يا قمر لما لم تهربي مني كي لا أضرك كي لا يقتل عقلي قلبي

كنتي ابتعدتِ عني كي لا أفي بقسمي لنفسي كي لا يؤذيك رائد الذي بقدر ما أحببته

جرحته والذي بقدر ما أعطاك بعشوائية وأنتي طفلة سلبتِ منه بعشوائية وهوا شاب

كان ذاك الاكتشاف كضربة قوية تلقاها قلبي قبل عقلي ... فلم بكن يردد سوى جملة

لماذا يا قمر لماذا ؟!!

لما أنتي هذه الفتاة الفاتنة الرقيقة العذبة ولما أنتي هي تلك الطفلة الجميلة البريئة

إن كنتي ستكونين تلك الفتاة الخائنة

أن تكوني نورسين فشيء يقبله العقل لكن أن تكوني ضوء القمر شيء يستحيل أن

يصدقه , حتى انك لم تتزوجي هل كنتي تكذبين علي !!

لما أحببتك يوما وبعنف لما أنتي قمر ولما أنتما نورسين , يبدوا أنني سوف اجن حتما

ضربت مقود السيارة بقوة وغيض وتوقفت عند الجسر ونزلت أدخن سيجارتي العاشرة

بعد الألف عند قضبان سياجه الحديدية

كم أردت أن تمسح يدي بحنان على وجه قمر الطفلة فيها لتنسيها كل تلك السنين ليعود

رائد الذي فقدته يوما وكم أردت يوما أن اكسر قلب ضوء القمر لكسرها قلبي ورحيلها

فكيف أفعل كل تلك الأمور في آن واحد وكيف يكون كل ذلك في شخص واحد في فتاة

لم ترى عيناي كرقتها وجمالها ورقي أسلوبها وخداعها وغدرها

رميت باقي السيجارة من أعلى الجسر لتسقط في البحر ورميت بعدها كل العلبة بغيض

كي أرحم نفسي منها وعدت لمنزلي وأول ما فعلته أن اتصلت بأسعد لإلغاء عمود

مذكراتها فلم تعد لي به حاجة

ومرت بي الأيام أحاول ولو تناسي ما حدث فليس بإمكاني نسيانه ولكن عبثا حاولت

بعد أسبوعان لم أخرج فيهما من منزلي ولم أنم فيهما نوما كنوم باقي البشر خرجت

حاملا الكتب كي أعيدها للمكتبة لأني مددت فترة استعارتها وعليا الآن إرجاعها

دخلت المكتبة وضعت الكتب على الطاولة وقلت

" مرحباً هاهي الكتب راجعها ودون في البطاقة "

قال بابتسامة " كادت تعيش لديك ألهذا الحد هي مهمة "

ابتسمت ابتسامة جافة وقلت " لا ولكني احتجت وقتا لإنهائها "

أزالها وأحداً بعد الآخر وقال " خذ هذا لك "

نظرت له بتعجب وقلت " ألم تقل أنها نسخة المكتبة !! "

قال وعيناه على البطاقة

" نعم ولكن الفتاة التي كانت هنا يومها طلبت إعطائه لك وأعطت المكتبة غيره "

قلت بهدوء يقارب الهمس " الفتاة نورسين "

قال " نعم يمكنك أخذ الكتاب معك "

حملته أنظر له في حيرة , هي تعرفت علي من يومها إذاً !! , لذلك كانت

تلك النظرات الغريبة , لما تفعل ذلك !! لا أفهمك أبداً يا قمر لا أفهمك

وصلني صوته قائلا " خذ بطاقتك "

نظرت له وقلت " أتركها سأتجول قليلا في المكتبة "

حملت الكتاب معي أتجول في الأرفف حيث العالم الذي أنسى معه نفسي لألمح من

بين الكتب .... قمر نعم قمر عند الرف الآخر بحجابها الزهري الذي أضفى على

وجنتيها بريقا غريبا وأضاف لعينيها سحرا مدهشا ولا تعرف أي منهما أثر لونه على

الآخر , قمر التي أصبحت عالمين في عالمي ونقطتين في تاريخي المعقد

توجهت فوراً بخطوات واسعة مجتازا المسافة في ثواني ووقفت بالمقربة منها متظاهراً

أني أرى كتاباً وقلت بهدوء وعيناي على الكتاب " كم تجمع الصُدف من أشخاص "

التفتت ناحيتي بسرعة تنظر لي بتمعن وهدوء وصمت ونظري كان على الكتاب في يدي

ثم عدلَتْ وقفتها لتصبح مقابلة لي وفي صمت فنظرت لها وقلت بابتسامة

" صدفة "

ابتسمت بحياء وقالت " خيرٌ من ألف ميعاد "

تنقلت بنظري بين ملامحها كأني أبحث عن شيء أفهمه فيهم لو أكتشف فقط السر في

ملامحها فشيء فيها يجعلك تتأملها دون توقف ولو أعرف فقط كيف لهذه الملامح البريئة

أن تجرح وتغدر وتطعن بعنف كيف أركب صورتان لها في دماغي كيف !!

شتت نظري بعيداً عنها , يكفي يا رائد هذه لم تعد كما كانت في السابق

عدت بنظري عليها وقلت بهدوء وهي عيناها على أصابعها الممسكة بالكتاب

" شكراً على الكتاب "

نظرت للكتاب في يدي ثم لعيناي وقالت " يشرفني أن يكون ضمن رفوف مكتبتك "

قلت بابتسامة جانبية بل بشيء يوحي بالتساؤل " هوا فقط !! ؟ "

نظرت لي نظرة غريبة وكأنها فسرت تفسيراً ما في عقلها لما قلت

كم هي مثيرة هذه الأنثى في كل أحوالها حتى في حيرتها وتفكيرها

أشرت لها بإصبعي على جانب رأسي بحركة دائرية بمعنى التفكير ثم أشرت به

أمام وجهي بلا مبتسما فابتسمتْ ابتسامة صغيرة ثم قالت " لم أفهم ما تعني "

قلت وأنا أعيد الكتاب لمكانه

" بلى فهمتي شيئاً ولا تريدي سؤالي إن كان ما فهمته صحيحاً "

لاذت بالصمت فقلت ونظري عليها " المقالة رائعة هي الأخيرة أليس كذلك "

شتت نظرها على كل شيء حولي وكأنها تهرب من تفسيري لنظراتها ثم قالت

" كيف علمت !!! "

قلت بابتسامة حزينة " أنا أكثر من يقرأ السطور وما تخفيه يا قمر "

نظرت لعيناي فورا بصمت ثم نظرت للبعيد وقالت بابتسامة حزينة

" وما قرأت في السطور "

نظرت لكتابها في يدي وقلت " قرأت الألم والحزن والقليل من الندم على

خطأ قديم , شيء احتجت لوقت لأفهمه "

نظرت لي مطولاً وكأنها تريد الاعتراض على أحد الكلمات فقلت مشيحا بنظري بعيداً

" لا تفكري كثيرا فيما أقول فقد أكون أخطأت "

لاذت بصمت غريب وعيناها معلقتان بعيناي وتلمعان من حبس شيء يشبه الدموع فقلت

" علينا أن نشكر الصدف فقد تكون القادمة بميعاد ...... وداعاً الآن "

وغادرت مبتعدا عنها وهي لا تزال في غمرة صمتها , بقدر قوة الجاذبية فيها بقدر ما أردت

الهروب منها وبقدر ما تجذبني بعنف فهناك شيء أصبح يبعدني بقوة

عدت للمنزل لا أحمل معي شيئاً سوى كتابها وشعوري بالألم والأسى والخذلان

وضعته ضمن الكتب في رفوف مكتبتي وقلت بابتسامة جانبية

" نعم ليس هوا فقط من عليه أن يكون ضمن الرفوف في حياتي "

لا أعلم أي الأمور تجعلني أتخذ قراراً كهذا القرار ولكن ما أنا موقن منه أني أريد هذا

لذلك عليا أن اجتاز هذه العقبة التي تزعج تفكيري وقد اتخذت قراري وأنا من سيعلم

منها سبب كل ذلك وعلى طريقتي

سمعت جرس الباب يُقرع فخرجت من فوري فتحته وقلت مبتسما لمن يقف أمامه

" مرحباً حيدر هيا تفضل "

صافحني مبتسما وقال وهوا يدخل " إجازتي بدأت وها أنا عند الوعد "

ضحكت وقلت وأنا أغلق الباب " متى وعدتني أنت أمرتني وأغلقت الهاتف فوراً "

ضحك ودخل في صمت جلس على الأريكة بأريحية وتنهد وقال

" أحسدكم انتم الأدباء لا تفعلون أي شيء متعب "

قلت متوجها للمطبخ " كن مثلنا إذاً , هل تشرب الشاي "

قال بصوت مرتفع لأسمعه " أقسم لن أستطيع كتابة حرفين على بعضهما ولن

يشتري أحد المجلة التي أكتب فيها "

قلت ضاحكاً " لما لا تجرب قد ينجح الأمر , ماذا عن الشاي !! "

قال " أحضر لي كأساً وأنقص السكر طبعاً فشايك لا يمكنني بلعه "

ضحكت وسكبت له وأحداً وضعتهما في صينية تقديم وخرجت به وضعته على

الطاولة وقلت " ما هي الأخبار لديك "

قال وهوا يرشف من كوبه " كما هي , ما أخبارك أنت مؤكد لا جديد ولا مفيد "

ابتسمت وقلت وأنا أجلس " بلى هناك جديد أما مفيد فلم أحدد بعد "

نظر لي باستغراب أشبه ما يكون للصدمة ثم قال " هل كتبت شيئاً !! "

خللت أصابعي في شعري وقلت " نعم ولكن ليس هذا ما كنت أعني "

صفر وقال " يبدوا لي التطورات كثيرة لديك فأنت لم تكتب منذ ثلاثة

أعوام فأن يكون لديك شيء أهم منه فسيكون خطيرا "

شبكت أصابع يداي ببعض وأنا أرتكز بمرافقي على ركبتاي ونظري للأرض

وقلت بهدوء " سوف أتزوج "

عم صمتٌ مخيف وكأني جالس لوحدي في الفضاء الخارجي , رفعت رأسي ونظرت

إليه فكانت عيناه مفتوحة على اتساعهما من الصدمة فضحكت بهدوء وقلت

" هل قلت شيئاً غريبا "

هز رأسه وكأنه ينفض ما سمع منه ثم قال " أعد ما قلت "

اتكأت على ظهر الأريكة ومددت ذراعي على حافتها وقلت " سأتزوج "

ضحك مطولاً ثم قال " قل أنك لست نائم وتهدي "

رميته بوسادة الأريكة وقلت بضيق " حيدر لست بمزاج مزاحك "

ابتسم وقال بهدوء " وأخيراً يا أخي "

قلت بضيق " من يسمعك يضن أنني قاربت الأربعين "

قال ببرود " لو بقيت على حالك ستتجاوزها بكثير "

لذت بالصمت فقال " ومن سعيدة الحظ تلك "

قلت ببرود " كاتبة في جريدتنا "

قال بابتسامة " الطيور على أشباهها تقع , أين كانت عنك منذ سنين ؟! "

قلت بابتسامة سخرية " كانت هاربة مني "

نظر لي باستفهام ثم قال " ومتى خطبتها !! "

قلت " ليس بعد سوف أخطبها قريباً "

قال " هل تحدثت معها في الأمر , يبدوا لي ثمة علاقة بينكما "

عدت لجلستي السابقة وقلت ونظري أرضاً

" بل أخطبها مباشرة , أنت تعرف وجهة نظري في هذه الأمور "

قال بعد صمت " وإن لم تكن موافقة عليك "

قلت بهدوء " سأصرف النظر عن الموضوع مجدداً "

قال بحيرة " إذا هي أو لا أحد "

قلت مختصرا " نعم "

قال باستغراب " لما !! "

نظرت له وقلت " لي أسبابي الخاصة "

تنهد وقال " وهل ستذهب لوالدها وحدك أم ستخبر والدك ليأتي معك "

أشحت بنظري جانبا بضيق وقلت " وحدي طبعاً "

قال بحدة " وكيف سيعطيها لك وأنت تذهب وحدك "

قلت بسخرية " لو قالها أحدٌ غيرك لعذرته أما أنت تعلم أني لا أستطيع أخذ والدي معي "

قال بجدية " سأذهب معك إذاً فأنا شقيقك الأكبر وإن كنت من والدتك فقط "

قلت ببرود " بل وحدي "

صرخ غاضبا " رائد متى سيتوقف الجنون الذي لديك "

عدت للاتكاء على مسند الأريكة وقلت

" هوا ليس والدها إنه زوج عمتها أي سيكون القرار لها في كل الأحوال "

قال " وأين والدها "

قلت بابتسامة " ذهب مع ماتوا أو شيء لا أعلمه "

بقي يحملق فيا بصدمة فضحكت وقلت

" على حد علمي أنه ميت وليس لديها سوى عمتها وزوج عمتها "

قال بهدوء " أليس لديها أحد آخر , عم خال أي شيء "

قلت بضيق " لديها خال ولكني لن أخطبها منه ولو كان وليها الوحيد "

هز رأسه بيأس ثم قال " أتمنى أن تكون السبب في إيقاف جنونك "

ابتسمت وقلت " بل قد تزيده أو تكمله "

قال بعد صمت " أُقسم أنني لم أفهم شيئاً "

قلت بضحكة " ذاك أفضل "

قال " أتحفني باسمها إذا قد أكون أعرفها فأنا أقرأ جريدتكم أحياننا "

قلت ببرود " تريد الاسم الحقيقي أم المستعار "

ضحك وقال " ولها اسمان أيضاً "

قلت بسخرية " بل أكثر ولكل اسم حكاية وحده "

تنهد وقال " كالعادة جلستي معك كلها ألغاز لا أحل منها شيئاً , قل

الاسم الذي تكتب به عندكم "

قلت " نورسين "

نظر لي مطولاً بصمت وصدمة ثم قال

" نورسين لا غيرها صاحبة عمود عيون الليل سابقاً في جريدة الفجر !! "

قلت بهدوء " نعم هي "

قال بابتسامة واسعة " أُقسم أنك وقعت صريعا "

نظرت له باستغراب وقلت " من أين تعرفها !! "

ضحك وقال " من لم يقرأ مقالاتها ومن ينسى ذاك الوجه وإن رآه مرة واحدة "

نظرت له بحيرة وقلت " أين رأيتها سابقاً !! "

قال " صديق لي يقرب لقريبها قابلناها مصادفة فسلم عليها , كلمتان وهربت من

أمامنا كالنسيم , إنها أنشودة يا رجل "

قلت بضيق " ولما تتغزل فيها أمامي "

ضحك وقال " مهلك يا رجل هي لم تصبح زوجتك بعد "

قلت بضيق أكبر " وإن يكن "

ضحك مطولاً فصرخت به " ما المضحك في الأمر "

فتح فمه وكأنه يريد قول شيء ثم تراجع وأغلقه ثم قال مبتسما

" أحب إعلامك بشيء هي ترفض الخاطبين "

نظرت له مطولاً في صمت ثم قلت " هوا من أخبرك بذلك ؟! "

قال " نعم فهوا أحد من خطبوها "

قلت بملامح قاسية " وما كانت تفعل معه وهوا خطبها ورفضت "

ضحك وقال " اقسم أنك وقعت , أخبرتك أنه قريب لقريبها وهوا من

استوقفها وغادرت في لمح البصر "

رن هاتفه حينها فأجاب مبتسما " مرحباً مريم ما هذه المفاجأة "

ثم ضحك وقال " مفاجأة حتى لو تحدثنا منذ قليل وليس الأمس "

قال ناضراً لي بنصف عين " لا لن آتي سأقضيها مع الحي الميت "

ثم ضحك وقال " حسناً حسناً لن أكررها لو يحبك فقط كما تحبينه "

قال بعد صمت طويل " جيد وبصحة جيدة , ها هوا أمامي ولديه أخبار ستفرحك "

ثم قال مبتسما " شقيقك الحبيب سوف يتزوج "

ضحك مطولاً ثم رمى لي بالهاتف وقال

" اقسم إن لم تحدثها قتلتك الآن , إنها تزغرد في أذني "

ابتسمت ورفعت الهاتف من حضني وأجبت قائلاً " مرحباً مريم كيف أنتم "

قالت ببكاء " مبارك يا أخي أقسم أنه أجمل خبر سمعته "

قلت مبتسما " لم أخطبها بعد فقط شقيقك هذا مستعجل دائماً "

قالت " لا يهم المهم أنك قررت , هل ستقيم حفلا ؟ "

قلت مختصرا " لا "

قالت بعد صمت " لما !! ألن أرها ولو مرة في حياتي "

قلت " الكلام في الأمر سابق لأوانه واتركيها للظروف "

تنهدت وقالت " أمري لله أتمنى أن تلين قلبك علينا "

قلت ببرود " لا أعتقد أنها ستفعل بي شيئاً من هذا , وداعاً الآن وسلمي لي على أيوب "

رميت له بهاتفه فأعاده لأذنه وقال ضاحكاً

" نعم يا مريم أنا أخبرك عنها , قمر قمر يمشي على الأرض "

لا أعلم لما أشعر بالبراكين تغلي في داخلي كلما تحدث عنها متغزلاً , لم أشعر بنفسي

إلا ضاربا له بوسادة الأريكة فضحك وأراني الهاتف وهوا يقول

" لقد أغلقتْ الخط قبل أن ترمي به لي , ما ستفعل بعد أن تتزوجها !! هل ستحجبها عن الناس "

قلت بحدة " إن اطر الأمر سأفعل "

أشحت بنظري عنه وتأففت بضيق , ما بك يا رائد هل سلبتك عقلك لهذا الحد

لا تنسى ما فعلت بك , نظرت له فوجدته ينظر لي بابتسامة ماكرة فقلت بضيق

" قل ما لديك لا تكتمه في قلبك كي لا يقتلك "

ضحك مطولاً ولاذ بالصمت فوقفت وقلت " سأعد العشاء هل تقترح شيئاً "

قال مبتسما " على دوقك فستكون آخر الوجبات من يد العزوبية وسنأكل

من أنامل العروس فيما بعد "

تجاهلته ودخلت المطبخ , خطئي أني فقدت أعصابي أمامه فلن يرحمني بعد اليوم

حيدر هوا شقيقي الوحيد من والدتي رحمها الله ومريم هي الشقيقة الوحيدة لي من

والداي ولي شقيقتان من والدي من زوجته الثانية , لم أرى أحداً منهم منذ ست سنين

فيما عدا حيدر في أوقات بعيدة جداً من العام

قضى حيدر معي أيام إجازته ولم يتوقف عن الحديث عن الترتيبات

( هذه الغرفة بحاجة لتجديد وتلك غيرها بهذه , المطبخ يحتاج لصيانة والبيت عليك طلائه )

حتى نفخ لي رأسي وتمنيت أنني لم أخبره ولم يرحمني إلا بمغادرته لعمله من جديد

وبعده استلمتني مريم في اتصال مطول تدخلت حتى فيما أرتدي حين اذهب إليهم وما عليا

شرائه للبيت قبل أن أتزوج كمن كذب كذبة وصدقها , كل ذلك بحجة أنني رجل ووحيد

وسأغفل عن هذه الأمور , وحقيقة الأمر لفتت انتباهي لأمور كنت سأغفل عنها

وكان عليا استحمالها ذاك اليوم كي لا أكسر السعادة التي تخرج من صوتها لأني

استمع لها دون مقاطعة بكلمة وداعاً

وجاء اليوم الذي كان عليا أن أزور فيه منزل عمتها , ارتديت بذلة رسمية سوداء وربطة

عنق زرقاء بها خطان مائلان باللون الأبيض عند المنتصف وحداء جلدي أسود لامع

لم أعرف ما آخذ معي ولو ذهبت دون أخذ شيء لن يكون لائقا , احترت كثيرا بين أن

آخذ علبة حلوى فاخرة أو باقة أزهار فرأيت الأزهار خيار أنسب لأني أحبها

وصلت هناك نزلت ودخلت ثم قرعت الجرس , كنت على موعد مع زوج عمتها السيد

شاهد دون أن أخبره اسمي كاملاً , فتح لي الباب فتى في التاسعة أو العاشرة من العمر

وقال بابتسامة " مرحباً سيدي "

ابتسمت وقلت " أنا من يفترض به قول مرحباً وليس أنت "

حك شعره في خجل وقال " من كثرة ما تعلمها لي قمر حتى أصبحت ألخبط متى أقولها "

أحسست شيئاً نغز في قلبي حين ذكر اسمها لتقفز قمر الطفلة أمامي حينها وليتحول

لضيق حين تذكرت فتاة القمر فتنهدت وقلت " هل والدك موجود "

فتح الباب بوسعه وقال " نعم في مجلس الضيوف ينتظر شخصا لابد وأنه أنت "

ابتسمت ومددت له باقة الزهور وقلت بهمس " لا تذكر أسماء نساء المنزل للزوار

خصوصا الأسماء التي تجعل الخيال يسافر بعيداً بسبب معانيها "

نظر لي بحيرة وعلامات الاستفهام تدور حول رأسه فقلت بضحكة

" خذ الأزهار للداخل ودلني على المجلس "

ابتسم وقال مغادرا " بالتأكيد تفضل "

سار وأنا أتبعه , منزلهم راقي وكبير يبدوا أن هذا النعيم هوا من جعل قمر الطفلة تموت فيك

يا قمر لذلك لم تُذكريني بك , وصلت المجلس استقبلني السيد شاهد بخطوات ثقيلة وقال معتذرا

" أعذرني فبسبب التواء كاحلي لم استطع استقبالك لابد وأن مؤمن أتعبك عند الباب "

ضحكت وقلت " اللوم على معلمه يبدوا أنه يقصر في تعليمه "

قال بخجل " أجل المدارس لم تعد كالسابق "

يبدوا أنه فهم أنها المدرسة وهذا ما كنت أتوقع عند سماع صوته في الهاتف

رجل متواضع وبسيط , تعارفنا وتبادلنا بعض الأحاديث العامة عن السياسة

والأدب وحتى الطقس ثم حمحمت وقلت

" سيد شاهد أنا جئت طالبا للقرب فأرجوا أن ألقى منكم الرد الذي يريحكم ويسعدني "

قال مبتسما " في أي ابنتاي !! "

قلت بابتسامة " حد علمي أن إحداهما ليست ابنتك "

قال " نعم ولكنها في مقامها , بل أكثر "

ضحكت وقلت " لو سمعتك ابنتك لأصبحت في مشكلة "

قال بضحكة " تسمعها منا في كل وقت "

قلت " لو كنت قادماً من أجلها فستنفرني منها , لا تقطع نصيب ابنتك "

ضحك وقال وهوا يقدم لي صينية العصير

" قلت ما قلت لأني متأكد أنك لا تقصدها هي "

قلت بحيرة وأنا أتناول كأساً منها " كيف علمت !! "

ضحك كثيرا ثم جلس وقال

" لم يخطبها واحد يشبه خُطاب الأخرى , كلهم مصروعين وبلا عقل مثلها "

لم استطع إمساك نفسي عن الضحك فقال بهدوء " إذا قمر تقصد "

قلت " نعم ولي الشرف بنسبكم "

قال " يعجبني حسن لباقتك وأسلوبك وأنت شخص محترم ومعروف ولكن

لما أنت وحدك هنا اليوم "

ها قد جئنا للسؤال الصعب والمرتقب , قلت " سأكون وحدي دائماً "

نظر لي بحيرة ثم قال " لو كانت ابنتي المقصودة لرفضتك فوراً ليس لعيب بك و ..... "

قلت مقاطعا له " أحترم رأيك ولكن هذه حقيقة حياتي ولن أكذب فيها أنا وحيد "

تنهد وقال " القرار لقمر وحدها ولن أتدخل في شيء وكما قلت لك لو

كانت ابنتي المقصودة ما وافقت على هذا "

ثم قال بهدوء " وهناك ما عليك معرفته قبل كل شيء وقبل حتى أخذ رأيها "

نظرت له بحيرة فقال " منذ ثلاثة سنين تعب قلب قمر ونقلناها لألمانيا لإجراء جراحة

عاجلة وخطيرة كادت خلالها أن تفقد حياتها ونجحت الجراحة بنسبة فوق المتوقعة لكن

ثمة عملية بسيطة علينا إرجاعها لتجريها بعد عامين من الآن "

بقيت أنظر له بصدمة وحيرة , مؤكد ستكون هذه النتيجة المحتملة فما كان لذاك

القلب أن يستحمل كل ما مر به , ولكن مهلا منذ ثلاث سنين أي حين تركتني

أيقضني صوته من شرودي قائلا " لم أسمعك علقت على الأمر "

قلت " وما المشكلة مادامت العملية ناجحة "

قال بعد صمت " على قمر أن لا تنجب قبل العملية الأخرى لأنها ستموت حينها أما

بعد الجراحة فلا بأس والخيار لك "

قلت بهدوء " إذا انتظر ردها "

ابتسم بارتياح وقال " على بركة الله وأتمنى أن لا تلقى نفس مصير سابقيك فكم رفضت

من لو أنها ابنتي لأجبرتها على الزواج بأحدهم "

ضحكت وقلت " يبدوا لي ابنتك ستتزوج خارج رغبتها "

ضحك وقال " قد تتزوج قمر ويلتفت لها أصحاب العقول الراجحة "

أستغرب من هذا الرجل كيف يتكلم معي في مواضيع حساسة كهذه وهوا لقائنا الأول

يبدوا عفويا جداً , ودعته وأصررت على أن لا يرافقني حتى الباب , نادى على ابنه

ليوصلني كما جاء بي فقفز من فوره أمام الباب وكأنه كان بجانبه وقال دون أن يخبره

والده " تفضل معي يا سيد الباب من هنا "

هههههه هذا الفتي يخلط الأمور حقا وهذه العبارة كان عليه أن يقولها لي عند دخولنا

فهل المعلم فاشل أم الطالب بطيء فهم

رافقني للباب وعيناه معلقتان بي حتى وصلنا للخارج فخرج معي ثم قال

" هل ستتزوج من قمر "

نظرت له باستغراب فقال " الزوجان ينامان معا أليس كذلك "

قلت بحيرة " من علمك هذا "

قال مبتسما " أعلم لوحدي "

قلت " ولما تسألني إذاً "

قال بحزن " لأن قمري تبكي كثيرا في الليل وترى الكوابيس "

نظرت له مطولاً بصمت وضياع ثم قلت " هي من أخبرك بذلك ؟!! "

هز رأسه بلا وقال " لا سمعت أمي ونوران يتكلمان في ذلك , إن تزوجت

بها فلن تنام وحيدة ولن تخاف في الليل أليس كذلك "

ابتسمت وقلت " وهل تخبر كل من خطبها بذلك "

هز رأسه بنعم فقلت ضاحكاً " ستقطع نصيبها على هذا الحال "

ثم وضعت يدي على كتفه وقلت " مؤمن لا يجوز أن نتحدث عن ما نسمع أو

يجري داخل المنزل مع الغرباء وأنت رجل والرجال لا يفعلون ذلك "

سرت أساريره بكلمة رجل حتى كادت أزرار قميصه تتقطع وقال

" نعم رجل ولن أتحدث "

ضحكت وغادرت منزلهم , تبدوا قمر الطفلة لم تمت فيها ولو ليلا فقط

ومضت بي أيام الأسبوع أنتظر حتى وردني اتصال من زوج عمتها ليزف لي

خبرا صعقني به بلا رحمة
 
الفصل السابع+ الثامن

كنت جالسة على سريري أقرأ كتاباً وعقلي مسافر لذاك اليوم بل لذاك اللقاء بيننا

في المكتبة , كانت ملامحه ونظراته غريبة ليس كالمرتين السابقتين !!

آه كم يبعثرني هذا الرجل ولا يعلم ما يصنعه بي إن ضحك إن ابتسم إن تحدث

أو سكت , في كل أحواله يسلب عقلي ويغادر به , لما حتى الصدف تريد أن

تزيد احتراقي , ترى ما عناه حين قال ( هل الكتاب فقط ) ما يعني غير الكتاب !!

دخلت حينها عمتي عليا الغرفة وقالت بابتسامة " قمر هل أنتي مشغولة "

ابتسمت ووضعت الكتاب جانباً قائلة " لا , وحتى إن كان كذلك فأنتي أهم "

اقتربت ووضعت يدها على رأسي وقالت " ما أكبر هذا العقل وما أجمل هذا الوجه "

قلت مبتسمة " يبدوا لديك شيئاً "

ضحكت وقالت " كم أتمنى أن أخفي عنك شيء ولا تريه في ملامح وجهي "

ثم جلست وأمسكت يدي وقالت

" قمر لقد خطبك أحدهم من عمك وهوا طلب أن آخذ رأيك كي لا تخجلي منه "

قلت بحياء " هوا يضن أني كنت أرفض لأنه هوا من يتحدث معي , أليس كذلك "

قالت رافعة كتفيها " يبدوا ذلك "

رفعت شعري خلف أذني وقلت بهدوء " من الخاطب ..؟ "

قالت بابتسامة وهي ترفع باقي شعري

" في السابق كنتي ترفضين مباشرة دون سؤال فما تغير الآن "

قلت " لا أعلم !! أليس من حقي أن أعرف "

قالت من فورها " بلى , إنه الكاتب رائد المنذر "

نظرت لها بصدمة كادت تخرج معها عيناي وقلت بهمس مخنوق " رائد "

قالت " نعم تحدث مع عمك اليوم "

شعرت حينها بكبر حجم الكلمات التي قالتها وأني لا أستطيع استقبالها , لم يكن عقلي

مُعداً لاستقبال أمر كهذا بعد أن فقد الأمل منه منذ سنين , بقيت أرمش ونظري على

عينيها دون أي ردة فعل أخرى وهي تنظر لي بحيرة ثم قالت

" قمر ما بك هل تختبرين قوة رموشك "

ضحكتُ وضحكَتْ هي معي واستمررنا في الضحك حتى تحول لبكاء فحضنتني وقالت

" قمر ما بك بنيتي حتى الضحك تختمينه بالبكاء "

غصت في حضنها أكثر وقلت " من جاء يخطب من الثلاثة قمر أم ضوء القمر أم نورسين "

قالت " أنا لا أفهم مما تقولين شيئاً "

ابتعدت عن حضنها مسحت دموعي وقلت " موافقة "

نظرت لي بصدمة وحيرة ودهشة وكل شيء من ذلك كله ثم قالت " متأكدة !! "

قلت " نعم ولما استغربتِ "

قالت بحيرة " ألن تفكري قليلا لتتخذي قرارك , هذا زواج ولا يكون القرار فيه بسرعة هكذا "

هززت رأسي بلا وقلت ممسكة يديها " لا عمتي لن أغير رأي , هوا قدري لي أنا "

نظرت لعيناي مطولاً بصمت ثم قالت " هوا ذاك الشخص إذاً "

أعدت يداي لحجري ونظرت لهما في صمت فوضعتْ يدها على كتفي وقالت بهدوء

" قمر قد لا تكون الحياة معه كما تريدين وقد لا يسعدك , لا أريد لك

التعاسة يكفيك ما رأيته في حياتك بنيتي "

نظرت لها من فوري وقلت وعيناي تمتلئان بالدموع

" حتى لو كنت سأعيش معه تعيسة فأنا راضية لأنه وحده من سينتزع تلك السنين

من قلبي وحده الشيء الذي سيملأ الهوة الفارغة في داخلي "

قالت بحنان ماسحة لدموعي

" الأمر لن يكون سهلاً بنيتي الزواج ليس كالعلاقات العابرة وأنتي

لم تجربي ذلك فلا تستهيني بالأمر "

ارتميت في حضنها وقلت ببكاء

" لا أتخيل هذا العالم من دونه عمتي لا أستطيع تصور حتى أن يكون

لامرأة أخرى غيري لأنني سأموت "

مسحت على شعري وقالت " كما تريدين يا قمر المهم أن تكوني مرتاحة وسعيدة "

ثم أبعدتني عن حضنها قبلت خدي مبتسمة وغادرت من فورها فارتميت على السرير

أشعر بكل المشاعر تدفق مرة واحدة فكان أولها أن أدمعت عيناي وشعرت بأنفاسي

تتقطع في صدري فهذه هي أنا الحزن أول شيء يزورني وآخر من يغادر مني

احتضنت الوسادة أغمر وجهي فيها وأبكي بصمت

وها قد حمل لي هذا اليوم ذاك الخبر الذي لم أتوقعه ولم أتخيله , رائد يريدني زوجة له

بالتأكيد لم تكن المقصودة قمر التي أحبته ولا ضوء القمر التي أحبها ولكني لم أهتم

ولم يخبرني هذا اليوم أنه جاء لخطبة ثلاثتهم

ولم تغب عمتي طويلا حتى دخلت نوران الغرفة وبالطبع علمت بكل شيء من

الجاسوس مؤمن فهوا لا يفوته شيء مما يدور في مجلس الضيوف ولو لم تكن

غير موجودة في المنزل لجاءتني قبل والدتها

دخلت بوجه مصدوم وقالت بتلعثم " لقـ لقـ لقد خطبك "

جلست وقلت " نعم اعلم "

اقتربت ووقفت أمامي وأنا جالسة فوق السرير وقالت " وهل أنتي موافقة "

قلت وعينيا على أصابعي تلعب بطرف اللحاف " نعم "

قالت بصوت مندهش

" نعم !!! وماذا لو اكتشف أنك ضوء القمر وماذا لو كان يعلم بذلك الآن "

نظرت لها بصمت فقالت بحدة " تكلمي يا قمر ماذا لو كان يعلم "

أشحت بنظري عنها وقلت " لا يهم "

جلست بجواري وأمسكت وجهي ووجهته ناحيتها وقالت

" قمر لا تركضي خلف مشاعرك سيجعلك تكرهينه حينها وتكرهين

نفسك أكثر من كرهك لها الآن "

قلت " لا يهم "

قالت بصراخ غاضب " اقسم أنك جننتي يا قمر "

أبعدت يداها عن وجهي وقلت بصراخ باكي

" نعم لا يهم أنتي لا تشعرين بي فلو جعلني أكرهه ولو كرهته يوماً فسأموت وسأكون

ارتحت في كلا الحالتين , أنا أحبه يا نوران أحبه بجنون افهميني , حياتي معه وحده

حتى لو أذاقني الأمرين , وسوف أجن لو كان لغيري "

وقفت واضعة يديها وسط جسدها وقالت " أين باقي المفكرة "

قلت ببرود " تخلصت منها "

قالت بحدة " هل معهم ورقة مقصوصة "

قلت بذات البرود " لا أعلم "

خرجت تردد بغضب " تحملي نتائج قرارك إذاً "

مسحت دموعي وارتميت على السرير أخفي وجهي بذراعي

لما لا يفهمني أحد !! لما لا تفهمون أن حياتي معه أو لا حياة لي فلا يمكنني العيش

كما يريدون مني أن أكون فأنا أصبحت مجرد قطعة منه , تعيش به أو لا تعيش وتكون

له أو لا تكون فكل التفاصيل في حياتي مرتبطة به من طفولتي لمراهقتي لصباي فكيف

أكون تهورت أو تسرعت !! كيف يأتي إلي بإرادته وأرفضه , هم يهدون بالتأكيد

جلست ببطء عدلت شعري ونزلت للأسفل وجدت مؤمن يُقسم باقة زهور على

مجموعات اقتربت منه وقلت " ماذا تفعل ومن أحضر هذه الباقة الجميلة "

قال وهو مشغول بفرز الألوان والأنواع " الرجل الذي طلبك للزواج "

قلت بابتسامة " ولما تُقسمها هكذا "

قال " ليأخذ كل منا حصته أنتي وأنا ونوران ووالداي "

ضحكت وقلت واضعة يداي وسط جسدي

" ولما ليست لي , هوا جاء لخطبتي يعني الباقة لي "

قال راميا بيده اتجاهي وعيناه على الأزهار

" لم يقل خذها لقمر قال خذها للداخل "

قلت بضحكة " حسناً دعنا نضعها في المزهرية إذاً "

نظر لي وقال بضيق " قمري لما لا تتركيني أعمل بتركيز "

ضحكت وقلت " حسناً توبة "

احتضنت حينها يد كتفي وجاء صوت عمتي قائلة بحنان

" حمداً لله أن عشت لأسمع أكثر من ضحكة في نفس الدقيقة مصدرها شفتا قمر "

طأطأت راسي بخجل فمسحت جبيني لترفع غرتي من أن تخبأ عيناي وقالت بحب

" قمر انظري إلي "

رفعت رأسي لها فأزالت يدها لتسقط الغرة على جبيني من فورها وقالت بهدوء

" أسعدك الله يا ابنتي لو علمت به لأحضرته رغماً عنه منذ سنوات "

رفعت شعري خلف أذني و أخفضت عيناي خجلاً فقالت

" قمر تعالي نجلس لدي ما أقوله لك "

نظرت لها بحيرة ثم توجهنا لأقرب أريكة وجلسنا عليها فقالت ناظرة لعيناي

" هناك ما يجب عليك معرفته فحين رأيت منك الموافقة من فورك وعلمت من يكون

بالنسبة لك قررت أن لا أخبرك ولكن عليك أن تعلمي في كل الأحوال "

لذت بالصمت فتابعت قائلة " رائد جاء اليوم وحده لخطبتك وقال لعمك أنه لن يكون

إلا وحيداً في المرات القادمة ولم يُفصح عن السبب وعلم منه عمك أن له والد وأخ

أكبر منه وأخوات وزوجة والد ولم يأتي أحد معه ولن يأتوا أبداً "

لذت بالصمت مطولاً بشرود , كيف ذلك ألم يرجع إليهم !! ولكنها ....

وصلني صوت عمتي قائلة " قمر أين ذهبتِ "

نظرت لها وقلت " وهل سأتزوجه هوا أم عائلته "

تنهدت وقالت " كنت أعلم أن هذا لن يغير في رأيك شيئاً ولكن كان عليا إخبارك

والقرار لك ومادمتِ موافقة فسيتصل به شاهد الأسبوع القادم ليخبره "

ثم وقفت مغادرة من فورها وعيناي تراقبانها وسمعتُ صوتاً متضايقا من خلفي يقول

" قمر هلا تحدثنا قليلا "

وقفت والتفتت لها وقلت بحيرة

" نوران لما لستِ سعيدة من أجلي أنا أستغرب ذلك "

قالت بأسى " لأني لا أريد أن يخدعك قلبك ثم تكتشفين شيئاً لم تتخيليه فيه "

نظرت لها بضياع فقالت ممسكة ذراعاي " قمر أخبريه بكل شيء أرجوك يا قمر "

هززت رأسي بلا دون كلام فقالت بجدية وهي تهزني

" قمر عليك إخباره لما كل هذا الإصرار أو اخبره أنا "

قلت بحدة " لا يا نوران لا تفعليها "

قالت ببرود مبعدة يداها عني " على إحدانا أن تفعلها ولك أن تختاري "

نظرت لها بصمت فقالت بجدية " افعليها أنتي أو فعلتها أنا "

قلت " ليس قبل أن أعلم إن تذكرني أو عرفني "

قالت " وإن كان يذكر قمر "

قلت " سأخبره "

حضنتني حينها وقالت بفرح " إذا مبارك لك يا قمر يا شقيقتي "

" انتهييييييييت "

كان هذا صوت مؤمن الصارخ بمرح وقد وزع علينا كل واحد مجموعة يأخذها رغماً عنه

وقد نامت تلك الزهرات في حضني طوال تلك الليلة وكأنها دليل الحلم الذي بات حقيقة

وبعد مرور أيام اتصل به عمي شاهد ليخبره بموافقتي وبعدها بأيام قليلة زار عمي ليتفق

معه على كل شيء وأخبره أنه لن يقيم حفل زفاف ولم يكن ذلك يهمني وحدد معه موعد

الزواج وأصر أن يكون بعد شهر واحد فقط فقضيت ذلك الشهر أنا ونوران نركض في

الأسواق لنشتري كل ما يلزمني وقد اصطحبتني مكرهة لصالونات العناية بالبشرة والشعر

لم أكن أحتاجهم لولا إصرار العنيدة نوران وحينما دخلت لهم استغربوا قدومي

وكانت أيام ذاك الشهر تمر عليا كالسنين غير مصدقة ما أنا فيه فلو أخبر أحدهم قمر

الطفلة الجالسة على العلبة الحديدية في ذاك السطح أن من يُلقي عليها الدروس حينها

سيصبح زوجها يوماً لكذبتهم بكل تأكيد , ولو أخبر أحدهم ضوء القمر أن من تحادثه

عبر الانترنت مترددة حتى في أن تخبره من تكون , لا وخذلته وكسرت قلبه , بأنها

ستعود إليه لما كانت أحد نُزل مستشفى القلب الألماني تلك الأيام

انتظرت طوال ذاك الشهر أن يتحدث معي عبر الهاتف ولكنه لم يفعل ولم أفعلها أنا

وبعد كل ذاك الانتظار جاء اليوم الموعود وفي الصباح دخلت عليا نوران متضايقة

فقلت باستغراب " ما بك يا نوران ماذا حدث ؟! "

قالت بضيق " زوجك المصون "

قلت بحيرة " ما به ومنذ متى صار زوجي !! "

تأففت ثم قالت بضيق أكبر

" منذ قليل وقال أنه لا يريد أن تتزيني وأن تذهبي معه بملابسك هذه "

نظرت لنفسي مطولاً ثم لها وقلت بصدمة " بملابسي !! "

قالت بغضب " غريبو أطوار حقاً أنتم معشر الأدباء لما يرفض أن ترتدي فستان الزفاف وتتزيني "

قلت بعد صمت " إن كان لا يريده فلمن سألبسه ولا حفل هناك ولا أحد غيره "

قالت بصدمة " هل توافقين على ما يقول "

جلست على السرير وقلت بحزن " لا طبعاً فمن التي لا تحب أن تتزين لزوجها وترتدي

الفستان الأبيض لكن لمن ألبسه إن كان لا يريده "

قالت بحدة واضعة يديها وسط جسدها " لنفسك طبعاً , قمر عليك أن لا تبدئيه على نفسك كي

لا يستصغرك , خُديها نصيحة مني لا تكشفي مشاعرك له قبل أن تعرفي مشاعره اتجاهك "

تنهدت وقلت " يبدوا عليا فعل ذلك "

قالت بغيض " سحقاً ... لو لم يكونوا عقدوا بينكما لرفضناه الآن "

نظرت لها بصدمة فضحكت وقفزت بجواري على السرير واحتضنتني وقالت

" سأشتاق لك يا قمر وسأفتقدك "

ابتعدت عنها مسحت دموعي وقلت " وأنا كذلك لقد اعتدت عليكم جميعكم "

قالت بنصف عين " يا عيني ومن التي كادت تموت فرحاً لأنها ستذهب مع حبيب القلب "

ابتسمت بصمت فقالت " ماذا سترتدين إذاً , علينا أن نختار شيئاً "

قلت بحيرة " لا أعلم ما سيكون مناسباً !! "

قالت بحماس " لا بأس فمازال أمامنا النهار بطوله جربي كل شيء لنختار "

قلت بصدمة " كل شيء !! "

قالت غامزة بعينها " فيما عدا قمصان النوم طبعاً "

رميتها بالوسادة وقلت " يا لك من وقحة "

وقضينا أغلب الوقت نفتش بين الفساتين حتى تعبت من كثرة القياس ووقع اختيارنا أخيراً

على فستان أحمر اللون بحمالات من الكريستال ومشبك كريستالي عند الصدر مخصر

وواسع من الأسفل يصل طوله فوق الركبتين بقليل ورفعت لي غرتي جانبا ممسكة إياها

بمشبك كريستالي أحمر لتسقط منها خصلات كثيرة على جبيني ووزعت وورود حمراء

صغيرة على شعري البني الطويل وتركته مفتوحا ثم قفزت أمامي وقالت

" بعض الحمرة وكحل للعينين الجميلتين وننتهي "

قلت " حسناً ولكن لا تبالغي تَعلَمي أني لا أحب ذلك "

ضحكت وقالت " يبدوا أنك وقعتي على شبيهك , حسناً لن أُكثر "

دخلت حينها عمتي وقالت بدهشة " ما شاء الله لم يخطأ والدك حين سماك قمر "

قلت بحياء " شكراً عمتي "

قالت " لو كنتي تزينتِ فكيف ستكونين , لو فقط تركنا ننعم بذلك "

قلت " حتى هذا يكفي تعرفينني أحب الأشياء البسيطة "

احتضنتني وقالت " ليسعدك الله يا ابنتي , قمر اعتني بنفسك جيداً وبزوجك وعليك

أن تعلمي أن الحياة تحتاج للتحمل والصبر فليس كل ما نريده نحصل عليه "

قلت ببكاء " سأشتاق لك عمتي , شكراً على كل ما فعلتموه من أجلي "

أبعدتني عن حضنها وقالت " قمر لا تنسي الحبوب خديها بانتظام لقد شرح شاهد

الأمر لزوجك , عليك أن تكوني حذرة بنيتي كلها عامان فقط "

قلت بحياء وعيناي أرضاً " حسناً "

ناولتني عباءتي وقالت " هيا فرائد وعمك ينتظران في الأسفل "

أخذت العباءة لبستها وارتديت حجابي فهمست لي نوران قائلة

" قمر تحدثي معه في الأمر سريعاً أرجوك "

نظرت لها بحيرة فقالت بمرح " بسرعة انزلي له , ها قد تخلصت من قمرهم أخيراً "

ضحكنا معا ثم نزلت للأسفل فأول ما وقعت عليه عيناي كان رائد فكادتا تدمعان لرؤيته

فهما لا تعرفان شيئاً ما أن تريانه إلا الدموع , كان أنيقا ووسيما ورائحة عطره تملأ

المكان بل الشعور بوجوده يتخطى الشعور بالأمكنة , وأخيراً أنت لي يا رائد اسمي مرتبط

باسمك لأكون لك أنت ولتكون أنت لي وتخصني لي وحدي , كم هي عجيبة هذه الحياة

نزلت واقتربت منهم فاحتضنني زوج عمتي بحنان وقال

" قمر يا ابنتي سامحينا على إهمالنا لك كل تلك السنين "

قلت بدموع " شكراً لكم على كل ما فعلتموه من أجلي لن أنسى لكم ذلك ما حييت "

ثم ابتعدت عنه واحتضنت مؤمن فقال " وداعاً يا قمري وزورينا غداً صباحاً "

ضحكنا جميعنا ثم وضع رائد يده على كتفي وقال " وداعاً الآن ونراكم قريباً "

قال عمي شاهد " رافقتكم السلامة واعتنيا بنفسيكما وببعض "

خرجنا سوياً فتح لي باب السيارة فركبت سيارته وأول شيء يخصه أشاركه فيه ومضينا في

صمت تام وعيناي على أصابعي التي أحركها بتوتر وأشدها مع بعضها فجاءني صوته قائلاً

" قمر لقد رفضتِ الكثيرين فلما وافقتِ علي "

نظرت له بصدمة وحيرة واستغراب دون كلام أبحث في ملامح وجه عن سبب لهذا السؤال

أو عن تفسير لما سمعت فقال ببرود " أليس لديك جواب أم أقول أنا "

قلت بصدمة " ماذا ستقول ؟!! "

تنهد وقال " لا شيء "

عدت بنظري للأسفل في صمت وضياع من نبرة صوته وسؤاله , وصلنا المنزل دخل

وأنا أتبعه أشعل الأنوار وخلعت عباءتي وحجابي ببطء ووضعتهما على الأريكة التفتت

للخلف ليقول شيئاً فسكت فجئه ينظر لي بتفحص يتنقل بين كل جزء صغير مني وأنا أكاد

أموت خجلا وعيناي سافرت أرضاً ثم شعرت به يقترب حتى وقف أمامي يكاد يكون

ملتصقا بي لأشعر بكل مفصل من مفاصل جسدي يتوتر بشدة ليلحقها توتر أنفاسي المتلاحقة

كم هوا معذب قربه وكم هي حارقة أنفاسه فلم أتخيل الاقتراب منه يكون بهذه القوة القاتلة

والحرارة الحارقة , كنت أعدل طرف الفستان ثارة وأتأكد من حمالته ثارة أخرى وأرفع شعري

خلف أذني محاولة إخفاء توتري وتشتيت نظري بعيداً عنه , تخللت أصابعه في شعري ومد

يده جانبا لتعبر أصابعه في شعري حتى نهايته ليسقط على كتفي وكأنه يختبر طوله مكرراً

لذلك عدة مرات في صمت تام ثم مرر أصابعه على ذقني لنهاية فكي اليمين إلى رقبتي ثم

كتفي وأنفاسه تزداد قوة ودقات قلبي تكاد تتفجر من لمساته وقربه أغمضت عيناي برفق فلم

تعد لدي أي طاقة لتحمل كل هذه الحرب النفسية الباردة

مرر أصابعه تحت ذقني ببطء ثم رفعه ليقابل وجهي وجهه وعيناي على حالهما مغمضتان

شعرت بأنفاسه تتخلل أنفاسي حتى بث أتنفسها هي بدلاً عن الهواء وارتجف كل جسدي حين

شعرت بشفتيه تلامس شفتاي حتى كدت أفقد وعيي , لما لم يخبرني أحد أن هذه الأمور قاتلة

هكذا ومدمرة , وما هي إلا لحظة وابتعد وابعد يده فجأة وابتعد عني بضع خطوات

وقال مشيرا بأصبعه " تلك غرفة النوم هناك "

ثم دخل غرفة أخرى كان يبدوا عليها غرفة مكتب , تنفست بقوة من تأثير الإعصار المدمر

داخلي لاقترابه مني كانت يدي على صدري ونفسي يخرج قويا , سحقا لعنفوان رجولتك

يا رائد لقد أحرقني

دخلت للغرفة التي أشار كانت جديدة ومرتبة أدخلت حقيبتي وجلست أنتظر وطال

بي الانتظار لتتحول الساعة لاثنتين وثلاث فتحت الحقيبة ورتبت ملابسي في الخزانة

وانتهيت بعد جهد ووقت ولم يدخل رائد هنا ولم يغادر تلك الغرفة

احترت ما ارتدي فقررت ارتداء بيجامة قطنية خياراً اقل إحراجاً , استحممت ولبستها

وجلست انتظر الغائب الذي لم ولن يأتي على ما يبدوا عليه , خرجت أتسلل بهدوء

اقتربت من تلك الغرفة فكانت مضاءة طرقت على الباب بخفة فوصلني صوته قائلا

" نعم يا قمر "

قلت بهدوء من خلف الباب " رائد هل أنت بخير "

قال " نعم نامي أنتي أنا مشغول قليلا "

كان صوته جافاً وبارداً كالجليد عدت للغرفة تسحبت تحت اللحاف وبكيت في أول ليلة لي

معه الليلة التي الدموع آخر ما كنت أتوقع أن تكون فيها حتى غلبني النعاس , عند الفجر

استيقظت ولم يكن بجانبي ولم يزر الغرفة على ما يبدوا لكنت شعرت به , دخلت الحمام

توضأت وصليت أولاً كعادتي ثم استحممت وارتديت فستاناً قطنياً قصيراً أبيض اللون به

رسوم لفراشات وأوراق شجر متساقطة جمعت شعري وربطته بشريطه خضراء كعادتي

التي أحب وخرجت من الغرفة فصُدِمت به ينام على الأريكة في الصالة

اقتربت منه وقلت بصوت هادئ وهامس " رائد "

فتح عينيه مباشرة ينظر لوجهي بتركيز وكأنه مصدوم من وجودي هنا فقلت بحياء

" إنها الصلاة لقد فآتتك منذ وقت "

جلس من فوره مسح وجهه ثم دخل الحمام الفردي في الصالة , توجهت للمطبخ لأعد شيئاً

للإفطار , لست اعلم إن كان يتناول الإفطار عند هذا الوقت أم يعود للنوم وما يأكل عند

الفطور , تنقلت في المطبخ وغيرت ترتيب بعض الحاجيات كما يناسبني ثم خرجت بحثا

عنه لأسأله , دخلت غرفة النوم فوجدته نائماً وقفت أنظر له بصدمة فقال مغمضا عينيه

" لا تصدري الكثير من الأصوات في البيت لا أعرف النوم إلا في الهدوء "

كانت تلك الكلمات بنفس تلك النبرة الجافة الباردة , فهمت المقصد أخرجي ولا تعودي

حتى أستيقظ , خرجت وجلست في الصالة لوقت طويل أشاهد التلفاز دون صوت ثم

دخلت للمطبخ وأغلقت الباب وأنهيت باقي الترتيب فيه , بعد ذلك سمعت صوت باب

غرفة النوم يُفتح خرجت من المطبخ فوجدته يجلس يشاهد التلفاز فقلت بهدوء

" هل أحضر لك فطوراً "

قال وعيناه على التلفاز " كوبا من الشاي وأكثري السكر "

عدت من فوري للمطبخ تنهدت وأعددت الشاي له , عليا أن استحمل قليلا حتى أفهم لما

يتصرف معي هكذا فقد استحملت في حياتي أكثر من هذا بكثير ولكن هذا جارح أكثر من

كل تلك الأمور , مسحت دموعاً بدأت بالتسلل من عيناي وقلت مساندة لنفسي

( ما كنت سأكون أحسن حالاً وأنا بعيدة عنه )

خرجت له بالشاي وضعته أمامه على الطاولة فتدلت جديلتي لتنزل عليها فأمسكتها

ورميتها خلف ظهري وعيناه تتفحصني بتركيز , ابتعدت وجلست مبتعدة عنه وعيناي

على التلفاز مثله وقلت بعد وقت " المنزل يحتاج بعض الأغراض "

قال دون أن ينظر إلي

" اكتبيها في ورقة وسأحضرها فيما بعد فلا محال قريبة هنا لتجلبيها منها "

كان يقلب القنوات دون تركيز أو اهتمام لما يُعرض فيها رمى بعدها بجهاز

التحكم جانبا وخلل أصابعه في شعره رافعا رأسه للأعلى ونظره للسقف وقال

" خروج من دو أذني ممنوع , كثرة أسئلة أين ذهبت متى تعود لا أريد

عندما أكون مشغولاً في مكتبي لا أحب أن يزعجني أحد "

كنت أنظر له بصمت وعيناي تتفحصان ملامحه تقاوم الدموع من أن تنزل وكل ما

أحاول جاهدة فعله أن أمنع عقلي من أن يَغرس له صورة معاكسة لرائد طفولتي

وقف بعدها أخذ مفتاح سيارته ومحفظته وهاتفه المحمول وغادر , وصل عند نهاية

الصالة ثم وقف وقال معطيا ظهره لي " لا تنتظريني على الغداء "

وخرج من فوره وتركني خلفه كقطعة من قطع هذه الأثاث ولم يشرب حتى الشاي

الذي أعددته له , تنهدت بأسى ... هل ستستحملين هذا يا قمر !!!

يبدوا لي هذه هي أطباعه , ولكن يستحيل أن يعامل عروسه هكذا مهما كان سيئاً

وقفت وحملت كوب الشاي الوحيد المهمل مثلي , رشفت منه رشفة ثم أخرجت لساني

متقززة وقلت بقرف " يع كيف يشربه هكذا , هذا سكر بالشاي وليس شاي بالسكر "

ثم ابتسمت بحزن ودخلت المطبخ , أليس هذا مناك دائماً يا قمر أن تدخلي عالمه

وتكتشفيه فها هي الاكتشافات السيئة تتوالى عليك

قضيت الوقت في ترتيب المنزل رغم أنه شبه مرتب تماماً وغسلت ثيابه ولم أتناول

شيئاً فلم أجد رغبة في الطعام , مر وقت الغداء والعصر واقترب المساء ولم يعد

دخلت الغرفة استحممت وارتديت بيجامة قطنية ببنطلون قصير وقميص ضيق

وحمالات رقيقة كانت بسيطة توجهت عند الخزانة وقفت ونظرت لنفسي في المرآة

أنا أعشق دائماً ارتداء الفساتين عن باقي الثياب لكني الآن لي شريك في اختيار

ثيابي وقد يعجبه هذا أكثر , ابتسمت بألم على أفكاري وابتعدت من أمامها

وهل يكترث لما أرتدي !! هوا لم يعلق بشيء لا البارحة ولا اليوم , مشطت شعري

وأمسكت أحمر الشفاه ثم رميته على طاولة التزيين .... يبدوا لي لا داعي له

خرجت من الغرفة للمطبخ فليس غيرهما لي , كان هناك قفص جميل لعصفوري زينة

باللون الأصفر والأخضر الزيتوني , طوال الصباح كانا داخل منزلهما ولم يخرجا إلا الآن

وقفت أشاهدهما بسرور , كم هما جميلان ويفعلان حركات عشوائية ومضحكة ويزقزقان

بتناغم جميل حتى غطى صوتهما على كل الهدوء المميت هنا

وضعت أصابعي على القفص محاولة لمس ريش أحدهما فتسللت يد ماره بساعدي فارتجف

قلبي من الخوف وشهقت شهقة صغيرة من الفزع , كيف لم أشعر بقدومه ولا دخوله !!

وصلت أصابعه ليدي وجسده ملتصق بي وهوا يقف خلفي ثم أبعد أصابعي قليلا ببطء

وهمس في أذني " لا تقتربي له من هنا سوف يؤذيك "

حرك يدي حتى القضبان خلفه وقال بذات الهمس " أدخلي إصبعك , يمكنك لمسه من هنا "

كانت أطرافي مخدرة تماماً من قربه وهمسه فعن أي إدخال لإصبعي يتحدث أُقسم

لو قاس لي نبض قلبي لوجده متوقف تماماً عن العمل , قلت بهدوء

" لم أعد أريد ذلك لقد خفت منه لم أتخيل أنه يؤذي "

شد على يدي بقوة مخللا أصابعه في قطبان القفص وهي بينهم وبين يده حتى شعرت بالألم

فيها من ضغط الحديد عليها ومرر يده الأخرى على خصري بهدوء يشدني إليه

استنشق عنقي بقوة ثم انتقل لأذني وهمس فيها " ما العمل أخبريني ؟!! "

عاد قلبي من توقفه وعادت دقاته تضرب في أذناي بقوة فقلت بهمس

" ما العمل في ماذا أنا لا أفهمك !! "

عاد للصمت دون أن يجيب وأنفه لازال يستنشق عنقي بنهم حتى أفقدني حواسي ثم ابتعد

عنه فجئه وكأنه كان نائماً واستيقظ لنفسه , سحب يده من القفص وحررني من قبضة يده

الأخرى ومد يده للقفص مسندا لها بكتفي وقال ببرود وهوا يدير القفص بإصبعه

" هل تعلمي أن هذه الأنثى إن مات ذكرها تموت ولا تعيش بعده "

سكتَ قليلا ثم أبعد يده وقال بعدها بسخرية

" هُم بلا عقول ويعلموننا درساً في الوفاء , يالها من مهزلة "

طأطأت رأسي أرضاً في صمت ثم قلت بهدوء

" بل نحن البشر أوفى منهم , فهي لا تموت وفاءً له بل لأنها على هذا فطرها الله "

ساد صمتٌ غريب حتى ظننته خرج من هنا فالتفتت للخلف بسرعة فكان واقفا مكانه

عدت خطوتين للوراء انظر لعينيه بضياع لتمتلئ عيناي فوراً بالدموع دون نزول

كنت أبحث في عينيه عن نفسي عن ذاتي الضائعة بل وعنه هوا أيضاً لأني لم أعد

أفهمه وكانت عيناه تتنقلان بين عيناي وكأنه يبحث فيهما أيضاً عن شيء ما

فسرقت نفسي من عينيه ونظرت لصدره العريض المكان الذي طالما احتجت اللجوء إليه

احتجت أن أبث همومي فوقه أن يحتويني ويمسح دموعي المتسللة على صفحات ضلوعه

المكان الذي كنت أراه بعيدا عني كل البعد والآن لا تفصلني عنه سوى إنشات بسيطة

ملكي ... لي أنا ... لا أحد يحاسبني إن اقتربت منه , ولكن كيف !!! فهذا لا يزال مستحيلاً

فما أصعب أن يكون الشيء الذي كنت تراه بعيداً عنك طوال عمرك بين يديك في لحظة

ولكنه لازال بكل ذاك البعد

طأطأت راسي أرضاً فمد أصابعه لذقني ورفع وجهي إليه لتعود عينانا للتعلق ببعضهما

من جديد فتسللت دمعة واحدة لرموشي مسحها بإبهامه وقال " حتى الآلات التي اخترعها

البشر تعجز عن فك رموز نظرات العينين فما الذي تريدين قوله بهما يا قمر "

نظرت للأسفل مسحت عيناي ثم نظرت له في صمت فمسح بيده على وجهي ثم على

شعري وشد رأسي لحظنه لأتكئ بهدوء على صدره وكأنه قرأ ما لم تقرأه ألآلات البشرية

بل ما لم تقرأه حتى عيونهم يوماً في حزن عيناي واحتياجهما إليه

طوقني بذراعيه برفق فنزلت دموعي تروي لتلك الأضلع مالا أستطيع قوله والبوح به

شددت قميصه بقبضة يدي بقوة وغمرت وجهي في صدره وسافرت لبكائي المعتاد

الطويل مع فارق كبير جداً هذه المرة أنها ليست الوسائد وشراشف السرير من تحتضن

هذه الدموع , كان يمسح على شعري ببطء وصمت دون حتى أن يسألني لما أبكي

ابتعدت بعدها عن حضنه ونظري للأسفل وشهقاتي الصغيرة لازالت تملئ سكون المكان

رفع وجهي إليه مجدداً وقال ونظره على عيناي " أخبريني يا قمر ماذا تريدان أن تقولا "

لم أتكلم ولم أستطع حتى تحريك شفتاي , بقيت أنظر لعينيه في صمت لتعود دموع

عيناي للتسلل بين رموشها لتبللها من جديد , مسح بطرف أصابعه عليهما وقال

" حسناً توقفي عن البكاء على الأقل "

ثم خرج وتركني بقايا أنثى عبث بمشاعرها كيف يشاء , غادر بعدما سلب روحي مني

لتخرج معه وتتركني جسد بلا روح , مجرد دمية لا يمكنها حتى تغيير مكان وقوفها

خرج بعدها من المنزل لتمر الساعات من جديد وهوا أين لا أعلم ولا أستطيع الاتصال به حسب

أوامره طبعاً حتى انتصف الليل ولم يعد للمنزل , كنت أمنع نفسي من الاتصال به وأمسك يداي

عند صدري محاولة منعهما من التهور والوصول لهاتفي ولكن قلبي كان يحترق ولا شيء يمكنه

إطفائه , تنفست بقوة ثم خاطرت وأمسكت هاتفي واتصلت به فكان هاتفه مقفلاً ليزداد خوفي

وإطراب قلبي وما كان لشيء حينها أن يُهدئه , وما هي إلا لحظات ورن هاتف المنزل

ليزيدني على ما بي فبقيت أنظر له كالميتة أخشى مما سوف يأتيني به , تنفست بقوة عدة

مرات ثم اقتربت منه ببطء رفعت السماعة وأجبت ......

الفصل الثامن

كان عليا الهرب منها في كل وقت كي لا أضعف أمامها فلن أنسى جرحها لي وخذلانها

لحبي الصادق , لن أستطيع معاقبتها بالضرب والتعذيب لن يطاوعني قلبي لذلك فيكفيها

ما رأته في حياتها من ذلك ولكني لن أغفر لها ولن يسامحها قلبي المجروح فلو كانت

رفضتني حين خطبتها لكان الأمر أهون فهي تعرف من أكون لكن أن توافق علي رغم

علمها أني من جرحته وخدعته فهذا يعني استمرارها في التلاعب بي كما تريد وهذا

ما لن أسمح به , كان عليا جلبها منهم كي لا تهرب مني مجدداً ولا أجدها فكما توقعت

استقرار عمتها هنا أمر مستبعد وهذا ما فهمته من زوجها أي أنهم كانوا سيسافرون

بها في أي لحطة ولن أجدها لسنين ولن نتصافى في حساباتنا ولن أعلم منها سبب ما

فعلته فلن أكون تهورت ولا تسرعت في زواجي بها لأنه الحل الوحيد

مرت الساعات وأنا وأسعد وصديق لي خارج المدينة لتعزية صديق لنا في والدته وحتى

بعد عودتنا لم أرجع للمنزل وانتصف بي الليل وأنا خارجه لا أعلم هرباً منها أم من قراري

أم من نفسي , عدت بعدها للمنزل فتحت الباب ودخلت وما أن وصلت الصالة حتى وجدتها

تقف عند باب غرفة النوم بفستانها القطني القصير جداً شعرها مجموع للأمام , تستند بحافة

الباب وتنظر لي نظرة تفحصيه قلقة وكأنها شكت أن حادثاً حصل معي أو أي مكروه

كان واضحاً على عينيها أنها بكت كثيراً , وشيء آخر في نظرتها أنها تريد أن تسأل

سؤالاً واحداً ( أين كنت ؟! ... ولماذا تأخرت ؟! )

لكنها كانت تمنع نفسها من سؤاله وتُمسك لسانها مُرغمة , يبدوا بسبب أوامري لها صباحاً

تيقنت الآن أن بعض الأشياء لا يمكنك منع عينيك عن النظر لها , وأن بعض المشاعر

يصعب عليك التحكم بها مهما حاولت فكان أول ما فعلْتُه أن هرِبت بعيناي عنها وتوجهت

من فوري لباب غرفة المكتب وما أن وضعت يدي على مقبضه حتى وصلني صوتها الناعم

" رائد "

نظرت باتجاهها فقالت بهدوء " أحدهم اتصل بك بهاتف المنزل وقال أن هاتفك مقفل "

وضعت يدي على جيب سترتي باستغراب ثم أخرجت هاتفي وكان بالفعل مقفل يبدوا نفذ

منه الشجن وانطفئ ولم أنتبه له , نظرت لها وقلت " ولما تجيبين على هاتف المنزل ؟! "

نظرت للأرض ثم لي وقالت بذات هدوءها " ظننته أنت ... لقد قلقت عـ .. "

قاطعتها بحدة " للجحيم أنا وحياتي , لا تجيبي على هاتف المنزل ثانيتا مفهوم "

نظرت للأرض في صمت فقلت بذات الحدة " أريد جواباً "

قالت بهمس مخنوق ورأسها لازالا أرضاً " مفهوم "

دخلت المكتب وأغلقته خلفي بقوة أوصلت هاتفي بجهاز الشحن وفتحته وما هي إلا لحظات

ورن الهاتف وكان حيدر المتصل فأجبت عليه قائلاً " لما لا ترحم هاتفك قليلا وتضعه من يدك "

ضحك وقال " لم أعلم أنهم غيروا الصوت في منظومة هواتف المنازل الثابتة إلا اليوم حين

ردت عليا قائلة ( عذرا الرقم الذي طلبته , رائد غير موجود في المنزل ) هههه عقدهم الجديد

هذا مُربح , ما هذا الحظ الذي لديك يا رجل , نصيحة لا تدع زوجتك تجيب على الهاتف ثانيتاً "

قلت بحدة " حيدر تصمت أو ........ "

قاطعني بضحكته وقال " أو ماذا ؟! تغلق الهاتف في وجهي , لن تستطيع غيرها "

قلت بغضب " حيدر أقسم أني لست في مزاج لك وزوجتي خط أحمر فلا تتخطاه "

قال بهدوء " مهلك يا أخي لم أكن أقصد إغضابك أردت فقط المباركة لك يا متحجر فأنت

تزوجت بالأمس ولم أكن معك ولم أكلمك أم نسيت "

تنهدت واكتفيت بالصمت فقال " لما كان هاتفك مقفلاً لقد قلقت عليك ؟! "

قلت ببرود " كنت خارج المنزل وانتهى شحنه دون أن أنتبه له "

قال بصوت مصدوم " خارج المنزل كل هذا الوقت وأنت متزوج بالأمس !! "

قلت بضيق " هل سأسجن نفسي لأني تزوجت , ذهبت لتعزية صديق لي "

تنهد وقال " لن أُطيل معك الكلام تبدوا في حالة يُرثى لها من العصبية أعان الله

زوجتك عليك الليلة , تصبح على خير "

وأغلق الخط دون أن يعطيني فرصة لأُعلق على كلامه , أطباعه السيئة لا تتغير أبداً

توجهت للكرسي وأخرجت الأوراق من درج المكتب لأقضي ليلتي الأخرى هنا

ومرت الأيام بعدها وقد غرقت في مكتبي وأوراقي وبدأت بكتابة كتاب جديد عن العلاقات

العاطفية تطوراتها مشاكلها عواقب تفككها , وتشعب بي الموضوع وصار الكتاب شغلي

الشاغل ومكتبي مكاني الوحيد والأريكة سريري فقد نقلت إحداهم من الصالة للمكتب وبتُّ

لا أرى قمر إلا أوقات الطعام والصلاة بالمصادفة وهي في صمتها التام عن تصرفاتي

ليصبح هذا روتيننا اليومي حتى توقفنا عن الكلام نهائيا

كنت غارقا في كتابي وهموم قلبي وعقلي والمنعطف الذي أقحمت فيه نفسي حين

طرقت علي الباب ولو طرق عليا عشرة غيرها لميزت طرقتها الخفيفة فقلت

" تفضلي "

فتحت الباب ببطء ودخلت ترتدي فستاناً قطنياً قصيراً أخضر اللون بأزرار بيضاء

تُزين طرفاه السفليين وعند الكتف وكانت وجنتاها تشوبهما بعض الحمرة لا أعلم من

البكاء أم من التوتر , نظرَتْ للأرض ممسكة بيدها جهة من فستانها وقالت

" هل نتحدث قليلا ؟! "

عدت بنظري للأوراق وقلت ببرود " أنا مشغول الآن في وقت آخر "

نظرت لي وقالت بهدوء " ولكنك مشغول دائماً متى سنتحدث "

تنهدت بضيق فقالت بهمس حزين " آسفة "

وهمت بالخروج فقلت " قمر "

التفتت إلي من فورها فقلت " تعالي ادخلي "

اقتربت من طاولتي وعيناها أرضاً فقلت " ماذا كنتي تريدين قوله ؟! "

لاذت بالصمت مطولاً وكأنها تستجمع قواها للتحدث وعيناي كانتا تركزان على

ملامحها الحزينة المتوترة ثم قلت " هل ستتحدثين أم ماذا ؟! "

قالت بعبرة ووجهها أرضاً وحتى عيناها تخفيها غرتها عني

" رائد هل أخطأت معك في شيء ؟! "

نظرتُ لها مطولاً محاولاً تركيب صورة لهذه الفاتنة الرقيقة على تلك الخائنة

لأسجل المحاولة الألف الفاشلة لجمع الصورتين لها ثم تنهدت وقلت

" وهل تري نفسك مخطئة ؟! "

رفعت نظرها لي بعينان تلمعان من امتلاءهما بالدموع كجوهرتين من العسل النقي

وقالت " لماذا تعاملني هكذا , لماذا تزوجتني ؟!! "

لعبت بالقلم على أطراف الورقة ونظري عليه وقلت بابتسامة سخرية

" ولماذا رضيتِ أنتي بي ورفضتِ غيري ؟! هل ستجيبينني عن هذا السؤال "

قالت بعد صمت " لا أستطيع "

رميت القلم على الطاولة ونظرت لها وقلت ببرود

يتبع ......
 
الفصل التاسع + العاشر

لا أعلم لما يفعل هذا بي لما يكرهني دون سبب هل علم أني ضوء القمر يا ترى !!

ولكن مستحيل من أين سيعلم , إذاً ما به هل أكرهته ضوء القمر في النساء ؟!

لا أستبعد ذلك ولكن لما تزوجني إذا , يبدوا كما قال لأخدمه !!

هل أخبره الحقيقة يا ترى ؟! لكن ماذا لو كان لا يعلم وأنا من ستفتح عيناه على

الأمر ويكرهني حينها أكثر وأزيد الطين بله , لا أعلم كيف أتصرف ولا أفهم

شيئاً , أنا في حيرة من أمري إن تركته فلن أعيش سعيدة ومعه لم تتبدد تعاستي

ولكني على الأقل بقربه وهذا ما أشعر به هنا فهناك لا يوجد وهذا أكثر ما سيتعبني

لا أعلم كيف أتصرف جربت إصلاح الأمر بيننا بعد زيارة شقيقه وزوجته اليوم

وها أنا لم أزد الأمور إلا سوءً ولم أجني سوى جرح كرامتي بسبب كلماته

مسحت دموعي وتنهدت بحزن , شعرت حينها بمقبض الباب يدور ببطء , هل جاء

ليكمل باقي تجريحه لي أُقسم أنني اكتفيت , نزلت دموعي مجدداً فمسحتها بسرعة

على لحظة دخوله الغرفة , نظر لي مطولاً بصمت فعدتُ بوجهي جهة المرآة

وسافرت بنظري للأرض , وقف مكانه لوقت ثم توجه جهة الخزانة فتحها ثم

أغلقها ووقف مستنداً عليها مكتفا يديه لصدره وقال

" كل ما أردته توضيح فكرتي لك فلما البكاء الآن "

اكتفيت بالصمت فقال " قمر حين أتحدث معك تجيبين علي "

قلت بهدوء " فِكْرتكَ أصبحت واضحة لي ليس لدي ما أقول "

اقترب مني ووقف أمامي تقريباً مستنداً بجسمه على الطاولة المخصصة بالتزيين

واستند بكفيه عليها حيث كنت أجلس أمامها وقال " قمر انظري إلي "

رفعت نظري له في صمت فقال " هل تري أنك مخطئة في شيء مما حدث ؟! "

اكتفيت بالنظر لعينيه في صمت فقال بجدية " قمر أجيبي "

نظرت للأسفل وقلت بحزن " إن كنت تراني مخطئة فقد أخطأت "

قال بنبرة هادئة " حتى إن كنتي غير ذلك ؟! "

قلت بابتسامة حزينة ونظري على يداي في حجري

" أكبر مشاكل البشر وصلت لذاك الحجم لأن كل واحد منهم يرى أنه على صواب "

مد يده رفع وجهي إليه ممسكا لذقني بأصابعه وعيناه في عيناي بنظرة غريبة وغامضة

ثم حرك إبهامه على شفتي السفلى يتلمسها به برفق وكانت عيناي معلقتان في عينيه

أتنفس بهدوء وصمت , ضغط بإبهامه على شفتي وعينانا معلقتان ببعض دون كلام

كان يضغط به عليها بقوة شيئاً فشيئاً حتى شعرت بطعم الدماء في فمي ثم أبعد يده

قبّل إبهامه قبلة صغيرة وقال " إنسي كل ما حدث اليوم "

ثم خرج من فوره تاركاً عيناي معلقتان مكان خروجه أنظر للفراغ بضياع

هل يُتعب لي نفسيَتي يوماً كاملاً بمشاكل لا تستحق ثم يقول بكل بساطة إنسي ما حدث !!

يُسمعني كلاماً كالسُم وكل ما يقدر عليه لإصلاح الأمر قبلة لإبهامه بعدما المني به وكأنه

يشكره على تألمي منه , تنهدت بحزن أخذت منديلاً ومسحت الجرح في شفتي من الداخل

ودخلت السرير ملاذي الوحيد وكاتم أسراري ومؤنس وحدتي وماسح دموعي

بعد عدة أيام مرت ونحن على حالنا انفتح باب الغرفة ودخل وأنا جالسة أمشط شعري منذ

زمن وذهني في بلاد آخر , جلس على السرير خلفي مقابلاً لي في المرآة وقال

" حيدر اتصل بي سنخرج للبحر خلال الأسبوع القادم لقد دعا صديقه وعائلته وقال

انه بإمكاننا دعوة من نريد , سأتحدث مع أسعد ليكون معنا وعائلته "

قلت وأنا أنظر لصورته في المرآة " هل يمكنني دعوة عمتي وعائلتها ؟! "

وقف وقال " كما تريدين "

وصل عند الباب فقلت " رائد "

التفت لي فقلت " خدني إليهم اليوم أنا مشتاقة لهم "

قال مغادراً " عند المساء سأزور صديق لي سأصطحبك في طريقي "

وخرج من فوره كما دخل ولكنه حمل معه عيناي وقلبي , لا استطيع الابتعاد عنه

لا يمكنني ذلك ولا حتى في خيالي رغم انشغاله الدائم عني وسجنه لنفسه مع الكتب

ومكتبه رغم نومه كل ليلة هناك تاركاً لي وحدي هنا ورغم خروجه كل ليلة حتى

وقت متأخر , أشعر بالأمان بقربة أشعر بالحياة في وجودي معه

كم أتمنى أن يتغير اتجاهي أن يحبني كما أحبه أن يعاملني كزوجة وحبيبة أن ينكسر

كل هذا الجمود , أنا حقا لا أفهمه لا أفهم بروده وهروبه لا أفهم قبلته الصغيرة

لشفتاي كل ليلة حين يعود بعد منتصف الليل ويدخل ليأخذ ثيابه وأنا نائمة

حتى أني أصبحت أُرغم نفسي على السهر وأتظاهر بالنوم ما أن يعود لأستشعر

شفتاه وهي تقبلني , آه لقد جننتي يا قمر جنوناً اسمه رائد , وكيف لا أجن إنه

رائد إنه المعنى الجميل الوحيد لطفولتي وهوا الشخص الذي أحبني بقوة وعنفوان

وكسرت قلبه سأستحمل علي أكفر عن خطئي في حقه , أحبك رائد وسأتحمل من

أجلك حتى تحبني حينها سأخبرك من أكون قمر الطفلة وضوء القمر الشابة وكل

ما حدث حينها , فإن أحبني سيصدقني أما على هذا الحال فلن يصدقني بالتأكيد

فتحت الدرج أخرجت قوساً كريستالي رفعت به غرتي للأعلى وما أن أبعدت يداي

حتى سقطت وهوا معها , أمسكته ورميته بقوة على الباب وقلت بغيض

" سحقاً لك لا شيء يمسكك أبداً "

فتح حينها رائد باب الغرفة بقوة ونظر لي بنظرة أُقسم أنها نظرة خوف

ثم قال " قمر ما بك ؟! "

شعرت بالخجل من نفسي أتصرف كالأطفال فقلت

" لا شيء إنه قوس الشعر رميته فضرب الباب دون قصد "

أغلق الباب قليلاً ونظر خلفه ثم نظر لي وقال " ولما رميته !! "

نظرت أرضاً ألعب بطرف الفستان القصير بين أصابعي وقلت

" أمسكت به غرتي فسقطا معاً شعرت بالضيق فرميته , هذا فقط ما حدث "

أخذه من خلف الباب اقترب مني وقف خلفي أمسكه بكلى يداه وغرسه في

شعري فوق الغرة تماماً وقال ونظره على عيناي في المرآة " هكذا أجمل "

رفعت رأسي للأعلى ورفعت نظري له لأرى وجهه كنت أريد رويته هكذا دون قيود

فأنزل رأسه ونظر لي ولعب بغرتي بأصابعه وقال مبتسماً " اتركيها أسفل فهكذا تعجبني "

ثم خرج من فوره وعيناي يتبعانه بذهول , أقسم أني أعجز عن فهمك يا رجل حياتي

يا ماضيا وحاضري ومستقبلي , أعلم أنه سيقسو عليا بعد قليل ويعود لطبيعته لكن

دموعي نزلت فرحاً بكلماته فلن أفكر بعد اليوم في رفع غرتي لأني ظننتها لا تعجبه

غادرت الغرفة فكان سجين مكتبه , أُقسم أنني صرت أكره الكتب والمكتبات والتأليف

وكل هذه الأمور التي يشغل نفسه بها عني

توجهت للمطبخ أعددت العشاء , الوقت لازال مبكراً عليه ولكن ليس لدي ما أفعله

ما أن أذهب اليوم لبيت عمتي سأجلب معي مفكرتي وأكتب فيها بدل هذا الملل و

الفراغ الكبيرين , شغلّت التلفاز وجلست أتابع برنامجاً عن الطبخ ومر بي الوقت

عند أول المساء طرقت عليه باب صومعته , لو كان راهباً في زمن الرهبان لدخل

الجنة دون حساب , جاءني صوته قائلا " تعشي يا قمر سآكل فيما بعد "

يبدوا لي نسي بأنه سيأخذني لبيت عمتي يالا خيبة الأمل , دخلت غرفتي وأغلقتها

ارتميت على السرير وغرقت في همومي , بعد ساعة فتح باب الغرفة وقال

" هل نمتِ ؟! "

جلست وقلت " لا ومن ينام في هذا الوقت "

قال ببرود مغادراً " جهزي نفسك لآخذك أم غيرتي رأيك "

قلت بهمس " بل ظننتك نسيت "

قلتها وأعلم أنه لن يسمعها لأنه غادر قبل حتى أن ينهي كلامه فكيف سيستمع لكلامي

تنهدت وغادرت السرير غيرت ثيابي وارتديت فستاناً جميلاً ومميزاً ووضعت بعض

الماكياج سرحت شعري وتركته مفتوحاً ووضعت به مشبك على شكل وردة زهرية

اللون كلون الفستان , تبتها خلف أذني وفتشت عن حدائي الزهري ولم أجده , يبدوا

في الخارج !! خرجت وتقابلت ورائد خارجاً من المطبخ حتى كدت أصطدم به

نظر لي مطولاً فنظرت للأرض وقلت بتوتر " حدائي الزهري هل رأيته ؟! "

كان ينظر لي بصمت ولا يفصلنا عن بعض سوى خطوة صغيرة , كم تقتلني هذه

العينان السوداء الغامقة الغامضة حين تفترسني هكذا بنظراتها وكم تحرقني هذه

الأنفاس الدافئة حين تلفح وجهي لاقترابها , شددت الفستان للأسفل بتوتر فقلص

تلك الخطوة الفاصلة بيننا باقترابه مني أكثر ثم مد أصابعه لوجهي , أبعد شعري

عن طرف خدي مبعداً إياه خلف عنقي مخللا أصابعه فيه , أمسك عنقي وقرب

وجهي من وجهه ليلفح نفسي فكه الأيسر وعلق عند خدي وبدأ يستنشقه بخدر

ليلعب بأعصابي لعبته الدائمة ثم تمتم بكلمات لم أفهمها , انتقل بعدها لعنقي قبله

قبلة طويلة حتى أفقدني حواسي فقلت بهمس " الحداء هل رأيته ؟! "

كان كل منايا حينها الهرب منه لأني سأطاوع جنوني وأتعلق بعنقه أو سيغمى

علي فوراً , ابتعد قليلا وأبعد شعري عن أذني وهمس فيها

" حتى لو كنت رأيته فلقد نسيته الآن "

كانت دقات قلبي كالطبول وأنفاسي تعصف كموج البحر من شدة توتري

لقد توقفتُ منذ مدة عن التزين ولبس الفساتين القصيرة لأنه غير مهتم ولم

أتخيل أن تؤثر فيه , لكنه اليوم على غير طبيعته أبداً ومنذ الصباح

اكتفيت بالصمت وعيناي في عينيه أبحث في هذا البحر الأسود عن شيء

أفهمه فيهما , فأمسك وجهي بيديه ووضع أنفه على أنفي وقال هامساً بابتسامة

" لن نتأخر في السهر الليلة فسهرتنا هنا "

ثم ابتعد عني وخرج للسيارة وتركني كقطعة القماش المبلولة في الريح , كنسمة

شتاء باردة أطلقوها لتتسلل عبر حرارة الصيف

بعد قليل عاد ووجدني واقفة مكاني فقال بابتسامة جانبية " ما بك سوف نتأخر "

تحركت حينها بسرعة وأنا أتمتم " يالي من بلهاء !! "

لبست الحداء الأسود فلم أعد أحتاج ذاك ولن أراه ثم لبست عباءتي وحجابي

وركبت معه السيارة في صمت قاتل حتى وصلنا , نزلت فقال

" كما أخبرتك سوف آتيك مبكراً "

قلت مغادرة دون أن أنظر إليه " حسناً "

دخلت منزل عمتي وقابلتني بالأحضان هي ونوران فهذه أول زيارة لي منذ

زواجي , حاولت أن أكون سعيدة أمامهم قدر الإمكان كي لا أُغرقهم في مشاكلي

التي لا تنتهي , بعد وقت نظرت نوران لحدائي ثم نظرت لي نظرة ماكرة وقالت

" عجيب !! قمر ترتدي حداء اسود مع فستان ليس أسود اللون "

نظرت لها بتهديد ثم نظرت جهة عمتي التي كانت تنظر لي فنظرتُ للأرض بخجل

خرجت عمتي من فورها فأمسكتُ الوسادة ورميت نوران بها وقلت بضيق

" وقحة أي موقف هذا الذي وضعتني به "

ضحكت وقالت " كان سؤالاً عفوياً "

ثم غمزت بعينها وقالت " ما القصة ها "

نظرت للأرض وغلبتني ابتسامتي حين تذكرت ما حدث فجلست نوران بجواري

وقالت هامسة " ماذا حدث معك هل أخبرته ؟! "

نظرت لها مطولا بصمت بادئ الأمر وما كان أمامي من خيار فقلت بابتسامة

" نعم وكل شيء وأخبرني أنه يذكر قمر وفهم أسبابي وتصافينا "

حضنتني وقالت بحب " حمداً لله لقد انشغل بالي كثيراً بسبب هذا الأمر "

نظرت لها باستغراب وفي بالي سؤال ولكن عمتي دخلت وغرقنا في الأحاديث حتى

رن هاتفي وكان المتصل رائد نظرت للساعة وقلت " يآه أخذنا الوقت ولم أشعر به "

قالت نوران بضيق " لازال الوقت مبكراً ما به مستعجل هكذا !! "

اكتفيت بالابتسامة وأجبت فقال مباشرة " هيا يا قمر أنا في الخارج "

قلت بشبه همس " حسناً "

ودعت عائلة عمتي وأصررت عليهم مرافقتنا للرحلة فرفضت نوران متحججة

لا أعلم لما أشعر أنها تتعمد عدم الذهاب !! أما من طار فرحاً هوا مؤمن وقال أنه

سيذهب معنا ولو لوحده , وصلنا المنزل في ذات الصمت سبقته ودخلت الغرفة

وما هي إلا لحظات ودخل , ضننت أنه كان يمزح أو سيغير رأيه بالقسوة ككل حين

شغلت نفسي عنه بخلع الأقراط من أذناي واقفة أمام ألمرآة فوقف خلفي وأبعد شعري

عن ظهري جمعه كله ورماه للأمام ثم قرب أصابعه لتلامس رقبتي فشعرت بالرجفة

تسري في كل عظامي وسافرت بنظري للأرض وأنا أشعر به يخلع العقد من رقبتي

ثم شعرت بشفتيه تقبل عنقي من الخلف كدت أفقد وعيي لولا أن تسللت يداه لخصري

وشدني له برفق وهمس في أذني " قمر حقاً يا قمر "

بدأت بالتنفس بقوة محاولة التخفيف من حدة توتري قبل عنقي فلم أستطع إلا الذوبان

بين يديه , حملني للسرير وضعني عليه برفق ثم انحنى لشفتاي وقال هامساً فوقهما

" الليلة ليلتنا يا قمر "

قبلني مطولاً ثم تسلل للسرير لأذوب كقطعة جليد بين أحضانه وقبلاته كحبيبة

تاهت بين ذراعي حبيبها كزوجة في حضن زوج يعشقها بجنون وكله كان في

خيالي وحدي بالتأكيد , استيقظت بعد وقت لأجد نفسي في حضنه , مررت إصبعي

على الشيء الغريب الموجود بين عنقه وصدره ومن كتفه حتى وسط ذراعه مع أثار

لنُدب صغيرة ومتفرقة , تبدوا وكأنها أثار جراح قديمة وعميقة

هل تعرض لحادث من قبل يا ترى ؟؟ , أم أنها ........... أثار تعذيب !!!

أغمضت عيناي بشدة وتألم , ما الذي تخفيه يا رائد ما الذي حدث معك في الماضي ؟!

نظرت لوجهه النائم بهدوء قبلت جرحه وغصت في حضنه أكثر استشعر رائحته

وجسده ووجوده , وتبدد الحلم حين استيقظت بعدها لأجده غير موجود لا في السرير

ولا الغرفة ولا أي شيء مما كان , كلها كانت لحظات وسُرقت مني

قمت من سريري استحممت وصليت الفجر وخرجت من الغرفة لأصدم بضوء حجرة

المكتب مضاء , وها قد عاد لسجن نفسه هناك لقد ضحك عليك يا قمر , لا بل أنتي من

ضحكتِ على نفسك , كان عليك طرده ببرود كما طردك سابقاً كان عليك رفضه فليست

العلاقة الحميمة ما تريدينه منه كما قال , لقد أتبتي صحة مقاله أتبتي صحة اتهامه لك

غبية وخدعتك مشاعرك الصادقة اتجاهه

وصلت المطبخ بخطوات ثقيلة وكل ما حدت يعود لمخيلتي وكل ما قاله يومها يدوي في

رأسي كالبركان فلم أشعر بنفسي إلا وأنا أرمي الملاعق والسكاكين بكل قواي على

الأرض وأصرخ ببكاء , انفتح حينها باب مكتبه وخرج منه راكضاً اتجاهي , وقف عند

الباب بجمود ينظر لي بصدمة وأنا أرمي كل شيء على الأرض وأبكي بحرقة

توجه ناحيتي أمسكني من ذراعاي وبدأ يهزني بقوة ويقول " قمر ما بك هل جننتي "

ضربته بقبضة يداي على صدره وقلت بصراخ " ابتعد عني لا تقترب مني ابتعد "

أمسك يداي من معصميهما موقفا إياهما من ضربه وقال بغضب

" كل هذا من أجل ما حدث البارحة , هل تكرهينني لهذا الحد أنتي

بلا مشاعر يا قمر أنتي حجر "

نظرت له بصدمة وقد توقفت عن البكاء وعن الكلام فقال بصراخ

" أنتي لا تعرفين الحب ... متحجرة "

تيبس لساني وشفتاي وأبت الحروف أن تخرج منهما ترجيتها أن تفعل فرفضت

قولي يا قمر ... قولي كم أحببته وكم بكيتي لأجله وما فعلتي من أجله , ذكريه أنه

هوا الحجر الذي لا يشعر بكل ما في قلبك له , ذكريه بأنه لو أحبك حباً بحجم

الكون فلن يكون شيئاً أمام حبك وتضحيتك , تكلمي .. تكلمي يا قمر

وعبثا حاولت كنت أحملق فيه بصدمة فتركني وغادر وضرب باب المنزل بكل قواه

ولم يعد يومها حتى آخر الليل , وأصبحت أنا مثله سجينة غرفة النوم لا شيء سوى

البكاء والحزن والكتابة في مفكرتي , لا شيء سوى الوحدة والعذاب والألم وقد توقفنا

حتى عن الكلام ولم نعد نتناول الطعام معا ليتحول المنزل لشبه خالي سوى من أحدنا

وكأن الآخر ليس معه فيه

بعد عدة أيام استيقظت صباحاً فوجدت ورقة على الطاولة في المطبخ مكتوب فيها

( الرحلة للبحر في الغد )

تنهدت بضيق وقلت " هل وصلنا لهذا الحد كتابة في الورق "

عدت لغرفتي اتصلت بعمتي فاعتذروا جميعهم لانشغالهم خصوصاً أننا لن نرجع

في نفس اليوم , فيما عدا مؤمن الذي أخبرتني أنه متحمس وأخذ الإذن من والده

ووافق مادام سيرافقنا , وهنا المشكلة كيف سأخبر رائد وهوا يغلق حتى باب

الحديث , عدت للورقة كتبت تحت كتابته

( مؤمن استأذن من عمي وسمح له بمرافقتنا والذهاب معنا لأنهم اعتذروا عن الذهاب )

طويت الورقة وتمنيت من قلبي أن لا يخذلني ويحرجني أمامهم , أُقسم إن رفض

اصطحابه فلن أذهب معه وليفعل ما يشاء وليضربني حتى , ولكن لن أذهب بدونه

فليس لدي عذر أقوله لهم , دخلت المكتب ووضعتها هناك فهوا في الخارج وأغلقته

وغادرت , عند المساء كنت جالسة أشاهد التلفاز حين مر بجانبي ووضع الورقة على

الطاولة , انتظرته حتى عاد لمكتبه وفتحتها وكان فيها

( أخبريه أننا سنمر به عند الفجر )

تنهدت براحة , حمداً لله خان توقعاتي ولم ينتقم مني بإحراجي أمامهم , لم استطع

سؤاله كم سنبقى وإن كنا سنأخذ معنا شيئاً , نمت مبكراً واستيقظت قبل الأذان

بوقت , أعددت قالبين من الحلوى لنأخذهم معنا وقطعتها ووضعتها في حافظة

طعام كبيرة وصليت الفجر وجهزت نفسي , اتصلت بمنزل عمتي فأجاب مؤمن

كما توقعت فضحكت وقلت " منذ متى وأنت مستيقظ "

قال ضاحكاً " منذ وقت , هل ستأتون الآن ؟! "

قلت " رائد يستحم ما أن يُجهز نفسه سنمر بك "

قال بحماس " جاهز يا قمري يا أحلى قمر , عرفتِ بمن تتزوجي "

لم أُعلق على جملته , لو تعرف أنت من تزوجت لغيرت رأيك , خرجت بعد قليل

ووجدته يحمل الحافظة خارجاً بها , جيد لن أطر لإخباره , أخذت معي بعض

الثياب وشيئاً سميكا فقد يبرد الجو ليلاً , كم أتمنى أن تنتهي هذه الرحلة على خير

كنت ارتدي تنوره سوداء طويلة وواسعة وقميص أحمر وحجاب , مر بجانبي دخل

الغرفة وخرج حاملاً عباءتي في يده ووضعها أمامي على الطاولة وغادر , يا عيني

أوامر على الصامت , لباسي ساتر ما به !! ولكن ما سأقول غير أمري لله

أخذت العباءة ولبستها فلست بمزاج مشاكل مع أحد خصوصاً رائد

ركبت السيارة في صمت وصلنا منزل عمتي ووجدنا مؤمن يقف في الخارج

أمسكت نفسي بصعوبة عن الضحك ففتح الباب الخلفي وركب وقال " تأخرتم "

فضحكت من فوري فقد فاض بي من إمساك ضحكتي فقال مؤمن بضيق

" أعجبتك النكتة سيدة قمر "

ضحكت أكثر ولم اكترث بأحد ثم قلت " علمتك نوران أسوء عاداتها "

تجاهلني وقال " مرحباً رائد "

نطق حينها الحجر الذي لم أسمع صوته منذ أيام وقال وهوا ينطلق

" مرحباً الآن كنت قلتها عند صعودك , يالا المدارس الفاشلة والمعلمين الفاشلين "

ثم نظر للخلف حيث مؤمن وغمز له بعينه وضحك الآخر , ما يعنيان بذلك !!

المدرسة لا تدرس هذا إنه يقصدني أنا بالتأكيد لكن من الذي أخبره أنني أُعلم

مؤمن أذاب التعامل , نظرت بنظرة شك للخلف حيث مؤمن فنظر للنافذة من

فوره وبدأ يصفر , الخبيث هوا من أخبره إذاً وهذا يسخر مني

تجاهلتهما كليهما وسافرت بنظري للطريق , بعد وقت قال مؤمن بضيق

" ما بكما صامتان الرحلة مملة هكذا , قمري دائماً حزينة

وصامتة لكن أنت يبدوا أنها عدتك "

ضحكت حينها الصخرة بجانبي , جيد ضننت أنه لم يعد يعرف الضحك

قلت بضيق متجاهلة حاجز الصمت بيننا " أعجبتك النكتة سيد مؤمن ؟! "

ليفهم رائد أنه المعني بالكلام دون أن أتحدث معه فضحك مجدداً وقال موجهاً

حديثه لمؤمن " أخبرني عن أمور الدراسة "

اقترب حينها حتى أصبح وجهه بيننا وقال بحماس

" لدينا لعبة كرة قدم الأسبوع القادم سوف نهزم فريق الرقعة شر هزيمة لقد

هزمناهم المرة الماضية لكنهم احتجوا وسنعيد المباراة .... "

واشتغل كالمذياع فضحك رائد وقال " سألتك عن المدرسة وليس نشاطك فيها "

عاد جالساً في الخلف وقال " منذ سرقت منا قمري وأنا لا أدرس "

نظر رائد باتجاهي وأنا عيناي على الطريق أمامنا وقال " ولما "

فرقع بأصابعه وضحك وقال

" كانت تقف على رأسي لتدرسني جميع المواد أما الآن أعيش حياتي طولاً وعرضاً "

ضحك رائد وقال " لابد وأن مستواك تحسن عن السابق "

ما به هذا ؟! من أيام لا يكلمني ولا يأكل معي وقد أفرغ كرهه بي يومها والآن

يستفزني بإهانتي , بقيت على حالي متجاهلة كلامه ونظري للطريق أمامنا

قال مؤمن بضيق " لقد تراجعت درجاتي وأصبحت نوران من يدرسني بأوامر

من والدي وهي تضربني على رأسي كلما تعقدت الأمور عندي في الفهم وما

أكثر ما تتعقد عندي , متى ستُرجع لنا قمري لتدرسني ؟! "

نظر لوجهي بتركيز وقال " اسألها هي إن كانت تريد العودة "

نظرت له بصدمة , ما يعني بهذا ؟! هل يضع القرار في يدي !! هل يقول لي

إن كنتي تريدي الرحيل فلست أجبرك على البقاء , كنت أنظر لعينيه بضياع

وحيرة فقال وعيناه عادتا للطريق " بالنسبة لي لن أعيدها "

نظرت جهة النافدة بضيق , سحقاً له يستفزني ويختبر ردود فعلي يمارس عليا

ذكائه , قلت بضيق " مؤمن ركز على الطرق أمامك لا زلنا نريد الحياة "

نظر حينها في المرآة أمامه حيث المقعد الخلفي وقال

" مؤمن أخبر قمرك أن الغضب ليس من حقها هي "

قلت بحدة فقد ضقت ذرعاً منه

" مؤمن عديمة المشاعر المتحجرة يحق لها أن تغضب أيضاً "

قال مؤمن بهدوء " أنا لا افهم منكما شيئاً عودا للصمت رجاءً "

ضحك رائد وقال " متى مباراتكم القادمة "

قفز مؤمن بيننا من جديد وبدأ في حديثه الذي لا ينتهي عن الكرة وسافرت أنا بنظري

للطريق متكئة على زجاج النافذة حتى وصلنا , كان حيدر في استقبالنا فهوا من اختار

المكان وقد حجز لكل عائلة منا شاليها خاصاً بها , دخلت شاليهنا كان مكوناً من غرفتي

نوم وردهة صغيرة , مُشكلة سوف ينام مؤمن في غرفة ولن تبقى سوى غرفة واحدة

لا يمكنني النوم عنده ولا حتى رائد لأنه سيثرثر بكل شيء حين يعود ورائد لن تفوته

هذه النقطة إلا إن فعلها عمداً لإحراجي مع عائلة عمتي , لا دخل لي به سأنام قبله

وليجد لنفسه حلاً , رتبت أغراضي في الغرفة ترددت كثيراً ثم أخذت أغراض رائد

ورتبتها في ذات الغرفة ورتبت لمؤمن أغراضه في الغرفة الأخرى وكل هذا بمساعدة

مؤمن طبعاً فهوا يقفز على رأسي لنخرج للبحر

طرق حينها أحدهم باب الشاليه فتحته فكانت أنوار سلمت علي وأخبرتني أن

الآخرين عند الشاطئ , لو لي زوجاً يشعر بي لانتظر حتى يأخذني معه

تنهدت وخرجت , أمري لله أحبه رغم كل شيء وأحب كل شيء فيه

خرجنا حيث البقية , كُنَّ النساء يجلسن سوياً بالمقربة من الرجال بعض الشيء

جلست معهن وانطلق مؤمن للعب مع أبنائهم , كُنا أربعة نساء أنا وأنوار وزوجة

صديق حيدر ( أسماء ) وزوجة صديق رائد ( عائشة ) تبادلنا الأحاديث مطولاً

رغم أننا لا نسمع شيئاً من صراخ الرجال بجانبنا وكأنهم في مباراة لكرة قدم

وليس أحاديث عابرة ورائد منسجم تماماً معهم , يبدوا لي شخصاً مختلفاً وكأنه

ليس هوا , يضحك بصوت مرتفع ويضرب من جانبه بيده ومن أمامه بقدمه

وهوا مضجع على البساط , سمعنا صوت صراخ نظرت جهة الأطفال فكان

مؤمن يتشاجر مع أحدهم وقفت من فوري وتوجهت مسرعة اتجاههم أمسكت

مؤمن من يده وسحبته وقلت بحدة " مؤمن ماذا تفعل لما تتشاجران ؟! "

قال وهوا يقفز ويصرخ ناظرا للفتى الآخر " لقد ضربني ليأخذ كُرتي هل أسكت له "

جاء حينها والد الفتى الآخر فقلت بحدة

" مؤمن جئنا لتلعبوا وتتسلوا وليس لتتشاجر مع الأولاد "

قال بضيق " ولكن .... "

قاطعته بغضب " أصمت لا ترد كلامي أنا أكبر منك "

قال والد الطفل " حصل خيراً نحن آسفون "

قلت مغادرة به " آسفة الخطأ كان من مؤمن "

سحبته متوجهة به بعيداً نظرت جهة رائد فكان ينظر لي , لابد وانه سيوبخني

وقفت مع رجل وصرخت أمام الرجال , إن كانت ضحكة لم تعجبه فكيف الآن

ابتعدت بمؤمن بعيداً فقال بضيق " هوا المخطئ لما وبختني أمامه "

قلت بغضب " مؤمن هذا لا يجوز ما مظهرك ورائد الذي جلبك معه أمامهم "

قال بأسى " ما بك قمري لم تكوني تصرخي بي سابقاً لقد أصبحتي كنوران تماماً "

" يبدوا أنها تفرغ غضبها من أحدهم بك "

التفتت لمصدر الصوت فكان رائد , نظرتُ جهة مؤمن بضيق ولم أعلق على كلامه

فقال مؤمن " هوا المخطئ وقمر قالت لوالده أن الخطأ مني أنا ... لماذا !! "

صرخت به " احتراماً له كم مرة سأعلمك ذلك , علينا أن نحترم اعتذاره منا "

قال رائد بسخرية " إن كنتي ستعاملين أبناءنا هكذا فلن ننجبهم "

نظرت له بصدمة ثم تنفست بضيق وامتلأت عيناي بالدموع وقلت بعبرة

" رائد حلفتك بالله أن ترحمني أقسم أنني أكاد أختنق "

وانخرطت في نوبة بكاء شديدة أخفي وجهي بذراعي وأفرغ كل ما كنت أكبته منذ

أيام من ضيق وألم وشعور بالنقص والتجاهل , ولم أشعر إلا بيداه تطوقانني وإن لم

أكن أحلم فقد احتضنني ثم مسح على كتفي وقال بهدوء

" يكفي يا قمر أنتي بحالة نفسية سيئة عودي للداخل وسأعتذر منهم "

ابتعدت عنه ورجعت للخلف عدة خطوات وقلت بهدوء وعيناي في عينيه

" أنا لست مجنونة "

صُدم بادئ الأمر بكلامي ثم قال " ومن قال أنك مجنونة !! "

قلت بحدة " أنت قلت "

قال بصراخ غاضب

" قمر ما بك منذ ذاك اليوم , لقد كان كل شيء برضاك وإلا ما كنت فعلت شيئاً "

قلت ببكاء " نعم قلها قل أني من سحبتك للغرفة , قل أني من قالت أن ذاك ما كان

ينقصني معك .... قل ذلك الآن "

تنهد بضيق محاولاً تهدئة نفسه ثم قال مشيراً بأصبعه جهة الشاليه

" قمر عودي للداخل "

ابتعدت عنهما بغضب وجلست وحدي بعيداً أبكي وأمسح دموعي كل فترة

بعد وقت اقترب مني مؤمن جلس بجواري وقال بهدوء

" قمري أنا آسف لم أقصد إغضابك وسوف أعتذر من الولد ووالده أيضاً "

لذت بالصمت فقال برجاء

" قمر أرجوك لقد اشترط عليا رائد أن أُراضيك لنبقى أو سنعود الآن "

نظرت لمكان وقوفنا السابق فكان رائد لازال واقفا هناك واضعاً يديه في

جيوب بنطاله وينظر ناحيتنا , عدت بنظري للرمال تحتي وقلت بضيق

" لست غاضبة أريد فقط البقاء وحدي "

قال " وأن تتوقفي عن البكاء أيضاً , هكذا اشترط "

تنهدت وقلت " حسناً ولن أبكي "

قال مبتسماً " إذا سألعب هنا بالقرب منك "

لذت بالصمت وسافرت بنظري للبحر ممسكة نفسي قدر الإمكان عن البكاء

من أجل مؤمن وليس من أجل شيء آخر لكنت بكيت حتى جفت دموعي غير

مكترثة بأحد , بعد وقت اقترب رائد وجلس بجواري في صمت ثم قال بهدوء

" هل لي أن اعلم ما أغضبك فيما حدث يومها "

لذت بالصمت وكل ما أتمناه أن يغادر حتى غاضباً ولكنه قال

" قمر هل تُعلمي مؤمن أذاب التعامل ولا تجيبين على من يحدثك الآن "

قلت بسخرية " أجل معلم فاشل ما ستتوقع منه "

قال مجدداً " ما الذي أغضبك فيما حدث ؟! "

قلت بعبرة " كلامك السابق "

لاذ بالصمت طويلاً ثم قال " فقط "

قلت بحدة وأنا أحضن ساقاي " ألا يكفي ذلك ألا تكفي تلك الإهانة ولكني الغبية , أنا

أطعتك لأتلقى إهانة أكبر وتنعتني بالمتحجرة عديمة المشاعر وأني لا أعرف الحب "

قال بحدة مماثلة وهوا ينظر جهتي " وهل أنا حجر لا أشعر بالإهانة , ما معنى بكائك

وصراخك وتحطيمك كل شيء ذاك الصباح , أنتي لا تعلمي أي طعنة وجهتها لي يومها "

رفعت وجهي ونظرت للبحر وقلت بحزن

" مشكلتك يا رائد أنك تبرئ نفسك على حساب الآخرين "

قال بحزم " أنا لم أخطأ "

قلت بتحدي " ولا أنا "

اقترب حينها حيدر وقال مبتسماً

" هيا أيها العصفوران أجلا الحب قليلا وتعاليا لتناول الطعام معنا "

وقف رائد وقال " معك أنت لا يوجد عصافير ولا حب "

وغادر يتبعه ومؤمن كذلك , لا أعلم حتى متى سنبقى نخدع الآخرين , مشكلتي أني

لم أكرهه ولا حتى ذرة واحدة , تُرى هل سيزول كل هذا الحب يوماً !! هل ستحدث

معجزة ما تمحوه من قلبي في لمح البصر , عدت للشاليه وسجنت نفسي فيه حتى

المساء حين طرق رائد باب الغرفة ودخل , كنت جالسة على طرف السرير

ونظري للأرض حيث قدماي , وقف عند الباب وقال

" الكل يسأل عنك في الخارج , هيا أخرجي للجلوس معنا "

قلت بهدوء " لا أريد "

تنهد وقال " قمر نحن جئنا لنشاركهم الرحلة لا لنسجن أنفسنا "

نظرت له وابتسمت بسخرية وقلت " جيد أنه لا مكتب هنا لسجنت أنت نفسك فيه "

قال بضيق " قمر لما تريدين افتعال مشكلة معي بأي شكل !! "

وقفت وأخذت وشاحي الصوفي وضعته على كتفاي وخرجت أمامه في صمت

وهوا يتبعني حتى وصلنا عند الجميع , كانوا يجلسون حول نار كبيرة , الرجال

نصف دائرة في جانب والنساء في الجانب الآخر والأطفال طبعاً كلهم نيام بسبب

كثرة اللعب والاستيقاظ مبكراً اليوم , وصلنا فقالت أنوار

" أين أنتي يا قمر لقد افتقدناك ؟! "

قلت بابتسامة وأنا أجلس بجوارها

" أحسست ببعض التعب فذهبت للراحة والنوم , شكراً لاهتمامكم "

ضحك أسعد وقال " ضننا أن زوجك يخبئك عن الناس هنا "

جلس رائد وقال بضيق " أصمت أو رميتك في هذه النار "

شهقت زوجته بقوة لا إرادياً وضحك عليها الجميع عداي أنا , نظرت جهة

رائد فوجدته ينظر لي فنظرت جهة البحر , ساد الصمت قليلا وعم السكون

الأجواء وكلما وقع نظري على عيني رائد هرب كل واحد منا من عينا الآخر

قال حينها حيدر " ما رأيكم أن نلعب لعبة (قل لمن تفكر) "

صفق بعدها بيديه وقال بحماس

" انتهى عند هنا بدأنا كل واحد في من كان يفكر الآن واللعبة ما يقول له "

ثم قال " أنوار الأولى "

قالت بتذمر " ولما أنا ؟! "

قال " هكذا , أنا صاحب الفكرة وأنا أختار "

تنهدت بضيق وقالت " أقول لمن كنت أفكر فيه أرجوا أن لا تخصِم من

راتبي لأني صنعت شيئاً لا يُغتفر "

ضحك الجميع ما عدا قلبي المكسور طبعاً ثم قال حيدر

" دور زوجة أسعد "

قالت بعد ضحكة " أقول لمن كنت أفكر فيه أرجوا أن تكون غسلت أسنانك

قبل أن تنام ولست تكذب علي "

وقد عاد الجميع للضحك , كم هي لعبة جميلة ومسلية ولكنها في غير وقتها

بالنسبة لي فلو كانت في وقت آخر لسعدت وضحكت مثلهم

سمعت حيدر يقول " قمر "

نظرت له فقال " أين أنتي أناديك من مدة ؟! "

قلت بخجل " لقد شردت قليلا عذراً منك "

قال مبتسماً " إذا دورك "

الفصل العاشر

سمعت حيدر يقول

" قمر "

نظرت له فقال " أين أنتي أناديك من مدة "

قلت بخجل " لقد شردت قليلا عذراً منك "

قال مبتسماً " إذا دورك "

جُلت بنظري بينهم جميعاً حتى وقع على رائد فنظرت للأرض وقلت

" أقول له لا تقتل الورد "

لاذ الجميع بالصمت وكأن كلماتي فاجأتهم أو عجزوا عن تفسيرها

قال حيدر حينها " دورك أسماء "

ضحكت وقالت " لا أتذكر فيما فكرت "

قال معترضا " عليك التذكر بسرعة "

قالت ضاحكة " أنا حقا لا أذكر هل أكذب عليكم "

قال بحماس " أفسدت عليكم , دورك يا رائد "

رفعت نظري له فكان ينظر لي ثم نظر جهة البحر وقال

" أقول له أنت بلا مشاعر "

أحسست حينها بالعبرة تخنقني حتى كدت أنهار أمامهم ولم أعد أسمع شيئاً مما يقولونه

وقفت بعدها وتوجهت للشاطئ أتمشى عند حواف أمواجه في صمت حيث الضوء الخافت

والقمر والسكون , محتضنة ذراعاي ألتمس الدفء من الوشاح الصوفي الملفوف حولهما

وأنظر لأثار قدماي وهما تغوصان في الرمال الرطبة , أبث حزني للموج وللرمال واشتكي

لهما من مالك قلبي وجوارحي الجالس هناك , من قسوته وجبروته على قلبي المسكين

شعرت حينها بيد تلتف حول كتفي , نظرت لصاحبها فكان رائد فابتسمت له من بين

دموعي وحزني وعتابي وألمي فضمني له وقال " أنتي هنا مكانك القلب يا قمر "

نظرت هنا وهناك ولم أجد أحداً , نزلت دموعي رغماً عني حين نظرت للبعيد فكان

جالسا مكانه , نعم كنت أتوهم ما حدث كما أتوهم الآن أنه ينظر إلي , كما أتوهم نظرات

الحزن والحيرة الآن في عينيه , ابتسمت بحزن وعدت بنظري لقدماي وتابعت سيري

فشعرت حينها بشيء يصطدم بي بقوة حتى وقعت أرضاً , رفعت نظري فكان ثمة

شابان يبدوا أنهما كانا يركضان وصدمني أحدهما , وما هي إلا لحظات وكان

رائد عندنا أوقفني وقال صارخاً في أحدهما بحدة

" ألا ترى أمامك قل أن الظلام حالك ولا أنوار ولا قمر مكتمل وأنك لم تراها "

قال الشاب بهدوء " آسف أنا لم أنتبه لها "

قال بغضب أكبر " رُش أسفك بالملح وكُلْه لا أحتاجه "

قال الشاب بحدة " قلت لم أنتبه لها ثم هي لم تنكسر ولا تتمزق ها هي أمامك كاملة "

اقترب منه رائد وقال بصراخ غاضب

" أعرف حركاتكم هذه جيداً , لم أرى ولم أنتبه , لست أحمقاً لتضحك علي "

سحب الشاب الآخر رفيقه قبل أن يتكلم وتكبر المشكلة وأمسك رائد بيدي وسحبني

معه للشاليه دخل بي للغرفة أغلقها وقال بغضب

" هل كان عليك الابتعاد عنا هكذا هل استحليتِ التنزه في الليل "

قلت بحدة " ما تقصد !! تعمدت فعل ذلك "

قال بغضب أكبر " ما كان عليك الذهاب وحدك لقد فعل ذاك الحقير ما

فعله لأنه يضنك وحدك هناك "

قلت بدمعة سقطت متدحرجة من عيني " لم أكن وحدي "

نظر لي بصدمة فتابعت بأسى " أجل كنت أنت معي كنت تمشي بجانبي وترافقني

في وحدتي كنت أراك معي لأكتشف أنني كنت أتوهم فذاك لا يمكن أن يكون أنت

أنت هذا الواقف يصرخ بي بكل صوته "

ثم شهقت بعبرة وسحبت الوشاح من على كتفاي ورميته بقوة على الأرض وقلت

ببكاء ماره من أمامه " مغفل يا رائد وستكتشف ذلك يوماً "

ثم خرجت من الغرفة وتوجهت لغرفة مؤمن دخلت وأغلقت الباب , كان نائماً

بعمق , جلست على الكرسي في غرفته أبكي بصمت وما هي إلا لحظات وفَتح

رائد الباب وقال " كم مرة سنصنع مشاكل كثيرة من مشكلة واحدة "

قلت بحزن ونظري على مؤمن النائم بهدوء

" لو كنت أعلم أنني أخطأت لكنت اعتذرت "

قال ببرود " يبدوا أنك نسيتي كلامك سابقاً عن عناد الطرفين على

أن كل واحد منهما على صواب "

ضممت ذراعاي بيداي ونظري للأرض وقلت بهدوء حزين

" هذه المعادلة تحتاج لطرفين يطبقانها لتنجح "

توجه ناحيتي وضع الوشاح على كتفاي وقال مغادراً " عودي للغرفة فلا داعي لبقائك

هنا سأخرج لأكمل السهر مع حيدر فلم يعد هناك أحد في الغرفة تهربي منه "

ثم غادر وتركني ككل مرة مجرد بقايا امرأة بعد مشكلة فجرت كل مشاعرنا المكبوتة

الكره والغضب منه والحزن والأسى مني , وفي النهاية هذا ما يفلح فيه يضع اللوم علي

وكأنني أنا المخطئة , كنت أعلم أن هذه الرحلة ستكون تعيسة هكذا , لم أعد للغرفة ونمت

على الكرسي هناك ولم استيقظ إلا على صوت مؤمن وهوا يقول

" قمر قومي هيا "

فتحت عيناي بصعوبة فلقد أنهكهما البكاء وقلت بصوت مبحوح

" متى استيقظت !! "

قال " استيقظت الآن , ما تفعلين هنا !! ولما تنامين على الكرسي "

أخفضت رأسي مسحت وجهي وقلت

" لقد جئت لأطمئن عليك خفت أن تسخن بسبب تبلل ملابسك بالأمس وغلبني النوم هنا "

وصلني صوته قائلا بحيرة

" ورائد نائم على الأريكة في الردهة يبدوا أنه كان ينتظرك حتى غلبه النوم "

لم استطع إمساك نفسي عن الضحك , يا لا مخيلة الأطفال , نظرت للساعة في يدي

ووقفت مصدومة وقلت " لقد فآتتني الصلاة يالي من مستهترة "

خرجت مسرعة فكان رائد كما قال مؤمن في نوم عميق على الأريكة , أدفع عمري

كله ثمناً لفهم هذا الرجل , دخلت الغرفة ثم دخلت الحمام توضأت لأصلي الفجر

والصبح , تُرى هل صلى أم فاتته الصلاة هل عليا إيقاظه لأسأله !! عليا أن أوقظه

في كل الأحوال فلابد لعقل مؤمن الصغير أن يشتغل في أي لحظة ويلاحظ الوضع

خرجت بهدوء وصلت عنده ونزلت لمستواه ثم سندت ذقني بيدي وتاهت عيناي

تراقبان ملامحه , ما أجمله وهوا نائم وما أجمله وهوا مستيقظ وما أجمله حتى

وهوا يصرخ غاضباً , تُهت في تلك الملامح فقادني جنوني لأن ألامس شفتيه

بشفتاي بقبلة صغيرة كما يفعل كل ليلة , أريد أن أعلم ما شعوره ولما يفعل ذلك

اقتربت ببطء حتى لامستُ شفتاه فشعرت بشيء كالكهرباء في كل جسمي

وشعرت وكأن ثمة مغناطيس يجذبني كي لا أبتعد فلا قبلتهما ولا أبعدت

شفتاي بقيت استنشق أنفاسه حد الخدر ثم وقفت متسمرة حين شعرت بشفتيه

قبلتني , نظرت له بصدمة ... هل يحلم !! قل أنك نائم وتحلم

بقيت أحملق فيه مصدومة فارتسمت ابتسامة صغيرة على شفتيه , من صدمتي

عدت بخطواتي للوراء متمنية أن أخترق الجدران وأهرب أو أن تعود بي

ساعة الزمن للوراء ولا أرتكب هذه الحماقة , انقلب حينها معطيا ظهره

لي وقال " لقد صليت الفجر شكراً لك "

لم أشعر حينها بشيء سوى دوران المكان وكاد يغمى علي , يالي من غبية ما

سيفكر فيه الآن , ها أنتي أتبتي نظريته بك من جديد سحقاً لك يا قمر ولجنونك

دخلت الغرفة من فوري وأغلقت الباب خلفي ودخلت السرير وتغطيت باللحاف

حتى رأسي وخصوصاً وجهي , بعد وقت طويل سمعت الباب يُفتح دخل وأخذ

أغراضه وخرج في صمت وأنا على حالي أختبئ منه ومن نفسي

بعد قليل فتح الباب وقال

" مؤمن يسلم عليك ويقول لك لا تحرجيني معهم اليوم أيضاً بسجنك لنفسك "

وأغلق الباب تأففت ورميت الغطاء عن وجهي فوجدته في الغرفة مكتفا يديه لصدره

ومستندا بالباب وينظر لي , أخذت اللحاف بقوة وعدت كما كنت , أبدوا كالأطفال

بتصرفي ولكن ما كان من خيار أمامي وأنا أشعر بنفسي مجردة من كل شيء أمامه

بعد ارتكابي تلك الجريمة التي لا تفكر حتى المراهقات بفعلها

سمعته يضحك ثم قال " لا داعي للاختباء لن نتحدث فيما حدث "

هذا كله ولن نتحدث , تبا لك يا قمر أنظري فيما وضعت نفسك

قلت بضيق من تحت اللحاف " لا تفهم الأمر كما يحلوا لك "

قال بصوت مبتسم " أنا لم اقل شيئاً "

قلت " أردت أن أعلم السبب وراء فعلك لهذا كل ليلة "

كان عليا إخراج هذا السلاح لتخفيف إحراجي حين يعلم أنني أعلم ما يفعل

سكت مطولاً لا اعلم من الصدمة أم أنه لا يريد التحدث ثم قال

" وأنا كنت أريد اختبار شيء ما "

اختبار كل ليلة يا كاذب , سمعت بعدها صوت الباب يغلق خلفه فتحت فتحة صغيرة

لأراه فكان غير موجود , بعد وقت طويل غادرت السرير ثم استحممت وخرجت لآفة

جسدي بمنشفة الحمام البيضاء اللون وقفت عند طاولة التسريحة فتشت كثيراً عن المشط

ولم أجده , آه كيف سأجفف شعري الآن لا يمكنني ارتداء ملابسي وهوا هكذا لأني سأخرج

للخارج , كم من مساوئ للشعر الطويل , أُجزم أنه مؤمن من فعلها

خرجت بمنشفتي لغرفة مؤمن دخلتها وكما توقعت كان المشط في غرفته أخذته وعدت

ركضاً مسرعة وعيناي للأرض كي لا أصطدم بشيء فاصطدمت بحاجز ليس في الأرض

بل أمامي وليس جماداً بل كائن بشري , عدت خطوتين للخلف بشهقة مفزوعة فكان رائد أمامي

تنفست بقوة ممسكة المنشفة كي لا تقع وقلت بخوف " لقد أفزعتني "

نظر لي مطولاً ثم قال " ماذا كنتي تفعلين هناك ؟! "

شتت نظري على كل شيء حوله ويدي تمسك المنشفة بقوة واليد الأخرى ممسكة

بالمشط وقلت " إنـ إنه المشط كان لدى مؤمن "

اقترب بخطواته حتى وقف أمامي فتراجعت خطوتين للوراء , مد يده لذراي امسكه

وسحبني لصدره بقوة وألصق جسدي به مثبتا لي بذراعه المحكمة سيطرتها على كتفاي

لعب بيده الأخرى بشعري المبلول لتتطاير منه قطرات الماء في كل اتجاه , مسح بأصابعه

على كتفي يطارد القطرات النائمة عليه وأنا كمن لا حيلة له وجهي في عنقه جامدة دون

حراك من الخارج وكل خلايا جسدي ترتعش من الداخل وتنفسي لحظات ويتوقف

تسللت يده الأخرى لذقني رفع وجهي له ودون مقدمات قبلني بقوة حتى كاد ينهي الأكسجين

من رئتي ثم تركني أتنفس بقوة كالغريق وقال مغادراً " أعدِّيها رد دين الصباح "

ثم ضحك وقال مبتعدا " هكذا أنا من أسدى لي معروفاً في نظره كافأته بأفضل منه "

فتحت فمي مصدومة ونظري عليه بعينان متسعتان من الصدمة وقلت بدفاع وهوا يصل

عند الباب " حمداً لله أني لا أتعامل مع المعروف مثلك لكان النهار بطوله لا يكفيني "

أبعد يده عن مقبض الباب الذي كان يفتحه للتو ثم التفت لي تاركا له شبه مفتوح وعاد ناحيتي

تراجعت للوراء وأنا أرى نظرة التحدي في عينيه , يا إلهي لقد جنيت على نفسي

اقترب أكثر فقلت وأنا أشد المنشفة على جسدي بكلى يداي " رائد ابتعد عني "

اتجه نحوي بخطوات شبه راكض أمسكني من خصري ورفعني إليه ليصير وجهي عند

وجهه وقال بابتسامة جانبية " هيا ردي الدين لابد وأنك تعلمين عددهم أيضاً "

حاولت إبعاد وجهي عن وجهه لأن يداي مكبلتان مع جسدي بين يديه وقلت بضيق

" رائد اتركني وأنزلني حالاً "

قرب وجهه أكثر دار به جانبا قبّل عنقي وقال " هل تدعينني إليك وتتراجعي "

قلت بضيق وأنا أحرك كتفي ليبتعد عن عنقي " واهم أنا لم أدعوك أنزلني حالاً "

قال بمكر وعيناه في عيناي " وما أعتبر كلامك أليس دعوة تحدي "

قلت بغيض " لا "

قبل ذقني وقال " بلى يا ذكية "

انفتح حينها الباب ودخل مؤمن ونظر لنا بصدمة فخبأت وجهي في وجهه لأني كنت

أنا المقابلة له ليصبح وجهي ملتصق به فقال مؤمن مبتسماً

" آه أوووه آسف أحدهم أرسلني لك , حسناً لا بأس خد وقتك "

ثم أغلق الباب وغادر ووزع رائد قبلاته على وجهي فأبعدته عنه وقلت بغضب

" هل ارتحت الآن ما هذا الموقف السخيف الذي وضعتنا فيه أنزلني يا رائد قلت لك "

أنزلني ولعب بغرتي المبلولة بين أصابعه وقال

" دعيه يسجل شيئاً جيداً عنا بدلاً من الفكرة التي أخدها "

أشحت بنظري عنه وأنا أتبت المنشفة على جسدي بغيض وقلت بضيق

" بل قل شيئاً وقحا سخيفا "

قال مغادراً " اللوم عليك لما تتحدينني بدعوتي إليك في هذا الوقت والمكان "

قلت صارخة بغضب " لم أتحداك ولم أدعوك فلا تلصقها بي "

عاد ناحيتي مسرعاً فصرخت ودخلت الغرفة هاربة منه ثم دخلت الحمام وأغلقته خلفي

لأن باب الغرفة بلا مفتاح , وقف عند الباب وقال " أنا أعتبرها دعوة جديدة "

قلت بغضب " واهم وغبي لن أدعوك لذلك ولا على جثماني "

ضحك وقال " نعم زيدي من دعوتي أكثر "

ضحكت بسخرية وقلت " يالا غرورك الغير طبيعي "

كنت محتمية عنه بالباب ولم أفكر أنه يُفتح من الجانبين حتى دار مقبضه الدائري فشهقت

مبتعدة عنه ففتحه ودخل بسرعة اقترب مني بابتسامة انتصار سحبني من ذراعي وأنا أصرخ

به وهوا لا يكترث ولا يتحدث , خرج بي للغرفة رماني على السرير تبت يداي عليه بيداه وقال

وهو يقرب جسده لجسدي " دعوة لثلاث مرات دفعة واحدة كثير "

قلت بحدة وعيناي في عينيه " واهم .. اخرس وأصمت الآن "

ابتسم بمكر وقال وهوا يمسك طرف المنشفة

" التحدي في قاموس الرجل دعوة وأضنك تعلمين ذلك مسبقا "

أغمضت عيناي بشدة لأني إن تكلمت أكثر فلن تزداد الأمور إلا سوءً فسمعنا حينها

صوت حيدر في الخارج ينادي رائد فتركني مبتعداً عني وقال مغادراً

" قولي الآن غير ما قلت وسأصرفه وأعود إليك فوراً "

اكتفيت بالصمت مغتاظة ألعن اللحظة التي فكرت فيها أن أقبله , سمعت حيدر يقول له ضاحكاً

" أرسلت لك مؤمن ولم تأتي فقلت لأفسد عليه بنفسي هل نسيت أنك تركتني انتظرك "

قال بصوت مرتفع متعمداً لأسمعه

" آسف جاءتني دعوة مستعجلة من والد مؤمن فخجلت أن أرده خائبا "

قال حيدر وصوته يبتعد " دعوة على الهاتف أم ماذا أنا لا أفهمك "

وكان هوا خارجاً خلفه يضحك , مغفل وأحمق وواهم واستحق كل ما أتاني منه

جلست أتنفس بقوة وكأني كنت أركض هاربة من كلب مسعور , غيرت ثيابي وخرجت

تناولت شيئاً خفيفاً وسريعاً وقضيت بعض الوقت عند باب الشاليه أراقب البحر ثم خرجت

للخارج مشيت بعض المسافة ووجدت رائد ومؤمن يلعبان الكرة معاً , حقاً يالي من مهملة

جلبت ابن عمتي معنا ولم أهتم حتى لطعامه وإن كان يريد شيئاً , جلست بعيداً عنهما أراقبهم

في صمت وهم لم ينتبهوا لوجودي , بعد وقت سقط رائد أرضاً وضحك مؤمن عليه ولم أستطع

حينها إمساك نفسي عن الضحك , دار مؤمن برأسه ورآني فجأة فلوح بيده اتجاهي ضاحكاً

نظر حينها رائد جهتي فلم استطع إلا الضحك أكثر فوقف واضعا يديه وسط جسده ينظر

لي بضيق فتوقفت عن الضحك فضحك هوا حينها ناظراً للأعلى ثم عادا للعب مجدداً

كم يتعسر عليا فهم رموزك يا رائد , تعاملني بلطف للحظة حتى أضن أنك تغيرت

اتجاهي ثم سرعان ما تطعنني بلا رحمة , شعرت حينها بيد على رأسي نظرت للأعلى

فكانت أنوار تنظر لي بابتسامة ثم جلست وقالت " كيف أنتي اليوم ؟! "

قلت ونظري عليهما " بخير شكراً لك "

قالت بعد صمت " يبدوا لي تعانين مشكلة مع رائد "

نظرت لها بصدمة فغادرت بنظرها للبحر وقالت

" الكلام البارحة في اللعبة كل واحد منكما كان يوجهه للآخر أليس كذلك "

لذت بالصمت فتابعت " حيدر قال لي أن رائد تغير كثيراً هذه الفترة "

نظرت لها بحيرة وقلت " في ماذا !! "

نظرت لي وقالت " قال يبدوا ضائعاً ومحتاراً في أمر ما "

لذت بالصمت فعادت بنظرها للبحر وقالت

" قال أنه حتى في مشكلته مع عائلته التي جعلته يهجرهم لم تجعله هكذا "

قلت بهدوء " ما الذي حدث بينه وبينهم "

قالت " دعيه هوا يحكي لك مادام لم يتحدث معك في الأمر قد يكون لا يريدك أن

تعرفي أمر ما أو يريد إخبارك من وجهة نظره هوا "

عدنا للصمت ثم قالت " الغريب أن انفصاله عن عائلته لم يغير في رائد الكثير

لكن ما حدث بعد ذلك بثلاثة أعوام هوا ما غيره جذرياً ليصبح أكثر عزلة

وانفراداً وتوقف حتى عن الكتابة وحتى ذاك الوقت لم يقل حيدر هذه الملاحظة

عنه , لم يتحدث بما تحدث به الآن "

قلت بحزن " كل زوجان يمران بادئ حياتهما بعقبات ويحتاجان لوقت ليجتازاها "

نظرت لي وقالت " هذا فقط "

هززت رأسي بنعم دون كلام فقالت

" حقيقتاً حيدر من طلب مني سؤالك حتى أنه هوا من لاحظ كلامكما البارحة "

نظرت لها بصدمة فقالت " لم أره قلقاً على شقيقه كالآن "

هربت من عينيها وعدت بنظري إليه , ما حدث بعد ثلاث سنوات كان وقت

انتهاء علاقتنا عبر الانترنت وذاك الأمر هوا السبب حينها لكن الآن ما يكون

السبب وراء ما قالته

نظرت جانباً فلم أجدها , يبدوا أنها احترمت صمتي وغادرت

ضممت ساقاي بذراعاي ودسست رأسي بينهم لوقت حتى سمعت أنفاساً تلهث بجانبي

رفعت رأسي ونظرت فكان رائد يجلس على يميني ومؤمن على يساري

ضحك مؤمن وقال " لقد هزمت زوجك شر هزيمة "

قال رائد ضاحكاً " كاذب "

نظرت جهة مؤمن وقلت " هل أكلت ؟! "

قال " نعم أنا ورائد "

قلت " اذهب وغير ملابسك إنها مبتلة والهواء متحرك ستمرض "

قال " ولكني سألعب قليلا بعد "

قلت بحدة " وإن يكن ارتدي غيرها حتى تجف والعب بالأخرى "

تأفف وغادر عائداً للشاليه فقال رائد " لا تفرغي غضبك مني به "

قلت بضيق " رائد لننهي الكلام في الأمر أرجوك أنا آسفة إن جرحتك لنعتبر شيئاً لم يحدث "

قال بهدوء وعيناه على بحر " قمر أنا لا أفهمك حقاً "

نظرت له بصدمة مطولاً وهوا على حاله عيناه هناك ثم نظرت للرمال تحتي وقلت

" وما الذي لا تفهمه بي أجبني وارحمني "

أخذ حفنة من الرمال بيده ورماها أمامه وقال

" هل تعلمي معنى أن تجرح المرأة رجلا في رجولته "

قلت ونظري للبحر " أعلم وأعلم معنى جرح الرجل أنوثة المرأة باستمرار "

ثم نظرت له وقلت بأسى

" رائد أنا لم أقصد جرحك لأني عن نفسي كنت مجروحة حينها حد الوجع "

نظر لي وقال " وما الذي جرحك وأنتي كنتي ... "

بتر جملته فنظرت للبحر وقلت بعينان تمتلئ دموعا " أنا ماذا ؟! آه أنا من طلبت ذلك "

قال بضيق " ليس هذا ما أعني "

قلت بابتسامة سخرية " ماذا تعني إذاً ؟! "

قال بحدة " لا مجال للتفاهم معك أبداً يا قمر هلا شرحتِ لي لما انزعجتِ إذاً ذاك الوقت "

قبضت بيدي على صدري اكتم عبرتي وقلت ببحة " لن تفهم لأنك لا تشعر كما اشعر "

قال بهدوء " أخبرتك أني لا أفهمك أنتي معقدة جداً "

قلت بابتسامة حزينة " مشكلتنا الأخرى أن كل واحد منا يرى الآخر بعين طبعه "

قال بجمود " قمر توقفي عن إهانتي كي لا أجرحك أكثر "

اقترب منا مؤمن حينها وقال " ها أنظري قمري لقد غيرتها "

وابتعد يلعب بمفرده فقال رائد

" وحتى متى سيبقى يناديك بقمري , لا هوا شقيقك ولا ابنك "

نظرت له مطولاً بحيرة ثم قلت " إنه طفل "

قال ببرود " الطفل يكبر "

قلت بجدية " أنت لا تعلم ما تعنيه لي تلك العائلة وما فعلته لأجلي "

نظر لي وقال " أفهم من كلامك أن من فعل شيئاً لأجلك تستحملين حتى

الأمور الخاطئة التي تخصه "

بقيت أنظر له بحيرة فنظر جهة مؤمن وقال

" يعني أنه لا شيء لي عندك يبرر الخطأ لذلك تحاسبينني "

قلت بصدمة " رائد اصمت "

قال بابتسامة سخرية " ولما أصمت هل الحقيقة مؤلمة لهذا الحد "

ووقف حينها وغادر , ما أفعله مع هذا الرجل كيف أتصرف معه هل كل هذا ولا أستحمل

أخطائه , هوا لا يعلم أن ما أحمله له من فضل تجاوز عائلة عمتي بكثير , لما يحب جرحي

لما تعذبني يا رائد لما !! بقيت مكاني لوقت أبث همومي حتى للأقدام المارة أمامي ولو أنه

كان للقلوب القدرة على طرح حملها على الأرض لكفى ما في قلبي الكون كله ولن يستوعبه

فما الذي تبقى لي الآن غير الحسرة والألم , إن كان هوا لا يفهمني فما سأقوله أنا التي بث

أعجز حتى عن تفسير أنفاسه , كم تمنيت الحياة معه لكني لم أتمناها هكذا أبداً فما أقساها من

جراح هذه التي تكون بسببه فقد أصبح الماضي أمامها شيء لا يذكر رغم أنه كان عنوانا

للضرب والسب والعذاب والسجن

رفعت رأسي ولم أجد مؤمن الذي كان يلعب بالمقربة مني التفتت يميناً ويساراً وكان

لا وجود له في كل مكان , تري هل اقترب من تجمع الناس هناك عند الشاطئ !!

ولكن ذلك مستحيل فرائد حذره من الذهاب هناك وحده , وقفت وعدت جهة الشاليه

لقد أهملته كثيرا وبما فيه الكفاية , غرقت في همومي ومشاكلي ونسيت أنه صغير

ويحتاج لعناية واهتمام هل سيبقى رائد رافعا مسئوليته طوال الوقت وأنا ابنة خاله

ومن احضره وليس هوا

وصلت الشاليه وسمعت ضحكات مرتفعة إن كان رائد فسيكون عجباً عُجاب وهوا

غادر من جواري قبل قليل يكاد يُحرق الدنيا بما فيها من الغيظ , اقتربت أكثر فكانا

بالفعل هما الاثنان ينظران من ثقب في الفاصل بين شاليهنا والمجاور له ويضحكان

اقتربت منهما أكثر حتى أصبحت خلفهما , كان رائد يقول

" انظر انظر للقوام آه كم هي مهلكة , اسمع حينما تكبر أتركني أنا أختار

لك واحدة كهذه لا تقع في اختيار سيء مثلي "

ضحك مؤمن وقال " أريد واحدة كقمر ابحث لي "

ضحك رائد وقال " قلت لك لا تقع في مطب مثلي يا غبي "

ثم صفر تصفيره طويلة وقال " هل رأيت تلك التي خلفها سحقاً لحظي "

كل هذا كان يحدث أمامي وأنا اشتعل كالبركان ما يعنيه بما يقول هل أنا في نظره هكذا

كنت أشعر بالدنيا تضيق وتضيق والكون بأسره ينطبق على ضلوعي , أي إهانة هذه لقد

فاقت كل سابقاتها , لو أنه أوسعني ضربا كان سيكون أرحم من سماعي هذا الكلام منه

ضحك وقال " ما رأيك بالأخرى "

تجمعت الدماء في رأسي فصرخت به " رااااائد "

لكنه تجاهلني ولم يلتفت إلي ولم ينظر إلي أي منهما فقلت بحرقة

" رائد أنا أكلمك "

لم يُعرني أي اهتمام واستمر في وصفه ومؤمن يصفر ويضحك , توجهت جهة الإناء

الحديدي المليء بالرمال حملته وسكبته علي رأسيهما وتوجهت للشاليه دموعي وعبراتي

كل واحدة منهما أقوي من الأخرى , دخلت وأغلقت الباب الزجاجي بالمفتاح

لنرى أين سيستحمان , أغلقت الباب الرئيسي أيضا وجلست في الغرفة أبكي بحرقة إهانته

الجارحة , الإهانة الأعنف في عالم النساء والجرح الذي لا يوازيه شيء , بعد وقت سمعت

باب الشاليه يُفتح ثم باب الغرفة ودخل رائد وتوجه إلي من فوره أمسكني من ذراعي وسحبني

منها بقوة , كنت أقاوم يده لكنه سحبني بالقوة للخارج وخرج بي من الشاليه

يتبع .....
 
الفصل الحادي عشر

سحبتها جهة الحاجز الفاصل حيث كنا ننظر وقلت " أنظري "

قالت ببكاء وهي تقاومني " لا أريد أتركني "

صرخت بها " بل تنظري الآن لتتأكدي أن المكان فارغ ولا أحد فيه وغير مستأجر أيضاً

هل جربتِ شعوري الآن هل علمتِ معنى أن تُجرح أنوثتك بعنف , هذا لا شيء أمام

شعوري ذاك اليوم يا قمر , ولا حتى ذرة فلك أن تتخيلي "

لم تجب بأي كلمة كانت تبكي بشدة متكئة على الحاجز ثم نزلت للأرض تخفي وجهها في

ذراعها وتبكي بطريقة تذيب الحجر , قاومت كل مشاعري ودخلت وتركتها توجهت للغرفة

وضربت بابها بقوة وبقيت واقفا في وسطها ويداي وسط جسدي أتنفس بقوة وغيض ثم بدأت

بالدوران فيها محاولاً تشتيت أفكاري ومشاعري كي لا أخرج إليها

بعد قليل توجهت عنوة للباب وأمسكت يدي بمقبضه دون وعي وخرجت للخارج

كانت قمر مكانها تجلس علي الرمال تحضن ساقيها وتخفي وجهها فيهما وتبكي بذات

بكائها الذي لم يخِف عن السابق , كانت تشهق وتبكي بعبرة وتصرخ بحرقة كله في آن

واحد ومؤمن يحاول تهدئتها والتحدث إليها

مسحت وجهي بيدي وتنهدت بضيق عدة مرات ثم توجهت ناحيتهما , وصلت عندهما

وأشرت لمؤمن أن يدخل وجلست بجوارها ثم سحبتها لحظني فاستسلمت لي من شدة

تعبها بسبب هذا البكاء المخيف , كنت أحضنها برفق وأقول " أشششش يكفي يا قمر "

لكنها كانت علي حالها تمسك قميصي وتدفن وجهها في صدري وتبكي بحرقة فقلت

بضيق " قمر يكفي أنا آسف "

أمسكت قميصي بقوة أكبر وقالت بألم " أريد والداي لما ذهبا وتركاني لكم لماذا "

شددتها لحظني بقوة وقلت بهدوء " قمر لا نفع من هذا الكلام الآن هيا اهدئي "

بقيت محتضنا لها أمسح علي ظهرها وكتفها برفق حتى هدأت قليلا ثم ابتعدت

عني وجلست على الرمال وحدها ونظرت لي بعينان حمراوان وأنف محمر من

البكاء وقالت بحسرة " هل تعلم ما كان شعوري أنا ذاك الصباح حين استيقظت ووجدك

تسجن نفسك في مكتبك ووجدت نفسي أضحوكة لك ولمشاعري وحتى للجدران حولي "

عدلت طرف وشاحها بقوة وتابعت بدموع تتدحرج من عينيها

" كان شعوراً يفوق شعوري الآن بملايين المرات بل

ويفوق شعورك يومها بأكثر منه بكثير "

قلت بحرقة " لا ليس كذلك أنا كنت ........ "

ثم تأففت ووقفت ودخلت للداخل عائداً للغرفة من جديد وارتميت علي السرير أتأفف

وكأني افرغ بذلك ما أكبته , لا أفهمك يا قمر أبداً , لا أفهم سبب موافقتها علي رغم ما

فعلته بي لا أفهم مشاعرها اتجاهي ولا حتى مشاعري اتجاها ففي تلك الليلة شعرت أني

في عالم خاص معها , أشياء لم أشعر بها في عالمي الفارغ سابقاً أحسست وهي بين

أحضاني أني لم أكن موجوداً في هذا العالم فهربت منها مجدداً وسجنت نفسي في

المكتب أعيد خلط أوراق تفكيري وترتيبها لأخرج بقرار واحد إما أني أحبها أو أني

أكرهها وعليا إبعادها عني كي لا أؤذيها ولم أصل لنتيجة ولم يخرجني من عالمي

ذاك إلا صوت أدوات المطبخ تتطاير على الأرض لأصدم بحالتها وأكثر بكلماتها

وهي تطلب مني الابتعاد عنها

لقد جرحتني حينها جرحاً لم يوازيه سوى خذلانها لي وخيانتها سابقاً , لقد أهانتني

في رجولتي قبل مشاعري فأن تتذمر المرأة فقط من العلاقة الحميمة مع زوجها

ذلك كفيل بطعنه بعنف فكيف بها وهي تصرخ ندماً على ما حدث بيننا

بقيت مكاني لوقت لم أرحم شيئاً من يداي الغاضبتان لا الوسائد ولا الأغطية

ولا أفهم سبب ما أفعل وما يحدث , بعد وقت طرقت قمر الباب ودخلت أغلقته

خلفها ووقفت مستندة على الجدار بجانبه تنظر للأرض بحزن ثم قالت

" هل يمكننا حل تلك المشكلة كي لا نعيش في دوامتها كل الوقت "

بقيت أنظر لها بصمت كانت تمسك حجابها في يدها وتمسح بيدها الأخرى الدموع

التي لا تتوقف أبداً وعيناها للأرض , شهقت شهقة صغيرة ثم نظرت لي بأكثر

ملامح على وجه الأرض تحمل حزنا وقالت

" لا أحد من البشر لا يخطئ لكن الكارثة أن يبقى كل واحد منا يفهم الآخر خطأ "

غادرت السرير توجهت نحوها جمعت شعرها المبعثر حول كثفيها ولممته خلف

ظهرها وأنا أقول " يكفي بكاء فلننسى كل ما حدث يومها ولن نتناقش فيه أيضاً "

نظرت لي بضياع فقبلت خدها وغادرت , كل واحد منا جرح الآخر بما فيه الكفاية

وبث أفهم موقفها مني ذاك اليوم , خرجت من الشاليه وتوجهت لحيت كان يجلس

أسعد وحيدر يشربان الشاي ويتبادلان الضحكات , عدلت قميصي المبعثر وجلست

فقال أسعد ضاحكاً " يبدوا أنه كان عليك المجيء وزوجتك وحدكما "
ضحكت وألمي في داخلي يبكي يا لك من واهم يا أسعد ويالي من مدعاة للشفقة

ولا يعلم بي أحد , جلست مكتفيا بالصمت والنظر لصديق حيدر وأطفاله يلعبون

عند الشاطئ وكان مؤمن يلعب وحده , يبدوا لي يحبها لدرجة خوفه من غضبها

منه حتى أنه حرم اللعب مع البقية

بالأمس ظهرت قمر المهاجمة بالمقالات النقدية في الصحيفة , علمت الآن لِما مؤكد

أنها كانت غاضبة ومستاءة حين كتبتها , وقد ظهرت اليوم قمر المجروحة الكابتة لكل

ألآم الماضي وفقدها لوالديها , وما لم يخرج منها حتى الآن ضوء القمر الخائنة لتفصح

عن خبايا ما حدث , وقف أسعد مغادراً فقال حيدر بهدوء ونظره للبحر " ما بك يا رائد "

قلت بذات الهدوء " لا شيء , ما ترى بي أنت !! "

تنهد وقال وهوا يلعب بعود قش بين أصابعه وينظر إليه

" أراك لست رائد الذي أعرفه رغم العالم المنعزل الذي كنت تعيشه لم تكن كما الآن "

نظرت له بحيرة فنظر لي وقال " أنت ضائع , ضائع يا رائد صارحني لأساعدك "

نظرت للبحر وقلت بسخرية

" يبدوا لي لا يوجد لديك شيء غيري تقيم عليه دراساتك كل حين "

رمى بالقشة على صدري وقال بجدية " تكذب لو قلت أني مخطأ فيما قلته "

رفعتها من على البساط ولعبت بها بيدي وتنهدت وقلت " دعك مني أزمة وستمر "

كان يريد قول شيء ما لولا اقتراب أسعد منا , ما سأقول لك يا أخي أحب ولا أحب

أكره ولا أستطيع أن أضر أعقل وأجن في نفس اللحظة , بما أخبرك بجرحي منها

وزواجي بها رغم خيانتها أم بطفولتي معها وقسوتي ناحيتها رغم ما اعلمه عن تلك

الطفولة , ما أقول لك ولنفسي ولغيرنا , لما خرجتِ في حياتي يا قمر لما عدتِ من

الماضي لما التقيت بك مجدداً

اقتربت قمر حينها من مؤمن يبدوا لتشاركه اللعب , قاما بتغيير الكرة بكرة بحر وبدأ

بتبادل قذفها لبعض , مؤكد لن تلعب معه كرة القدم ولا أتخيل أنثى كقمر تفعلها

كنت أراقبها بصمت في كل حركة تتحركها وكل ابتسامة تحاول بها كتم حزنها

عن ابن عمتها , أنثى أتحدى نفسي قبل الجميع أن تتوقف عن تأملها حين تضحك

وتبتسم , مر حينها ذات الشابان البارحة بجوارهما ونظر لها ذاك الذي اصطدم بها



يتبع .........
 
الفصل الثاني عشر + الفصل الثالث عشر

طارت الحروف من لساني ولم استطع قول شيء ولم أشعر بنفسي إلا وأنا ألتفت

ناحيتها وأشدها لحظني بقوة وأقول " قمر لا تعترضي نامي في حضني وسننسى

كل هذا غدا الآن أريدك هنا "

ابتعدت وجلست على طرف السرير وقالت بعبرة

" ليتك لم تقل هذه الجملة ليتك اكتفيت باحتضاني في صمت "

مددت يدي لها وقلت بهدوء " حسناً تعالي لن أتكلم أبداً "

قالت " لا أريد جرح كرامتك يا رائد ولا أريدك أن تجرحني مجدداً أرجوك فابتعادنا أفضل "

انقلبت للجانب الآخر موليا ظهري لها وقلت ببرود " لن يحدث شيء مما حدث سابقاً وأنتي

غير راضية تأكدي من ذلك فلن أقربك إلا بموافقتك ورضاك "

لذنا بالصمت كلينا وبعد قليل نمت ولم أستفق إلا عند الفجر وهي غير موجودة في السرير

كل ما أردته البارحة أن أحضنها وامسح على شعرها وهي في مخيلتي قمر الطفلة وسأتجاهل

ضوء القمر للبارحة فقط لكنها ترفض حتى عطفي عليها ترفض حتى اقترابي منها ترفضني

بكل بساطة , غادرت السرير متأففاً دخلت الحمام وتوضأت وصليت وعدت للنوم وكأني أريد

الهروب من كل واقعي , بعد وقت طويل طرق أحدهم باب الغرفة لم تكن الطرقة لقمر قطعا

فجلست بسرعة , هل حدث لها مكروه يا ترى !!عاد الطرق مجدداً فقلت بتوجس " من ؟! "

فتح عندها مؤمن الباب ودخل يسحب قمر معه في يده وقال مبتسماً

" هيا لنخرج معاً سوف نغادر ولم نتمشى معاً هيا صباح الخير "

ضحكت وهززت رأسي بيأس وقلت

" آمنت الآن أنه ليس المعلم فاشل أنت من لا أمل فيك "

ثم أبعدت اللحاف عن جسدي ووقفت وقلت " حسناً أستحم ونخرج "

خرجنا بعد وقت قصير , صدَق مؤمن لم نتمشى معاً حتى أنا وقمر الزوجان لم نتمشى

ولا لخطوتين , كنت طوال الوقت أجلس مع البقية مبتعداً عن الشاطئ في مكان بعيد

ومنعزل وهي مع النساء الأخريات أو تسجن نفسها في الشاليه وإن تقابلنا نتشاجر فوراً

خرجنا نتمشى قرب الشاطئ ثلاثتنا أنا وبجانبي قمر وبجانبها مؤمن ممسكا يدها

كنا نمشي في صمت ولا شيء سوى أصوات الناس بقربنا في كل مكان حتى قال

مؤمن بسرور " كل من يراني يضن أني ابنكما هههه وقلت نعم أنا ابنهم "

قالت قمر " ابني في التاسعة كيف يكون ذلك "

قال مستاء " قالت لي تلك المرأة الوقحة كيف ابنهما ولا تشبه والدتك

الفاتنة ولا والدك الوسيم .... هل أنا قبيح !! "

ضحكت وقلت " كنت قلت لهم أنك طفرة وراثية "

قالت قمر بضيق " مؤمن لا تقل عنها وقحة هي أكبر منك "

تأفف وقال " لما رائد لم يتضايق من كلامي هل هوا سيء أيضاً "

تجاهلته ناظرة جهة البحر فقلت بابتسامة " سننجب فتاة ونزوجها لك ما رأيك "

ضحك وقال " إن كانت كقمري حسناً ولكن أريد منزلا وسيارة أيضاً معها "

ضحكت كثيراً ثم قلت ونظري على وجه قمر التي كانت تنظر لخطواتها في الرمال

" فتاة كقمر ومنزل وسيارة هذا كثير وحدها كانت ستكفيك "

قال بضيق " أين سنسكن إذاً وكيف سنتنزه بدون سيارة "

ضحكت قمر ضحكة صغيرة وقالت " نزوجها لوالدك ما رأيك "

قال ضاحكاً " نعم وخذا منه منزل وسيارة مقابل لها وزوجوني الأخرى وأعطوهم لي "

ضحكت كثيراً حتى تعبت ثم قلت " ولما نأخذ منه هوا ونعطيك أنت "

لوح بيده في الهواء وقال " أنا وحدي ولكن والدي لديه أمي وابنته سليطة اللسان طويلة اليد "

أوقفتنا حينها فتاتان وقالت إحداهما لي بصدمة " أنت رائد المنذر أليس كذلك ؟! "

قلت " نعم "

صرخت ومن الصدمة بقيت أنظر لها دون أن أرمش ثم أخرجت الأخرى دفتراً وقالت

" وقع لنا أرجوك وأكتب لي شيئاً هنا "

أمسكت منها القلم والدفتر ووقفت هي ملتصقة بي تنظر لما أكتب , شعرت حينها بيد

تسحبني وصوت قمر وهي تقول " عذرا يا آنسة زوجي مشغول وعلينا الذهاب "

قالت الفتاة بدهشة " الكاتب رائد المنذر تزوج "

قالت قمر بغيض وهي تسحبني وتسير " نعم وعليه المغادرة أيضاً "

ابتعدنا عنهما بخطوات فوقفت وقلت " قمر ما بك !! "

قالت بضيق ملوحة بيدها في الهواء " ألم ترها كيف كانت تلتصق بك وأنت تكتب

هل ضاقت الأرض بها ألا تستطيع أن تصبر حتى تكتب ثم تقرأها "

قلت بهدوء " قمر الأمر لا يستحق كل هذا الضيق "

قالت بغضب متجاهلة أين نحن الآن

" بلى يستحق ألم يكن اصطدام الشاب بي يستحق هذا مثله وأكثر "

هكذا إذا تردين لي الصفعة , كتفت يداي لصدري وابتسمت بسخرية وقلت

" ضننت لك مشاعر تعرف الغيرة على زوجك لم أتوقعك تنتهزي الفرص لتنتقمي "

نظرت لي بصدمة ثم قالت مغادرة من أمامي " غبية أقسم أنني أكبر غبية في الوجود "

وابتعدت عائدة من حيث أتينا نظرت جهة مؤمن وقلت " هل هي تغضب هكذا دائماً "

هز رأسه بلا وقال " كانت هادئة وحزينة دائماً أمي كانت تقول لنوران دائماً ليتك مثل قمر

تتحدث بهدوء وتتحرك بهدوء حتى أنها لا تضربني عندما تدرسني ولا تغضب حين لا أفهم "

لما هي مشدودة الأعصاب هذه الأيام إذاً ولما تغضب مني وتستاء من كل شيء أفعله إن

كانت لسنين معهم هادئة طوال الوقت لما معي لا ولما كانت ستقبل شفتاي صباح الأمس

ولما تضايقت من الفتاة !! لازالت تحبني ... لا مستحيل لو كانت تحبني ما فعلت ما فعلته

وخانتني ولم توضح لي حتى الآن سبب خيانتها لي , ثم إن كنت سأفسر الشبه قبلة تلك حباً

فقبلتي لها كل ليلة ستكون حباً وإن فسرت تضايقها من الفتاة غيرة فسأفسر تضايقي حتى

من أخي جنون الغيرة حتى أنني كدت أرمي الكعكة التي أعدتها في الرمال لمدحهم لطعمها

من ثم انتقلوا لمدحها هي , إذا هوا ليس حب ولا غيرة ما يكون إذاً , فسر شعورك نحوها يا

رائد لتفسر شعورها , نظرت لمؤمن ثم نزلت لمستواه وقلت

" سنفعل شيئاً لنعلم إن كانت قمر غاضبة منا حسناً "

هز رأسه بنعم فقلت له ما سنفعله وعدنا للشاليه كان الجميع يقومون بجمع أغراضهم

وطبعاً نحن لم نفعل شيئاً سوى الركوب في السيارة , يالك من نابغة يا قمر خلصتنا

من أصعب مهمة , ركبت السيارة وقمر كانت فيها منذ وقت طويل وعلى حالها متكئة

على زجاج النافذة قبل حتى أن ننطلق , ركب مؤمن وغادرنا عائدين

في الطريق تحدث مؤمن حسب الاتفاق طبعاً وقال موجهاً حديثه لقمر

" قمري متى ستعودين إلينا ؟َ! "

قالت وهي متكئة على زجاج النافذة وعيناها مغمضتان " لن أعود لكم "

قال بتذمر " هل أحببته أكثر منا ونسيتنا "

غلبتني ابتسامتي ولم استطع أن امسكها , صدقت قمر حين قالت لا تستهن به

قالت مجيبة عليه " نعم "

قال " كنتي معنا لسنين كيف تحبينه أكثر منا "

قالت " عندما تكبر وتتزوج ستحب زوجتك أكثر من أي أحد "

أشرت له بيدي أن يتابع فقال " لن أحبها أكثر منكم "

قالت " لا تقلق فقد يعيدني رائد إليكم قريباً "

قال " لما !! "

قالت " نعم يعيدني ... نعم يكرهني "

أشرت له بيدي ليسكت وركزت نظري على أنفاسها كانت تتنفس

بقوة وصعوبة , قلت بهدوء " قمر "

قالت " عينا التنين اخرجي من رأسي "

قلت بصوت أعلى " قمر "

قالت بهذيان " أصابعي أشعر بالبرد أمي افتحي لي الباب "

أمسكت يدها فكانت ساخنة جداً أوقفت السيارة جانبا أمسكت وجهها ورفعت

رأسها للكرسي , كانت خداها مشتعلتان من الاحمرار وشفتاها ترتعش

ضربت خديها وأنا أقول " قمر هل تسمعيني قمر استيقظي "

لكنها لم تفتح عينيها ولم تجب كانت ساخنة كالنار وعادت للهذيان مجدداً

وكانت تقول " لا شعري لا البرد ... رائد رائد "

أمسكت يداها بقوة وقلت " أنا رائد يا قمر أفيقي أنا هنا لا عينا التنين ولا السطح

ولا برد ولا أي شيء أنا وحدي هنا , أنا رائد قمر استفيقي "

ولكن عبثا حاولت شغلت السيارة وطرت بسرعة جنونية يد على المقود والأخرى

تمسك يدها وليس على لسانها سوى الماضي , ذهبت بها للمستشفى من فوري

نزلت وأنزلتها بين ذراعاي وقلت لمؤمن " أغلق السيارة وابق فيها إياك أن تنزل منها "

قال وهوا يغلق الباب " حسناً "

دخلت بها ركضاً لتستلمها مني الممرضات في قسم الطوارئ رجعت لمؤمن وأنزلته معي

كي أضمن أنه لن ينزل لو تأخرت فيضيع مني , جلست أنا وهوا ننتظر في صمت حتى

خرج الطبيب فوقفت من فوري وقلت " كيف هي الآن "

قال " حمى بسيطة لا تقلق أعطيناها خافض للحرارة وحقناها بالمغذي ستنام لوقت "

اتصلت بعدها بأهل مؤمن وأخبرتهم أني سأحضره بعد قليل كي لا ينشغلوا وما أن

أغلقت الخط حتى اتصل بي حيدر فأجبت فقال من فوره " مرحباً رائد هل وصلتم "

قلت " لا نحن في المستشفى "

قال بصدمة " المستشفى ماذا حدث هل تعرضتم لحادث سير "

قلت بهدوء " لا ... قمر تعبت وجلبتها هنا "

قال بعد صمت " تعبت من ماذا هل هي حامل هل نقول مبروك "

قلت بتذمر " حيدر أنا لست بمزاج سخافاتك أخبرتك سابقاً أن

هذا مؤجل لقد أصيبت بالحمى "

كانت أنوار تتحدث بجانبه فقال " هكذا إذا كيف تفعل ذلك "

قلت بتوجس " حيدر ماذا هناك ؟! "

قال " أنوار قالت أن قمر قضت ليلة البارحة كلها جالسة عند

الشاطئ والموج يضرب قدميها "

لهذا إذا لم أجدها حين استيقظت , مجنونة كيف تقضي كل ذاك الوقت هناك

وصلني صوت حيدر قائلاً " رائد تسمعني !!... لما قضت الليل خارجاً ؟ "

قلت " سنتحدث لاحقاً وداعاً الآن "

أغلقت الخط وما هي إلا لحظات وكانت عمتها وزوجها داخلان ركضاً وصلا

عندي أمسكت يدي وقالت بخوف " ما بها قمر يا رائد ماذا حدث لها ؟! "

قلت مطمئنا " حمى بسيطة لأنها تبللت قليلاً البارحة لقد طمأنني الطبيب قبل قليل "

تركت يدي أمسكت يد زوجها وقالت " هيا لنتحدث معه تعلم أن قلبها في فترة نقاهة

وتعلم ما حدث حين أصيبت بالحمى سابقاً "

نظرت لهما بصدمة وقلت " ماذا حدث !! "

قال السيد شاهد " هل أخبرت الطبيب عن قلبها "

قلت " لا "

تغير لون وجهه وكأن الموت دخلته فقلت بحدة " ماذا هناك أخبراني ما بها "

غادر مسرعا ومتجاهلا كلامي لحقت به ركضاً ودخلت خلفه لحجرة الطبيب فقال

" عذرا أيها الطبيب أنا قريب السيدة التي جاءتكم منذ قليل لقسم

الطوارئ هل حقنتموها بمهدئ "

قال بصدمة " لا كنا سنفعل للتو "

قال بحدة " لا أوقفهم "

خرجت ركضاً من عندهم وعدت لحجرتها كالبرق فتحت الباب بقوة وجدت الممرضة

تضع الإبرة في المغذي أخذتها منها ورميتها بعيداً وقلت بغضب " هل انسكب منها شيء "

نظرت لي بصدمة فصرخت بها " تكلمي هل انسكب من المهدئ شيء "

قالت " لا "

تنهدت براحة وقلت " لا تعطيها إياه "

قالت بضيق " هل أنا الممرضة هنا أم أنت ؟! ثم أنت ترى حالتها تهدي دون توقف "

صرخت بها " إن حدث لها شيء قاضيتك فهمتي المهدئ ممنوع عنها "

بقيت تنظر لي بصدمة فدخل حينها الطبيب والسيد شاهد وقال الطبيب

" لا تحقنوها بالمهدءات مفهوم "

قالت بضيق ونظرها علي " مفهوم "

طلب منا الخروج وتركها ولكني رفضت , بقيت جالسا بجانبها أستمع لهذيانها المتكرر

عينا التنين البرد والسطح شعرها ورائد , كانت تترجى الباب أن يفتح وتترجى والدتها

أن تأتي وتأخذها وذكرت حتى الشواء وكل شيء وكنت أشعر بالسكاكين تُغرس في قلبي

مع كل كلمة تقولها , سحقاً لك يا رائد كنت طفلاً لكن ليس لدرجة أن تعجز عن فهم

معاناتها وإيجاد حل لها ولو تهريبها من ذاك السطح وأخذها لدار الأيتام فهي أرحم مئة

مرة من الذي عاشته , قد أسامحك على أي شيء تفعله لها الآن لخيانتها لك لكن طفولتها

لا أسامحك عليها أبداً , بعد ساعات انخفضت حرارتها وتوقفت عن الهذيان ونامت نوماً

طبيعياً دون مهدءات وبقيت بجوارها حتى الصباح

في اليوم التالي أذن لها الطبيب بالخروج , حمدا لله أنهم لم يحقنوا المهدئ , لكنّ

الخطأ على عمتها وزوجها كيف لم ينبهوني لهذه النقطة كل ما همهم حينها الإنجاب

دخلت الممرضة لتنزع منها إبرة المغذي وجهاز قياس النبض ونظرت باتجاهي وقالت

" ألن تكتب لنا شيئاً جديداً أستاذ رائد معجبيك ينتظرون منذ زمن "

نظرت لها باستغراب , يبدوا لي ذاكرة الفتيات كالصاروخ حتى أنهن

يعرفنني من الصور في الجرائد , قلت مجاملا بابتسامة

" كتبت بعض المقالات ثم هناك غيري كثر وأفضل مني "

قالت مبتسمة " لم تستهوني أي مقالة بعد مقالاتك "

بدأت أذكرها ببعض الكُتاب الجيدين وهي تضع ملاحظة سيئة على كل واحد منهم

وتنظر اتجاهي كل حين فقالت قمر بضيق " هيه أنتي إنك تخرجينه بشكل خاطئ

انتبهي لعملك واتركي عنك المقالات "

نظرت لها وقالت " عذراً يا آنسة هذا عملي وأتقنه وعيناي مغمضتان "

قالت قمر بسخرية " المغذي لازال مفتوحاً يا متقنة هل ستنزعينه هكذا ثم

أنا لست آنسة وهذا زوجي "

أغلقت المغذي ونظرت لي وقالت " لم تتحدث الجرائد عن أنك تزوجت !! "

قلت ونظري على قمر " حدث الأمر سريعاً وحديثاً "

أبعدت نظرها عني متضايقة ثم قالت وهي تبعد يد الممرضة عنها

" اتركيني أنزعه وحدي فقد عشت به لأشهر "

خرجت الممرضة ووجهها يتلون من الغضب ونظرت قمر ليدها وهي تمسح الدم

منها بواسطة القطنه وقالت بضيق " قل أني أخطأت وتسرعت هذه المرة أيضاً

يالها من مستهترة عيناها في جانب ويداها تلعبان في جانب تضنني غبية , أجل

فهي صحتي وليست صحتها ولا صحتك "

قلت بضيق " قمر لما هذا الموقف منها لقد نبهتها وانتهى "

نظرت لي وقالت بسخرية " لا تخف كثيراً على مشاعرها "

قلت بحدة " قمر لما هذا الكلام الآن كانت تتحدث عن الكُتاب الجدد يعني

حديث عادي فسري لي سبب تضايقك منها بهذا الشكل "

قالت بابتسامة حزينة " رد صفعة كالسابقة هذا ما تفكر به أليس كذلك "

نظرت لعينيها شبه الدامعتان وقلت بهدوء ممزوج بالضيق

" تتصرفين كالأطفال تماماً "

خبئت وجهها في ذراعها وبدأت بالبكاء دون كلام فتنهدت وقلت بهدوء

" قمر ليس هذا مكاناً مناسباً لنتشاجر ولا لتبكي "

نظرت لي وقالت بعبرة " لما يحق لك أنت أن تتضايق من اقتراب أحد من زوجتك لأنها

ملكك وأنا لا يحق لي , لما تتجاهلني وتهمشني دائماً , أنا في النهاية بشر ولا أحب أن

تتكلم أحداهن مع زوجي هكذا أنت تضعني أمامهم موضع المنبوذة المهملة التي لا تعنيك "

اقتربت منها جلست بجوارها ضممتها من كتفيها وقلت بهدوء

" حسناً لن يتكرر ذلك توقفي عن البكاء الآن "

هدأت بعد وقت فهي إن بكت لا تتوقف إلا حين ترغب هي بذلك وبعد أن تفرغ

كل ما في جوفها من مياه , مسحت على خدها وقلت

" كانت تسألني وأنا أجيب هل كان علينا صنع مشكلة من هذا "

قالت ونظرها للأسفل وشهقاتها الصغيرة لازالت تتالى

" أريد الخروج من هنا الآن وحالاً "

ابتسمت بعفوية وأوقفتها عدلت لها حجابها وخرجت بها من هناك للمنزل فطلبت مني

أخذها لمنزل عمتها فوضعتها هناك فيبدوا لي هي بحاجة للابتعاد عني لأرحمها مني

إن بقيت أمامي فلن أعاملها إلا بالقسوة أغلب الأحيان , بعد يومين تلقيت اتصال هاتفي

من حيدر فأجبت قائلا " ما بك تتصل في هذا الوقت هل بكم مكروه ؟! "

لاذ بالصمت فقلت بحدة " حيدر تكلم ماذا هناك "

قال بهدوء " والدك توفي بالأمس "

من صدمتي لم أستطع حتى الكلام فقال " رائد هل أنت معي "

قلت " نعم ... كيف حدث ذلك ؟! "

قال " أزمة قلبية , أنا هناك هل ستأتي ؟! "

قلت " لا أعلم "

قال بغضب " رائد ما بك يا رجل الكل يسأل عنك هنا أنت ابنه الوحيد "

تنهدت وقلت " سأرى "

أغلقت الخط وسندت رأسي على يداي على طاولة المكتب أمامي فهذا حالي منذ عدت

من الرحلة فلم تعتب قدمي غرفة نومنا خوفاً من أن تنجرف مشاعري للغائبة عنها وأنا

أرى أشيائها وأشم عطرها , تنهدت بضيق ومسحت وجهي , ستُ أعوام مرت لم أره

فيها منذ ذاك اليوم حين طردني من المنزل بدم بارد ورغم أنه يعلم ببراءتي من التهمة

لم يكلف نفسه عناء التكلم معي والاعتذار أو حتى طلب أن أعود للمنزل دون أن يعتذر

لم أنسى يوماً ولن أنسى ذاك اليوم الذي نظروا لي فيه بنظرات كالجليد وهوا يطردني

وكأنهم ليسوا عائلتي , مريم الوحيدة التي كانت تمسك يد والدي وتبكي بحسرة وتترجاه

أن لا يفعل ذلك , آه لم يخرجني من تلك النكبة سوى ضوء القمر لا الكتابات ولا الشهرة

ولا شيء و وحدها انتشلتني من ذاك الحزن دون علم منها لتعود وتطعنني لتقتلني تماماً

ودون رحمة فكيف أغفر لها الآن كيف

تنهدت بضيق وغادرت غرفة المكتب ودخلت غرفة نومنا ما أن فتحت الباب حتى

غمرت أنفاسي رائحة عطرها التي لم تغب لحظة عن خلايا صدري فتحت الخزانة

لآخذ أغراضي فقادتني يدي لفساتينها المعلقة وأمسكت الفستان الزهري الذي ارتدته

تلك الليلة أخرجته ورميته على وجهي وأغمضت عيناي أستنشق عبيره لا بل عبيرها

فيه لتظهر صورتها ذاك اليوم أمامي وهي تلبسه ليكشف انحناء خصرها وتقاسيم جسدها

وساقيها البيضاء الناعمة وكأنها أميرة من الخيال , تنهدت وأبعدته عن وجهي ورميته

في الخزانة وطردت تلك الأفكار الغبية من دماغي وأغلقت بابها وخرجت من الغرفة

في اليوم التالي ذهبت لمنزل عمتها وأخبرتهم أنني أريد مقابلتها وبقيت انتظرها في غرفة

الجلوس حتى دخلت علي بفستانها الزهري اللون القصير وخدان متوردان يعكسان لونه

والعينان العسلية الواسعة والشفاه الوردية , كانت كفتيات القصص الخيالية تماماً

اقتربت وقالت " مرحباً رائد "

بقيت أنظر لملامحها في صمت فتنقلت عيناها في ملامحي بحيرة وقالت " ما بك ؟! "

لا اعلم كيف علمت أن ثمة أمر حدث رغم أن ملامحي كانت جامدة تماماً عن أي تعبير

نظرت للأرض وقلت " والدي توفي منذ يومين "

شهقت بصدمة وكأنها تعرفه ثم قالت " كيف ؟! "

نظرت لها وقلت " أزمة قلبية "

قالت بحزن " يرحمه الله ويخلفكم فيه خيراً "

قلت بهدوء " شكراً لك "

رفعت شعرها خلف أذنها وقالت " ماذا ستفعل الآن ؟! "

نظرت لمفاتيحي بين يدي أشتت نظري عليهم ثم نظرت لها وقلت

" سأذهب لهم اليوم إن كنتي تريدي البقاء ابقي هنا فلن أتأخر "

هزت رأسها بقوة حتى تحركت غرتها الناعمة وقالت

" لا سأذهب معك يجب أن أكون معك هناك "

قلت معترضا " قد تتعبك الرحلة لابد وأنك لازلت متعبة أنظري لخداك كيف لونهما "

قالت بإصرار " بل سأذهب وخداي ليسا من المرض متوردان

هذا لأني استيقظت من النوم الآن "

نظرت لها بحيرة , إذاً أنا لم أرها مستيقظة من النوم قبلا لكن كيف ألم تكن تنام !!

تنهدت وقلت " حسناً جهزي نفسك لنعود للمنزل وسنغادر بعد قليل "

غادرت من فورها مسرعة وما هي إلا لحظات ودخلت لتخبرني أنها جاهزة عدنا للمنزل

في صمت جمعَتْ أغراضاً لها ولي في حقيبة وغادرنا المدينة متوجهاً للمدينة التي لم

أزرها منذ ذاك اليوم , ساد الصمت مطولاً في الطريق ثم كسرَته قمر قائلة

" كم عدد إخوتك وما أسمائهم "

نعم كيف فآتني هذا عليها أن تعرفهم لتسأل عنهم , قلت " مريم و غيداء و نور "

عادت للصمت فقلت " هناك ما عليك معرفته قبل الوصول هناك "

نظرت لي بحيرة فقلت " أنتي تعلمي أني أعيش وحيداً فأي شيء ستتوقعينه منهم

لا أريد مشكلات يا قمر كلها أيام قليلة ونعود "

قالت " بالتأكيد ولكن ألا أخ لهم غيرك "

قلت " لا "

قالت " كيف سيبقون وحدهم "

قلت بسخرية " هم لم يحتاجوني يوماً "

قالت " ولكن الوضع تغير الآن من يحميهم من الناس والمجهول هم نساء وحدهم "

قلت بحدة " قمر هذا الموضوع منتهي الكلام فيه هم طردوني ولم يريدوني يوماً "

ثم تأففت بضيق وقلت " لننهي الحديث في الأمر "

قالت بهدوء وعيناها على يديها في حجرها

" تخيل أن إحداهن أصابها مكروه على من ستلقي الناس اللوم حينها "

قلت بصراخ زلزل السيارة " قمر كم مرة سأعيدها "

ارتجفت خوفا وهي تنظر لي ثم لاذت بالصمت ولم تتحدث حتى وصلنا عبرت الشوارع

لم تتغير كثيراً , وصلنا المنزل ولاحظت قمر تفرك يداها بتوتر نظرت لها فكانت عيناها

على المنزل المجاور لمنزلنا فتحت باب السيارة وهي على حالها لم تتحرك توجهت ناحيتها

فتحت الباب وقلت " قمر هيا لقد وصلنا "

نظرت لي بصمت ثم نزلت تتبعني حتى دخلت وتوجهت أنا لمجلس الرجال حيث وقف

الجميع لتعزيتي , منهم من أعرفه وتعرفت عليه رغم مرور السنين ومنهم من لا أذكره

وأمضيت اليوم هكذا في استقبال التعازي وكل مخاوفي أن تقابل قمر عينا التنين هنا

ولكن هذا اختيارها , هي أرادت المجيء وعليها أن تستحمل

اتصلت بمريم قبل وقت وطلبت منها أن تخبرني لو حدث شيء مع قمر , كان كل

خوفي من أن تكون الحمى لم تزل معها بعد

عند المساء وبعد أن غادر الجميع وقفت ودخلت للمنزل , لا أنكر أني أكابر على

نفسي لأدخل لهم ولولا الحياء كنت بقيت في المجلس حتى غادرت من هنا

الفصل الثالث عشر

دخلت بخطوات بطيئة فقد أثار مخاوفي كلام رائد الغير مفهوم ولكن كان عليا المجيء

ليس من أجل مظهري أمامهم فقط بل ومن أجل مظهري أمام عائلة عمتي أيضاً

وصلت منتصف المنزل كانت صالة واسعة بها صالوناً كبيراً ومجموعة من النسوة

الآتي لا أعرف منهن أحداً , كانت الأنظار كلها موجهة إلي , اقتربت منهم وألقيت

التحية , كان عليا الخروج من هذا الموقف سريعاً زوجة ابنهم ولا تعرف منهم أحداً

نظرتُ للجميع وعلمت من ستكون زوجة والده من حالها وحزنها وحدادها وبتقديري

لسنها , اقتربت منها فوقفت من فورها فقلت " عمتي أحسن الله عزائكم أنا زوجة ابن زوجك "

نظرت لي بادئ الأمر بصدمة ثم تجاوزتها وسلمت علي فقلت هامسة " أين هي مريم ؟! "

قالت بذات الهمس " التي تمسك الطفلة هناك "

توجهت لها من فوري وصلت عندها فوقفت من فورها فاحتضنتها وقلت

" أحسن الله عزائك يا مريم أنا قمر "

احتضنتني بقوة وقالت ببكاء وهمس " قمر زوجة رائد هل هوا هنا "

قلت " نعم "

ثم همست لها " أين غيداء ؟! "

نظرت لي وقالت " التي بجوار والدتها ونور الجالسة بمفردها هناك "

توجهت نحو الأولى وما أن وصلت عندها حتى وقفت ونظرت لي بكره

وقالت بضيق وصوت مكتوم " ما جاء بك وبه هنا "

نظرت لها مطولاً بصدمة ثم قلت " أحسن الله عزائك "

وغادرت تاركة لها واقفة توجهت حيث الثالثة فوقفت وصافحتني ببرود دون أن تجيب

على تعزيتي لها , عدت حيث البقية فوقفوا وبدئوا يعزونني , يبدوا علموا من مريم أو

زوجة والدها أنني زوجة ابنه , توجهت بعدها من فوري للجلوس بجوار مريم , يبدوا

لي هذا الخيار الأفضل , كان الصمت يسود المكان نظرتْ لي مريم وقالت بصوت

منخفض " لا تكترثي لكل ما يقال لك هنا "

ابتسمت لها وقلت " إن لم تستحمل زوجة ابنهم من سيستحمل "

نظرت لي مطولاً ثم قالت " أحسن رائد في اختيارك قلباً وقالباً "

ابتسمت لها وعدنا للصمت , بعد وقت جاءت طفلة تبدوا في السادسة توجهت

لي من فورها وقالت بمرح " أنتي زوجة خالي رائد ؟! "

قلت بابتسامة حنونة " نعم "

صعدت على الأريكة بجواري واحتضنتني قائلة

" لقد عرفتك , أنا ذكية سأذهب لأخبره "

قالت مريم هامسة لها بضيق " صبا ابتعدي من هنا والعبي في الخارج "

قلت ماسحة على شعرها " هل هذه ابنتك ؟! "

قالت " نعم متعبتي وليست ابنتي "

تركت حضني ووقفت بيني وبين والدتها وقالت " لقد رأيت خالي رائد وسلمت عليه "

قالت حينها غيداء بسخرية " خالها ولم تره إلا الآن يالا السخافة "

نظرتُ لمريم فأومأت لي بعيناها مغمضة لهما فابتسمت لها ابتسامة صغيرة بمعنى لا

تخافي لن أتحدث ثم عادت غيداء للحديث مجدداً وقالت بأسى

" حتى مات وابنه لا يعرف له طريقاً وكأنه ليس والده الذي أنجبه ورباه كل

ما فعله أنه أحنى رأسه بين الناس "

قالت حينها والدتها بحدة " غيداء اسكتي "

قالت ببكاء " لما أسكت الكل هنا يعلم ذلك ياله من ابن عاق لا يذكر والده إلا بعد موته "

لم أنطق بحرف فسكتَتْ حينها فقد وضعتها في موقف دفاعي الصمت فيه هوا الحل

الأنسب , ومر بعدها الوقت لا شيء سوى استقبال المعزيات وتوديعهن حتى اقترب

وقت المغيب ولم يبقى بالبيت أحد غيري وعائلة رائد , كنت طوال الوقت جالسة مكاني

لا أفارقه إلا للصلاة , بعد وقت طويل دخل رائد علينا

كانت تلك اللحظة الأصعب على الجميع ومؤكد على رائد أكثر رغم جهلي ما حدث هنا

في الماضي , اقترب بخطوات ثابتة فكان أول من استقبله مريم , احتضنته مطولاً ببكاء

وهوا يمسح على ظهرها في صمت , توجه بعدها لزوجة والده وعزاها فعاملته بجدية

لا برود ولا ترحاب كما استقبلتني تماماً , وقفت حينها غيداء وغادرت المكان غاضبة

دون كلام , نظر لها حتى اختفت ثم التفت جهة نور التي اقتربت منه ومدت له بيدها

في صمت , نظر ليدها مطولاً ثم صافحها فاستلت يدها من يده بسرعة وجلست مكانها

توجه ناحيتي ومريم وجلس بجوارنا على ذات الأريكة

بدأ بسؤال مريم عن أحوالها وعن أبنائها وغادرت حينها نور ولم يبقى غيرنا ثلاثتنا

وزوجة والده , بعد قليل نادت غيداء والدتها من بعيد حيث نسمع صوتها ولا نراها

فغادرت باتجاهها مختفية عنا أيضاً , كانت تتكلم مع ابنتها بحدة بصوت غير مفهوم

ثم سمعنا صوت غيداء الصارخ وكأنها تتعمد إسماع أحدهم وهي تقول

" لا نريده يا أمي هل تذكرنا الآن , لقد قتل والدي هو سبب موته اطرديه "

أنزلتُ حينها يدي وأمسكت يد رائد بقوة أريده أن يفهم معنى ما عنيت لا تتحدث

وكانت يده على حالها دون أي ردة فعل , بعد قليل عادت والدتهم وجلست معنا

وبدأ الوقت يمضي ولا شيء سوى الصمت , ادعيت أنني أرتب لمريم طرف

وشاحها وقلت لها هامسة " رائد ينتظر أن يخبروه على الأقل أين سينام "

لم تجب أمسكت هاتفها جانباً ويبدوا أنها أرسلت لزوجة والدها رسالة من

صوت هاتفها , بعد قليل قالت تلك

" رائد غرفتك السابقة كما هي يمكنكما استخدامها لابد وأنكما متعبان "

وقف في صمت ثم ابتعد قليلا ووقف وقال " قمر اتبعيني "

نظرت لهما ثم وقفت وسرت خلفه دخلنا حجرة بخزانة وسرير فردي , كان واضحاً

عليها أنها لم تفتح لسنوات ولا أعرف لما , توجهتُ من فوري للنافذة فتحتها ومن ثم

للسرير في صمت أزلت الأغطية عنه لأنها مغبرة فتحت الخزانة كان بها أخرى جديدة

وضعتها بدل الأولى وقلت بهدوء " يمكنك النوم سأقوم بتنظيف باقي الغرفة دون صوت "

كان واقفا مكانه عند الباب ونظره للأسفل يتنفس بهدوء ثم اقترب مني ورأسه لازال

أرضاً حتى وقف أمامي مباشرة ثم احتضنني بقوة دون كلام وأنا لم أتحرك من الصدمة

شدني لحضنه أكثر وقال بهمس حزين " أحتاجك يا قمر "

شعرت حينها بكل خلية من خلايا جسمي تتهتك وكأنه يحضنني للمرة الأولى وكأني

لم أعرفه إلا الآن فلحظتها فقط علمت معنى أن تحطم الهموم قلوب الرجال

رفعت يداي وطوقت خصره بهما أحضنه أكثر من حضنه لي , غبية أعلم

وسيقسو عليا بعد قليل أعلم أيضاً ولكن ما كنت لأستحمل حزنه وما لقي اليوم

ممن هم عائلته , بقيت أحضنه في صمت حتى شعرت بيداه ترتخيان شيئاً فشيئاً

حتى ابتعدتا عني وقال هامساً " ابتعدي "

ابتعدت عنه مصدومة أكثر من كوني مجروحة منه انظر لعينيه بضياع

فدار بظهره سريعاً وابتعد عني بضع خطوات فقلت بهدوء " رائد "

ولكنه لم يلتفت إلي ولم يجب فقلت بصوت أعلى " رااائد "

ولا حياة لمن تنادي كل ما فعله أنه خرج ... نعم خرج ولم يغلق حتى باب الغرفة

خرج وتركني بعدما نقل جرحه منه لي وكأنه يقول لي تألمي مثلي شاركيني الألم

بتألمك أيضاً , أحسست حينها بحجم غبائي الذي لا أتعلم منه أبداً , جلست على طرف

السرير ابكي بحرقة وبعد وقت طويل وقفت وبدأت بتنظيف الغرفة من الغبار وكأنني

أفرغ غضبي في التنظيف حتى أصبحت نظيفة تماماً , نظرت للساعة فكانت الثانية بعد

منتصف الليل ولم يعد وأصبحت الثالث والرابعة , أين ذهب وهوا لا يعرف أحد هنا بالتأكيد !!

فليذهب حيث شاء ما دخلي أنا به , بعد قليل تسللت يدي للهاتف واتصلت به فكان

رقمه مقفلا , خرجت للصالة وجلست هناك ... كم أتمنى أن أنام دون أن أكثرت له

كم أتمنى أن أتجاهله وأجرحه كما يجرحني كل حين ولكن هيهات كيف اقنع قلبي

الغبي هذا , كيف يهنأ بالنوم دون أن يطمئن عليه

سمعت بعد قليل صوت خطوات تقترب مني فكانت والدتهم اقتربت وقالت باستغراب

" قمر ماذا تفعلين هنا !! "

نظرت لها ثم للأرض وقلت " رائد خرج منذ ساعات ولم يعد حتى الآن وهاتفه مقفل "

لاذت بالصمت فنظرت لها وقلت " أين مريم لتتحدث مع حيدر وتسأله عنه "

قالت " عادت لمنزلها منذ وقت وستكون هنا صباحاً وحيدر غادر منذ الأمس "

قلت بهدوء " هل هوا وقت الفجر ؟! "

قالت مغادرة " بعد عشرين دقيقة "

صليت الفجر عند وقته ثم دخلت الغرفة محاولة النوم ولم انم إلا بعد وقت ولم

انم إلا قليلا واستيقظت , ارتديت فستاناً طويلاً بأكمام وسرحت شعري وربطته

جانباً فلا رجال هنا غير رائد ثم خرجت من الغرفة وأول من قابلني هي مريم

فقلت من فوري " هل رجع رائد ؟! "

نظرت لي مطولاً بحيرة ثم قالت " وأين ذهب ليرجع !! "

قلت " خرج البارحة ولم يعد "

قالت بابتسامة " وجدته نائماً في مجلس الرجال حين وصلت , ضننت أنه

نام هناك لأن السرير لا يتسع لكليكما "

قلت بارتباك " يبدوا ذلك لقد كان مستاءً من يوم أمس "

تنهدت وقالت " أنا أكثر من يعرف رائد هوا حساس جدا وإن جرحه أحدهم

لا يمكنه مسامحته بسهولة هوا لا ينسى الألم أبداً "

تركتها وعدت للغرفة أغلقت الباب واتكأت عليه ونزلت دموعي من فورها

هرب مني إذاً , نام هناك كي لا ينام معي هنا وأنا التي لم تنم طوال الليل منشغلة

لأمره وهوا ينام هنا ويغلق هاتفه كي لا اتصل به , ما الذي تركته ولم تجرحني

به يا رائد , هذا ولم يعلم بأني من خذلته وتركته وها هي شقيقته تقول بلسانها

أنه لا ينسى الجرح بسهولة فماذا لو علم فلن ينساها لي ما حييت وسيدفعني ثمن

ذلك أقسى من هذا , آه وهل يوجد ما هوا أقسى مما أنا فيه بسببه , حقا أنه بحجم

الحب يكون الجرح وبحجم حبي له أشعر بجراحي منه , لما لا أكرهك أخبرني لما

توجهت للسرير ارتميت عليه محاولة تبديد حزني ثم جلست متذمرة وخرجت بعد

وقت لاستقبال النساء معهم , كان اليوم هوا اليوم الرابع للعزاء ويبدوا لي عدد النساء

أكثر من الأمس وكل من تدخل تقول / أين هي زوجة ابنه ؟ فهمت الآن رجع الجميع

ليروا مفاجأة الموسم زوجة الابن المهاجر

كان أغلب الحاضرات من الجيران على ما يبدوا وحمدت الله أن عينا التنين ليست

منهم , كنت أعلم أنها لن تأتي لأنها لم تكن تحتك بالجيران أبداً ولا أحد يحبها

عند العصر كانت هناك اثنتان فقط نظرت لي إحداهما وقالت " منذ متى تزوجتما ؟! "

قلت ببرود " ثلاثة أشهر "

قالت الأخرى " وكيف تعرف عليك ؟! "

يالا سخافة النساء وفضولهن قلت بذات البرود

" الزواج كالموت لا يهم السبب فيه والنتيجة واحدة "

لاذت بالصمت أخيراً فوقفت مغادرة للمطبخ حيث مريم لأنهما على ما يبدوا

بقيتا للتحقيق معي , دخلت ووجدتها تطهوا الخبز فقلت بهدوء " هل أساعدك ؟! "

التفتت إليا وقالت بابتسامة " سأنتهي قريباً لا تتعبي نفسك "

اقتربت منها قائلة " لما أتعب نفسي أنا لا أفعل شيئاً هنا "

سمعنا حينها صوت رائد ينادي مريم من الباب الخارجي للمطبخ فقالت بابتسامة

" أدخل يا رائد لا أحد غريب هنا "

شغلت نفسي بتقطيع الخبز في الطبق أمامي كي لا أنظر إليه , دخل وقال

" حضروا المزيد من الشاي "

قالت مريم " جاهز سأسكبه لك فوراً "

سحب الكرسي وجلس وقال " قمر ناوليني كوب ماء "

ألا يوجد الماء هناك لديهم أم هي تعمد ليجد فرصة لإهانتي من جديد , سكبت الماء

في كوب ووضعته أمامه في صمت دون أن انظر إليه وخرجت فوراً من المطبخ

سأعود لتلك الفضوليتان أرحم لي من تجريحه , جلست معهم ومضى الوقت حتى غادر

الجميع صلينا العشاء وجلست أنا ومريم في الصالة وحدنا , نظرتْ لي وقالت بابتسامة

" كم تمنيت رؤيتك , ليس في مثل هذه الظروف لكني تمنيت هذا "

قلت بابتسامة مماثلة " وأنا كذلك وسررت بلقائك "

تنهدت وقالت " أطلبي من رائد أن تزوراني أنتي عروس ولن يرفض لك طلباً "

آه يالا جهلك للحقيقة , قلت بهدوء " هل تسكنين هنا في ذات المدينة ؟! "

قالت بابتسامة " أسكن في مدينة جبلية مجاورة لها إنها جميلة , المناظر خلابة

والخضرة قومي بزيارتي ستستمتعان كثيراً "

ها قد عادت لذات النقطة , قلت " إن شاء الله "

قالت " متى قال لك رائد ستغادران ؟! "

قلت بهدوء " لم يقل لي متى ولكنه قال لن نبقى طويلاً "

تنهدت وقالت " حتى بعد وفاة والده لن يبقى معهم "

قلت " حاولت التحدث معه في الأمر لكنه رفض الحديث فيه "

قالت بأسى " معه حق لكن هذا لا يجوز "

دخل حينها يمسك صبا في يده فقالت مريم " وأين الجني الآخر ؟! "

ضحك وقال " نائم هناك ويحلم أيضاً "

وقفت حينها وغادرت للغرفة , بعد قليل لحق بي دخل الغرفة وأغلق الباب وقال

" لا داعي لأن نلفت انتباه الجميع بحركاتنا الصبيانية "

لم أجب ولم ألتفت إليه فقال بحدة " قمر أنا أتكلم معك "

قلت بأسى " ماذا تريد مني يا رائد ؟! لما لا ترحمني فيما أخطأت أنا "

قال بغيض مكتوم " أريد منك احترامي كزوج على الأقل "

التفتت إليه وقلت " ولما لا تعاملني بلطف كزوجة على الأقل "

قال بحدة " قمر كم مرة سأحذرك من مناقشتي "

قلت بغضب وأنا أعد بأصابعي " حين أسكت لا يعجبك فأتحدث لا يعجبك "

ثم رفعت يداي وقلت بضيق " اخبرني ماذا افعل ؟ حاضر يا سيدي أوامرك

مولاي لن تتكرر الأخطاء ثانيتا "

قال بحدة مشيرا بأصبعه للخارج " تخرجي معي الآن مريم لاحظت تصرفاتك

أعلم أنك لا تطيقينني تحملي قليلا أمامهم "

هززت رأسي بيأس وقلت " لا أعلم متى ستتوقف عن إلصاق ما تشعر به بي وتتهمني به "

ثم سرت من أمامه وخرجت من الغرفة وعدت حيث كنا , جلست هناك وخرج رائد

وجلس بجواري , هذه عادته تمثيلياته لا تبدأ دائماً إلا بالالتصاق بي

قفزت حينها صبا أمامه وقالت

" لقد وعدتني إن عرفتها تزورنا في منزلنا اسأل أمي لقد عرفتها وحدي "

نظرتُ لهما بحيرة فقال مبتسماً وهوا ينظر لي " أجل وعدتك "

أشحت بنظري عنه بسرعة , ممثل بارع لكني لم أعد استطع تمثيل دوره

قالت مريم " أي وعد هذا ؟! "

قالت صبا بمرح " سألت خالي عن زوجته فقال في الداخل أجمل الموجودات

إن تعرفتِ عليها وحدك زرتكم كما طلبتي مني "

ضحكت مريم وقالت " لقد أعطيتها الجواب كنت صعبته قليلاً لتهرب من زيارتي "

ضحك وقال " أردت أن اختبر ذكاء ابنتك ودوقها ثم ما أدراني أنه لا جميلات في الداخل "

كنت في صمت تام مع بعض الابتسامات الصغيرة المجاملة , تمثلية صغيرة جداً ولكن

هذا ما قدرت عليه , نظرت مريم باتجاهي وقالت مبتسمة

" لا تحتاج للذوق لتميزها من بين الجميع كنت حائرة من تكون هذه التي جعلت رائد

يتزوج وحين رأيتها علمت لكني لو كنت مكان زوجتك لغضبت منك أسبوعاً كاملاً "

ضحك وشد كتفي وقال " أسبوع يا ظالمة ذلك كثير علي "

قالت بضيق " كيف تسأل طفلة هكذا سؤال هل كنت تريد معرفة من الأجمل في الداخل

لو كنت مكان قمر لحاسبتك على هذا "

نفخ على غرتي حتى طار جزء منها ثم قبل رأسي وقال " جيد أن قمر ليست مثلك "

نظرتُ له ومررت إصبعي تحت غرتي سريعاً لأعيدها كما كانت وقلت بنظرة تحدي

" لم يؤثر بي ذلك أبداً لأني أتق بنفسي "

ثم ابتسمت وقلت " وبك "

قرب شفتيه من أذني وقال هامساً " هل هذا جزء من التمثلية ؟! "

ابتسمت ابتسامة سخرية ولم اعلق فهمس لي مجدداً " أنا لم أمثل بعد "

بقيت أنظر لعينيه بحيرة حتى قالت مريم " يبدوا أنكما نسيتما وجودي هنا "

ضحك رائد ثم رفع قدمه واضعاً لها على طرف الأريكة تحته وقال " لا لم ننسى "

قالت " كيف كانت الرحلة للبحر ؟! "

قال بابتسامة " حيدر لا يخفي عنك شيئاً "

قالت بضيق وهي تعدل ملابس ابنتها

" طبعاً هل تريده مثلك حتى اتصالاتي لا تجيب عليها "

قال متجاهلا الأمر " كانت رحلة رائعة وجنونية ورومانسية لم أعشها في حياتي "

نعم ذكِر نفسك بذلك قبلي رحلة لم نتوقف فيها عن الشجار

قلت ببرود " رائعة لدرجة أني اكتشفت أن شقيقك مشهور جداً وتعشقه الفتيات "

ضحك وضرب طرف جبيني بجبهته وقال " ويصطدم بي الرجال عمداً وأهدي

زوجتي صباحاً ومساءً أغاني رائعة عن المشاكل "

تأففت في صمت فضحك وأخذ جديلتي من حجري لعب بها وقال

" مريم لا تغضبي هكذا تصبحين أقل جمالا وأنتي غاضبة "

ما به هذا !! البارحة كان يطبق علي فنون القسوة فما تغير اليوم , سحبت

شعري منه وقلت ببرود " بل يبدوا لي أنك تراها أجمل وهي غاضبة "

قالت مريم بامتعاض " ما بكما أنتما أفهِماني شيئاً "

ضحك وقال " أدلل زوجتي هل هذا ممنوع "

ضربت مريم ابنتها على رأسها وقالت " اذهبي وأيقظي شقيقك سنغادر قريباً

يكفيك من مشاهدة الأفلام الرومانسية "

بقيت ابنتها مكانها تمسك رأسها بتألم فلم أستطع إمساك نفسي فضحكت من قلبي

رغم الألم المتراكم داخله فقال رائد " سمعتي هذه الضحكة يا مريم ويلومني أحدهم

لأني لا أريد أن يسمعها الرجال "

تنهدت وقالت " رائد هذه التفاهات لا تجلب إلا المشاكل "

قال متجاهلا كلامها وما أكثر ما يفلح في هذا " صبا كيف حالك ؟! "

ضحكت مريم وقالت " أعان الله زوجتك عليك "

رن حينها هاتفها فوقفت قائلة " أيوب وصل سأغادر الآن "

قال رائدة بضيق " ألن يودعوك على الأقل هل سكان هذا المنزل

يحبون النوم مبكراً أم يهربون منا "

قالت مريم وهي تتوجه للمجلس لتوقظ ابنها " لا تدقق على كل شيء كي لا تتعب "

ودعتها وتوجهت من فوري للغرفة مؤكد سينام في صومعته الجديدة , غيرت ثيابي

ودخلت السرير , الوقت مبكر ولكن لا شيء لدي هنا غير النوم , بعد قليل دخل

الغرفة , كنت مخبئة وجهي بذراعي ونائمة على جانبي الأيمن ظننته سيأخذ شيئاً

ويغادر لكنه جلس على طرف السرير فتح الدرج أخد شيئاً ثم أغلقه ثم نام معي على

السرير , عجيب ما به هذا !! وهل يرى السرير يتسع لكلينا , كان ملتصقا بي تماماً

وأنا معطية ظهري له , لف ذراعه حول خصري وهمس في أذني قائلا " قمر "

ولكني لم أجب ولم أتحرك , سرت رجفة في كل جسمي حين شعرت بشفتيه

تقبل عنقي ثم همس مجدداً " غاضبة مني ؟! "

لم أجب أيضاً فقبل عنقي مجدداً , ما يريد بي هذا قبلة أخرى بعد وسيغمى علي وأنا

نائمة على السرير , مرر يده الأخرى من تحتي وشدني بذراعيه برفق لحظنه فقلت

بهدوء " لا .... لا أريد "

ارتخت يداه حينها ثم ابتعد جالسا على طرف السرير وقال ببرود

" تذكري هذا ولا تلوميني مجدداً على نعتك بعديمة المشاعر "

نعم هذا ما تفلح فيه جرحي وجرح مشاعري , ما كنت لأسمح لك أن تكرر ما فعلته

سابقاً لتنام معي الليلة وتتجاهلني قبل حتى الغد , صحيح أن عينا التنين وزوجها جعلا

مني إنسانة لا تعرف الدفاع عن نفسها تُضرب وتُهان ولا تدافع حتى دمرا شخصيتي

نهائيا ولكن الشخصية الدفاعية بي تظهر أحيانا عندما يكون الجرح بحجم يفوق كل

الماضي ولا جرح أتلقاه أقسى من جرح رائد

خرج وضرب باب الغرفة بقوة ولم أره طيلة تلك الليلة , مؤكد يسجن نفسه في سجنه

الجديد , بكيت كثيراً وبكيت مطولاً حتى نمت دون شعور مني

في الصباح خرجت من الغرفة وجدت والدتهم تجلس وبناتها فقلت بهدوء

" صباح الخير "

أجابت والدتهم بهدوء ونور بهمس لا يكاد يسمع أما غيداء فتمثال حجري ومتضايق

أيضاً , جلست مبتعدة عنهم ... ترى من منهما التي تحدثت معي سابقاً غيداء أم نور

وهل تذكرني وتعرفت على شكلي رغم أنها لم ترني فلم تتحدث أي منهما عن الأمر

سنين مرت قد تكون نسيت ذلك , ما يحيرني كيف عرفتني وقتها وعرفت اسمي أيضاً

إن كان حتى رائد حينها لا يعرفه ولما لم يحدث شيء مما قالت

دخل البيت سيدتان واحدة متشحة بالسواد ولا يظهر منها شيء سلموا على البقية ثم

اقتربت ذات اللباس الأسود مني لتسلم عليا فهمست في أذني قائلة " أنتي قمر ؟! "

شعرت أن كل خلية في جسدي تيبست , الصوت الرنان النبرة ذاتها .... سلوى عينا

التنين , ابتعدت عنها نظرت لها بتركيز لأتأكد , كان غطاء وجهها متوسط السمك

ولكني رأيت عينها من خلاله كانت عين واحدة , شعرت بمشاعر لم أشعر بها من

سنوات وهي الخوف الشديد , رجعت خطوتين للوراء حتى اصطدمت بطرف الأريكة

ووقعت جالسة عليها , ابتعدتْ وجلست مقابلة لي ونظرها مرتكز علي , كنت أشعر

بالمكان يضيق ويضيق حتى اختنقت أنفاسي وعيناي تعلقتا بها ولم تتحركا ومر شريط

طفولتي حينها أمام عيناي وكأنه اليوم , دخلت حينها مريم سلمت عليهم ومرت بجواري

فأمسكت بيدها فنظرت لي بحيرة وقالت بهمس " قمر ما بك لونك مخطوف ؟! "

قلت بصوت مختنق " لنذهب للمطبخ خذيني لا استطيع الوقوف "

قالت بخوف " قمر ما بك ما حدث ؟! "

ضغطت على يدها بقوة وقلت برجاء " خذيني من هنا أرجوك "

أوقفتني وسارت بي للمطبخ أجلستني على الكرسي فسقطت على الطاولة أتنفس

بقوة فقالت بذعر " قمر هل تشتكي من شيء ؟! "

قلت بصعوبة " آآآآآآآآآآآآآآآه "

خرجت مسرعة من المطبخ ثم عادت وما هي إلا لحظات ودخل رائد من بابه

الخارجي قائلاً " ما بها ماذا حدث ؟! "

قالت مريم " لا اعلم دخلت المنزل فأمسكت بي وطلبت مني جلبها هنا "

اقترب مني ووضع يداه على كتفاي ورفعني عن الطاولة وقال ضاربا لخدي برفق

" قمر أجيبي هل تسمعينني ؟! "

أمسكت ذراعه بيدي اليمنى و اليسره كانت مرمية على الطاولة وقلت بتألم " يدي "

أمسك يدي اليسره وقال " ما بها ما بك يا قمر ؟! "

قلت بصعوبة " لا أشعر بها "

قالت مريم بخوف " خذها للمستشفى بسرعة يا رائد "

تمسكت بقميصه ودسست وجهي في حضنه وقلت " لا "

ضمني لصدره بقوة وقال " إنها تسمعنا قمر أجيبي "

قلت بتعب " الملح "

قال صارخاً " الملح يا مريم هاتي ملحاً "

أبعدني عن حضنه وقال " ما نفعل به يا قمر ؟! "

قلت " فمي "

وضع قيلا منه في فمي وحضنني مجدداً يمسح على ظهري برفق , بعد قليل تحركت

يدي قليلا وعاد تنفسي لطبيعته , فشلُ يدي اليسره بداية المؤشر الخطير ولكن لن يعلم

أحد فلا حياة لي بدون رائد ولا حياة معه على ما يبدوا فالموت أرحم لي من الخيارين

خصوصاً الأول , الأطباء قالوا أن هذه الحالة لن تحدث إلا في تراكم الضغوط النفسية

فهذه هي المرحلة الأولى منها وتعني أنها ........ بداية نهاية قلبي

يتبع ......
 
الفصل الرابع عشر + الفصل الخامس عشر

خرجت من المنزل أتجول في طرقات مدينة طفولتي ليس التجوال أقصد إنما الهرب

نعم أهرب من ضعفي أمام قمر وأنا أراها ضعيفة ومنهارة , لا أريد التهور أكثر

تزوجتها لأعلمها أن لا تتلاعب بمشاعر الآخرين , أن لا تجرح وتطعن قلبا أحبها

بصدق فهربت من تعاطفي معها واكتفيت بالاتصال بمريم لأطمئن إن لم تكن تحتاج

للطبيب فقالت أنها تصر على عدم الذهاب وأن حالتها تحسنت وقالت أنها حالة تتكرر

لديها بسبب انخفاض ضغط الدم ولأن قلبها في فترة نقاهة يتأثر من الانخفاض

المفاجئ وتفشل حركة يدها لكن يا ترى ما سبب انخفاضه هكذا فجأة

عدت متأخراً للمنزل ونمت من فوري في مجلس الرجال وغادرت صباحاً إلى أين

لا أعلم طبعاً , رفعت عيناي ووجدت نفسي في شارع ضننت أن السنين مسحته من

ذاكرتي ولكن ذلك لم يحدث , أوقفت سيارتي ونزلت وقفت عند الباب متردداً

ترى هل ما يزال يعيش هنا ؟! طرقت الباب عدة طرقات ففتحه , نظرت له بابتسامة

لم يتغير أبداً كما هوا , نظر لي مطولاً بحيرة ثم ابتسم وقال " رائد "

تعانقنا عناقا طويلا وقال ضاحكاً " يالها من مفاجأة أين أنت يا رجل "

ابتعدت عنه وشددت كثفه وقلت بضحكة " تشاءمت منك "

ضحك وقال " ادخل هيا "

دخلنا المجلس فجلست وقلت مبتسماً

" قادتني سيارتي إلى هنا ففكرت في زيارتك , ما أخبارك يا أنور "

جلس وقال " إذا السيارة من قادتك وليس الحنين للماضي "

قلت بابتسامة سخرية " لو كان الحنين للماضي ما أتيت "

قال بهدوء " عليك أن تنسى أنظر أنا أعيش هنا منذ ذاك الوقت "

لذت بالصمت فقال " أحسن الله عزائك في والدك لم أعلم أنك هنا لذهبت لتعزيتك "

نظرت له بمكر وقلت " سأردها لك حين يموت والدك "

ضحكنا سوياً ثم قال " ما أخبارك وأين صرت كنت أتابع كل

كتبك وكتاباتك حتى توقفت فجأة "

قلت بسخرية " هكذا هي الحياة مغامرة معك ومغامرة عليك "

قال مبتسماً " هل تزوجت هل لديك أبناء ؟! "

قلت " تزوجت حديثاً وأبناء ليس بعد "

قال وهوا يسكب القهوة " جيد الخطوة الأولى تأتي بالثانية "

نظرت للمكان وقلت " تبدوا لي تسير في مكانك لم تترك المنزل بعد "

ضحك وقال " هرباً مثلك أم استقلالاً "

قلت بحزن " ما كان هناك ما يطرك للهرب مثلي عائلتك استقبلتك بترحاب وكأن

شيء لم يتغير , الوضع معي كان مختلفاً تماماً "

وضع القهوة أمامي وقال " المشكلة أنهم أخرجونا من السجن في نفس وقت العفو

لذلك شملتنا الناس من المعفين عنهم وليس البريئان مما نسب لهما "

قلت بضيق " لكن عائلتا كلينا تعلمان أننا بريئان وليس العفو من أخرجنا "

تنهد وقال " معك حق لكني عانيت من الناس طويلا الخائن الجاسوس العامل لحساب الغرب

وقد جريتك معي وكل ذنبك أنك صديقي المقرب لن أنسى التعذيب الذي لقيته معي حينها "

ابتسمت بألم وقلت " يجعلونك تعترف بجرم لم ترتكبه هم لا يستلون الاعتراف منك بل

يجبرونك على الموافقة عليه كما صوروه هم "

ضحك وقال " عديمو الذوق حتى أنهم لم يعتذروا منا على ظلمهم لنا "

قلت بابتسامة سخرية " لو تركوا لنا المستقبل , كل التعذيب كنا سننساه لكن تحطيم

مستقبلك أمر لن تنساه لأنه لن يفارقك "

تنهد وقال بحزن " على الأقل أنت الشهرة غطت على الفضيحة أنا لم يرحمني أحد "

نظرت للسقف وقلت بحزن " ليثني تجرعت أسى الشبهة ولم أصدم في أقرب الناس إلي "

ثم نظرت له وقلت " لما لا تدعنا من كل هذا وأخبرني عنك أنت "

ضحك وقال " كما تراني ابن والداي , خطبت منذ عامان وحتى الآن لم ينتهي عش

الزوجية فأنت تعلم فقدت وضيفتي بسبب ما شاع عني وعملت خارج نطاق شهادتي "

ضحكت وقلت " ومن تعيسة الحظ هذه التي تنتظرك حتى الآن "

ضحك وقال " أبرار تذكرها مؤكد "

قلت بصدمة " أبرار ما غيرها "

قال ضاحكاً " نعم هي ما غيرها ابنة خالتي وحدها من وقف معي في تلك المحنة "

قلت بألم " على الأقل أخرجتك من المحنة ووقفت معك للنهاية خير من

أن تخرجك منها لتطعنك فيما بعد "

قال باستغراب " لما تقول ذلك !! "

قلت بابتسامة " دعك من هذا وأخبرني عن باقي الشلة "

وأمضينا بعض الوقت على حالنا من موضوع لآخر وتشعبت بنا الأحاديث حتى وردني

اتصال من مريم استأذنت وخرجت مجيبا من فوري " نعم يا مريم هل من مكروه "

قالت ضاحكة " إن كانت تشغل بالك لما لم تبقى بجانبها "

قلت بضيق " مريم لا تجعليني أغلق الهاتف في وجهك "

ضحكت وقالت " لا لا كل شيء إلا إغلاق الهاتف أطال الله في عمر قمر التي

جعلتك تجيب عليا من فورك "

تنهدت بضيق وقلت " مريم هاتي ما لديك من الآخر "

قالت " أريدكما أن ترافقاني لمنزلي وتقضيان اليوم معي لترتاح قمر غيداء لا ترحمها

من همزها لها وكأنها تتعمد أن توصل كلامها لك عن طريقها "

قلت " ولكنها لا تخبرني بشيء "

قالت من فورها " كنت أعلم أنها لن تفعلها لذلك اقضيا معي هذا اليوم ستسعد كثيراً

بذلك ثم أنت وعدت صبا أم نسيت وها هي تريب غرفتها كل حين لتأتي وتراها نظيفة "

ضحكت وقلت " ابنتك هذه مثلك تماماً لا تعرف أين توزع عواطفها من كثرة ما لديها "

قالت بضيق " رائد لا تخطأ في حق ابنتي فلن أرحم ابنتك مستقبلاً "

ضحكت وقلت " حسناً ولكن هل صحة قمر تساعدها "

قالت " إنها أفضل الآن وقد سعدت بالفكرة ولكنها اشترطت موافقتك وأن أكلمك

بنفسي رغم أن المهمة عليها ستكون أسهل "

قلت منهيا للموضوع " حسناً سأستأذن من صديقي وأعود لنغادر معاً "

قالت بسرور " سأخبرها لتُجهز نفسها وداعاً الآن "

أغلقت الهاتف وقلت ضاحكاً " لأول مرة هي من تقول لي وداعاً "

دخلت واستأذنت من أنور وعدت للمنزل وبقيت خارجاً انتظرهما

بعد قليل ركبتا السيارة وركبت مريم بجانبي تحت إصرار من قمر لا أعلم فعلتها احتراماً

لها أم تهرباً من الجلوس بجانبي , انطلقنا وقلت " أين قنافذك ليسوا معك اليوم ؟! "

قالت مريم بضيق " قنافذ ... سامحك الله لقد تركتهم مع الخادمة ولم أجلب سوى

أروى إنهم متعبين وبقائهم هناك أفضل "

عدنا للصمت فكسرته قمر قائلة فجأة " رائد توقف "

توقفت وكنا حينها أمام مدرسة ... نعم أذكرها جيداً مدرستي سابقاً أسمها كما هوا لم

يتغير , فتحت قمر الباب ونزلت دون مقدمات فنزلتُ خلفها وقلت " قمر ما بك ؟! "

قالت وهي تشير للمدرسة وعيناها عليها " هناك "

بقيت أنظر لها مطولاً بحيرة فعبرت الشارع دون حتى أن تلتفت إلي , تبعتها مسرعاً

كان وقت الفسحة وجميع الطلاب في فناء المدرسة , دخلت وأنا أتبعها كان الأمر عادياً

ولم نلفت انتباه أحد لأنها مدرسة حكومية ويدخلها أولياء الأمور دائماً

اجتازت قمر الممرات وكأنها تحفظها ثم وقفت عند فصل معين , نظرتُ له بحيرة

هذا فصلي في أحدى السنوات أيها لا أذكر ولكني أعرف الفصول التي درست فيها

جيداً , دخلت قمر الفصل في صمت وعبرت صفا المقاعد لتقف أمام الصف الثالث

فيهم ونظرت من فورها للمقعد الثاني بتركيز وكأنها تبحث عن شيء ثم نظرت لطاولة

المقعد وكان مكتوب عليها كلمة قمر , كانت تكاد تختفي بسبب الزمن ولكن من يعرف

أنها كانت هنا سيميزها بسهولة , نعم تذكرت الآن أنا من كان يحكي لها عن كل شيء

هنا حتى تقسيم الممرات وفصولي وأخبرتها ذات مرة أني سأكتب اسمها على المقعد

لتحظر الحصص معنا .... يااااه كيف تذكر كل هذا وهي كانت طفلة !!

تُرى لما جاءت هنا هل لتتأكد أني كتبت اسمها كما أخبرتها أم لأنها تتأمل أن تجد رائد

الفتى الذي عرفته في الماضي يجلس مكانه , نظرت لها فكانت على حالها تنظر للمقعد

من كل جوانبه بعينان ممتلئة بالدموع ثم نظرت للأرض بحزن وقالت بهمس حزين

وكأنها لا تريدني أن أسمعه " ليس هنا أيضاً أين ذهب ؟؟ "

بقيت أنظر لها بصدمة ,أين بحثت عنه أيضاً ولما تفعل ذلك !! هي تعي جيداً أنه يقف

معها الآن فلما تبحث عنه ولما لا تخبرني أنها تعرفني لما ؟!

أمسكت يدها وقلت بهدوء " قمر هيا لنغادر "

سحبت يدها من يدي وخرجت أمامي ولم تتوقف أو تلتفت حتى وصلت السيارة وفتحت

الباب وركبتها , ركبت أنا أيضاً فقالت مريم من فورها " أين كنتما قمر ما أنزلك هنا ؟! "

قالت ونظرها على المدرسة " إنها مدرستي ولكن معلمي لم يكن فيها لقد رحل للأبد "

لذت بالصمت فليس لدي ما أقول ولن أتحدث مادامت ترفض الحديث في الأمر لأرى أين

ستصل من كل هذا , لما تتجاهلينني تماماً يا قمر ! لا وتنهينني من ماضيك وأنا أقف أمامك

لما تستمرين في جرحي دائماً ؟

وصلنا منزل مريم لازلت أذكر طريقه جيداً رغم أني غادرت بعد زواجها بعام واحد فقط

هذه المدينة كما هي خضراء وجميلة وكأنك تعيش على سفح جبل هي جبلية منخفضة بعض

الشيء إنها مدينة أيوب زوجها وهنا عائلته وأقاربه جميعهم

دخلنا المنزل فقلت وعيناي تتجولان فيه " تغير منزلك كثيراً "

قالت بابتسامة " نعم لقد أجرينا فيه بعض التعديلات وأضفنا حجرة لوائل وغيرنا مكان المطبخ "

خرجت حينها صبا تصرخ بفرح وتقفز ولا تعرف بما تعبر عن شعورها واحتضنت ساقاي

أقسم أنها كوالدتها تماماً هذا كله وهي لم ترني إلا هذه الأيام فكيف لو كانت تعرفني لسنوات

يبدوا أن مريم جعلتني بطل قصصها الليلية لهم , احتضنت ساقاي مطولاً ثم انتقلت لقمر التي

نزلت لمستواها واحتضنتها ثم سحبتها معها وهي تقول

" تعالي لتري الأزهار التي أخبرتك عنها إنها في الخارج "

خرجت الخادمة حينها فقالت مريم " هل نام وائل ؟! "

قالت الخادمة " نعم "

ناولتها ابنتها وقالت " ضعيها في سريرها وأحضري لنا الشاي في الخارج "

غادرت الخادمة وقالت مريم لي بابتسامة " ألم تشتق لمنظر الجبل من منزلي ؟! "

قلت مبادلا لها الابتسامة " بالتأكيد "

خرجنا معاً , كما عرفته مكان رائع ومنظر يبعث في نفسك الاسترخاء , نظرت للجانب

الآخر حيث قمر وصبا تسحبها من يدها بعدما نزعت حجابها وتركت شعرها البني مفتوحاً

تلعب به الريح جلستا على بساط الأرض الأخضر تجمعان بعض الزهور كانت صبا تبحث

بين أزهار الأرض عن النوع الذي تريده بينما قمر تهيم بنظرها للبعيد ويدها تبعد شعرها

الطويل المتطاير من الخلف على وجهها ثم جمعته كله في جانب واحد ولم يبقى للريح سوى

غرتها يحركها ببطء , لو كان ثمة رسام هنا لما جعل هذا المنظر يفوته ولكنت كسرت له

ريشته بالتأكيد , لما هي حزينة هكذا !! لابد لأنها لم تجد رائد في مقعده ولا في بيته وقد

تكون بحثت عنه في السطح أيضاً فهي لا تراني ولا تعتبر أني ذاك الفتى ما أقسى قلبك يا قمر

" ما دمت تشتاق لها هكذا لما تصرفت معها بتلك القسوة "

نظرت لمريم الواقفة بجانبي وتنظر جهة قمر وقلت " من تعني بهذا !! "

نظرت لي وقالت " أنت طبعاً "

بقيت أنظر لها بحيرة فنظرت للبعيد أمامها وقالت بهدوء

" رائد ما المشكلة التي بينك وبين قمر ؟! "

طال صمتي فنظرت لي وقالت "حتى حيدر لاحظ ذلك "

نظرت بعيداً وقلت بضيق " ألا يوجد لديكما شيئاً غيري تنشغلان به , لما كل هذا التدخل

في حياتي تعلمان جيداً أني لا أحب ذلك "

تنهدت وقالت " رائد لما غادرت ولم تبقى بجوارها ... يوماً كاملاً ولم تزرها , كل ليلة

تنام في المجلس وتتركها , ليلتكم الأولى هناك قضتها قمر تجلس في الصالة تنتظرك

وأنت لم تخبرها انك في المنزل , تبدوا لي قمر حزينة دائماً وشديدة الصمت وأنت تائه

كثيراً وشديد البرود "

قلت بضيق " هل انتهيتِ من تحليل شخصيتي ؟! هل اشتكت لك قمر من كل ذلك "

قالت بضيق أكبر " لا هي لا تعرف الشكوى ولا الكلام , حتى أنها لم تتحدث معي

إلا قليلا , تسمع الكلام المسموم هناك وتصمت وتعاملها بجفاف ولا تتحدث لو هبط

ضغطها من شيء فمنك ومن شقيقتك "

نظرت لها وقلت بحدة "هل أنا وحدي المجرم , هي من قست علي ورفضتني مراراً

بقلب بارد , هي من خانتني منذ سنوات وتركتني من أجل آخر , هي من نفتني من

حاضرها وذهبت تبحث عني في ركام الماضي وكأنني شيء غير موجود "

نظرت لي بصدمة فنظرت للجانب الآخر وتأففت , ما كان عليا أن أفقد أعصابي

ماذا حل بي !! لم أكن هكذا من قبل

تنهدت وقالت " إذاً هذا السبب علمت أن ثمة أمر ورائكما "

قلت بجدية " مريم لا تسمع قمر بشيء مما قلته لك "

نظرت لي بحيرة فقلت بحزم " مريم إن أردتي أن تخسريني للأبد فأخبريها بما قلت "

قالت بصدمة " ولكن لما أليست تعلم !! "

قلت بابتسامة سخرية " بلى تعلم ولكنها لا تعرف أني أعلم "

قالت بهدوء " تكلم يا رائد "

نظرت للأسفل ويداي في جيوب بنطالي وقلت بحزن

" أنا وقمر نعرف بعضنا منذ كنا صغاراً "

قالت بصوت مصدوم " منذ ماذا ؟! "

قلت " كانت تسكن مجاورة لنا ثم بعد سنين اختفت ثم تعرفت علي عبر الانترنت

في السنة التي غادرت فيها المنزل ولم تخبرني من تكون لقد أحببتها بقوة وهي من

ساعدتني لتجاوز محنتي ثم قالت لي أنها تريد الزواج من آخر أحبته وأني لم أكن

سوى اختبار لمشاعرها "

أمسكت كتفي ووجهتني نحوها ونظرت لعيناي وقالت بصدمة

" وتزوجتها وهي لا تعرف أنك علمت بكل هذا !! هل تنتقم منها يا رائد ؟! "

عدت بنظري للبعيد وقلت " للنهي الحديث في الأمر "

قالت بحزم " رائد هل تنتقم منها ؟! "

نظرت لها وقلت بغضب " مريم قلت يكفي "

هزت رأسها بيأس وقالت " أخشى أنك تنتقم من نفسك وليس منها "

لذت بالصمت فنظرت لي وقالت بجدية " أنت تحبها يا رائد وأكثر من السابق أيضاً "

ضحكت بسخرية وقلت " لقد فقدتِ ذكاءك فجأة يالك من واهمة "

قالت بجدية " بل تعرف ذلك ولكنك لا تريد تصديقه , كنت أرى نظراتك لها منذ

قليل ولا أريدك أن تندم يوماً , رائد أنت أذكى من أن يفوتك ذلك ولكنك لا تريد

الاعتراف بذلك حتى لنفسك "

قلت ببرود " كيف أحب من خانتني وتخلت عني ؟! "

قالت بحزم " لما تزوجتها إذا ؟! هل تريد إقناعي أن لا سبب لذلك أو أنه الانتقام ولما

تزوجتك هي هل لتنتقم منك أيضاً ؟! ولما سهرت الليل تنتظرك , رائد لا تغلق على

دماغك كي تكذب على نفسك , قمر تحبك وأنت كذلك ومهما أنكر كلاكما لن أصدق "

ابتسمت بسخرية وقلت " استنتاجك الثاني أسوء من الأول "

تنهدت وقالت " سوف تعلم يوماً يا رائد وأخشى أن يكون حينها قد فات الأوان "

قلت ببرود " مريم أقسم إن لم تنهي الكلام في الأمر تركت منزلك الآن "

قالت وهي تتوجه للطاولة لتجلس

" هذا ما تفلح فيه تهديدي ... تعلم أنني أحبك ولا أريد إغضابك "

جلست هي هناك وابتعدت أنا متمشيا بخطوات بطيئة حتى اختفيت عنهم

قال أحبها قال ... لما على خيانتها على رفضها لي وتجاهلها لوجودي أم على ماذا

هه وتحبني ... تحبني كيف من يحب لا يفعل ما فعلت وما تفعل الآن , آآه هل تضحك

على نفسك يا رائد , لا لم أضحك على نفسي ولا أحبها , نعم ردد ذلك كثيراً لا ولن تحبها

شعرت أنني ابتعدت كثيراً فعدت أدراجي حتى صرت استمع لصوت ضحك صبا ووائل

الذي يبدوا أنه استيقظ وانظم لهم , اقتربت منهم فكانت قمر معهم ومريم تبدوا في الداخل

كانت قمر منشغلة مع صبا في صنع طوق من الأزهار وتفرك ذراعها الأيسر كل حين

يبدوا أنها لازالت تشعر بالخدر فيه لقد دمرها خالها وزوجته تماماً , كلما رأيت معاناتها

بسبب طفولتها أشعر بالجرم حيالها وقت طفولتي , لو كنت على الأقل جلبت لها بطانية

تقيها برد ذاك السطح ليلاً كان أمراً سهلاً ويمكنني فعله وإن كنت في السادسة وليس

متجاوزاً العاشرة كانت تنام جائعة والطعام لدينا نرميه في القمامة لكنت أعطيتها شيئاً في

تلك الليالي التي تباتها في الأعلى دون طعام والله وحده يعلم إن كانت في الأسفل تأكل أكثر

من وجبة , آآآآه حتى متى سأعيش في النقيضان متى سأرسى لي على بر , قد أبرد على

قلبي يوماً وأتركها تعيش حياتها بعيداً عني

اقتربت منهم وجلست معهم نظرت قمر باتجاهي ثم عادت بنظرها على الأزهار

نظرت لوجهها بتفحص , هذا ما كان ينقص هذه الطبيعة أنتي ... فلا أعلم من منكما الجمال

رفعت نظري من عليها ونظرت للسماء وابتسمت بألم .... ها قد عدت للهذيان بها , لم أعد

أفهم نفسي فحين ابتعدت عنها أكون برأي وما أن أقترب منها حتى تنقلب كل موازين عقلي

عدت بنظري للأرض ثم نظرت ليديها أخذت الطوق منهما وربطته ليصبح دائريا

ووضعته على رأسها وقلت بهدوء ونظري على الطوق فوق شعرها " أميرة الورد "

أخذت الطوق من فوق رأسها ووضعته في حجرها وقالت ونظرها عليه

" ولكن الورد بدأ يموت , أخبرتك أن لا تقتله يا رائد "

نظرت لها في حيرة فنظرت لي وقالت " لا أريد منك أي شفقة "

بقيت أنظر لها لوقت ثم وقفت وقلت مغادراً " لولا الشفقة لكنت .... "

لم أنهي جملتي وتابعت سيري فقالت بصوت مرتفع وخطواتي تبتعد

" لكنت ماذا ؟! لكنت طردتني من حياتك أليس كذلك "

لا ... لكنت فسرت مشاعري بشيء آخر يا غبية , التفتت لها ثم ابتسمت وأشرت

بدائرة على رأسها ثم للطوق في حجرها وقلت "هنالك مكانه الوحيد أميرة الورد "

وغادرت عائداً للمنزل دخلت ووجدت مريم قد أعدت أطباقاً كثيرة لا أعرف من

سيأكلها كلها , قلت بابتسامة " من سيأكل كل هذا ؟! "

ضحكت وقالت " أنت وزوجتك طبعاً "

قلت ببرود وأنا أجلس " قمر أكلها كالعصافير وأنا تعرفينني لا آكل إلا صنفاً

وأحداً حتى أشبع فلما كل هذا "

نظرت لعيناي وقالت بهدوء " رائد أود التحدث معك عن موضوعنا السابق "

تنهدت وقلت " مريم ماذا قلت لك لا تنسي أنني أقسمت "

تنهدت ولاذت بالصمت ثم خرجت لمناداة البقية ودخلت , بعد قليل دخل وائل وصبا

وقالا أن قمر قالت لا تريد الطعام وستبقى في الخارج بعض الوقت , نظرت لي مريم

من فورها فقلت ببرود ونظري على الطبق " إن كانت جائعة لدخلت وحدها لتأكل "

هزت رأسها بيأس وقالت " سأذهب أنا إليها "

غابت للحظة ثم عادت نظرت لها بتشكك فقالت

" لما تسجنها في نفسك قل ما بها ولما عدتِ بسرعة "

قلت بحدة " مريم "

قالت بضيق وهي تسحب الكرسي وتجلس " لم أقترب منها ... تعلم لما ؟ لأنها تبكي هناك

وحدها لهذا لم تدخل ولا تريد الدخول .... رائد ما أقسى قلبك "

وقفت وقلت " بعد كل ما علمتِ مني تقولين هذا , ضننت أنك تحبينني حقاً يا مريم "

وغادرت المنزل دون أن آكل شيئاً ولم أرجع حتى المساء , دخلت ووجدت أيوب ومريم

يجلسان وحدهما ألقيت التحية وجلست فقالت مريم مبتسمة "هل أضع لك العشاء ؟! "

هكذا هي مريم لا تتغير أبداً تغضب ثم سرعان ما تنسى كل شيء وهذا ما يجعلني لا

أغضب منها أبداً , قلت بابتسامة " لقد تعشيت أريد النوم فقط "

قالت " ستنام أنت وأيوب في غرفة الضيوف الأرائك معدة

لتتحول لأسره أنا وقمر سننام معا "

ضحكت وقلت " هل تحتاطان لغضب أحدكما من الآخر ؟! "

ضحك أيوب وقال " أنا لم أستخدمها يوماً والحمد لله "

ثم نظر لمريم بنصف عين وقال " ولكن هناك من استخدمها قليلا "

قالت مريم بضيق ويداها وسطها " وأنت السبب طبعاً أم نسيت "

قرص خدها وقال " ولكنك تنسي كل شيء صباحاً من كلمة جميلة مني "

ضحكت وقلت "هيه لا تنسيا وجودي "

ضحكا وغادرت أنا لغرفة الضيوف ونمت هناك , لقد صنعت مريم معروفاً هي تعلم

أن نومنا معا سيكون خياراً سيئاً , تقلبت كثيراً ولم أنم إلا بعد صلاة الفجر واستيقظت

على صوت صراخ الأطفال , ما كل هذا الإزعاج كيف ينامون هنا ! حمداً لله أنه لا أبناء

لي حتى الآن , نهضت من مكاني دخلت الحمام المجاور لغرفة الضيوف ثم خرجت لهم

كانوا صبا ووائل يركضان في الصالة ويصرخان لعبا وأروى في صيحة واحدة والخادمة

تلف بها المنزل , جلت بنظري في الأرجاء فوقفت مريم عند باب المطبخ وقالت بابتسامة

جانبية " إنها في الخارج "

نظرت لها بضيق وقلت " مريم اتركي عنك حركات المراهقين "

رفعت كتفيها بلامبالاة وقالت " أجبت فقط عن سؤالك قبل أن تسأله ففيما أخطأت "

ثم دخلت المطبخ مجدداً , خرجت للخارج المكان يفتح عليه الباب الخلفي للمنزل حيث

لا حدود للماسحة خلفه فلا أسوار إلا في الأمام هكذا هي المنازل هنا , كانت قمر تقف

ضامه لذراعيها وتشاهد الطبيعة , شعرها مربوط للخلف كعادتها والنسيم يلعب ببعض

الشعرات الطويلة , وقفت جانبها وقلت بهدوء

" من الذي كنتي تبحثين عنه في المدرسة أمس ؟! "

قالت وعيناها مكانهما " معلمي أخبرتكم بذلك "

نظرت لها وقلت " والمعلم يبحثون عنه في الفصول أم في حجرة المعلمين ؟! "

أدخلت خصلة من شعرها خلف أذنها بعدما طارت على وجهها ونظرت للأسفل بحزن

وقالت " لقد وعدني ... قمر سأصبح شرطياً وأسجن من يسجنوك لقد كان يكذب علي "

كنت أنظر لها بصدمة فتابعت قائلة وقد عادت عيناها للبعيد ودموعها بدأت بالنزول

" كان المعنى الجميل الوحيد لطفولتي هل جربت أن تتمنى أن تعود للبؤس لأجل شيء

جميل واحد فقط , لن تشعر بذلك أبداً أقتل الورد أكثر يا رائد أقتله لقد أخبرتك ألا تفعل "

قلت ونظري المصدوم لم يفارقها " قمر ما تعني بهذا ؟! "

مسحت دموعها وقالت بحزن " لن تفهم أبداً لأن الشفقة لن تدعك تفعل ذلك "

أمسكت رأسها وضممته لكتفي ثم لحضني فبكت دون توقف ودون كلام وكأنها تفرغ

حزن الأمس فيه , كنت أشعر بدموعها تصل لصدري مجتازة قميصي وصوت شهقاتها

يدوي في قلبي , لم أخذل والدي فقط حين لم أدخل كلية الشرطة كما أراد بل وقمر الطفلة

التي كانت تنتظر أن أفي بوعدي لها بأن أسجن من سجنوها , بقينا كذلك لوقت ثم ابتعدت

عني وقالت " لا أريد منك أي شفقة أخبرتك سابقاً "

نظرت لوجهها وقلت بضيق

" لما تلقين باللوم عليا دائماً كم مرة صددتني دون سبب ولا مشاعر "

نظرت لي وقالت ببكاء " ألم تتزوجني خادمة وها هي الخادمة تخدمك أم قررت

أن تجعلها جارية , حسناً لن أمنعك من نفسي ثانيتا لتكتمل مهمتي لديك "

هززت رأسي وقلت " بلا مشاعر ... بلا مشاعر أنتي يا قمر "

ثم توجهت للداخل حين استوقفني صوتها قائلة

" أعدني لمنزل عمتي ما دمت لا تريدني ولن تريدني يوماً "

كانت الكلمة أقوى من أن أسمعها أو أتوقعها منها فابتعدت وقلت مختصراً " لا "

ثم دخلت وتركتها , أرجعك هناك ولم أعلم لما تخبئي الماضي عني أرجعك قبل أن

تقاسي تحطم المشاعر مثلي , أرجعك قبل أن تعترفي لي لما فعلتي ذلك , لا أبداً لن

يحدث لن ترحلي قبل أن تتحدثي

جلست بالداخل أضرب بقدمي على الأرض فخرجت مريم وقالت

" هل أعد لك الإفطار ؟! "

قلت بابتسامة سخرية " يفترض بزوجتي أن تكون من يسألني هذا السؤال وليس أنتي "

تنهدت بضيق وقالت " ولكن قمر من أعدته لك قالت أنك تستيقظ عادةً عند التاسعة "

قلت بضيق " لا رغبة لي في الطعام "

قالت بهدوء " هل تشاجرتما ؟! "

قلت بحدة ونظري للأرض " مريم يكفي إنك تخنقينني "

قالت وهي تدخل المطبخ " لست سبب اختناقك فلا تلصقه بي "

تأففت وذهبت لغرفة الجلوس شغلت التلفاز لأتابع الأخبار فدخل وائل وصبا تركض

خلفه فصرخت بهما قائلا " توقفا عن الصراخ أريد أن أسمع "

سكتا ونظرا لبعضهما ثم خرجا فوقفت وغادرت المنزل توجهت لساحة الخيول هنا

جيد لم يزيلوها لقد طوروها كثيراً , قضيت بعض الوقت هناك ثم ذهبت لصالة البلياردوا

الأماكن هنا كما هي لم تتغير ... ست سنوات ليست كافية لتطويرنا نحن لأننا نتقدم ببطء

ونتراجع بسرعة , رن هاتفي فكانت مريم المتصل فأجبت بعد وقت قائلا " نعم يا مريم "

قالت من فورها " أين أنت يا رائد الغداء جاهز وأيوب ينتظرك "

قلت " حسناً قادم "

عدت للمنزل تناولت وأيوب الغداء وقضينا باقي الوقت في الأحاديث بعد أن نام

أطفاله المزعجين فلن يسمع معهم أحد الآخر وبعد العصر خرجنا سويا وتنزهنا

كثيراً وعند المساء عدنا للمنزل تناولنا العشاء وعند الحادية عشرة غادرنا عائدان

لمنزل والدي , كان الصمت موحشا في السيارة حتى اقتربنا من المنزل فقلت

" جهزي أغراضنا سنغادر صباحاً "

نزلت قمر متوجهة للداخل وهممت أنا بدخول مجلس الرجال حين استوقفني

صوت باب المنزل يفتح ويغلق , عدت للخلف فوجدت غيداء تدخل , نظرت

لها بصدمة وقلت " أين كنتي وحدك هذا الوقت ؟! "

تجاهلتني ودخلت فلحقت بها عند صالة المنزل وأمسكت ذراعها وقلت بحدة

" سألتك فتجيبي أين كنتي ومع من ؟! "

خلصت ذراعها من يدي بقوة وقالت بغضب " وما شأنك أنت "

قلت بصراخ " أين كنتي يا غيداء "

قالت برود " مع خطيبي "

نظرت لها بصدمة ثم قلت " ماذا !!! خطيبك , وأي خطيب هذا الذي تخرجين

معه وحدك وتعودي منتصف الليل "

صرخت قائلة " لا شأن لك بي أنت لست مسئولاً عني أنا لا أعترف

بك خذ زوجتك وغادر منزلنا "

صفعتها صفعة قوية أوقعتها أرضاً فخرجت حينها والدتها تتبعها نور واقتربت

والدتها وقالت " التفاهم ليس بالضرب يا رائد ما بكما "

قلت بغضب " كيف تخرج مع رجل بصفة أنه خطيبها فقط

ولوحدها وليس معها ولا حتى أنتي "

نظرت لها بصدمة وقالت " لما لم تخبريني بخروجك ؟! "

قالت غيداء ببكاء " وماذا في ذلك أنا لم أفعل جرماً هل يعتقد الجميع سيئين مثله "

قلت بغضب " غيداء أقسم إن لم تحترميني حطمت عظامك وهذا لن تخرجي معه ثانيتا مفهوم "

وقفت وقالت بغضب أكبر " لن تُفرق بيني وبينه يا رائد لن تحطم قلبي مجدداً لأني سأنتقم

منك كما فعلت سابقاً وستتجرع نفس الكأس التي تسقيني "

قلت بحدة " صعلوك خلصتك منه كان عليك شكري وقتها لأني خفت على مصلحتك "

قالت ببكاء " هل دخلت قلبي وسألته ما يريد كل ما فعلته أنك حطمته , أخبرني ما رأيك

بتحطم القلب .... قاسي أليس كذلك "

قلت بصراخ غاضب " خذي ابنتك من أمامي قبل أن أقتلها "

ابتعدت بها جهة غرف النوم تتبعهما نور , جلست مكاني على الأريكة أزفر بضيق

تخرج معه منتصف الليل في وجودي فبعد مغادرتي ما ستفعل وكما قالت قمر الناس

لن تلوم غيري فيما بعد , هل هذا ثمن تخليصي لها من ذاك الحقير , لكن ما عنت

بانتقامها وبتحطم القلب أنا منقطع عنهم تماماً منذ سنوات ما عنته بذلك !! لو لم أكن

متأكدا أن قمر هي ضوء القمر لقلت أنها غيداء لعبت بي , ثم من أين لغيداء ذاك

الأسلوب والكتابات , هل اتفقت معها عليا ... لا لا أعتقد لابد وأنها كانت ترى

المنتدى الأدبي لأني كنت أشارك فيه باسمي وقد تكون لاحظت ما بيني وبين قمر

ثم اختفائها وتركي للكتابة وقصة الانتقام لفقتها لتشعرني أنها انتقمت مني

توجهت لغرفتي دخلت فكانت قمر واقفة في نهايتها دون حراك يبدوا أنها لم ترد

التدخل في شئوننا ولا حتى سماع ما يدور , نظرت لها مطولاً ثم قلت

" في الغد سنجلب باقي أغراضنا ونقيم هنا "

الفصل الخامس عشر

غادرنا منزل والده ليس لتركه نهائيا كما كان مقرر ولكن لنعود للأبد وها قد تركت

مكانا سجلت فيه ذكريات سيئة جديدة وسأعود إليه مجدداً , كيف سنقيم هنا في غرفة

واحدة !! حتى إن غير الغرفة بأكبر فهوا يحسب حساب هروبه مني بالتأكيد ولن ينام

في مجلس الرجال دائماً ثم ومكتبه وكتبه , لا أعرف كيف يفكر كيف سيعيش معهم

وشقيقتاه يكرهانه كل هذا الكره وكيف سأستحملهما أنا , هذا الأمر أشبه بالمستحيل

اتكأت على زجاج النافذة ونمت كثيراً ثم استيقظت بعد وقت , في الليلتين الماضيتين

لم أنم مطلقاً ولا دقيقة بعد تلك الليلة يوم زارتنا عينا التنين , كانت ليلة سيئة للغاية

ولم تتوقف الكوابيس فيها أبداً فلم أنم بعدها رغم كل محاولاتي وكأن عقلي يرفض

النوم خوفاً من تلك الكوابيس حيث أنها تأتيني حتى نهاراً , غريب أني الآن نمت

نوماً هادئا دونها رغم جلوسي على مقعد السيارة .... إنه رائد أجل هوا , وجوده

بقربي يطرد تلك الكوابيس من عقلي يالك من قاسي يا رائد تحرمني حتى من

وجودك معي لأنام نوماً هادئاً كباقي البشر فكل أيامي في منزلنا هناك كنت أستيقظ

مفزوعة قبل الفجر بكثير بسبب الكوابيس ولا أنام حتى اليوم التالي

كيف ستتركينه يا قمر وكيف تخرجينه من حياتك هل تتصوري كبر حجم هذا الأمر

هل سيطيعك قلبك , ولكن إن أرجعني فلن أتمسك به لحظة وقلت ما قلت بأن يعيدني

لمنزل عمتي وسأقولها دائماً كي لا يضن أني أتمسك به رغم ما يفعله , أما رأي قلبي

الغبي هذا فعكس ذلك تماماً ولكن ليأخذ راحته في جنونه به فسينتهي قريباً على يديه

شعرت حينها بالخدر عاد يسري ليدي , في المستقبل سيتحول لأوجاع فيها ثم في قلبي

عليا الاحتمال لن أدعه يأخذني للمستشفى لن أعيش بدونه ولا بعده فقد يرتاح هوا ويرتاح

ضميري حين أموت على يديه

كنت أفرك يدي ببطء كي لا يلاحظني لكنه نظر جهتي وقال " قمر ما بك ؟! "

قلت بهدوء وعيناي مغمضتان " لا شيء "

عاد للصمت ووقف بعد مسافة قليلة نزل من السيارة ثم عاد حاملاً معه برطمان زيتون

أخضر فتحه وناولني منه واحدة وقال " خذي هذه كليها "

أخذتها منه وتركتها في يدي فقال بأمر " قمر كليها "

وضعتها في فمي وأغلقته عليها , وضع البرطمان في حجري بعدما أغلقه وانطلق بالسيارة

غيرت مكان حبة الزيتون خارج فكي جهة الخد لأرميها فيما بعد لن ينتبه بأني لم آكلها لأنه

يقود السيارة , توقف جانب الطريق ثم نظر لي وقال " قمر انظري إلي "

فتحت عيناي ورفعت رأسي ونظرت له فقال " أفتحي فمك لأرى "

هززت رأسي بلا فقال بحدة " قمر افتحيه أو فتحته لك مرغمة "

فتحت فمي بسرعة وأغلقته فقال بغضب " لما لم تأكليها هلا شرحت لي لأفهم "

مضغتها بقوة وقلت بضيق " ها قد أكلتها "

قال بغضب " ما هذا الذي تفعلينه هل تكرهينني حد أن لا تقبلي مني شيء

لأجل صحتك , قمر لما كل هذا "

قلت بدمعة محبوسة " فسر الأمور كما تريد أجل هذا ما تفلح فيه "

ضرب بيده على المقود ونظره علي وقال بحدة " وبما أفسرها إذا قولي أنتي "

نظرت للنافذة وقلت بحزن " عليه أن يموت نعم سيموت الورد يا رائد "

قال بهدوء " لما تكررين هذه الجملة دائماً ما تعنينه بها "

قلت بذات الحزن " فسرها أنت كما تفعل دائماً ما حاجتك بتوضيحي لك "

تأفف بغضب ثم شغل السيارة وانطلق , لما لا يفهمني .. لما لا يتذكرني حتى التذكر

أخذته حتى لمدرسته لم أبحث عن رائد حينها في المدرسة ولا في المقعد بل بحث عنه

فيه هوا لعله يستفيق ويتذكرني لأحكي له كل ما حدث لماذا نسيتي يا رائد ولم أنسك أنا

نعم أعلم لما لأني لا أهمك في شيء ولا أي شيء لذلك لن تعلم مني عن أي شيء حتى

أموت وتنتهي قمر بأسرارها وماضيها تحت التراب

عدت للنوم مجدداً وكأنني أعوض ما فآتني من نوم ولم أستيقظ إلا على صوته يوقظني

فتحت عيناي ثم نزلت من السيارة ودخلنا المنزل نظرت حولي وقلت بتذمر

" لم نتركه إلا بضعة أيام والغبار في كل مكان سيكون عليا تنظيفه "

جاء حينها صوت رائد من خلفي وهوا يجتازني قائلا

" لا داعي لذلك سنغطي الأثاث ونجمع أغراضنا ونغادر "

قلت من فوري " رائد "

وقف والتفت إلي فقلت " كيف سنعيش معهم , أعني غرفة واحدة وصغيرة

ولا مكتب وهم لا يرغبون بنا "

تنهد بضيق وقال " قد أستأجر منزلاً ملاصق لهم المنزل المجاور شاغراً وهوا للإيجار "

نظرت له بصدمة وقد توقفت أنفاسي ... منزل خالي لا لا يمكن , قلت معترضة

" لما لا تبحث عن غيره ؟! "

قال وهوا يدخل غرفة النوم " لا يوجد غيره وسأبحث مجدداً هوا خياري

الوحيد أم أنك تريدين تحمل غيداء ونور كل حياتك "

قلت وأنا أتبعه " ولكن ...... "

التفت إلي وقال " ولكن ماذا قولي ماذا يا قمر لما تعترضي على المنزل ؟! "

أخفضت بصري وقلت بهدوء " حسناً كما تريد "

ثم خرجت وتوجهت للمطبخ أعددت الطعام وبدأت به أولاً لترتيب الحاجيات في

الخِزانات ليكون فارغا تماماً , أخد رائد كرتونا كبيراً وبدأ بجمع كتبه المهمة فيه

لنقلها هناك , عليا تنظيف المنزل قبل ذهابنا , وضعت العلبة على الطاولة لأن

يداي تعجز عن تحريك أي شيء من رجفتهما ... ما هذا الذي ستفعله بي يا رائد

كيف تأخذني لمنزلها وكيف سأوقف هذا يا رب أمنع ذلك من الحدوث فلا حيلة لدي

أنهيت العمل بعد جهد ووقت ثم توجهت حيت رائد وقلت " أريد زيارة عمتي "

استقام في وقفته ونظر لي مطولاً ثم قال " لتبقي هناك كما طلبتي ؟! "

نظرت له بصدمة وصمت فقال ببرود وهوا يعود لترتيب الكتب

" لن أتركك هنا يا قمر ولن ننفصل فهمتي "

قلت " أريد رؤيتهم هم عائلتي , دعني أودعهم على الأقل قد لا أراهم مجدداً "

وقف ونظر لي بحيرة ثم قال " ولما لا تريهم ؟! "

أشحت بنظري عنه وقلت " مدينة والدك بعيدة عن هنا من يعلم قد لا أراهم "

تنهد وقال " سوف آخذك صباح الغد وسأكون معك حتى نغادر "

خرجت وتركته , لما يتمسك بي هكذا !! من يسمعه يضن أنه يحبني حد الجنون

ألم يشبع من جرحي بعد , أنهيت أعمال المنزل وغطيت الأثاث ولم يبقى سوى

غرفة النوم لأنني سأنام فيها ورائد نام مع كتبه كعادته طبعاً , كنت أحلم طوال الليل

بمنزل خالي وعينا التنين تطاردني فيه وتضحك ولم أنم إلا قليلاً

عند الصباح ذهبنا لمنزل عمتي ونزل معي طبعاً , لو أفهمه فقط ولو لمرة واحدة

طرقنا الباب ففتح لنا مؤمن وقال مبتسماً " مرحباً .... "

ثم أغلق فمه وضحك فضحكنا كلينا وقال رائد " مرحباً يا مؤمن "

قال مبتسماً " مرحباً بكما هيا تفضلا "

دخلنا للداخل متوجهين لمجلس الضيوف فقابلتنا عمتي محتضنة لي بحب ثم

دخلنا وانظم إلينا زوج عمتي وقال رائد

" جئنا لنراكم لأننا سننتقل للعيش في مدينة والدي حتى متى الله أعلم "

نظرا لبعضهما باستغراب ثم لنا وقال زوج عمتي " قلت والدك !! "

قال رائد " نعم سأبقى مع شقيقتاي ووالدتهم أنتم تعلمون لا أحد لهم غيري الآن بعد والدي "

قال زوج عمتي " ولكنك ..... "

سكت فقال رائد " نعم لكني قلت أنه لا صلة لي بهم ولكن هكذا شاءت الظروف "

تنهد زوج عمتي وقال " رائد عليك أن توضح لنا ولو قليلاً "

قال بعد صمت " قبل ست سنوات من الآن كان لدي صديق مقرب مني لن أطيل الشرح فما

أريد قوله أنه ثم الاشتباه به في التورط مع المخابرات الغربية أي جاسوس ضد البلاد وقد

أخذونا كلانا وسُجنا لأشهر وعذبونا كثيراً حتى اعترفنا مرغمين ثم ظهرت براءتنا ولكن

كان ذاك وقت العفو عن بعض المساجين السياسيين فضن الجميع أنه ثم العفو عنا معهم

وحدثت شوشرة كبيرة منذ دخلنا السجن وعند خروجي استقبلني والدي استقبالا لم أتوقعه

أبداً رغم علمه بقرار براءتي وقال أني جلبت له العار فهوا رفض منذ دخولي الجامعة

القسم الذي اخترته وكان يريدني شرطياً منذ صغري فبدأ منذ ذاك الوقت بانتقادي على

كل ما أفعل أو أقرر وحتى صداقتي لأنور لم تكن تعجبه لذلك طردني من البيت فهجرت

المدينة كلها ولم يسأل عني ولم يطلب عودتي رغم زيارة أفراد المخابرات لهم لإخبارهم

ببراءتي وهذا كل شيء "

كان الجميع ينظر له بصدمة , لذلك كانت بجسده أثار نذب وكأنها جروح عميقة هي

أثار التعذيب إذا , قال زوج عمتي

" يالها من حكاية كيف تصرف معك هكذا وأنت بريء وهوا يعلم "

قال رائد بضيق " لم يهتم وقتها إلا بنظرة الناس لي وكان عليه بتري من العائلة ليكبر

بأعينهم فقد كنت بنظر الجميع الخائن الذي باع وطنه "

قال زوج عمتي بعد صمت " اسمعني يا رائد قمر أمانتك وأنت جربت الظلم وهي جربت

ما لم يجربه أحد حافظ عليها لأننا مسافرون بعد شهر "

قلت بصدمة " ماذا تسافرون !! "

قال " نعم عمتك جاءتها بعثة لإكمال رسالة الدكتوراه وأنا سأدرس من جديد من أجل

الترقية فهي فرصتي وسنسافر مطلع الشهر القادم "

نظرت لهما وقلت بدموع " وتتركونني !! "

قالت عمتي " قمر لما البكاء أنتي مع زوجك وهوا يحبك لقد

أصبح لديك عائلة عليك البقاء بقربه "

قال زوج عمتي " رائد أرجوك أن تعتني بها في غيابنا "

ضم كتفي وقبل رأسي وقال " قمر في عيناي لا تخافا "

يالك من ممثل يا رائد حتى أمام من هم ليسوا عائلتك قلت بعبرة " لا يمكن لا تذهبوا "

قال زوج عمتي " قمر يا ابنتي سوف نعود فلا تقلقي ونحن مطمئنون مادمت مع زوجك "

هززت رأسي وقلت " لا لا تتركوني الآن أبقوا قليلاً ثم سافروا كما تريدون "

قالت عمتي " قمر ما بك أنا لا أفهمك !! "

مسح رائد على كتفي وقبل رأسي مجدداً وقال

" ما بك حبيبتي هم سيسافرون ويعودوا لما كل هذا الخوف "

كلمة حبيبتي المزيفة هذه لم تزدني إلا بكاء كم تمنيتها ولكن ليس هكذا , بقوا يهدئوني

لوقت حتى توقفت عن البكاء فقال زوج عمتي

" سنتصل بكما دائماً ولا تنسى يا رائد ما أوصيتك به ووقت عمليتها سنأتي لنسافر بها "

قال رائد " ولما وما أفعله أنا ؟! هي زوجتي الآن وأنا المسئول عنها "

قال معترضاً " إنها عملية مكلفة وتذاكر السفر كذلك , لن تقدر عليها وحدك "

قال " سأدخر المال من الآن وسأبيع المنزل والسيارة إن اطر الأمر كما أني سأنشر

كتابي قريباً وسأترك كل ثمن طبعاته ... لا تخف "

قال زوج عمتي " سأكون هنا وأسافر معكما على أية حال "

تنهدت بقلة حيلة يتناقشان في أمر لن يفعلاه أبداً لا تخافا لن أكلف أي منكما شيئاً كما

أشك أن رائد بكرهه لي هكذا سيدفع مليما لأجلي أم هي الشفقة ككل مرة , لا لن أدعك

تشفق علي يا رائد فليست الشفقة ما أريد منك ليست هي فهذا يقتلني أكثر

وقفت وقلت " سأصعد لرؤية نوران "

وقف رائد قائلا " ليستدعوها هنا لتودعيهم فقد لا نتمكن من رؤيتهم قبل سفرهم "

نظرت له بصدمة وقلت " ماذا ؟! لن أراهم مجدداً هذه الأخيرة "

قال بحيرة " قمر ما بك هم سيرجعون هنا !! "

خرجت في صمت وصعدت لغرفة نوران دخلت عليها فاستقبلتني بالأحضان فبكيت

في حضنها حتى تعبت وهي تحاول تهدئتي ثم أجلستني على السرير وقالت

" قمر ما بك لما كل هذا البكاء ؟! "

قلت بعبرة " سأشتاق لكم كيف تذهبوا هكذا وتتركوني "

ضربتني بخفة وقالت " لقد أفزعتني ضننت أن رائدك قد مات "

ابتسمت بحزن وقلت " لا تفاولي عليه هل تريدين أن أموت مجنونة "

ضحكت وقالت " ولما لا تموتي فوراً لما ستُجنين أولاً "

مسحت دموعي وقلت " سأشتاق لكم "

ضمتني وقالت " ونحن كذلك ما نفعل لك لولا زوجك ذاك لأخذناك معنا "

ثم ابتعدت عني وقالت " قمر أخبريني هل أنتي سعيدة معه ؟! "

هززت رأسي بنعم فقالت " كيف أخبرك عن معرفته لك وما قال "

قلت متجنبة الحديث في الأمر " دعينا من هذا فالموضوع معقد وشرح لي ولم أفهم كثيراً "

تنهدت براحة وقالت " كم أنا سعيدة لأجلك قمر "

دخلت حينها عمتي وقالت " قمر رائد ينتظرك في الأسفل "

ثم ضحكت وقالت " لو رأيتِ إصراره وملامحه وكأنه يخاف أن لا تنزلي "

تنهدت ولم أعلق على الأمر وودعتهم ببكاء طويل فلن يكون لدي بعد الآن حتى

منزل عمة أهدده به وقد لا أراهم مجدداً بل لن أراهم , نزلت للأسفل ووجدت

زوج عمتي ورائد , وقفت بجانبه فوضع يده على كتفي وقال زوج عمتي مبتسماً

" لو تأخرتِ لحظات لكان رائد سيصعد لينزلك بنفسه , ها هوا لا يريد

البقاء دونك فلما تجرحينه بتمسكك بنا "

قلت بهدوء وعينيا أرضاً " ولا أنا استطيع البقاء دونه ولكنكم عائلتي "

مؤكد يضنه تمثيل ولكنها حقيقة خرجت من أعماق قلبي فليت ذكاءه يتحرك في هذه

اللحظة ولكني أعلم أن لا أمل من ذلك , غادرنا بعدها منزل عمتي ولم أتوقف عن

البكاء حتى وصلنا ودخلت غرفة النوم وأكملت هناك باقي بكائي الذي لا ينتهي

بعد وقت دخل رائد جلس بجواري وقال

" قمر يكفيك بكاء من أين لك بكل هذه الدموع هم لن يموتوا "

قلت بنحيب " أنا من ستموت .... لا أريدهم أن يرحلوا لا أريد "

أبعد يداي عن وجهي وقال بحدة " قمر ما تعنيه بكلامك اليوم لما تذكرين الموت كثيراً

وأنك لن تريهم مجدداً ... ما تخبئي عني ؟! "

أجل يا رائد ذكاءك لا ينام إلا في فهم مشاعري وذكريات طفولتي فقط , سحبت يداي من

قبضة يديه وضعتهما في حجري وقلت بهدوء ونظري عليهما

" قد لا تنجح عمليتي وأموت وهم بعيدين عني وتكون هذه المرة الأخيرة التي أراهم فيها "

أمسك ذقني بإصبعيه ورفع وجهي له وقال بحدة

" قمر توقفي عن قول هذا هي عملية بسيطة لما كل هذا التشاؤم "

أبعدت وجهي وقلت بغضب " لا تشفق علي يا رائد لا أريد شفقتك فهمت "

وقف وقال غضباً " قمر لما تعامليني هكذا لما تغضبين مني في هذا الأمر دائماً "

لم أتحدث فغادر غاضباً وقلت بهمس حزين " لأني أريد حبك وليس شفقتك هي تذكرني

أنك لا تحبني لهذا أكره ذلك منك .... هل فهمت هل فهمت "

بقيت جالسة مكاني لوقت ضامه ساقاي لحظني ولا شيء سوى الشرود والحزن وكل

فترة والأخرى يفتح رائد الباب ويراني ويغادر , هل يخشى أن أفعل لنفسي شيء أم

يخشى أن يحدث لي شيء وفي كلا الحالتين هوا يشفق علي , خبئت وجهي بين ذراعاي

كي لا أراه وكم تمنيت لو أصم كي لا أسمع صوت الباب وهوا يفتحه ويدعي أحيانا أنه

يريد أخذ شيء ولكن ليست هذه عادته فهل تغير الآن

سمعت صوت الباب مجدداً فنزلت دموعي رغماً عني , خبأت وجهي أكثر فشعرت

به يجلس بجواري على السرير ثم وصلني صوته قائلا

" قمر ارفعي رأسك "

لم أتحرك ولم أتحدث فقال بأمر " قمر قلت ارفعي رأسك "

قلت ببكاء وحالي كما هوا عليه " رائد اتركني وحدي أرجوك "

قال بغضب " قلت أرفعي رأسك الآن يعني ترفعينه "

رفعت رأسي ونظرت للجانب الآخر وقلت بضيق " ها قد رفعته ما تريد به "

تنفس بقوة عدة مرات ثم قال " هل لي أن أعرف سبب هذا ؟! "

نظرت له وقلت ودموعي تدحرج من عيناي تدحرجا " ولما تريد معرفة السبب

كم كنت هنا سجينة الغرفة أبكي وحدي ولم تكن تهتم لأمري فما تغير الآن ولكن

لا تُجب أعلم الجواب وحدي "

وقف وقال بحدة " لما يجب أن تكون شفقة هل هناك من يكره أن يعتني الناس

بصحته لما كل هذه القسوة يا قمر "

بقيت أنظر له بصدمة ثم قلت بحيرة " قسوة !! "

قال بغضب " نعم قسوة وتحجر أيضاً "

نزلت من السرير وقفت في الجانب الآخر وقلت بغضب " نعم ألصق ما بك بي قاسية

ومتحجرة وبلا مشاعر كلها بك وتلصقها بي , لما تكلف نفسك عناء تحملي خدني

لعمتي قبل أن تسافر لتأخذني معها وترتاح مني "

قال بصراخ غاضب " نعم هذا ما تريدينه أن ترحلي معهم لا يا قمر لن تذهبي لأي

مكان إلا معي فهمتي ليس بعد يا قمر ليس بعد "

بقيت أنظر له بحيرة فخرج غاضبا يتأفف , إذا لغرض ما يبقيني هنا لما يا ترى ؟!

ارتميت على السرير أبكي أسوء من بكائي السابق , بعد قليل رن هاتفي وكانت أنوار

مسحت دموعي وأجبت فطلبت مني التحدث مع رائد لزيارتهم قبل أن نغادر , كم هم

واهمون ويضنون أنني أتحكم بقراراته وأنه ينفذ كل ما أطلبه , كيف سأعتذر منها أو

أطلب أن يكلمه حيدر ستكون حركة غبية ومكشوفة

غادرت الغرفة بحثا عنه أعلم أنه سيرفض لكن لا خيار أمامي , أنظروا لحالي

تشاجرت معه للتو وسأطلب منه طلباً أعلم جوابه , وجدته في المطبخ يجلس على

الطاولة وينظر لورقة أمامه .. كم أعشق هذا التمثال الحجري لو فقط يعلم

وقفت عند الباب وقلت بهدوء ممزوج بالحزن

" أنوار اتصلت تطلب أن نزورهم قبل أن نسافر "

لم يجب ولم ينظر إلي فقلت " رائد "

قال بضيق " سمعتك "

تنهدت وقلت " بما أجيبها "

وقف وقال مغادراً " تحدث معي حيدر سنمر بهم قبل مغادرتنا "

قلت وأنا أتبعه " أنزل البيض والحليب من السيارة إذاً , سأعد كعكا لنأخذه "

قال وهوا يدخل المكتب " كالكعك السابق في الرحلة لا "

وقفت عند الباب وقلت بصدمة " ولما !! "

التفت إليا وقال بحدة " من غير نقاش "

أمسكت طرف الباب بيدي وقلت بضيق

" علينا أن نتناقش كيف تكون الحياة هكذا من طرف واحد فقط "

قال بغضب " الكعك لن يأكله أحد منك سمعتي "

قلت بضيق " لما هل هوا سيء ؟! "

نظر لي ببرود وقال " نعم "

قلت باستغراب " لما !! أنا أعده من سنوات وأحب إعداده "

بدأ بترتيب كتب المكتبة وقال " لنا لا بأس غيره لا "

اتكأت على حافة الباب ونظري عليه وقلت بحزن " رائد لما تفعل هذا ؟! "

نظر لي مطولاً ثم قال " لأني أشفق عليك أليس كذلك "

نظرت للأرض ثم قلت مغادرة " اشتري شيئاً نأخذه معنا إذاً "

عدت لغرفتي كما كنت قبل قليل ولكن الجديد يدي عادت للخدر وصلت السرير

وارتميت عليه , جسدي في جهة ويدي في الجهة الأخرى متى سأموت وأرتاح متى

سحبت يدي اليسره باليمنى ودسستها تحتي كي لا يلحظها , لا أريد تلك الشفقة لا أريد

فليبقى قاسيا هكذا حتى ينهيني , بعد وقت تحول الخدر لتنمل في كل يدي وقفت بصعوبة

أخرجت كيس بطاطا مملحة من الدرج وأخذت القليل منه وعدت مرتمية على السرير

في اليوم التالي كان علينا مغادرة المنزل لنزور حيدر في المدينة المجاورة ثم إلى قدري

المحتوم في تلك المدينة وذاك المنزل فلم يعد لي حتى أهل أزورهم من حين لآخر

ركبنا السيارة في صمت إلا من كلام رائد في الهاتف وحيدر يدله المنزل , غريب أمره

حقاً أخوه ولا يعرف منزله , ما ذنبه وذنب مريم ليشمله مع البقية , إن قلنا مريم تسكن

هناك بجوارهم فماذا عن حيدر أو ليجيب على اتصالاتها , يبدوا لي كما قالت مريم وأكثر

لا ينسى الجرح بسهولة بل يتسع نطاقه عنده ليشمل كل شيء

وتتوهمي أن تحكي له يا قمر ! ما ستقولين له أنا الفتاة التي أحببتها وتركتك , إن كنت الآن

في نظره بلا مشاعر فكيف حينها فحتى قمر الطفلة لن تشفع لي لديه فهوا لا يتذكرها حتى

التذكر , وصلنا المنزل ونزلنا هناك فتح لنا حيدر الباب واستقبلنا قائلا

" جيد أنها غيرت رأيك فكرة أنوار كانت صائبة "

لم يعلق أي منا أوصلنا لغرفة الضيوف وخرج فقال رائد ببرود وهوا ينظر جهة

الباب " لن أقول ما أقوله دائماً "

ابتسمت بسخرية وقلت " أعلم ولن يلاحظا شيئاً لا تخف "

بعد قليل دخلت أنوار يتبعها حيدر سلمت علينا ولحسن الحظ قالت من فورها

" تعالي يا قمر لدي شيء أريه لك ودعي المزعجان وحدهما "

قال حيدر بضيق " ضعي في حساباتك ستغادر ولن يبقى لك سوى هذا المزعج "

ضحكت وقالت " هيا تعالي فلولاك ما جاء رائد يالا سحر النساء "

خرجت برفقتها أدخلتني لغرفة مليئة باللوحات القماشية منها المرسومة ومنها البيضاء

نظرت بدهشة وقلت " هل ترسمين يا أنوار هل أنتي رسامة "

قالت بضحكة " بعض الشيء "

تجولت بين اللوحات وأنا أقول " كيف بعض الشيء إنك مبدعة "

وقفت عند لوحة لفتاة صغيرة تجلس على الأرض وتكتب في كراسة فقلت " رائعة إنها ..... "

كنت سأبكي لولا تداركت نفسي فقد ذكرتني اللوحة بطفولتي وأنا أكتب في كراسة رائد

فوق ذاك السطح , وضعت أنوار يدها على كتفي وقالت " إن أعجبتك فخديها "

نظرت لها بصدمة فقالت ضاحكة " لن تخرجي دون هدية منهم يكفي إعجابك بلوحاتي "

قلت بابتسامة " أقسم أنك فنانة هل تعرضينها في معرض "

قالت " لا ليس بعد هذه السنة ممكن لقد تبنى أحد الرسامين بعض

لوحاتي وسيقدمها في معرضه "

قلت بسرور " ستصبحين مشهورة إذا "

ضحكت وقالت " إذاً خذي اللوحة الآن لأني إن صرت مشهورة فلن تريها مني "

ضحكنا كثيراً ثم قلت " لن آخذها ولكن لي طلب أرجوك أن لا ترديني "

نظرت لي بحيرة ففتحت حقيبة يدي وأخرجت صورتي عند الطفولة وقلت

" هل ترسمي هذه الطفلة بدل تلك نفس الوضعية بوجه هذه والأرضية كسطح

البيوت هل تفعليها لأجلي "

أخذت الصورة نظرت لها بتمعن ثم لي وقالت " هل هذه أنتي يا قمر ؟! "

قلت " نعم حين كنت في الخامسة هي الصورة الوحيدة لي عند طفولتي "

قالت بابتسامة " لم يتغير شكلك العينين يميزانك والشعر أيضاً كنتي طفلة جميلة جداً "

قلت " هل سترسمينها ؟! "

قالت وهي تنظر للصورة " ستأخذ وقتا فصورتك من الوجه الأمامي

واللوحة ستكون للوجه الجانبي "

قلت بحزن " إذا لن ينجح الأمر "

قالت مبتسمة " سأعتبرها تحدي لقدراتي وأنتي ستكونين الحكم "

قلت بحزن " قد لا أراها ولكن عليك إعطائها أحدهم وكتابة ما أريد عليها "

قالت بحيرة " لا أفهمك !! "

قلت مبتسمة " سأفهمك كل شيء لاحقاً ابدئي بها أنتي الآن "

تنقلنا بعدها في الغرفة تحكي لي حكاية كل لوحة ومتى رسمتها ثم ذهبنا للمطبخ

أعددنا العصير والضيافة وعدنا لغرفة الضيوف جلست هي بجوار زوجها ولم يعد

بإمكاني الجلوس بجوارها فلم أجد مفراً من الجلوس بجانب رائد , سأبدأ أنا التمثيلية

هذه المرة بالالتصاق به , قالت أنوار بابتسامة " لقد وجدت معجباً جديداً بموهبتي "

ضحك حيدر وقال " وماذا كانت ستقول لك غير رائع "

قلت بجدية " بلى لوحاتها رائعة ومخطئ من يقول غير ذلك "

نظرتْ له بشماتة فضحك وقال " وأيها أعجبتك ؟! "

قالت أنوار " اللوحة التي أعجبت زوجها قبل عام الطفلة التي تكتب في الكراس "

نظرت جهة رائد فكان على حاله ينظر للفراغ ببرود , اعتقدت أنه يتذكرني ولكن

لا جدوى , قال حيدر " تلك اللوحة جدبت الجميع "

قال رائد " تمثل البراءة فما أن يكبر الطفل حتى يتحول لوحش جارح "

لا أعلم لما شعرت وكأنه يقصدني بما قال قد أكون واهمة ولكن هكذا شعرت من

برودة كلماته ونبرته ذاتها عندما يطعنني بكلماته

قلت بهدوء حزين " ينقصها الحزن "

نظرا لي باستغراب وقالت أنوار " لما فأجمل ما فيها ابتسامتها !! "

نظرت لعينيها بتركيز وقلت " بل لو كانت حزينة لكانت أجمل "

ابتسمتْ وفهمت أني هكذا أريد لوحتي حزينة , قالت أنوار

" قمر يدي على كتفك ساعديني في أمر "

قلت بابتسامة " لو كان باستطاعتي فلما لا "

قالت مبتسمة " لقد تراهنت وحيدر إن أعددت كعكة ككعكتك في الرحلة

يشتري لي الطقم الذهبي الذي أعجبني "

نظرت لرائد ثم لهم وقلت بهدوء " ولما كعكتي تحديداً ظننتها سيئة ولم تعجبكم ؟! "

قالت بصدمة " سيئة قمر ما تقولي !! "

ثم ضحكت وقالت " آخر قطعتين تشاجر الأطفال عليهما وقريبك الصغير ذاك

أكل خمس قطع وحده وقال / قمري من أعدتها فهي لي "

قال حيدر " من يومها وأنا أتحدث عنها فقالت أنوار أستطيع فعل مثلها

لو كانت لدي الطريقة فتراهنا "

قلت " إنها طريقة يونانية تعلمتها في الخارج ودمجتها مع الطريقة العربية "

قال حيدر " ما رأيكما أن تعدوها لنا الآن "

تحمحم رائد لأفهم رفضه الأمر , هل سيتحكم بي أيضاً هل يريد قتل شخصيتي

وقفت وقلت " لا بأس "

وقف رائد وقال " علينا المغادرة "

وقف حيدر وبعده أنوار وقال " لما كل هذه العجلة !! "

قال رائد " الرحلة والترتيبات هناك تأخذ وقتاً وعلينا المغادرة "

قال حيدر " ما قررت بشأن المنزل ؟! "

قال " لا جديد ولا خيار لدي غيره سأستأجره مؤقتاً حتى حين "

قال حيدر " وأين مالك المنزل أذكره جيداً "

قال رائد " ما علمته من الجيران أنه تعرض لحادثة منذ سنتين فأصيب بشلل نصفي

وزوجته بحروق عميقة شوهتها كليا فتركوا المنزل وعاشوا في مدينة أهل زوجته "

شعرت بالرجفة تسري في كل جسدي وكدت أقع , يا إلهي كيف يحدث كل هذا

لهذا هي كانت متشحة بالسواد ولم أرى من عينيها سوى واحدة

قالت أنوار " أي جرم هذا الذي اقترفاه في حياتهما لينتهيا هكذا !! "

قال رائد " لا اعلم عنهما شيئاً وشبه لا أذكرهما "

شعرت الآن بطعنة قوية وجهت لقلبي ... لو كان لا يذكرهما فلا يذكرني أبداً فأنا اختفيت

قبلهما .... لماذا يا رائد لما لا ترحمني ؟!

خرجنا من منزلهما وأنوار تصر عليا أن أرسل لها الطريقة التي أعددتها بها , ركبنا السيارة

ولم يفتح رائد موضوع تجاهلي له في موضوع الكعكة يبدوا لكي لا أساله لما قال أنها كانت

سيئة فلما فعل ذلك يا ترى !! بعد السير لمسافة طويلة اقتربنا من مدينة والده ومن قدري

المحتوم في ذاك المنزل فقلت " رائد توقف "

يتبع .......
 
الفصل السادس عشر + الفصل السابع عشر

آخر ما كنت أريده وأتمناه العودة لمنزل والدي ولكن لا خيار أمامي منزل الجيران

فكرة جيدة من كل النواحي مستقل وقريب منهم وقد يجعل الجالسة هناك تنطق رغم

اعتراضها لا تريد ذكر السبب ولكن عليها أن تقول ولوحدها لما فعلت بي ذلك ولما

تستمر في كذبها وكأن شيء لم يكن

نزلت من السيارة وتوجهت لها وهي تجلس على الصخرة تحضن ساقيها تشاهد أضواء

المدينة من الأعلى وقفت بجانبها وقلت " هل نغادر ؟! "

نظرت لي وقالت بهدوء " قليلاً بعد نكاد نصل لنبقى قليلاً رائد "

جلست بجانبها في صمت فقالت بعد وقت " كم هي جميلة من هنا "

قلت بهدوء " نعم كنت في الماضي أحب زيارة هذا المكان كثيراً "

سكتت قليلاً ثم وضعت ذقنها على يديها المحتضنتين ساقيها وقالت بذات

الهدوء " رائد هل لي بطلب ؟! "

قلت ونظري حيث تنظر " ماذا ؟ "

قالت بشبه همس " لا أريد العيش بذاك المنزل "

نظرت لوجهها بصمت وهي تنظر للمدينة ثم قلت " والسبب "

غمرت وجهها بين ذراعيها وساقيها وقالت

" أرجوك رائد أفعل ذلك من أجلي هذه المرة فقط "

قلت ببرود " وإن كانت شفقة ؟؟ "

رفعت رأسها ونظرت للبعيد وقالت " إذاً نسكن فيه "

قلت بحزم " قمر لما تفسري اعتنائي بصحتك شفقة !! "

قالت بحزن " لأنها لا شيء غير ذلك لا أريدها هي "

رميت حجراً بغيض وقلت بحدة " لو أفهمك يا قمر لو أفهمك "

قالت بحزنها ذاته " لن يحدث ذلك لأنك لا تريد "

نظرت للجانب الآخر وتنهدت بضيق ثم نظرت لها وقلت " وماذا لو لم تكن كذلك "

نظرت لي وقالت " وما ستكون إذا اشرح لي "

وقفت وقلت " شيء لن تعرفيه دفن مع الكثير قبله , هيا فأمامنا عمل كثير هناك

وعلينا شراء غرفة أكبر من غرفتي السابقة ومكتب صغير أيضاً لنضعه فيها "

ثم غادرت جهة السيارة وركبتها فلحقت بي وركبت وقالت من فورها

" لن نعيش في ذاك المنزل ؟! "

قلت " نعم حتى نبحث عن غيره "

لاذت بالصمت ولكن لا بأس ستطلبين بنفسك أن ننتقل إليه يا قمر فلن يعجبك الوضع

هناك أبداً , وصلنا منزل والدي دخلت قمر قبلي وأنا أنزلت الأغراض , بقي المزيد

هناك عليا العودة من أجلهم قريباً , دخلت المنزل ووجدت زوجة والدي وقمر , ألقيت

التحية ودخلت , هي تعلم مسبقا بقدومنا فلقد أخبرتها قبل مغادرتنا

نظرت لها وقلت " أين الفتاتان ؟! "

قالت " في غرفتيهما "

قلت ببرود " هل خرجت معه مجدداً ؟! "

نظرت لي بصمت فقلت بجدية " خالتي هل خرجت معه ؟! "

قالت " نعم وشقيقه الأصغر معهم "

قلت بضيق " شقيقه الأصغر !! كيف توافقين ذلك لن تخرج معه إلا

برفقتك أو رفقتي حتى نور لا "

قالت معترضة " ولكن ...... "

قلت بغضب " لن تخرج معه بعد اليوم فليأتي ويقدم اعتراضه لأطرده نهائيا "

خرجت حينها غيداء قائلة بحدة " خطيبي وسأخرج معه رضيت أم لا "

توجهت ناحيتها وغضب العالم كله يعتريني فأمسكتني والدتها وقالت

" رائد أرجوك ليس بالضرب "

قلت بصراخ غاضب " بماذا إذاً ألا تسمعينها كيف تتواقح علي "

قالت غيداء " ليس من حقك منعي ها هي ذي زوجتك من سألك من أي شارع أتيت بها "

أبعدت والدتها ووصلت لها أمسكتها من شعرها وقلت صارخاً في وجهها

" أقسم يا غيداء قسماً بربي وربك إن تطاولتِ عليا بكلمة ثانيتا كان مصيرك الضرب

ولن تخرجي معه قلتها ولن أعيدها "

كانت تبكي وتتألم بين يدي ففككتها فدخلت غرفتها وضربت الباب بغضب , نظرت

لوالدتها وقلت " لن يخرج أحد دون إذني ولن يخرج إلا معي ونور أنا من سيأخذها

لجامعتها وأنا من سيتكفل بمصاريف البيت وحاجياته من اليوم فصاعداً "

تنهدت وقالت " تفاهم معهما باللين يا رائد لا أريد مشاكل أنت

شقيقهم ووليهم ولكن ليس هكذا "

ثم التفتتْ جهة قمر الواقفة بعيداً وقالت " سامحينا يا ابنتي ما كان عليها قول ذلك عنك "

نظرت لي ثم لها وقالت " أنا وهي امرأتان ونتفاهم ولكن كان عليها احترام شقيقها بما أن

من رباه رباها فالمفترض أن تكون النتيجة تربية واحدة "

هنا سكتت خالتي ولم تعلق لقد أصابتها إصابة مباشرة لا اعلم انتقاماً لنفسها أم لي والمؤكد

نفسها غريبة حقا هذه الفتاة أحياناً تكون وديعة وحقها يضيع أمام عينيها وأحياننا تهاجم بشراسة

مغلفة بالهدوء والرقة , قلت ببرود " ما لدي قلته ولا أعتقد أنني مخطأ ويوم يقرر الزواج بها

ليأتيني ويتفاهم معي وإن خرجت معه دون علمي ستلقى مني مالا تحب "

توجهت حينها قمر للحاجيات وبدأت بحملها للغرفة وجلست أنا في الصالة وجلست

خالتي بجواري وقالت " رائد أعلم أنها أخطأت في حقك ولكن سجنهما هنا ليس بحل "

قلت ونظري على قمر مارة بالصندوق في صمت

" أنا لن أسجنهما سيخرجان معي أين ما أرادتا "

تنهدت وقالت " وماذا بشأن الغرفة لن تتسع لكل هذا ثم هي بسرير فردي "

قلت " سأستأجر منزل الجيران ولكني سأقيم هنا مؤقتا وسأحضر

غرفة أكبر وسأنام مؤقتا في المجلس "

وقفت في صمت مغادرة وخرجت أنا للخارج دخنت سيجارتي متكأ على عمود الكهرباء

ثم نظرت جهة منزل خال قمر فطارت عيناي لا إراديا لسطح المنزل تأملته مطولاً ثم

ابتسمت وقلت " فتاة السطح ... يفترض أن تكون بطلة حكايات كالبقية "

ثم ركبت سيارتي وزرت أنور وتنقلت من مكان لآخر برفقته حتى مر أغلب الليل

عدت بعدها للمنزل دخلت غرفتي لأخذ ثيابي فوجدت الحاجيات مرتبة والصناديق جانبا

وقمر تفترش الأرض وقد تركت لي السرير , ابتسمت واقتربت منها جلست أمامها وعادت

لي تلك الأفكار المجنونة , اقتربت من عنقها استنشقت عبير عطرها القاتل وانتقلت لوجهها

وقبلت شفتيها قد تكون مستيقظة ولكن لا يهم لن أمنع نفسي , فتحت عينيها ونظرت لي في

صمت فوقفت وقلت " يمكنك النوم على السرير سأنام في المجلس "

جلست وقالت " وحتى متى ستنام هناك ؟! "

وضعت يداي في جيوبي وقلت " لا أعلم "

جمعت شعرها ورمته خلف ظهرها وقالت ناظرة لي

" نام على السرير سأنام هنا لا تقلق بشأني "

هززت رأسي بلا دون كلام فقالت " حسناً والحل ؟ "

أشرت بنظري جهة السرير وقلت " ننام كلانا هناك "

أنزلت رأسها ولاذت بالصمت فأمسكت مقبض الباب وقلت " تصبحين على خير "

هممت بالخروج حين استوقفني صوتها قائلة " رائد "

التفتت لها فرفعت شعرها خلف أذنها مع احمرار وجنتيها ثم نظرت للأسفل وقالت " حسناً "

دخلت في صمت أخذت ثيابي واستحممت وحين عدت للغرفة كانت نائمة على السرير

تعطيني ظهرها وتأخذ طرفاً وتركت لي طرفاً وكله بالكاد يكون طرفاً وأحداً , دخلت

السرير فالتصق جسدي بها بسبب المساحة ووضعت يدي على خصرها وقلت هامساً

" عليك تحملي فالسرير لا يتسع لكلينا "

قالت بهمس " للضرورة أحكام "

ابتسمت ولذت بالصمت , كانت جامدة تماماً طوال الوقت لا اعلم نائمة أم لا وقد فارق

النوم عيني رغم أني كنت أكاد أنام واقفاً وكيف أنام وهذا الجسد ملتصق بي , أمضيت

وقتا طويلاً وأنا ألعب بشعرها الطويل بأصابعي تارة وأرميه على وجهي أستنشق عبيره

تارة أخرى حتى قالت " رائد متى ستترك شعري أريد أن أنام "

رفعت جسمي قليلاً قربت شفتاي من أذنها وهمست فيها قائلا " ومتى أنتي ستتركينني أنام "

قالت بهدوء " لما !!! ما فعلته أنا "

وزعت قبلاتي على عنقها الناعم الناصع البياض وقلت " أنا رجل يا قمر وهذا فوق طاقتي "

شدت اللحاف على جسدها بقوة وقالت بعد صمت " أنت اخترت هذا "

جلست وغادرت السرير والغرفة وجلست على الأريكة في الخارج لا أحاول طرد النوم

بل أن أطرد من دماغي ما كنت فيه ... جسدها أو عنقها أو رائحتها أو أي شيء فخرجتْ

بعد لحظات ووقفتْ مستندة بالجدار بكتفها بفستانها القطني القصير جداً يغطي حوافه شعرها

الحريري الطويل حافية القدمين , وقفت في صمت قليلاً ثم قالت

" ما الذي أغضبك فيما قلت ؟! لما تشعرني دائماً أني المخطئة "

سافرت بنظري بعيداً عنها ولذت بالصمت ولم أجبها فقالت بهدوء

" رائد دعنا نتصرف مرة كزوجين عاقلين "

قلت ونظري للأرض " وهل ثمة زوجين عاقلين كل منهما ينام في مكان وإذا اقترب

أحدهما من الآخر أبعده عنه كالوباء "

ابتعدت عن الجدار وقالت " أنت من يفعل ذلك دائماً يا رائد فلا تلقي باللوم علي "

قلت ببرود " وأنتي السبب أم نسيتي "

اقتربت مني أمسكت يدي وسحبتني معها في صمت دخلت بي الغرفة ثم تركت يدي

ودخلت السرير وقالت " لست بلا مشاعر لا تنسى هذا "

لم أعلق على كلامها ونمت معها هذه الليلة قد نكون تجاهلنا كل شيء حتى الصباح

أو تناسينا بعضه ولكن ما حدث حدث وما كنت لأقاوم امرأة يفتنني كل شيء فيها

حتى ضحكتها , عند الصباح استيقظت وكنت وحدي في السرير جلست بتعب نظرت

للساعة ووقفت مفجوعاً ... لقد فآتتني الصلاة كيف لم توقظني !! قمر يا مهملة

اقتربت من باب الغرفة وسمعت صوتاً أعرفه جيداً من أميال صراخ أطفال مريم

هذه من يخبرها عنا حتى أنها لم تنتظر المساء , فتحت الباب وخرجت قبل أن أدخل

الحمام وقفت عندهما واضعا يداي وسط جسدي وقلت بحدة ونظري على قمر

" هل لك أن تخبريني يا سيدة الحسن والجمال لما لم توقظيني لأصلي "

نظرت لي باستغراب فقلت بغضب " قمررر "

ارتجفت بفزع ثم قالت " أيقظتك "

قلت بحدة " ولم أصلي "

قالت بصدمة " صليت "

نظرت لها باستغراب وقلت " هل صليت ؟؟ "

هزت رأسها بنعم دون كلام فقلت " كيف لا أذكر !! "

كانت هي ومريم تكتمان ضحكتهما فقلت بغضب " هل بي ما يضحك ؟! "

نظرتا لبعضهما وانفجرتا ضاحكتين فقلت بغضب أكبر " قمر ما المضحك بي "

قالت بين ضحكاتها مشيرة لمريم بإصبعها " هي أضحكتني لا دخل لي "

نظرت جهة مريم فازدادت ضحكاً عدت بنظري لها وقلت بحدة

" تتركيني بلا صلاة ثم تضحكي علي "

نظرت لمريم ثم لي وقالت " أقسم أيقظتك وأنك صليت "

قالت مريم ضاحكة " عليك إعادتها يبدوا لي لم تقرأ فيها شيئاً هذا إن توضأت "

نظرت جهتها بضيق فعادت للضحك بهستيرية فقلت

" هل لي أن أعلم ما المضحك بي "

دخلت حينها صبا راكضة من جهة الباب وما أن رأتني حتى أشارت لي بإصبعها

وبدأت بالضحك فمسحت وجهي بأصابعي لأرى إن كان عليه شيء ثم عدت للغرفة

نظرت للمرآة بغيض وما أن وقع نظري على شعري حتى انفجرت ضاحكاً وقلت

" سأريكما "

صليت وغيرت ثيابي وخرجت لهم جلست على الكرسي الفردي وهما غيرتا مكانهما

جالستان معاً , نظرتا لي والضحكة تكاد تخرج منهما فنظرت لقمر وقلت بضيق

" تضحكين إذاً هذا بدل أن تنبهيني تتركي الجميع يضحك مني "

ثم ابتسمت بمكر وقلت " وهل أخبرتها أنك من فعل هذا "

نظرت لي بصدمة ثم شهقت بقوة وتحول خداها للون الزهري وشتت نظرها للأرض

جيد تلقت العقاب , نظرت مريم لابنتها وقالت بحدة " العبي في الخارج هيا يبدوا لي

أحدهم فقد السيطرة على لسانه "

ضحكت ووضعت ساق على الأخرى وقلت

" مريم هل تذكري حين زرتك صباحاً في الماضي و كنتي .... "

وقفت وسحبت ابنتها خارجة بها بغيض فضحكت وقلت منادياً " تعالي لتسمعي باقي القصة "

نظرت جهة قمر نظرة جامدة فقالت ضاحكة دون وعي " أقسم أني أيقظتك وأنك صليت "

قلت بحدة " ليس هذا ما أعني "

قالت بهدوء " حسناً وما ذنبي أنا "

قلت " لو لم تتركي زوجك وحده في الغرفة وكأنه غير متزوج لما حدث ما حدث "

نظرت لي بصدمة فقلت " نعم قولي ما لديك "

هزت رأسها وقالت " أدفع عمري ثمناً لفهمك يا رائد "

دخلت حينها مريم وعادت للجلوس بجوار قمر ثم قالت

" ماذا بشأن إقامتكما هل قررتما البقاء هنا في المنزل ؟! "

قلت ببرود " نعم "

ضحكت وقالت " مهلك علينا الأمر لا يستحق "

ثم أشارت بعينيها على قمر وقالت " أم أنك متضايق من رؤية أحدهم لك بذاك المظهر "

نظرت لها بحدة فضحكت وهمست لقمر شيئاً في أذنها فاحمرت خجلا ولم تجبها فضحكت

مريم من فورها فقلت " فيما تتهامسان "

قالت مريم ببرود " في أمر لا يخصك "

قلت بضيق " يا سلام عني ولا يخصني "

قالت " ليس عنك أمور تخص النساء ارتحت "

نظرت لقمر وقلت " ماذا قالت لك ؟ "

هزت رأسها بلا دون كلام فقلت " ماذا تعني لن أقول أم لا أستطيع أم لا شيء "

نظرت للأرض وقالت بهمس " لا أعلم أيها "

قلت بغضب " قمررررر "

نظرت لي وقالت بارتباك " لا لا أستطيع "

قلت ببرود " عليكما إخباري أو ستريان مالا يعجبكما "

قالت مريم بحدة " ما هذه الحشرية رائد لم تكن هكذا يوماً "

قلت ببرود " الآن تتكلم إحداكما أو نمتما الليلة في الخارج "

قالت مريم بابتسامة " سأتصل بزوجي لأخذي من هنا زوجتك من

ستنام خارجاً وأرني كيف ستنام بدونها "

وكزتها قمر بمرفقها فضحكت مريم وقلت بغيض " ستريان "

قالت مريم بحدة " إنها أمور خاصة ما بك أنت "

قلت ببرود " هيا بسرعة لا خاص معي "

تأففت مريم وقالت " سألتها عنكما "

قلت بهدوء " كاذبة "

قالت بضيق " في وجهي تقولها "

قلت بأمر " قمر تكلمي بسرعة "

قالت هاربة جهة الغرفة " لن أتكلم ولو شنقتني "

ضحكت ونظرت لمريم فقالت بضيق " رائد لما هكذا ؟! "

قلت " هذا عقابها بقي عقابك أنتي "

قالت " يا عيني وبما ستعاقبني "

قلت " ستري بنفسك إن لم تتكلمي "

قالت بحدة " رائد لقد أحرجتها كنت أسألها كيف نمتما على

ذاك السرير معاً هل ارتحت الآن "

ضحكت وقلت " وهل ستخجل مني وأنا من نامت معه "

قالت بحدة " بل مني أنا يا ذكي "

قلت ببرود " ولما أنتي تقولينها لي ولم تُحرجي مني "

قالت بغضب " لأنك نفخت لي رأسي "

ثم قالت بابتسامة جانبية " ولما كنت تصر على معرفة الأمر ؟! "

قلت ببرود " هكذا فضول "

قالت بذات الابتسامة " أُقسم أنك تحبها "

نظرت لها ببرود وقلت " طريقة فاشلة للنيل مني "

نظرت للجانب الآخر وقالت " افهمها كما تريد ولكنها الحقيقة "

خرجت حينها زوجة والدي وانضمت إلينا وقلت بعد وقت

" ماذا عن جامعة نور ألا محاضرات لديها ؟! "

قالت بعد صمت " لا تريد الذهاب اليوم "

قلت ببرود " إن كان لأني سأوصلها فأخبريها أنها ستخسر محاضراتها على هذا الحال "

قالت بهدوء ممزوج بالضيق " رائد للفتاتين روتين تعودتا عليه كل حياتهم "

قلت بحدة " هل الخروج مع الغرباء من ضمنهم "

قالت بضيق " كانت غلطة والأولى أيضاً "

مرت حينها نور متجهة للمطبخ , تنفست بقوة وقلت بهدوء " نور "

وقفت ونظرت باتجاهي فقلت

" جهزي نفسك لآخذك لجامعتك أقسم أني أخاف عليكما وأريد مصلحتك "

أعرف نور جيداً غيداء تؤثر عليها ولكنها ليست مثلها , هزت رأسها بنعم وعادت جهة

غرفتها فوقفت وتوجهت لغرفتي لأخذ مفاتيحي دخلت وكانت قمر تجلس على السرير

تلعب بطرف اللحاف بين أصابعها فوقفتْ ما أن رأتني , توجهت ناحيتها واضعاً يداي

في جيوب بنطالي وقلت " لما لم تخبريني ما قالت لك ؟! "

نظرت للأرض وقالت " هل أخبرتك ؟! "

قلت " نعم "

عادت بنظرها للأرض وأنا أتأمل ملامحها بتركيز عميق ودقيق

أنكست رأسها أرضاً يبدوا هرباً من نظراتي لها فأخرجت يدي من جيبي وقربتها من

وجهها وما أن لامست أطراف أصابعي خدها حتى عادت للوراء مرتعبة وسقطت جالسة

على السرير , بقيت يدي معلقة كما هي في الهواء أنظر لها بصدمة ثم دسستها في جيبي

ونظرت لها وقلت " قمر أنظري إلي "

رفعت رأسها وعيناها لعيناي فقلت بهدوء وحيرة " هل تخافين من أن أضربك يا قمر ؟! "

عادت برأسها للأسفل ولم تتكلم فقلت بذات الهدوء " لما خفتي مني ؟! "

قالت بتوتر " لم أخف "

قلت بجدية " ماذا إذا ؟! "

قالت بدموع تساقطت من عينيها " بلى خفت منك وليس منك وحدك بل من كل يد تمتد لوجهي "

نعم الماضي هكذا إذاً , قلت بهدوء " ولكني ما كنت سأضربك ولن أفعلها "

قالت بشهقات متواصلة " ذاك فوق إرادتي لا أستطيع منعه "

قلت بجدية " لماذا ؟! "

لاذت بالصمت فقلت بأمر " لماذا يا قمر ؟! "

أمسكت الوسادة حضنتها وقالت بأسى " من الماضي من أشياء منغرسة في قلبي وتتحكم به "

قلت بتوجس " لم أفهم "

نظرت لي بعيناها الممتلئتان بالدموع وقالت برجاء " رائد يكفي أرجوك "

تنهدت بضيق أخذت المفاتيح وخرجت كنت أنوي استجوابها والضغط عليها أكثر لتتكلم فهي

فرصتي ولكني ضعفت ... أجل أعترف ضعفت أمام عيناها الدامعتان ورجائها الباكي

ولكن لا بأس لن تكون الأخيرة , خرجت لسيارتي وبعد وقت لحقت بي نور ركبت

السيارة في صمت فانطلقت وقلت

" أعطني جدول محاضراتك أو أخبريني كل يوم متى تذهبي ومتى تريدي العودة "

قالت بشبه همس " حسناً "

عدنا للصمت مجدداً حتى قالت ورأسها للأسفل ونظرها على يديها

" أستاذ لي في الجامعة تحدث معي يريد مقابلتك "

نظرت لها مطولاً باستغراب ثم قلت " كيف تحدث معك ؟! "

قالت " قال يريد خطبتي وأنا أخبرته أن يأتي لمنزلي مباشرة بلا لف ولا دوران "

قلت بعد صمت " كنت أعلم دائماً أنك أعقل من سنك وممن هي أكبر منك , أخبريه

ليأتي إلي وأنا من سأسأل عنه بنفسي وأوقفيه عند حده كلما حاول التجاوز معك "

قالت بهدوء " حسناً "

قلت " وما رأيك أنتي به يا نور ؟! "

أحمرت وجنتاها خجلا وقالت مطأطئة برأسها " هوا أستاذ جيد والكل يحبه ومحترم جداً "

ابتسمت وقلت " لو كان كذلك فلن تكوني إلا راضية أما إن كان العكس فلن يرى ظفرك

ما حييت والكلام عن غيداء أيضاً فسأتقصى عن خطيبها بنفسي إن وجدت ما يعيبه فلن

تتزوجه إلا على جثماني "

نظرت لي وقالت بقلق " رائد غيداء لا ترد الإساءة إلا بالانتقام فحاذر من انتقاماتها "

قلت " لن أخشى من شقيقتي , لو كان شاب جيد فلن أعترض فأنا لا أفعل ذلك كرها لها

ولكني لا أريد لكما التعاسة "

قالت ونحن نقف عند الجامعة " ما اسم كتابك الجديد ؟! "

قلت بحيرة " لما !! "

قالت مبتسمة " صديقاتي يزعجنني كل يوم يضنون أنني أقرأه

أعطني العنوان على الأقل لأرتاح منهن "

ضحكت ثم قلت " عنوانه اكتمال القمر ويتحدث عن العلاقات العاطفية "

قالت مبتسمة " سأخبرهم أنني قرأته لأتبجح عليهن "

ضحكنا معاً ونزلت متوجهة لبوابة الجامعة , نور لو تبتعد عنها غيداء تكون بخير فكم

أخشى عليها منها , جلت محلات بيع الأثاث مررت بجوار غرف النوم وقلت بابتسامة

" لا نحتاجها "

اخترت مكتباً صغيراً قد أضعه في غرفة الضيوف بدلاً عن غرفتنا لأني أسهر كثيراً على

الكتب , دفعت لهم عربوناً واتفقنا على إيصاله للمنزل , زرت بعدها المكتبة سريعاً ثم عدت

للبيت وجدت مريم وأنا داخل فقالت " تأخرت "

نظرت لها باستنكار فضحكت وقالت

" لو كنتي مكان زوجتي ما ستقولين أعلم هذا الجواب "

قلت بضيق " إن كانت زوجتي لا تسألني فما سأقول عنك "

ابتسمت ابتسامة جانبية وقالت " لو كانت تحبك لاهتمت للأمر "

أعلم أنها تتعمد قول ذلك ولكن كلمتها ضايقتني فقلت ببرود

" لم يكن هذا كلامك حين كنت في منزلك "

قالت بابتسامة " لم أتكلم عنها وحدها بل وعنك أيضاً فحاسبني على الاثنين "

قلت بحدة " مريم أنا لست في مزاج لك ولا تتدخلي في حياتي رجاءً "

قالت ببرود " هل ستشتري غرفة نوم ما هذه الغرفة التي تعيش فيها "

قلت بضيق " هل اشتكيت لك ؟! "

قالت بخبث " أنت لا , غيرك نعم "

نظرت لها بصدمة وقلت " قمر قالت لك ذلك ؟! "

ضحكت وقالت " أقسم أنك تحـبــ ....... "

قلت بحدة " مريم أقسم أن أغضب منك "

نظرت للجانب الآخر وقالت " زوجتك لم تخرج منذ دخلت الغرفة وأنت هنا تفقدها "

قلت بضيق " أنتي من أخبرك أني هنا وما هذه الزيارة الطويلة "

نظرت لي وقالت بصدمة " وهل ستطردني من منزل والدي "

توجهت لغرفتي دون كلام دخلت وكانت قمر مرتمية على السرير وتمسك يدها اليسار

بقوة وتخفي وجهها في الوسادة ركضت اتجاهها أجلستها وقلت " قمر ما بك ؟! "

قالت بتألم " يدي .... تؤلمني "

ركضت خارج الغرفة وتبعتني مريم للمطبخ وهي تقول بخوف

" ما بك ما بها زوجتك ؟! "

لم أجبها أخذت صحن الزيتون من الطاولة أمام غيداء وخرجت ركضاً وعدت

للغرفة ومريم تتبعني , وجدتها عادت لتتكور على السرير وضعت الصحن ثم

أجلستها مجدداً وقلت " قمر كلي الزيتون هيا "

هزت رأسها بلا دون كلام فقلت بغضب " قمر لما العناد ستأكلينه الآن رغماً عنك "

قالت بتألم ورأسها يتكأ على كتفي " لن يفيد "

قلت " إذا آخذك للمستشفى حالاً "

قالت " لا سأكون بخير "

قالت مريم " هيا سأرافقكما "

سقطت على السرير وتمسكت باللحاف وقالت " لا أريد لن أذهب لن يفعلوا لي شيئاً "

قلت " هل هذا يحدث معك سابقاً أخبريني ؟! "

قالت ووجهها مغمور في اللحاف " نعم وقد اتصلت بطبيبي في ألمانيا وقال أنه طبيعي "

قالت مريم " وهل ستبقي تتألمي هكذا لنذهب ليعطوك المسكن فقط "

رفعتها من كتفيها مسحت وجهها لأبعد شعرها عنه وقلت

" هيا سوف آخذك ليحقنوك بالمسكن فقط حسناً "

أمسكت بقميصي وقالت " أحضر حبوبا مسكنة لا أريد الذهاب رائد أرجوك "

نومتها على السرير وقلت " حسناً سأجلبها حالاً "

ثم وقفت وقلت " مريم ابقي بجوارها حتى أعود إن حدث شيء اتصلي بي "

خرجت لأقرب صيدلية وأحضرت مسكناً قوياً وعدت للمنزل دخلت الغرفة أجلستها

لتتكئ على كتفي وأحضرتْ مريم الماء وضعتُ الحبة في فمها وأشربتها الماء ثم

أعدتها للسرير غطيتها باللحاف وقلت " المسكن قوي سوف تنام الآن هيا لنخرج "

خرجنا وتركناها وجلسنا في الخارج قالت مريم " ما بها مما تعاني ؟! "

قلت بهدوء ونظري للأرض " لقد أجريت لها جراحة خطيرة على القلب منذ ثلاثة

أعوام وهي في فترة نقاهة لإجراء أخرى "

قالت بصدمة " نقاهة كل هذه السنوات !! "

نظرت لها وقلت " لا لقد كانت تتلقى العلاج المكثف خلال الأعوام الماضية النقاهة هذان

العامان فقط ومنعوا عنها الرياضة والإنجاب والمهدءات حتى نهاية العام القادم وقت العملية "

تنهدت بأسى وقالت " مسكينة كيف لكل هذا الجمال والرقة أن تكون صاحبته بقلب معطل "

نظرت للأسفل وقلت بهدوء " ما كان ليستحمل ما مر به "

نظرت لي مطولاً بصمت ثم قالت " وأنت تريد فعل المزيد أي قلب هذا الذي تحمله يا رائد "

نظرت لها وقلت بحدة " ذاك شيء وهذا شيء "

قالت بحدة مماثلة " رائد الفتاة تحبك وأنت تضيعها من يدك من قال أن الاضطرابات النفسية

وسوء المعاملة لا تسبب ما يحدث لها "

لذت بالصمت مشيحا بنظري عنها فقالت بغضب " أتعلم ما قالت لي صباحاً حين سألتها

عن مشكلتك وغيداء أمس , قالت لم تؤلمني إهانتها لي بحجم ما ألمتني إهانتها لشقيقها "

نظرت لها في صمت فقالت " لما تريد إغماض عينيك عن الحقيقة يا رائد "

قلت ببرود " لن أصدق أن من خانتني وخذلتني تحبني أقنعيني بهذا "

قالت بحدة " بلى تحبك وأنت كذلك "

نظرت لها بضيق فقالت ببرود " لا تحاول معي حاول مع قلبك إن استطعت فهوا من

جعل وجهك ينقلب ويتلون حين رأيتها تتألم "

وقفت وقلت " الكلام معك لا يأتي بنتيجة أبداً يبدوا لي مخيلتك أوسع مما تخيلت "

خرجت من عندها فتقابلت وزوجة والدي فقالت بهدوء " ما بها زوجتك سلامتها ؟! "

قلت " سلمك الله مجرد تعب بسيط "

تخطيتها خارجاً فأوقفني صوتها قائلة " سأخرج و غيداء وخطيبها الليلة "

قلت ببرود " لا فعليا السؤال عنه أولاً قبل أن أعترف به خطيباً لها "

قالت " ولكن والدك وافق عليه "

قلت مغادراً المنزل " أنا لم أوافق بعد "

ثم خرجت من المنزل ولم أرجع إلا مساءً , دخلت الغرفة فجلست قمر التي كانت نائمة

على السرير وقالت " هل أعد لك العشاء ؟! "

قلت وأنا أنزع قميصي " شكراً لقد تعشيت ... كيف تشعرين الآن ؟! "

قالت بعد صمت " بخير شكراً لك "

توجهت للحمام من فوري دون كلام , لأول مرة تشكر سؤالي عن حالها دون أن تعتبره

شفقة , استحممت طويلاً ثم خرجت لافا المنشفة على خصري توجهت للمرآة مشطت

شعري ورششت العطر على جسدي ثم توجهت للسرير جلست وهي مضجعة وتعطيني

ظهرها دخلت تحت اللحاف وقلت هامساً في أذنها " هل تأخذين الحبوب ؟! "

قالت بهمس " نعم "

ومرت الأيام بعدها على ذات الوتيرة أقضي جل يومي في غرفة الضيوف عند مكتبي

الصغير والكتب حيث يوجد مكتبة هناك وأنام ليلاً نومتِ المعتادة وقمر في حضني على

ذاك السرير الضيق وكأننا عاشقان ليلا ينسيان كل شيء بطلوع شمس النهار فلم أعد

أراها إلا ناذرا , كنت جالسا على المكتب حين طرقت قمر الباب فقلت من فوري

" تفضلي "

هي لم تزرني سابقاً غريب لما أتت الآن !! اقتربت مني ببطء ثم قالت

" أريد شراء بعض الأغراض هل تأخذني عند الغد "

قلت وعيناي على الورق " سوف آخذ نور غدا لتشتري فستان الخطوبة يمكنك مرافقتنا "

قالت بعد قليل " وأريد زيارة مريم هل تأخذني بعدها "

قلت " حسناً "

قالت " هل هذا كتابك الجديد ؟! "

نظرت لها مطولاً بصمت حتى أخفضت بصرها فقلت " نعم أكاد أنهي مسودته الأولى "

رفعت عيناها لي وقالت بابتسامة " هل أطلع عليه ؟! "

قلت مشيراً للكرسي " أجلسي سأريك بعضاً منه "

جلست وأعطيتها بعض الأوراق وبدأت بقراءتها بتركيز وانسجام , يبدوا لي لم تحتج

لتطلب مني أخذها غداً بل تشعر بالوحدة والملل , عُدت لأوراقي ولم أستطع التركيز

في شيء أكتبه منهم رغم أنها تجلس بهدوء ودون صوت إلا من أنفاسها وتحريك

الورقة بعد انتهائها من قراءتها , أنهت جميع الأوراق ثم نظرت لي وقالت

" رائع وموضعه مهم هل أخذت هذا من تجارب الواقع أم من إحصائيات للآخرين "

قلت وعيناي على الورق أمامي " بل من تجاربي "

قالت بعد صمت " وكم تجربة كانت ؟! "

نظرت لها وقلت بجمود " ما معنى هذا السؤال هل تحاسبينني ؟! "

قالت بارتباك " لا لم أقصد ذلك "

عدت بنظري للورق وقلت ببرود " كانت واحدة وفاشلة أيضاً "

سكتت مطولاً ثم قالت بهمس حزين " لما فشلت ؟! "

شتت نظري المصدوم على الأوراق كي لا تلاحظه , تفعلينها وتسألين يا قمر

مزقت الورقة أمامي وقلت " لأنها لا تستحق ولم تستحق يوماً "

وقفت من فورها فنظرت لها وقلت " وأنتي كم تجربة كانت ؟! "

نظرت لي مطولاً ثم قالت " واحدة أيضاً وفشلت "

قلت " لما ؟! "

نظرت للأرض وقالت بحزن " هكذا شأت الظروف ويبدوا لأنني لا أستحقه "

ثم أمسكت قلبها وقالت بدمعة محبوسة

" ليت الظروف كانت غير الظروف ولكن هكذا شاء قدري "

وصلت الباب مغادرة فوقفت وأمسكت ذراعها وأدرتها ناحيتي كانت دموعها بدأت بالنزول

مسحتها بأصابعي وقلت " هل هناك من تقول هذا الكلام لزوجها وتبكي على ماضيها أمامه "

انخرطت في نوبة بكاء وارتمت في حضني شددتها بذراعاي وقبلت رأسها , ليتك تتكلمي

وترحميني يا قمر , قولي الحقيقة مهما كانت قاسية وموجعة هي أرحم لي من هذا الصمت

والعذاب , بعد بكاءها الطويل ابتعدت عني وقالت " رائد هل لي بطلب ؟! "

قلت بحيرة " بخصوص ماذا !! "

قالت " بخصوص الكتاب "

قلت " الكتاب !!! "

هزت رأسها بنعم ثم قالت " أتركني أنا أكتب الخاتمة سأعطيك إياها في ظرف ورقي

ولا تفتحها حتى تنتهي من صياغته النهائية "

بقيت أنظر لها بصمت فخرجت منها شهقة بسبب تأثير بكائها السابق فابتسمت وقبلت

شفتيها وقلت " حسناً "

ثم عدت للجلوس على المكتب وغادرت هي في صمت ومرت بي هذه الليلة دون نوم

ولا دقيقة ولم أغادر المكتب , كانت الليلة الأولى بعد انتقالنا هنا التي لا أنام فيها معها

عليا التحدث معها عليا مصارحتها وفهم ما تخفيه وسبب تركها لي , عليا فهم معنى

كلماتها البارحة ومنها هي تحديداً , بعد وقت سمعت صوت وكأنه شجار بأصوات

غير مرتفعة فخرجت من الغرفة وكان الصوت من المطبخ توجهت هناك واقتربت

من الباب وبدأت أسمع فارتفع صوت غيداء وهي تقول لقمر

" نعم نعم أخفي حقيقتك عن زوجك ولكن عني لا , أعرفك جيداً حين كنتي تعيشين مع

عمتك هنا وأعرف ماضيك الأسود وبالدلائل أيضاً هه يا .... هل أقول عن مغامراتك

العديدة أو لما فأنتي أدرى مني بذلك "

لم تجبها قمر خرجت بعدها غيداء ونظرت لي ببرود ثم غادرت فعدت أدراجي للمكتب

قبل أن تراني وارتميت على الكرسي بصدمة ... أنتي يا قمر لهذا إذاً كانت كل تلك

المسرحية ليلة البارحة لتعودي لخداعي مجدداً يالي من ساذج وواهم كيف صدقتها

وقررت التحدث معها كانت ستكذب عليا إحدى أكاذيبها وكنت سأصدق طبعاً لأني

قتلت عقلي بقلبي لكن الحل لدي فأنا من سيجعلك تنطقين يا قمر وليس بأي شيء بل

بالحقيقة كاملة , بعد وقت خرجت متوجها لغرفتنا فتحت الباب نظرت لها وقلت

" منذ الغد سننتقل لمنزل الجيران "

الفصل السابع عشر

منذ انتقلنا إلى هنا تحول أغلب وقتي لجحيم فلا شيء سوى سجن نفسي في هذه

الغرفة حتى أنني أصبحت آكل وجبة طعام واحدة وليس يومياً , رائد في صومعته

الجديدة وشقيقتاه لم تتقبل أي منهما إياي ولا أنا كذلك فسجنت نفسي ولا شيء سوى

الوحدة والآلام , لم ينم رائد ليلة البارحة معي يبدوا لي عاد لسجن نفسه بعيداً عني

ولم أنم أنا أيضاً لأن الكوابيس لم تتركني , لما لا يفهم أنه أماني الوحيد أن قربه

يجعلني أنام في سلام

خرجت فجرا للمطبخ لشرب بعض الماء وما أن فتحت الثلاجة حتى دخلت غيداء

غريب وجودها هنا في هذا الوقت والمكان تحديداً !! نظرت لي ببرود وقالت بهمس

وكأنها تحدث نفسها " سأدمره كما يدمرني "

نظرت لها بصدمة وقلت " من تعني !! "

قالت بابتسامة سخرية " ستعلمين قريباً وليس قريباً بل قريباً جداً "

ثم بدأت برفع صوتها قليلاً ونعتي بألفاظ وأمور لم أفعلها أو أرها حياتي ولم تعطني

المجال حتى للرد عليها والدفاع عن نفسي وخرجت من فورها , بما تهدي هذه

المتعجرفة تبدوا لي فقدت عقلها بعدما رفض رائد خطيبها وطرده

بعد ذلك بساعة دخل عليا رائد الغرفة وقال أننا سننتقل لمنزل الجيران , شُلت أطرافي

للخبر لكن عليا الاستحمال هوا خير لي من البقاء مع شقيقتاه هنا , غريب أمره لما

تغير بعد ليلة البارحة يبدوا نومه هناك قرر فيه هذا القرار القاسي وحتى ملامحه

تغيرت للخشونة , آه من قلبك يا قمر حتى متى سيحب هذا المتحجر لما لا أكرهه لماذا

جلست على السرير وضممت ساقاي لحظني وذهبت في رحلة بكاء طويلة ومريرة

انفتح حينها الباب وقف رائد أمامه وقال بصوت حازم

" هل لي أن أعرف سبب هذا البكاء ؟! "

خبئت وجهي أكثر وقلت " هل ممنوع أن أبكي "

دخل وأغلق الباب بقوة وقال بحدة " لا أحد يبكي بغير سبب حسب اعتقادي "

قلت " بلى أنا "

قال بغضب " قمر كم مرة نبهتك على طول لسانك معي "

رفعت رأسي ونظرت له نظرة تحدي وقلت " لا أذكر "

اقترب مني أمسكني من ذراعي ورفعني إليه وقبض يده الأخرى وضغط بها على

خدي وقال بغيض ومن بين أسنانه " قمر لا أريد أن أضربك لا أريد فلا تستفزيني "

قلت ودموعي تجري على خداي

" افعلها يا رائد افعلها فقد ترحمني بها هي أهون علي من جرح كرامتي بسببك "

ضغط عل خدي بقبضته أكثر وهوا يضغط فكاه حتى كادت أسنانه تتحطم فأغمضت

عيناي بشدة أنتظر مصيري بين يديه الغاضبتان فأفلت ذراعي وخرج وتركني أصارع

آلام يدي التي عادت تمزقها بقوة ولم أره بعدها يومان كاملان لا أنا خرجت من الغرفة

ولا هوا دخلها ولست أعلم حتى إن كان في المنزل أم لا

استيقظت اليوم مبكراً ارتديت تنوره قصيرة واسعة بيضاء اللون بنقوش بنفسجية على

أطرافها وقميص بنفسجي بأكمام قصير يصل طولها لنهاية الذراع به أزرار بيضاء من

الأمام وياقته من الداخل بيضاء أيضاً , خرجت للمطبخ والجميع منهمك للتحضير لحفل

خطوبة نور , نظرتْ لي مريم بابتسامة وقالت

" مرحباً قمر أخبروني أنك متعبة ولم تخرجي من غرفتك "

توجهت ناحيتها سلمت عليها وقلت " متى الحفل ؟! "

ضحكت وقالت " حقا أنك لا تعلمين شيئاً الليلة سيحظر أهل خطيبها سيكون حفلاً عائليا "

قالت غيداء بسخرية " كيف لم يخبرك زوجك أم أنكما متخاصمان !! "

نظرت لها ببرود وقلت " بل لا يخبرني بالأمور التي لا تهمه "

خرجت حينها مريم لسماعها بكاء ابنتها ونظرت أنا لغيداء وقلت

" هل لي أن أعلم ما قلته يومها ومن أين أتيتِ بكل تلك الأكاذيب "

ضحكت كثيراً ثم قالت " لا تهتمي للأمر وانسي ما حدث "

ثم غادرت ضاحكة دخلت مريم وقالت " ما بها !! "

تنهدت وقلت بضيق " تمارس غطرستها علي كما الجميع "

وضعت يدها على كتفي وكانت تود قول شيء لولا دخول من لم أره منذ أيام

وقف عند الباب نظر لي نظرة تفحصيه شاملة ثم نظر لمريم وقال ببرود

" مرحباً مريم "

قالت بابتسامة " سلمت عليا منذ قليل أم أنك نسيت "

قال ببروده ذاته " لا لم أنسى ولكن أحببت أن أسلم عليك ثانيتا هل من مانع ؟! "

ضحكت وقالت " لا أمانع طبعاً ولكن أستغرب لما "

قلت أنا ببرود كبروده " لكي يشعر الجدار أنه لا أهمية له لديه ولا يراه أيضاً "

نظرت مريم حولها وقالت " أي جدار !! "

لم استطع إمساك نفسي عن الضحك رغم ألمي وحزني فضحكت وانهمرت دموعي مع

ضحكاتي فلم أعلم هل أضحك أم أبكي فغادرت المطبخ مسرعة أمسح دموعي ومررت

بجانبه وهوا كالتمثال لم يحرك ساكنا , عدت للغرفة ولم أغادرها وبعد وقت طرقت مريم

عليا الباب ودخلت ووجدتني جالسة على السرير جلست بجواري وقالت

" ألن تجهزي نفسك سيصل الضيوف قريباً "

لذت بالصمت فقالت " ماذا اشتريتِ من أجل اليوم ؟! "

ابتسمت بألم وقلت " شقيقك لم يجد لي وقتا ليأخذني اشتري شيئاً "

تنهدت ولم تعلق على الأمر ثم وقفت وقالت " هيا أرني فساتينك لنختار وأحداً "

قلت ببرود ونظري أسفل " لا أريد الحضور "

جلست وقالت " قمر ما بك صارحيني ؟! "

قلت ببكاء " مريم لا أريد التحدث أرجوك "

تنهدت وقالت " حسناً لن نتحدث ولكنك سترتدين أجمل ما لديك وتخرجين معي

لا تكوني ضعيفة أمام أحد يا قمر أريهم أنك لا تكترثي لأي شيء "

لم أتحرك أو أتكلم فشدتني من يدي وقالت " هيا قفي يا قمر "

وقفت وفتحنا الخزانة فتشت في فساتيني وقالت

" رائع كلها جميلة وتنفع لهذه الليلة وهذا أجملها "

أخرجت فستاناً دمي اللون بطبقة مبطنة من النقوش السوداء ومشبك كريستالي عند

طرف الخصر تتدلى منه مجموعة سلاسل بحمالات من الكريستال وضعته على

السرير وقالت " سأخرج الآن وأعود بعد قليل أريد رؤيته عليك "

خرجت وتركتني وقفت أمامه قليلاً ثم لبسته وضعت بعض الماكياج بحركات بطيئة

وبدون رغبة , بعد ذلك دخلت مريم فوقفت لها فنظرت لي مطولاً ثم قالت

" يا الله ما أجملك يا قمر أقسم أنك قمر حقاً "

قلت بابتسامة باهتة " شكراً لك "

ثم رفعتُ غرتي بيدي للأعلى وقلت

" ولكن هذه لا ترتفع للأعلى ولا تليق بالفستان وهي هكذا "

قالت بحماس " لدي الحل "

ثم خرجت وعادت تحمل في يدها علبة مثبت شعر وقالت

" هيا أجلسي واتركي الأمر لي "

ضحكت وقلت " لن ينجح هذا صدقيني "

قالت بابتسامة " ستري إما أنا أو هي الليلة "

جلست وظهري للمرآة وبدأت بتثبيت غرتي خصلة خصلة وشدتها بمشابك كريستالية

وقد أفرغت كل عبوة المثبت عليها وبعد جهد كبير أنزلت بضع خصلات على جبيني

وقالت " رائع انتهينا "

نظرت للمرآة فكانت بالفعل تبثثها للأعلى وغيرت في شكلي كثيراً فحضنتها بحب وقلت

" شكراً لك يا مريم أنتي رائعة حقا "

أبعدتني عنها وقالت " تعالي معي هناك من عليه رؤيتك هكذا "

جمدت مكاني وقلت " لا لا أريد "

قالت وهي تسحبني من يدي " بلى عليه رؤية هذا المشهد أقسم أن يغمى عليه "

سمعنا حينها صوت استقبال لضيوفهم فقالت مريم بضيق

" ها قد جاء من أفسد كل شيء ولكن لا بأس هيا لنخرج لهم "

خرجنا معاً واستقبلنا الضيوف معهم كانوا امرأتان وثلاث فتيات شابات وطفلين

كنت طوال الوقت أرافق مريم حيث ذهبت وأتجنب الجميع , بعد وقت سمعنا صوت

رائد ينادي مريم فوكزتني وقالت بهمس " أخرجي إليه "

لم أتحرك من مكاني فقالت بصوت مرتفع قليلاً

" عليا الذهاب للمطبخ قومي يا قمر وانظري ما يريد زوجك "

لقد وضعتني في موقف محرج أمامهم ولم يكن أمامي سوى الخروج له فهي غادرت

من فورها جهة المطبخ , خرجت وما أن وقفت أمام الباب حتى نظر لي مطولاً بصمت

وكأنه يرسم تفاصيل وجهي لينتقل بعده لجسدي فحركت قدمي وقلت وعيناي أرضاً

" هل تريد شيئاً ؟! "

أدخل يديه في جيوبه وقال بعدما شبع من تفحصي " قلت مريم فلما لم تأتي "

كتمت دموعي ووجعي وكل شيء وقلت بلامبالاة

" مشغولة في المطبخ وطلبت مني رؤية ما تريد "

غير من وقفته وثنى ساق أمام الأخرى متكأ على حافة الباب وقال

" ولما تحدثينني هكذا "

أشحت بنظري جانبا ولم أُجيب أعلم أنه يستفزني لأتكلم ثم يصرخ بي كعادته

كتف يديه لصدره وقال" منذ متى تملكين هذا الفستان ؟! "

قلت ونظري بعيد عنه " منذ تزوجتك "

قال " ها منذ تزوجتني ولما لم تلبسيه سابقاً "

نظرت له مطولاً بجمود ثم قلت " لم تحدث مناسبة لأحد "

ابتسم ابتسامة جانبية وقال ببرود

" وهل يحتاج الأمر مناسبة لترتدي الزوجة فستاناً كهذا لزوجها "

قلت بسخرية " زوجها !!! "

قال بحدة " أخبرتك أن لا تتحدثي معي بهذه الطريقة "

نظرت جانباً وقلت ببرود " وكيف أحدثك "

قال ببرود أشد " كما تحدث الزوجة زوجها "

نظرت له وكتفت يداي لصدري وقلت " وكيف ؟! "

عدل وقفته ووضع يده على حافة الباب وقال بهمس " حبيبي حياتي عيناي ماذا تريد "

ضحكت رغماً عني ثم قلت " هذا لا يليق بنا أبداً "

قال بملامح جامدة " ولما "

قلت بأسى " لأنه لا المكان ولا الزمان والظروف ولا حتى الأشخاص مناسبين "

قال بسخرية " تعترفين للمرة الثانية أنك جدار "

قلت بألم " أنت من جعلتني هكذا "

قال ببرود " تدخلي الآن وتغيري هذا الفستان "

نظرت له وقلت بحدة " لن تتحكم في ملابسي لا أسمح لك ثم لا رجال هنا "

قال بغضب " رائع ما الذي لم تقوليه بعد "

قلت " رائد ماذا تريد عليا الدخول فوراً "

قال باستهزاء " أنا لم أطلب منك البقاء أنتي من بقيتي هنا

يبدوا لي تنتظرين شيئاً آخر غيري "

نظرت له بصدمة ثم ابتسمت بألم وقلت

" مشكلة عندما يفوق الذكاء حده عند أحدهم حتى يتحول لغباء "

قال بابتسامة جانبية " ومشكلة حين يفوق الجمال عند

إحداهن حده حتى يتحول لبشاعة في داخلها "

كان سكينه هذا قاسي عليا جداً , امتلأت عيناي بالدموع وقلت بأسى

" لماذا يا رائد ؟! "

قال " هل تعلمي ما أسوء ثلاث أشياء لدي "

قلت وأنا أجاهد دموعي كي لا تسقط " أعلم أنا والباقي لا يهم "

ثم غادرت للداخل وتركته توجهت من فوري للمطبخ كانت مريم وحدها هناك

ما أن رأيتها حتى انسكبت دموعي بغزارة فاحتضنتني من فورها وقالت

" ماذا قال لك ذاك الغبي المتوحش "

قلت ببكاء " أحبه يا مريم لما يفعل بي هذا "

قالت ماسحة على ظهري " دعك منه ستري ما سنفعله به "

ثم طبطبت على ظهري وقالت

" توقفي عن البكاء يا قمر هوا لا يستحق دمعة من عينيك وسيندم يوماً "

قلت ببكاء أشد " ليته بإمكاني أن أكرهه كيف أكرهه يا مريم "

تنهدت وقالت " من يحب لا يكره يا قمر عليك أن لا تنسي

هذا لن تكرهيه ما دمتِ تحبينه وهوا كذلك "

ابتعدت عنها ونظرت لها في حيرة فمسحت دموعي وقالت

" هيا يكفيك بكاء ودعي أمره لي "

اتصلت بزوجها وطلبت منه مقابلتها عند الباب خرجت قليلاً ثم عادت وسحبتني

من يدي خارجاً وهي تقول " هيا تعالي أخرجي واحتفلي ودعي أمره يومين

وستري ما سنفعل أنا وأنتي به "

خرجت خلفها وغادر الضيوف بعد وقت قصير , كانوا منشغلين بالحديث عن عائلة

خطيب نور حين دخل رائد , كنت أود مغادرة المكان ولكن لن أجني سوى التوبيخ

كالمرة السابقة , اقترب منا فوقفت غيداء مغادرة من فورها ثم تعذرت نور محرجة

وغادرت جلس رائد بجوار زوجة والده حيث كانا في الأريكة المقابلة لنا وبدءوا

يتناقشون في أمور عدة تحدثوا فيها مع أهل خطيبها وأنا لذت بالصمت حتى شعرت

بوكزة من مرفق مريم ثم ضحكت وقالت

" كل واحدة من عائلتهم سألت عن قمر على حدا يضنونها ابنتكم هههههه كنتي ستخرجين

بعريس الليلة يا قمر لولا هذا الذي ربطك به "

قال رائد ببرود " قد يرغبوا بمطلقة "

رمشت مريم فيه بصدمة ثم قالت " تطلقها !! "

ضحك ووضع ساق على الأخرى وقال " بل أنتي وليس هي "

شهقت مريم بقوة فضحكوا عليها وأبت الضحكة أن تخرج من قلبي المكسور , كنت

أعلم أنها لن تتغلب عليه إنه داهية في إنقاذ نفسه تململت في جلستها قليلاً ثم قالت

" أنا لن يصنعوا بي شيئاً أما قمر إن طلقتها ستختفي في طرفة عين "

رفع حاجبيه وقال " إلا إن كنتي ستزوجينها بأيوب "

توقعتها ستثور ولكنها قالت بهدوء " أقسم إن فعلتها زوجتها بنفسي "

نظر لها بجمود مطولاً فضحكت وقالت " وليس أيوب طبعاً بل أحد إخوته "

نظر لها نظرة سخرية لتفهم من سيقبل بمطلقة فقالت بتحدي

" هل تعلم ما قال حسام شقيق أيوب عندما تحدثت صبا أمامه عن زوجتك "

تغيرت ملامح رائد ولا أفهم لما أو كيف أصفها فتابعت مريم

" قال هل يفكر شقيقك في أن يطلقها "

ازدادت ملامحه سوءً حتى شعرت بالخوف منه ثم قال بحدة

" وما تفعليه أنتي وهوا يخوض في عرض أخيك أمامك "

قالت بلامبالاة " لم أفعل شيئاً هل كنت سأضربه على مزحة مزحها "

نظر للجانب الآخر بضيق وكأنه يحاول كبت كلماته فقالت مريم

" قمر هيا متى سآخذ لك الصورة قبل أن ننسى وتغيري الفستان "

نظر حينها رائد لها نظرة كالسهم الناري , مريم المخادعة نحن لم نتحدث في

هذا مطلقا يبدوا أن كل ما قالته مسرحية منها , أمسكت يدي وقالت وهي تقف

" هيا تعالي سنلتقط واحدة في الحديقة "

قال حينها رائد بحزم " ومن قال أني موافق على هذه المسخرة "

قالت مريم " وما في ذلك الجميع يفعل هذا إنه أمر عادي "

وقف وقال " عادي بالنسبة إليك "

قالت بضيق " هاتفي مليء بصور لرفيقاتي وقريبات أيوب فأريد

أن أريهم زوجة أخي هل هذا خطأ "

قال بغضب " رائع كي تصبح ملهى لحديث إخوته وأقاربه أقسم إن

التقطتِ لها واحدة حطمت لك هاتفك "

قالت بحدة " رائد ما بك هل جننت "

اقترب منا وسحبني من يدي في غضب ودخل بي الغرفة وأغلق الباب

هذه نتيجة أفكارك يا مريم أنا من ستدفع الثمن الآن

كتف يديه لصدره وقال " أراك لم تمانعي تصويرها لك يبدوا حكاية شقيق ..... "

قاطعته بصراخ " أصمت لن أسمح لك أن تتهمني يا رائد "

قال بسخرية " وما تفسير ما حدث ؟! "

قلت بغضب " ما كنت لأوافق ذلك وأنت لم تترك مجالاً لأبدي وجهة نظري "

فتح الخزانة بقوة أخرج عباءتي رماها على السرير وقال

" من اليوم فصاعداً سترتدين هذه أمام الجميع وحتى النساء "

قلت بحدة " ما هذا الجنون كيف سأرتدي عباءة الخروج أمام الضيوف "

رمى بأصبعه في الهواء وقال بصراخ " هذا آخر ما لدي "

قلت بغضب " طلقني الآن يا رائد "

عم الغرفة صمتٌ غريب وكأن الكون قد مات , نظر لي بصدمة بل أنا من صُدمت

كل أحشائي وأولها قلبي مما قال لساني فابتسم بسخرية وقال " يبدوا لي صدقتي نفسك "

قلت ببكاء " لن أتزوج ما حييت لقد عفت هذا "

اقترب مني أمسك ذراعاي بقوة وعصرهما بأصابعه حتى كادت عظامي تتحطم

بين أصابعه , سيضربني الآن بالتأكيد سيفرغ بي غضبه على ما قلت , هذا ما

كنت أنتظره في تلك اللحظة ولكنه فعل شيئاً لا يمد للغضب بصِلة , قربني لصدره

بقوة وكبلني بيديه ثم قبلني بقوة وعنف أمسك رأسي وكاد يمزق شفتاي وكأنه يفرغ

غضبه أو لا أعلم ماذا في قبلته تلك ثم تركني وخرج

انهرت على السرير خلفي جالسة ودخلت مريم بعده فوراً اقتربت مني وقالت

" ماذا حدث ما كل هذا الصراخ ؟! "

قلت ببكاء وأنا أمسح الدم عن شفتي

" لا شيء يجدي معه يا مريم وأنا من تدفع الثمن لما قلتي ذلك "

اقتربت مني مصدومة وقالت وهي تمسك ذقني " هل ضربك ؟! "

هززت رأسي بلا فقالت " ما سبب هذه الدماء إذا ؟! "

قلت بابتسامة سخرية " قبلني "

ضحكت بصوت مرتفع وبهستيرية فقلت بضيق

" هل تري حالي يجلب الضحك "

قالت من بين ضحكاتها " كنت أعلم أنه لن يقاومك الليلة "

قلت بألم وأنا أمسح شفتي بالمنديل " يالك من واهمة لم تكن إلا عقابا "

جلست بجواري وقالت " غبية أي عقاب هذا الذي هكذا "

ثم رفعت العباءة من تحتها وقالت " ما هذا هل كنتم تنوون الخروج "

ضحكت من بين دموعي وقلت " نعم سيأخذني في نزهة كمكافأة لي على الليلة الرائعة "

ضحكت وقالت " ما قصتها أخبريني "

قلت بحسرة " أوامر شقيقك أن لا ارتدي غيرها أمام النساء "

عادت لضحكها المجنون وقالت " اقسم أنه مغرم بك "

قلت بحزن " يا لا مخيلتك يا مريم من يحب لا يفعل ما يفعله "

وضعت يدها على كتفي وقالت بجدية " ستري إن لم نصبه بالجنون صبرك معي

فقط ولا تأخذي كل الأمور بهذه الحساسية بل استمتعي بإغاظته "

قلت بأسى " من يده في النار ليس كمن يده في الماء "

قالت " غدا قال رائد ستنتقلون لمنزل الجيران سأكون عندكم بعد يومين ستستضيفونني

لأيام وستري ما سنفعل "

قلت بسرور " حقا ستكونين معنا قولي قسما سأبقى معكم "

ضحكت وقالت " لم أرى من تفرح بوجود شقيقة زوجها معها "

تنهدت وقلت بحزن " لا أريد أن أكون وحدي هناك "

قالت بجدية " لا تخبري رائد لأنه ثمة مخطط بيني وأيوب لفعل ذلك حسناً "

قلت باستغراب " أنا لا أفهم شيئاً "

قالت بابتسامة " ستفهمين لاحقاً فقط لا تخبريه "

قلت بأسى " وهل أراه أنا لأخبره "

ضحكت وقالت " ورائه ورائه إما أن نصلحه أو نقتله "

قلت بذعر " ماذا !!! تقتلينه .... لا "

ضحكت وقالت " ما كل هذا الحب هذا وهوا يسيء لك كيف لو يحسن معاملتك "

تنهدت وقلت " مشاعري ستكون واحدة في كل الأحوال "

قالت بهدوء " لما لا تتحدثي معه عن هذا وتريا ما سبب خلافاتكم "

تنهدت وقلت بحزن " لن ينفع ذلك وستزداد الأمور سوءً صدقيني "

قالت بجدية " رائد إن لم يجد سبباً للغفران لا يغفر أبداً يا قمر هذا طبعه دائماً "

نظرت لها بحيرة وقلت " ما الذي تعنيه يا مريم وما الذي تعلمينه "

تنهدت وقالت " ليثه بإمكاني فعل أو قول شيء , أريد فقط أن تصلا لحل لما بينكما "

نظرت للأسفل بشرود ثم لها وقلت بحزن وعيناي تمتلئ بالدموع " إن أنا غبت عنكم

اعتني برائد جيداً , ابحثي له عن واحدة يحبها ويعيش معها سعيداً لا تتركوه وحده كما

في السابق ... مريم أرجوك "

نزلت الدموع من عيناي تباعاً فنظرت لي مطولاً بصدمة ثم أمسكت كتفاي وقالت

" قمر ما تعني بأنك تغيبي عنا ماذا هناك ؟! "

قلت ببكاء " لا شيء فقط عديني بذلك "

احتضنتني وقالت " ليثه يُقدر هذا الحب النقي ذاك المغفل المعتوه المغرور

سحقاً لك من رجل يا رائد "

تمسكت بحضنها أكثر وقلت من بين شهقاتي " لا تدعي عليه لا يا مريم "

قالت وهي تربت على كتفي " لا تخافي فالرجال كالجبال لا يضرهم شيء "

وغادرت بعدها على الفور عائدة لمنزلها وتركتني مع حزني وهمومي

بعد وقت دخل رائد توجه من فوره للخزانة أخذ شيئاً ثم ضرب بابها بكل

قوته وخرج أقسم أنها مصنوعة من أجود أنواع الخشب ليستحمل بابها كل

هذا الضرب الدائم منه , دخل بعدها بقليل فتح الخزانة مجدداً فتش قليلاً ثم

تركها مفتوحة وغادر ما به هل جن أم ماذا !! هوا شبه تارك للغرفة منذ

وقت ما سر هذه الزيارات هل الفستان حقاً السبب , ضحكت في داخلي

على هذه الفكرة الساذجة ووقفت لأغير ثيابي استحممت وارتديت ثياب

النوم وخرجت , جلست على السرير ووضعت الكريم المرطب على يداي

فدخل وتوجه من فوره للخزانة السحرية أجزم أنه سيخرج لي مارداً منها

بعد قليل لكن المفاجئة غير ذلك فقد أخرج الفستان الذي كنت أرتدي وأخذه معه

رائع لما لم يأخذ البقية فقد أرتدي وأحداً منهم في غيابه آآآآه منك ومني يا رائد

لما لم تتغير مشاعري اتجاهك ولا ذرة لما لا أكرهك وتصرفاتك كفيلة بأن تجعل

والدتك التي أنجبتك تكرهك بجنون بعد قليل جاءتني رسالة على هاتفي وكانت منه

وفيها ( جهزي كل أغراضك , صباح الغد سننتقل من هنا )

تنهدت بضيق ورميت بالهاتف بعيداً عني ها قد عدنا للرسائل من جديد , بعد

وقت سمعت صوت رسالة فتحتها فكان فيها

( لا ترفعي غرتك للأعلى ثانيتا لا تعجبني هكذا )

رميت الهاتف بعيداً عني مجدداً , أقسم أنك عذابي في الدنيا قبل الآخرة يا رائد

في الصباح وبعد تلك الليلة التي لم أتذوق فيها طعم النوم بسبب كوابيسي في ذاك

المنزل الذي سأدخله اليوم جمعت ثيابي وأغراضي وكل شيء , على الأقل سأتخلص

من غيداء رغم الأسى الذي سأذهب إليه , دخل رائد في صمت وبدأ بإخراج الأغراض

ونقلها فخرجت بحثا عن والدتهم , هي كانت طيبة معي رغم أنها لا تفرض شخصيتها

على ابنتيها وتنهاهما عن الخطأ في حقي لكنها عاملتني بلطف , ودعتها وشكرتها رغم

أني سأكون جارة لهم لكني لا أعد أحداً بزيارتهم هنا إلا إن أصر هذا التمثال الصامت

على ذلك من أجل إغاظتي

بعد أن انتهى رائد من نقل الأغراض خرجت من المنزل لأخرج من باب وأدخل

لأقرب باب إليه , دخلت وهوا خلفي وقفت في فناء المنزل بتردد وكأني أشعر بقمر

الطفلة تخرج من أحشائي وتركض بعيداً عن هنا , كم أتمنى أن أجدها في الداخل

وأخرجها معي من عذابها هنا ومن أول يوم جاءت فيه ولا ترى ما رأت من عذاب

طيلة تلك السنوات " هل سيطول وقوفك هنا "

ما به هذا لما لا يدخل ويدعني وشأني , تقدمت بخطوات بطيئة حتى وصلت الباب

ثم تنحيت جانباً ليفتح الباب ويدخل ولكنه وقف جامداً مكانه فوضعت يدي على

المقبض وحركته ببطء ... المقبض الذي لم أفتحه يوماً ولم أره في حياتي سوى مرتين

حين دخلت هذا المنزل للمرة الأولى ويوم خرجت منه

دخلت للداخل تغير لون طلاء الجدران وبعض الأبواب , نظرت من حولي هناك كانت

الأريكة التي نمت عليها نومتي الأولى هنا , هناك كانت تحلق لي شعري كل شهر كي

أبقى صلعاء , هنا كانت تجرني من شعري لــ.... رجعت خطوة للوراء فاصطدمت بجسده

خلفي وضع يداه على كتفاي في صمت فمددت يدي ببطء للأمام وقلت بحركة شفتاي

وهمس خافت " قمر "

إنها هناك في المطبخ أرها أجل وعليا إخراجها , توجهت هناك من فوري وخطواته

تتبعني , دخلت ولا أحد هناك نظرت جهة المغسلة ... كان هنا الكرسي الصغير الذي

أقف عليه لأغسل الأواني وأغني تلك الأغنية ( نحلة تقفز في الأزهار نحلة تعمل ليل نهار )

لتنزل تلك اليد على عنقي وهي تصرخ ( أصمتي وأعملي بسرعة )

لم تكن أغنية بل كانت النشيد الذي علمني إياه رائد في ذاك السطح , ارتجف كل جسدي

ضممته بيداي أشد ذراعاي بقوة ودموعي تنزل من عيناي مباشرة للأرض , توجهت للمخزن

الصغير في ذاك المطبخ لا بل لغرفتي التي لم أخرج منها حتى اليوم , كانت رفوفه فارغة

تماماً , وقفت عند الباب واتكأت بيدي على حافته ... ذات المخزن الصغير المظلم الكئيب

أخفيت عيناي في ظهر يدي الموضوعة على حافة بابه والتي كنت أتكئ بها عليه وقلت

بحزن ودموع " أخرجي من هنا يا قمر أخرجي أرجوك "

أحسست بيد تمسك كتفي هي لرائد بالتأكيد فابتعدت عنه وعن يده ودخلت المخزن

نظرت لأعلى رف فكان هناك .... دميتي نعم هي دمية أمي التي صنعتها لي , الدمية التي

كانت تنام في حضني كل ليلة وأتحدث معها عن معاناتي , سحبتها من هناك بسرعة وكأنني

أختطفها وضممتها لصدري بقوة وانهرت أرضاً على ركبتاي أبكي بمرارة فلا مجال للتماسك

أكثر ولم تعد لدي ولا ذرة قوة بعد هذا فبكيت كثيراً وأنا أحضن الدمية بقوة وكأني سأدخلها

لجوفي , أحضن معها والدتي ووالدي وطفولتي أحضن الذكريات التي رحلت وتركتني

بعد وقت شعرت بيدا رائد توقفانني حتى وقفت على طولي ابتعدت عنه خارجة من المطبخ

فوصلني صوته قائلا " قمر انتظري "

يتبع....
 
الفصل الثامن عشر

بعد وقت شعرت بيدا رائد توقفانني حتى وقفت على طولي ابتعدت عنه خارجة

من المطبخ فوصلني صوته قائلا " قمر انتظري "

قلت وأنا أخرج دون أن التفت إليه " لا تسألني عن شيء "

قال بحزم " هل سبق وعشتِ في هذا المكان هل تعرفينه ؟! "

وقفت وقلت وظهري له " بل مت هنا وسأموت مجدداً "

ثم تابعت وأنا ابتعد " حتما سأموت هنا موتتِ الأخيرة ... لماذا يا رائد لماذا "

لم يتبعني ولم يجب أو يبدوا لي لم يهتم , وصلت إحدى الغرف فتحتها ودخلت وأغلقتها

خلفي بالمفتاح , كانت مجهزة لتكون غرفة ضيوف على ما يبدوا لي , توجهت

للأريكة ونمت عليها محتضنة دميتي ودموعي لا تتوقف عن النزول

نمت قليلاً مكاني ولكن الكوابيس لم تتركني أنام سمعت بعدها صوت طرقات على

الباب ثم جاء صوت رائد قائلا " قمر افتحي الباب "

لم أجب فقال مجدداً " قمر قلت افتحيه الآن لما تسجنين نفسك "

لم أهتم له أوليت الباب ظهري وعدت للنوم بل عدت لكابوسي الدائم الهوة الكبير

التي أسقط فيها وأمد يدي للأعلى وأصرخ وعينا التنين هناك في الأعلى تنظر لي

وتضحك ضحكتها الرنانة تلك وخالي يقف فوقها ويضحك دون صوت لكن

الاختلاف هذه المرة أني رأيت رائد يقف معهما هناك وينظر لي في صمت

فصرخت باسمه كثيراً لينقذني فمد يده وأمسكت بيدي ثم شعرت بجسدي يتحرك

فتحت عيناي ووقفت مفزوعة أتنفس بقوة وكان رائد يجلس بجواري على الأريكة

نظرت له وصدري يعلوا ويهبط من شدة تنفسي وهوا جالس مكانه ينظر إلي

ثم قال " ماذا كنتي ترين في منامك ظننت أنها الحمى مجدداً لما كنتي تناديني "

أشحت بنظري عنه دون جواب ونظرت جهة الباب , يبدوا أنه فتح الباب بمفتاح آخر

وقف وتوجه ناحيتي أمسكني من ذراعاي وأجلسني على الأريكة وجلس بجواري

سكت لوقت ثم قال " هل لي أن أفهم ما يجري ؟! "

كنت على حالي أحضن دميتي ونفسي يخرج قويا ثم قلت

" لقد عشت هنا بعضا من طفولتي "

قال ونظره للأرض متكأ بمرفقيه على ركبتيه " ولما لم تخبريني سابقاً ؟! "

قلت بهدوء " لم يكن الأمر مهماً "

نظر باتجاهي وقال " ليس مهماً مع كل هذا البكاء والفزع والكوابيس !! "

أشحت بنظري بعيداً عنه في صمت فقال " مع من عشتِ هنا ؟! "

نزلت الدموع من عيناي فوراً ... أنت لا تذكر يا رائد نعم نسيت كل شيء

وصلني صوته قائلا " قمر ما الذي تخفينه عني ؟! "

قلت ببحة " لا شيء "

وقف وقال " من أين تعرفك غيداء سابقاً ؟! "

رفعت رأسي ونظرت له بصدمة ... إذا سمع ما دار بيننا يومها لذلك تغير

تصرفه معي , هززت رأسي بلا وقلت " لا أعرفها أقسم لك "

قال بحزم " ولكنك لم تتكلمي كانت تسرد ماضيك وأنتي صامتة تماماً "

قلت " لأنها فاجأتني هي لا تتحدث معي , دخلت فجأة للمطبخ في غير أوقاتها

المعتادة ألجمتني الصدمة من اتهامها لي وحين سألتها يوم حفل الخطوبة ضحكت

وقالت أن أنسى الأمر "

نظر لي في حيرة مطولاً ثم قال " عن ماذا تحدثتما قبلها وما قالت لك "

نظرت للأرض وقلت

" قالت سأنتقم منه أو شيء كهذا كانت تحدث نفسها ولم أفهم جيداً "

قبض يداه بقوة وقال من بين أسنانه " لأجل هذا إذاً "

نظرت له في حيرة فقال " ماذا عن ماضيك هل ما قالته صحيح ؟! "

بقيت أنظر له بصدمة فقال بحدة " تكلمي "

قلت " وما شأننا بالماضي نحن في الحاضر ونمضي للمستقبل "

قال بغضب " قمر سألتك سؤالا وعليك الجواب عنه "

وقفت وقلت بحدة " لا ليس لك الحق في محاسبتي عن شيء "

قال بسخرية " إذا في ماضيك ما تخفيه , كم خدعتي من رجال "

قلت ببكاء وكلمات مكتومة " وكم كان لديك أنت من نساء "

ابتسم بألم وقال " سبق وأجبتك عنه "

مسحت دموعي وقلت " وأنا كذلك "

قال وهوا يغادر الغرفة " أسوأ ما في المرأة أنها لا تجيد إلا الكذب "

انهرت على الأريكة أبكي بمرارة , لما لا يرحمني لماذا يتصرف معي هكذا ؟!

بدأت الآلام تتسرب لذراعي الأيسر أمسكته بيميني بقوة محاولة كتم تألمي وصرخاتي

كي لا يسمعني واتكأت على الأريكة أتلوى بألم , بعد وقت ارتخت جميع مفاصلي

واستسلمت للبكاء من جديد كنت أجلس على الأرض وأتكئ بذراعي على الأريكة

وكل دمعة تلحقها الأخرى دون توقف , بعد وقت وصلني صوته وهوا يقف عند

الباب " ألن يتوقف هذا البكاء إن لم تشعري بالجوع من كثرة بكاءك فأنا

جائع من كثرة نقلي للأغراض "

وقفت كالدمية تتحرك ببرمجة وعبرت الباب ونظري للأرض , توجهت للمطبخ في

صمت محاولة قدر الإمكان تجنب النظر لذاك المخزن , بدأت بإعداد بعض الأرز

بالخضار واللحم , جهزت السلطة وضعت الأطباق على الطاولة والعصير وخرجت

ذهبت للغرفة التي يرتب فيها كتبه , وقفت عند الباب وقلت " الغداء جاهز "

وغادرت من فوري ودخلت غرفة النوم وبدأت بترتيب أغراضي فيها , حمدا لله أنه

لم يجعل عرفة عينا التنين سابقاً غرفة نومنا , لاحظت أن بابها مغلق تبدوا خارج

حدود الإيجار , فتح رائد الباب وقال " ألن تتناولي الطعام ؟ "

ماذا أفعل مع هذا الرجل منذ متى يهتم إن أكلت أم لا , قلت باختصار " لا "

قال " لماذا ؟! "

تنهدت وقلت " بدأ وزني يزداد بسبب الحبوب لذلك أقلل تناول الطعام "

سكت مطولاً حتى ضننت أنه غادر ثم قال " قولي أنك لم تعودي تريدي تناولها "

قلت ببرود وأنا أرتب في الخزانة " لا يحتاج الأمر أن أتحجج إن لم أرغب بك "

وضع يده على حافة الباب وقال بحزم

" قمر كف اليد إن أراد شيئاً لا شيء يمنعه تذكري هذا جيداً "

نظرت له وقلت " وباطن القدم كذلك يا رائد فلا تنسى "

قبض يده بقوة وضرب بها على حافة الباب وقال

" لا تهدديني يا قمر إن خرجتِ من هنا فلن أطلقك ولن أرحمك أبداً "

نظرت للأرض وقلت بابتسامة سخرية " أجل فأنت ترحمني كثيراً الآن "

ثم تابعت بحزن " الشك والجفاء وتخالف الرأي أمور تكون معها الحياة

مستحيلة بين الزوجين وكلها لدينا لذلك لن ينجح الأمر "

قال ببرود " صدق من قال أنكن تتبطرن على النعيم "

نظرت له وقلت " لا تتبجح بأنك لا تضربني وافعلها في أي وقت خيرٌ لك

من تذكيري بشهامتك كل حين , افعلها لترتاح أما أنا فلن تؤثر بي قيد أنملة "

قال ببرود " لا أفكر في فعلها ولن أفعلها أبداً لكن إن

حدث ذلك فأعلمي من الآن أنك السبب "

ثم غادر من فوره وتركني أنظر لمكان وقوفه الخالي سوى من كلماته الجارحة

التي لم تغادر خلفه وبقيت مكانها , تنهدت بضيق وعدت لعملي أنهيت ترتيب

الأغراض والثياب ثم استحممت وارتديت بيجامة صفراء اللون ببنطلون قصير

حتى الركبة وقميص قصير وحمالات عريضة , سرحت شعري وجعلته ضفيرة

على الجانب الأيمن , لقد ازداد طوله وأصبح يقارب نصف الفخذ , ربطت نهاية

الضفيرة عند منتصف الشعر بشريطه صفراء وخرجت للمطبخ

كان المساء قد اقترب دخلت هناك فوجدت الطعام على حاله لم يأكل منه شيئاً

تنهدت بضيق وجمعت الأطباق ورتبت كل شيء ولم أره مطلقا , صليت العشاء ثم

أخذت الصناديق الفارغة لوضعها عند الباب الخلفي وصلت هناك فسقطت جميعها

من يدي حين وقع نظري على الباب المؤذي لسطح المنزل , كانت فتحة بدون باب

لأن الباب في الأعلى , شعرت حينها بكتمه في صدري أغمضت عيناي بشدة والدموع

تتساقط منهما بغزارة بعدما ظننت أنني جففت من الدموع ولن يبكيني شيء , بدأت

الشهقات تخرج من صدري الواحدة بعد الأخرى وشعرت بالأرض تدور تحت قدماي

فاستندت بحافة فتحة الباب , كانت عيناي مغمضتان لكني كنت أرى قمر الطفلة تصعد

الدرجات بمرح كما كانت دائماً تقفز بين كل درجة والأخرى وتغني نشيد رائد

أغمضت عيناي بشدة أكبر لتختفي تلك الصورة ولكن دون جدوى , تمسكت بالجدار

بقوة وقلت بألم " أخرجي من هنا يا قمر أخرجي أرجوك "

ثم شهقت وقلت ببكاء ونحيب " أخرجي أو موتي للأبد يا قمر أرجوك أن تفعلي إحداهما "

ثم نزلت على الجدار لأصل للأرض في بكائي المستر فشعرت بيدين تبعدانني عنه

وتحضناني بقوة فبقيت في حضنه أبكي بمرارة استنشق رائحة عطره وأمسح دموعي

في ثيابه ولا شيء يُسمع سوى شهقاتي المتتالية , بقينا على حالنا لوقت حتى نمت

على صدره وفي حضنه دون شعور ولم استيقظ إلا بعد وقت طويل لأجد نفسي

على السرير وحدي في الغرفة , جلست فوجدت دميتي بجواري وفوقها ورقة

ومكتوب فيها ( لا تطلبي الموت ألا تعلمي أن هذا يغضب الله منك )

تنهدت وغادرت السرير خرجت من الغرفة وكان رائد يجلس يشاهد التلفاز

قلت بهدوء " هل أعد لك العشاء ؟! "

نظر لي ثم للتلفاز وقال " إن كنت سآكل وحدي فلا "

توجهت للمطبخ في صمت سخنت الأرز الذي لم يأكله سابقاً وأعددت طبقا خفيفاً

آخر , جهزت الطاولة فدخل المطبخ وجلس بصمت , لففت حول الطاولة وجلست

في الكرسي المقابل للمغسلة حيث يكون المخزن خلف ظهري , أكلت لقمتين ثم

وضعت الملعقة فقال رائد وعيناه على الصحن أمامه

" ما قصتك مع هذا المخزن وذاك الباب ؟! "

لذت بالصمت فنظر لي وقال " ما يربطك بهما يا قمر ؟! "

نظرت ليدي على الطاولة وقلت بحزن " طفولتي "

عاد بنظره لصحنه وقال " وما في تلك الطفولة يبكيك هكذا "

قلت ودموعي تملأ عيناي ونظري على الطاولة " إنه الألم والشوق "

نظر لي مطولاً ثم قال " غريب كيف تتألمين منها وتشتاقي لها ذات الوقت !! "

رفعت رأسي ونظرت لعينيه مطولاً ثم أبعدت نظري عنه وقلت

" أتألم من أشياء مؤلمة كانت فيها وأشتاق لأخرى كانت تعني لي الكثير "

قال بشبه همس ونبرة غريبة " لمن تشتاقي !! "

رفعت رأسي للأعلى ونظري للسقف وقلت بدموع تجري على خداي

" نحلة تفز في الأزهار , تعـ.... تعمل تعمل ليل نهار , تحضن زهرة تو ... "

أخفضت رأسي ومسحت دموعي وقلت " لهذا أشتاق "

ثم وقفت مغادرة وعدت للغرفة ارتميت على السرير أواصل بكائي , لم تتذكر ولن

تتذكر أبداً يا رائد , لماذا أنا أذكره وهوا ينسى وأنا كنت اصغر منه سناً نعم لأني لم

أكن أهمه ومؤكد يتذكر ضوء القمر لأنه قاسى بسببها كما أتذكر أنا معاناتي ونسي

هوا تلك الأيام لأنه لم يقاسي مثلي , بكيت لوقت طويل ثم نمت واستيقظت بعد وقت

مفزوعة من كوابيسي ... مسحت على وجهي وتنهدت بضيق ثم وقفت فسمعت صوت

أذان الفجر يعلوا في الأجواء فصليت الفجر ثم جلست أقرأ كتاب الله لوقت حتى غلبني

النعاس مجدداً ونمت والمصحف في حضني واستيقظت بعد وقت خرجت من الغرفة

وكان رائد في سجنه الجديد ... المكتب , تنهدت بضيق واقتربت من الباب لأساله

إن كان يريد الإفطار فسمعت جرس الباب يقرع بقرعات متتالية فخرج من المكتب

ونظر لي في صمت ثم خرج ليرى من هناك , كان صوته يتحدث مع أحدهم ثم

دخلت مريم وهوا يتبعها , كنت أعلم بقدومها في أي لحظة لكنني تفاجأت بها وهي

تسرع نحوي واحتضنتني تبكي , من صدمتي نسيت كل ما قالته سابقاً عن اتفاقها

مع زوجها , أبعدتها عن حضني وقلت بخوف

" مريم ما بك هل أيوب به مكروه أم أحد أبنائك ؟! تكلمي "

عادت لاحتضاني وكانت تضحك أو تبكي لا افهم !! نظرت جهة رائد فكان ينظر

لنا بحيرة وضياع , أدخلتها معي للغرفة وأغلقت الباب خلفي فجلست على السرير
وقالت بضحكة منخفضة " يالك من ممثلة بارعة يا قمر "

أخذت زجاجة العطر ورميتها بها وقلت بغضب

" لقد صدقتك فعلاً يا حمقاء لقد أفزعتني "

سمعنا طرقا على الباب الغرفة فقالت " أخرجي له هيا "

قلت " ما سأقول له "

قالت " قولي أني وأيوب متشاجران والمشكلة تبدوا كبيرة جداً هيا بسرعة "

خرجت وأغلقت الباب خلفي كان ينظر لي بتوجس وخوف , مريم يالك من محتالة , قال من فوره " ما بها ... ما قالت لك ؟! "

تنهدت وقلت " يبدوا تشاجرت مع زوجها والأمر معقد جداً "

قال " ماذا حدث بينهما ؟! "

رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لم تخبرني "

قال " سأتصل بأيوب لأفهم منه "

قلت من فوري " دعنا نفهم منها أولاً "

عدت للغرفة وقلت لها " قال سيتصل بأيوب "

قالت بابتسامة " لا بأس فنحن متفقان على الأمر "

قلت " مريم ما الذي تخططين له وكيف تتركين أبنائك وحدهم "

قالت بابتسامة جانبية " كما أخبرتك إما أن نصلحه أو نقتله "

هززت رأسي بيأس وقلت " لن تنجحي في هذا ولن أجني سوى المشاكل " قالت بابتسامة " لنجرب ولن نخسر شيئاً "

قلت مغادرة جهة الباب " أصلحيه إن استطعتِ أما تقتليه فارفعيها من رأسك "

خرجت فوجدته يقف مكانه , لو يعلم فقط أنها تخدعه لقتلها وقتلني دون رحمة

قال بحيرة " هل فهمتِ منها شيئاً "

هززت رأسي بلا وقلت " اتصل بزوجها وأفهم منه "

قال مغادراً " حسناً وابقي بقربها "

ثم التفت نحوي نظر لثيابي وقال " غيري هذه لا تبقي بها أمامها "

فتحت ذراعاي وقلت بتذمر " رائد ما هذا بحق الله , ثم هي امرأة مثلي وشقيقتك فما في الأمر "

قال بضيق " قلت تغيريها يعني تغيريها فيبدوا لي لا أخطر على حياتي من شقيقتي "

عدت للغرفة وأغلقت الباب خلفي بقوة ووقفت واضعة يداي وسط جسدي بضيق

فضحكت وقالت " ما بك ؟! "

توجهت للخزانة أخرجت فستاناً طويلاً أبيض اللون ومشجر الأطراف بكمان

يصلان حد المرفقين ثم يتسعان بنصف دائرة , رميته على الأرض بقوة وقلت

" أوامر شقيقك الجديدة "

أغلقت فمها بيدها وضحكت كثيراً فقلت بضيق " مريم يبدوا لي حالي يعجبك "

وقفت وتوجهت نحوي وقالت " أقسم أن شقيقي ذاك قد فقد عقله " ثم رفعت الفستان عن الأرض وقالت " البسيه هيا وستري ما سنفعله "

أخذته منها لبسته وعدت لها فقالت

" أقسم أن يمزقه من عليك هذا أجمل من السابقة التي كنتي ترتدي "

ثم أمسكت يدي وقالت " تعالي لنرى "

أجلستني على الكرسي فتحت ضفيرة شعري ومشطته وجمعته كله للأمام وربطته

بشريطه خضراء أماماً ثم رفعت وجهي بأصابع يدها وقالت

" لا تحتاجين لشيء ما شاء الله بعض الحمرة عند الخدين وكحل بسيط للعينين الجميلتين "

تنهدت وقلت " مريم ما سيقول شقيقك وأنتي تبكي عندي وأنا أتزين "

ضحكت وقالت " لن يقول شيئاً هيا قفي وانظري لنفسك "

وقفت أمام المرآة كان الفستان منسابا على جسدي يرسمه رسما ومفتوح عند الأطراف

السفلية , خداي كانا وكأني مستيقظة من النوم الآن والكحل خفيفاً أبرز عيناي أكثر دون أن يظهر أنهما مكتحلتان , ألبستني سواراً خفيفاً من الكريستال الأخضر اللون

تتدلى منه عقيقتان بيضاوان ثم دفعتني جهة الباب وقالت

" هيا أخرجي له وقولي أنني أصبحت بخير وأضحك معك أيضاً "

خرجت بقلة حيلة تاركة مصيري بين يديها , لو هناك من سيدمر ما تبقى من هذا

الزواج فسيكون مريم , لم يكن رائد موجوداً في الخارج سمعت صوته يتحدث عبر

الهاتف في مكتبه والباب مفتوح فتوجهت إلى هناك ودخلت , كان يقف جهة رفوف

المكتبة وما أن دخلت حتى نظر باتجاهي وبقت عيناه معلقتان بي تتنقل بين وجهي

وفستاني فشتتتُ نظري بعيداً عنه , أنهى مكالمته فقلت من فوري وعيناي أرضاً

" لقد أصبحت أفضل الآن هل أخبرك أيوب ما حدث بينهما "

عم الصمت وطال ولم يجب فرفعت عيناي له فكان على حاله ثم توجه من حينها

للمكتب وقال موليا ظهره لي " قال تشاجرا وخرجت من البيت ويبدوا هوا غاضب

منها أيضاً وهذا ما سيعقد الأمر أكثر "

تنهدت وقلت " أتمنى أن لا يتهورا في الأمر فبينهما أطفال "

التفت ناحيتي يود قول شيء فعلق نظره على السوار في يدي لأني كنت أبعد شعري

خلف أذني قبل أن يلتفت فاقترب مني حتى وقف أمامي ولعب بالعقيقتين فيه بأصبعه وقال بهمس " قلت غيري ملابسك وليس تزيني أكثر "

أنزلت يدي للأسفل وقلت وعيناي في عينيه " فستان وطويل وبأكمام أيضاً فما الخطأ بي "

اقترب حتى صارت أنفاسه تلفح وجهي بقوة ومرر أصابعه على خدي وقال

" وخدان متوردان وعينان سوداوان أكثر وشعر حريري يلامس نصف الفخذين "

ثم نظر لشفتاي مطولاً ومرر أصبعه عليهما وقال هامساً

" وشفتان زهريتان فما بقي بعد "

كنت أنصهر انصهاراً من لمسته وكأني تمثال جليدي أشعلوا في وسطه ناراً , خلل

أصابعه في شعري وقرب وجهي إليه حتى تلامست شفتينا فأغمضت عيناي من

شدة ما اعتراني فسمعنا صوت باب غرفة النوم يفتح , ابتعدت عنه فكانت

مريم أسرع منا وقفت عند الباب وقالت

" عذرا يبدوا أني جئت في وقت سيء جداً آسفة الباب كان مفتوحاً هوا خطأكما إذا "

نظر للسقف ثم أدار رأسه وتوجه ناحية رف المكتبة وهوا يقول

" ولما كل هذا الموشح من المبررات النتيجة واحدة أنك أفسدتِ الأمر "

ضحكت مريم وقالت " عليكما استحمال وجودي قليلاً "

أخذ كتابا من الرف ثم خرج واقتربت هي مني وقفت بجانبيي وضربتني على

ظهري بخفة وقالت " ها ما رأيك في النتيجة "

تنهدت وقلت " نتيجة معذبة للغاية هل جئتِ لتصلحيه أم لتقتليني يا مريم "

ضحكت وقالت " لم نفعل شيء حتى الآن "

خرجت وهي تتبعني وأنا أقول " ما فعلته يكفي أنتي لا تعلمي ما صنعته بي "

عدنا لغرفتي التفتت ناحيتها وقلت " لما لم يتحدث رائد معك بشأن خلافكم الوهمي "

ضحكت وقالت " اتصل بي أيوب قبل قليل وقال أن رائد اتصل به فأخبره أن

لا يتحدث معي وأن يأخذ كل واحد منا وقتا لتجميع أفكارنا هههه ومثل عليه

أنه غاضب مني أيضاً "

نظرت لها بنصف عين وقلت بضيق " أخبرني رائد أنه غاضب منك كان قلقا جداً من الأمر , مريم لا تنسي أنه شقيقك ولا يحتمل فيك شيئاً "

ضحكت وقالت " يبدوا أنتي التي لا تحتمل فيه شيئاً "

تنهدت وقلت " هيا دعينا نعد شيئاً لنأكله "

خرجنا للمطبخ ومر بنا اليوم نتحدث ونضحك ولم يعد رائد للمنزل واتصل بمريم ليخبرها

أنه سيتناول الغذاء في الخارج ولم يكلف نفسه عناء أن يتصل بي أنا ليخبرني بدلاً منها

كنا جالستان في الصالة نشاهد التلفاز لكن عيناي لم تكونا معلقتان به بل في الأرض وفكري

في بلاد أخرى حتى أيقظني صوت مريم قائلة " هيه قمر أين وصلت بك الأفكار ؟! "

تنهدت وقلت " لا اعلم أين "

قالت بضحكة " مَن تعني ... رائد عند صديقه "

قلت بضيق " مريم لا تمضي الوقت بالتسلي بي "

قالت بنصف عين " أنكري الآن أنك كنتي تفكرين به "

قلت بحزن ونظري للأرض " لا أعلم لما يحب الهروب مني , يسجن نفسه دائماً

بعيداً عني ويخرج ولا يعود وإن تقابلنا تشاجرنا فوراً "

قالت " هكذا هوا رائد يهرب دائماً , إن أحس بالضياع هرب وإن كره هرب

وإن حزن أو غضب هرب "

وضعت يدي على خدي وقلت بضيق " ولما نصيبي أنا هكذا أحب رجلا إن غضب من أحد لام الجميع وإن جُرح لا ينسى جرحه أبداً ولا يغفر دون أسباب وإن تعقدت

لديه الأمور لاذ بالفرار "

ثم تنهدت وقلت بحزن " ولما هرب الآن إذاً لابد كرها "

قالت بابتسامة " بل هروبا منك تحديداً "

هززت رأسي بلا وقلت " يبدوا لي لا تفهمين شقيقك أبداً "

تجاهلت ما قلت وقالت بحماس " هيا أذهبي وغيري ملابسك ولا تنسي ما اتفقنا عليه "

قلت معترضة " لا ... أنا لست مقتنعة بهذا ما سيفكر بي "

قالت بتذمر " قمر يا بلهاء أنتي زوجته كيف تفكرين هكذا "

أشحت بنظري عنها في صمت فوقفت وسحبتني من يدي قائلة

" قومي هيا بسرعة فقد يأتي في أي لحظة "

تأففت ووقفت دخلت الغرفة ورفعت القميص من على السرير , كيف تريدني أن ألبس

هذا حتى بنات الليل يخجلن منه أي قميص نوم هذا , تنهدت ولبسته ووضعت كمية

كبيرة من العطر وأحمر شفاه دمي قاتم ورسمت عيناي بالأسود الثقيل ووضعت ظلا

بسيطا أسود اللون فوق العين كما طلبت , وقفت أمام المرآة ونظرت لجسدي الشبه

عاري تماماً , كان قميصا أسوداً شفافاً وقصيراً جداً لا يستر شيء من شيء لكنه

مبهر على جسدي , فردت شعري للأمام فأخفى أغلب جسدي , هكذا أفضل ولكن

مريم الخبيثة فكرت حتى في هذه وسترفع لي شعري , لا أعلم أي ليلة تنتظرني

الليلة ... أجزم أنها ستكون الأخيرة لي هنا بمشكلة كبيرة معه , ارتديت قميصا

حريريا طويلاً ليستر جسدي أمامها كما خططت وربطت حزامه من الأمام وخرجت

لها فسحبتني من يدي عائدة بي للغرفة أجلستني على الكرسي ومشطت شعري للأعلى

وجمعت جزء منه بلفات متداخلة وثبتتها بمشابك الشعر وأنزلت منه خصلات بسيطة

قامت بلفها بشكل لفات كما مع باقي الشعر المجموع للأعلى لتتدلى اللفات على كتفي

وجمعت غرتي جانبا لتمسكها فقلت " هذه لا " قالت بحيرة " ولما !! ستكون بعيدة أفضل "

قلت بابتسامة سخرية " أحد أوامر شقيقك "

ضحكت وقالت " أنا أعرف رائد جيداً منذ صغره يحب الغرة المقصوصة هكذا مثلك "

رفعت رأسي ونظرت لها وقلت " لماذا يحبها في صغره "

رفعت كتفيها وقالت " أذكر أنه كان يقول صديقتي الصغيرة غرتها هكذا وكان يتحدث

عنها كثيراً يبدوا لي لا توجد إلا في مخيلته فأنا لم أره يلعب يوماً في الشارع مع فتاة

ولم يكن يخرج كثيراً وأغلب وقته يقضيه في سطح المنزل مع منظاره وعش الحمام "

نزلت من عيناي دمعتان فأنزلت راسي كي لا تراهما وقلت

" إن كان حين كبر توقف عن الحديث عنها تكون من خياله فقط "

قالت بعد صمت " نعم لم يعد يتحدث عنها لاحقاً "

أجل نسيني تماماً لماذا إن كان يتحدث عني دائماً في صغره لماذا نسيتني يا رائد ؟!

يبدوا لي عقله مسح كل شيء يخص هذا المكان بعد تلك الحادثة التي طردوه فيها

أنهت تجهيز شعري وأمسكت غرتي جانباً بمشبك كريستالي أحمر اللون كما أرادت

وخرجنا لنجلس حيث كنا نشاهد التلفاز وأطفأنا الأنوار فلم يبقى سوى ضوءه فقط

بعد وقت فتح رائد الباب ودخل نظر لنا مطولاً في صمت ثم قال " مساء الخير "

تنهدت مريم بضيق وقالت " مساء الخير "

يالك من ممثلة يا مريم لا تختلفين عن شقيقك أبداً , اقترب منا جلس على الكرسي

فقالت مريم " هل تناولت عشائك ؟! "

ولم أتحدث أنا طبعاً ونظري على التلفاز دون حراك حسب مخططها , نظر باتجاهي

مطولاً ثم قال " لا رغبة لي في الأكل "

انتقل نظره من وجهي لساقي التي كانت تظهر من بين أطراف القميص الحريري وأنا

أراقبه خلسة , رفع نظره لمريم وقال " ألن تتحدثي وزوجك في الأمر ما الذي أغضبه منك "

نظرتْ للتلفاز وقالت ببرود " قل ما أغضبني أنا أم أنك في صفه "
لعب بمفاتيحه قليلا بين يديه ثم قال " لست في صف أي منكما مادمت لم أعلم ما حدث "

حركتُ حينها ساقي لتظهر بوضوح أكبر فنظر لها مباشرة ثم وقف وقال

" قمر اتبعيني "

دخل غرفة النوم ونظرت جهة مريم فغمزت لي وقالت هامسة

" لا تنسي ما اتفقنا عليه "

تنهدت بقلة حيلة ووقفت , قد تنجح مريم وتصلح الأمور وأعيش معه ولو يوماً

سعيدا وأحداً قبل أن أموت , دخلت الغرفة وأغلقت الباب , نظر لي من أعلى

لأسفل ثم قال " ما ترتدين تحت القميص ؟! "

قلت ببرود " قميص نوم "

بقي ينظر لي مطولاً باستغراب فقلت " شقيقتك لاحظت قمصان النوم لدي كلها جديدة وبدأت بطرح أسئلة لم أجد لها جواباً فارتديت وأحداً وأخفيته بهذا القميص الحريري "

قال بعد صمت " دعيني أراه "

قلت بحدة " هل تضنني أكذب عليك لتتأكد أم ماذا "

قال بغيض " ومن قال أني أشك في صدقك "

قلت بحدة أكبر " ما معنى ما طلبته إذا "

خرج من الغرفة مغتاظاً ودخل مكتبه وضرب بابه بقوة , عدت حيث مريم وجلست أتأفف بضيق فضحكت وقالت بهمس " ماذا حدث معك يبدوا بركانا سيتفجر " احتضنت وسادة الأريكة بغيض وقلت " لا اعلم كيف لا أكرهه " قالت: هل تشاجرتما"
قلت بضيق " طلب أن يرى القميص علي "

ضحكت وقالت " وهل رآه "

قلت " لا كما اتفقنا "

قالت " جيد سيعود بعد قليل "

قلت بسخرية " يالك من واهمة إن غادر صومعته قبل الصباح فواجهيني "

قالت بابتسامة " لن يكون طبيعياً إن لم يفعل ما قلت وستري بعينيك "

قامت بتغيير المحطة لمسرحية وقالت " سنضحك عليها ولو مرغمتين "

ضحكت وقلت " مريم من أين لك كل هذا الجنون "

قالت بتذمر " عليه أن يعلم أنك لم تبالي له يجب أن يصله صوت ضحكاتك هناك "

قلت بهدوء " أمري لله سأضحك كاذبة أيضاً "
ولكننا فعلاً انسجمنا مع المسرحية وأصبحت ضحكاتنا تعلوا لا إرادياً , بعد وقت

خرج رائد نظر لنا مطولاً ثم للتلفاز ثم توجه لغرفة النوم وقال عند دخوله لها

" قمر "

ثم دخل فضحكت مريم ووكزتني لأذهب له , دخلت الغرفة وأغلقت الباب خلفي

فاقترب مني في صمت وأمسك حزام القميص وفتحه ببطء لينكشف كل شيء يخفيه تحته وقد تاهت عيناه فيما ظهر من جسدي ثم رفع يديه لأكتاف القميص ليزيله فقلت وأنا أشده على جسدي " لا "
ابعد يديه وتراجع خطوتين ثم نظر لي مطولاً وقال

" مؤكد تعلمي أنك ستباتين الليلة ملعونة لرفضك لي "

أشحت بنظري عنه وأنا أمسك القميص حول جسدي بقوة لأستره به وقلت " ومؤكد لم تنسى أنك قلت لن يحدث شيء بيننا إلا بموافقتي "

قال بحدة " وتتبعين كلامي أم كلام الله ورسوله "

نظرت له وقلت بحدة " ولا تنسى أنه قال وعاشروهن بالمعروف "

قال بغيض " قمر أنا لا أريد أن أجبرك على هذا وآخذ حقي وكأني أغتصبك "

أشحت بنظري عنه وقلت " وأنا لا يمكنني أن أكون جارية في الليل وخادمة في النهار عاشقة بين أحضانك ليلا ومتنفسا لغضبك باقي الأوقات , أنا بشر ولست آلة "

خرج وضرب باب الغرفة خلفه بقوة , تنهدت بضيق وجلست على السرير , أعلم

أن هذه الليلة لن ترى شمس الصباح وأستغرب أنه لم يضربني حتى الآن وأستغرب حتى أنه عاد للغرفة مجدداً , عدت للخرج ووقفت عند مريم فقالت

" في المرة القادمة لا تمنعيه عنك "

قلت بضيق " لن تكون هناك قادمة ثم أنا لا أريد حقاً "

قالت " قمر هذا حقه وستحاسبين عليه فهمتي "

لذت بالصمت متضايقة فقالت

" كنت أخشى أن يترك المنزل ليرجع بعدها مكتفيا ولن يأبه بك "
نظرت لها بصدمة وقلت " ما تعني بهذا ؟! "

قالت " أعني ما فهمته جيداً فالرجل إن رفضته المرأة أفرغ ما يكبته عند غيرها

بالحلال أو الحرام والشيطان سيستغل ضعفه حينها لذلك أمرنا الله أن لا نرفضهم

تحت أي ظرف كان فلا تسلمي زوجك لغيرك يا قمر وأعطه حقه متى طلبه "

جلست أتنهد بضيق , لا استطيع أن أقول أن الله ظلمنا في هذا لأنه لا يظلم أبداً بعد وقت خرج ووقف عندنا وقال موجهاً حديثه لمريم " أراك تضحكين كثيراً

وكأنك استحليتِ شجارك مع زوجك وبعد أبنائك عنك , هذه ليست عادتك "

قالت بلامبالاة " ولما أغتم وهوا المخطئ ويرى أني على خطأ , لن أبكي عليه

لأنه سيرجع من تلقاء نفسه , أنتم الرجال لا يعطى لكم وجه فما أن تشعرون

بضعف المرأة حتى تتجبرون عليها "

قال بسخرية " كم أخشى من احتكاك زوجتي الدائم بك "

قالت بعد ضحكة " اعزلها عني إذاً "

قال ببرود " هل تعلمي ما أسوء ثلاث أشاء دخلت حياتي مؤخراً "

قالت بابتسامة " أعلم .... أنا وقمر وغيداء "

قال مغادراً " الثالثة أخطاتي فيها "

ثم توجه جهة غرفة النوم ودخلها وترك بابها مفتوحا ثم قال بصوت مرتفع

" قمر تعالي "

نظرت لها فضحكت بصمت ثم قالت " هيا اذهبي إليه "

تنهدت بضيق ثم قلت " وما قصة الثلاث أشياء هذه التي يذكرها دائماً "

قالت بابتسامة " هي مقولة رائد المشهورة يضع ابغض وأسوء الأشياء لديه في

ثلاث أمور أحدها شيء ثابت دائماً وسؤاله هذه المرة أوقعه لأنه غفل أني أعلم

ما يكون الشيء الثالث "

تنهدتُ بضيق فقالت " هيا اذهبي إليه فلا نريد اختبار صبره "

وقفت وتوجهت للغرفة دخلت وأغلقت الباب خلفي كان واقفاً ويديه في جيوبه

نظر لي مطولاً ونظري للأرض ثم قال " ما الذي يغضبك مني ؟! "

نظرت له وقلت " انظر كم مرة تشاجرنا فعن أيها تسأل "

اقترب ووقف أمامي وقال

" كنا نتشاجر دائماً بدون هذا الموقف السلبي مني ليلاً فما الأمر "

أشحت بنظري عنه في صمت فقال " لم تَردي عليا التحية وقت دخولي ولم تسأليني

حتى إن كنت أحتاج عشاء هل تلاحظ مريم فقط لباسك وتلك الأمور لا "

نعم ذكائك يعرف متى يتحرك , مسحت على خدي بظهر أصابعي وقلت

" واتصالك بها هي لتخبرها أنك لن تكون موجوداً على

غداء متجاهلاً لي أليس أمراً تلحظه أيضاً "

أمسك يدي أبعدها عن خدي وقال " لأجل هذا إذا "

نظرت لعينيه وقلت " أنا زوجتك وأنا من كان يفترض بك أن تتصل بي لتخبرني

أنت لا تعلم كم أهنتني أمام شقيقتك , لما تتجاهلني يا رائد لماذا ؟! "

قال ويده على خدي يمسحه بإبهامه " لأني لم أكن أريد حينها أن أسمع صوتك "

قلت ودموعي نزلت من عيناي مارة على إبهام يده

" ألهذا الحد تكرهني ولا تريد سماع صوتي "

رفع رأسه للأعلى ويده تمسح الدموع من خدي ونظره للسقف وقال

" فهمك خاطئ ... خاطئ يا قمر "

قلت ونظري عليه " ولما إذاً فسر لي الأمر ؟! "

عاد بنظره لوجهي أمسك بالمشبك الممسك لغرتي نزعه دون أن يفتحه ورماه ليسقط

على الطاولة وقال وهو يعيد غرتي لجبيني بأصابعه " ألم أقل لك أني أحبها هكذا "

بقي نظري معلق به دون كلام فأمسك وجهي بيده وقال

" أنا آسف لأني لم أتصل بك ولن يتكرر ذلك حسناً "

نظرت للأرض في صمت فقال " قمر أنا لم أعتذر احتيالاً عليك لآخذ منك ما أريد

تأكدي من ذلك وأخبرتك أني لا أريد إجبارك على هذا مكرهة و.... "

بتر كلماته حين فتحت حزام القميص وأزلته عن جسدي ببطء ليسقط أرضاً ثم أمسكت

ذراعي الأيمن بيدي اليسره ورأسي للأسفل , بقي صامتاً لوقت دون حراك ويبدوا كله

من أجل تأملي لأني لم أكن أرى وجهه ثم رفع وجهي بأصابعه من ذقني ودون مقدمات

بأي كلمة قبلني تلك القبلة المجنونة كالتي منذ أيام في منزل والده , القبلة التي أدمت شفتاي وظننت أنها عقاباً منه فهذه ما ستكون إذاً !! سحبني بعدها للسرير لننام معاً

الليلة الأولى لنا هنا , عند الصباح تسللت من السرير بهدوء على رؤوس أصابعي

ونظرت لقميصي النوم المرميان على الأرض ثم للقميص الأحمر الذي كنت أرتدي

ثم نظرت له فكانت عيناه مغمضتان , تسحبت ببطء لأتوجه للحمام ففتح عيناً واحدة

نظر لي ثم أغمضها ومد يده وقال " تعالي "

ضربت بقدمي على الأرض عدة مرات غضباً ودون صوت ثم عدت للسرير فسحبني

لحظنه في صمت وبعدما عاد للنوم توجهت فوراً للحمام استحممت وخرجت

ارتديت فستاناً أسود اللون يصل لنصف الساق بأكمام قصيرة وشرائط وردية

مربوطة عند الأكمام والأطراف السفلية له , مشطت شعري دون تجفيفه خشية

أن يستيقظ هذا الجبل على صوت مجفف الشعر وأجد نفسي بقميص نوم رابع

وحمام جديد , خرجت بعدها من الغرفة ووجدت مريم خارجة من غرفتها ضحكتْ ما أن رأتني وقالت " مساء الخير ما كل هذا النوم "

نظرت لجهة المطبخ بضيق ولم أتحدث فعادت للضحك من جديد فقلت

" مريم هل جئتِ فعلاً لتصلحي الأمور بيننا أم لتتسلي بي يا

حمقاء .... كاد يقتلني بسببك "

قالت ضاحكة " لا نتائج مرضية على ما يبدوا "

قلت متوجهة جهة المطبخ " اعتذر مني عن أحد أخطائه وللمرة الأولى "

قالت وهي تدخل خلفي " جيد رأيت بعينك الآن وسننتقل للجزء الثاني من الخطة "

نظرت لها وقلت بتهديد " من دون قمصان نوم هذه المرة "
ضحكت وقالت " لن تتخلصي منها بعد اليوم لقد فتحنا عينه عليها , هيا لنجهز فطورنا المتأخر "

كنا داخلتين فأوقفني صوت اتصال بنغمة أعرفها جيداً

الفصل الثامن عشر

بعد وقت شعرت بيدا رائد توقفانني حتى وقفت على طولي ابتعدت عنه خارجة

من المطبخ فوصلني صوته قائلا " قمر انتظري "

قلت وأنا أخرج دون أن التفت إليه " لا تسألني عن شيء "

قال بحزم " هل سبق وعشتِ في هذا المكان هل تعرفينه ؟! "

وقفت وقلت وظهري له " بل مت هنا وسأموت مجدداً "

ثم تابعت وأنا ابتعد " حتما سأموت هنا موتتِ الأخيرة ... لماذا يا رائد لماذا "

لم يتبعني ولم يجب أو يبدوا لي لم يهتم , وصلت إحدى الغرف فتحتها ودخلت وأغلقتها

خلفي بالمفتاح , كانت مجهزة لتكون غرفة ضيوف على ما يبدوا لي , توجهت

للأريكة ونمت عليها محتضنة دميتي ودموعي لا تتوقف عن النزول

نمت قليلاً مكاني ولكن الكوابيس لم تتركني أنام سمعت بعدها صوت طرقات على

الباب ثم جاء صوت رائد قائلا " قمر افتحي الباب "

لم أجب فقال مجدداً " قمر قلت افتحيه الآن لما تسجنين نفسك "

لم أهتم له أوليت الباب ظهري وعدت للنوم بل عدت لكابوسي الدائم الهوة الكبير

التي أسقط فيها وأمد يدي للأعلى وأصرخ وعينا التنين هناك في الأعلى تنظر لي

وتضحك ضحكتها الرنانة تلك وخالي يقف فوقها ويضحك دون صوت لكن

الاختلاف هذه المرة أني رأيت رائد يقف معهما هناك وينظر لي في صمت

فصرخت باسمه كثيراً لينقذني فمد يده وأمسكت بيدي ثم شعرت بجسدي يتحرك

فتحت عيناي ووقفت مفزوعة أتنفس بقوة وكان رائد يجلس بجواري على الأريكة

نظرت له وصدري يعلوا ويهبط من شدة تنفسي وهوا جالس مكانه ينظر إلي

ثم قال " ماذا كنتي ترين في منامك ظننت أنها الحمى مجدداً لما كنتي تناديني "

أشحت بنظري عنه دون جواب ونظرت جهة الباب , يبدوا أنه فتح الباب بمفتاح آخر

وقف وتوجه ناحيتي أمسكني من ذراعاي وأجلسني على الأريكة وجلس بجواري

سكت لوقت ثم قال " هل لي أن أفهم ما يجري ؟! "

كنت على حالي أحضن دميتي ونفسي يخرج قويا ثم قلت

" لقد عشت هنا بعضا من طفولتي "

قال ونظره للأرض متكأ بمرفقيه على ركبتيه " ولما لم تخبريني سابقاً ؟! "

قلت بهدوء " لم يكن الأمر مهماً "

نظر باتجاهي وقال " ليس مهماً مع كل هذا البكاء والفزع والكوابيس !! "

أشحت بنظري بعيداً عنه في صمت فقال " مع من عشتِ هنا ؟! "

نزلت الدموع من عيناي فوراً ... أنت لا تذكر يا رائد نعم نسيت كل شيء

وصلني صوته قائلا " قمر ما الذي تخفينه عني ؟! "

قلت ببحة " لا شيء "

وقف وقال " من أين تعرفك غيداء سابقاً ؟! "

رفعت رأسي ونظرت له بصدمة ... إذا سمع ما دار بيننا يومها لذلك تغير

تصرفه معي , هززت رأسي بلا وقلت " لا أعرفها أقسم لك "

قال بحزم " ولكنك لم تتكلمي كانت تسرد ماضيك وأنتي صامتة تماماً "

قلت " لأنها فاجأتني هي لا تتحدث معي , دخلت فجأة للمطبخ في غير أوقاتها

المعتادة ألجمتني الصدمة من اتهامها لي وحين سألتها يوم حفل الخطوبة ضحكت

وقالت أن أنسى الأمر "

نظر لي في حيرة مطولاً ثم قال " عن ماذا تحدثتما قبلها وما قالت لك "

نظرت للأرض وقلت

" قالت سأنتقم منه أو شيء كهذا كانت تحدث نفسها ولم أفهم جيداً "

قبض يداه بقوة وقال من بين أسنانه " لأجل هذا إذاً "

نظرت له في حيرة فقال " ماذا عن ماضيك هل ما قالته صحيح ؟! "

بقيت أنظر له بصدمة فقال بحدة " تكلمي "

قلت " وما شأننا بالماضي نحن في الحاضر ونمضي للمستقبل "

قال بغضب " قمر سألتك سؤالا وعليك الجواب عنه "

وقفت وقلت بحدة " لا ليس لك الحق في محاسبتي عن شيء "

قال بسخرية " إذا في ماضيك ما تخفيه , كم خدعتي من رجال "

قلت ببكاء وكلمات مكتومة " وكم كان لديك أنت من نساء "

ابتسم بألم وقال " سبق وأجبتك عنه "

مسحت دموعي وقلت " وأنا كذلك "

قال وهوا يغادر الغرفة " أسوأ ما في المرأة أنها لا تجيد إلا الكذب "

انهرت على الأريكة أبكي بمرارة , لما لا يرحمني لماذا يتصرف معي هكذا ؟!

بدأت الآلام تتسرب لذراعي الأيسر أمسكته بيميني بقوة محاولة كتم تألمي وصرخاتي

كي لا يسمعني واتكأت على الأريكة أتلوى بألم , بعد وقت ارتخت جميع مفاصلي

واستسلمت للبكاء من جديد كنت أجلس على الأرض وأتكئ بذراعي على الأريكة

وكل دمعة تلحقها الأخرى دون توقف , بعد وقت وصلني صوته وهوا يقف عند

الباب " ألن يتوقف هذا البكاء إن لم تشعري بالجوع من كثرة بكاءك فأنا

جائع من كثرة نقلي للأغراض "

وقفت كالدمية تتحرك ببرمجة وعبرت الباب ونظري للأرض , توجهت للمطبخ في

صمت محاولة قدر الإمكان تجنب النظر لذاك المخزن , بدأت بإعداد بعض الأرز

بالخضار واللحم , جهزت السلطة وضعت الأطباق على الطاولة والعصير وخرجت

ذهبت للغرفة التي يرتب فيها كتبه , وقفت عند الباب وقلت " الغداء جاهز "

وغادرت من فوري ودخلت غرفة النوم وبدأت بترتيب أغراضي فيها , حمدا لله أنه

لم يجعل عرفة عينا التنين سابقاً غرفة نومنا , لاحظت أن بابها مغلق تبدوا خارج

حدود الإيجار , فتح رائد الباب وقال " ألن تتناولي الطعام ؟ "

ماذا أفعل مع هذا الرجل منذ متى يهتم إن أكلت أم لا , قلت باختصار " لا "

قال " لماذا ؟! "

تنهدت وقلت " بدأ وزني يزداد بسبب الحبوب لذلك أقلل تناول الطعام "

سكت مطولاً حتى ضننت أنه غادر ثم قال " قولي أنك لم تعودي تريدي تناولها "

قلت ببرود وأنا أرتب في الخزانة " لا يحتاج الأمر أن أتحجج إن لم أرغب بك "

وضع يده على حافة الباب وقال بحزم

" قمر كف اليد إن أراد شيئاً لا شيء يمنعه تذكري هذا جيداً "

نظرت له وقلت " وباطن القدم كذلك يا رائد فلا تنسى "

قبض يده بقوة وضرب بها على حافة الباب وقال

" لا تهدديني يا قمر إن خرجتِ من هنا فلن أطلقك ولن أرحمك أبداً "

نظرت للأرض وقلت بابتسامة سخرية " أجل فأنت ترحمني كثيراً الآن "

ثم تابعت بحزن " الشك والجفاء وتخالف الرأي أمور تكون معها الحياة

مستحيلة بين الزوجين وكلها لدينا لذلك لن ينجح الأمر "

قال ببرود " صدق من قال أنكن تتبطرن على النعيم "

نظرت له وقلت " لا تتبجح بأنك لا تضربني وافعلها في أي وقت خيرٌ لك

من تذكيري بشهامتك كل حين , افعلها لترتاح أما أنا فلن تؤثر بي قيد أنملة "

قال ببرود " لا أفكر في فعلها ولن أفعلها أبداً لكن إن

حدث ذلك فأعلمي من الآن أنك السبب "

ثم غادر من فوره وتركني أنظر لمكان وقوفه الخالي سوى من كلماته الجارحة

التي لم تغادر خلفه وبقيت مكانها , تنهدت بضيق وعدت لعملي أنهيت ترتيب

الأغراض والثياب ثم استحممت وارتديت بيجامة صفراء اللون ببنطلون قصير

حتى الركبة وقميص قصير وحمالات عريضة , سرحت شعري وجعلته ضفيرة

على الجانب الأيمن , لقد ازداد طوله وأصبح يقارب نصف الفخذ , ربطت نهاية

الضفيرة عند منتصف الشعر بشريطه صفراء وخرجت للمطبخ

كان المساء قد اقترب دخلت هناك فوجدت الطعام على حاله لم يأكل منه شيئاً

تنهدت بضيق وجمعت الأطباق ورتبت كل شيء ولم أره مطلقا , صليت العشاء ثم

أخذت الصناديق الفارغة لوضعها عند الباب الخلفي وصلت هناك فسقطت جميعها

من يدي حين وقع نظري على الباب المؤذي لسطح المنزل , كانت فتحة بدون باب

لأن الباب في الأعلى , شعرت حينها بكتمه في صدري أغمضت عيناي بشدة والدموع

تتساقط منهما بغزارة بعدما ظننت أنني جففت من الدموع ولن يبكيني شيء , بدأت

الشهقات تخرج من صدري الواحدة بعد الأخرى وشعرت بالأرض تدور تحت قدماي

فاستندت بحافة فتحة الباب , كانت عيناي مغمضتان لكني كنت أرى قمر الطفلة تصعد

الدرجات بمرح كما كانت دائماً تقفز بين كل درجة والأخرى وتغني نشيد رائد

أغمضت عيناي بشدة أكبر لتختفي تلك الصورة ولكن دون جدوى , تمسكت بالجدار

بقوة وقلت بألم " أخرجي من هنا يا قمر أخرجي أرجوك "

ثم شهقت وقلت ببكاء ونحيب " أخرجي أو موتي للأبد يا قمر أرجوك أن تفعلي إحداهما "

ثم نزلت على الجدار لأصل للأرض في بكائي المستر فشعرت بيدين تبعدانني عنه

وتحضناني بقوة فبقيت في حضنه أبكي بمرارة استنشق رائحة عطره وأمسح دموعي

في ثيابه ولا شيء يُسمع سوى شهقاتي المتتالية , بقينا على حالنا لوقت حتى نمت

على صدره وفي حضنه دون شعور ولم استيقظ إلا بعد وقت طويل لأجد نفسي

على السرير وحدي في الغرفة , جلست فوجدت دميتي بجواري وفوقها ورقة

ومكتوب فيها ( لا تطلبي الموت ألا تعلمي أن هذا يغضب الله منك )

تنهدت وغادرت السرير خرجت من الغرفة وكان رائد يجلس يشاهد التلفاز

قلت بهدوء " هل أعد لك العشاء ؟! "

نظر لي ثم للتلفاز وقال " إن كنت سآكل وحدي فلا "

توجهت للمطبخ في صمت سخنت الأرز الذي لم يأكله سابقاً وأعددت طبقا خفيفاً

آخر , جهزت الطاولة فدخل المطبخ وجلس بصمت , لففت حول الطاولة وجلست

في الكرسي المقابل للمغسلة حيث يكون المخزن خلف ظهري , أكلت لقمتين ثم

وضعت الملعقة فقال رائد وعيناه على الصحن أمامه

" ما قصتك مع هذا المخزن وذاك الباب ؟! "

لذت بالصمت فنظر لي وقال " ما يربطك بهما يا قمر ؟! "

نظرت ليدي على الطاولة وقلت بحزن " طفولتي "

عاد بنظره لصحنه وقال " وما في تلك الطفولة يبكيك هكذا "

قلت ودموعي تملأ عيناي ونظري على الطاولة " إنه الألم والشوق "

نظر لي مطولاً ثم قال " غريب كيف تتألمين منها وتشتاقي لها ذات الوقت !! "

رفعت رأسي ونظرت لعينيه مطولاً ثم أبعدت نظري عنه وقلت

" أتألم من أشياء مؤلمة كانت فيها وأشتاق لأخرى كانت تعني لي الكثير "

قال بشبه همس ونبرة غريبة " لمن تشتاقي !! "

رفعت رأسي للأعلى ونظري للسقف وقلت بدموع تجري على خداي

" نحلة تفز في الأزهار , تعـ.... تعمل تعمل ليل نهار , تحضن زهرة تو ... "

أخفضت رأسي ومسحت دموعي وقلت " لهذا أشتاق "

ثم وقفت مغادرة وعدت للغرفة ارتميت على السرير أواصل بكائي , لم تتذكر ولن

تتذكر أبداً يا رائد , لماذا أنا أذكره وهوا ينسى وأنا كنت اصغر منه سناً نعم لأني لم

أكن أهمه ومؤكد يتذكر ضوء القمر لأنه قاسى بسببها كما أتذكر أنا معاناتي ونسي

هوا تلك الأيام لأنه لم يقاسي مثلي , بكيت لوقت طويل ثم نمت واستيقظت بعد وقت

مفزوعة من كوابيسي ... مسحت على وجهي وتنهدت بضيق ثم وقفت فسمعت صوت

أذان الفجر يعلوا في الأجواء فصليت الفجر ثم جلست أقرأ كتاب الله لوقت حتى غلبني

النعاس مجدداً ونمت والمصحف في حضني واستيقظت بعد وقت خرجت من الغرفة

وكان رائد في سجنه الجديد ... المكتب , تنهدت بضيق واقتربت من الباب لأساله

إن كان يريد الإفطار فسمعت جرس الباب يقرع بقرعات متتالية فخرج من المكتب

ونظر لي في صمت ثم خرج ليرى من هناك , كان صوته يتحدث مع أحدهم ثم

دخلت مريم وهوا يتبعها , كنت أعلم بقدومها في أي لحظة لكنني تفاجأت بها وهي

تسرع نحوي واحتضنتني تبكي , من صدمتي نسيت كل ما قالته سابقاً عن اتفاقها

مع زوجها , أبعدتها عن حضني وقلت بخوف

" مريم ما بك هل أيوب به مكروه أم أحد أبنائك ؟! تكلمي "

عادت لاحتضاني وكانت تضحك أو تبكي لا افهم !! نظرت جهة رائد فكان ينظر

لنا بحيرة وضياع , أدخلتها معي للغرفة وأغلقت الباب خلفي فجلست على السرير
وقالت بضحكة منخفضة " يالك من ممثلة بارعة يا قمر "

أخذت زجاجة العطر ورميتها بها وقلت بغضب

" لقد صدقتك فعلاً يا حمقاء لقد أفزعتني "

سمعنا طرقا على الباب الغرفة فقالت " أخرجي له هيا "

قلت " ما سأقول له "

قالت " قولي أني وأيوب متشاجران والمشكلة تبدوا كبيرة جداً هيا بسرعة "

خرجت وأغلقت الباب خلفي كان ينظر لي بتوجس وخوف , مريم يالك من محتالة , قال من فوره " ما بها ... ما قالت لك ؟! "

تنهدت وقلت " يبدوا تشاجرت مع زوجها والأمر معقد جداً "

قال " ماذا حدث بينهما ؟! "

رفعت كتفاي وقلت " لا أعلم لم تخبرني "

قال " سأتصل بأيوب لأفهم منه "

قلت من فوري " دعنا نفهم منها أولاً "

عدت للغرفة وقلت لها " قال سيتصل بأيوب "

قالت بابتسامة " لا بأس فنحن متفقان على الأمر "

قلت " مريم ما الذي تخططين له وكيف تتركين أبنائك وحدهم "

قالت بابتسامة جانبية " كما أخبرتك إما أن نصلحه أو نقتله "

هززت رأسي بيأس وقلت " لن تنجحي في هذا ولن أجني سوى المشاكل " قالت بابتسامة " لنجرب ولن نخسر شيئاً "

قلت مغادرة جهة الباب " أصلحيه إن استطعتِ أما تقتليه فارفعيها من رأسك "

خرجت فوجدته يقف مكانه , لو يعلم فقط أنها تخدعه لقتلها وقتلني دون رحمة

قال بحيرة " هل فهمتِ منها شيئاً "

هززت رأسي بلا وقلت " اتصل بزوجها وأفهم منه "

قال مغادراً " حسناً وابقي بقربها "

ثم التفت نحوي نظر لثيابي وقال " غيري هذه لا تبقي بها أمامها "

فتحت ذراعاي وقلت بتذمر " رائد ما هذا بحق الله , ثم هي امرأة مثلي وشقيقتك فما في الأمر "

قال بضيق " قلت تغيريها يعني تغيريها فيبدوا لي لا أخطر على حياتي من شقيقتي "

عدت للغرفة وأغلقت الباب خلفي بقوة ووقفت واضعة يداي وسط جسدي بضيق

فضحكت وقالت " ما بك ؟! "

توجهت للخزانة أخرجت فستاناً طويلاً أبيض اللون ومشجر الأطراف بكمان

يصلان حد المرفقين ثم يتسعان بنصف دائرة , رميته على الأرض بقوة وقلت

" أوامر شقيقك الجديدة "

أغلقت فمها بيدها وضحكت كثيراً فقلت بضيق " مريم يبدوا لي حالي يعجبك "

وقفت وتوجهت نحوي وقالت " أقسم أن شقيقي ذاك قد فقد عقله " ثم رفعت الفستان عن الأرض وقالت " البسيه هيا وستري ما سنفعله "

أخذته منها لبسته وعدت لها فقالت

" أقسم أن يمزقه من عليك هذا أجمل من السابقة التي كنتي ترتدي "

ثم أمسكت يدي وقالت " تعالي لنرى "

أجلستني على الكرسي فتحت ضفيرة شعري ومشطته وجمعته كله للأمام وربطته

بشريطه خضراء أماماً ثم رفعت وجهي بأصابع يدها وقالت

" لا تحتاجين لشيء ما شاء الله بعض الحمرة عند الخدين وكحل بسيط للعينين الجميلتين "

تنهدت وقلت " مريم ما سيقول شقيقك وأنتي تبكي عندي وأنا أتزين "

ضحكت وقالت " لن يقول شيئاً هيا قفي وانظري لنفسك "

وقفت أمام المرآة كان الفستان منسابا على جسدي يرسمه رسما ومفتوح عند الأطراف

السفلية , خداي كانا وكأني مستيقظة من النوم الآن والكحل خفيفاً أبرز عيناي أكثر دون أن يظهر أنهما مكتحلتان , ألبستني سواراً خفيفاً من الكريستال الأخضر اللون

تتدلى منه عقيقتان بيضاوان ثم دفعتني جهة الباب وقالت

" هيا أخرجي له وقولي أنني أصبحت بخير وأضحك معك أيضاً "

خرجت بقلة حيلة تاركة مصيري بين يديها , لو هناك من سيدمر ما تبقى من هذا

الزواج فسيكون مريم , لم يكن رائد موجوداً في الخارج سمعت صوته يتحدث عبر

الهاتف في مكتبه والباب مفتوح فتوجهت إلى هناك ودخلت , كان يقف جهة رفوف

المكتبة وما أن دخلت حتى نظر باتجاهي وبقت عيناه معلقتان بي تتنقل بين وجهي

وفستاني فشتتتُ نظري بعيداً عنه , أنهى مكالمته فقلت من فوري وعيناي أرضاً

" لقد أصبحت أفضل الآن هل أخبرك أيوب ما حدث بينهما "

عم الصمت وطال ولم يجب فرفعت عيناي له فكان على حاله ثم توجه من حينها

للمكتب وقال موليا ظهره لي " قال تشاجرا وخرجت من البيت ويبدوا هوا غاضب

منها أيضاً وهذا ما سيعقد الأمر أكثر "

تنهدت وقلت " أتمنى أن لا يتهورا في الأمر فبينهما أطفال "

التفت ناحيتي يود قول شيء فعلق نظره على السوار في يدي لأني كنت أبعد شعري

خلف أذني قبل أن يلتفت فاقترب مني حتى وقف أمامي ولعب بالعقيقتين فيه بأصبعه وقال بهمس " قلت غيري ملابسك وليس تزيني أكثر "

أنزلت يدي للأسفل وقلت وعيناي في عينيه " فستان وطويل وبأكمام أيضاً فما الخطأ بي "

اقترب حتى صارت أنفاسه تلفح وجهي بقوة ومرر أصابعه على خدي وقال

" وخدان متوردان وعينان سوداوان أكثر وشعر حريري يلامس نصف الفخذين "

ثم نظر لشفتاي مطولاً ومرر أصبعه عليهما وقال هامساً

" وشفتان زهريتان فما بقي بعد "

كنت أنصهر انصهاراً من لمسته وكأني تمثال جليدي أشعلوا في وسطه ناراً , خلل

أصابعه في شعري وقرب وجهي إليه حتى تلامست شفتينا فأغمضت عيناي من

شدة ما اعتراني فسمعنا صوت باب غرفة النوم يفتح , ابتعدت عنه فكانت

مريم أسرع منا وقفت عند الباب وقالت

" عذرا يبدوا أني جئت في وقت سيء جداً آسفة الباب كان مفتوحاً هوا خطأكما إذا "

نظر للسقف ثم أدار رأسه وتوجه ناحية رف المكتبة وهوا يقول

" ولما كل هذا الموشح من المبررات النتيجة واحدة أنك أفسدتِ الأمر "

ضحكت مريم وقالت " عليكما استحمال وجودي قليلاً "

أخذ كتابا من الرف ثم خرج واقتربت هي مني وقفت بجانبيي وضربتني على

ظهري بخفة وقالت " ها ما رأيك في النتيجة "

تنهدت وقلت " نتيجة معذبة للغاية هل جئتِ لتصلحيه أم لتقتليني يا مريم "

ضحكت وقالت " لم نفعل شيء حتى الآن "

خرجت وهي تتبعني وأنا أقول " ما فعلته يكفي أنتي لا تعلمي ما صنعته بي "

عدنا لغرفتي التفتت ناحيتها وقلت " لما لم يتحدث رائد معك بشأن خلافكم الوهمي "

ضحكت وقالت " اتصل بي أيوب قبل قليل وقال أن رائد اتصل به فأخبره أن

لا يتحدث معي وأن يأخذ كل واحد منا وقتا لتجميع أفكارنا هههه ومثل عليه

أنه غاضب مني أيضاً "

نظرت لها بنصف عين وقلت بضيق " أخبرني رائد أنه غاضب منك كان قلقا جداً من الأمر , مريم لا تنسي أنه شقيقك ولا يحتمل فيك شيئاً "

ضحكت وقالت " يبدوا أنتي التي لا تحتمل فيه شيئاً "

تنهدت وقلت " هيا دعينا نعد شيئاً لنأكله "

خرجنا للمطبخ ومر بنا اليوم نتحدث ونضحك ولم يعد رائد للمنزل واتصل بمريم ليخبرها

أنه سيتناول الغذاء في الخارج ولم يكلف نفسه عناء أن يتصل بي أنا ليخبرني بدلاً منها

كنا جالستان في الصالة نشاهد التلفاز لكن عيناي لم تكونا معلقتان به بل في الأرض وفكري

في بلاد أخرى حتى أيقظني صوت مريم قائلة " هيه قمر أين وصلت بك الأفكار ؟! "

تنهدت وقلت " لا اعلم أين "

قالت بضحكة " مَن تعني ... رائد عند صديقه "

قلت بضيق " مريم لا تمضي الوقت بالتسلي بي "

قالت بنصف عين " أنكري الآن أنك كنتي تفكرين به "

قلت بحزن ونظري للأرض " لا أعلم لما يحب الهروب مني , يسجن نفسه دائماً

بعيداً عني ويخرج ولا يعود وإن تقابلنا تشاجرنا فوراً "

قالت " هكذا هوا رائد يهرب دائماً , إن أحس بالضياع هرب وإن كره هرب

وإن حزن أو غضب هرب "

وضعت يدي على خدي وقلت بضيق " ولما نصيبي أنا هكذا أحب رجلا إن غضب من أحد لام الجميع وإن جُرح لا ينسى جرحه أبداً ولا يغفر دون أسباب وإن تعقدت

لديه الأمور لاذ بالفرار "

ثم تنهدت وقلت بحزن " ولما هرب الآن إذاً لابد كرها "

قالت بابتسامة " بل هروبا منك تحديداً "

هززت رأسي بلا وقلت " يبدوا لي لا تفهمين شقيقك أبداً "

تجاهلت ما قلت وقالت بحماس " هيا أذهبي وغيري ملابسك ولا تنسي ما اتفقنا عليه "

قلت معترضة " لا ... أنا لست مقتنعة بهذا ما سيفكر بي "

قالت بتذمر " قمر يا بلهاء أنتي زوجته كيف تفكرين هكذا "

أشحت بنظري عنها في صمت فوقفت وسحبتني من يدي قائلة

" قومي هيا بسرعة فقد يأتي في أي لحظة "

تأففت ووقفت دخلت الغرفة ورفعت القميص من على السرير , كيف تريدني أن ألبس

هذا حتى بنات الليل يخجلن منه أي قميص نوم هذا , تنهدت ولبسته ووضعت كمية

كبيرة من العطر وأحمر شفاه دمي قاتم ورسمت عيناي بالأسود الثقيل ووضعت ظلا

بسيطا أسود اللون فوق العين كما طلبت , وقفت أمام المرآة ونظرت لجسدي الشبه

عاري تماماً , كان قميصا أسوداً شفافاً وقصيراً جداً لا يستر شيء من شيء لكنه

مبهر على جسدي , فردت شعري للأمام فأخفى أغلب جسدي , هكذا أفضل ولكن

مريم الخبيثة فكرت حتى في هذه وسترفع لي شعري , لا أعلم أي ليلة تنتظرني

الليلة ... أجزم أنها ستكون الأخيرة لي هنا بمشكلة كبيرة معه , ارتديت قميصا

حريريا طويلاً ليستر جسدي أمامها كما خططت وربطت حزامه من الأمام وخرجت

لها فسحبتني من يدي عائدة بي للغرفة أجلستني على الكرسي ومشطت شعري للأعلى

وجمعت جزء منه بلفات متداخلة وثبتتها بمشابك الشعر وأنزلت منه خصلات بسيطة

قامت بلفها بشكل لفات كما مع باقي الشعر المجموع للأعلى لتتدلى اللفات على كتفي

وجمعت غرتي جانبا لتمسكها فقلت " هذه لا " قالت بحيرة " ولما !! ستكون بعيدة أفضل "

قلت بابتسامة سخرية " أحد أوامر شقيقك "

ضحكت وقالت " أنا أعرف رائد جيداً منذ صغره يحب الغرة المقصوصة هكذا مثلك "

رفعت رأسي ونظرت لها وقلت " لماذا يحبها في صغره "

رفعت كتفيها وقالت " أذكر أنه كان يقول صديقتي الصغيرة غرتها هكذا وكان يتحدث

عنها كثيراً يبدوا لي لا توجد إلا في مخيلته فأنا لم أره يلعب يوماً في الشارع مع فتاة

ولم يكن يخرج كثيراً وأغلب وقته يقضيه في سطح المنزل مع منظاره وعش الحمام "

نزلت من عيناي دمعتان فأنزلت راسي كي لا تراهما وقلت

" إن كان حين كبر توقف عن الحديث عنها تكون من خياله فقط "

قالت بعد صمت " نعم لم يعد يتحدث عنها لاحقاً "

أجل نسيني تماماً لماذا إن كان يتحدث عني دائماً في صغره لماذا نسيتني يا رائد ؟!

يبدوا لي عقله مسح كل شيء يخص هذا المكان بعد تلك الحادثة التي طردوه فيها

أنهت تجهيز شعري وأمسكت غرتي جانباً بمشبك كريستالي أحمر اللون كما أرادت

وخرجنا لنجلس حيث كنا نشاهد التلفاز وأطفأنا الأنوار فلم يبقى سوى ضوءه فقط

بعد وقت فتح رائد الباب ودخل نظر لنا مطولاً في صمت ثم قال " مساء الخير "

تنهدت مريم بضيق وقالت " مساء الخير "

يالك من ممثلة يا مريم لا تختلفين عن شقيقك أبداً , اقترب منا جلس على الكرسي

فقالت مريم " هل تناولت عشائك ؟! "

ولم أتحدث أنا طبعاً ونظري على التلفاز دون حراك حسب مخططها , نظر باتجاهي

مطولاً ثم قال " لا رغبة لي في الأكل "

انتقل نظره من وجهي لساقي التي كانت تظهر من بين أطراف القميص الحريري وأنا

أراقبه خلسة , رفع نظره لمريم وقال " ألن تتحدثي وزوجك في الأمر ما الذي أغضبه منك "

نظرتْ للتلفاز وقالت ببرود " قل ما أغضبني أنا أم أنك في صفه "
لعب بمفاتيحه قليلا بين يديه ثم قال " لست في صف أي منكما مادمت لم أعلم ما حدث "

حركتُ حينها ساقي لتظهر بوضوح أكبر فنظر لها مباشرة ثم وقف وقال

" قمر اتبعيني "

دخل غرفة النوم ونظرت جهة مريم فغمزت لي وقالت هامسة

" لا تنسي ما اتفقنا عليه "

تنهدت بقلة حيلة ووقفت , قد تنجح مريم وتصلح الأمور وأعيش معه ولو يوماً

سعيدا وأحداً قبل أن أموت , دخلت الغرفة وأغلقت الباب , نظر لي من أعلى

لأسفل ثم قال " ما ترتدين تحت القميص ؟! "

قلت ببرود " قميص نوم "

بقي ينظر لي مطولاً باستغراب فقلت " شقيقتك لاحظت قمصان النوم لدي كلها جديدة وبدأت بطرح أسئلة لم أجد لها جواباً فارتديت وأحداً وأخفيته بهذا القميص الحريري "

قال بعد صمت " دعيني أراه "

قلت بحدة " هل تضنني أكذب عليك لتتأكد أم ماذا "

قال بغيض " ومن قال أني أشك في صدقك "

قلت بحدة أكبر " ما معنى ما طلبته إذا "

خرج من الغرفة مغتاظاً ودخل مكتبه وضرب بابه بقوة , عدت حيث مريم وجلست أتأفف بضيق فضحكت وقالت بهمس " ماذا حدث معك يبدوا بركانا سيتفجر " احتضنت وسادة الأريكة بغيض وقلت " لا اعلم كيف لا أكرهه " قالت: هل تشاجرتما"
قلت بضيق " طلب أن يرى القميص علي "

ضحكت وقالت " وهل رآه "

قلت " لا كما اتفقنا "

قالت " جيد سيعود بعد قليل "

قلت بسخرية " يالك من واهمة إن غادر صومعته قبل الصباح فواجهيني "

قالت بابتسامة " لن يكون طبيعياً إن لم يفعل ما قلت وستري بعينيك "

قامت بتغيير المحطة لمسرحية وقالت " سنضحك عليها ولو مرغمتين "

ضحكت وقلت " مريم من أين لك كل هذا الجنون "

قالت بتذمر " عليه أن يعلم أنك لم تبالي له يجب أن يصله صوت ضحكاتك هناك "

قلت بهدوء " أمري لله سأضحك كاذبة أيضاً "
ولكننا فعلاً انسجمنا مع المسرحية وأصبحت ضحكاتنا تعلوا لا إرادياً , بعد وقت

خرج رائد نظر لنا مطولاً ثم للتلفاز ثم توجه لغرفة النوم وقال عند دخوله لها

" قمر "

ثم دخل فضحكت مريم ووكزتني لأذهب له , دخلت الغرفة وأغلقت الباب خلفي

فاقترب مني في صمت وأمسك حزام القميص وفتحه ببطء لينكشف كل شيء يخفيه تحته وقد تاهت عيناه فيما ظهر من جسدي ثم رفع يديه لأكتاف القميص ليزيله فقلت وأنا أشده على جسدي " لا "
ابعد يديه وتراجع خطوتين ثم نظر لي مطولاً وقال

" مؤكد تعلمي أنك ستباتين الليلة ملعونة لرفضك لي "

أشحت بنظري عنه وأنا أمسك القميص حول جسدي بقوة لأستره به وقلت " ومؤكد لم تنسى أنك قلت لن يحدث شيء بيننا إلا بموافقتي "

قال بحدة " وتتبعين كلامي أم كلام الله ورسوله "

نظرت له وقلت بحدة " ولا تنسى أنه قال وعاشروهن بالمعروف "

قال بغيض " قمر أنا لا أريد أن أجبرك على هذا وآخذ حقي وكأني أغتصبك "

أشحت بنظري عنه وقلت " وأنا لا يمكنني أن أكون جارية في الليل وخادمة في النهار عاشقة بين أحضانك ليلا ومتنفسا لغضبك باقي الأوقات , أنا بشر ولست آلة "

خرج وضرب باب الغرفة خلفه بقوة , تنهدت بضيق وجلست على السرير , أعلم

أن هذه الليلة لن ترى شمس الصباح وأستغرب أنه لم يضربني حتى الآن وأستغرب حتى أنه عاد للغرفة مجدداً , عدت للخرج ووقفت عند مريم فقالت

" في المرة القادمة لا تمنعيه عنك "

قلت بضيق " لن تكون هناك قادمة ثم أنا لا أريد حقاً "

قالت " قمر هذا حقه وستحاسبين عليه فهمتي "

لذت بالصمت متضايقة فقالت

" كنت أخشى أن يترك المنزل ليرجع بعدها مكتفيا ولن يأبه بك "
نظرت لها بصدمة وقلت " ما تعني بهذا ؟! "

قالت " أعني ما فهمته جيداً فالرجل إن رفضته المرأة أفرغ ما يكبته عند غيرها

بالحلال أو الحرام والشيطان سيستغل ضعفه حينها لذلك أمرنا الله أن لا نرفضهم

تحت أي ظرف كان فلا تسلمي زوجك لغيرك يا قمر وأعطه حقه متى طلبه "

جلست أتنهد بضيق , لا استطيع أن أقول أن الله ظلمنا في هذا لأنه لا يظلم أبداً بعد وقت خرج ووقف عندنا وقال موجهاً حديثه لمريم " أراك تضحكين كثيراً

وكأنك استحليتِ شجارك مع زوجك وبعد أبنائك عنك , هذه ليست عادتك "

قالت بلامبالاة " ولما أغتم وهوا المخطئ ويرى أني على خطأ , لن أبكي عليه

لأنه سيرجع من تلقاء نفسه , أنتم الرجال لا يعطى لكم وجه فما أن تشعرون

بضعف المرأة حتى تتجبرون عليها "

قال بسخرية " كم أخشى من احتكاك زوجتي الدائم بك "

قالت بعد ضحكة " اعزلها عني إذاً "

قال ببرود " هل تعلمي ما أسوء ثلاث أشاء دخلت حياتي مؤخراً "

قالت بابتسامة " أعلم .... أنا وقمر وغيداء "

قال مغادراً " الثالثة أخطاتي فيها "

ثم توجه جهة غرفة النوم ودخلها وترك بابها مفتوحا ثم قال بصوت مرتفع

" قمر تعالي "

نظرت لها فضحكت بصمت ثم قالت " هيا اذهبي إليه "

تنهدت بضيق ثم قلت " وما قصة الثلاث أشياء هذه التي يذكرها دائماً "

قالت بابتسامة " هي مقولة رائد المشهورة يضع ابغض وأسوء الأشياء لديه في

ثلاث أمور أحدها شيء ثابت دائماً وسؤاله هذه المرة أوقعه لأنه غفل أني أعلم

ما يكون الشيء الثالث "

تنهدتُ بضيق فقالت " هيا اذهبي إليه فلا نريد اختبار صبره "

وقفت وتوجهت للغرفة دخلت وأغلقت الباب خلفي كان واقفاً ويديه في جيوبه

نظر لي مطولاً ونظري للأرض ثم قال " ما الذي يغضبك مني ؟! "

نظرت له وقلت " انظر كم مرة تشاجرنا فعن أيها تسأل "

اقترب ووقف أمامي وقال

" كنا نتشاجر دائماً بدون هذا الموقف السلبي مني ليلاً فما الأمر "

أشحت بنظري عنه في صمت فقال " لم تَردي عليا التحية وقت دخولي ولم تسأليني

حتى إن كنت أحتاج عشاء هل تلاحظ مريم فقط لباسك وتلك الأمور لا "

نعم ذكائك يعرف متى يتحرك , مسحت على خدي بظهر أصابعي وقلت

" واتصالك بها هي لتخبرها أنك لن تكون موجوداً على

غداء متجاهلاً لي أليس أمراً تلحظه أيضاً "

أمسك يدي أبعدها عن خدي وقال " لأجل هذا إذا "

نظرت لعينيه وقلت " أنا زوجتك وأنا من كان يفترض بك أن تتصل بي لتخبرني

أنت لا تعلم كم أهنتني أمام شقيقتك , لما تتجاهلني يا رائد لماذا ؟! "

قال ويده على خدي يمسحه بإبهامه " لأني لم أكن أريد حينها أن أسمع صوتك "

قلت ودموعي نزلت من عيناي مارة على إبهام يده

" ألهذا الحد تكرهني ولا تريد سماع صوتي "

رفع رأسه للأعلى ويده تمسح الدموع من خدي ونظره للسقف وقال

" فهمك خاطئ ... خاطئ يا قمر "

قلت ونظري عليه " ولما إذاً فسر لي الأمر ؟! "

عاد بنظره لوجهي أمسك بالمشبك الممسك لغرتي نزعه دون أن يفتحه ورماه ليسقط

على الطاولة وقال وهو يعيد غرتي لجبيني بأصابعه " ألم أقل لك أني أحبها هكذا "

بقي نظري معلق به دون كلام فأمسك وجهي بيده وقال

" أنا آسف لأني لم أتصل بك ولن يتكرر ذلك حسناً "

نظرت للأرض في صمت فقال " قمر أنا لم أعتذر احتيالاً عليك لآخذ منك ما أريد

تأكدي من ذلك وأخبرتك أني لا أريد إجبارك على هذا مكرهة و.... "

بتر كلماته حين فتحت حزام القميص وأزلته عن جسدي ببطء ليسقط أرضاً ثم أمسكت

ذراعي الأيمن بيدي اليسره ورأسي للأسفل , بقي صامتاً لوقت دون حراك ويبدوا كله

من أجل تأملي لأني لم أكن أرى وجهه ثم رفع وجهي بأصابعه من ذقني ودون مقدمات

بأي كلمة قبلني تلك القبلة المجنونة كالتي منذ أيام في منزل والده , القبلة التي أدمت شفتاي وظننت أنها عقاباً منه فهذه ما ستكون إذاً !! سحبني بعدها للسرير لننام معاً

الليلة الأولى لنا هنا , عند الصباح تسللت من السرير بهدوء على رؤوس أصابعي

ونظرت لقميصي النوم المرميان على الأرض ثم للقميص الأحمر الذي كنت أرتدي

ثم نظرت له فكانت عيناه مغمضتان , تسحبت ببطء لأتوجه للحمام ففتح عيناً واحدة

نظر لي ثم أغمضها ومد يده وقال " تعالي "

ضربت بقدمي على الأرض عدة مرات غضباً ودون صوت ثم عدت للسرير فسحبني

لحظنه في صمت وبعدما عاد للنوم توجهت فوراً للحمام استحممت وخرجت

ارتديت فستاناً أسود اللون يصل لنصف الساق بأكمام قصيرة وشرائط وردية

مربوطة عند الأكمام والأطراف السفلية له , مشطت شعري دون تجفيفه خشية

أن يستيقظ هذا الجبل على صوت مجفف الشعر وأجد نفسي بقميص نوم رابع

وحمام جديد , خرجت بعدها من الغرفة ووجدت مريم خارجة من غرفتها ضحكتْ ما أن رأتني وقالت " مساء الخير ما كل هذا النوم "

نظرت لجهة المطبخ بضيق ولم أتحدث فعادت للضحك من جديد فقلت

" مريم هل جئتِ فعلاً لتصلحي الأمور بيننا أم لتتسلي بي يا

حمقاء .... كاد يقتلني بسببك "

قالت ضاحكة " لا نتائج مرضية على ما يبدوا "

قلت متوجهة جهة المطبخ " اعتذر مني عن أحد أخطائه وللمرة الأولى "

قالت وهي تدخل خلفي " جيد رأيت بعينك الآن وسننتقل للجزء الثاني من الخطة "

نظرت لها وقلت بتهديد " من دون قمصان نوم هذه المرة "
ضحكت وقالت " لن تتخلصي منها بعد اليوم لقد فتحنا عينه عليها , هيا لنجهز فطورنا المتأخر "

كنا داخلتين فأوقفني صوت اتصال بنغمة أعرفها جيداً

يتبع ...
 
الفصل التاسع عشر + الفصل الـعشرون + الـفصل الواحـد و العـشرون

استيقظت وجلست أحرك رقبتي يمينا ويسارا ثم نظرت جانباً , لقد خرجت من

الغرفة يبدوا أنها تنتظر الصباح بفارغ الصبر لتهرب مني , وقفت أتكاسل ثم

توجهت جهة الحمام ثم غيرت رأيي وعدت جهة المرآة نظرت لوجهي وعدلت

شعري بأصابعي , شعري ليس أجعدا ولكنه يصبح حكاية إن نمت كثيراً

خرجت من الغرفة وتوجهت حيث كانت تصدر أصواتهم من المطبخ , سمعت

بكاء قمر ومريم تهدئها محاولة إسكاتها , يبدوا يضنان أنني في الحمام الآن ولن

أخرج هذا الوقت , اقتربت من الباب وقفت أمامه وقلت

" من المفترض أن مريم من يبكي وأنتي تواسينها وليس العكس "

نظرت مريم باتجاهي وقالت بضيق " هذا عوض أن تأتي أنت لإسكاتها "

قلت بضيق أكبر " بقي أن تحطم أدوات المطبخ أيضاً فهي تندم على ذلك دائماً "

وقفت قمر ودخلت المخزن ولم نعد نستمع سوى لصوت شهقاتها وعبراتها المكتومة

أمسكت مريم بيدي وسحبتني معها خارج المطبخ ثم قالت هامسة بغيض

" رائد هل جننت ألا مشاعر لديك تراها تبكي بشدة أمامك وتزيدها بكاء على بكائها "

قلت بحدة " هل لك أن تخبريني ما يبكيها بعد خروجها من عندي "

قالت بغيض " أحمق ومعتوه ولست تقدر قيمة ما لديك وسأذكرك بهذا يوماً "

قلت بغضب " نعم هذا ما تفلحين فيه إلقاء اللوم علي , قولي ما

أبكاها إن كنتي تتجرئين على قوله "

قالت بصراخ غاضب " كانت تــ ...... "

خرجت حينها قمر قائلة " توقفي يا مريم "

بترت مريم كلمتها والتفتت لقمر التي تخطتنا ودخلت الغرفة وأغلقت بابها خلفها

نظرت لمريم وقلت " ماذا هناك ؟! ما الذي كنتي ستقولينه "

أشاحت بنظرها عني غاضبة وقالت
" لن أقول مادامت لا تريد اذهب إليها واسألها بنفسك "

تركتها ودخلت الغرفة وجدتها جالسة على الأرض متكئة على حافة السرير وتمسك

يدها اليسرى وتضربها على خشب السرير من الألم وتكتم صرخاتها , ركضت مسرعاً

باتجاهها أمسكت كتفيها لتبتعد وقلت

" قمر ما بك !! ما كل هذا الألم لما تضربين يدك .... قمر توقفي عن هذا "

لكنها لم تجب بل ابتعدت عني واقفة تمسك يدها وقالت ببكاء

" ابتعد عني ما تريد بي بعد "

بقيت أنظر لها في صمت فأولتني ظهرها واقتربت من الجدار اتكأت بجبينها عليه

تضغط بيمينها على ذراعها الأيسر بقوة وتخرج منها آهة مكتومة دليل الألم الشديد

اقتربت منها فقالت " اتركني وشأني يا رائد لا تلمسني أتــ آآآآآآآآآآآآآآآآه "

ثم نزلت على الأرض والآلام تزداد معها أكثر ركضت لها في خطوة واحدة نزلت

عندها , حملتها بين ذراعاي ووضعتها على السرير أخرجت عباءتها من الخزانة

وتوجهت ناحيتها وجلست على السرير وقلت

" سوف آخذك للمستشفى هيا لترتدي عباءتك "

قالت بتألم " لا ... لا أريد سيخف الألم بعد قليل "

قلت بحدة ممسكا يدها وأسحبها نحوي " أنا لا آخذ رأيك لن تبقي تتألمي هكذا "

سحبت يدها من يدي وابتعدت حتى طرف السرير خبأت وجهها في الوسادة وقالت

" لقد زال الألم لا أريد الذهاب لن يفعلوا لي شيئاً وأخبرتك مرارا لا أحتاج لشفقتك "

وقفت وقلت بغضب " الحق علي لا أريدك أن تتألمي هكذا لن أفعلها ثانيتا آسف مولاتي "

ثم خرجت من الغرفة فقابلتني مريم قائلة بخوف " ما بكما ما كل هذا الصراخ "

تركتها وخرجت من المنزل وقفت في الخارج أتأفف بضيق ثم أخرجت هاتفي واتصلت

بمريم فأجابت من فورها فقلت " مريم أين أنتي الآن ؟! "

قالت " في منزلك أين سأكون "

قلت بضيق " أعلم أنك في منزلي في أي مكان منه الآن "

قالت " في الصالة ماذا بك !! "

قلت " هل خرجت قمر ؟! هل رأيتها "

قالت بقلق " لا ولم ادخل لها للغرفة "

قلت " ادخلي وكوني بجانبها واتصلي بي إن حدث شيء

ولا تخبريها أني من طلب هذا "

قالت باختصار " حسناً "

وأغلقت الخط , غادرت بالسيارة وقضيت وقتا طويلاً في الخارج جربت الاتصال

بمريم ولكنها لا تجيب فكرت أن اتصل بقمر لكني تراجعت أعلم كم اضعف أمام

صوتها في الهاتف ثم هي ستلقي عليا سهامها المسمومة فعدت للمنزل دخلت وتوجهت

لغرفة الجلوس حيث كانتا هناك وقفت عند الباب فكانت قمر تخفي وجهها وتبكي

وهاتفها في حجرها ومريم تجلس بجانبها وتقول " يكفي يا قمر من أين تجدين كل

هذه الدموع لو كنتي بحراً لجف منذ وقت أحمدي الله أنه لم يمت "

قلت بهدوء " مريم "

التفتت إليا بسرعة وقالت " متى عدت !! "

خرجت من الغرفة قائلا " تعالي "

خرجتْ خلفي واقتربت مني فقلت " ماذا هناك ما بها ؟! "

قالت ببرود " لما لا تسألها بنفسك أم لا لسان لديك "

قلت بضيق " مريم سألت سؤالا تجيبين عنه "

قالت بضيق أكبر " أقسم إن كان الأمر بيدي لأخذتها من هنا وتركتك تعيش

وحيداً فأنت لا تعرف كيف تعيش إلا وحدك يا رائد "

بقيت انظر لها في صمت فخفضت بصرها للأرض وقالت بهدوء

" آسفة لم أقصد "

ثم قالت ونظرها جانباً " ابن عمتها الصغير صدمته سيارة وحالته حرجة

وأنت تعلم هم في الخارج وهي قلقة عليه "

قلت بهدوء " من أخبرها ومتى ؟! "

قالت " ابنة عمتها اتصلت بها في نوبة بكاء صباح اليوم عندما

خرجت من غرفتكما وأخبرتها "

قلت بحدة " ولما يخبروها ألا يعلمون بحالتها "

نظرت لي وقالت بذات الحدة " أراك تخاف على نفسيتها كثيراً ذكر نفسك قبلهم

بذلك هي سمعت الخبر قبل خروجك بوقت ولم تتألم إلا بعد كلماتك المسمومة تلك "

غادرتها مغتاظا فأمسكت بيدي وقالت بغضب " أين تذهب عد لزوجتك فوراً وكن معها "

نظرت لها باستنكار فقالت بحدة " رائد هي تحتاجك الآن أكثر من أي وقت "

نظرت للجانب الآخر وقلت ببرود " لن يزداد الأمر إلا سوءً فدعيني أذهب أفضل لها "

قالت بأمر " تدخل لها حالاً ثم الأمر بيدك تفسده أكثر أو تصلحه "

ثم سحبتني حتى الباب ودفعتني لداخل الغرفة وغادرت , كانت قمر على حالها تخفي

وجهها بذراعها متكئة بمسند الأريكة وتبكي دون توقف , اقتربت منها جلست

بجوارها وقلت بهدوء " كيف حالته الآن هل اتصلتِ بهم ؟! "

لم تجب ولم توقف بكائها ولم تتحرك , أخرجت هاتفي واتصلت بزوج عمتها

فأجاب بعد وقت قائلاً " مرحباً يا رائد "

قلت " مرحباً سيد شاهد وحمداً لله لسلامة مؤمن كيف هوا الآن "

قال بصوت حزين " أفضل من الصباح وقد أدخلوه غرفة

العمليات مجدداً وها نحن ننتظر "

تنهدت بحزن وقلت " أسأل الله له العافية يبدوا الحادث قويا "

قال " كانت شاحنة صغيرة ولكنها غير مسرعة لكان

مات من فوره .... كيف هي قمر ؟! "

نظرت جهتها وقلت " تبكي منذ الصباح ما كان عليكم إخبارها حتى

تتحسن حالته تعلم أنها ..... "

وقفت حينها قمر لتغادر فأمسكت يدها موقفا لها وعيناي أرضاً فقال

" نوران فعلت ذلك دون علمنا , كانت مع مؤمن وقت الحادث ولم تستطع

الاتصال بنا فاتصلت بقمر لتتصل بنا وما كنا لنخبرها ونحن نعلم أننا بعيدون

عنها وستقلق عليه وقد تمرض "

تنهدت وقلت " حمدا لله أنه على قيد الحياة سأكون على اتصال بك لاطمأن عليه "

قال " شكراً لك يا رائدة واعتني بقمر جيداً أرجوك "

قلت بهدوء " كن مطمئناً "

قال بقلق " هي أمانتك يا رائد عمتها منشغل بالها عليها كثيراً لتكن في عينك "

نظرت لها وهي مشيحة بوجهها عني ويدها في يدي ثم نظرت للفراغ وقلت

" لا تخف عليها وداعاً الآن "

أغلقت الخط وأعدت الهاتف لجيبي سحبتها لتجلس بجواري ودسست وجهها

في حضني أمسح على شعرها وقلت " سيكون بخير قال أنه أفضل الآن "

لم تجب وبقيت على بكاءها وعبراتها , لا اعلم من أين لها بكل هذه الدموع !!

بعد وقت أبعدت وجهها قليلاً عن حضني ورفعت هاتفها لتتصل بهم فأمسكته

وقلت " قمر هم منشغلون عليك لا تزيديهم فوق انشغالهم على ابنهم "

تركت الهاتف وجلست مبتعدة عني , دخلت حينها مريم وقالت

" هل اتصلتم بهم كيف هوا الآن ؟! "

قلت بهدوء " هوا أفضل الآن "

جلسنا في صمت وانتظار بعد وقت رن هاتف قمر وأجابت من فورها قائلة

" نعم عمتي ما ..... "

ثم قالت " حمدا لله لا تكذبي عليا أرجوك "

بقيت تستمع لوقت ثم أغلقت الهاتف وقالت مريم من فورها "ماذا قالت لك ؟! "

قالت بهدوء " حالته مستقرة , الكسور في جسده كثيرة فقط ولا نزيف داخلي "

قالت مريم بارتياح " حمداً لله علها دمعتك تنشف ها هوا بخير "

ثم نظرت لي وقالت " حسام شقيق أيوب قال أنه قادم هنا مساء اليوم عليك استقباله "

نظرت لها بصدمة وقلت " من قلتي !!! "

قالت ببرود " قلت حسام ألا تسمع جيداً "

قلت " ولما يأتي "

قالت رافعة كتفيها بلامبالاة " يبدوا علم من أيوب ويود التحدث معك ومعي "

شعرت بالغليان في رأسي من مجرد ذكرها له وقلت مغتاظا

" ولما هوا وليس أيوب ولما يأتي هوا دون الجميع من أين له كل هذه الشهامة "

قالت بحدة " رائد ما حل بك هوا شقيقه ويريد حل الخلاف هل نطرده "

قلت ببرود " بل تعتذري منه "

وقفت وقالت " ما تعني بذلك يا رائد وما فعله لك لتأخذ منه هذا الموقف ثم أنت

لا تعرفه سابقاً وهوا ضيفك وشقيق نسيبك فعليك استقباله "

قلت بغضب " فسري لي سبب قدومه هوا تحديداً "

قالت بغضب أكبر " فسر لي أنت سبب انزعاجك أم أقول أنا تفسيري للأمر "

قلت بحدة " ماذا تعني "

نظرت جهة قمر ثم لي وقالت " أعني ما فهمت "

قلت بضيق " لا لم أفهم واشرحي لي "

تنهدت وقالت بهدوء " رائد دع عنك هذا الجنون قد تكون نواياه حسنة حقاً "

وقفت حينها قمر وقالت ونظرها على مريم " سأعد الغداء هل ترغبون شيئاً معيننا ؟! "

قالت " سألحق بك لنعده معا "

خرجت قمر ونظرت مريم لي وقالت

" صدَق حيدر حين قال أنك مصاب بجنون الغيرة , أتحبها لهذا الحد "

وقفت وقلت بغضب " بما تهدي أنتي وشقيقك "

ابتسمت بسخرية ثم قالت " وبما تفسر غضبك من مجرد ذكري لقدوم حسام "

قلت بغضب " لأني على حق , ابنتك زرعت صورة في دماغه وهوا قادم لمعاينة

الخيال مع الحقيقة أم ستنكرين ذلك "

هزت رأسها وقالت بيأس " حالتك تبدوا متطورة جداً "

هممت بالخروج من غضبي منها فأوقفني صوتها قائلة " لما لا تتركها إن كنت لا تريدها "

نظرت لها بصدمة فقالت ببرود " إما عاملها بالحسنى أو فارقها بالحسنى مادمت لا تحبها "

قلت بجمود " مريم ما تريدين الوصول إليه "

قالت بهدوء " أريد أن ترتاح وترتاح الفتاة قبل أن تفقد حياتها بسببنا فأتركها تذهب

بحال سبيلها ما دمـ ..... "

قاطعتها بحدة " وهذا كلامك أم كلامها "

قالت بغضب " وهل تتكلم هي لو كانت تقول هذا ما كنت تعاملها هكذا "

ابتسمت بسخرية وقلت مغادراً

" لا تخافي عليها تذكرها أكثر منك وطلاق لن أطلقها وافهميها كما تريدي "

غادرت جهة باب المنزل فلحقت بي قائلة

" سأستقبله وحدي إن لم تبقى ولا تغضب لأنك السبب "

التفتت لها وقلت بغضب " ما الذي أصاب عقلك يا مريم "

قالت ببرود " لن أطرد شقيق زوجي وهوا كل غرضه مصلحتي ثم هوا المقرب

لي من أشقائه وأصغر مني ومنك وأعده شقيقي "

تنفست بقوة وقلت " اعتذري منه إذاً "

قالت بضيق " كيف أعتذر منه اشرح لي أنت "

لوحت بيدي في الهواء وقلت بضيق أكبر " قولي له أي عذر هل سأعلمك "

قالت ببرود متوجهة للداخل " ليس لدي عذر وليس هوا بالغبي لتفوته أنها

تصريفه وقمر لن يراها في كل الأحوال "

لحقت بها وهي تتوجه للمطبخ دخلتْ ووقفت حيث قمر التي تقطع الخضروات

معطية ظهرها للباب ووقفت أنا عند الباب وقلت

" مريم لم ننهي كلامنا بعد تعالي للمجلس "

جلست على الطاولة وقالت ببرود " قل ما لديك أنا أسمعك "

بقيت أنظر لها بصمت فقالت " رائد قل ما لديك أمام زوجتك هنا هل تشك بها ؟! "

نظرت لها بصدمة وقلت " بما تهدين أنتي "

قالت بحدة " وبما ستفسر أفعالك وكلامك وأنت ترفض قدومه بشدة بعدما أخبرتك عن

كلام صبا أمامه , لا أريد أن تفكر قمر أنك تشك بها ولا أريد أن تعتقد أنت أن زوجتك

ترضى بذلك , لا أريد أن أكون سبباً في فجوة بينكما قد تستمر لآخر العمر "

كتفت يداي لصدري وقلت " أنا لم أشك بها وها أنا أقولها أمامها كما تريدي "

قالت ببرود " لما أنت متضايق إذا ستكون تكذب في إحدى الأمرين "

قلت بغيض " مريم ما الذي تريدين الوصول إليه "

ضربت بيدها على الطاولة وقالت بغضب " أجبني عن سؤالي إذا "

قلت بغضب أكبر " مجنون ... جننت هذا هوا السبب والجواب أيضاً هل يرضيك "

قالت بحدة " بل تغار "

قلت صارخاً " نعم أغار "

توقفت حينها قمر عن التقطيع من توقف صوت السكين مع توقفنا عن الحديث وأنا ومريم

ننظر لبعضنا بصمت , كانت نظرتي لها نظرة من صُدم بما قال ونظرتها لم أفهم مغزاها

وكأنها نظرة انتصار , تأففت وغادرت من عندهما وخرجت جهة باب المنزل مجدداً

فتحته ناوياً الخروج قبل أن يتفاقم الوضع على تفاقمه فيبدوا أني بت أفقد السيطرة على

لساني ويقول ما لا أستوعبه ثم تذكرت كتاب أنور فأغلقت الباب وعدت متوجهاً جهة

غرفة المكتب فشدني صوتهما في المطبخ , مؤكد يعتقدان أنني خرجت بغلقي للباب

اقتربت أكثر فسمعت مريم تقول " قمر لما تفعلين في نفسك هكذا تحدثي معه وتصارحا

فقد تعلمي سبب تصرفاته معك "

تنهدت قمر وقالت " لن يجدي الأمر يا مريم لا يمكنني قول هذا ولا ذاك "

قالت مريم " ما تعنيه بهذا وذاك "

قالت قمر بنبرة حزينة " أني أحببته دائماً يا مريم "

قالت مريم "حسناً هذا علمناه وما هوا ذاك "

سكتت قمر طويلاً ثم قالت " لا يمكنني فتح ذاك الجرح لأنه لن يتفهمني أبداً وأنتي قلتي

بنفسك لا يغفر إن لم يجد سبباً للغفران ولا ينسى الإساءة بسهولة "

قالت مريم " لو تفتحي قلبك لي يا قمر علي أساعدك "

قالت قمر بنبرة باكية " ليته بإمكاني تغيير الماضي أو حتى نسيانه كم أنا مستاءة يا

مريم ومحتاجة له ومجروحة منه , لا أريد أن أترك الحياة وهوا يكرهني "

ثم انخرطت في نوبة بكاء فقالت مريم وهي تحضنها " قمر ما بك لما كل هذا

البكاء تبا لك يا رائد ليتك تُقدر كل هذا الحب لكنكم هكذا أنتم الرجال حمقى "

كنت واقفا كالصخرة مما أسمع , تحبني !!! كيف كيف يا قمر وما فعلته بي ما

معناه وكلامك الآن يؤكده لماذا تريدي إخفاء الأمر وتري أني لن أسامحك عليه

كنت كمن تاه في البحر يركب قطعة خشب تاركا مصيره للريح , فلو سمعت

منها كلمة أنها تكرهني لكانت صدمتي أخف لكن أن تكون ........

قالت مريم بجدية " اسمعي يا قمر عليك أن تكرهيه هوا حلك الوحيد , أفضل

علاج لك هوا تركه ونسيانه "

قالت قمر بحزن " كيف ذلك فليس بإمكاني حتى التفكير في أن أكرهه "

قالت مريم بحدة " قمر أمجنونة أنتي !! هذا هوا سبب تجبره عليك "

عدت لباب المنزل فتحته وأغلقته بقوة , مريم هذه تبدوا خطراً على البشرية أجمع

دخلت وعدت عند باب المطبخ فكانت قمر عادت مولية ظهرها للباب منشغلة بشيء

ما ومريم تجلس على الطاولة مكانها , نظرت لها مطولاً ثم قلت

" مريم أريدك في أمر "

وغادرت جهة غرفة الضيوف وهي خلفي دخلت وجلستُ وجلست هي أمامي

نظرت لها وقلت " ما المشكلة بينك وبين أيوب ؟! ستتكلمين الآن "

قالت بابتسامة " هل تريد حل المشكلة دون مساعدة أحد من طرفه "

تنهدت بضيق وقلت " مريم دعي عنك هذه السخافات علينا إيجاد حل

لمشكلتكما حتى متى سنقف نتفرج "

قالت ببرود " يأتي ويعتذر مني "

قلت بضيق " مريم ما سبب الخلاف لأتفاهم معه "

قالت " كلمة قالها لي ما كان يفترض به قولها أبداً ولا التفكير بها "

نظرت لها باستغراب وقلت " وما تكون هذه ؟! "

قالت بحزن ودمعة محبوسة " لقد أهانني ولن أسامحه حتى يعترف

بخطئه , تشاجرنا وقال ما لا يفترض به قوله "

قلت بغضب " ما تعني بأنه أهانك ماذا قال "

قالت " لا يا رائد لا تتشاجر معه دع الأمر بيني وبينه وإن كنت

متضايق من وجودي ذهبت لمنزل والدي "

وقفت وقلت " مريم ما هذا الذي تقولينه كيف أتضايق من وجودك

أردت فقط أن أرى حلا للأمر "

قالت بهدوء " دع الأمر لي "

قلت " وشقيقه لما يتدخل وأنا لا "

قالت ببرود " لقد طلبت منه أن يؤجل قدومه "

غريب متى !! أنا كنت هنا وأسمعهما يتحدثان متى طلبت منه ذلك ؟! تركتها

وخرجت وصلت عند الباب ووقفت وقلت " كلامك السابق لا تسممي به أفكار قمر "

قالت بصدمة " أي كلام !! "

قلت مغادراً " ما قلته لي عندما كنا في غرفة الجلوس "

خرجت من عندها وتوجهت للمطبخ كانت قمر تقف عند المغسلة , توجهت نحوها

ووقفت بجانبها أنظر للجانب المقابل لي من وجهها وكأني أراها للمرة الأولى ثم قلت

" هل حقاً تضنين أنني أشك بك "

لاذت بالصمت ولم تتحدث فملت قليلاً خلف ظهرها ومددت يدي من خلفها لأغلق بها

صنبور المياه المفتوح فوق الطبق في يديها دون حراك فأغلقته وأنا ملتصق بها تماماً

وهمست في أذنها وأنا أمسك الصحن معها " لا تسمم مريم أفكارك كثيراً بما تقول "

لم تتحدث ولم تتحرك فقبلت عنقها فوقع الصحن من يديها في يداي فأمسكته وقبلت

خدها مبتسماً فقطع علينا تلك اللحظات صوت مريم وهي تقول

" قمر هلــ ........ أحم أحم آسفة "

ابتعدت عنها وخرجت من المطبخ ماراً بمريم وهي عند الباب , وضعت الصحن في

يديها وغادرت قائلا " من أين تخرجين لنا أنتي ؟! "

خرجت بعدها من المنزل بل ومن المدينة كلها وتوجهت لمدينة أيوب , وصلت

لمنزله نزلت وقرعت الجرس كثيراً حتى فتح لي , نظر لي بصدمة وقال

" رائد لما لم تتصل ؟! "

قلت متوجها للداخل " هلا دخلنا وتحدثنا "

أدخلني قائلا " بالطبع تفضل "

وصلت للداخل نظرت حولي وقلت " أين أبناءك أليسوا هنا ؟! "

جلس وقال " عند والدتي , هيا تفضل بالجلوس "

جلست وقلت " يبدوا خلافكم سيطول حتى أنك فكرت في إخراجهم من المنزل "

لاذ بالصمت فقلت " أيوب ما الذي حدث ؟! ما قلته لمريم أغضبها هكذا "

قال ببرود " لم أقل شيئاً يستحق هي من هولت الأمر "

قلت " أنتما متزوجان منذ سنوات ما الذي جعل عقليكما يصغران فجأة ؟! "

قال بابتسامة " كلما كبرت في العمر صغر عقلك ألا معلومات لديك عن هذه "

نظرت له بتشكك وقلت

" ما يحيرني أنه كلاكما لا يبدوا على ملامحكم أي معنى للضيق "

نظر لي بحيرة مطولاً ثم قال بارتباك " ما تعني بكلامك ؟! "

وضعت ساق على الأخرى وقلت " أعني قل الحقيقة يا أيوب ما بينكما "

تنهد وقال " مشكلتي لا أجيد التمثيل ولم أتوقع أن تزورني بنفسك "

نظرت له باستغراب ثم قلت " ما قصدك بالتمثيل !! "

حك شعره وقال " هل فيك ما يكتم السر ولا تفضحني لأن مريم لن تسامحني أبداً "

قلت بسخرية " تمثلية إذا "

قال مندفعا " رائد لا تورطني مع شقيقتك كانت فكرتها هي ولا دخل لي "

هكذا إذاً كل ذلك كان مخططا له ستريان , يطبقان كيدهما علي إذاً ويضنان أنني

غبي لهذه الدرجة , أيقضني صوت أيوب من أفكاري قائلا

" رائد أكتم السر ولا تخبرها "

قلت " لن أخبرها ولا تخبرها أنت أني علمت مهما طال الوقت "

قال " اتفقنا "

وقفت وقلت " وما هوا باقي المخطط "

نظر لي وقال " لا علم لي ليس عليا سوى أخذها من منزلك حين تتصل بي "

أبعدت أطراف سترتي ووضعت يداي في جيوبي وقلت

" أغلق هاتفك إذا ولا تفتحه حتى آتي إليك "

وقف وقال " ولما !! قد أحتاجه "

قلت بمكر " تفعل أو اخبرها "

قال بتذمر " رائد لا تستغل هذا لتهديدي "

رفعت كتفاي وقلت " لك الخيار أو افتحه متى احتجت فقط وأغلقه فوراً ومريم لا تكلمها "

تنهد وقال " أمري لله فمصري أصبح بين يديك لكن لا توقعني في مشكلة معها لازلت

أحب زوجتي ولا أريد أن أخسرها "

ضحكت وقلت " لا تخف فأنا أيضاً لا أريد أن ترجعها لي ستفسد

عليا زوجتي بجنونها وأفكارها "

خرجت من عنده وفي رأسي ألف شيطان يتقاذفون الأفكار لأنتقم منهما على ما فعلاه

ولكن حادث مؤمن لا يمكن أن يكون تمثيلية , ما كانت ستبكي عليه كل ذاك البكاء لو

كانت خدعة ولا مرضها أيضاً ولا كلامهما في المطبخ , أخرجت هاتفي ركبت سيارتي

واتصلت بزوج عمتها فأجاب من فوره فقلت " مرحباً سيد شاهد كيف أصبح مؤمن الآن "

قال " الكسور كثيرة وسيستلزم وقتا ليشفى تماماً ولكن حمداً لله

سيخرج من غرفة العناية قريباً "

قلت بهدوء " حمداً لله على سلامته , سيد شاهد هل لي بسؤال ؟! "

قال من فوره " تفضل "

قلت " عملية قمر هل ستكون خطيرة ؟! ما احتمالية نجاحها "

قال " لا ليست خطيرة أبداً سينزعون الجزء البلاستيكي ليأخذ الصمام عمله مجدداً لا

يوجد أخطر من العملية الأولى التي خضعت لها إلا أن تفشل للأسباب التي ذكرتُ لك "

لماذا إذا تذكر دائماً رحيلها عن الحياة !! لما تعتقد دائماً أن عمليتها ستنتهي بموتها !!

قلت بهدوء " وداعاً الآن وطمئني عنه دائماً "

قال " شكراً لاهتمامك يا رائد أعتني بنفسك وبقمر جيداً وداعاً "

أنهيت المكالمة معه وانطلقت للعاصمة حيث لا تبعد عن المدينة كثيراً واليوم يكون اليوم

الأول لمعرض الكتاب فقضيت النهار هناك حيث التقيت مجموعة كبيرة من أصدقائي

الكُتاب والمحررين وتحصلت على عقد جديد مع جريدة هنا للكتابة في عمود تابت في

جريدتهم , التقيت أسعد هنا ومر بي أغلب الليل برفقته وبعدما تجاوزت نصف الليل بكثير

اتصلت قمر ... جيد تذكرتماني , حتى الثالثة لتتذكرا يا محتالتان لنرى من ستجريان عليه

خططكم اليوم سأريكما ، ابتعدت وفتحت الخط ولذت بالصمت .......

الفصل الـعشرون

لم أجب على اتصالها بادئ الأمر وبعدما تكرر عدة مرات استأذنت أسعد

وابتعدت فتحت الخط ولذت بالصمت فجاء صوتها قلقا قائلة " رائد أين أنت ؟! "

ارتسمت على شفتاي ابتسامة واستمررت في الصمت فقالت " رائد تسمعني !! "

قلت " نعم "

قالت بهدوء " هل أنت بخير "

قلت باختصار " نعم بخير "

قالت " أين أنت حتى هذا الوقت "

قلت بضيق مصطنع " قمر هل سنعيد دائماً نفس الكلام "

قالت بهمس " آسفة ولكننا قلقنا عليك "

أملت وقفتي مستندا بمرفقي ومررت أصابعي في شعر عنقي وقلت

" من منكما ... ؟ "

قالت بعد صمت " أنا ومريم "

قلت بابتسامة غلبتني " ومن منكما اقترحت الاتصال بي "

لاذت بالصمت فقلت " هل سؤالي صعب لهذه الدرجة "

قالت بهمس " لا "

قلت " إذا ما الجواب "

قالت " أنا "

نظرت للسماء بابتسامة ثم قلت " وتلك المجرمة لم توافقك هذا أليس كذلك "

عادت للصمت مجدداً فقلت " قمر "

قالت " نعم "

قلت بهدوء " هل تخافين علي "

طال صمتها فقلت " هل عدنا للصمت مجددا "

حمحمت ويبدوا ارتبكت فأبعدت الهاتف عن أذني ضحكت ضحكة صغيرة

ثم أعدته لأذني وقلت " لا تقلقي أنا عائد بعد قليل "

قالت بهدوء " حسناً وداعاً "

أغلقت الخط وعدت جهة أسعد الذي ضحك وقال

" أسوء ما في الزواج كلمة أين أنت "

ضحكت وقلت " ومتى ستعود "

ضحك كثيراً فقلت " عليا المغادرة الآن أراك قريباً "

لأسعد شقيق هنا في العاصمة سيقضي الليلة معه وأنا عليا العودة للمنزل

تصافحنا وغادرت للمدينة وهي تبعد قرابة الساعة , وصلت بعد ساعة ونصف

لأني كنت أسير ببطء , دخلت المنزل وكان الهدوء يسود المكان , جيد يبدوا نامتا

توجهت من فوري لغرفة النوم فتحت بابها ببطء وكانت فارغة تبدوا نائمة مع مريم

ألم تجد غير هذه الليلة لتنام معها , دخلت الغرفة استحممت وغيرت ثيابي ونمت في المكتب بعدما صليت الفجر وبعد نوم قليل غادرت المنزل مرة أخرى زرت

المكتبة والمعهد الثقافي ووصلت المنزل بعد العصر مؤكد تعتقدان سأقضي اليوم

في الخارج كالأمس , فتحت الباب بهدوء ودخلت وأغلقته بدون صوت وما أن

اقتربت من الداخل حتى سمعت صوت موسيقى إيقاعية صاخبة وضحكاتهما

اقتربت من غرفة الجلوس حيث كانتا ووقفت عند الباب أشاهد المشهد الموقف

لجميع الحواس .... قمر ترتدي تنوره من الجينز الأزرق قصيرة وواسعة وقميص

أحمر ضيق وبدون أكمام تمسك شعرها كله بيدها اليمني مولية ظهرها لي وتحرك

خصرها على صوت الإيقاع ببطء ونظرها على خصرها ومريم جالسة تضحك

وتقول " رائع لم تخبريني أنك ماهرة هكذا "

كتفت يداي لصدري ووقفت أراقبها حتى ظهرت لي مريم من خلفها فجمدت

كالتمثال ما أن رأتني ويبدوا لفتت انتباه قمر بجمودها وصدمتها حيث أنها دارت

للوراء فوراً ونظرت لي بصدمة ثم تلون وجهها بكل الألوان وأعطتني ظهرها

مجدداً وأوقفت مريم منظومة الصوت فدخلت وقلت " رائع وما سبب هذا الاحتفال "

قالت مريم ببرود " من دون سبب كنا نتسلى ... ما جاء بك أنت "

جلست وقلت " أعتقد أني في منزلي وأنك لستِ زوجتي لتسأليني هذا السؤال "

ثم نظرتُ جهة قمر وقلت " تابعي لما توقفتِ "

نظرت لي وهزت رأسها بلا دون كلام فقلت بحدة

" قمر كم مرة سأقول لا أريد هذا الجواب المبهم "

قالت بهمس ونظرها للأرض " لا أستطيع "

قلت بسخرية " أمامها تستطيعي وأمام زوجك لا يالا السخافة "

قالت مريم باستياء " لا تستطيع أمامي وأنت موجود هذا شيء

أسمه حياء إن كنت نسيت "

نظرت لها ببرود وقلت " أنتي تصمتي أو جعلتك ترقصين بدلاً عنها "

ضحكت وقالت " أخاف أن أفسد على زوجتك إن رقصت "

قلت بسخرية " مع هذا البطن !! لا أعتقد "

قالت بضيق ويدها وسط جسدها " ما قصدك ؟ لا تنسى أنني أنجبت ثلاث أبناء

بعد أن تنجب زوجتك سيطير كل هذا القوام الممشوق فلا تتبجح علي "

ضحكت وقلت " إن أصبح جسمها مثلك طلقتها فوراً "

قالت ببرود " سترزقون بأبناء وسنرى "

نظرت جهة قمر فكانت تنظر للأرض بحزن وكأنها تقول لها أي أبناء سنرزق

بهم , قلت بحزم " هيا ماذا تنتظرين "

وقفت حينها مريم مغادرة وأغلقت الباب خلفها فنظرت باتجاهها فكانت تنظر

للأرض , فرقعت بأصبعين من أصابعي مرتين مشيرا لها فنظرت لي فأشرت

لها بأصبعي على آلة الصوت فقالت بتلعثم " لا ... أي ... أقصد أنا رقصي سيء "

كتفت يداي لصدري وقلت " منذ قليل رأيت بعيني من أي نوع يكون "

بقيت على حالها تنظر للأرض وأصابعها تلعب بطرف ألتنوره فقلت ببرود

" سنبقى على هذا الحال حتى ترقصي "

نظرت جهة مسجل الصوت تنهدت بضيق ثم توجهت نحوه شغلت الموسيقى

وبدأت الرقص وعيناها مغمضتان تحرك خصرها ببراعة وتلف بجسدها حتى

يتطاير شعرها الحريري حولها في كل اتجاه , سحقاً لأعاصير النساء ولواحدة

مدمرة كهذه أتوجد فتنة لا تتقنها هذه الحورية , لفت ثلاث لفات متتالية واقتربت

مني فمددت ساقي لتدخل قدمي بين قدميها فتعثرت وسقطت في حضني

أمسكتها من خصرها ففتحت عيناها لتجد وجهها في وجهي نظرنا لبعضنا مطولاً

ثم باغتتها بقبلة سريعة على شفتيها وابتسمت ابتسامة جانبية فابتعدت عني بسرعة

ووقفت بعيداً , وقفت وأوقفت الموسيقى ثم عدت للجلوس حيث كنت ونظرت لها من

أعلى لأسفل ثم قلت " ألم أقل سابقاً هذه الملابس لا تلبسيها أمام أحد أم هوا عناد فقط "

قالت بهدوء ونظرها أرضاً " هي من أصرت على أن ألبسها "

قلت بحدة " وأين شخصيتك أنتي لتتحكم بلباسك وتصرفاتك كيف تشاء , من يرى

كتاباتك ومقالاتك يشك أنك صاحبة شخصية ضعيفة هكذا "

نظرت لي بصدمة وقالت " أنا بلا شخصية !! "

قلت بغضب " نعم فمن يتحكم غيره حتى في لباسه يكون عديم شخصية بل لا

يكسب منها ولا درة ليحركه كيف يشاء "

رمت شعرها بيدها للخلف وقالت بضيق " نعم وأنت أكبر دليل تحكمت في لباسي

قبلها وحين خالفتك لم يعجبك فكيف تكون لي شخصية مع غيرك ومعك أنت لا "

قلت بغضب أشد " نعم هذا ما تفلحين فيه طول اللسان معي أقسم إن رقصتي أمام

واحدة غيرها ولا حتى طفلة وأي كان ومن يكون كان عقابك مني عسيرا وهذه

الملابس لا تلبسيها أمام أحد غيري مفهوم "

نظرت للجانب الآخر وعيناها امتلأتا بالدموع فقلت بحدة

" وهذا الشيء الوحيد غيره الذي تفلحين فيه .... البكاء "

مسحت عيناها قبل أن تنزل دموعها ونظرت لي بغضب وقالت

" هل لديك أوامر أخرى "

قلت ببرود " أرقصي مجدداً "

قالت بسخرية " لقد أقسمت عليا أن لا أرقص أمام أحد كان من يكون أم أنك نسيت "

قلت ببرود " وأنا لست أي احد ولا كان ولا يكون "

قالت بعبرة " لن أرقص مجدداً حياتي كلها ولو قطعتني "

وقفت وقلت مغادراً " غيري هذا الثياب حالاً "

ثم خرجت ضارباً باب الغرفة بقوة , هذه الأولى تلقت جزءً من عقابها أقسم لولا

فت من تهوري لتركتها ترقص حتى تيبست عظامها كي تنال العقاب كاملاً ولكن

لا بأس بقي الأخرى , بحثت عنها فكانت في غرفتها , فتحت الباب ووقفت أمامه

نظرنا لبعضنا بصمت ثم قالت

" ما بك صوت صراخك سيزلزل الجدران متى سترحم هذه المسكينة "

قلت ببرود " لا شأن لك بحياتي "

ابتسمت بسخرية وقالت " متسرع طوال حياتك يا رائد وأخبرتك سابقاً أتركها

لغيرك إن كنت لا تريدها بدل معاملتها كنكرة "

قلت ببرودي ذاته " لم أرى من تريد لشقيقها أن يطلق زوجته يبدوا لي

حجزتِ لها زوجاً من الآن "

قالت بتحدي " طلقها وسترى إن لم تتزوج فوراً وبشاب أيضاً "

قلت بغضب " شقيقتي أنتي أم عدوتِ ؟! "

قالت بسخرية " أقسم بمن خلق هذا الكون كله أنك متيم بها "

ضغطت على أسناني بقوة , هل جئت لأنال منها أم لتنال مني

هدئت نفسي وقلت " ذهبت لزوجك أمس "

نظرت لي مطولاً بصدمة ثم قالت " قابلته !! هل تحدثتما ؟! "

ثنيت ساقي أمام الأخرى وقلت " لا لم أجده كان خارج المدينة وصديق لي

يعرف صديقه المقرب قال أنه في مشروع زواج سري "

نظرت لي بصدمة دون كلام واعتقد أن تنفسها قد توقف تماماً ثم قالت

" كاذب لن تنال مني بهذه "

قلت بسخرية " اتصلي به واسأليه أين هوا الآن هذا إن أجاب على اتصالك

لهذا كنت طوال يوم الأمس خارج المدينة "

أمسكت هاتفها واتصلت به ثم قالت بصدمة " هاتفه مقفل !! سأجرب رقمه الآخر "

اتصلت كثيراً ولم يجب عليها فوقفت وقالت " خذني هناك الآن "

قلت " أين آخذك ومنزلك لا أحد فيه "

قالت بحدة " لأبنائي "

قلت " أخذهم معه "

شهقت بصدمة ثم توجهت نحو الخزانة أخرجت عباءتها وحقيبتها التي أحضرتها

وهي تقول ببكاء " استغل الفرصة إذا , لا وأخذ أبنائي معه سترى يا أيوب يا خائن "

أمسكت يدها وقلت " انتظري أين ستذهبين ؟! "

قالت بغضب " ألحقه حيث هوا ولو في سابع أرض "

قلت مغادراً بابتسامة غلبتني " أنتظرك في السيارة سنذهب لمنزلك قد نجده هناك "

ركبت سيارتي وما هي إلا لحظات وكانت أمامي هههههه لم أتخيل أن أنجح بسهولة

ركبت السيارة ومضينا أرسلت له رسالة على هاتفه الآخر كيف نسيت أمره جيد انه

لم يجب على اتصالها أخبرته أن يستقبلها وكأن شيء لم يكن ويستغرب قدومها وأنا

ما أن وضعتها أمام منزلها ودخلتْ غادرت فوراً وهي تضن أنني في انتظارها في

الخارج وما أن غادرت بمسافة قليلة حتى وردني اتصال من مريم فضحكت ولم أجب

عليها ثم أرسلت لها ( أردت أن أراضيك وزوجك ما رأيك في الفكرة )

وما أن وصلت للمنزل حتى وردني اتصال من زوجة والدي تخبرني أن خطيب

نور لديهم ويريد مقابلتي فتوجهت لمنزل والدي قبل دخول منزلي تناقشت معه

مطولاً عن أمر الزفاف الذي سيكون نهاية الخريف أي بعد أشهر قليلة فنحن في بدايته ولم يغادر إلا بعد العشاء فعدت من فوري للمنزل , دخلت وكان الصمت

والهدوء يعم المكان ذهبت من فوري باتجاه غرفة النوم فتحت الباب ووقفت فكانت

قمر جالسة متربعة على السرير وتمسك هاتفها في حجرها , أجرت اتصالا دون أن

ترفع رأسها ولا تنظر إلي ثم وضعت الهاتف على أذنها وقالت

" مرحباً مريم أين أنتي لا في المنزل ولا تجيبي على اتصالاتي "

سكتت لوقت ثم قالت " حسناً حمدا لله المهم أنك بخير "

عادت للصمت من جديد ثم قالت " أخبرتك منذ البداية لكنك لم تكترثي لي "

أنهت بعدها الاتصال مودعة لها ثم أجرت اتصال آخر وتحدثت مع عمتها ثم أنهت

الاتصال ورمت الهاتف ونامت على السرير وأخفت وجهها باللحاف دون أن تنظر

اتجاهي , دخلتُ الحمام استحممت وخرجت مرتدياً المنشفة ووجدتها على حالها

جلست على السرير وسحبت اللحاف منها مددت يدي ومررتها برفق على خصرها

نزولا حتى فخذها فأرتجف جسدها فابتسمت بعفوية ... نعم هذا الدليل كان أمامك

دائماً يا رائد لكنك لم تكن تنتبه له , اتكأت على السرير بمرفقي وأحطت خصرها

بذراعي الأخرى وسحبتها ناحيتي , كان عليا مسح صورتها من رأسي وهي ترقص

فقد أبت الخروج منه والغريب أنها لم تعترض كعادتها حين تكون غاضبه مني

بعد وقت وأنا نائم وهي تعطيني ظهرها ويدي على خصرها قلت بهدوء

" أريد طفلا "

عم الصمت من طرفها مطولاً حتى ظننتها نامت ثم قالت

" أتقصد أن أنجب لك طفلا أم تتزوج بأخرى لتنجب لك "

شددت يدي ساحباً لها لحظني وغمرت وجهي في شعرها وقلت

" لم أفكر في الطريقة وتبدوا لي الثانية فكرة جيدة "

تسللتْ من السرير ببطء وخرجت من الغرفة في صمت وأغلقت الباب خلفها

بعد وقت خرجت من الغرفة كان ضوء المطبخ مضاءً اقتربت منه ولم تكن هناك

كنت سأغادر حين سمعت صوت بكاء مكتوم فدخلت واقتربت من المخزن فكانت هناك تجلس محتضنة ساقيها ودميتها وشعرها يغطي كل جسدها وتبكي في صمت

بقيت لوقت أنظر لها بصدمة ثم اقتربت منها نزلت لعندها وقلت " قمر ما تفعلين هنا ؟! "

قالت ببكاء ووجها مخفي عني " أتركني وحدي يا رائد أرجوك "

وقفت وغادرت المطبخ استحممت وتوجهت لمكتبي جلست على المكتب أمسك

رأسي بيداي , لما أصبحت أرغب في أن اقسوا عليها أكثر بعدما سمعت كلامها

ومريم عن مشاعرها نحوي ؟! لماذا خنتني يا قمر , لما كنتي جزءً من ماضيا

الأسود ؟! لماذا لا استطيع مسامحتك عليه ولما لا تسمح لي نفسي بسؤالك عنه

وصلت عندها رسالة على هاتفي وكانت من مريم وفيها

( زوجتك ترى كوابيس كثيرة في الليل , لاحظت ذلك منذ نامت معي هنا في

منزلي هي شبه لا تنام جد لذلك حلا )

تبدوا مريم غاضبة مني ولكن ما قصة الكوابيس لقد نمت معها كثيراً ولم ألحض

استيقاظها ليلا مفزوعة سوى ذاك اليوم في غرفة الضيوف , يبدوا أن الماضي لن

يتركها أبداً , خرجت من المكتب وعدت لها ووجدتها على حالها اقتربت منها وقلت

" قمر توقفي عن البكاء وأخرجي من هنا "

لم تجب فقلت بحدة " لما كل هذا العناد هل أسحبك سحبا "

وقفت وقالت ببكاء غاضب وهي تلوح بالدمية في يدها

" ماذا تريد أيضاً أخبرتك أن تتركني وحدي "

سحبت الدمية من يدها رفعتها أمام وجهي وقلت بغضب أكبر " هل لي أن أفهم ما

يجري , هذه الدمية والمخزن والبكاء والكوابيس ... ما الذي تخفيه يا قمر "

قالت بعبرات متتالية " لن تفهم لأنك لا تريد لأني لا أعنيك في شيء فلن تفهم أبداً "

ثم غادرت وأنا أتبعها ظننتها ستدخل للغرفة لكنها توجهت حيث الممر المؤدي

للباب الخلفي وصعدت للسطح , هي لم تجتز هذا المكان بعد ذاك اليوم فلما صعدت الآن !! فكرت أن الحق بها ولكن لن يزيد الأمر إلا سوءً , لابد وأنها صعدت لتبحث

عن رائد طفولتها هناك فأنا أصبح نسياً منسياً أمامه , عدت لمكتبي ثم خرجت من

المنزل برمته , تجولت كثيراً في الشوارع دون وجهة ولا دليل ولم ارجع إلا وقت

الفجر , دخلت المنزل فكانت الغرفة على حالها مفتوحة وليست فيها , بحثت عنها

في باقي المنزل ولم تكن هناك , هل تكون كل هذا الوقت في السطح ؟! الجو يبرد

ليلا فنحن نقترب من منتصف الخريف والرياح تتحرك وملابسها خفيفة ستصاب بالحمى من جديد هذه الغبية , توجهت للسطح صعدت وصدمت بالباب مغلقاً

لذلك لم تنزل فهوا ينفتح من الداخل , فتَحته بسرعة ووجدتها جالسة على عتبته

تحضن ساقيها وتهدي بكلمات منخفضة وغير مفهومة , نزلت لعندها لممت شعرها

للخلف وأبعدت وجهها عن ركبتيها وقلت " قمر ما بك ؟! قمر أجيبي "

لم تكن حرارتها مرتفعة وعيناها كانتا نصف مفتوحتان وتبدوا في غير وعيها وتردد

قائلة " لا رائد ... لا تغلق الباب , أمي البرد افتحي لي الباب رائد لا تغلقه "

حضنتها بقوة وقلت " لست أنا يا قمر أقسم لست من أغلقه إنها الريح , ليس رائد من

أغلقه عليك قمر توقفي عن قول هذا "

ولكنها لم تكن تسمعني أو تعي ما يدور حولها ولازالت تردد كلماتها ذاتها , أبعدتها

عن حضني وضربت خدها عدة مرات وأنا أقول

" قمر أجيبي قمر لست من أغلقه قمر ما بك "

وقد باءت كل محاولاتي بالفشل , عدت لاحتضانها مجدداً ولا أعلم ما أفعل , لا أريد أن يقوم عقلها الباطن بتصوير فكرة عن أني أغلق الباب عليها , بقيت أحضن يديها

وأدسهما في حضني كلما قالت أن أصابعها تتجمد وأحاول أن تعي ما أقول وبلا نتيجة

عليا الدخول لعالمها الآن لعقلها حيث يكون اللحظة , شددتها لحضني بقوة وبدأت أغني

نشيد النحلة الذي كانت تحبه في صغرنا , كان نشيداً علمنا إياه مدرس لي في الابتدائية

ومن حبي لذاك الأستاذ لم أنسه باقي السنوات وبقيت أردده دائماً وحفظتها إياه وكنا نغنيه

دائماً , بقيت أردده مرارا حتى هدأت وانخفض صوت هذيانها تدريجيا وأغمضت عيناها

وبدأت تقول بهمس خافت " رائد ... رائد هذا أنت "

حضنتها بقوة وقلت " نعم رائد اهدئي قمر ليس هناك برد ولا باب ولا

عينا تنين هذا أنا اهدئي حبيبتي "

بعدها لم أعد استمع لصوتها نظرت لها فكانت نائمة بهدوء , حمدا لله تخلصت

من كابوس اليقظة ذاك وستنسى كل شيء ما أن تستفيق , حملتها بين ذراعاي

وأنزلتها للغرفة وضعتها على السرير مسحت على وجهها وقبلت شفتيها وخرجت

جلست في الصالة بعدما صليت الفجر وبدأت الساعات تمر وأنا جالس مكاني

عليا أن ارحمها مني على الأقل مادمت لا يمكنني تجاوز الماضي وأن أرحمها من

هذا المنزل , بعد وقت سمعت باب المنزل يفتح وأحدهم يدخل فوقفت من فوري

من هذا الذي يملك المفتاح ليفتحه !! كنت سأتحرك ناحية الممر المؤدي إليه حين

دخلت امرأة متشحة بالسواد من رأسها حتى قدميها , بقيت انظر لها مطولاً ثم فتحت فمي لأتحدث فسبقتني قائلة " أين قمر ؟! "

قلت بصدمة " من أنتي وكيف دخلتي بل كيف فتحتي الباب ؟! "

قالت " أنا صاحبة المنزل وأملك مفتاحاً "

نظرت لها بصدمة أشد ثم قلت " أنتي زوجة خالها "

قالت " أين هي قمر ؟! "

قلت بحدة " ماذا تريدين منها "

قالت " أين هي ؟! "

قلت بغضب " لا علاقة لك بها ماذا تريدون منها بعد لقد دمرتموها بما فيه

الكفاية .... حزن وكوابيس وفزع وماضي اسود وبكاء وقلب ضعيف ما الذي

لم تفعليه وجئتِ لفعله "

انفتح حينها باب غرفة النوم وخرجت قمر منها وتجمدت مكانها وهي تنظر

للمرأة الواقفة أمامنا

الـفصل الواحـد و العـشرون

استيقظت واشعر برأسي بحجم الأرض وعيناي تؤلمانني بشدة لا أذكر إلا

أنني تشاجرت ورائد وصعدت للسطح ..... آآآآه رأسي

بقيت أفركه بأصابعي لوقت ثم نظرت لثيابي فوجدتها غير التي كنت أرتدي

البارحة , من ألبسني هذه !! إنه رائد بالتأكيد ولكن لما ؟

وقفت ونظرت لها جيداً كنت أرتدي بنطلون من الجينز وقميص أسود بأكمام

وأزرار كلها خاطئة وفي غير مكانها , ابتسمت وقلت " مؤكد هوا من البسها لي "

عدلت أزرار القميص ثم بدأت أستمع لأصوات في الخارج ثم علت الأصوات

أكثر , خرجت وكان رائد ينظر باتجاه أحدهم عند باب الصالة نظرت هناك

وتجمدت مكاني وأنا أرى المتشحة بالسواد والواقفة هناك .... سلوى عينا

التنين بؤس طفولتي وحرمانها , بدأت أنفاسي تضطرب وتعلوا حتى خرجتْ

من صمتها قائلة " قمر أ أنا .... أنظري لحالي أحترق وجهي وجسدي وخالك أصبح بلا حراك تلَيفت كبده وتخلى عني أهلي وأهله وأصدقائنا واستأجرنا هذا

المنزل وسكنا في غرفة واحدة متهرئة في سطح منزل لا تمسك عنا البرد ونأكل

ونشتري الدواء من ثمن إيجار هذا المنزل , لقد خسرت كل شيء وكسبتي أنتي

في النهاية , سامحيني يا قمر فكل ما أصابني مما فعلته بك , لقد كبرتِ وصرتِ

شابة من أجمل ما رأت عيناي وتحولت أنا لمسخ , شعرك فاق طوله نصف جسدك

وتحول رأسي لجلد محروق ليس به ولا شعرة واحدة وحتى من منعتك من السطح

كي لا تريه ها قد أصبحت زو..... "

صرخت فيها بغضب " أخرجيييييي "

قالت " قمر أر ...... "

قلت بصراخ أكبر وأنا أشير بأصبعي جهة الباب

" أخرجي الآن أخرجي من منزلي الآآآآآآن "

وبدأت أحمل كل ما تصل إليه يداي وأرميها به وأصرخ طاردة لها فأمسكني

رائد مطبقاً يداه عليا بقوة وقال " قمر توقفي "

ثم نظر جهتها وقال بحدة " وأنتي أخرجي من هنا حالاً هذه سيدة المنزل الآن ولا تريدك فيه فأخرجي فورا أو أخرجتك مرغمة "

قالت وهي تتراجع بخطواتها للخلف " سامحيني يا قمر لعل الله يفرج همي "

ثم خرجت وأنا في بكائي المستمر ولا شيء على لساني سوى كلمة أخرجي

ارددها بصوت خافت حتى سمعت باب المنزل يغلق وارتخت ذراعا رائد

عني فنزلت للأرض أبكي بمرارة وأردد

" أخرجي من حياتي أخرجي الآن , أرحموني جميعكم وأخرجوا من رأسي "

ثم حضنت يداي وأنا جالسة على الأرض وملت بجسدي للأسفل ورأسي يكاد

يلامس الأرض وقلت ببكاء " أمي خذيني إليك ... أمي عودي أو خذيني إليك "

شعرت بيدا رائد تمسكانني وترفعاني للأعلى وهوا يقول بحدة

" قمر لا تطلبي الموت كم مرة سأذكّرك بهذا , توقفي عن قولها "

ثم جلس بجواري على الأرض وضمني لصدره بقوة فقلت ببكاء

" لا أريد أن أموت هنا رائد أرجوك "

قال بهدوء وهوا يمسح على شعري

" حسناً سنخرج من هنا ولن تموتي توقفي عن قول هذا يا قمر "

أخذني بعدها للغرفة أجلسني على السرير فوقفت من فوري فأمسك ذراعاي

وقال " أجلسي يا قمر سأغير قفل الباب ولن يدخله أحد "

نظرت لعينيه بعينان دامعتان وقلت " بل نخرج من هنا ولا نعود "

زاد شده لذراعاي وقال " ونخرج ما أن أجد البديل أعدك بذلك ولكن استلقي وارتاحي "

هززت رأسي بلا وقلت " أنا لم أصلي الفجر عليا أن استحم وأصلي "

مسح بإبهامه دمعة عالقة في رموشي وقال

" توضئي وصلي لقد غيرت ثيابك فقط لأنها كانت متسخة من غبار الباب "

هززت رأسي بنعم وتوجهت للحمام توضأت وصليت الفجر بعدما خرج وقته

بكثير ثم دخلت السرير وغطيت جسدي كله باللحاف حتى رأسي وأنا أحضن

دمية والدتي بقوة ثم سمعت خطوات رائد تغادر فقلت " رائد لا تخرج "

توقفت خطواته ووصلني صوته قائلا

" لن أخرج من المنزل وسأغلق الباب من الداخل لا تخافي "

قلت بهدوء " ولا من الغرفة "

سمعت حينها خطواته تقترب وشعرت به يجلس على السرير فقلت بهمس

" لا تخرج بعد أن أنام سوف تأتيني الكوابيس حينها "

قال بعد صمت طويل " ألن تأتيك وأنا هنا ؟! "

قلت بهمس خافت " لا "

قال " سأجلب كتاباً وأعود حسناً "

لذت بالصمت فغادر وعاد فوراً وجلس بجواري على السرير ولم يتحدث

أبداً ولا صوت يسمع سوى تقليبه للأوراق كل فترة حتى غلبني النوم ونمت واستيقظت بعد وقت طويل وجلست من فوري أنظر لمكان جلوسه فكان مكانه

لم يغادر يتكأ برأسه على ظهر السرير مغمضاً عيناه ففتحهما مباشرة ونظر

لي وقال " أنا هنا لم أغادر هل هي الكوابيس "

هززت رأسي بلا دون كلام فقال " حسناً عودي للنوم لن أغادر الغرفة "

نظرت له مطولاً ثم أخفضت نظري وقلت " هل سنغادر حقا "

قال بهدوء " نعم "

نظرت له وقلت " متى ؟! "

أبعد شعري خلف أذني وقال " خلال هذه الأيام , فسأبحث عن منزل "

لذت بالصمت فقال " قمر ألن تحكي لي عن ماضيك لما تخفيه عني ؟! "

نظرت ليداي في حجري وقلت " أخبرتك أن طفولتي البائسة عشتها هنا "

قال بهدوء " وما كانت تفعل لك تلك المرأة "

قلت بحزن ويدان يرتجفان افركهما بقوة " كانت تضربني بشدة وباستمرار وتُسكنني

في ذاك المخزن وتحلق لي شعري وتسجنني في الـ.... "

قال بجيدة " تسجنك في ماذا ؟! "

عدت للصمت سوى من دموعي التي بدأت بالنزول وأنا أمسحها بكف يدي

فوقف وغادر الغرفة ولم أره باقي اليوم لأنه عاد لسجن نفسه في مكتبه ولم

يخرج سوى لتناول الطعام وفي صمت تام ولا أعلم ما ضايقه في الأمر

عند حلول الليل لم أستطع النوم فإن كانت الليالي الأخرى لا تتركني الكوابيس

فكيف بالليلة , خرجت من الغرفة وكان نور مكتب رائد مضاءً , يبدوا مستيقظاً اقتربت من الباب بهدوء وجلست أمامه متكئة عليه ألتمس الأمان ولو من خلف

الباب , بعد وقت غلبني النعاس ولم أشعر سوى بالباب يفتح ويد تمسكني عن

السقوط ثم وصلني صوت رائد قائلا " قمر لما تنامين هنا ؟! "

فركت عيني بيدي ثم خللت أصابعي في غرتي وقلت " لم أستطع النوم "

أوقفني وهوا يقول " ولما تنامين في عتبة الباب هنا لما لم تطرقي عليا الباب "

أدخلني للغرفة ونمت في حضنه يمسح على شعري ويقبل جبيني كل حين , نمنا

سوياً كل واحد منا أخذ من هذا النوم غاية , أنا التمس الأمان والنوم الهادئ وهوا

يحضا بحقه من زوجة تنام في حضنه , عند الصباح أعددت الإفطار فخرج من

الغرفة مستعجلاً أخذ رشفة من كوب الشاي وقال أنه مستعجل وعليه الخروج

سريعاً فقلت وأنا أتبعه " رائد "

وقف والتفت إلي فقلت " لا تتأخر ليلا "

ابتسم ابتسامة بمعنى أنه فهم أني أعلم أنه لن يعود قبل الليل ثم قال مغادراً

" حسناً وأغلقي الباب من الداخل ولا تفتحي لأحد وسأتصل بك لتفتحي لي "

وبالفعل لم يعد قبل المساء بل حتى منتصف الليل ونام معي في الغرفة , على الأقل

فهم أنني أحتاج له لأنام بهدوء , ومر قرابة الأسبوع من الحال نفسه إما في الخارج

أو في مكتبه ولا يجمعنا سوى طاولة الطعام والسرير ليلا غير أن ما يطمئنني أنه بدأ

في البحث عن منزل حتى أنه طلب مني أن نعود لمنزل والده لكنني رفضت

كنت جالسة في غرفة النوم ففتح الباب ودخل , غريب غادر صومعته في غير وقته !

نظر لي مطولاً ثم قال " قمر هل تأخذين الحبوب ؟! "

لذت بالصمت أنظر له باستغراب فقال بحدة " قمر هل تسمعي أم أصابك الصمم "

نظرت للأرض وقلت " لم تسألني قبلا لما الآن تسأل ؟! "

قال بغضب " لما تجيبين على السؤال بسؤال أخرجي لي علبة الحبوب لأراها "

وقفت وقلت بضيق " رائد ما تريد مني بالتحديد "

قال بصراخ " أليس هذا وقتها لن تتأخر إلا إن توقفتِ عن تناول الحبوب منذ أيام "

لذت بالصمت فقال بحدة " كلامي صحيح إذاً "

أشحت بوجهي عنه وقلت " نعم صحيح "

توجه ناحيتي امسك ذراعاي هزني وقال بغضب " ومنذ متى لم تأخذيها "

قلت وراسي أرضاً " منذ تلك الليلة "

قال بحدة " أي ليلة تلك ؟! "

نظرت لعينيه وقلت " الليلة التي قلت فيها أنك تريد طفلاً "

بقي ينظر لي بصدمة تم قال " مجنونة أنتي ألا تعلمين عواقب الأمر "

قلت بهدوء ودموعي ملأت عيناي " قد ينجح الأمر وينجوا الطفل "

قال بهمس " وأنتي "

أشحت بنظري عنه وقلت " أموت طبعاً "

تركني وتوجه جهة الخزانة أخرج عباءتي وحجابي رماهما على السرير وقال بأمر مشيراً لهما بإصبعه " تلبسيهما فوراً لنذهب للطبيبة ونرى حلاً لهذه المصيبة "

ثم ضرب باب الخزانة بقبضته حتى كاد يكسره وقال بصراخ غاضب

" لا اعلم كيف تفكرين يا قمر كيف ؟! "

قلت بغضب " ألم تقل انك تريد الأطفال هذا هوا الحل الوحيد لدي "

أخذ العباءة ورماها على الجدار وقال صارخاً

" وهل كل ما أقوله تنفذيه , هذه حياتك "

قلت بحزن وأنا أهز رأسي " لم يعد لها أي معنى ولا خيار آخر لدي "

بقي ينظر لي مطولاً بصمت ثم قال مغادراً

" أنتظرك في السيارة إن كان ثمة شيء فسنتخلص منه من حينه "

تنهدت بضيق وارتديت عباءتي وحجابي وخرجت , توجهنا لأقرب عيادة

وكأني في حالة ولادة وعليا أن أصل سريعاً , هل كل هذا خوف على حياتي

أم هي الشفقة لا غير , نزلنا وأصر رائد أن يدخل معي فقالت الطبيبة أنه لن

يكون هناك حمل لأن مادة الحبوب ستكون لازالت في دمي وتحتاج وقتا لينقى

منها واحمل ولكن رائد أصر أن تجري لي فحوص دم ليتأكد فكتبت طلباً

بالتحاليل وأجريناها وتأكد من أن كلامها صحيح وعدنا للمنزل في صمت تام

من كلينا , دخلت الغرفة من فوري فلحق بي وفي يده كوب ماء وقال

" أعطني الحبوب أنا من سيعطيك إياها يوميا "

قلت بضيق " رائد أنا لست طفلة تعاملني هكذا "

قال بحدة " قلت تعطيها لي ودون نقاش "

أخرجت له علبة الحبوب ورميتها على السرير وجلست , أخذها أخرج شريط

الحبوب وأخذ منها واحدة وأعطاها لي مع الكوب فأخذتهما وبلعتها بالماء فقال

فور إبعادي للكوب " افتحي فمك "

فتحته وأغلقته متضايقة فقال بحدة " قلت افتحيه وليس دعيني القي نظرة "

تأففت وفتحته فقال بأمر " ارفعي لسانك "

رفعته ليتأكد أني لم أخفي الحبة تحته فتركني ليغادر الغرفة آخذاً علبة الحبوب

معه فقلت بهدوء قبل أن يخرج " رائد هل ستتزوج بأخرى ؟! "

وقف مكانه لوقت دون حراك ثم قال دون أن يلتفت إلي " ومن قال أنني سأتزوج ! "

قلت بهدوء " أنت "

تحرك حتى وصل عند الباب ثم ووقف وقال " بل أنتي من قالها , أنا لم أقل ولم

أفكر في الأمر فانسي كل ما قلناه تلك الليلة .... كله يا قمر "

ثم خرج فقلت بهمس " لا تفعلها قبل أن أموت , لا تقتلني بها يا رائد "

واتكأت على السرير محتضنة الوسادة وذهبت لعالم بكائي وحزني المعتاد

بعد وقت انفتح باب الغرفة دخل ووقف عند الباب وقال

" قمر توقفي عن البكاء ما الداعي له الآن "

دسست وجهي في الوسادة ولذت بالصمت فقال " جهزي أغراضاً لك سنغادر

عند صباح الغد , لا تأخذي كل أغراضك الضروري فقط "

ثم هم بالخروج فأبعدت وجهي عن الوسادة وقلت " إلى أين ؟! "

وقف وقال " لحيت أبعدك عن كل شيء "

جلست وقلت بحيرة " لم أفهم !! "

قال وهوا يخرج ويغلق الباب " عليك أن تبتعدي عن كل هذا "

وخرج وتركني في حيرتي , ما يعني بما يقول وأين سنذهب ! ولما أجهز أغراضاً

لي وحدي وليس له أيضاً ! تنهدت بعدها ووقفت حضرت ثيابا في حقيبة صغيرة وبعض الأغراض المهمة وخرجت بها , وجدته يجلس في الصالة يشبك يداه

مستندتان بمرفقيه ورأسه للأسفل وكأنه يحمل كل هموم الدنيا على كتفيه

وضعت الحقيبة على الأرض فرفع رأسه ونظر لي وقال

" ارتدي عباءتك وحجابك أنتظرك في السيارة "

ثم وقف حاملاً الحقيبة ومغادراً فقلت " إلى أين تأخذني ولما أنت لست معي ؟! "

قال وهوا يتابع سيره " ستعلمين كل شيء ما أن نصل "

أمسكت قلبي بخوف , ترى هل حدث لأحد مكروه ؟ ولكن عمتي ليست هنا

ولا أحد لي غيرها , هل هم من أهله ؟ ولكنه لم يأخذ ثياباً له , ما عناه بأنه

سيخرجني من كل هذا وأين يأخذني ؟! عدت للغرفة أخذت عباءتي وغطيت شعري وخرجت , وصلت عند نهاية الصالة التفتت للخلف نظرت للمنزل نظرة

شاملة ثم تنهدت وقلت " كم أتمنى أن أخرج منك ولا أعود وكم أخشي أن أموت فيك "

ثم نظرت جهة الممر المؤدي لباب السطح ثم للمطبخ و شهقت باكية ومسحت

دموعي وقلت بألم " كم أتمنى أن أحرقك وأفجرك علي أنسى ألمي وأنسى

حلمي وأنساه مع كل شيء فيك "

أحسست حينها بيد رائد على كتفي وصوته يدخل أذني مباشرة وهوا يقول

" من هذا الذي تريدين نسيانه هنا ؟! "

قلت وأنا أخرج من المنزل " حلم لم أنسه يوماً ولن أنساه للأبد "

ركبنا السيارة في صمت سوى من صوت محركها , بعد قليل وصلنا لمدينة مريم

ثم لمنزلها تحديداً , نزلنا فكانت في استقبالنا عند الباب , ما أن دخلنا للمنزل حتى

استأذن رائد للخروج قليلاً وغادرت مريم جهة المطبخ وما هي إلا لحظات ورجع

رائد وقف أمامي وعيناي معلقتان في عيناه كانت بهما نظرة غريبة لم أفهمها ولم

أرها قبلا , تنقلت بنظري بين عينيه وقلت بضياع

" رائد ما بك ؟ هل عائلة عمتي بهم مكروه هل حدث معك شيء ؟! "

أمسك وجهي وبقي على صمته فقلت والدموع تملأ عيناي

" رائد لا تقتلني بصمتك قــ ... "

قطع كلماتي بقبلة طويلة وكأنها الأولى أو الأخيرة ثم حضنني وقال

" ابقي هنا حتى أعود حسناً "

ثم خرج من فوره ولم يعطني حتى مجالاً للسؤال ولا الكلام , جرت دموعي على

خداي من فورها فمسحتها وخرجت خلفه , وجدت حقيبتي عند الباب وسيارته غير

موجودة , أحسست أن ثمة من سلخ روحي من جسدي وانتزعها وغادر بها

عدت للداخل وتقابلت ومريم فقلت من فوري " أين ذهب ولما أحضرني هنا ؟! "

نظرت لي باستغراب مطولاً ثم قالت " ألم يخبرك !! "

قلت بحيرة " يخبرني بماذا !! "

قالت " بأنه سيتركك معي هنا حتى عودة أيوب وسيذهب للعاصمة "

بقيت أنظر لها مطولاً بصدمة ثم قلت

" وأين ذهب أيوب !! ولما يذهب للعاصمة ولما أنا هنا ؟! "

قالت " أيوب في دورة تدريبية لثلاث أشهر ورائد سيعمل

في العاصمة وأخبرني أنه سيبقيك معي "

كنت أنظر لها بضياع ودموعي تنزل دون توقف وتنفسي يعلو شيئاً فشيئاً ,

ذهب وتركني هكذا بكل بساطة .... اسمع يا قلبي وانظر ما فعل بي

أمسكت مريم كتفاي وقالت " قمر ما بك ؟! "

قلت بصدمة " ذهب وتركني أخرجني من حياته لا يريدني ... لماذا !! "

احتضنتني وقالت " قمر لابد لسبب ما فعل هذا هوا

لم يخرجك من حياته قال لفترة وسيعود "

ابتعدت عنها وقلت بصراخ باكي " لماذا يرميني ويرحل ؟! لما يجرحني باستمرار ..... لماذا يا مريم "

ثم قبضت بيدي عند صدري وقلت بحزن

" ولكني أعرف حتى متى , حتى تعود عمتي ويعيدني إليهم "

اقتربت مني أمسكت يدي وقالت " ماذا حدث بينكما أو ما قال قبل أن يحضرك "

سحبت يدي من يدها ضممتها لصدري وقلت ورأسي أرضاً ودموعي تنزل لها

مباشرة " قال عليا إبعادك عن كل هذا , لم أفهم بادئ الأمر ولكن الآن علمت , ظننته

يريد إخراجي من ذاك المنزل بل الجحيم الذي فيه ولكنه يقصد طردي من حياته "

أمسكتْ وجهي ورفعته لوجهها وقالت بهدوء

" لا بل يبدوا لي يريد إبعادك عن كل ما يؤذيك وأولهم هوا "

ابتعدت عنها أوليتها ظهري وقلت " كل هذه السنين ولم تفهمي شقيقك جيداً يا مريم "

أمسكت كتفي وقالت " أمسحي دموعك وتعالي لنجلس ونرى ما سنفعل في الأمر "

قلت بضيق " لن نفعل شيئاً ما أن ترجع عمتي في إجازتها سأرحل معهم على الفور "

سحبتني معها للداخل قائلة " أدخلي الآن وسنتحدث لاحقاً "

قلت وأنا أتوجه يسارا " أريد الحمام "

ثم دخلت له من فوري أغلقت الباب وسندت جسدي بالجدار أمسك ذراعي

التي عاد الألم ليمزقها أسوء بكثير من ذي قبل فلم أستطع إمساك صرخاتي

حتى دخلت عليا مريم مفزوعة ووجدتني أجلس على الأرضية

لم أسمع من كلماتها شيء واضح بسبب الألم الغير معتاد ولم تلتقط أذني سوى

أسم رائد وهي تقف فأمسكت يدها وقلت بصعوبة " لا لا تخبريه خذيني للغرفة "

أخرجتني من الحمام لغرفة نومها وأعطتني حبوبا مسكنة خففت الألم قليلاً ولم

يزل نهائيا إلا بعد وقت , كانت تريد الاتصال به لكني أصررت على أن لا تفعل

وأخبرتها أن هذا عادي فقد شاهدته عدة مرات قبلا غير أن هذه المرة زاد الألم قليلاً

كانت غير مقتنعة بكلامي لكني لم أتركها إلا بعد أن عاهدتني أن لا تخبره

فلما سيهتم لأمري وهوا رماني لها وغادر وها هوا مر شهران على وجودي هنا لم يتصل بي خلالهما , تخبرني مريم

أنه يتصل بها ويسأل عني ولكني لا أصدقها ولن أصدق ذلك وحتى إن اتصل

بي فلن أجيب رغم أنه لن يفعلها كنت اتكئ على زجاج النافذة أشاهد منظر الغروب من خلف الطبيعة حين

دخلت مريم وقالت بصوت مبتسم " أين هي القمر اليوم لم تغادر الغرفة ؟ "

تنهدت وقلت " وما الفرق بين وجودي هنا وخروجي الأمران سيان فأنتي لا

تتركيني افعل معك شيئاً ولا أسيلك بشيء "

جلست أمامي ومسحت على شعري وقالت " اتصل رائد منذ قليل "

ابتسمت بحزن وقلت " لا تكذبي علي "

قالت بابتسامة " لا أكذب وأنتي تعلمين ذلك جيداً وتسمعينني أتحدث معه مراراً "

أدرت وجهي جهة الزجاج أكثر وقلت ودموعي بدأت بالنزول

" لما يفعل معي هذا ألا يشعر أنني أحتاجه أنني أشتاق إليه "

مسحت على كتفي وقالت بحزن

" هوا لا يتصل إلا للسؤال عنك فأنا أعرف رائد جيداً لا يتصل بي منذ سنوات "

مسحت دموعي وابتعدت عن النافذة وقلت " وما تخبريه أنتي عني "

قالت " أخبره أنك غاضبة منه ولن تسامحيه أبداً "

ثم تنهدت وقالت " لكنه يقول لي في كل مرة كاذبة ولا أعلم لما "

ثم قالت بجدية " قمر صحيح أنه شقيقي وأني أحبه ولكن عليك معاقبته على هذا

بل عليك نسيانه للأبد إن استطعتِ "

قلت بابتسامة حزينة " مثلما ليس هناك أبد فليس هناك نسيان لن أكذب عليك

وعلى نفسي ولكن اعلم ما سأفعل "

عمتي ستصل بعد أسبوعين وسأذهب معهم وليصنع ما يشاء سأخلصه مني للأبد هذا إن عادوا قبل أن أموت وأترك الحياة لهم جميعهم فقد تضاعفت الآلام لدي وزاد

عدد مرآتها وأي واحدة ستصيب قلبي بقوة وستكون القاضية

أخرجني من أفكاري صوتها تقول " هوا فقط يحاول حمايتك منه كي

لا يقسوا عليك أكثر أفهمه جيداً "

قلت بضيق " ألا يعلم أنه بهذا يؤذيني أكثر مما يرحمني ألا يمكنه تشغيل

ذكائه في أمر واحد يخصني "

تنهدت وقالت " لو أعلم من أين تجدين كل هذا الحب الذي تحبينه له "

عدت متكئة على النافذة وقلت بحزن

" لن تعلمي كم أحببته وكم أحبه وما عناه لي كل حياتي لن يفهم أحد ذلك "

تنهدت وقالت " ليثه بإمكاني فعل شيء لا يفسد الأمور أكثر ولا يجعله يغضب

مني طوال العمر لأني أعرفه جيداً "

ضممت جسدي بيداي وقلت ببكاء " لا أريد أن أموت وهوا بعيد عني يا مريم لا أريد "

أمسكت يدي وسحبتها وحضنتها بيديها وقالت " قمر لما تقولين هذا !! "

تنهدت وقلت " لا تكترثي لكل ما أقول "

قالت بجدية " سنذهب لمزرعة جدتي ككل خريف وستري إن لم يأتي

ركضاً ما أن يعرف أنك هناك نظرت لها بحيرة وقلت " جدتك !! "قالت " نعم ألم يخبرك عنها "

ابتسمت بألم وقلت " وما الذي يخبرني عنه حتى أنتي لم أعرفك إلا يوم جئتكم للعزاء "

تنهدت بضيق وقالت " لا أفهم ما يريد بما يفعل "

ثم نظرت لي وقالت " حيدر وأنوار سيكونان هناك , إنها والدة أمي ولديها مزرعة

جميلة وفي الخريف تكون عالم خيالي جداً سوف آخذك معي وستري ما سيحدث "

أشحت بنظري عنها وقلت " رأيت مخططاتك ونتائجها سابقاً "

ضحكت وقالت " هذه المرة لن نخطط سنذهب فقط "

نظرت لها بحيرة وقلت " وما سيجعله يلحقنا هناك ؟ "

ضحكت مجدداً وقالت " ستري بعينك "

قلت باستغراب " أنا لا أفهمك ! ثم أنا لا أريد أن يلحقني ولا يأتيني "

وقفت وقالت " نحن لن ندعوه ليأتي هوا من سيفعل بملأ إرادته "

رفعت نظري لها وقلت " وهل سيعلم بذهابنا ؟! "

قالت " لا طبعاً حتى نكون هناك لو علم لن يوافق "

تنهدت وقلت " مريم أنا لست في مزاج مشاكل معه سيضع اللوم عليا حينها "

وضعت يداها وسط جسدها وقالت " قمر لا تكوني ضعيفة وانهزامية هكذا "

قلت بسخرية " كنت قوية مرارا وجاريته في الكلام فلم أجني

سوى نعته لي بطويلة اللسان "

ضحكت كثيراً فقلت بضيق " مريم أنا لا أريد شيئاً لا أن أراه ولا شيء "

قالت بنصف عين " ومن التي كانت تتحدث عن الشوق إليه "

قلت باستياء " ذاك شيء وأن أفرض نفسي على شخص لا يريدني شيء آخر "

قالت بهدوء " قمر أنا لا يمكنني قول كل ما في قلبي لكن تأكدي من أن رائد

يشتاق لك الآن أكثر منك ولو سمعتي صوته في الهاتف ولهفته لتأكدتِ بنفسك

ولم يتركك هنا إلا ليبعدك عن قسوته "

قلت بدموع " لا يمكنني تصديق هذا أنتي لم تعيشي ما عانيته معه , لا أريد إلا

الموت أن يأتيني ... هوا مصيري الوحيد فلا راحة لي مع شقيقك ولا بدونه "

أمسكت يدي وسحبتني معها قائلة " هيا تعالي لنجهز أغراضنا وأغراض الأطفال

سنذهب إليهم في الغد برفقة حيدر وأنوار وستري هناك من سيجلبه على وجهه

ومن سيربيه على أفعاله فأنتي لا تعرفي خاله وجدته "

عند الصباح كانت مريم وأبناءها في خلية نحل من الركض هذا تلبسه وهذه

تمشط شعرها وأغراضهم في كل مكان , كم الأمومة شيء جميل ولن أحضا

به أبداً , ساعدتها قدر الإمكان وعند الظهيرة وصل حيدر ولم يدخل بل أصر

أن نخرج له , خرجنا وركبنا السيارة وسلمنا على أنوار بعد أن صعدنا فقالت

مريم بضيق " لما لم تنزلا قليلاً لترتاحا , الرحلة كانت طويلة "
انطلق بالسيارة قائلا " أنتي تعرفي الطريق إلى المزرعة جبلي ووعر

ويأخذ وقتاً , علينا الوصول قبل المغيب "

وكانت الطريق كما قال وعرة ومخيفة لكن الطبيعة ومنظرها ينسيك عقبات

الطريق , كانت صبا تحتضن مسند الرأس لكرسي حيدر واقفة على الكرسي

الخلفي ووائل يقف في المنصف وهوا والطفلان في غناء مستمر طوال الطريق

بمرح ووائل لا يحفظ مما يقولون شيئاً ولكنه لم يسكت أبداً , اللحن مثلهم والكلمات

من كل لغات العالم , حيدر مختلف تماماً عن رائد وكأنهما ليسوا أشقاء , من يراهما

يضن أن رائد هوا الضابط في الجيش وحيدر هوا الأديب الكاتب

تنهدت بضيق واتكأت على النافذة أشاهد الطبيعة حين رن هاتف حيدر فرفعه قائلا" مرحباً بالحي الميت "

ثم ضحك وقال " لا أعلم متى ستغير عاداتك "سكت ثم قال " في الطريق لمزرعة جدتي "

" نعم فأنت نسيت هذا المكان منذ زمن "" عامان ! وهل ترى العامان قليل , عموما فالمهم معنا أنت لا نريد بك شيئاً "

قال بعدها بصوت مصدوم " ما تعني بلم يخبرك أحد !! "

" نعم معي جميعهم "" من تريد مريم أم زوجتك "" كيف أي منهما حدد من تريد "

مدت حينها مريم يدها قائلة " هات أعطني أنا اكلمه "

أخذت منه الهاتف ثم وضعته على أذنها قائلة " نعم يا رائد "

قالت بعدها ببرود " نعم معي هل سأتركها وحدها هناك "

سكتت قليلاً ثم قالت بحدة " ولما أخبرك , إن وافقت أو رفضت سآخذها

معي فلن أتركها وحدها ولن أبقى هناك "

تأففت وقالت " نائمة لم تنم البارحة فنامت الآن "

ثم قالت بتذمر " وإن يكن أولادي يصرخون ونومها خفيف

نامت يا أخي قلت لك متعبة ونامت "

" لا لم تمرض سهرنا على التلفاز طوال الليل هيا وداعاً "

أغلقت عليه الخط وأعادت الهاتف له , لا أعلم كم عدد الكذبات التي تكذبها

مريم على رائد لهذا لا تنجح مخططاتها دائماً

وما هي إلا لحظات ورن هاتف حيدر مجدداً , نظر للمتصل ثم رماه لمريم قائلا

" تفاهمي معه ... أقسم أن يلحق بنا فوراً إن لم نرجع "

رفعت مريم الهاتف وهي تقول " ليفعل ما يحلوا له .... لن نعود "

لا أعلم لما الجميع موقن من أنه سيلحق بنا وما السبب ! فما في الأمر إن

ذهبت معهم لمزرعة جدته , أجابت مريم من فورها قائلة

" لن نعود يا رائد وزوجتك لا علم لها أني لم أخبرك "

سكتت لوقت ثم قالت بضيق

" تلك مشكلتك , تأتي لتعيدها شيء يخصك لك

يتبع.....
 
تتمة الفصل الواحد والعشرون + الفصل الثاني والعشرون

لكن أن آتي وأتركها لا "

" ولا أن أبقى ... هذه جدتي ولا أزورها إلا هذا الوقت من السنة "

تنهدت بعدها بضيق وقالت " ومنذ متى لم تكن غاضب مني , دع زوجتك

ترفه عن نفسها قليلاً لن يأكلها "

قالت بعدها بغيض " لأني أعلم فيما تفكر ولما كل هذا الغضب من قدومها معنا "

رفعت بعدها الهاتف عن أذنها وقالت بصدمة " أغلق الخط في وجهي "

ضحك حيدر وهوا ينظر لها في المرآة وقال " من المفترض أن لا تُفاجئي بالأمر "

أعادت له هاتفه وقالت " قال سيلحق بنا "

ثم انفجروا ضاحكين وأنا مجرد مستمع فقط لا أفهم مما يجري شيئاً لكن ما أعلمه أن

العواقب ستكون وخيمة وأنا من ستدفع الثمن بالتأكيد

بعد وقت وصلنا لمدينة أغلبها أبواب حديدية وأسوار عالية وشاحنات تسير في

طرقاتها , التي تحمل بقرة والتي تحمل أحصنة والمليئة بالفواكه , عالم غريب
جداً ! وقفنا بعدها أمام أحد الأبواب الحديدة الكبيرة وأجرى حيدر اتصالاً ثم قام

عامل بفتح الباب لنا ودخلنا بالسيارة , سرنا مسافة ثم ظهر لنا رجل فيما يقارب

بداية الأربعين من العمر يرتدي ملابس الفروسية ويمسك في يده دلواً

ما أن اقتربت سيارتنا حتى وضع الدلو من يده واقترب منا , نزلنا جميعنا فتوجه حيدر ناحيته وصافحه قائلا " مرحباً بالخال العزيز "

ضحك الآخر وقال " مرحباً بالحيدر الغالي "

قال حيدر بضيق " شاب رأسك ولازلت بأسلوب بارد جداً "

اقتربت مريم وسلمت عليه ثم اقتربت أنوار وسلمت عليه أيضاً , يبدوا لي يقرب لها

فما علمته منها أن ثمة قرابة بعيدة بينها وبين حيدر , وما أن صافحته أنوار حتى

ضحك قائلاً " مرحباً بالجميلة زوجة القبيح "

فضحك هوا وأنوار ومريم وتأفف حيدر غاضباً , ركضت حينها صبا ناحيته

واحتضنته ثم قالت " أين جدتي ؟! "

قال مبتسماً " هذه ليست جدتك ... جدتك تركتيها في مدينتك "

ابتعدت عنه مستاءة فقال حيدر " هيا يا وائل سلم على خالك "

لكن وائل كان مختبئ منه ولا أعلم لما فقالت صبا بعدما مدت لسانها له

" هذا ليس خاله خاله رائد "

فضحك الجميع وشدت مريم ابنتها من أذنها مبعدة لها عنه فنظر بعدها ناحيتي

فقال حيدر " هذه قمر زوجة رائد وهذا خالي ثقيل الظل مروان "

ضحك خالهم وقال " مرحباً بالقمر في وضح النهار "

نظرتُ له بصدمة وقالت مريم ضاحكة

" هيا ندخل قبل أن يسقط علينا رائد من السماء "

ضحكوا جميعهم وأنا كالبلهاء بينهم حتى قال مروان وهوا يدخل أمامنا ونحن

خلفه " كيف لرائد أن ترك هذا القمر يأتي بدونه ولم يخف عليه من قطاع الطريق "

قالت مريم ضاحكة " أنت لا تتخلى عن عاداتك أبداً وعليا أن

أنبهك فرائد يجن جنونه من هذا "

ضحك حيدر من خلفنا وقال

" لا بل يجن جنونه من أقل من هذا فأمسك لسانك عنها "

قال مروان ملوحا بيده " ليس ذنبي ما كان عليه أن يتزوج واحدة كهذه "

وكزتني مريم وقالت هامسة ونحن نتبعه " لا تكترثي له هذا طبعه "

قلت بضيق " ياله من طبع سيء "

ضحكت ثم همست لي " هذا من سيصيب رائد بالجنون "

التفت مروان لنا وقال " فيما تتهامسان "

من هذا جاء رائد بهذه الجملة من خاله العزيز , قالت مريم ببرود

" شيء لا يخص الرجال طبعاً "

دخلنا منزلا كبيراً ومكون من طابقين كان المنزل واسع والنور يدخله من كل

جانب ويبعث فيك الراحة والسكينة , تركنا حيدر وخالهم في الأسفل وصعدنا

نحن للأعلى حيث جدتهم , وصلنا للأعلى كان يشبه الطابق الأرضي تماماً وقابلنا امرأة كبيرة في السن ولكن تبدوا بصحة فوق الجيدة ترتدي فستاناً طويلاً

بأكمام وتضع وشاحا على كتفيها وتبدوا من النظرة الأولى صاحبة شخصية قوية

سلم عليها الجميع ثم كان دوري فقبلت رأسها ويدها وقلت " سررت بلقائك يا جدتي "

ابتسمت وقالت " من أين لذاك المغفل كل هذا الدوق في الاختيار فليست عادته "

ضحكوا جميعهم ثم قالت ممسكة بيدي " تعالوا تفضلوا بالجلوس وخدي راحتك

هنا فالرجال لا يصعدون هذا الطابق إلا ليلا "

فهمت الآن هذه القوانين هنا لهذا لم يصعدا معنا , جلسنا في مكان غريب تبدوا

شرفة وليست شرفة في آن واحد , واسعة وبسياج نحاسي وكأنه مجلس يفتح على

المزرعة حيث الأشجار المصفرة اللون بمنظر يصعب تخيله ووصفه , كم هم

محضوضون بالعيش في هذا المكان , جلس الجميع فاستأذنتهم وأخذتني الخادمة

لغرفتي هنا , خلعت حجابي وعباءتي كنت أرتدي تنوره في نصف السابق وقميص

بأكمام قصيرة , خرجت لهم فقالت الجدة " تعالي واجلسي بجواري "

توجهت ناحيتها وجلست معها على ذات الأريكة فأمسكت خصلة من شعري وشدتها

وقالت " هل هذا حقيقي "

ضحكت وقلت بتألم " نعم "

مررت أصبعها على خدي ونظرت له وقالت " وهذه بدون مساحيق "

ضحكنا جميعاً وقالت مريم " كله طبيعي يا جدتي أعلم كم تكرهين

كل هذا وقمر مثلك لا تحبه "

نظرت لي مطولاً ثم قالت " اقسم أن هناك من ورطه في هذا الزواج أما أن يكون

هوا من أختارها بملأ إرادته فلن يكون ابن ابنتي "

قلت بابتسامة " بل هوا من خطبني بنفسه ودون حتى إعلامي بالأمر "

هزت رأسها وقالت " لن تقنعيني بذلك إن لم يكن ثمة سبب ورائه لا أكون أنا "

ومر بنا الوقت من حديث لآخر وتناولنا الغداء ثم استأذنت أنوار لأنها ستقضي

الأسبوع عند أهلها وأعمامها هنا فقد علمت الآن أنها من هذه المدينة وأن الجدة

تكون ابنة خالة جدتها وخالتها من الرضاعة أيضاً أي أن مروان يكون ابن

خالتها قضينا ما بعد الظهيرة أنا ومريم نرتب أغراض أبنائها وأغراضنا

وحممناهم لأنهم قضوا الوقت مع حيدر وخاله عند إسطبلات الخيول وبعدما

صلينا العصر قالت مريم " ما رأيك بجولة في المزرعة ونزور الخيول "

قلت بضيق " خالك أين يكون الآن "

ضحكت وقالت " قمر أنتي لم تتعرفي خالي جيداً صحيح يحب التغزل بالجميلات

لكنه ليس سيء كما تضني , هوا فقط يعير لكل شيء جميل اهتمامه "

قلت " ولما لم يتزوج حتى الآن مادام جنونه في النساء "

ضحكت وقالت " ليس جنونه النساء بل لسانه لا يخفي ما في قلبه وكما أخبرتك

يحب كل ما هوا جميل أما لما لم يتزوج سأحكيها لك ونحن نتنزه خارجا مادام

أبنائي نيام الآن ويمكنني الخروج براحتي "

نزلت برفقتها للأسفل وخرجنا للمزرعة كانت مقسمة لثلاث أقسام قسم عبارة عن

كروم للعنب وقسم للأشجار المثمرة وقسم وهوا الأجمل كله أشجار أوراقها صفراء

تتساقط كل حين منها الوريقات , لا أعلم ما تكون ويبدوا لي ليست من الأشجار

المثمرة , كانت مريم تحدثني عن طفولتها هنا قبل وفاة والدتهم وحكت لي أشياء

كثيرة عن رائد حين كان صغيراً وكم كانت أطباعه صعبة منذ صغره ويسبب

المتاعب للجميع ثم تطرقت لموضوع خالها وقالت " أما خالي فلم يتزوج لأمر

أضن أنه يكون هوا السبب ولا غيره وهي قصة قديمة سأحكيها لك ولكن لا

تخبري أحد وخصوصاً رائد "

قلت بحيرة " وما علاقة رائد بالأمر !! "

تنهدت وقالت " لجدتي شقيقة تسكن هنا ولها ابنة كان خالي يريد

الزواج بها لكنها لم تكن تريده هوا "

وقفت ونظرت جهتها وقلت " من تريد إذا ؟! "

قالت " أضنك فهمتي الأمر , رائد من كانت تريده "

قلت باستغراب " فارق السن بين خالك ورائد أضن كبيراً جداً فكيف يكون ذلك ! "

ضحكت وقالت وهي تعود للسير وأنا أسير بجوارها

" فكرتي بها بسرعة , هي أصغر من رائد بعام واحد فقط "

قلت بهدوء " وما كانت مشاعر رائد اتجاهها ؟ "

قالت بابتسامة " توقعت منك هذا السؤال , هوا لم يكن يحبها أبداً "

قلت بشبه همس " قد يكون من أجل خاله فقط "

قالت " لا أعتقد "

نظرت جهتها وقلت " وخالك لم يتزوج من حينها "

قالت " ولا هي "

قلت بعد صمت ونظري على الأوراق تحتنا

" إذاً هوا ينتظرها وهي تنتظر رائد "

قالت " لا أعلم ؟ خالي يقول رفع فكرة الزواج من رأسه بها وبغيرها وهي

تقول ذات العبارة حتى سافرت بهم السنين "

قلت " إن كانت أصغر من رائد بعام فلن تكون كبيرة جداً "

لاذت بالصمت وكأنها لم تعد تريد الحديث في الأمر بل وغيرت مجرى الحديث بآخر فتجولنا كثيراً وتحدثنا مطولاً ولم نرجع لمنزل المزرعة إلا مقربة المغيب

وقضيت باقي الوقت في غرفتي فخالهم سيصعد عند المساء ويتجول بحرية

فغرف النوم جميعها في الأعلى كما فهمت

في صباح اليوم التالي ارتديت تنوره من الجينز الأخضر بنقوش بنية اللون

تصل نصف الساق وقميص بني بدون أكمام , أمسكت شعري للخلف عند

منتصف الظهر وخرجت وتوجهت من فوري لتلك الشرفة العجيبة مجلسهم

الرائع , كانت الجدة ومريم وأبنائها هناك ألقيت عليهم التحية وتوجهت من

فوري لسياج المجلس أشاهد المزرعة والهواء العليل يلفح وجهي وشعري

كانت مريم وجدتها يتحدثان عن أمور شتى والجدة لا تتوقف عن التكلم معها

بحدة ناصحة لها في كل موضوع ولم أكن أنا أشاركهم بشيء فعيناي وفكري

سافرا مع هذا المنظر الخلاب حتى سمعت صوتاً يضرب قلبي قبل أذناي

صوت الشخص الوحيد الذي يمكنه الصعود هنا نهاراً , صوت مخملي لا

تعرف يخرج من رئتيه أم من حنجرته مباشرة قائلا " السلام عليكم "

الفصل الثاني والعشرون

كانت عيناي وفكري مسافران مع هذا المنظر الخلاب حتى سمعت صوتاً

يضرب قلبي قبل أذناي صوت الشخص الوحيد الذي يمكنه الصعود هنا نهاراً

صوت مخملي لا تعرف يخرج من رئتيه أم من حنجرته مباشرة قائلا

" السلام عليكم "

كانت دموعي تريد السقوط وبشدة وقلبي يريد البكاء وبنحيب ولكن يكفي حتى هنا

لم التفت ولم أتكلم ردوا عليه التحية وقبل رأس جدته وسلم على مريم ثم شعرت

بخطواته تقترب مني أمسك ذراعاي بيديه وقبل خدي بهدوء فأغمضت عيناي

ببطء وألم أحاول منعهما من استراق نظرة له , هل كان عليه فعل هذا ! لما يقتلني

ثم يكمل الأمر بتمثيلياته الدائمة أمامهم ؟ ما أسهل الهجران عليك يا رائد وما أقساه

عليا أنا وما أهون لقائي عندك وما أصعب لقائك هذا عندي فسحقاً للحب ولي ولهذه

الغبية المتدحرجة من سماء عيني , مددت أصابعي ومسحت دمعتي قبل أن تسقط وبقيت مسافرة بنظري للبعيد , ابتعد وجلس معهم فقالت جدته من فورها

" جيد تذكرت أن لك أحد هنا "

قال بهدوء " كيف أنتي وكيف هي صحتك ؟ "

عدلت من فستانها الخريفي المشجر الطويل لتضمه تحت ساقيها وقالت ببرود

" كان يفترض بنا تزويجك منذ سنين لتأتي "

قال بهدوئه ذاته والغريب عنه " هكذا كانت الظروف وها هم أحفادك

كلهم يزورونك مرة في العام "

تنهدت وقالت " المهم أنكم بخير ولا أحد مجبر على زيارة أحد "

ساد الصمت مطولاً وكأن كل واحد يريد اختبار سكون المكان ثم وصلني

صوت رائد قائلا بهدوء " قمر ابتعدي عن السياج "

ها قد جاء من سيعكر مزاج الرحلة بأكملها , الإسطبلات في الجانب الآخر

والمكان هنا مرتفع لا أفهم سبب هذا , تنهدت بضيق وابتعدت كنت أود استئذانهم

والمغادرة ولكن ستكون فرصته ليلحق بي للغرفة ويفرغ بي غضبه لقدومي هنا

دون علمه , جلست بجوار مريم مقابلة لجدته ونظري للخارج لم أرفعه جهته أبداً

ولم أطاوع قلبي لرؤيته , هل جربتم يوماً أن قتلتم الشوق في أوجه ؟ هذه أنا أفعلها

الآن ولا أنصحكم بتجربتها فهي أقسى من الشوق ذاته , كسرتْ الجدة السكون الذي

غزى المكان مجدداً قائلة " ما بك تبدين متعبة يا قمر ؟ كنتي بخير أول الصباح "

عدت بنظري من المكان الذي لا أرى منه شيئاً ونظرت للأرض وقلت

" لا شيء جدتي "

حركت شيئاً على الطاولة وقالت " أعلم أن رؤية الأزواج تسد النفس وتعكر

الصحة قبل المزاج ولكن هذا قدر النساء وعليهم الرضا به "

قال رائد بضيق مكتفا يديه لصدره " جدتي أن تعتبي علي لعدم زيارتك شيء

وأن تهينيني شيء آخر "

عادت لجلستها وقالت ببرود متجاهلة ما قال " كيف هم عائلة والدك ؟ "

يبدوا أن رائد أخذ أسوء الطباع من جميع أفراد العائلة , بل يبدوا لي هذه العائلة

تتوارث هذه الصفة أباً عن جد , حمداً لله أنه لم يأخذ خصلة خاله السيئة تلك

ساد الصمت مجدداً .. لا أعلم أي تأثير أضافه رائد على المكان جعل الجميع

يميل للسكوت والهدوء , رفعت نظري إليه فكان ينظر لي بسكينة وهدوء ثم

رفع يده ببطء ومدها لي وقال هامساً " تعالي "

شعرت بمساحة الأرض تتقلص عند أصابعه الممدودة وبالسماء تطوى صفحاتها

في عينيه , نظرت ليده بتيه وكل خلية في جسمي تقول ( لا أفهم ما يجري !! )

نظرتُ لمريم والجدة فكانتا تنظران لنا , كم تمنيت أن دخلت وتركته ويده الممدودة

كم تمنيت لو علّمته معنى الخذلان أمام الجميع ولكني بذلك سأكون أنا السيئة في

نظرهم جميعاً , وقفت وتوجهت نحوه بهدوء , عليه إكمال تمثيليته وبعدها سيزول

كل هذا , جلست بجواره دون أن أمسك يده الممدودة لي فرفعها ولفها خلف رأسي

ووضعها على كتفي الآخر لتغمرني رائحة عطره المميزة الممزوجة برائحة دخان

السجائر لينتج عنهما عطراً جديداً يميزه عن غيرة , عطراً يزيده سيطرة على

المكان , ومن الغريب أنه لم يهمس لي بإحدى كلماته المسمومة تلك عن أني يجب

أن أستحمله قليلاً أمامهم , قالت مريم مبتسمة

" حيدر وأنوار ينتظران مولوداً , لابد وأني أول من نقل لكم الخبر "

قالت الجدة ببرود " ثلاث أعوام لتحمل زوجته !! يا لكم من جيل "

ابتسمت مريم بعفوية وقالت " جدتي ما كان في عهدكم انتهى , على الزوجان أن

يستقرا قبل أن يفكرا في الأطفال "

قالت بحدة " وهل هم سفن لتستقر ؟ "

لم استطع إمساك نفسي فضحكت ضحكة صغيرة أكتمها بظهر أصابعي فأمسك

رائد يدي من على فمي ووضعها وهي في يده على فخذه فسحبتها من يده بسرعة

فقالت الجدة ناظرة لنا " وأنتما هل ستستقران أولاً ؟؟ "

لذت بالصمت أنظر للأرض أضغط بيدي على طرف قميصي بقوة فرأيت أصابعه

تمتد ويده تمسك يدي مجدداً ثم رفعها إليه وقبلها ثم وضعها على ذقنه تحت شفتيه

وقال " ليس بعد ولا نريدهم الآن فقمر أمامها عملية على قلبها ستجريها أولاً

أعرفك ستجرحينها بكلماتك "

كانت عيناي معلقتان به تملأهما الحيرة ويدي لازالت في يده يتحسس بها ذقنه

بحركة بطيئة , رفعها لشفتيه مرة أخرى قبلها وأعادها مكانها فقالت الجدة من

فورها " ينقطع لساني قبل أن يجرح واحدة مثلها , هلّا أخبرتني

من أجبرك على الزواج بها ؟ "

ضحك ووضع ساق على الأخرى وقال " ولما أجبروني عليها ! "

ضربت بطرف عكازها على فخذه ضربة خفيفة وقالت

" لأني اعرف اختياراتك السيئة جيداً "

ابتسم وقبل رأسي وقال " وها أنا قد أتبث لك العكس "

علمت الآن معنى أن يقتل أحدهم القتيل ويعزي أهله فيه , أن يجرحك أحدهم

بعنف ثم يمارس فن الطب على جراحك , أن يدوس مشاعرك بقدميه ثم يعود

ليمسح غبار حدائه عنها ... ما أقساه من شعور وما أصعبه , بقدر ما هوا شعور

جارح بقدر ما هوا ظالم وجائر , سحقاً لذاك الشيء المسمى حب وسحقاً لتمثيلياتك

أمامهم يا رائد فكم هي متطورة جداً وطويلة هذه المرة

أخفضت رأسي للأسفل أعض طرف شفتي محاولة منع دموعي من النزول فقالت

جدته " لو كنت عرفتها قبلك لزوجتها لمروان "

أبعد ساقه التي كان يضعها على الأخرى وأعادها مكانها ضارباً بها على الأرض

وقال بضيق " وما بكم مع زوجتي الكل يريد تزويجها "

ضحكت ووكزته بعكازها عند كتفه وقالت " لأنه لا واحدة غيرها قد تقنعه بالزواج "

رمى العكاز بعيداً عنه وقال بضيق " وتزوجيه بها ولستِ تهتمي بي أنا ومن أتزوج "

ضحكت وقالت بسخرية " بالتي تنتظرك حتى الآن "

أحسست حينها بوخزه قوية في قلبي وكأن أحدهم رماه بسهم من بعيد

لا أعرف حتى متى ستتحكم في هذا القلب المريض يا رائد حتى متى سيموت

كلما اقتربت غيري منك ولو على لسان الغير , وقفت من فوري وقلت

" بعد إذنكم "

تركتهم هناك ودخلت للداخل ثم للغرفة , ارتميت على السرير أخفي وجهي

تحت ذراعاي أمسح من عن قلبي بقايا عطره وحروفه وأسكب من عيناي بقايا

دمعاتي المتحجرة فيهما , بعد قليل طرق أحدهم باب الغرفة ودخل فكانت

مريم , جلست بجانبي ومسحت على ظهري وقالت " قمر لا تغضبي من كلام

جدتي فهي هكذا مع الجميع ورأيتِ بنفسك كيف توبخني دائماً وكأني طفلة

أنتي أول من أحبتها وعاملتها بلين "

جلست وقلت ودموعي بدأت بالنزول " لست غاضبة منها لا تقلقي "

قالت وهي تمسح لي دموعي " ولما البكاء إذا وكل هذا الحزن "

دخل حينها رائد ووقف مستنداً بالجدار ويديه في جيوبه ونظره علينا دون كلام

فزادت دموعي بدل أن تتوقف وتبعتها شهقات متفرقة , أنكست رأسي للأسفل

وأنا أمسك فمي بيدي كي لا تزيد عبراتي أكثر , لقد تعبت من كتم هذا وخرج

أمامهم دون اكتراث , حضنت مريم رأسي وقالت

" قمر يكفي نحيب أقسم أنك فطرتي لي قلبي "

قال رائد بهدوء " مريم اتركينا وحدنا قليلاً "

ابتعدت عني ومسحت بيدها على شعري وقالت بلامبالاة

" لن أخرج ولن أتركك توبخها فأنا من أحضرها إلى هنا "

قال بضيق " أنا زوجها أم أنتي ؟ "

ضربت كف يدها على ظهر يدها الأخرى وهما في حجرها وقالت بضيق

" أنت طبعاً ولكني اشعر بها أكثر منك "

ابتعد عن الجدار وقال بحدة " مريم ستخرجين أم ماذا ؟؟ "

قالت بحدة أكبر " لن تستفرد بها فهمت , لن أتركك تعاقبها على ما فعلته أنا "

تأفف واقترب منا جلس بجواري على السرير ضم كتفي بيده ورفع وجهي بيده

الأخرى ومسح دموعي بأصابعه ثم قبل شفتاي قبلتين صغيرتان ثم ثالثة أطول منهما

فابتعدت وأنزلت رأسي وأشاحت مريم بوجهها وقالت بضيق " ما بك ألا تستحي قليلاً "

شدني إليه مجدداً ودس وجهي في حضنه وقال ببرود " أخبرتك أن تتركينا وحدنا

ولم تفعلي وأنك لست ِ زوجها بل أنا ولم تكترثي "

وقفت ونفضت قميصها بضيق وقالت " ليكن في علمك قمر لا تعلم أني لم أخبرك "

ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها فوقفت أنا مبتعدة عنه ونظري للجانب الآخر

مرر يده على صدره العريض ونظر لي وقال بهدوء

" هل تري قدومك هنا دون علمي يجوز ؟ "

مسحت دمعة ما تزال عالقة في رموشي وقلت بابتسامة حزينة " إن كان تركك لي

ورميي ككيس قمامة وعدم إخباري يجوز فهذا يجوز أيضاً "

ضرب بقدمه على الأرض عدة مرات وهوا جالس مكانه على السرير وقال بعد

صمت " أنا الرجل يا قمر "

نظرت له بجمود ورميت جديلتي خلف ظهري لتضرب فخذاي من الخلف وقلت

بألم " ولما أعاملك كرجل ولا تعاملني كامرأة "

أخفض رأسه وحك حاجبه ثم تنهد ونظر لي وقال بذات هدوءه

" وكيف أنا أعاملك في نظرك ؟؟ "

ضممت ذراعاي بيداي ونظرت للأرض وقلت بابتسامة حزينة

" كنكرة كجدار كقطعة أثاث كجارية كمملوكة كـــ ... "

قاطعني قائلا " قمر كوني عادلة فكم عاملتك كزوجة كشريكة كمسؤولية "

نزلت دمعة من عيني مسحته وقلت بهمس " لا أذكر "

وقف وقال " سنغادر في الغد "

وتوجه جهة الباب ليخرج فنظرت له وقلت بجدية " لن أغادر معك "

وقف مكانه ثم التفت إلي في صمت فأشرت بأصبعي للنافذة جهة مشرق الشمس

حيث مدينة أيوب وقلت بحزم " جئت مع مريم من هناك من منزلها وأغادر معها

ولمنزلها فهي أصبحت المسئولة عن هذه الجارية الآن "

توقعت أن يخرج من هدوئه الغريب ويزمجر غاضباً كعادته ولكنه لم تتغير حتى ملامحه

وبقت على هدوؤها وقال بنبرة هادئة " أنتي لستِ جارية ولا تكرريها أمامي يا قمر "

ثم خرج وأغلق الباب دون أن يضيف حرفاً آخر ليتركني لحزني وبكائي لوحدتي

وألمي لجراحي الكثيرة منه , لما عدت يا رائد ؟ لما لم تتركني لآخر العمر لعلي

هذه المرة أنساك للأبد , نزلت جالسة على الأرض ودموعي تتناثر وتتكسر

فوق سطحها الأملس ولا شيء يضاهي شعوري بالفقد والحرمان سوى شعور

هذه الدموع اليتيمة ولا شيء أقسى من جور قلبه علي سوى هذه الأرضية

الصماء , نمت فوقها أحضن برودتها فلاشيء في حياتي تغير سأبقى دائماً قمر

الطفلة اليتيمة الوحيدة التي تلتمس الدفء والحنان من برودة الأرض والأبواب

الحديدية , بعد العصر سمعت طرقات خفيفة جداً ومتقطعة على باب الغرفة ثم

انفتح الباب ودخلت ابنة مريم وأنا جالسة على السرير احضن ساقاي نظرت لي

وقالت بابتسامة " جدتي تقول تعالي بسرعة "

ابتسمت وقلت " تعالي ادخلي يا صبا "

اقتربت مني فقلت " من مع جدتك ؟! "

قالت من فورها " خالي رائد "

تنهدت وقلت " حسناً أخبريها أني قادمة "

غادرت السرير الذي لم أنم عليه طوال تلك الساعات وتوجهت للخزانة ارتديت

سروالا من الجينز وقميصا بلا أكمام ويُربط عند العنق من الخلف بألوان مدموجة

سرحت شعري للخلف وتركته مفتوحاً فليتحدث عن ملابسي إن استطاع فمن اليوم

لن يتحكم بها , لبست خاتما فيروزياً ملوناً وعقد وخرجت , كانوا يجلسون في

مجلسهم ذاته أغلب الأوقات , ألقيت التحية وتوجهت من فوري بجوار الجدة دون

أن انظر إليه وحملت طفلة مريم من جانبها وأجلستها في حجري ونظري عليها

فقالت الجدة " أين أنتي يا قمر حتى الغداء لم تتناوليه معنا ؟! "

قلت بهدوء ونظري لازال على الصغيرة

" لم تكن لي رغبة في الطعام شكراً لك جدتي "

تنهدت وقالت بضيق " إن كان هذا الرائد أغضبك فلا يمسكك إلا لسانك "

نظرت له فكان يتكأ على مسند الأريكة بمرفقه ويده في شعره وينظر لي بهدوء

فعدت بنظري لأروى وقلت " هكذا هي الحياة لكل صباح مساء يا جدتي "

ضحكت وقالت " هكذا هم الرجال يعرفون كيف يجعلون الصباح مساء فقط "

ابتسمت ابتسامة صغيرة وأنا ألعب بشعر أروى بأصابعي ونظري عليها , ضننت

أن رائد وحده من سيفهمني لكن جدته ليست بالهينة , دخلت حينها مريم وقالت

" ما رأيكم لو زرنا الإسطبلات جميعنا ألستم تريدون رؤية الفرس التي ولدت حديثا "

قالت الجدة " نعم فمروان لن يغادرها إلا إن شددناه من قميصه وأعدناه معنا "

ضحكت مريم وقالت " ينام معها ووالدتها منذ البارحة لا أعلم ما يصنعه هناك اليوم "

وقفت الجدة فقال رائد " أنا وقمر سنتمشى جهة الأشجار قليلاً "

قالت الجدة مغادرة " كما تريدان "

وقالت مريم مبتسمة " إذاً أروى أمانتكما هي تحب التنزه أكثر من الخيول "

وهربت مسرعة كي لا نعترض ووقف بعدها رائد وقال

" لا تنزلي للطابق الأرضي أبداً "

ثم توجه جهة الباب ووقف عنده واضعاً يديه في جيوبه ملتفت إلي بنصف جسده

وقال " لم أتخيل أبداً أن أكون أصبحت بالنسبة إليك رمزاً للمساء يا قمر "

وتركني ودخل جهة المجلس الداخلي حيث التلفاز هناك , تنهدت بضيق ... يالها من نزهة جميلة , جيد أنه ألغاها من نفسه لأني كنت سأرفض , أكملت جلوسي مكاني

ألاعب الصغيرة حتى عادت مريم فوقفت عند الباب ونظرت لي وقالت

" عدتما سريعاً !! "

ضحكت وأنا أداعب يد صغيرتها وقلت " نعم فقد تعبنا من كثرة السير والكلام العذب "

ثم امتلأت عيناي بالدموع من فورها فتنهدت وقالت بضيق

" ياله من متحجر , هكذا إذاً لم يكن يريد أن تذهبي "

مسحت عيناي وقلت ببرود " لا يهم ذلك فلم أرغب في الذهاب وكنت سأعتذر منكما "

اقتربت مني وأخذت الطفلة فوقفت من فوري فقالت

" أين يا قمر ! هل ستعودين لسجن نفسك ؟ "

قلت مغادرة " هوا أفضل لي فلما أبحث عن سبل التعب "

ثم دخلت وعدت للغرفة غيرت ثيابي وأخرجت كتاباً ونسيت نفسي بين صفحاته

حتى المغيب وعند العشاء اعتذرت متحججة أن معدتي تؤلمني فهم سيتناولون العشاء

معاً في الأسفل وبعدها سيصعد حيدر وخالهم ككل يوم فالأفضل لي البقاء هنا من

سماع الكلام المسموم منه , بعدما صليت العشاء عدت لكتابي وسمعت حينها طرقات

على الباب , فتحته فكانت الخادمة تحمل لي العشاء فقلت من فوري

" الجدة طلبت منك هذا ؟! "

هزت رأسها بلا وقالت " ليست السيدة الكبيرة "

قلت " من إذا ؟! "

قالت " السيد رائد ... الصينية تقيله سيدتي "

ابتسمت وقلت " آسفة خذيه معك لا أريده وشكراً لك "

غادرت من فورها فأغلقت الباب وعدت لسريري وكتابي , بعد وقت دخلت

السرير وأطفأت النور , الوقت مبكر ولكن ما لدي غير النوم لقد أفسد عليا

بقدومه , لم أتوقع أن لا أسعد برؤيته لقد أصبحت جراحي تزداد منه على ما

يبدوا لي وكثرة حزني تقتل مشاعري رويداً رويداً , ترى هل يأتي اليوم الذي أكرهه فيه ؟ شعرت حينها وكأن أحدهم استل عرقاً من قلبي وتوقف تنفسي

فجأة فقلت بهمس " آآآآآآآه "

ثم اضطربت أنفاسي كثيراً فدسست وجهي في الوسادة وابتسمت بحزن

لا يبدوا لي سأجد عمراً لأكرهه فيه فحتى العمر سيتخلى عني قبل أن يحدث

وأنساه , بعد وقت فتح رائد باب الغرفة ودخل , لا أعلم لما ينام معي هل ضاق به

المنزل بطابقيه أم عليه إكمال تمثيليته أمامهم , كنت معطية ظهري له فجلس على

طرف السرير الآخر لوقت طويل في صمت ثم قال " قمر هل أنتي نائمة "

لم اجبه ولم أتحرك فقال " ألستِ من طلب الخروج من المنزل فلما الغضب الآن "

قلت بعد صمت " أن تخرجني من المنزل شيء وأن تخرجني من حياتك شيء آخر

وعموماً شكراً لك فالشعور بات متبادلاً "

قال بهدوء " متبادل في ماذا تحديداً ؟! "

قلت بهمس حزين " أنت أعلم بذلك "

اقترب مني ووضع يده على ذراعي وهمس في أذني " بالنسبة لي بات متبادلاً "

لم أكن افهم ما يقصد ولم أساله , تسللت يده أمام وجهي و أزال شعري لأنه كان

مجموعاً للأمام في حضني , أبعده للخلف وقبل خدي وقال بهمس خافت

" اشتقت إليك "

يبدوا لي قال ذلك أو قال شيئا فهمته كذلك لأن عقلي لن يستوعب أن يكون هذا

ما سمعت ومؤكد هيئ لي , قبّل بعدها عنقي ثم أبعد ياقة القميص وقبّل كتفي قبلة

طويلة فبدأت بالبكاء في صمت سوى من شهقات صغيرة فأعاد شعري حيث كان

وغادر السرير للشرفة الصغيرة الموجودة هنا ولا شيء سوى رائحة سجائره

تصلني للداخل وبعد وقت غادر من الغرفة بأكملها ولم يرجع إليها

يطلب مني أن لا أنادي نفسي بالجارية وهوا لا يعاملني إلا كجارية , كيف يزيل

الشعار وينسى إلغاء تطبيقه , كيف يظلمني لهذا الحد ليقول أن الشعور بات متبادلاً

لا لن تبادلني الحب يا رائد ولا الشوق والجنون , ليس لديك ما تبادلني به لأنك أجوف

من الداخل ويجب أن أصبح مثلك , انقلبت على الجانب الآخر وتنهدت بألم ... هدوئه

غريب هذه المرة ولابد يخفي خلفه إعصاراً سيضربني به بالتأكيد , تقلبت كثيراً ولم

أنم إلا بعد الفجر ثم استيقظت بعد وقت دخلت الحمام استحممت وخرجت ثم اتصلت

بعمتي فأجابت من فورها " مرحباً قمر كيف أنتي ؟ "

قلت بابتسامة حزينة " مرحباً عمتي كيف حالك والجميع ؟ "

قالت بهدوء " قمر ما بك حبيبتي صوتك لا يعجبني ! "

كتمت دموعي وقلت " لا شيء عمتي فقط مشتاقة لكم "

قالت بقلق " قمر لا تخفي عني شيء يا ابنتي "

نزلت دموعي رغماً عني وقلت بعبرة " مشتاقة لكم عمتي لما لا تأتون الآن "

قالت " قمر حبيبتي لما البكاء نحن فقط ننتظر أن ينزع مؤمن آخر جبيرة

قولي أنك لست بخير فنكون عندك في أقرب رحلة "

قلت " لا عمتي أنا بخير لا تقلقي أريد أن أراكم سريعاً أرجوك اقسم أني أموت

شوقاً لكم وكم أخشى أن ... "

قالت من فورها " تخشين ماذا يا قمر ما بك ؟! "

قلت بهدوء " لا شيء "

تنهدت وقالت " أين أنتي الآن أمازلت في مدينة والد رائد "

قلت " لا نحن الآن في مزرعة جدته جئنا لزيارتها "

قالت بصوت مبتسم " جيد يبدوا لي عائلته كبيرة "

قلت بابتسامة حزن " أجل "

قالت " قمر إن كنتي غير مرتاحة أخبريني بنيتي وسأتحدث مع زوجك من

فوري وسأوبخه شر توبيخ إن لزم الأمر "

قلت " لا عمتي أنا بخير لا تقلقي سلمي لي على الجميع , وداعاً الآن وعودوا قريباً "

أنهيت الاتصال وحضنت الهاتف وقلت بعبرة " نعم لست بخير عمتي لست بخير أبداً "

سمعت حينها حركة عند باب الشرفة فالتفتت من فوري فكان رائد يقف هناك ينظر لي

ذات النظرة الهادئة , نظرتُ له مطولاً ثم عدت برأسي للأمام ومسحت دموعي وقلت

" ما أن تعود عمتي فسأذهب معها , سأخرج من هنا لمنزل

مريم ومن هناك لمنزل عمتي "

وصلني صوته قائلاً " هل تكرهينني لهذا الحد ؟؟ "

أنزلت الهاتف من يدي وقلت بسخرية " بل علمت الآن كم تكرهني أنت "

قال " لم أتركك عند مريم كرهاً لك وكل ما تريدينه سيحدث "

تم خرج مغادراً الغرفة ونمت أنا على السرير أشد اللحاف وأبكي بمرارة وقد

عاد ذاك الألم لقلبي المجروح , متى ستتوقف وتريحني ؟ متى ستموت لقد تعبت

من ألمك ومن جراحه , بعد وقت طرق أحدهم الباب ودخلت مريم ثم ركضت

مسرعة نحوي وجلست على السرير وقالت " قمر ما بك !! "

دسست وجهي في الوسادة وقلت " لا شيء "

تنهدت بضيق وقالت " لو كنت أعلم أن هذا ما سيحدث ما جئنا من أساسه "

قلت ببكاء من تحت الوسادة

" أخبرتك منذ البداية لن ينجح الأمر فلم يعد يريدني يا مريم "

مسحت على ذراعي وقالت

" هيا توقفي عن البكاء ألا يوجد رجال غيره على وجه الأرض .... هوا الخاسر "

بعد محاولات منها لتهدئتي وإصرار كبير خرجت معها لنتناول الفطور سوياً لأني

لم أتناول بالأمس سوى الإفطار ثم انتقلنا بعدها للمجلس بجوار الجدة فقالت

" شقيقتي قادمة اليوم "

قالت مريم بضيق " وابنتها معها "

قالت الجدة بابتسامة جانبية " بالتأكيد فالزيارة كلها من أجلها "

قالت مريم من بين أسنانها " رائد معه حق حين قال أنه لا يريد قدوم قمر بسببها "

نظرت لها بحيرة فقالت " كدنا نتشاجر أنا وهوا منذ قليل ويبدوا لي وجهة نظره

صحيحة , قمر لا تقابليها أو لا قابليها لتراك وتعلم أن منافستها ليست بالسهلة "

أبعدت نظري عنها وقلت بابتسامة حزينة " لن تأتي لمقابلتي أنا فاتركيها فيبدوا

لي ستنتصر في النهاية ولن أدخل حرباً خاسرة "

بعد الغداء عدت لغرفتي وبعد العصر كانت ضيفتاهم هنا ولم أخرج رغم زعمهم

أنهم يرغبون برؤيتي فلست بمزاج لغيداء جديدة فلتشبع به فهوا سيتركني على أية

حال , نزلت مني دمعة فمسحتها بسرعة وقلت

" يكفيك جنون يا قمر يكفيك تعلقاً به "

ولكن دموعي لم تزدد إلا انهماراً دون توقف , كنت أشعر بالنيران تأكل أحشائي

كلما فكرت أنها قد تقابله , بعد وقت فتحت باب الشرفة استنشق الهواء ليخفف

اختناقي فرأيت رائد يقف عند سياج ساحة الخيول ثم اقتربت منه فتاة بخطوات

بطيئة هذه هي بالتأكيد , وقفت بجانبه فنظر جهتها ووقفا لوقت يتحدثان سوياً ثم

ضحك رائد وغادر ونظر من فوره حيث شرفتي ووقعت عيني في عينه فدخلت

وأغلقت الباب ولم أصل السرير إلا بصعوبة فألم قلبي بدأ يزداد عن الأمس

هنيئاً لك يا قلبي فها قد بدأت بعزف المقطع الأخير وهنيئاً لك يا رائد فها قد كتبت

معزوفة النهاية الحزينة , لم تغادر ضيفتاهم إلا بعد العشاء وأنا سجينة الغرفة طبعاً

فلن أخرج لأراه يضحك معها ويتبادلان ذكرياتهم هنا , فستفعل هي ذلك ولو متعمدة

وسيسعد رائد بذلك ولو من أجل الانتقام مني

بعدها بقليل سمعت أصوات صراخ وكأنه شجار بين اثنين فخرجت من الغرفة

واقتربت من السلالم المؤدية للأسفل وسمعت رائد يقول بصراخ غاضب

" إن صعدت للأعلى الآن غادرنا المزرعة من فورنا ولن تراني ما حييت "

جاء حينها صوت خاله مزمجراً بغضب

" لست اصغر أبناءك لتأمرني وسأنام في غرفتي شئت أم أبيت "

قال حيدر " تعودا من الشيطان أنتم لستم صغارا "

قال رائد بغضب " وهل تراه غير ذلك وهوا يتغزل في زوجة ابن شقيقته علناً

وبوقاحة وليس أي غزل , أقسم لولا الحياء لأخجلتك أمامهم "

قال مروان " وما في الأمر إن أثنيت عليها أمام الجميع ولما تمنعني من

الصعود للأعلى يا مجنون "

قال رائد صارخاً " لا تهينني يا مروان خيرٌ لك "

صرخ به " خالك مروان يا طفل "

صرخت حينها الجدة قائلة " ماذا يحدث هنا هل جننتم أم ماذا !! "

قال رائد " إن صعد ابنك للأعلى فلن أبقى وزوجتي دقيقة أخرى "

ثم سمعت خطواته الغاضبة تقترب فعدت للغرفة وأغلقت الباب ودخلت الحمام

وأغلقته وبعد وقت خرجت فكان رائد يجلس على السرير يتنفس بقوة والغضب

لازال جليا على ملامحه فقلت بهدوء " دعنا نغادر صباح الغد "

نظر لي مطولاً ثم قال " وما غير رأيك بالأمر !! "

ثم نظر للأرض وقال " سوزان كانت تريد أن تسلم عليا فقط "

قلت ببرود " لا يهم ... لا أريد أن تتشاجر وخالك أكثر بسببي "

نظر لي في صمت ثم أبعد نظره عني فدخلت السرير ونمت موليه ظهري له

مر وقت وهوا جالس في صمت ودون حراك ثم قال

" أراك تراجعتِ عن الذهاب مع مريم فما بشأن عمتك "

قلت ودمعتي نزلت من عيني لتسافر لعيني الأخرى " الآن الضرورة حكمت "

قال بهدوء " والأخرى ألن تحكمها الضرورة "

قلت بحزن " استحملت كل شيء منك لكن أن ترميني لشقيقتك وتذهب

لم أجد لها أي طاقة "

قال بعد صمت " أردت أن أحميك من قسوتي "

قلت بألم " ولما تقسو علي ؟ لماذا !! "

قال بصوت مكسور وحزين " هذا أنتظر جوابه منك "

شددت اللحاف بقبضتي بقوة وأنا أضمها لصدري وقلت بأسى

" ليث لدي ما يرحمني ويريحك يا رائد أقسم أنني تعبت "

لاذ بالصمت طويلاً ثم قال " لا داعي لأن تعودي إليهم لن أتركك مع مريم ثانيتاً "

قلت بألم " لن يمنع ذلك إلا موتي يا رائد "

رمى شيئاً على الطاولة وقال بضيق

" لا أعلم لما تعشقين الحديث عن الموت يا قمر "

قلت بأسى " لأنه وحده يعشقني "

ثم تابعت "سمعتك تقول لمريم سابقاً أنك ستعيدني من حيث

أخذتني فلما تغير كلامك الآن "

اقترب مني وهمس في أذني قائلا " قلت ولكني جَبُنت "

ثم قبل خدي وغادر الغرفة في صمت وسافرت أنا لبكائي حتى غلبني النوم وعند

الصباح غادرنا المزرعة عائدان من حيث أتينا , يبدوا لي مخطط مريم نجح نصف

نجاح هذه المرة , نمت طوال الطريق وكأني أعوض ما فآتني من نوم ولم أستيقظ

إلا ونحن على وشك الوصول , دخلنا المدينة فقال

" نذهب لمنزل والدي أم منزل الجيران "

قلت ونظري على يداي " ألا خيار ثالث ؟! "

قال بعد صمت " لم أجد منزلاً قريباً "
نظرت لوجهه وقلت " وكيف تركتهم المدة الماضية ؟! "

قال ونظره على الطريق " كنت هنا أغلب الوقت "

اتكأت على النافذة بحزن ومسحت دمعة نزلت من عيني فقال بهدوء

" قد يأتي وقت أشرح لك فيه سبب كل هذا حين تتسامحين مع نفسك يا قمر "

قلت بحزن " لن يكون ذلك فلا وقت وقد مات الورد وانتهى "

هز رأسه وقال بشبه همس " لو اعلم حكايتك مع الموت الذي تنادينه كل لحظة "

ليث لي غيره أناديه ويأتيني على الفور يعشقني ويتربص بي كل حين , أناديه

فلا يتردد وأطلبه ولا يبخل أبداً , ليتك مثله وليته مثلك يا رائد

ضممت يداي لبعضهما ودسستهما في صدري أبكي بحرقة متجاهلة كل شيء

وكأني أقول لكل ما في قلبي وداعاً للأبد ... وداعاً يا عشقي الجنوني وداعاً يا

حزني وداعاً يا دموعي وألمي ووداعاً يا بقايا أهلي , أوقف السيارة جانباً وشدني

لحظنه في صمت وكأنه يريدني أن أودع حضنه أيضاً , لم أتخيل يوماً أن القبر

سيكون أرحم منه وسأختاره عليه , ابتعدت عن حضنه فمسح على خدي وقال

بهدوء " هل أنتي بخير هل نتابع سيرنا ؟ كدنا نصل "

هززت رأسي بنعم دون كلام فشغل السيارة وتابع سيره , بعد قليل وصلنا

لمنزل والده ولكني نزلت وتوجهت لمنزل خالي ووقفت أمام بابه فلم تترك

لي خيار آخر يا رائد فهذا الجحيم أهون عندي من شقيقتاك

على الأقل سأستحملك أنت وحدك وليس ثلاثتكم معاً , لقد علمتني أن ما قاسيته

من خالي وزوجته لا شيء يذكر فجرح من تحب أقسى ألف مرة من جرح من

تكره , اقترب مني فتح باب المنزل ودخلت , نظرت لكل شيء وتنهدت بحزن

ها قد عدت ويبدوا أنني لن أخرج من هنا إلا جثة , دخل رائد ومعه حقيبتي توجه

لغرفة النوم وأدخلها هناك فدخلت بعد خروجه منها ولم أخرج من هناك ولا لإعداد

الطعام ولا تناول شيء وألم قلبي في استمرار وكأن ثمة من يعصره بين يديه ويستل

أوردته , في صباح اليوم التالي خرجت من الغرفة كان التلفاز مفتوحاً وهاتف رائد

ومفاتيحه على الطاولة وهوا غير موجود , رن هاتفه مطولاً ثم رنت رسالة , اقتربت

منه فكان رقماً غريباً , فتحت الرسالة فكان فيها ( اتصل بك ولا تجيب .... سوزان )

ثم مجموعة حروف كل حرف منها في سطر وهي ( أ ح ب ك )

كنت أنظر لكلماتها وأحرفها بصدمة وكأنها لكمات تضرب قلبي المنتهي بل تضرب

بقاياه المتألمة , دخل حينها رائد من الخارج نظرت له بعينان تمتلئان بالدموع وقلت

" كنت انتظرت حتى أعدتني لمنزل عمتي أو حتى مت ثم فعلت هذا "

ثم رميت بهاتفه على الأريكة ودخلت الغرفة وأغلقتها بالمفتاح , كانت الآلام في قلبي تزداد وتزداد ... زحفت على السرير حتى وصلت لهاتفي واتصلت بعمتي فأجابت

من فورها قائلة " قمر ما بك لما البكاء !! "

قلت بنحيب " عمتي تعالي وخذيني معك الآن , عمتي أنا لست بخير

وأتعذب تعالي وخذيني "

قالت بصوت مرتفع " قمر ما بك !! كنت أعلم أن صوتك ليس بخير كنا سنعود على

رحلة اليوم , بنيتي اهدئي ولا تبكي "

قلت بعبرات متتالية " لا تتأخري عمتي أرجوك تعالي بسرعة لا أريد البقاء هنا "

قالت " مفتاح منزلنا هناك مع المفاتيح التي تركناها لديك اذهبي إليه ونحن قادمون سريعاً , قمر هل تشعرين بفشل يدك "

قلت بعبرة " بل وبالألم في قلبي أيضاً "

شهقتْ بصدمة فقلت بحزن " أحبك عمتي ... سامحيني "

ثم أغلقت عليها الخط ولم أجب على جميع اتصالاتها فسمعت حينها طرقاً

قوياً على الباب وصوت رائد يقول " قمر افتحي الباب "

وقفت بصعوبة أصارع آلامي وقلت بصراخ باكي وأنا أشد على قلبي بيدي بقوة

" لن أفتح ... أتركني أموت هنا وحدي "

قال وهوا يضربه بقوة " قمر افتحي الباب بسرعة "

لم أجبه ولم أفتح , تساندت بطرف السرير من شدة الألم كي لا أقع فغادر لوقت

ثم عاد وفتح الباب ودخل فأبعدت يدي ووقفت بتبات أكتم ألمي قدر الإمكان فاقترب

مني أمسك ذراعاي وقال " ماذا تعني عمتك بأن ألحقك لأنك تموتين !! قمر ما بك "

دفعته من صدره وقلت بحدة " اتركني وشأني واذهب لها "

هزني وقال " قمر لا تستعجلي الحكم وأخبريني ما به قلبك "

رميت بيديه بعيداً عني وقلت بأسى " يموت ... يموت يا رائد , أقسم إن أحبتك

بحجم الكون لن تحبك مثلي ولا أي امرأة في الوجود ولا حتى والدتك التي أنجبتك "

ثم قلت وأنا أضرب على قلبي بقبضة يدي

" موتي يا قمر موتي الآن ما الذي تريدينه من الحياة بعد هذا "

حضنني بقوة وفتح باب الخزانة بيده الأخرى ليخرج عباءتي وحجابي فقلت بصوت

مخنوق " فات ..... فات الأوان "

يتبع .....
 
الـفصل الثـالث و العشرون

كدت أصاب بالجنون حين اتصلت بي عمتها وقالت لي أن ألحقها لأنها تموت

فتحت عليها الباب ودخلت فكان الألم واضحا على وجهها رغم ادعائها الصمود

أخرجت عباءتها من الخزانة ممسكا لها في حضني ولا أفهم مما يجري شيئاً

كانت تتألم بين ذراعي ثم أمسكت قلبها بقوة وقالت بصوت متألم

" قلبي ..... قلبيـــ آآآآآآآآآآآآآآآآه "

وسقطت من يدي أرضاً نزلت عندها أجلستها متكئة على كتفي وقلت

" تماسكي يا قمر تماسكي "

أمسكت قميصي ونظرها لسقف الغرفة ثم مدت يدها للسقف وقالت مبتسمة بحزن

ودموع " أراها ... أرى قدميها تقفزان هناك وأسمع صوت ضحكاتها "

مدت يدها للأعلى أكثر وقالت بألم " قمر خذيني إليك "

شعرت بأحشائي تتمزق وقلبي يرتجف وعجز لساني عن الكلام فحضنتها

بقوة أدسها في حضني كي لا ترى المزيد ولا تطلب الذهاب لها وتتركني

شعرت بيدها تمسك قميصي بقوة ثم قالت

" لما نسيت السطح وفتاة السطح يا رائد لما نسيت قمر الطفلة تلميذتك الوحيدة "

أبعدتها عن حضني ومسحت بيدي على وجهها وقال بهمس حزين

" لماذا يا قمر لماذا خنتني "

نظرت لعيناي نظرة لا أنساها ما حييت ... نظرة تحمل كل معاني الحزن والألم

والحب وقالت بابتسامة حزينة " لأني أحببتك "

ثم أمسكت قلبها بتألم ودست وجهها في حضني وقالت بصعوبة

" أخبرتك أني لا أريد أن أموت هنا ليثني أكرهك كما تكرهني يا رائد "

ثم شهقت بقوة وارتخى جسدها بي ذراعاي وسقطت يدها أرضاً أبعدتها عن حضني

أنظر لها بضياع كانت بين يداي كقطعة القماش , كورقة خريف فارقت شجرتها

كنت انظر لها بصدمة فقدت معها جميع حواسي , أحسست الآن بشعور من يقول

شعرت بقلبي ينشطر نصفان , أمسكت يدها برجفة فكانت باردة كالجليد فضغطت

عليها بقوة وقلت بهمس " قمر حبيبتي "

لكنها لم تتحرك ... لم تفتح عينيها ولم تجب , حضنتها بقوة وقلت بصوت مخنوق

" لا يا قمر لا تفعليها بي ... قمر أرجوك "

كنت أحضنها وأحضنها وأدسها بين ضلوعي وأترجاها أن تجيب أن تنظر إلي

ودون فائدة , أبعدتها عن حضني أتلمس يديها ووجهها ... كل شيء بارد كل شيء

كالجليد , ضغطت بيدي على قلبها بقوة ولا أشعر بأي نبض كان عقلي يرفض

فكرة أن ألمس عرق رقبتها وكأني أخشى من حقيقة أنا متأكد منها ثم جمعت

الأجزاء المتبقية من قواي المنهارة أغمضت عيناي بشدة وألم ومررت أصابعي

ببطء على عنقها فأحسست بنبض ضعيف , من مفاجئتي حملتها بين يداي وانطلقت

بها للسيارة وغادرت بسرعة جنونية للمستشفى , يد تحرك المقود ويد تحضنها

لصدري بقوة , كم شعرت اليوم أن الطريق طويل وأن السيارات تسير بسرعة

السلحفاة بل أبطأ منها بكثير , وصلت المستشفى ونزلت احملها بين ذراعاي

وأركض بها الممرات لا عباءة لا حجاب وبفستانها القطني القصير شعرها متناثر

حولها يلامس ركبتاي وكل من مررت به نظر لها ووكز من بجانبه إن كان لا يرى فضممت وجهها لحضني وصرخت راكضاً

" إلى ما تنظرون هي امرأة متحجبة غضوا أبصاركم عنها "

وصلت نصف الممر وصرخت بكل صوتي " ممرضااااات ليأتي أي أحد يا مغفلين "

خرجت اثنتان تركضان نحوي لأخذها مني فقلت " ليس هنا ... العناية أي

شيء غير الطوارئ استدعوا الدكتور منصور دكتور القلب ملفها لديه

( قمر بشير) بسرعة أرجوكم "

أحضروا سريراً ووضعوها فيه وركضوا بها جهة المصعد وأنا خلفهم أدخلوها

العناية وتركوني في الخارج أجلس دقيقة وأجوب الممر دقائق أهدأ لحظة وأضرب

الجدار بقبضتي لحظات ومرت الساعة والساعتين والثلاث ولا أحد يخرج سوى

ركضاً ويجرون مكالمات بمن لا أدري ومؤكد بطبيبها في ألمانيا , لا أفهم شيئاً !

لما قالت عمتها هذا وكيف علمت ؟ هل هذا ما تعنيه قمر بموت الورد هل كانت

تعلم أنها ستموت ! كنت أحك جسدي كمدمن المخدرات الذي نقصت عليه الجرعة

ثم أحضن رأسي بيداي جالساً على كرسي الانتظار

قررت إبعادها عني لأرحمها مني فلم أقدر , جربت نسيان كل ما فعلت بي ولم أنجح

قررت أن أعيدها لعمتها وانفصل عنها ولم أستطع حتى اتخاذ قرار نهائي حيال الأمر

تبعتها للمزرعة لا أعلم غيرة عليها من خالي أم خوفاً عليها من سوزان أم شوقاً غلبني

وانتهز الفرصة وما أن رأيتها هناك حتى اكتشفت أنني عبثا أحاول وأني لن أتخلص

من وجودها في قلبي لا قمر الطفلة ولا ضوء القمر ولا قمر الحاضر فقررت بعد

عودتنا هنا أن نتحدث بروية واعلم لما خانتني ولما تسكت عن الأمر لكنها سجنت

نفسها ولم أحب إرغامها على الخروج كي لا نتشاجر فلم تخرج إلا على رسالة

سوزان التي لا اعلم من أين تحصلت على رقم هاتفي وانتهى بنا الأمر أن تحدثنا

عن ما نكتم وهي تموت بين يداي , يالا سخافتك يا رائد كانت طوال الوقت تنتظر

أن أتذكرها وأنا أنتظر أن تتحدث من تلقاء نفسها وكل واحد منا يسير في اتجاه حتى

انتهى كل شيء , تباً لغرورك وكبرياءك كنت تحدثت معها قبل أن يفوت الأوان

اتكأت برأسي على الجدار فسمعت أصوات خطوات تركض نحوي فنظرت يميناً

فكانت عمتها وزوجها , وقفت وقلت بتساؤل " متى وصلتم وكيف علمتم أننا هنا !! "

اقتربت عمتها مني أمسكت قميصي بقوة وقالت وهي تهزني

" ماذا فعلت لقمر ماذا حدث لها تكلم ؟؟ "

بقيت أنظر لها بصدمة فقالت ببكاء " قتلتها يا رائد , علمت أن صوتها مؤخراً لا

يبشر بخير كانت تموت أماك وأنت تتفرج عليها "

أمسكها زوجها وأبعدها عني فقالت ببكاء مرير وهي تصرخ بي " تركناها أمانة لديك

لولا حبها لك ما وافقنا زواجك بها لقد أضعتها منا لقد أكملت باقي مسيرة عذابها سحقاً

لك يا رائد اسأل الله أن تتجرع ما جرعتها إياه فلم تصل قمر لهذه المرحلة إلا بعد

عذاب طويل بعد ألم نفسي وروحي "

بقيت أنظر لها بصمت وكأن لساني مات كانت تسرد مأساتها التي كانت أمام

عيني ولا أراها , كانت تصرخ بحرقة وزوجها يبعدها بقوة حتى خرج الطبيب

منصور فركضا كليهما باتجاهه وقالا معاً " هل ماتت ؟ "

كنت أنظر لهم بصدمة , لما هم موقنون من موتها !! ما الذي يجري وأنا آخر

من يعلم به , تنهد بضيق وقال " قلبها ضعيف جداً , تلفت القطعة الاصطناعية

وعمل الصمام في تباطؤ "

ثم هز رأسه وقال بيأس " مسألة وقت فقط ويتوقف قلبها "

أمسكت عمتها يداه وقالت برجاء " انقدوا ابنتي يا دكتور منصور أرجوكم "

قال بحزن " ما كان عليكم تركها حتى تصل لهذه المرحلة كنتم أحظرتموها منذ

تخدرت يدها اليسرى لقد قتلتموها بالبطيء فكم تحملت من ألم , أخبرناكم أن

الضغوط النفسية سيئة عليها وأن تحضروها ما أن تشعر بالخدر في يدها "

كنت ميت نعم حواسي ماتت وأنا أستمع لما يقول , تخدر يدها كان منذ وفاة والدي

كنت أقتلها نعم أنا اقتلها وهي تقول أن ذلك طبيعي , لماذا كانت تريد الموت على

يدي !! غادر الطبيب وخرجوا جميعهم من حجرتها وتركوها تموت وحدها هناك

تركوا قلبها يضعف ويضعف حتى تختفي دقاته وتختفي هي معه

نظرت لي عمتها بحقد وقالت " لن ننسى لك هذا يا رائد أقسم أن تدفع ثمن قتلك

لها يا ابن المنذر يا متحجر يا من لا تملك ذرة مشاعر وإنسانية تراها تتألم أمامك

منذ أشهر وتقف تتفرج "

قلت بصوت منخفض ضعيف وتائه " قالت أن ذلك طبيعي هي أرادت أن تموت "

قالت بصراخ غاضب " ومن أوصلها لكل تلك المراحل غيرك أنت , ثلاث مراحل

مرت بها أمامك من خدر يدها لألمها لألم قلبها وأنت تتفرج "

بقيت أنظر لها دون كلام فما لدي لأقوله غير الصمت , كنت بالفعل من أوصلها لتلك

المراحل أنا وشقيقتاي لا بل أنا وحدي , كنا ثلاثتنا ننظر لبعض كالتائهين في الصحراء

حتى دخل على صمتنا ذاك الصوت الغليظ الثقيل القادم من خلفي قائلا

" أين هي ابنتي ؟؟ "

نظرنا لصاحب الصوت ثلاثتنا فكان رجل في منتصف الخمسين تقريباً يرتدي

معطفاً خريفياً حتى نهاية ساقيه له منكبان أعرض حتى من منكباي ونظرة حادة

تنم عن شخصية ذات قوة غير معهودة , يضع يديه في جيوبه وينظر لنا بضياع

ركضت عمة قمر نحوه وحضنته بقوة وهي تقبل وجهه وتبكي وتقول

" بشير عدت يا أخي عدت أخيراً "

كان جامداً مكانه ونظره علي ثم ارتجف فكه وقال

" أين ابنتي ؟ أين قمر يا هذا ؟ أين قمر يا صباح ؟ أين ابنتي يا هاشم "

لم يجبه أحد ولم يجرؤ أي منا على الكلام , غريب أين كان والدها طوال هذه

السنوات وكيف علم بمكاننا , ابعد شقيقته عنه وتوجه ناحيتي لكمني على وجهي

بقوة حتى كاد يوقعني أرضاً وقال " ابنتي يا ابن المنذر قتلتها يا فاشل , اقسم أن

تدفع ثمن كل ثانية أبكيتها فيها أنت وغيرك , لقد دخلت السجن من اجلها وسأدخله

ثانيتاً , أقسم أن أدمركم كما دمرتموها يا حثالة البشر "

تقدم ناحيتي يريد ضربي مجدداً فتدخل الممرضون والناس وجاء الأمن الخاص

بالمستشفى وأخرجوني أنا من هناك وكأني من هجم عليه وليس هوا من ضربني

طردوني بكل بساطة وتركوهم هم في الداخل , نمت ليلتي تلك في سيارتي عند

سور المستشفى ولم يسمحوا لي بالدخول أبداً ولم يجب أحد منهم على اتصالاتي

حاولت معهم في اليوم التالي ترجيتهم أن يخبروني فقط إن كانت لا تزال على

قيد الحياة ولكن كل ما كنت أسمع منهم ( الأوامر هكذا ) لا أفهم أي أوامر هذه

ومن أعطاها لهم , بقيت مرابطاً عندهم حتى اقترب المغيب ولم يرأف احد منهم

لحالي ولم يتركوني أدخل , اتصلت بأنور وطلبت منه الدخول والسؤال عنها

فرفضوا قول أي شيء له في الداخل , ما يعنوه بما يفعلونه الآن ومن هذا الذي

يتحكم بكل من في المستشفى !! ذهبت أبحث كالتائه وكالمجنون عن سيارة زوج

عمتها في الخارج , كلما قلت أن هذه له خرج أحدهم وركبها وقتل في داخلي أي

أمل أن يكون لازال في الداخل فإن غادر فليس ثمة جواب عن سؤالي سوى أنها

رحلت للأبد , وعلى أي أمل أعيش الآن والطبيب قال بلسانه مسألة وقت وينتهي

قلبها تماماً , خرجت من ذاك المستشفى قبل أن أفقد عقلي عند عتباته وقبل أن

اسكب دموعي على أطراف أتواب زائريه , خرجت أتخبط بالناس بغير هدى ولم

أركب حتى سيارتي وكل ما أحاول فعله منع رأسي من التفكير , ما أقسى يوم الأمس

وما أقسى كل ما حدث فيه , كيف أمحو صورتها وهي تترجى طفولتها في ذاك

السطح أن تأخذها معها , كيف أنسى ابتسامتها الحزينة وهي تقول ( لأنني أحببتك )

أطهر جواب عن أخبث سؤال سألته لها ( لما خنتني يا قمر )

وصلت بي قدماي لعتبة مسجد كبير فدخلته دون أدنى تردد أو تفكير وجلست في

زاويته بعد أن عجز دماغي عن اتخاذ أي قرار , هل أسجد وأدعوا الله أن تعيش

وأنا لا اعرف إن كانت على قيد الحياة , هل أدعوا لها بالرحمة ولساني يأبى قولها

وعقلي يرفض التصديق , هل أصلي هل أبكي على عتبات الباب أتوسل الرحمة من

رب هذا الكون ؟ فجلست في أحد الزوايا أخفي وجهي في ذراعي متكأ بها على

ركبتي المنصوبة أمامي جالساً على الأرض لتنزل دموعي تبكي ضحكاتها الصغيرة

وضحكاتها الأخيرة التي قتلتها بقسوتي , لما ظهرتِ في حياتي يا قمر وكيف خنتني

لأنك أحببتني , لماذا رحلتي قبل أن تجيبيني إجابة واضحة عن هذا السؤال

لماذا تركتني أقتلك بلا رحمة لماذا ؟؟!!

" تعوذ بالله من الشيطان يا بني "

رفعت رأسي فكان يجلس أمامي شيخ كبير في السن بلحية كثيفة مخضبة بالحناء

يتجلى على وجهه الوقار يمسك مسبحة في يديه , وضع يده على ذراعي وقال

" بث همك للجبار وهو يفرج الهموم , كل ما أعلمه أن بكاء الرجل يعني أن همه

قد هد ظهره وكسره فتعود من الشيطان وعد برجائك للإله "

نظرت للسقف المزخرف بآيات كتاب الله وقلت بألم

" فقد الأحياء ليس بالأمر الهين فكيف إن كنت أنت من أفقدهم حياتهم "

نظر للمسبحة في يده وهوا يحركها وقال " كل نفس ذائقة الموت "

طأطأت برأسي ودموعي تسقط على سجادة المسجد وكأنها تروي لها باقي

الحكاية ثم تنهدت بأسى وقلت " موت من هوا قلبك بين يديك شيء يدمر النفس

فكيف وهوا يتمنى أن يكرهك كما تكرهه , كيف وهوا يخبرك أنه كان ينتظر منك

شيئاً لم تهبه له رغم امتلاكك إياه ! كيف وهوا يترجى الموت أن يأخذه منك وهوا

بين يديك , ما أقسى أن يفارقك شخص وفي قلبه موقن من أنك تكرهه وأنك نسيت

طفولته وأنك قتلته والحقيقة هي العكس كيف ستوصل له حقيقة ما في قلبك كيف ؟ "

تنهد وقال " لا تجعل الندم يقتلك فما ضاع لا يمكن إرجاعه مادام

متعلق بشخص قد فارق الحياة "

وقفت على قدماي بصعوبة وخرجت من عنده أسير خطوتين وأقف دهراً وحارت

قدماي أين تأخذاني , قضيت يومان أنام عند سور المستشفى وأجوب الشوارع نهاراً

أبحث عن منزل عمتها هنا لعلي أجد ولو من يشرح لي ما حدث بعدي

وبعد يومين آخران اتصلت بحيدر ففتح الخط قائلا

" مرحباً بمن اختطف زوجته وهرب بها "

قلت ببحة " حيدر تعالى حالاً "

قال بصوت مصدوم " لما ماذا حدث !! رائد ما به صوتك هكذا ؟؟ "

قلت " تعالى الآن وسنتحدث اركب سيارتك فوراً وتعال "

قال باستعجال " على الفور مسافة الطريق من المزرعة , أين أنت ؟ "

قلت " حين تصل أخبرك "

توجهت بعدها للجسر وقفت عند حافته أبث حزني لموج البحر لعله يجيبني هوا

عن أي سؤال , سمعت حينها خطوات لكعب حداء امرأة فالتفتت جهتها فكانت

............ البائعة المتجولة

نظرت لها مطولاً أبحث في عينيها عن أجوبة لتساؤلاتي , لم أفكر أن اسألها من

أنتي ومن أين تأتين , فقط تمنيت أن أجد جواباً عن سؤال واحد قد تكون تملكه

كانت عيناها حمراوان لا أعلم من البكاء أم من الغضب لأن كره العالم كله كان

مجتمع فيهما , تنفستْ بغيض ثم قالت " قتلتها يا رائد لقد ماتت وأنت السبب "

ثم قالت ودموعها تجري على خديها " لا بل أنا السبب مثلك فقد شاركتك جريمة قتلها "

قلت بهمس وكأني أريد جواباً غير ما سمعت " أين قمر ... ؟؟ "

رمت عليا بمفكرة كانت في يدها بأوراق قليلة سقطت من صدري الذي ارتطمت

به للأرض وبعثرت الريح أوراقها ثم قالت بحقد " هذا باقي منازل القمر الجزء الذي

عجزت أنا عن إيصاله إليك وعجزت أنت أن تراه في حبها لك في عيناها البريئتان وفي

ضحكتها الحزينة , منذ أربع سنين تقربت إليا فتاة عبر الانترنت لتصل لشخصيتي

الحقيقية بل لتصل عن طريقي لشخصية قمر ثم تحصلت على رقم هاتفها واتصلت بها

لتخيرها بين أن تستمر معك وبين أن تعود لعائلتك ووالدك فما كانت ستكون قمر لو لم

تختر البعد عنك كي لا تخسر أنت وفي ذلك اليوم الذي راسلتك فيه لتنهي علاقتها بك

سقطت قمر طريحة الأرض قبل الفراش لتخضع لتلك الجراحة التي كادت أن تفقد

حياتها خلالها , هل تعلم لما ... لأنها كسرت قلبك وابتعدت عنك لأنها ضحت لأجلك

تركت جريدة الفجر لأن رئيس تحريرها طلب أن تكتب مقالاً نقدياً تهاجمك به وكتبت

في جريدة الرواسي لتكتب أنت ولو مقالاً تهاجمها به , هاجمت المدعو عاصم

بمقالاتها لأنه تحدث عنك بالسوء في إحدى الصحف , اختارت الموت علينا لأنها

لن تعيش إلا معك وأنت رفضت "

رمت بعدها عليا بمذكرة أخرى لتسقط أرضاً وتطايرت أوراقها التي كانت مليئة

بقصاصات لمقالات ثم أشارت لي بأصبعها وقالت " أنت قتلتها يا رائد ولن يرحمك

أحد ووالدها أولهم كما لم يرحم خالها وزوجته قبلك حتى دمرهما شر تدمير "

ثم أشارت للمذكرة تحتي وقالت " تلك مقالاتك كانت تجمعها فيها بالترتيب من أولها

لآخرها , كانت تحبك بعنف يا من لم تعرف الحب يوماً , كذبت علي وقالت أنكم

حللتم المشكلة فصدقتها ولم أتحدث معك في الأمر , قالت إن تذكر طفولتي حكيت

له كل ما حدث ليصدقني ويغفر لي لكنك بخلت عليها حتى بالذكريات

أردت أن أصلح خطئي لأني دللت تلك البغيضة عليها ولكني دمرت ما تبقى منها

أردتك أن تنتشلها من حزنها لأنك وحدك من يمكنه فعل ذلك ... عجز الطب النفسي

وعجنا نحن وتمنعت أنت بغرورك وقسوتك حتى خسرناها للأبد , نم مطمئن البال

الآن بعد أن انتقمت منها وبعد أن انتصرت لنفسك "
ثم غادرت وهي تقول " هناك ثالثة غيرهما ستعلم ما تحوي عما قريب فأنت

لا تستحق أن أعطيها لك "

ثم غادرت مبتعدة وتركتني تقلبني الريح مثلما تقلب الصفحات التي تحت قدماي

ليتك لم تظهري اليوم ولا الأمس ولا أي يوم , أنتي لا تأتين إلا بالفواجع ومهلكات

القلوب , تهاويت على الأرض وعيناي على الأوراق المتطايرة تحتي لتقع على

تلك الأسطر ( قالت لي بكل برود أنا شقيقة رائد وعليك الابتعاد عنه كي لا تدمري

حياته , أتركي لنا شقيقنا يا قمر إن كان لك شقيق هل كنتي ترضين أن يفرقك عنه

أحد , اجعليه ينساك للأبد إن كنتي تحبينه )

قلبت الريح الصفحات من جديد لترميني بفواجع جديدة ( وأنهيت اليوم آخر سطر لي

في حياة رائد حبيب طفولتي وصباي لأوقن أنه ليس للتعاسة عنوان غيري وانه حين

رحل منذ سنين عن عالمي قد رحل للأبد , لأجلك سأرحل وأتركك لأجلك سأجرح

مشاعرك لأجلك فقط سأقتل نفسي لتعيش وداعاً يا معنى الجمال في طفولتي وداعاً يا رائد )

أمسكت الورقة بقبضتي وقلت بصراخ غاضب " غيداااااء فعلاً انتقمتِ مني شر انتقام "

جلست بعدها على الأرض أقلب الأوراق كالمجانين كطالب أعطوه فرصة صغيرة

ليغش في أصعب امتحان لديه , أبحث عن شيء لو أخبرتكم عنه لبكيتم على حالي

رن حينها هاتفي وكان حيدر فأجبت فقال " رائد أين أنت ؟ لقد وصلت المدينة "

قلت بألم " مِت يا حيدر لقد مِت يا شقيقي "

قال بقلق " رائد ما بك بما تهدي !! أين أنت الآن ؟ "

أغلقت الهاتف وجلست مستنداً بسياج الجسر أحضن مذكراتها أتحسس شيئاً ميت

لشخص كان حياً يوماً وقتلته بإهمالي قبل قسوتي وبعيناي قبل كلماتي , ثم اتكأت

برأسي للأعلى وأغمضت عيناي ولم أشعر إلا بيد تهزني وصوت يقول " رائد "

فتحت عيناي فكان حيدر فقلت بصوت مخنوق " ماتت قمر يا حيدر ماتت "

نظر لي بصدمة مطولاً ثم قال " كذب لن أصدقك "

ضربت برأسي للخلف على السياج وقلت بحزن " ليثني أنا من يمكنه تصديقك يا ليث "

نزل عندي وضع يده على كتفي وقال ولازالت الصدمة تقتله " كيف ومتى ؟؟ "

هززت راسي وقلت " لا أعلم لم يتركوني أعلم حرموني من معرفة ذلك مثلما حرمتهم

منها مثلما حرمتها هي من حياتها "

قال وهوا يهزني بقوة " رائد هل جننت ما هذا الذي تقوله "

وقفت وقلت بصراخ غاضب " نعم صدق هذا يا حيدر أنا من قتلها وبالبطيء أيضاً

أنا من قتل تلك الابتسامة ذاك الوجه الفاتن وذاك القلب النقي المريض "

قال بهدوء محاولاً تهدئتي ويده تقترب مني

" رائد هون عليك ودعنا نفهم الأمر قد تكون أخطأت "

قلت بحزن وأنا أمد كفاي له وأنظر لهما " سقطت بين يداي فما الذي

ستتأكد منه , انتهى كل شيء يا حيدر لقد تأخرت "

ثم نظرت له وضربت بيدي على صدري وقلت بأسى " كنت قتلتني بسلاحك

منذ سنين , ليتهم قتلوني في السجن ذاك الوقت , ليثني مت قبل أن أتزوجها وأدوس قلبها تحت قدماي "

ثم قلت بابتسامة حزينة ونظري على البحر " كانت تحبني يا حيدر والمؤسف

في الأمر أني كنت أعلم ولم استمر إلا في طعنها وتحطيم حلمها البريء أن

تعيش معي بأمان وأنسيها تلك السنين وذاك البؤس "

ثم نظرت له وأنا أعود بخطواتي للوراء وأرفع ذراعاي على حدهما وأقول

" قتلتها نعم كما قالوا جميعهم أنا من قتلها "

تم غادرت وهوا يحاول اللحاق بي ولكني ركبت سيارتي وابتعدت وتوجهت لمنزل

خالها المنزل الذي لم استطع زيارته خلال الأيام الماضية وأول ما خطت قدماي

داخله بدأت بتحطيم كل ما طالته يداي , أرفع كل شيء وأرميه أرضاً حتى النوافذ

حطمت زجاجها حتى وصلت للمخزن فأحرقته بما فيه رغم خلوه سوى من الرفوف

الحديدية فتحت باب غرفة النوم وتسمرت قدماي عن الدخول هناك ورأيت ما كانت

تراه قمر دائماً في هذا المنزل .... الذكريات المؤلمة , علمت الآن كم كانت تعاني هنا

كم قسوت عليك يا قمر وحطمتك كم كنت مجرماً في حقك وأفتخر بإجرامي

دخلت الغرفة بعد صراع نفسي طويل ووجدت خزانتها فارغة تماماً , ثيابها وأغراضها

وحليها وكل شيء جاءوا لأخذه لأني تركت المنزل مفتوحاً حين أخذتها للمستشفى

لقد حرموني حتى من أشياءها من أي بقايا متبقية منها , نمت تلك الليلة على سرير

الغرفة أحتضن الشيء الوحيد الذي تركوه لي منها .... دمية والدتها , نمت استنشق

عبيرها في الوسائد وأغطية السرير وكل ذكرى جمعتني بها هنا تعود إليا من جديد

كم جلستْ هنا تبكي وتحتضن برودة الوسائد وأنا أسجن نفسي بعيداً عنها في تلك

الغرفة , كم أبكيتها هنا وكم تحدث معها بحدة وقسوة هنا , كم مرة طعنتها وأنا

أناديها بعديمة المشاعر من لا تعرف الحب وكنت كما قالت أتهمها بأشياء بي أنا

لألصقها بها , بعد وقت الفجر خرجت من هنا لا أحمل معي سوى دميتها القماشية

وقفت عند الباب ونظرت للمنزل بل لحطامه نظرة شاملة وقلت " كما تمنيتي يا قمر

ها قد تحطم واحترق ذاك المخزن ولكن ما خذلتك فيه أني جلبتك لتموتي هنا رغم رجاءك لي أن لا أفعل "

خرجت من منزل الجيران متوجهاً لمنزل والدي وما أن دخلت حتى صدموا لمظهري

لحيتي التي لم أحلقها منذ ذاك اليوم وثيابي المبهدلة من تحطيم المنزل والهالات السوداء

تحت عيناي من قلة النوم , نظرت جهة غيداء نظرة حقد وقلت

" أقسم أن تدفعي الثمن يا غيداء "

أمسكت نفسي بشق الأنفس عن ضربها وإفراغ غضبي فيها لكي لا نصبح في جثتين

لأنها لن تخرج من تحت يداي إلا ميتة , ثم نظرت جهة والدتها فوحدهما هنا فنور

تزوجت منذ شهر بعقد قران فقط وأخذها معه , نظرت لها بحدة وقلت بغضب

" خذي ابنتك وأبعديها عني لأني لن أرحمها لتدميرها حياة إنسانة لا دخل لها فيما

بيننا , في الغد تنتقلي وهي كما أردتم لعائلتك وحسابي معها عسير ولا تزوجوها من

دون علمي لأني لن أرحمكم حينها ولن تستطيعوا فوحدي وليها والقانون لن يزوجها "

ثم خرجت من المنزل ومن المدينة وذهبت من فوري لمنزلي في مدينتي تلك لأواجه

عالم جديد من الذكريات المؤلمة , دخلت المنزل ليضربني طوفان الألم من جديد

وقفت أنظر للمنزل بحسرة تملأ الكون وتزيد , كانت هنا يا رائد كانت بين يديك فتاة

طفولتك وحبك الوحيد كانت معك ولست معها كانت لك ولست لها فلست سوى للقسوة

للصراخ للبرود والجفاف , رميت الحقيبة على الأرض وخرجت فلم تطاوعني قدماي

دخول الغرف لأني قد أجن وأحرق كل شيء

غادرت المنزل وسرت في الشارع بلا دليل ولا وجهة أدس يداي في جيوبي ونظري

على قدماي أستمع لضحكات الناس وأتساءل لما لا يبكي الجميع لما يضحكون من

المفترض أن يبكي العالم كله فقدها ماتت قمر ماتت يا بشر إن كنتم لا تسمعون إن لم

يصلكم أسوء خبر عرفته البشرية , وقفت عند شابان دفعت أحدهما بقوة وقلت بصراخ

" توقف عن الضحك توقف "

نظر لي بصدمة ثم باستهجان ونظر لرفيقه وأشار له بيده بمعنى مجنون فدفعته من أمامي وغادرت وصلت شارعاً طويلاً نظرت في آخره كانت المكتبة توجهت

لها دون شعور ودخلتها .... دخلت المكان الذي قابلتها فيه أول مرة , وقفت عند

رف الكتب متكئ عليه بكتفي أحرك الكتب على بعضها وأحداً وأحداً وأقول

" هل لمستك أنت لا قد يكون أنت لقد ماتت قمر هل سمعتم ماتت لقد قتلتها نعم أنا

هل ستبكون فقدها أم أنكم مثلهم تماماً "

كنت أمرر يدي عليهم وأخاطبهم كالمجانين ولو كان لهم ذرة واحدة فقط من

الإحساس البشري لبكوا على حالي حتى آخر العمر , خرجت بعدها من هناك

وعدت لمنزلي للمكان الذي لا مهرب لي منه كان عليا مواجهة ما صنعته يداي

ولا دخل لأحد فيه فكم نصحوني ولم أكترث ولم أرى سوى أنه تدخل في حياتي

التي كنت أدمرها بيدي

ومرت بي الأيام لا شيء سوى الذكريات والألم والحسرة اسجن نفسي في هذا

المنزل ولا أخرج سوى لشراء القليل من الطعام والمعلبات والسجائر , لا اذهب

لأحد ولا أستقبل أحد ولا شيء سوى الذكرى الأليمة ومذكرة قمر التي أصبحتُ

أحفظ كل سطر فيها من كثرة ما قرأتها ودميتها التي تنام معي كل ليلة وفستانها

الذي ارتدته ليلة حفل خطوبة نور وأخذته من الخزانة تلك الليلة ونمت وهوا على

وسادتي , هذا فقط ما بقي لي منها أو ما تركوه لي من بقاياها فهم استخسروا بي

حتى شيء يحمل رائحتها يبقونه لي

مريم دخلت المستشفى لأيام فور سماعها بالخبر وهي غاضبة مني حتى أنها لم

تعد تتصل بي باستمرار كعادتها وإن كنت لا أجيب , وأصبحت هكذا نكرة حتى

أمام نفسي وكرهت رؤية وجهي حتى في المرآة

نظرت للطبق أمامي ... قطعة لحم صغيرة ومعكرونة بيضاء مسلوقة , نظرت

للجالسة معي على الطاولة وقلت " نفس غدائنا بالأمس أعرف أنك سئمتِ

من هذا ولكن لا رغبة لي في الخروج كرهت الخروج اذهبي أنتي وأحضري

الطعام إن لم يعجبك هذا "

ثم لوحت لها بالملعقة وقلت " لا مفر لك مني أصمتي ولا تعترضي "

رميت بالملعقة ووقفت سحبتها معي للغرفة لأني لا أنام بدونها دمية قمر رفيقة

وحدتي الوحيدة لا أكون في مكان إلا وهي معي حتى أني بت أتحدث معها عن

كل شيء , سمعت طرقات على الباب ولم آبه كعادتي تكرر الأمر مرارا وتكرارا

والطرقات تعلو وتحتد بالتدريج حتى أصبحت ضرباً يكاد يحطم الباب , خرجت

من الغرفة وتوجهت نحوه وفتحته فكان حيدر فقلت بضيق

" ما بك مع الباب كنت ستكسره "

دفعني ودخل قائلا " طرقت كباقي البشر ولكنك كالميت بل الأموات خير منك "

أغلقت الباب خلفه ودخلت قائلا " ما لديك "

التفتت نحوي وصرخ بغضب " هل تضن أنك هكذا ستعيدها للحياة أم ستموت وتلحق

بها , توقف عن الجنون يا رائد "

جلست وقلت ببرود " إن كان هذا ما جئت لأجله فرافقتك السلامة "

جلس وقال بضيق " آخر ما أوصت به قمر مريم أن لا نتركك وحيداً كما

كنت وان تتزوج بامرأة تحبها , أعمل بوصيتها على الأقل "

أشحت بوجهي عنه وقلت بحزن " توقفوا عن قتلي أكثر يكفيني ما لدي منها

وكما أخبرتك إن جئت من أجل هذا الأمر فلا تتعب نفسك "

رمى بجريدة على الطاولة وقال

" بل جئت من أجل هذه وشيء آخر أهم منها "

يتبع ............
 
الفصل الرابع والعشـرون + الفصل الخامس والعشرون

رمى بجريدة على الطاولة وقال " بل جئت من أجل هذه وشيء آخر أهم منها "

نظرت له بحيرة فتابع " لا شهادة وفاة لقمر في ذاك المستشفى "

وقفت على طولي ونظرت له بصدمة عجزت أن أخرج منها إلا بعد

جهد ووقت وقلت " ماذا تعني !! "

قال بجدية " أعني ثمة حلقة مفقودة في الموضوع فهم يتكتمون عن أمرها , لقد تعبت

كثيراً ولم اعرف سوى أنها لم تمت ليومين هناك ثم قاموا بإخراجها خارج البلاد وبعد

ذلك لا علم لي أين ذهبوا بها وعاشت أم لا "

قلت بابتسامة ترتسم على شفتاي ببطء " قل أنها حقيقة يا حيدر "

قال بهدوء " لن نتأمل كثيراً يا رائد حتى نتأكد أنها لم تمت بعد خروجها من هنا "

جلست أمامه و هززت رأسي وقلت " لا يهم.... قل قسما لم تمت هنا "

قال بهدوء " المعلومات أكيدة "

قلت من فوري " وكيف سنجدها ؟؟ "

قال رافعا كتفيه " قل كيف سنعلم أنها على قيد الحياة أولاً "

قلت بهدوء " أين أخذوها ؟ لألمانيا بالتأكيد "

هز رأسه بلا وقال " لا لم يفتني ذلك ولكنها ليست بمستشفى القلب هناك "

نظرت له مطولاً وقلت " لا أفهم لما يخفون أمرها كل هذا الحد "

شتت نظره على الأرض وقال " يبدوا ثمة حكاية وراء والدها , لدي صديق مقرب

يعمل في المخابرات سوف يفيني بكل المعلومات قريباً "

وقفت وقلت " سأبحث عنها "

وقف وقال بضيق " أين تبحث عنها ؟ في أي دولة وفي أي شارع من شوارعها

رائد توقف عن الجنون وكما أخبرتك ضع جميع الاحتمالات نصب عينيك "

قلت بغضب " لا ... إلا أن تكون ميتة لن أضعه أبداً لا نصب عيني ولا شيء

وإن عشت على الأمل حتى أبلغ التسعين "

قال بصراخ " رائد فكر بعقل كباقي البشر أين كان كل هذا وأنت

تقسوا عليها وهي بين يديك "

قلت بحدة ملوحا بيدي " توقفوا عن لومي يكفيني ما بي لما لا يرحمني أحد "

تنهد بضيق وقال " اقرأ ما في الجريدة وسنتحدث فيه فيما بعد , ولدي شيء

آخر لك من أنوار تركته لك قمر قبل أن تموت "

قلت ببرود " لا تقل تموت قل تختفي "

هز رأسه بيأس وقال " لا أعرف ما أسمي هذا إلا بالجنون وأنا أكثر منك جنوناً

يوم قررت أن أخبرك بما علمت "

تجاهلت كل ما قال وجلست على الأريكة وأخرجت سيجارة وأشعلتها فخرج وعاد بشيء

مغلف بالأبيض يبدوا كلوحة وضعها على الكرسي ووضع معها ظرفاً ورقياً صغيراً وقال

" كنت رافضاً أن تعطيهم لك ولكني جلبتهم بسبب إصرار أنوار لأنها أوصتها بهذا "

قلت ونظري للأرض والعب بالسيجارة المشتعلة بين أصابعي

" ولما ترفض إعطائهم لي أليسوا من حقي "

قال بضيق " لأنه يكفيك جنون وهروب وسجن عليك أن تعود للحياة كما أرادت

هي إن كنت تحبها وتحترم ذكراها "

ثم قال مغادراً " زر مريم هي لم تنشف دموعها حتى الآن وتقول أنها ملامة مثلك

ولا أفهم لما , زرها ولو من أجل قمر "

ثم خرج وأغلق الباب , رميت السيجارة على الأرضية ودستها بقدمي وأنا لم أرشف

منها سوى رشفتين , أمسكت بعدها اللوحة وتلمستها من الخارج كم أخشى مما فيها

ارحميني من عذابي يا قمر , أمسكت طرفها بيدي ومزقت الورق من عليها فظهر

لي وجه قمر الطفلة لتتوقف أنفاسي عن الخروج , مزقت باقي الورق لتظهر اللوحة

بكاملها , قمر تجلس على أرضية سطح المنزل تكتب في كراسة على الأرض

هي قمر الطفلة وكأنها أمامي الآن لكن دون ابتسامتها تلك بل بحزن لم أره فيها طوال

طفولتها , قرأت بعدها الأسطر المكتوبة في الطرف السفلي للوحة

( كم تقتل الورد يا من زرعته في قلب طفولتي كم تقتل البسمة وأنت وحدك من زرعها

في بؤس تلك السنين كم أخشى أن تقتل حباً في قلب نبضاته تموت كل يوم )

ثم تحتها بخط دقيق جداً ( أحببتك دائماً يا رائد )

كلها كانت بخط يدها , تلمست الكتابة بأصابعي وغصة تكاد تخنقني وسكين

يمزق قلبي تمزيقا فليته يموت كما قتلها وليته يعاني كما عانت , نظرت لصورتها

مطولاً كمن تاه في معالم الأرض جميعها ثم مررت أصبعي على شفتيها الحزينة وقلت

بغصة وعبرة " ليثني لم أقتل تلك الابتسامة ليت الزمن يعود , كوني على قيد الحياة

من أجلي يا قمر لأني بدونك أموت شيئاً فشيئاً كوني على قيد الحياة ولو ليوم واحد فقط "

حضنت بعدها الصورة أبكي بمرارة وألم , أقسى ما في الوجود أن تعجز عن إيصال

ما في قلبك لشخص غادرك للأبد , أي عقاب لي أنتي يا قمر أي ألم تركته بي قبل

أن ترحلي , نظرت بعدها باتجاه الظرف مددت يدي وأخرجت ما كان فيه فظهر

طرف أوراق مكتوب في أعلاها كلمة ( الخاتمة ) فدسست الورق فيه من جديد دون

أن أراه , هذه خاتمة كتابي الجديد الذي طلبت مني أن تكتب هي خاتمته , ليس لدي

أي طاقة بعد لقراءتها , قد يخرج الكتاب للنور يوماً وتخرج هذه الأوراق معه ولكن

ليس قبل سنين طويلة , وقفت لأعلق لوحتها في صدر المنزل لتبقى نصب عيناي فقد

أنسى يوماً أني قتلت ابتسامتها البريئة فتذكرني هذه بجريمتي , علقت اللوحة بعد أن

أزلت ساعة الحائط ووضعتها مكانها وعدت لجمع الورق الممزق فلمحت حينها ورقة

مطوية على الأرض يبدوا سقطت من اللوحة حينما كنت أمزق الورق من عليها

رفعتها وفتحتها فكان مكتوب فيها ( أعذرني يا رائد لم أرد زيادة حزنك وذكرياتك

ولكن قمر أصرت عليا يوم زرتمانا في منزلنا أن أرسم هذه اللوحة وحين التقيت بها

آخر مرة في المزرعة أخذتها معي لها فكتبت عليها هذه الكلمات وأوصتني أن أرسلها

لك مع الظرف في يوم سأعرفه لوحدي ولم يخطر في بالي أن يكون ذاك اليوم هوا يوم

موتها , لقد رفض حيدر بشدة أن أعطيها لك ولكنها وصيتها لي ولم أستطع غير

تنفيذها , كن قويا يا رائد فهذه هي سنة الحياة ....... أنوار )

طويت الورقة مجدداً ووضعتها مع الأوراق في الظرف وعدت لغرفتي بل

لسجن ذكرياتي الدائم وعند المساء خرجت فلمحت الجريدة التي تركها لي حيدر

مكانها , لقد نسيت أمرها تماماً ترى ما قصتها !! قلبت أوراقها حتى وقعت عيناي

على مقال تحت عنوان ( مذكرات زوجة كاتب ) وأسم الناشر مجهول فنظرت من

فوري لأعلاها أنظر ما تكون هذه الجريدة فكانت جريدة العوسج , عدت بنظري

مباشرة للمقالة وقرأت (( الجزء الخامس ـ مر اليوم كباقي أيامي أشرقت فيه الشمس

فوق منزل جمعني ورائد لتغرب على دموع ملأت وسادتي , كيف سأقضي من دونه

مسائي كيف وحضنه دفء سكنات شتائي وعبق عطره ملاذ أشياء قلبي وفوق ضلوعه

تغفوا وتنام تلك الأشياء , كيف الموت بعيداً عنه وكيف من دونه يكون البقاء

حاولت أن ألتمس وجوده في أشياء كثيرة غبية جداً , أتحسس صوت خطواته في الأرض

القريبة مني في غرفة لا يفصلني عنه فيها سوى جدار وكم تفعل الجدران وكم تقتل من

مشاعر وتوقد من أشواق , بت التمس وجوده حتى في رائحة دخان سيجارته الليلية

وهوا يصلني ضعيفاً خفيفاً لست أدري لبعد المسافة أم أني أنا استنشقته قبل أن يخرج

من هناك , كم كنت أتمنى أن أفتح الأبواب ليصلني ولو رائحة هذا الدخان القاتل لأشعر

بوجوده معي ولست من دونه في هذا العالم الكئيب وهكذا مر المساء تموت فيه جميع

أشيائي وتتلاشى على عتبات تلك الغرفة التي تحتضنه بدلاً عني كل مساء, تسرق دفء

أنفاسه ببرودتها وبرد أجفاني يحتاج لكل ذاك الدفء في تلك الأنفاس

وهكذا نعم هكذا مر مساء آخر ويبدوا لي ليس آخر مساء , وها قد حمل قلبي من هذا

النهار كلمة ما أقساها من شفتيه كلمة تنفي كل هذا الحب الذي أحمله إليه وتقتل العشق

فيني وتتهمني بكل قسوة بأنني بلا مشاعر , كيف تكون المشاعر يا رائد إن كانت هذه

ليست مشاعر كيف يكون الحب إن لم أكن أنا أحبك بل كيف يكون العشق جنونيا وأنا

لا أعرف كيف أعشقك بل كيف تصفني بأقل الأشياء لقد قتلتني على مشارف هذا المساء

ومر ها قد مر مساء آخر وليس بالطبع آخر مساء ))

كانت هذه نهاية المقالة قلبت الجريدة مجدداً وكأني ابحث عن غيره أو عن شيء

يمد له بأي صلة , إذاً هذه هي المذكرة التي تكلمت عنها تلك الفتاة وقالت أني لا

استحق الاحتفاظ بها واني سأعلم عنها قريباً , إذاً هنالك أربع أجزاء قبل هذه ولا

أعلم كم سيكون بعدها , من يفعل هذا هل هي تلك البائعة أم هو شخص آخر ولكن من سيكون ! عمتها أم زوجها أم والدها ؟ رفعت هاتفي واتصلت بحيدر

فأجاب من فوره قائلا " هل قرأتها "

قلت " نعم ... من وراء هذا ؟ "

قال " لا أعلم الأمر مبهم للغاية سأتقصى عن كل شيء ونلتقي عند

مريم بعد أسبوعان من اليوم "

قلت " ولما ليس هنا "

قال بحدة " بل عند مريم عليك رؤيتها قبل أن تصبح نسخة أخرى عنك

وأفهمها أنها ليست وراء موت قمر كما تقول "

قلت " وهل ستحظر ما سيفيدنا "

قال ببرود " كل ما سأستطيع الحصول عليه "

قلت " حسناً ولكن أين باقي أجزاء المذكرة , أي هل تملك

الأعداد السابقة من الصحيفة "

قال بضيق " رائد لا تدمنها لتنهيك أكثر مما أنت منتهي لن تكون

قمر من يرسلها أبداً لن تفعلها "

قلت ببرود " لم أفكر بها ولكني أريد قراءتها "

قال بهدوء " رائد أحلفك بالله أن ترحم نفسك , كل غرضي من

الأمر أن تتدارك الموضوع سريعاً "

قلت مختصرا " سنتحدث ما أن نلتقي ...... وداعاً "

وما أن أشرقت شمس الصباح حتى خرجت أبحث عن باقي الأعداد السابقة في

المحال الخاصة ببيع الصحف لأصبح أنا الآن من يجمع قصاصات المقالات

ويلصقها ليس في مذكرة بل على حائط غرفة النوم , خمس مقالات وأنتظر

البقية وكأني لست من عاش الأحداث كلها معها بل وكأني لست أحد أبطال

كل هذا البؤس فالجزء المظلم من الحكاية ينحصر في شخصي أنا

كنت ألتصق بالحائط كل صباح واقرأ كل كلمة فيها بصوت مرتفع وحزين

لأذكر نفسي بجرمي ولأرى نظرتها لي تلك الأوقات , ولا أنام ليلا قبل أن

أقرأها مجدداً , فأصبحت كما قال حيدر مدمناً عليها بل مدمن على الموجود

منها قبل المجهول , بعد أسبوعين ذهبت لزيارة مريم لأعود في ذات اليوم

كم كانت الرحلة مؤلمة لي فحتى هذا الطريق حمل ذكريات حزنها معي وما

أن اقتربت من المدينة وقفت حيث أوقفتني هنا من شهور وجلستُ حيث جلست

تشاهد أنوار المدينة من الأعلى وتذكرت حين ترجتني وهي مكاني الآن أن لا

آخذها لمنزل خالها ولا تعيش فيه ولكني كنت كهذه الصخرة أو أقسى بكثير فلم

أترك طريقة لم أعذبها بها ولم أترك لحظة لم انزل فيها دموع عينيها

كنت أتوهم أنها دموع ضعف لكنها كانت كل كلامها المكبوت وجرحها الغائر

مني والحب الذي تخفيه وسط ذاك القلب الضعيف , وقفت بعدها وعدت لسيارتي

ودخلت المدينة متوجهاً لمنفى ذكريات جديد سيعذبني فوق عذابي , توجهت من

فوري لمنزل مريم طرقت الباب ففتحته هي لي , نظرت لي بصدمة مطولاً بادئ

الأمر ثم امتلأت عيناها بالدموع وقالت بعبرة " قتلناها يا رائد "

ثم دخلت باكية وأنا اتبعها وهي تقول " ليثني لم آبه لقسمك وحكيت لها كل ما قلته لي هنا "

كانت تسير في منزلها بغير هدى كالمجانين وهي تردد " ليثني لم آخذها للمزرعة

لأسلمها لك لتقتلها , ليثني لم أعرفها يوماً ليتك بقيت مهاجراً عنا ولم تجلبها لنا

ليتك لم تتركها لدي شهران كاملان وأنا أراها تتعذب شوقاً لك أمامي "

ثم وقفت ونظرت لي وقالت وهي تضرب يداها تقبضهما لبعض وتضمهما لصدرها

" قالت أحتاجه وأشتاق له يا مريم , لا تتركوا رائد يعيش وحيداً بعدي يا مريم

لا حياة لي معه ولا بدونه يا مريم , لا أريد أن أموت وهوا بعيد عني يا مريم "

كنت أنظر لها بجمود ودموعي تعبر خداي الواحدة تلو الأخرى دون أن أمسحها

فتوجهت نحوي وأمسكت معطفي بقوة وقالت بحدة " أخبرتك مرارا أنها تحبك

تحبك يا متحجر يا رائد , لما جعلتني أشاركك جريمتك لماذا ؟؟ "

أمسكتها من ذراعيها وأبعدتها عني وقلت " يكفيني ما بي يا مريم يكفي "

قالت ببكاء حزين وهي تنظر لعيناي " ماتت قمر يا رائد ماتت "

حضنتها بقوة نتشارك حزننا ودموعنا كما تشاركنا ذكرياتنا معها ومأساتها

نبكي بمرارة ونحيب فخرجا ابنيها وبدئا بالبكاء مثلنا جاهلين حتى لما نحن نبكي

الآن ليتحول المنزل لمناحة تكسر قلب أقسى الحجر , وبعد وقت طويل من البكاء

محتضننا لها وطفلاها يحتضنان ساقينا ويبكيان أبعدتها عني وقبلتها بين عينيها وقلت

" لا تغضبي مني يا مريم فيكفيني من رحلوا وهم غاضبون بسبب وبدونه "

أمسكت يدي قبلت كفها من الداخل وحضنتني وقالت

" كيف لنا أن نطلب منها السماح يا رائد "

قلت وأنا أمسح على ظهرها " أنا المذنب الوحيد فما ذنبك أنتي "

قالت وقد عادت للبكاء " لو كنت حكيت لها ما قلته لي عن ماضيكما لعلمت

وأصلحت الأمر لم أندم على شيء لم أفعله في حياتي كما ندمت على هذه "

قبلت رأسها وأبعدتها عني وقلت

" قد تكون على قيد الحياة يا مريم ونكفر عن كل ذلك "

نظرت لي مطولاً بصدمة ثم قالت " عـ على مــ ماذا "

مسحت وجهها وقلت بابتسامة حزينة " لم تمت هنا وخرجوا بها من البلاد

وهي على قيد الحياة فاحتمال حياتها أصبح كاحتمال موتها "

هزت رأسها بحيرة وهي تقول " لا تعلقني بالأمل الكاذب يا رائد أرجوك "

نظرت للسقف وقلت بحزن " وهل لي غيره أعيش عليه "

سحبتني من يدي وهي تقول " تعال اجلس وارتاح وسأعد لك الغداء حالاً "

هذه هي مريم لا تتغير أبداً لا أنقى من قلبها سوى القلب الذي قتلته ... آه سامحيني

يا قمر أرجوك , جلسنا بعد الغداء أنا في صمتي ومريم تتحدث عن أمور كثيرة

تواسيني أكثر مما تسليني فلم تترك شيء لم تتحدث عنه سوى ماضيها مع قمر طبعاً

نظرت لي بحنان وقالت " رائد نم قليلاً وارتاح الرحلة كانت طويلة "

أبعدت نظري عنها وقلت " لا رغبة لي في النوم سأنتظر حيدر "

قالت بابتسامة " لهذا إذا طار النوم من عينيك أتمنى أن يكون لديه جديد في الأمر "

وما هي إلا لحظات وطرق أحدهم الباب فوقفت على طولي وتوجهت له مسرعا

فتحته فكان حيدر سلم عليا ودخلنا سويا وتلقته مريم بسلامها الذي لا ينتهي من

الأسئلة فقلت بضيق " مريم دعيني أفهم ما لديه واتركي السؤال عن صحة

أنوار وجنينها لبعض الوقت "

ابتسمت وقالت " أمري لله أنا أيضاً متشوقة لسماعه "

جلسنا ثلاثتنا فنظر لي حيدر بصمت قاتل فتنهدت وقلت " حيدر تكلم "

نظر للأرض وقال " والدها كان يعمل ضابطا في المخابرات , مجموعة قامت

بقتل زوجته وكانوا سيقتلون ابنته حينها أيضاً فقتل منهم ثلاثة ذات اليوم , يبدوا

لي ثمة قصة وراء الأمر لم أهتم بالسؤال عنها , المهم حاكموه محاكمة عسكرية

سرية وسجنوه لسنين طويلة رغم أن لديه الدليل على قتلهم لها يبدوا لأنه قتلهم

دون أن يسلم القضية للقانون , خرج من السجن منذ عامان ونصف بعد مرافعات عديدة لتخفيف الحكم عنه وحياته مهددة للحظة بالخطر وحاولوا قتله أكثر من مرة

رغم أنه تحت حماية الجهاز الأمني , كان يراقب ابنته عن بعد كي لا يؤذيها

فيبدوا أنهم لا يعلمون عنها لاختفائها كل سنين حياتها من منزل خالها لمنزل

عمتها التي تُعرف باسم زوجها لانقطاعها عن عائلتها لسنوات ثم لسفرهم بها

للخارج وحتى مقالاتها وكتابها كانا تحت اسم مستعار وهي لا تعلم شيء عن

أمر والدها ثم زواجها منك ويوم مـو.... أقصد يوم أخذتها للمستشفى ذهب لها

وأظهر نفسه لذلك قاموا بالتعتيم عن الأمر وخرجوا بها من البلاد ولا أعلم غيره

إلا القليل وقد لا يفيدنا في شيء "

نظرت له مطولاً بضياع ثم قلت " حية أم ميتة ؟؟ "

هز رأسه وقال " لا أعلم لدينا خيط رفيع جداً لا يمكننا التأمل فيه لكني سأحاول جهدي "

قلت بجدية " الدولة فقط احصل لي على البلاد التي أخذوها إليها وسأجوبها مدينة

مدينة بل وشارع شارع ولو أفنيت عمري بحثا عنها "

قال بهدوء " اترك لي الأمر قليلاً والآن علينا إيجاد حل لمشكلتك مع تلك الجريدة

ومذكراتها التي تنزل فيها , ستدمر سمعتك ككاتب يا رائد أنت منقطع عن العالم

ولا تعلم شيئاً لقد أصبحت خبر الموسم وسيرتها على كل لسان وسيكشف من يرسلها

لهم عن اسمك كاملاً في أي وقت فأكثر من كاتب في هذه البلاد يحملون اسمك الأول

وقد أصبح شغل الناس الشاغل بل والصحف والمجلات وحتى قنوات التلفاز البحث

عن من يكون من بينهم , سيضع سمعتك تحت التراب "

نظرت للجانب الآخر وقلت ببرود " لا يهم لدي فليصنعوا ما شاءوا لا شيء

في هذه الحياة بات يعنيني "

قال بحدة " رائد توقف عن جنونك , كل مخاوفي أن يكون والدها وراء ذلك

لقد سمعت بأذنك أنه قتل ثلاث رجال لأنهم قتلوا زوجته وفعل ما فعل لخال

قمر وزوجته انتقاما لها ولن يتوانى في فعل ما هوا أبشع لك "

نظرت له وقلت بغضب " وما سأفعله ؟ أهرب من البلاد أم أكذب على الناس

لأغطي الفضيحة وأسرد عيوب ليست بزوجتي أم أنكر كل ما يُكتب عني

دعه يأخذ بحقها مني يا حيدر لن أوقف شيئاً مما يكتب ولن أقاضي جريدتهم

بتهمة التشهير وإن كانت ميتة فأنا أستبيح دمي له وليقتلني مرحباً به متى أراد "

هز رأسه وعيناه في عيناي وقال " كلمة جنون لم تعد تليق بك "

قلت ببرود " يعلم بمكاني لو أراد أذيتي ما تأخر لحظة كما فعل بخالها وزوجته

فالحادثة حصلت لهما منذ عامان ونصف وهذا يؤكد أنه انتقم فوراً ودون تأخير "

ثم شردت بعيناي بعيداً وقلت بهدوء " شيء ما يمنعه من أذيتي الآن قد تكون قمر

أو مذكراتها لعلمه بمشاعرها اتجاهي , لو هي الآن على قيد الحياة فلن يؤذيني

كي لا تغضب منه , هذا يضع احتمالا وأحداً أنها في غيبوبة الآن أو ما شابه "

نظر لي مطولاً بحيرة ثم قال " نعم ما الذي يمنعه من أذيتك كالبقية فلو أنها ماتت

سينتقم منك أشد من انتقامه من خالها وزوجته , أي سيكون عقابك القتل كالسابقين "

قلت " هددني بشيء كهذا في المستشفى قال أنه دخل السجن سابقاً لأجلها وسيفعلها

مجدداً بقتله لي كما قتلتها "

قال بجدية " ستبقى مجرد فرضيات حتى نحصل على شيء يؤكد صدقها "

قالت من فوري " كيف ؟؟ "

قال " الأمر ليس سهلا لكن لا تبحث أنت عن شيء ودع الأمر لي حاليا حتى

نتأكد أنه بعيد عنك فلا تنسى مركزه فبالرغم من سجنه وجريمته لازال قوياً

ويمكنه مسحك عن وجه الأرض في لحظة "

لذنا بصمت مبهم ومخيف ثم قال " وإن كانت على قيد الحياة فثمة مشكلة أخرى "

نظرت له باهتمام فقال " كيف ستعيدها منهم خصوصاً والدها "

قلت بحزم " هي زوجتي "

قال بابتسامة سخرية " يمكنه تطليقها منك بجلسة محكمة واحدة "

وقفت مغتاظا فنظر للأرض وقال بهدوء

" علينا أن لا نستبق الأحداث فلنتأكد من وجودها ضمن الأحياء أولاً "

قالت مريم بحزن " لم ترى عيني أنقى منها على ظهر الأرض . حتى جدتي

التي تنتقد الجميع لم تقل ربع كلمة عنها حتى في غيابها ولم تأكل يومين بعد

سماعها بالخبر رغم كتمها لحزنها عافت الطعام , موتها كان حسرة في قلوب

جميع من عرفوها , كانت بين يديك ملكك يا رائد وتحت نظر والدها ولم يأخذها

منك , لو كنتُ مكانه ما كنت سأرجعها لك أبداً "

غادرت مستاء وسمعت حيدر يقول لها " يكفي يا مريم لن يجدي لومه شيئاً فلم

تري كيف كانت حالته قبل أن أخبره بما علمت , لا نود العودة لنقطة البداية "

خرجت من الباب الخلفي للمنزل حيت الطبيعة تحتضن برد الشتاء , نظرت يسارا

وكأن قلبي يخبرني أن أنظر هناك حيث مكان جلوس قمر تلك المرة تنظر للأفق

البعيد بحزن وأنا بكل بلاهتي أضنها حزينة لأنها لم تجد رائد طفولتها في المدرسة

ولكنها كانت تبكي بمرارة في داخلها لأني لم أتذكرها حينها , كم كنت أفتخر دوما

بذكائي وفهمي السريع للأمور واكتشفت الآن حجم غبائي الذي لا يوازيه شيء في

هذا الكون , نعم غبي ومنذ أن عرفتها في طفولتها كنت أحمق وغبي ولم أفهم حقيقة

معاناتها الواضحة حتى للأعمى ليزداد غبائي وهي زوجتي , لقد صدقوا من انتقدتهم

دائماً وهم يقولون أن الحب يجعل من أذكى البشر غبيا ويصنع من أقوى الرجال

ضعيفا ويدمر مدن بأكملها .... نعم صدقوا وكذبت أنا , نظرت للسماء وقلت بابتسامة

حزينة " صدقتي يا قمر حين قلتي غبي وستكتشف ذلك يوماً وها قد اكتشفت "

أخذتني خطواتي لذاك المكان ووقفت حيث جلست تحديداً ونظرت للأرض بصدمة

بل برجفة سرت في كل أوصالي حتى ضربت قلبي بقوة , كنت أحملق في طوق

الأزهار الذي صنعته وصبا سابقاً ملقى تحت قدماي وأزهاره لا تزال غضة ندية

نفس الطوق والأزهار والألوان , انحنيت لآخذه من هناك فلم تمسك يدي سوى حشائش

الأرض لتتبلل أصابعي بندى البرد على تلك الوريقات , رفعت يدي ونظرت لكفي

مطولاً ثم للأرض , اختفى كيف وهوا كان هنا !! نظرت لتقاسيم الأرض تحتي بتشتت

ثم ابتسمت بألم وأنا أدس يدي المليئة بحبات التراب في صدري أحتضن طيف الذكرى

بل طيف الأوهام ... كنت أتوهم نعم كل شيء كان وهم أشبه بالحقيقة

علمت الآن ما كانت تعنيه قمر في المقال الأخير منذ يومين في الجزء السادس من

معاناتها التي تبتها تلك الجريدة للخلق أجمعين وعلمت في أي حالة من الضياع كانت

ذاك الحين , سرت بخطوات بطيئة مبتعدا وأنا أردد كلماتها في تلك المقالة التي أحفظها

كاسمي كسابقاتها أرددها بحزن (( لم أصدق يوماً أنه يمكن للأوهام أن تتجسد في الواقع

حتى رأيته يسير بخطواته الثقيلة بجانبي على رمال البحر لأنظر له بنظرة ملئها دموع

وحب وعتاب ولهفة لتحتضنني ذراعه وهوا يخبرني بأني من سكنت قلبه للأبد

حينها توقف العالم وتوقف جريان الموج تحتي وتوقفت كل تواريخ الأرض تصفق

لكلماته ... لا بل لغبائي لأني حين تلفتت حولي لم أجده فكان مجرد واقع صوره لي

الوهم وليث الوهم رسم لي شيئاً من الواقع فيالا غبائنا حين يصل بنا الحب حد

الضياع في الأوهام ))

ثم وقفت ونظرت للخلف فكان المنزل قد أصبح بعيداً فعدت أدراجي

دخلت ووجدت مريم تجلس بتوتر فوقفتْ ما أن رأتني واتجهت ناحيتي

وقالت بقلق " رائد قلقت عليك "

قلت بابتسامة باهتة " ليست المرة الأولى أخرج فيها لذاك المكان "

قالت ودموعها تملا عينيها " نعم ولكن ليس غاضباً مني ومن نفسك , رائد اعذرني

لم أقصد كل ما قلته منذ دخلت هنا ولكن لا أحد يشعر بحجم مأساتي فوحدي من كانت

تحكي لي عما يسكن في قلبها وتخفيه "

ضممتها لصدري بيد واحدة وقلت بحزن " بلى كانت تحكي لي أيضاً بكل شيء فيها

عدا كلماتها لكني كنت بلا قلب وليس بلا أذنين , أعرفك جيداً يا مريم أرق من أن

لا يؤثر فيك فقدنا لها "

ثم أبعدتها عني وابتعدت خارجاً من المنزل فقالت منادية " رائد إلى أين ؟؟ "

وقفت وقلت وظهري لها " من حيث أتيت "

لحقت بي حتى وقفت خلفي تماماً وقالت " لكنك وصلت اليوم ولم تنم ولم تأكل

أبقى معي لليوم فقط وغادر في الغد "

قلت وأنا أدير مقبض الباب وافتحه

" لن أنام على أية حال فهناك يوجد ما لا أستطيع النوم من دونه "

وخرجت دون أن أسمع منها شيئاً آخر وذهبت من فوري لمنزل والدي الفارغ

فتحت الباب ودخلت متجنباً زيارة غرفتي وسريري الذي ضمني معها لليالي

صعدت من فوري لسطح المنزل , لم أزره منذ سنوات طويلة

نظرت في الأرجاء ثم توجهت بنظري فوراً للجدار الفاصل بيننا وبين منزل

الجيران , اقتربت منه ووضعت يدي على حافته أنظر لسطح منزلهم بضياع

وعيناي تبحث في جدار السلالم المقابل لي حتى وقع نظري على ضالتي فقفزت

من فوري بقفزة واحدة مستندا بيدي على الحافة وكنت فوراً في سطح منزلهم

اقتربت من الجدار من فوري حيث كان مقابلاً لي وأنا هناك , نزلت لأسفله

وتلمست بيدي الكلمات المكتوبة على جداره الخشن , الكلمات التي نقشتها

أناملها هنا منذ سنين بقطعة الحجر الصغيرة بعدما علمتها الكتابة

كانت أول كلماتها ( رائد قمر ) زدت المسافة للأعلى وتلمست المكان

هنا كان قد ازداد طولها أكثر بزيادة عمرها وكان مكتوب ( رائد مدرستي )

مسحت دمعة نزلت مني وصعدت بيدي أكثر وكان مكتوب ( رائد برد )

مسحت دمعة جديدة نزلت تتفقد الأولى أين وصلت وصعدت بيدي حيث

كان آخر عهد لها هنا وتبدوا وهي في العشر سنين وكان مكتوب ( رائد )

فقط , استغربت الأمر مددت يدي أمام الكلمة أكثر فكان ثمة كلمة أخرى

أصغر بكثير وكأنها تخفيها وهي ( أحبك ) كان هذا آخر سطورها وآخر

قوى لي على الصمود فوقفت على طولي مستندا بيدي على الجدار , كنت

أراها في الماضي وهي تكتب على هذا الجدار في بعض الأحيان ولكن من

غبائي ظننتها ترسم بعشوائية كباقي الأطفال ولكنها لم تكن إلا تعيد حفر هذه

الكلمات أكثر كي لا يمحوها الزمن يوماً , كانت تكتب في كل مرة ذات الكلمات

في ذات الموضع , يالك من غبي يا رائد وشهادتك الأدبية التي أخذتها من

الجامعة بامتياز لم تكن إلا كذبة بل وتفوقك في كل تلك السنين التي عرفتها فيها

هنا كان شيء لا تستحقه لأنك أغبى من أن تنجح في المرحلة الإعدادية

التفتت لأغادر فشد نظري شيء عاد بوجهي سريعاً للجدار وقربت أناملي ببطء

ألتلمس الكلمات الجديدة المكتوبة في الأعلى , مؤكد كتبتها في تلك الليلة التي

صعدت فيها هنا وانغلق عليها الباب , نظرت لها بتمعن وأصابعي تعبر مجراها

المحفور في خشونة السطح , تبدوا كتبتها أعلى من مستوى وجهها بقليل لأنها

كانت مقابلة لوجهي فكانت ( رائد قتلتني )

كانت مقابلة لوجهي فكانت ( رائد قتلتني ) اتكأت عليها بجبيني وندم العالم كله

يعتصرني وخرجت مني آهة بغصة ألم , لما لم تتحدثي معي يا قمر ! لماذا تركتي

كل هذا في قلبك ! لما لم تعترفي لي بما حدث يوم تركتني ؟ لماذا وأنتي بتي تعلمين

أنني لم أعد للمنزل بعد السبب الذي ذكرته لك غيداء , هل كانت تخشى أن لا

أصدقها يا ترى , ثم ضربت بجبيني عليه وقلت بعبرة مخاطبا الجدار

" لما لم تخبرني أنت ولما كنت أنا مثلك ومثل بابك الحديدي الموصد عليها

كل تلك الليالي ... نعم كنت مثلكما بارد وقاسي وأصم ومتحجر وبلا نفع "

بقيت هناك لوقت على ذات الوضع أبث معاناتي وندمي لجدار لا يشعر ولا

يسمع شيئاً ثم غادرت ذاك المكان بحِمل جديد أضفته على أحمال قلبي عله

يموت أيضاً وأرتاح , غادرت المدينة وعدت لمنزلي ووصلت عند منتصف

الليل , دخلت من فوري لغرفتي وارتميت على السرير دون أن أغير ثيابي

ونمت فوراً من شدة التعب الجسدي والنفسي ولم استيقظ إلا على صلاة الفجر

وها قد مر شهران آخران لا جديد ولا مفيد , لا أمل ولا شيء ولم يصل حيدر

لنتيجة كما يقول رغم أني موقن من أن عيناه تخفيان شيئاً لا يريد قوله فهل

ماتت حقاً ولا يريد إخباري كي لا يقتل الأمل الضعيف في داخلي أم لأنه وجد

دليلا ولا يريد أن يبعث فيا الأمل الواهم , وكانت هكذا تمر بي الأيام في سجني

الدائم وغرفتي لا يزورني احد لأني لا أستقبل غير حيدر ولا أحد لي سوى دمية

حبيبتي وفستانها الأحمر ومقالات مذكراتها التي وصلت الآن للجزء العاشر ولا يزال

هناك المزيد , مرت خمس شهور على ذاك اليوم المشئوم ولم أزدد إلا حنيناً ولهفة

وتعلقا بأملي الوحيد ( قد تكون لازالت على قيد الحياة ) فقيدتني كلمة ( قد ) بقيودها

فلم يعد في رأسي سواها ( قد تكون حية , قد تكون مريضة حتى الآن , قد تكون في

غيبوبة .... وقد وقد وقد ) الكثير والكثير ولا شيء منها( قد تكون ميتة منذ شهور )

استيقظت هذا الصباح والألم يزداد في رئتاي والسعال يشتد عن السابق , يبدوا

التهاب الرئة لدي وصل مراحل سيئة جداً فقد رفضت العلاج والذهاب للمستشفى

من أساسة رغم إصرار حيدر الدائم فلما أبحث عن الصحة لأعيش ما سأفعله بهذه

الحياة أنا أكرهها ولا أريدها ولا هي تريدني

خرجت من الحمام بعد نوبة سعال طويلة كادت أنفاسي تنتهي فيها وتوجهت

للأريكة ووصلت بصعوبة , جلست بتعب أمسكت علبة السجائر ثم رميتها , حتى أنتي

أصبحتِ تنكرينني ولا تزيدني إلا ألماً مع ألمي , سمعت حينها طرقات سريعة ومتتالية

على الباب وكأن من يطرقه ثمة من يركض خلفه , توجهت خارجاً من الصالة وفتحت الباب فكان حيدر , نظر لي نظرة غريبة ونفسه يلهث وكأنه كان هارباً بالفعل ثم ابتسم

ابتسامة واسعة وقال " هنا يا رائد إنها هنا في هذه البلاد "

الفصل الخامس والعشرون

ضممت ساقاي لحضني أكثر وأنا أجلس على هذا السرير البارد رغم

التدفئة المركزية في هذه الغرفة الخالية سوى من أنفاسي الهادئة , دسست

رأسي بينهم واستسلمت لدموعي , لا أذكر شيئاً مما حدث بعد ذاك اليوم

سوى استيقاظي على صوت طنين الأجهزة فنظرت بعينان نصف مفتوحتان

للواقفين حولي أتنقل بينهم بنظري وأحداً وأحداً , طبيبي الألماني ... عمتي

ودموعها الغالية تتساقط في كفيها و ..... رجل غريب في ملامحه شيء ما

...... نعم أنا أعرفه ولكن لا أذكره , أشار بأصبع يده السبابة أمام وجهه

بشكل قلب مبتسماً فتذكرت ما تعني هذه الإشارة , نعم تذكرتها تعني المفقود

من حياتي , تعني يا قمر أن أحد نصفاك الضائعان قد عاد , تقطعت أنفاسي

في جهاز التنفس الموضوع على أنفي وفمي وعيناي اغرورقوا بالدموع

ومددت يدي له ببطء رغم المغذي المحقون بها وجهاز قياس النبض والتعب

والمرض إلا أنني رفعتها بسهولة نحوه فأمسكها وقبلها قبلات لا يمكنني

معرفة عددها من كثرتها , كان يضمها لصدره ويتحدث ولا اسمع سوى

كلمة ( ابنتي ) فنزلت دموعي تتساقط بعدد يفوق عدد قبلاته بعشرات المرات

لتتجمع كل سنين البؤس والحرمان وتندفع من كل خلايا جسمي التي عاشت

فيها وتخرج في صوت هامس مخنوق " أبي "

لينطلق ذاك الجهاز بطنينه المرتفع فأبعده الطبيب عني يود إخراجهم من الغرفة

ونظري يتبعه ونظره للخلف عندي فعجز لساني عن نطق الحروف رغم كل

محاولاتي , أردت أن أترجاهم أن يتركوه معي ولو للحظة أخرى بعد

أتركوني أنعم به لا تأخذوه مني مجدداً , ارتفعتْ شهقاتي الراجية علهم يرأفوا

بحالي فحقنوني بتلك الحقنة الكريهة التي تأخذني للظلام الدامس الخالي حتى

من الكوابيس المرعبة ولم استفق من حقناتهم المتتالية تلك إلا بعد وقت طويل

لأجد نفسي في مكان آخر بل مستشفى آخر , أخبرني الطبيب هنا انه ولحسن

حظي كان الطقم الألماًني في المستشفى بعد نصف يوم من سقوطي لأنهم كانوا

في زيارتهم السنوية لتعاقد البلدين صحيا فما كانوا سيجدون وقتا لنقلي لهم في

بلادهم وكان الموت سيكون أسرع منهم فأجروا لي جراحة كانت نسبة الفشل

فيها ثلاث أضعاف نسبة النجاح وكنت ميتة بين أيديهم وميتة بعد العملية لأشهر

لولا أن أمر الله لم يقضي بعد بموتي لكان الموت أقرب لي من الحياة وما كنت

لأسعد بهذه النجاة لأني لم أخترها أبداً وفضلت الموت عليها لولا أن هذه الفرصة

جلبت لي شخصاً يستحق العيش مجدداً من أجله , هوا فرصتي الجديدة في الحياة

بل هوا الحياة , والد لقمر ... نعم لها والد , صدقوا أنه لها سند وحامي وأنها ليست

وحيدة , رغم أنه لم يزرني بعد تلك المرة حتى خيل لي أنني كنت أتخيل ذلك لولا

زيارة عمتي الوحيدة لي هنا لتؤكد لي ما رأيته , لو كنت مت ما كنت سأحضا بهذه

الهدية ( والدي ) ضننت أنه لم يعد لي ما أعيش لأجله لكنني أخطأت

رفعت رأسي وسندته على ظهر السرير وعيناي تعلقتا بالسقف الأبيض

كنت أسمع دائما عن المستشفيات العسكرية لكني لم أتخيلها هكذا , كانت

في مخيلتي تشبه زنزانات السجون مقرفة و بها أسره متهرئة ولم أتوقعها

هكذا وكأني في مستشفى من مستشفيات الخارج , جلت بنظري حتى وقع

على الورقة المعلقة على الحائط ثم للنافذة الزجاجية الواسعة في الجانب

الآخر بستائرها البيضاء المفتوحة , يبدوا أننا في منتصف الخريف أذكر

أني كنت في نهايته حينها فيستحيل أن يعود بي الزمن للوراء إذا هي عشرة

شهور مرت منذ ذاك اليوم , كيف مر كل هذا وهل قضيته بين هنا وهناك

أم هنا فقط ؟؟ لا أذكر ويبدوا أنني ارتكبت جريمة ما ولا أعلم بها وهم يسجنوني

في هذا المكان , انفتح الباب ببطء بعد طرقات خفيفة , كم أتمنى أن لا يكون أحد

الأطباء أو الممرضين , لقد كرهت رؤيتهم من كثرة ما زاروني لرؤية الفتاة

الوحيدة التي تدخل هذا الصرح العسكري فوحدهم من يجتازون الحرس في

الخارج , اتسع انفتاح الباب ليدخل من كان خلفه صاحب الجسد الضخم المتناسق

أزال نظاراته الشمسية السوداء الكبيرة وابعد الشال الخريفي عن فمه وذقنه لتظهر

لي تلك العينان السوداء الغائرة والابتسامة التي تشق تلك الملامح القاسية لتزيدها

جمالا في حدة , مددت له كلتا يداي بابتسامة مشبعة بالدموع فأغلق الباب واقترب

مني لأتعلق في عنقه باكية وهوا يضمني لصدره بقوة ويقول

" قمر يكفيك بكاء يا ابنتي من هذا الذي يبكيك لأذبحه حيًّا وأرمي لحمه للكلاب "

تعلقت بعنقه أكثر وقلت ببكاء " أين أنت يا أبي لما تركتني كل هذه السنين

ولما أنا هنا ؟؟ لما أنا وحدي وأين أنتم ؟ "

جلس على السرير بجواي ممسكا يدي وقال ونظره عليها " ظروفي كانت أقوى

مني يا قمر وأنتي هنا لأنك ما تزالين متعبة حبيبتي "

نظرت لوجهه وقلت بهدوء " لما هنا تحديداً عمتي لم تجبني عن

أي سؤال حين زارتني "

نظر لي وقال ماسحاً على وجهي بيده " لنحميك منهم بنيتي "

قلت باستغراب " من هم !! "

تنهد وشتت نظره أرضاً وقال بملامح حادة

" من قتلوا والدتك وكانوا يريدون قتلك بعدها دون رحمة "

قلت بعد صمت أجمع فيه أفكاري " إذا ثمة من قتلها ذاك اليوم الذي سمعت

فيه صرختها الوحيدة والأخيرة لتختفيا كليكما بعدها "

قال ونظره لازال أرضاً " نعم قتلوها وأبعدتهم قبل أن يقتلوك أنتي أيضاً ولم

أكن أعلم أنني سلمتك لمن هم أقسى منهم , من قتلوك ببطء لسنوات طوال "

مددت يدي ورفعت وجهه إليا من ذقنه وقلت ونظري في عينيه

" لما تخفي وجهك عني في هذا الموضوع , أبي ما الذي حدث في الماضي "

أمسك يدي قبلها ودسها في حضنه وقال " لقد قتلت ثلاثة منهم لأنهم قتلوها

وكانوا ينون قتلك يومها لذلك حاكموني عسكريا وسجنت لسنوات ثم خرجت

لأكتشف أنك كنتي في سجن أسوأ من سجني فانتقمت لك ممن عذبوك تلك

السنين ... خالك وزوجته , ليذوقوا البرد والجوع والحزن كما فعلوا بك

كنت أنوي فقط أن أضعهما تحت خط الفقر ليقاسيا ما قاسيته ولكنهما تهورا

ووصلا لما هما فيه الآن "

ثم دس يدي في حضنه أكثر وقال " لا أريد أن تكرهيني يا قمر وتريني مجرماً

أنتي عيناي التي أرى بهما أنتي سنين سجني أنتي الحياة المتبقية لي في هذا الكون "

حضنته وقلت ببكاء " بل سأقطع لسان من يقول عنك أنك مجرم فكم انتظرتك

ووالدتي لسنين طويلة حتى وأنا في منزل عمتي وما كنت لأصدق أن تموتا معاً

بتلك الطريقة , كم ناديتكم وكم ترجيتكم أن تنقدوني من البرد والضرب ومنهما "

مسح على ظهري بحنان وقال " ها قد عانوا كما عانيتِ وأكثر وانتقم الله لك

منهم معي وأقسم أن أدمر كل من يتسبب في سكب دمعة من عينيك الغاليتين

كما قتلت لأجلك سأقتل واسجن حتى ينتهي عمري "

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقلت بعينان تمتلئ بالدموع مجدداً " قتلتهم كلهم !! "

مسح الدموع العالقة في رموشي بطرف أصابعه الكبيرة وقال بابتسامة حزينة

" لا تخافي حبيبتي لم أقتله "

شهقت شهقة صغيرة فحضنني وقال " ما كنت سأتوانى عن فعلها لحظة لولا

خفت أن تحزني على ذاك المجرم , أقسم لو أنك فقدتِ حياتك يومها لقتلته دون

تراجع وما من شيء ينقده مني حتى هذه اللحظة إلا خوفي من غضبك بنيتي

فأعطني الإشارة فقط وسأجعله يزحف على الأرض لا يستطيع المشي لا على

قدميه ولا يديه "

ابتعدت عنه وهززت رأسي بلا فابتسم وقال " إذا أعفوا عنه لأجلك فقط "

هززت رأسي بنعم ودموعي تنزل من عيناي ثم قلت بعبرة

" هوا وحده المعنى الجميل لتلك الطفولة البائسة وثمة حساب كان بيننا وصفاه

مني وانتهى الأمر , لن يكون جزئاً من حياتي ولكن لا تؤذيه "

مسح بكفه على خدي وقال

" حسناً فقط أوقفي هذه الدموع لن أؤديه ولكن حسابه عليه دفعه "

ثم أخرج لي جريدة من داخل معطفه الخريفي وقال بابتسامة

" هذه ممنوعة هنا ولست من محبي قراءة الصحف ولكني أردت أن تريها "

فتحها على صفحة محددة ومدها لي فكانت مقالة بعنوان ( مذكرات زوجة كاتب )

قرأت أول سطورها ثم نظرت له بصدمة وقلت " مذكراتي !! "

قال " نعم تنزل للقراء تباعاً مرتين شهرياً ومنذ تسع أشهر وسنكشف عن

اسمه قريباً وسينال عقاباً بسيطاً يستحقه "

أمسكت يده وقلت " لا يا أبي لا تفعلها "

تنهد بضيق وقال " قمر حتى متى ستحبين ذاك النكرة ؟ أقسم لولا حبك له ما

زوجتك به منذ البداية ليس لشيء في خلقه ولكن لأنه من شهد مأساتك ولم يخرجك

منها ولم أكن أعرف أنه سيفعل بك كل هذا لكان طال النجوم قبل أن يطالك "

قالت برجاء " أخبرتك أن ثمة حساب كان بيننا وتصافينا فيه وكما عاقبت

من آذوني في طفولتي فابتعد عنه لأنه وحده من لم يؤذني فيها فمِن يديه كنت

آكل الحلوى وقت افتقدتها لسنوات ولم يعطيها لي أحد ومنه تعلمت الكتابة

والقراءة حين حرموني من المدرسة , وحده كان يستمع لي دون أن يشتمني

ووحده من كان لا يضربني ذاك الوقت , رائد انتهى من حياتي يا أبي فمهما

عانيت وطال بي الوقت لنسيانه فسأهجر حبه لكن لا تؤذيه من أجلي أرجوك "

جمع شعري خلف ظهري وهوا يقول

" كما تريدين يا قمر سأبتعد عنه فقط من أجلك "

ثم غير جلسته حتى أصبح ورائي وجمع شعري بين يديه وقال وهوا يضفره

" حينما كنتي طفلة كنتي تقولين لوالدتك رحمها الله وهي تسرح لك شعرك

: أريد حين أكبر أن يصبح ضفيرة طويلة , فقالت : وأنا سأضفرها لك

فقلتي معترضة : بل والدي يفعل ذلك , فقالت بتحدي : بل أنا فأنا والدتك

فتراهنا ذاك اليوم كل واحد منا يتحدى الآخر أنه من سيفعلها أولاً , كم كنتي

تحبين الشعر الطويل المضفر حتى أنك تقفزين كلما رأيت واحدة في التلفاز

بشعر ضفيرته طويلة "

أنهى ضفره ودموعي تنسكب بغزارة , ما أجملها من هدية هذه التي قدمت

إلي .... والد فكم حلمت بواحد منهما , من يراه وهيئته ككبار ضباط الجيش لا

يصدق أنه من يضفر لي شعري الآن بحب ورفق وحنان , مسحت دموعي

والتفتت إليه وقلت بابتسامة " وها أنت كسبت ذاك الرهان "

تم أمسكت يده وقبلتها ووقفت على ركبتاي وقبلت جبينه ثم نمت في حضنه كطفلة

تبحث عن حنان الأبوين مجتمعا فيه , كليلة صيفية هجرتها النجوم لتجد في قلب

سماءها ضوء القمر , من قال أن الأماني المستحيلة لا تتحقق , من قال أن ما ضاع

منك لا يمكن أن يعود , وبقينا على ذاك الحال لوقت أنام في حضنه الدافئ ويده

تمسح على شعري برفق ثم أبعدني ووقف لبس نظارته وقال وهوا يعدل شاله على

وجهه " عليا المغادرة الآن بنيتي وسأعود في وقت آخر "

رفعت رأسي ونظرت إليه وقلت بحزن " وبعد كم من الشهور ستعود ؟؟ "

وضع يده على رأسي ولعب بغرتي بين أصابعه وقال

" عليا حمايتك منا يا قمر حتى نجد لهذا حلا "

قلت وعيناي معلقتان به " وحتى متى سأبقى هنا أنا خائفة من هذا المكان الممرضون

والأطباء والحرس كلهم رجال كيف تؤمن عليا معهم "

قال بحزم " هل ضايقك أحد ؟ "

قلت وقد سافرت بنظري أرضاً " وهل سننتظر حتى ذاك الوقت في النهاية هم

رجال وأنا امرأة وحدي ووحيدة هنا "

قال وهوا يمسك كتفي بيده " سنجتمع وعمتك وزوجها ونناقش الأمر فكما ترين

يا قمر أنا الآن أشكل خطراً كبيراً عليك حتى أني أزورك متنكراً حتى عن الجهاز

الأمني لأني لا أتق في أحد ولا حتى هم , حتى تقع الخلية الجاسوسية في الشرك "

نظرت له وقلت " وحتى متى ؟؟ "

قال " لا اعلم ولا يمكنني تحديد ذلك سنتناقش في الأمر حبيبتي لا تقلقي

وسأخرجك من هنا مادمت لا تريدين البقاء فمعك حق كيف أؤمن رجال

على قمر مثلك مهما كانوا مهددين لأهمية المكان عسكريا "

تم أخد الجريدة من على السرير وهم بالخروج فقلت " أبي "

التفت إليا فقلت برجاء " لا تتأخر عني كثيراً سأشتاق إليك "

هز رأسه بنعم فقلت " وأترك لي الجريدة أتسلى بها فلا توجد حتى

هواتف كل شيء ممنوع هنا "

اقترب ووضعها في حجري وقال " خبئيها جيداً حسناً "

هززت رأسي بنعم مبتسمة له فمسح على شعري ووجهي بحنان وغادر

فناديته مجدداً فالتفت لي من فوره فرسمت له قلباً أمام وجهي مبتسمة فأزال

الشال عن فمه وأرسل لي قبلة من شفتيه كما كنا نفعل في صغري وابتسم

وغادر , كم احتجت إليه في حياتي وكم أنا سعيدة بعودته لي فكم قاسى هوا

أيضاً وعانا وقد ضاعت سنين عمره مثلي في الهم والحرمان فقد فرقتنا هموم

الدنيا ومواجعها وهي من جمعتنا أيضاً ولا اعلم متى ستتركنا لنجتمع للأبد

تنهدت بضيق ثم فتحت الجريدة أقلبها لا شيء جديد في هذه البلاد لم تتحرك

من مكانها , وصلت حيث العمود المخصص لمذكراتي , يبدوا شارفت للنهاية

قرأت اسطر منها أسترجع تلك الذكرى المريرة

( كان من الممكن أن أتجاوز

ألم الماضي لو لم تكن مؤنسي.. و مدرستي ... كما لو لم أرى فيك منقذي من

تعاستي.. ومخلفات الذكريات ... كنت أستطيع أن أتجاوز وجعي ورعبي ولكن

رأيتك حاضري.. تشبثت بكل ما يجيش في صدري نحوك وكنت أعلم أنه من

المستحيل رؤية بعضنا ولو بالصدف... ولكن ها نحن معًا ... لم أصحو بعد

من سكرة حُلمي ... ويبدو أنني لن أفيق حتى أهوي على رأسي من شدة وجع

الواقع..فأنت لم تتوانى عن صفع قلبي بكل الطرق ... ... وها قد تاهت بي معالم حكايتي معه حتى شارف قلبي على التوقف وعمري عن المضي وعقارب

حياتي عن الدوران , قريباً أموت يا رائد وأنت تبتعد عني أكثر وترميني

للمجهول للبعد عنك لحرماني حتى من قسوتك لأموت وحيدة وبعيدة , لما

حرمتني من أن تكون آخر من يشيع جثماني مثلما كنت أول من كتب خطوط

نهايتي وأول من مزق سنيني وعبث بتاريخ عمري وأول من رقص على

نهاية نبضاتي , كم قسوت على نفسي حين بحثت عنك فيك وعني لديك عن

الفرح في بلاد التعاسة وعن الحياة في حضن الموت وعن الرحمة في قلب

لم يعرف غير القسوة والظلم , كم كنت غبية وكم كنت حالمة وموهومة

واكتشفت أني كمن يبحث عن الدفء في حضن الجليد لتنتهي حكايتي معك

يا رائد كما خططت لها أنت تعيسة ومريرة وحزينة كما تريد أنت وليس

كما تمنيت أنا )

أبعدت نظري عنها وهززت رأسي لأبعد عنه كل تلك الذكريات , مؤكد أن

رائد الآن يرى أنه أخذ بحقه مني وأني أستحق ما أصابني , كان يعلم أني

ضوء القمر ويخفيه عني وأنا من تنتظر أن يتذكرني وهوا لم ينسني وكل تلك

المعاملة السيئة كانت بسبب ما فعلته في الماضي وأنا من غبائي أفكر كيف

سأشرح له الأمر ليفهمني ويعفوا عني , نزلت من عيني دمعة مسحتها وقلت

بحزن " عليك نسيانه يا قمر فهذه المرة الثانية التي يضرب فيها قلبك زلزال بسببه "

ثم تنهدت بأسى وشغلت نفسي بتقليب باقي أوراق الجريدة حتى وصلت

عند مقال تحت عنوان ( إحدى متاهات المنذر الجديدة ) نزلتُ بعدها للمقال

أقرأه فكان يتحدث عن رائد المنذر لتحوله من المقال الأدبي والنقدي للشعر

بعد انقطاع غريب وفهمت منه أنه لم يكتب لأشهر ومختفي تماماً عن الجميع

ليخرج بقصيدة احتلت مواقع محبيه وهزت بعض الصحف للتغيير المفاجئ

رغم ميوله الدائم للمجال الأدبي إلا أنه لم يكتب قصائد شعرية قبلا ولم يتحدث

عن حبه للشعر أو كتابته له فأعده الجميع تغيرا لميوله الأدبي , بالفعل معهم حق

هذا تغير عجيب رغم معرفتي أنه كان يكتب الشعر فاجأني أن يضع قصيدة

في الجريدة لابد وأنها جارحة كتلك التي رماني بها يوم الرحلة للبحر , وصلت

لآخر المقال فكانوا يعرضونها وما أن وصلت لها بنظري حتى سمعت حينها

طرقات خفيفة على الباب وفتح قليلاً وتحمحم من خلفه خبأت الجريدة وبقي

من ورائه في الخرج ولم يدخل مؤكد الطبيب هذه عادتهم , لبست حجابي

وقلت " تفضل "

دخل مبتسماً وقال " صباح الخير أراك أفضل اليوم "

قلت بابتسامة " نعم جاءتني زيارة ما أروعها "

اقترب مني وأخرج شيئاً من جيبه فقلت بتذمر " حرارتي ليست مرتفعه

أبعده ولا تقل أنك ستقيس ضغطي ونبضي أيضاً لقد سئمت منكم "

ضحك وقال " في وجهي تقولينها ! هيا علينا تدوين كل الملاحظات

يومياً هذا ضروري "

أخذته منه وقلت بضيق " أعطني إياها وسأسجلها لك دون عناء , لقد بث أحفظها من كثرة ما قرأتها ذات النتيجة يوميا "

وضعته تحت لساني وضحك وقال وهوا ينظر لجهاز قياس الضغط أمامه

" هل تكرهيننا لهذا الحد "

قلت مستاءة " نعم وإن أحضرتم الطبيب النفسي كما تريدون فسأهرب من هنا "

قال مبتسماً وعينيه على المقياس " لقد أنقده الله منك إذا "

أخرجت المقياس من فمي وأخذت منه الدفتر دونت الدرجة بنفسي ورميته له

وقلت بضيق " أين أنا من هذه البلاد ولما كل شيء ممنوع .... أريحوني "

قال وهوا يزيل الجهاز عن ذراعي " أنتي في الجناح السري من المستشفى

العسكري يا قمر وحتى نحن الأطباء والحرس في الخارج لا نعلم سوى اسمك

الأول فلن يفيدك أي منا بجواب "

تأففت وقلت " إن كانت لك ابنة هل كنت ترضى لها هكذا تنقطع عن كل شيء "

ضحك وقال " محاولة جيدة , بلى لدي ابنتان ولمصلحتهما أفعل أي شيء "

نظرت له بنصف عين وقلت " أقسم انك طبيب نفسي وأنك تعرف عني الكثير "

اكتفى بالابتسام في صمت فقلت " هل لي بطلب واحد فقط وبسيط جداً "

نظر لي باهتمام وقال " طلب مني أنا ! لكن القوانين صارمة لا تطلبي شيئاً أعاقب عليه حسناً "

قلت وأنا أهز رأسي بلا " لن أطلب شيئاً مؤدياً هوا ممنوع لكن أريده

هاتف فقط لأتحدث مع عمتي قليلاً .... أقسم لك "

تنهد وعدل من وقوفه حاملاً أجهزته وقال " صحيح أني درست علم النفس

لكني لست متخصصا فيه بل أنا حقا طبيب عضوي وأنا بالفعل لا أعرف عنك

غير اسمك وأنك هنا لحمايتك وأن والدك ذو مركز كبير في هذا المكان لكن

من يكون لا أعلم , وأن أحضر لك شيئاً ممنوعاً ستكون مغامرة قد أفقد

فيها النطق والمشي وليس وضيفتي فقط "

قلت بتذمر " يا لكم من متحجرين كيف تكونون أطباء "

لم يعلق على كلامي سوى بالابتسام كعادته ثم هم بالخروج فوقف بجانب

الباب ونزع ورق التقويم اليومي وقال " هذا اليوم مضى لما لا تزيلينهم ؟ "

قلت بضيق " أتركهم حتى يصبحوا عشرة وأزيلهم معا كي أشعر

أني تقدمت للأمام كثيراً "

قال بابتسامة " فكرة جيدة للعيش في الماضي وليس للذهاب للمستقبل "

ثم خرج وتركني وحدي لوحدتي , هكذا انتم أطباء النفس ليس لديكم سوى التحليلات

السخيفة , أخرجت الجريدة وفتحتها على المقال المدرج فيه القصيدة من أجل أن

يقدموها للقارئ بعد موشح تحليلها طبعاً وكانت

....

خذيني إليك

خذيني بحزني لفرحتي مني خذيني إليك

لا ترحلي مثل الرحيل

مثل الأماني عانقت عطري النحيل

وتناثر في مقلتي ثم اختفت في مقلتيك

* * *

مني إليك

تحتار أشيائي لكي مني تسابقني إليك

حتى ملامح غرفتي

كتبي وعطر حقيبتي

قداحتي صندوق أقلامي وعلبة ساعتي

حتى مفاتيحي رثت كفيك

* * *

ويزيد شوقي إليك

ويزيد كم شوقي يزيد إليك

كنسائم الليل الحزين

كالهمس في نبرات نجوى العاشقين

كقصائدي ودفاتري

تحتار كيف تموت بين يديك

* * *

ومني إليك

كل المشاعر تشتكي مني لقلبي إليك

حتى نسائم شرفتي

تركتني ألعن وحدتي

بل ضحكتي رحلت وأخذت بسمتي

هل تسمعي

أحبيبتي ومليكتي

ضمي تفاصيلي خذيني إليك........ (من أجلك قمري )

يتبـع

بقيت أنظر لها مطولاً وأنفاسي تتغير ودقات قلبي تضطرب , ترى ما

يعني بكل ما كتبه ؟ يبدوا لا يعلم أنني هنا ولكن كيف سيعلم وهذا المكان

سري, ترى ما حدث بعد أن فقدت وعيي يومها ! هوا موقن أنني من

خدعته فلما يكتب هذا أم انه من أجل أخرى ! ولكن من تكون وهذا اسمي

في الإهداء , هذه الجريدة مر على صدورها أسبوعين ولا اعلم كم مضى

على نشرها في جريدتها الأساسية ؟ أنا حقا لا أفهم شيئاً

وبقيت على ذات الحال والروتين أسبوعاً آخرا حتى طرق أحدهم الباب

في غير وقتهم المعتاد فعلمت أنها وأخيراً زيارة لي فبقيت أنظر بلهفة حتى

انفتح ببطء ودخلت عمتي التي اتجهت فوراً مسرعة اتجاهي واحتضنتني

بحب ثم يليها زوجها ووالدي , كنت أحتضنهم وأبكي شوقاً وفقداً ومللاً من

هذه الوحدة وهم يحاولون تهدئتي حتى قال والدي " قمر لما البكاء هكذا

سنخرجك من هنا كما طلبتي "

قلت بابتسامة حزينة " حقا ... وأخيراً سأغادر السجن "

ضحك وقال " لو سمعوك المساجين لبكوا على حالهم "

قلت بسرور " هل سأخرج معكم ؟ هيا لا أريد البقاء لحظة بعد "

نظروا لبعضهم في صمت فقلت بقلق " ماذا هناك ألن أخرج !! "

قال والدي ونظره على أصابعه المشتبكة ببعضها وهما يجلسان أمامي وعمتي

بجانبي " قمر لا يمكنني أخدك معي لا أنا ولا حتى عمتك فقد أصبحت خطرا كذلك "

نظرت لهم وأحداً وأحداً وقلت باستغراب " لم أفهم كيف لا تستطيعون أخذي ! "

نظر لي وقال " حياتي عرضة للخطر حتى نمسكهم وإن علموا بك ستفقدين

حياتك في أقرب فرصة ولن أخاطر بك ماداموا لم يعلموا بوجودك فبعد أن قتلت

أولائك الثلاثة الذين كانوا المشتبه بهم الوحيدين وهم من الجهاز الأمني في البلاد

سلمت نفسي بمحض إرادتي حيث أنه وبحكم مركزي حينها كان يمكنني قتلهم

دون أن يحاسبني أحد لكني سلمتهم نفسي والأدلة على قتلهم لوالدتك ومحاولة

قتلي وحتى قتلك فحكموا عليا بالسجن عسكريا لأني في نظر القانون أمثل جزء

من القانون في البلاد وأنهم الدليل الوحيد لدينا حينها لفك تلك الخلية فأخذوا بعين

الاعتبار مركزي وأسبابي وتسليمي لنفسي لكني لم أنجو من السجن وحدها

وضيفتي ورتبتي اللذان لم أخسرهم في المحاكمة العسكرية التي خضعت لها

لأخذهم تلك الأسباب بعين الاعتبار وبعد خروجي من السجن العسكري بقيت

أراقبك من بعيد ولم يعلم أحد بخروجي سوى زوج عمتك ورغم حماية الجهاز

الأمني لي إلا أنني لازلت على خطر وقد حاولوا قتلي مراراً لعلمهم ما أصبوا

إليه وما فعلته ببعض أعضائهم سابقاً وضنهم أني على علم بمن يكونون

وعندما قررت تسليم نفسي تحدثت مع خالك ليأخذك عنده حتى أخرج

من السجن لأن عمتك كانت في الخارج ولا صلة لي بها ووحدهم أقاربك

ولم أعلم أني بذلك سلمتك للشيطان وزوجته ولكن قضاء الله خير دائماً فهم

سجنوك وحجبوك عن العالم كله فحموك منهم دون علمهم , لذلك لا يمكنني

أخذك معي حالياً وحتى الله أعلم متى , هذا إن نجوت منهم , وعمتك بعد

استقبالها لي أصبحت خطراً عليك كما عليها السفر قريباً وأنتي لا يمكن

إخراجك من البلاد في الوقت الحالي وعلى عمتك الابتعاد في كل الحالات

تحسباً لأي مشكلة قد تودي بحياتها وعائلتها "

هززت رأسي بعدم استيعاب وقلت ودموعي تملا عيناي

" ما معنى هذا ؟ هل أصبحت بدون أهل وليس لي مكان أخرج لأذهب إليه "

مد يده لوجهي ماسحاً على خدي وقال بهدوء " من أجلك قمر , لا أريد أن

أخسرك أنتي أيضاً ولا يمكنني وضعك في منزل لوحدك حتى بالحراسة لا أؤمن عليك ولا من الحرس وأنتي امرأة ووحيدة "

أمسكت يده وقلت ببكاء " من بقي لي أذهب إليه ؟ لماذا يحدث معي هذا

وهل سأبقى هنا كل عمري "

تنهد بضيق وقال " بقي زوجك ولكني لا أريد أن أرجعك إليه وعلينا البحث عن

خيار غيره خصوصاً أنه بدأ يبحث عنك في كل مكان وسيكشف أمرك بسبب تهوره

أرسلت له تهديدا ليتوقف عن التهور لكنه لم يكترث لي فوجهت له خطاباً خطياً

أننا سنسجنه ليتوقف عن ذلك وجنونه لم ينتهي لذلك اتصلت به بنفسي لأخبره أنه

يعرض حياتك للخطر بما يصنع وأني إن أرسلت أمراً بالقبض عليه فسيرى عذاباً

لن يتحمله , ليقتنع بما نأمره به فكان كلامه كله إصرار على مقابلتك ومعرفة مكانك

ولم يتراجع إلا حين أخبرته أنه بهذا سيحرم نفسه أيضاً منك وسيصبح مصدر خطر

عليك كما نحن الآن عندها فقط لانت كلماته قليلاً , ولكني أخبرته بالحرف الواحد

أنك لم تسألي عنه ولم يعد يعنيك ولم تطلبي أن يزورك وأن عليه نسيانك لأنه لم

يستحقك أبداً فانا لم أنفد ما هددته به فقط من أجل وعدي لك أن ابتعد عنه لكن أن

يهدد حياتك بالخطر لن أرضا بها أبداً "

قلت بعينان دامعتان " لا أريد العودة إليه لا أريد "

قال مطمئننا " لن تعودي إليه حبيبتي ولن يقترب منك لا تحزني ولا تخافي "

مسحت عيناي وقلت " والحل الآن أنا لا أريد البقاء هنا أبداً ولا يوماً آخر "

حك جفنه تحت عينه وقال " زوج عمتك اقترح أن يقطع دراسته ويبقي ومؤمن

هنا لتبقي معهم لكن يبقي الوضع غير آمن , فكرت لو لدينا من نتق في حمايته

لك من البعض فقط لأن الباقي ستتكفل به المراقبة المكثفة حولك "

قلت مقاطعة له " كيف من البعض لم أفهم ؟ "

تنهد وقال " زوجك مثلا أو أي رجل من طرفه قد يكون خطراً عليك , لدي

أصدقاء موثوق بهم لكنهم يتبعون للجيش والأجهزة الأمنية فلن يجدي الأمر

عمتك تقترح صديقة لها ابنها ضابط في الشرطة , الفكرة جيدة لكن المشكلة

أن تبقي وإياه في منزلهم , هم غرب عنك ووالدته تعمل لساعات طويلة خارج

المنزل وقد يعلم زوجك ويسبب لنا فضيحة "

قلت باستغراب " وما دخل رائد في كل هذه الأمور ! لما يبحث عني ولما

سيلحقني ويتسبب لي بالمشكلات !! "

قال بضيق " يبدوا كبرتِ في قلبه فجأة وبعد أن شيع جثمانك تذكر أنك شيء يؤول

إليه , أقسم لولا طلبك مني تركه لعرفت كيف أجعله يبتعد عن طريقك وبالقوة "

قلت بتشتت " أشعر أنني في شيء لا أفهم منه شيئا "

قالت عمتي ممسكة لكتفي " قمر حبيبتي علينا أن نتفق علي مكان يكون آمن لك

لا يمد لنا بصلة ويمكن لصاحبه حمايتك حتى من زوجك فنحن لا نعلم ما ينوي

عليه ولما يبحث عنك ويصر عليك هكذا , المشكلة لا أصدقاء مقربين لك "

ثم وضعت يدها علي حقيبتها وقالت " آه كدت أنسي "

ثم قالت وهي تخرج ورقة منها

" هذه أرسلتها لك نوران وقالت أنه عليك قراءتها سريعا "

أخذتها منها في حيرة من أمر إرسالها لي فتحتها فكان فيها (( قمر شقيقتي الحبيبة

التي لم تلدها لي والدتي , لا أعرف من أين ابتدئ ولا كيف أشرح لك موقفي ولا

كيف أصوغ الكلمات بحيث أستشعر غفرانك لي , قمر أنا من أخذت أجزاء منازل

القمر كما تعلمي ولكن مالا تعلميه أني أخذتهم لرائد حينها وعلي دفعات لأكفر عن

خطأ قديم في حقك وهوا أني أنا من دللت شقيقته عليك ودون قصد مني أو علم

بمن تكون وما تنوي ولكنك فاجأتني يوم اكتشفتِ أن المذكرة بدأت تختفي

أوراقها وخبأتِ الباقي عني وما لم تكوني تعلميه أن باقي أوراقها لدي رائد

لذلك اعترضت علي موافقتك الزواج منه لكي لا ينتقم منك عن ذاك الماضي

ويوم أخبرتني أنه علم منك عن كل شيء وتصافيتما صدقت ذلك وسعدت أني

تخلصت من عقدة الذنب أخيراً , ولم أكن أعلم أني سلمتك للموت بيدي

قمر سامحيني أقسم لم يكن قصدي أذيتك وكنت أود أن آتي لك بنفسي واشرح

أسبابي واعتذر ولكنهم منعوني من الذهاب معهم لأن والدتي ذهبت معهم

مكرهين فذهابي سيكون مستحيلا , قمر سامحيني أرجوك , أحبك.... نوران )
‏‎
‎قبضت على الورقة في يدي بقوة ودخلت في نوبة بكاء مريرة وعمت

تحتضنني ووالدي وزوجها يحاولان فهم شيء مما يجري فأخذ والدي الورقة

مني وقرأها ثم قال بغيض ومن بين أسنانه " سحقاً له كان ينتقم منك إذاً "

ابتعدت عن حضن عمتي وقلت وأنا امسح دموعي

" كما أخبرتك أبي حساب قديم وتصافينا فيه ولم يعد له شيء عندي "

قال بغضب " بعد ماذا ؟ بعد أن أخسرك صحتك للأبد ذاك المغفل

لو فقط تتركيني أصفي منه حسابي يا قمر "

قلت بهدوء ونظري للأرض " ماضي وانتهى ولا يجدي الكلام عنه الآن "

ثم نظرت له وقلت بجدية " لدي من سأبقى معه حتى تنتهي هذه الأزمة ووحده

من سأكون لديه بخير ومن سيمنع حتى رائد عني "

قال والدي بهدوء " قمر تعرضك للضغوط النفسية مجدداً سيكون خطرا كبيراً لن

تنجي منه هذه المرة بنيتي , وأنتي أدرى بحالتك الصحية الآن فلا نريد المجازفة "

قلت بابتسامة حزينة " لا تقلق يا أبي ما كان كان وانتهى ولن أرى أسوء منه

سأخرج عن سلطته ولن يفعل شيئاً تأكد "

تنهد وقال " لولا خوفي عليك لرفعت قضية طلاق وزوجتك بغيره ليحميك

ولكن القضية ستكشف اسمك كاملاً وإجباره على ذلك بالقوة أمر لن توافقيني

على فعله لفصلت جلده عن عظمه حتى يطلقك "

قلت وأصابعي تعبث بطرف اللحاف

" فلنخرج من هذه المشكلة أولاً وتعود إلي ثم لكل حادث حديث "

ثم نظرت له بعينان دامعتان وقلت وأنا أمد يداي له

" والدي لا تمت كن بخير لأجلي أرجوك "

عانقني وقال مطبطبا على ظهري " لا تقلقي حبيبتي مسألة وقت , أنتي أخبريني

فقط عن المكان الذي تودين الذهاب إليه لنجري جميع الاحتياطات الأمنية فحتى

من سيحمونك هناك لن يعلموا من تكونين "

وهنا كانت نهاية فصلنا الجديد

أين ستكون قمر في محمى حتى عن رائد وما سيكون المكان الذي اختارته

كيف سيصل لها رائد وكيف سيعلم بمكانها بل كيف سيعيدها لحضنه مجددا

وهل سيجد الغفران عند قمر ووالدها وما الخيارات التي ستكون أمامه

الفصل القادم سيجيب عن كل هذا وسيحمل لكم في طياته الكثير

فصلنا القادم لرائد والنقلة الجديدة في القصة ستبدأ من عنده

يتبع .......
 
الفصل السادس و العشـرون

خمس شهور مرت أبحث عنها كالتائه وكمن يبحث عن قشة في كومة ثبن وبل

أكوام , كل هذا وهي هنا في هذه البلاد فماذا لو كانت خارجها !! لكنهم يخفونها

بشكل غريب فلو كانت في دهليز تحت الأرض لوجدتها حتى أني وصلت لمرحلة

شككت أن معلومات حيدر غير موثوق بها , حتى وصلني تهديد بإيقاف البحث

عنها لأتأكد أنها بالفعل موجودة وأن من يخفيها يبدوا والدها وكما قال حيدر هوا

يواجه خطراً ويخاف أن تطالها الأيدي , لكن لما سأصبح أنا أيضاً أشكل خطراً

عليها ؟ هل يعني سيعرفون بوجودها من خلالي أم سيعرفون أن لي صلة بها

فبذلك لن استطيع استردادها , يبدوا أنه يخدعني فهل سيرضى بأن ترجع إلي

وهوا يطلب مني تطليقها بدون استخدام العنف , هذا الرجل يهدي بالتأكيد فلن

أطلقها ولو مت تحت التعذيب , لو أني فقط أصل إليها وأين تكون فلا صبر

لدي على بعدها فعشرة أشهر مرت حتى الآن وكأنها عشر دهور لجأت حتى

لكتابة قصيدة لها لعلها تقرأها وتفهم ما في قلبي اتجاهها وأنه عكس ما تعتقد

ولا أعلم حتى إن وصلت إليها أم لا ولا أعتقد أن والدها سيسمح بذلك

تنهدت بضيق وتأففت مطولاً لتعود لي نوبة السعال الكريهة مجدداً ثم وقفت

لأعد شيئاً آكله فسمعت طرقا على الباب فخرجت له وفتحت فكان أسعد غمز

لي بعينه وابتسم قائلا " أمازلت على قيد الحياة ؟ "

قلت بابتسامة داخلاً قبله " وهل تنتظر موتي أم ماذا "

قال وهوا يغلق الباب ويتبعني

" بل أنتظر قراراتك الجديدة , أخبرني كيف أنت ؟ "

قلت متوجها للمطبخ " كما تعرفني لا جديد "

قال وهوا يشغل التلفاز " ألا جديد بعد ؟؟ "

خرجت بأكواب الشاي وضعتها على الطاولة وقلت " لو كان ثمة جديد لوجدته "

قال ضاحكاً " نعم ولكني أعني شيء غير ملموس , مثلا معلومات أو أخبار "

جلست وقلت " لا شيء من كل هذا ولكن لن تختفي كل العمر لابد وأن

تظهر , وهي زوجتي في كل الأحوال "

قال بهدوء " أستغرب هذا ! كيف اختفت منك فجئه ولا تعلم !! "

اتكأت على مسند الأريكة وقلت وأنا أقلب المحطات " قصة طويلة وشخصية "

نظر من حوله وقال بتساؤل " لما تجمع الأثاث هل ستغادر ؟؟ "

قلت ببرود " نعم سأعيش في العاصمة , سأبيع منزلي وحصتي من

منزل والدي وأشتري منزلا هناك "

نظر لي مطولاً بصمت ثم قال " غريب هذا القرار لما تريد الانتقال "

قلت وأنا أرشف الشاي " لأغير من مظهر حياتي القديم , كل شيء يمد

لذاك الزمن بصلة عليه أن يتغير قبل أن أجد قمر "

ضحك وقال " تجهز لها عالماً جديداً يالا التغير الغير معهود في شخصيتك "

قلت بابتسامة جانبية " وأغير الجديد أيضاً إن أحبت هي ذلك "

عاد للضحك مجدداً وقال " جدها أولاً ثم غير المنازل "

نظرت له بضيق وقلت " يبدوا أنك تشعر بالملل أو تشاجرت

وزوجتك وجئت لترفه عن نفسك عندي "

أخد الوسادة رماني بها وقال وهوا يقف " متى ستنشر كتابك "

نظرت للكوب في يدي وقلت " لا أعلم ... قد يكون قريباً "

ثم قلت وأنا أخرج سيجارة وأضعها في فمي وأشعلها

" لما وقفت ؟ هل ستغادر سريعاً هكذا "

تنهد وقال " رائد هذا السم يقتلك أكثر , أنت تعلم أن حالتك الصحية لا تستحمل كثرة التدخين "

رشفت وأخرجت الدخان من فمي ثم سعلت قليل وقلت

" ذهبت للطبيب ولم أجني نتيجة فارحموني من هذه المقولة "

قال بضيق " وما الفائدة إن لم تلتزم بالعلاج وتوقف هذا السم

رائد كيف تغير المنزل وتنسى نفسك "

أطفأتها في المطفئة وقلت " ها قد تخلصت منها وانتهى الأمر "

قال مغادراً " تخلص من العلبة كلها بل وأخرجها من

حياتك أولاً ثم قل تخلصت منها "

مررت أصابعي في شعري أرفعه للخلف ثم غادرت المنزل وزرت المكتبة

ثم السوق وعدت سريعاً لأغرق في كتبي فلا شيء غيرها يسليني بعدما أوقفت

مهمة البحث التي كانت تأخذ كل وقتي ويبدوا عليا العودة لذلك مجدداً لأن هذا

الحال لا يعجبني ولن أرجعها لو بقيت جالساً مكاني هكذا , عند المساء وردني

اتصال من حيدر فأجبت في الفور قائلا " هل وجدت شيئاً ؟؟ "

ضحك وقال " ألا أتصل لغير هذا ! أنا شقيقك ولست جهة حكومية لا أتصل إلا لغرض "

قلت بتذمر " حيدر قل ما لديك وكف عن السخرية "

قال ضاحكاً " لدي شيء ولكن لنتقابل أولاً لا ينفع ذلك في الهاتف "

قلت " حسناً أنتظرك , أمازلت هنا ؟ "

قال " لا عدت للعاصمة نتقابل عند جدتي لأني ذاهب إليها "

قلت ببرود " ولما تبعد الطريق عني هكذا ثم أنت تعرفها لا تطيقني في الأرض خصوصاً بعد حكاية قمر , لا أعلم كيف تحبها أكثر منا

وهي لم تعرفها سوى لأيام معدودة لا تُذكر "

ضحك وقال " أنت تعرف طبع جدتي هي هكذا مع الجميع وحتى مدللها

مروان , فقط قمر كانت حالة شاذة عن الجميع ومن الذي يعرفها ولا

يحبها هي تفرض نفسها على القلوب "

قلت بضيق " حيدر التزم الصمت خيراً لك يبدوا لي تريد

مشكلة معي ومع زوجتك "

قال ببرود " لن تتغير أبداً وأخبرتك مراراً هذا ما سيدمر

حياتك معها , انتظرك هناك حسناً "

قلت متجاهلا كلامه " حسناً فأنا كنت سأزور زوجة والدي على أية حال

ولنرى إن كان ما لديك يستحق كل هذا المشوار الطويل "

قال ضاحكاً " تعال واحكم بنفسك هيا وداعاً "

أنهيت الاتصال ورميت بالهاتف بعيداً عني واتكأت على الأريكة أنظر لصورة

قمر التي رسمتها أنوار تتوسط الجدار في الصالة , أين أنتي يا قمر اخرجي

وارحميني من عذابي , في صباح اليوم التالي خرجت مبكراً من المنزل لأصل

المزرعة قبل حلول الظلام , توجهت لمدينة والدي وزرت زوجته لنتفاهم في

أمر المنزل ثم غادرت المدينة للمزرعة ووصلت هناك بعد العصر , دخلت

المنزل ووجدت خالي مروان متكأ على الأريكة ومغمضا عينيه , اقتربت منه

وصرخت في أذنه " مرواااااان "

فقفز واقفا ثم دفعني وقال بضيق " أولاً خالي مروان وثانيا متى ستتوقف

عن سخافاتك ثالثا من أين أتتك هذه ألحنية تزورنا فجأة "

جلست وقلت " أولاً لن أقول خالي مادمت أعزب ثانيا لم آتي لأجلك "

قال بابتسامة جانبية " من أجل من إذا ؟؟ "

قلت بضيق " وليس سوزان , لا أريد لمشاكل الماضي معك أن تتكرر فهمت "

ضحك وقال وهوا يجلس" أعان الله زوجتك المفقودة على عصبيتك "

تأففت ونظرت للجانب الآخر وقلت " أين حيدر ؟ "

قال باستغراب " من حيدر !! "

قلت بضيق " ابن الحصان , حيدر شقيقي طبعاً "

رفع كتفيه وقال " ليس هنا ولم يقل أنه قادم "

قلت بصدمة " ماذا !! هوا أخبرني أنه هنا وأننا سنلتقي في المزرعة "

قال بلا مبالاة " اتصل بي منذ قليل ولم يقل شيئاً من هذا "

كيف .. ؟ هل ضحك علي ولكن لما وما مصلحته , نظرت له بتشكك وقلت

" لا يكون مقلباً من مقالبك فلن أفوته لك "

قال ببرود " ليس مقلب ومن يفعل مقلباً لواحد مثلك

فلست مستغنياً عن حياتي "

قلت بحدة " مروان كف عن قول السخافات رجاءً "

عاد للاتكاء على الأريكة وقال واضعاً ساق على الأخرى

" أخفض صوتك فجدتك لديها ضيفة في الأعلى "

قلت ببرود " لا تقل أن خالتك أو ابنتها هنا "

ضحك وقال " لا لا تخف هذه شيء مختلف جداً "

قلت باستغراب " ما تعني بمختلف !! "

صفر تصفيره طويلة ثم قال " لو رأيتها لجننت لا توازيها

سوى زوجتك المفقودة , قمر يا رائد قمر "

وقفت على طولي أنظر له بصدمة فابتسم ابتسامة جانبية وغمز لي بعينه فركضت

جهة السلالم ووقفت على الأريكة المقابلة لي وقفزت من فوقها دون أن ألجأ للدوران

حول المجلس للصعود وصعدت السلالم في قفزات حتى كنت في الأعلى فوجدت

جدتي تقف في الصالة العلوية وخلفها ..... قمر , هي بشحمها ولحمها كما عرفتها

دوماً , هي قمر عادت للحياة من جديد بل أعادت الحياة لي مجدداً , لم أتخيل يوماً

شعور من مات وعاد للحياة من جديد لكني عشته الآن وشعرت به , كنت أنظر لها

بشوق بحب بلهفة بشغف , كانت ترتدي بنطلون من الجينز الأزرق وكنزه شتوية

حمراء تصل لنصف الفخذ وشعرها الحريري ضفيرة للأمام , نظرتْ لي مطولاً بصدمة لا تقل عن صدمتي بادئ الأمر ثم أشاحت بوجهها عني فمددت يدي ببطء

وقلت بهدوء " قمر تعالي "

قالت جدتي ملوحة بعكازها " ما الذي جاء بك أنت ولما صعدت هنا "

قلت ونظري على قمر ويدي تمتد لها أكثر وهي عادت تنظر لي

" قمر تعالي دعيني أحضنك أتحسس وجودك وأني أراك حقاً

ولست أحلم .... هيا قمر أرجوك "

لم تجب وقد عادت بنظرها للجانب الآخر فقلت برجاء مكسور

" قمر أرجوك لا تصبحي مثلي بلا قلب لا تتحولي لقاسية وشبيهة لي "

لمحت دمعة تتسلل من رموشها المنسدلة للأسفل فقلت برجاء أكبر ويدي

لا تزال ممدودة ناحيتها " قمر تعالي لحظني أرجوك "

ضربت جدتي بعكازها على الأرض وقالت " رائد لن أسمح لك بإيذائها

مجدداً ابتعد عنها فيكفيها ما خسرته بسببك , هي الآن أمانة والدها لدي

ولن تقربها بسوء مادمت حية "

تجاهلتها مجدداً فلست أرى الآن في العالم سواها أمامي , توجهت نحوهما بخطوتين

واسعتين ومددت يدي لأختطفها من خلفها اختطافاً ودسستها في حضني أشدها إليه

بقوة وقد انطلقت عبراتها ودموعها وبكائها المرير لتنسكب معها دموعي بغزارة وأنا

أحتضنها بقوة وأقبل رأسها ودموعي تنزل على شعرها تسقيه ماءً يخرج من جوفي

وعبرة تفتت أضلعي ونحيباً مريراً قاتلاً يخرج من صدري وأنا أقول بهمس مخنوق

" حبيبتي ... قمري وعذاب الليالي الطويلة بل عيناي وروحي والشوق الذي دمرني "

دسستها في حضني أكثر وكأني أتحسس وجودها في الحياة من جديد وأنا أقول بعبرة

تخنقني " قمر حبيبتي لا اصدق "

ابتعدت عن حضني ببطء وهي في صمتها ذاته ثم غادرت راكضة ودخلت الغرفة

وأغلقتها خلفها لتستل روحي وتأخذها معها , تحركت لأتوجه ناحيتها فأوقفني عكاز

جدتي الذي وضعته أمام صدري قائلة " توقف ... لقد سمحت لك أن تسلم عليها

لأني رأفت لحالك وكلماتك فعند هنا وكفى , يكفيها ما أصابها منك يا رائد , يكفي

أنك أخسرتها صحتها للأبد وكسرت قلبها فلن أخون ثقتها ووالدها في حمايتي لها

من أي شيء يضرها حتى أنت حفيدي "

ضربت على صدري وقلت بحسرة " هي زوجتي لي أنا كيف تمنعوني عنها , جدتي

ارحميني أنا أيضاً وكوني عادلة فأنتي لا تعلمي ما أكبته الآن في داخلي ويحرقني حرقاً "

قالت بغضب " رائد قلت تنزل الآن يعني تنزل أو أخرجتك من كل المزرعة , لابد

وأنك لاحظت حركة رجال مدنيين كثر حول المزرعة وداخلها , اتصال واحد وتكون

خارج المدينة بأكملها , قلت يكفي ما أصابها منك لن نخسرها للأبد بسببك ثم الفتاة لم

تعد تريدك افهمها قبل أن تسمعها منها بنفسها "

دفعت عكازها عني وقلت بحدة

" جدتي أنتي أم جدتها ؟ اشعري بي كما تشعرين بها "

قالت بغضب " لا ترفع صوتك في وجهي واحترمني "

قلت برجاء " جدتي أرجوك لا تكوني قاسية دعيني أتحدث معها فقط "

أعادت عكازها لصدري وقالت ببرود

" لن أسمح لك بتكرار ما فعلته يكفي دموعها التي بكتها الآن "

هززت رأسي بقوة وقلت " لن تمنعيني عنها لا تحلمي بذلك "

قالت بصراخ غاضب " أخبرتك أنها فقدت صحتها وإن تكرر ما حدث

سابقاً فستموت من فورها ولا مجال لعمليات أخرى تفهم "

توجهت جهة السلالم قائلا بضيق وأنا أنزل

" لن تحرموني منها , الموت أهون عليا من ذلك "

وصلت للأسفل وكان مروان واقفاً , نظر لي وقال " ما كل هذا الصراخ ؟؟ "

نظرت له بضيق فضحك وقال " وقعت في قبضة من لا يرحم "

قلت بحدة " هذا ليس من شأنك ثم كيف تتجرأ على قول ما قلته عنها قبل أن أصعد "

قال مغادراً جهة الخارج " فرسي بحاجة للتنظيف من أجل السباق لأذهب

لها خير لي من مقابلة المتفجرات "

تم تابع وهوا يبتعد " أغضبوه من في الأعلى فنزل ليسكب غضبه بي

لم يقدر عليها جاء يستعرض .... "

وبقي على ثرثرته حتى اختفت كلماته معه , خرجت جهة ساحة الخيل واتصلت

بحيدر فأجاب من فوره قائلا " ما رأيك بالمفاجأة "

قلت " لم أحضا بمثيلة لها لكن جدتك أفسدت الأمر كعادتها "

ضحك وقال " هي تحت حمايتها فحربك لن تكون سهلة "

قلت " ما قصة قدومها إلى هنا "

قال " قصة طويلة مفادها أنه لم يعد والدها ولا حتى عمتها في مأمن وبقائها معهم

فيه خطر عليها وأنت تعلم لا أحد لها غيرهما وكان عليها البقاء مع من لا صلة له

بهما فاختارت هي جدتي وقد زارها والدها بنفسه وليتك كنت معنا ذاك اليوم وكأن

رئيس البلاد جاء لزيارتنا هههههه كان كالاحتفالات الرئاسية وقد عاهدته جدتي

على حمايتها منك قبل أي شيء آخر "

قلت بضيق " ولما مني هل سآكلها , أقسم أن أؤدي نفسي ولا

أفكر في أن أؤديها بشيء "

قال ضحكا " فأتتك الفرصة من سيقتنع بكلامك الآن "

قلت بغيض " سحقاً جدتي أسوء من لجأت إليه "

قال بهدوء " رائد قمر لم تعد كالسابق فارحمها يا شقيقي "

قلت باستغراب " ما تعني بذلك !! "

قال بحزن " لم تعد هناك عملية تعيدها كما كانت مثل السابق فتلك العملية التي كانت

بعد عام ضاعت فرصتها منها بسبب سقوطها ذاك وهي الآن عرضة للموت إن

مارست الرياضة وإن قامت بأي مجهود كبير ولو رفع شيء تقيل الوزن وكما الضغوط النفسية كذلك والصدمات والأخبار السيئة وهذا ملازم لها لباقي عمرها

وحتى الإنجاب الطبيعي ممنوع عنها , أي أنها فقدت صحتها نهائيا "

مررت يدي في شعري بضيق ونظري للأرض متكأ بيدي الأخرى على السياج

واشعر بضلوع صدري ستتكسر ... سحقاً لي لقد دمرتها حقا , وصلني صوت

حيدر قائلا " رائد أين أنت ؟؟ "

تنفست بقوة ثم قلت " نعم معك يا حيدر "

قال " سنكون عندكم خلال يومين مريم وأنوار ما أن سمعتا بوجودها هناك حتى

أكلا رأسي وأيوب , لذلك سنزورها ليريانها "قلت بضيق " وهل ينقصها حصار لتأتي مريم وتساعد جدتي "

قال ضاحكاً " مهلك يا رجل فالأيام أمامك طويلة "قلت بحزن " أقسم أنه لا صبر لدي ولا لساعة أخرى "

قال بهدوء " المهمة لن تكون سهلة يا رائد عليك كسب ثقتها بك من جديد " تم ضحك وقال " وكسب رضا جدتي عنك أولاً بالطبع ولا

تنسى والدها "قلت ببرود " إن كسبت رضاها عني ضربت الجميع عرض الحائط وسيستسلمون لقرارها "

قال " أتمنى ذلك "قلت " منذ متى وهي هنا ؟؟ "قال " منذ أسبوعين تقريباً "

قلت بضيق " أسبوعين والآن تخبرني "قال بضيق " وهل كنت تريد المجيء لها من فور وصولها , لقد خرجت من

المستشفى للتو لو فعلتها ذاك الوقت لتبرت مني جدتي أنا أيضاً " تنهدت وقلت " حسناً شكراً لك يا حيدر ووداعاً "

قال من فوره " هيه انتظر ليس بسهولة هكذا فلولاي ما كنت ستعلم لأنهم لم ينووا إخبارك "قلت بهدوء " حسناً لك ما تريد وداعاً الآن "

أنهيت المكالمة ونظرت جهة شرفة غرفتها , قمر حبيبتي سأحارب لأجلك حتى الموت ومتأكد أن حبك لي ليس بالسهولة التي يموت بها في أشهر فقط , حب

شهدت عليه براءة الطفولة وقلب نقي طاهر لا يعرف غير أن يحب بقوة اجل كنت أحمق ولا أستحقه اعترف بذلك ولكنه سيعود لي مهما طال الزمن

وسأعوضك عن كل ما فقدته بسببي وحتى إن منعوا عنك الإنجاب نهائياً فلا أريد أبناء , ضغطت على صدري بيدي بقوة ... ستعود تلك

النوبة مجدداً ضغطت أكثر ولم ينجح الأمر فبدأت بالسعال القوي التفتت جهة السياج واتكأت

عليه ولم يغادرني ذاك السعال إلا بعد وقت لأستطيع الوقوف على طولي التفتت للخلف فكان باب شرفة غرفة قمر مفتوحاً قليلاً , نظرت للأعلى فأغلقته

واختفى طيفها عني , وضعت يدي على جيبي لأخرج هاتفي واتصل بها ثم غيرت

رأيي ستكون فكرة فاشلة وليس وقتها الآن , توجهت جهة الإسطبلات وكلما مشيت

قليلاً صادفني رجل أو اثنان , الحراسة عليها مشددة ترى هل الخطر كبير عليها

هكذا أم هوا هوس والدها بها , جيد أنه لا أوامر لهم لمنعي من الدخول ولابد خوفاً

من الشوشرة التي سأحدثها لهم إن منعوني فلا خوف لديه إلا من أن يفتضح أمر

ابنته أما أن يفعلها رأفة بي فيستحيل ذلك ... جيد رب ضارة نافعة

دخلت الإسطبل فكان كما توقعت ينظف مكانها بنفسه فرسه المدللة لا ويغني لها

أيضاً , اتكأت بمرفقي على باب إسطبلها وقلت " لكل عاشق حكاية "

وقف ونظر لي وقال بضيق " وكلٌ يبكي على ليلاه وعلى الأقل ليلاي تحبني "ضحكت وقلت " وعلى الأقل ليلاي ليست فرساً "

قال وقد عاد للتنظيف " أقسم أنك لا تستحق ظفر الفرس الأصيلة التي لديك " ثم عاد يغني أغنية عن القمر فقلت بغيض

" كم مرة حذرتك من التغزل في زوجتي ... لا وتغني لها أيضاً "تابع الغناء بصوت أعلى وابتسامة واسعة وهوا يكرر صارخاً ويده تلعب

في الهواء " قمري قمري حبيبتي قمريييييي " ضربت له فرسه بقوة لتصهل وتهيج وتفسد القش الذي جمعه وخرجت وتركته

يصرخ غاضباً , لن يقلع عن عاداته السيئة زير النساء ذاك , عدت للداخل وتوجهت للأعلى مباشرة وخرجت للمجلس الخارجي فوجدت جدتي وحدها

هناك ألقيت التحية وجلست ولم تجب عليا طبعاً فقلت " الجو أصبح يبرد وجلوسك هنا سيمرضك "

لم تجب أيضاً فقلت " أين هي قمر؟ "قالت ببرود " رائد اترك الفتاة وشأنها ولا تسود وجهي أمام والدها "

قلت بهدوء حزين " جدتي ارحمي حالي أقسم أنني أتعذب من دونها لما لا يفهمني أحد "قالت بذات برودها " ليس لي تقول هذا الكلام "

قلت بضيق " اتركيني أقوله لها إذا "نظرت للصوف الذي تبرمه بين يديها وقالت بلامبالاة " خسرتها وانتهى الأمر

وجد لك حلاً مع والدها أيضاً فقد أقسم أمامي أن من يمنعه عنك قمر ووعده لها أن لا يؤذيك لما فعلته لأجلها في طفولتها "

ثم نظرت لي وقالت بضيق " لو كنت مكانها لتركته ينشرك بالمنشار على ما أصابها بسببك , لا وجاءت تسألني لما كنت تسعل بقوة , أنت لا

أعلم من أين لك هذا الحظ المستقيم "بقيت أنظر لها بصمت فقالت مشيحة بوجهها عني " وقالت بالحرف الواحد ما

بيني وبين رائد تصفية حساب وانتهت وانتهى من حياتي وما أن تنتهي ظروف والدها لن تجد فرصة لتراها حتى الرؤيا "

قلت ونظري للأرض " هل حقا سألتك لما كنت أسعل " تجنبت الإجابة فنظرت لها وقلت بهدوء " جدتي دعيني أتكلم معها أرجوك "

قالت ببرود " لا ولا تحاول أبداً ولن أفارقها لحظة ولا أنصحك

بمحاولة كسر كلمتي تفهم "

تركتها ودخلت متوجها نحو غرفتها طرقت الباب وقلت بهدوء

" قمر دعيني أتحدث معك .... قمر أرجوك "

سمعت حينها صوت جدتي من خلفي تقول

" رائد انزل بإرادتك خيراً من أن ننزلك بالقوة ... تحرك "

طرقت الباب مجدداً وقلت

" قمر استمعي إلي فقط ولا تتكلمي أرجوك افتحي الباب حبيبتي "

سمعت حينها باب الحمام الموجود في الغرفة يغلق فابتعدت ونزلت للأسفل

جلست في الصالة السفلية أضرب بقدمي على الأرض بتوتر , كيف سأصلح

الأمر تبدوا ليست مهمة سهلة وكيف أريد منها أن تغفر لي بسهولة بعد كل تلك

الذكريات القاسية عني في دماغها , لو فقط تعطني مجالاً لأشرح لها سبب كل

ذلك , توجهت لغرفتي بالأسفل ونمت فوراً من شدة تعبي بسبب الطريق وعند

الصباح جلست في الصالة أشرب الشاي فوقف حينها مروان عند الباب الخارجي

نظر لي ببرود وقال " أخرج معي لنشرف على حرث الحقل "

قلت ببرود " وما شأني بحقولكم "

قال بضيق " يا سلام إقامة بالمجان لا تحلم بها لن أقوم

بخدمتك , عليك أن تعمل لتأكل "

قلت بابتسامة جانبية " إذا قمر عليها أن تشرف معي هل ستأكل بالمجان "

قال بمكر " موافق وعلى الفور "

نظرت له بحقد فقال ضاحكاً " أقسم لو كان لدي واحدة مثلها لخبأتها حتى

عن الشمس والقمر ... يا قمر يا قمر "

وقفت راكضاً خلفه وهوا يركض أمامي ضاحكاً حتى وصل بي للمحراث ووقف

أمامه وقال وهوا يلهث " جيد وصلنا "

خنقته وقلت بغل " توقف عن التغزل بزوجتي يا مروان خيرٌ لك ... تفهم "

أخرج لسانه ثم قال بصوت مخنوق " حراس تعالوا سيقتلني "

قلت ضاحكاً " ليسوا هنا لحمايتك فلا تتعب نفسك "

أبعد يداي عنه وقال " هيا بسرعة لننجز العمل سريعاً "

ثم ركب الجرار وقال

" سأحرث أنا وتنثر أنت الحبوب بعدي وغدا نقلب بهم الأرض "

قلت ببرود " لا تحاول معي ثم أين عمالكم أليسوا من يساعدونك دائماً "

قال بصراخ بسبب صوت الجرار الذي شغله للتو " أنت تعلم نحن موسم

الحرث وجميعهم في حقل الشعير , هيا بسرعة عليا الذهاب لهم سريعاً "

قلت صارخاً فيه ليسمعني " قلت سنشرف وليس سنعمل يا مخادع "

قال ضاحكاً وهوا يتحرك به

" وأنت لم تأتي بملأ إرادتك بل لخنقي , هيا بسرعة ولا توزع البذور بعشوائية "

أخذت كيس البذور بغيض وتبعته , المحراث المخصص هنا صغير ويحرث

ثلاث مسارات فقط وعليا نثر الحبوب في الوسط كي لا تخرج الحبوب عن

المسارات الثلاث , كنت في الماضي أساعد جدي وهوا من علمني فعل هذا

انهينا العمل بعد وقت ثم نزل من المحراث وقال

" جيد بقي الجزء الآخر غدا والتقليب أيضاً هيا لنذهب للعمال "

قلت بضيق واضعا يداي وسط جسدي

" لا تحلم بهذا لقد كسرت لي ظهري وقدماي ستنشلان لست مثلك معتاد على هذا "

قال ببرود " غادر إذاً من يجبرك على البقاء "

قلت من بين أسناني " وهذا ما تتمناه أنت , لن أترك مكان فيه

زوجتي حتى أغادر بها "

قال بابتسامة " لم تعد تريدك يا رجل افهمها "

ثم غمز بعينه وقال " ما رأيك لو....... "

توجهت نحوه أمسكته من قميصه وقلت بغيض " لا تقلها أو حطمت رأسك أعرف

ما تنوي قوله وابتعد عن طريق زوجتي فهي ليست لك ولا لغيرك تفهم "

أبعد يداي وغادر ضاحكاً وقال لرجلين من الحراس مرا بجواره

" لما لا تخرجوه من هنا وتريحونا منه "

عدت للمنزل استحممت وغيرت ثيابي صليت الظهر وخرجت , وجدت الخادمة

تضع الغداء فنظرت من حولي وقلت " أين البقية ؟؟ "

قلت وهي ترتب الأطباق " السيدة الكبيرة لن تأكل إلا بعد ساعة من تناول

الدواء والسيدة قمر لم تفتح الغرفة وقالت لا تريد والسيد مروان في الحقل الكبير ولن يعود قبل المغيب "

قلت وأنا أجلس " حسناً ولا تقولي السيدة قمر قولي زوجتك وأمام الرجال

خصوصاً قولي زوجة رائد وليس قمر وخذي لها الطعام لغرفتها "

قالت ببرود وهي تغادر " حاضر "

نظرت للأكل أمامي وشعرت بعدم الرغبة فيه رغم أني كنت أموت جوعاً فوقفت

وعدت لغرفتي ثم خرجت وصعدت للأعلى ثم نزلت وقضيت باقي النهار بين

الأرض والسماء تارة في الطابق العلوي وتارة في الأسفل وتارة أخرى أحوم حول

شرفة غرفتها كمن ضاع منه شيء لا يعرف أين يجده ولا أجد في كل مرة سوى

جدتي تغزل الصوف وتنظر لي ببرود

بعد المغيب انتقلت للحقل وأنهيت الحرث لأشغل بالي عنها بما أن مروان اليوم

سيتأخر هناك ولكي يرحمني في الغد , بعد أن أنهيت العمل ونزلت من المحراث

رأيت سيارته تتجه نحوي نزل منها وقال بابتسامة " من أين أتاك كل هذا النشاط "

قلت ببرود " أنت من سينثر البذور غدا ومن يقلب الأرض أيضاً فعملي انتهى "

وغادرت عائداً للمنزل استحممت وصليت العشاء ثم صعدت للأعلى ووجدت جدتي

تجلس في الصالة الداخلية وقمر معها تتكئ على طرف الأريكة مضجعة فوقها

ترتدي بيجامة قطنية زهرية اللون ببنطلون قصير عند الركبة وأكمام قصيرة تضع

ساق على الأخرى وهي فوق الأريكة وتمسك هاتفها في يدها وعيناها عليه وشعرها

مرمي خلف رأسها نازلا على الأرض , اقتربت منهما وجلست في الأريكة المقابلة وعيناي لا تغادران جسدها وملامحها وعيناها لا تغادرن الهاتف في يدها

هذا ما كان ينقصني أنا أن ترتدي هكذا ملابس وتجلس هكذا جلوس فوق الأريكة

قلت بعد صمت " قمر هذه الملابس خفيفة لا تناسب الجو هنا فالبرد

يأتي قبل وقته وستمرضين "

لم تجب طبعاً وهذا المتوقع منها وجاء الجواب من النائب قائلة

" لا دخل لك بها وبثيابها متى ستقتنع أنها لم تعد شيء مملوك لك تتحكم به كما تريد "

قلت بضيق " جدتي الكلام لها وليس لك وأنا لا أتحكم بها أنا أخاف على صحتها "

قالت ببرود " وخاف على صحتك أنت تخرج وشعرك مبللا

لتنسف السم الذي بدأ يقتل رئتيك "

تنهدت بضيق ونظرت للجانب الآخر ثم أخرجت هاتفي وكتبت لها رسالة

فيها ( تعلمت منك الحب النقي فلا تتعلمي مني القسوة والبرود فلا يليق

بأنثى مثلك إلا الرقة والعذوبة )

وأرسلتها لها ليرن هاتفها معلناً وصولها ولم يأتي منها الرد طبعاً فأرسلت

( قمر دعينا نتحدث قليلاً أرجوك )

جلستْ ما أن قرأتها ورمت بالهاتف على الأريكة وغادرت لغرفتها بل لسجنها من

جديد ... نعم خدي بحقك مني يا قمر , علمت الآن بما كنتي تشعرين حين كنت أتركك

وحدك وأسجن نفسي في مكتبي , نظرتْ لي جدتي وقالت بضيق " هل ارتحت الآن

لقد تعبت لإقناعها بالخروج وجئت أنت لتفسد الأمر , لما لا ترحمها منك "

قلت ببرود " وما فعلته أنا "

قالت بضيق أكبر " لا تعتقد أنني جاهلة لهذه الدرجة , انزل هيا فمهمتك انتهت

وها قد أعدتها لسجن نفسها "

قلت باستياء " لما لا تعطيني فرصة ولو واحدة لأشرح لها موقفي هل

بضنك أنا مرتاح وسعيد "

قالت بحزم " رائد ارحمها منك كم مرة سأقولها فالبارحة جاءتني لتنام معي كانت

في حالة سيئة وتتحدث عن الكوابيس "

قلت بحرقة " وارحموها أنتم فالكوابيس لن تتركها إلا إن نمت معها افهموها

وساعدوني لإرجاعها لي بدلاً من وقوفكم ضدي "

قالت ببرود " لن أمنعك إن كانت هي تريد وقد طلبت مني بنفسها أن لا أدعها

وحدها معك وقالت لا تريد التحدث معك في شيء وشيء آخر غدا ستكون أنوار

هنا فأعطي قدميك قسطا من الراحة ولا تصعد "

وقفت مستاء ونزلت للأسفل توجهت لغرفتي وأرسلت لها ( أحبك قمر ) ورميت

الهاتف وخرجت بحثا عن الخادمة حتى وجدتها فقلت لها

" انتظري أريد سؤالك عن بعض الأمور "

نظرت لي باستغراب فقلت

" هل يتناولون الطعام في الأسفل عادتاً ؟ أعني بعد قدوم قمر "

قالت " لا ... السيدة الكبيرة والسيد مروان في الأسفل والسيـ ... أعني زوجتك

في الأعلى وأحيانا كثيرة السيدة الكبيرة تأكل معها وأغلب الوقت ترفض الطعام "

قلت " حسناً ومروان هل ينام في الأسفل "

قالت " نعم لا يصعد للأعلى أبداً "

تركتها وخرجت للخارج توجهت لا شعورياً حيث شرفة غرفتها وأخذت مجموعة

حصى صغيرة وبدأت أرميها بها واحدة واثنتان وعشرة ولم تفتحها فصفرت بصوت

عالي لمرات عديدة وبلا فائدة , جمعت بعض الأزهار ورميتها لتسقط في الشرفة

ووقفت مستندا بالجدار أنظر للباب الموصد الذي كنت موقناً أنها لن تفتحه

بعد وقت فتحت الباب .... قد تكون ضنت أني غادرت , كانت ترتدي فستاناً قطنياً

قصيراً وشعرها مفتوح تتلاعب به النسائم الخريفية الرطبة , نظرتْ بادئ الأمر

لحيت الأزهار على أرضية الشرفة ثم نظرتْ نحوي بصمت وجمود

كان القمر مكتملا ولا يصعب عليا رؤية الدموع تلمع في عينيها الواسعتين يعكسها

سميها وشبيهها الوحيد القمر , صرخت ونظري عليها

" قمر أحبك بجنون ووحدك في قلبي أقسم لك "

ثم بدأت أغني لها نشيد النحلة كان الأمر جنونياً ولكني لم أكترث لشيء ولا

لأحد , بدأتْ تمسح الدموع التي غلبتها ودخلت من جديد وأوصدت الباب دون

أن ترحمني ولا بكلمة ولا بأن تأخذ زهرة مما رميت لها , تنهدت ونظرت جانباً

فوجدت بعض الحراس قد اجتمعوا يستمعون لجنوني طبعاً فصرخت بضيق

" إلى ما تنظرون ولا يقترب أحد من هذا المكان حيث هذه الشرفة مفهوم "

توزعوا مبتعدين في صمت أعلم أنهم سيضربون كلامي عرض الحائط فهم هنا

لحمايتها ولن استطيع أمرها بتجنبهم لأني لن أزيد الأمور إلا سوءً فسأحترق في

داخلي وأشتعل وأكتمه هذا فقط ما في يدي الآن

عدت لغرفتي تقلبت كثيراً ولم أنم إلا بعد وقت وصراع مع نفسي كي لا أتصل بها

لأني أعلم أنها لن تجيب فاكتفيت بأن أرسلت لها ( تصبحين على خير حبيبتي )

عند الصباح الباكر كانوا ضيوف الغفلة هنا لا أعلم لما كل هذا النشاط وما أن رأتني

مريم حتى ركضت نحوي واحتضنتني ودموعها لا تتوقف وهي تقبلني وكأني أنا

كنت مفقودا وليس قمر وما أن دخلنا حتى صعدتا للأعلى من فورهما وبقينا نحن

في الأسفل , كان صوت ضحكاتهم ولعب الأطفال يصل للأسفل وكنت أنا أقف عند

أول السلالم وأضرب بقدمي على أولى عتباته بضيق وحيدر ومروان وأيوب يجلسون

بعيداً يتبادلون الأحاديث والضحكات حتى وصلني صوت حيدر منادياً

" هيه أنت ستكسر العتبة تعال واجلس معنا "

توجهت نحوهم ووضعت يداي وسط جسدي وقلت

" الم تجدوا أفضل من هذا الوقت لزيارة جدتكم "

قال حيدر مبتسماً " الزيارة ليست لجدتي كما تعلم "

تأففت في صمت فضحك مروان وقال

" أحدهم كان يغني بالأمس في الخارج ولم أستطع النوم بسببه "

ضحكا كلاهما حتى تعبا من كثرة الضحك فنظرت له بضيق وقلت

" هذا صدى صوتك يتكرر في أذنك من كثرة ما كنت تغني لفرسك "

عادا للضحك مجدداً ونظر هوا لي بضيق فقال أيوب " تبدوا أمورك وقمر معقدة "

تنهدت وهززت رأسي وقلت " جداً وأنتم زدتم الأمر سوءً فستجد

جدتي لها حلفاء ومساعدين وأولهم مريم "

قال حيدر بتحدي " إذا علينا بهم إما نحن وإما هم "

قلت بضيق " لا تفسدوا الأمور أكثر بتحديكم لهم "

قال مادا قبضة يده لي " بل سننجح وننتصر عليهم ونعيدها لك "

ضربت قبضتي بقبضته وقلت " إذا تحالفنا عليهم "

قال ضاحكاً " هيا أترك العتبة الآن واجلس معنا "

أخرج حينها حيدر هاتفه واتصل بزوجته واخبرها مختصرا

لا تنزعي حجابك أبداً ثم نظر لي وقال " أزلنا أول عقبة "

قلت مبتسماً " جدتك وحدها العقبة هنا "

ضحك مروان قائلا " لما لا تتحجب زوجتك أيضاً من حقي

أن أنام في غرفتي دائماً "

نظرت له بضيق وما أن فتحت فمي لأتحدث حتى سمعت صوتاً صارخاً

من الأعلى ينادي باسمي فتركتهم وركضت جهة السلالم كالمجنون

يتبع ....
 
الفصل السابـع والعشـرون

بعد ذاك اليوم الذي سقطت فيه بين يدي رائد لم أفقد صحتي فقط بل

وكسر شيء في قلبي لا أعلم إن كان للزمن قدرة على إرجاعه كما

كان فقد اكتشفت الآن أن كل ما مررت به معه منذ تزوجنا كان

يحدث شقاً صغيراً ليتحول مع الوقت لصدع لينكسر في النهاية

ولو لم تكن جدته خياري الوحيد لما لجأت لها وأنا موقنة من أنه

سيأتي إن علم بمكاني ليستفسر عن باقي الحقيقة أو لينهي انتقامه

أو لتستمر مسيرة شفقته علي , فما أن تنتهي مهمة والدي سأرحل

معه للأبد لأعيش بقلب مكسور ومريض ولكن حر وطليق

أخبرتني الجدة اليوم أن مريم وأنوار قادمتان , كم كان خبراً مفرحاً

وكم أشتاق لهما وخصوصاً مريم فكم أحببتها وكم واست حزني ووحدتي

حين تخلى عني وتركني لديها كاليتيمة التي لا أهل ولا مأوى لها

حينما سمعت صوت أبناءها في الخارج ركضت لنافدة المطبخ ورأيتها

تحضن رائد وتقبله وتبكي وكأنها تهنئه بعودتي , مريم كم أنتي طيبة

حقاً رغم كل ما حدث لا تزال تضن أنه يحبني , أستغرب تصرفاته هنا

لكن يصعب على قلبي تصديقه

ما أن دخلوا وسمعت صوت صراخ أبنائها وهم يصعدون السلالم

خرجت من فوري وما أن وقع نظري عليها حتى ركضت باتجاهها

واحتضنا بعضنا حضاً لا أقوى منه إلا حزني ولا أحزن منه إلا شوقي

لها , بكينا طويلاً وكل واحدة منا تتمسك بالأخرى بقوة وكأنها ستدخلها

في جوفها تشق ضلوعها وتدخل ولا شيء سوى البكاء والعبرات

أحضنها بقوة وكأنها هي من ماتت وليس أنا , قلت ببكاء وأنا أزيد من

احتضاني لها " مريم كم اشتقت لك , سامحيني إن أخطأت يوماً في حقك "

قالت من بين عبراتها " بل أنا من تطلب منك السماح , أقسم أني كنت

أتعذب كل يوم قبل أن اعرف أنك على قيد الحياة "

أمسكت أنوار بكتفي وقالت " قمر دعيني أسلم عليك وكونا عادلتين "

ابتعدت عن مريم واحتضنت أنوار التي كانت تمسك طفلة بين يديها وما

أن احتضنتها حتى بدأت بالبكاء هي الأخرى بل لتستمر مسيرة بكاءها

التي بدأت منذ احتضنت مريم ثم ابتعدت عنها وقلت وأنا آخذ الطفلة منها

" هل هذه ابنتك كم هي جميلة "

قالت بابتسامة " نعم أنجبتها منذ ثلاث أشهر وعلمت أنها فتاة قبل أن نعلم

أنك على قيد الحياة فسميتها منذ ذاك الحين قمر كاسمك رغم أنها لا تشبهك أبداً "

قبلتها وقلت " بل أراها أجمل مني , كم هي رائعة "

قالت بابتسامة " هذا لأنها سميتك فقط "

ضحكنا ثلاثتنا فقالت مريم " ومن أين ستكون مثلك ووالدها حيدر "

قالت أنوار بضيق " وما في حيدر لا يعجبك ثم ها أنتي أيضاً سلب

رائد كل وسامة والده وبقيتي بلا جمال "

قالت مريم بنصف عين " لست كحيدر ووالده طبعاً "

أخذت أنوار ابنتها مني وقالت " ابنتي جميلة ووالدها كذلك يالكم من سيئين "

قلت بابتسامة " حسناً وما ذنبي أنا "

قالت ضاحكة " ذنبك أن زوجك غير راض حتى الآن أن تأخذ

اسمك , لا أعلم حتى متى سيحتكر كل شيء فيك "

قلت مغيرة مجرى الحديث " هيا تعالوا لحيت الجدة أم لن تسلموا عليها "

خرجنا لها عند المجلس وجلسنا نتبادل الأحاديث حتى غادرت الجدة

من أجل تناول الدواء لأنه يسبب لها النوم لساعتين على الأقل وبقينا

ثلاثتنا لا شيء سوى الضحك والاستمتاع , بعد قليل ورد اتصال لأنوار

فأجابت وقالت من فورها بتذمر " ولما فلا أحد هنا "

تم تأففت وأنهت الاتصال سريعاً وغطت شعرها فقالت مريم بحيرة

" ما بك فلا رجال هنا !! "

قالت بابتسامة جافة " أوامر شقيقك فيبدوا يخاف أن يقفز أحد

حراس قمر من الخارج إلى هنا "

ضحكت مريم وقالت " إذا تحول المرض من رائد لحيدر "

ضحكتا كليهما ولم استطع الضحك معهما لأن تلك الذكريات

قفزت أمامي جميعها , قالت بعدها أنوار " قمر هل هم لحمايتك من كل شيء ؟ "

قلت مبتسمة " يبدوا كذلك فلم أختبرهم حتى الآن "

قالت بخبث " لما لا نجرب "

قلت بتوجس " ما تعني بذلك !! "

وقفت وتوجهت نحوي وقالت " مريم تعالي ساعديني "

نظرت لها بصدمة فأمسكت يدي وسحبتني منها وقالت " مريم هيا "

اقتربت بي عند السياج وبدأ برفعي لإسقاطي منه وأنا أصرخ بهما

وهما والأطفال يضحكون علي , لم يكن أحد في الأسفل استنجد به

ولا من الحراس لأنهم لا يترددون كثيراً على هذه الجهة لجلوسنا

الدائم فيها , كنت أترجاهما أن تتركاني ودون فائدة حتى صرخت

بكل صوتي ومن شدة ذعري " رااائد "

ناديته عدة مرات على أمل أن تخافا من قدومه ولكن ما هي

إلا لحظات وقالت صبا صارخة " خالي رائد تعال "

كنا في الناحية الأخرى البعيدة عن الباب فما أن سمعاها حتى تركتاني

وعادتا للجلوس وكأن شيء لم يكن , دخل حينها علينا المجلس ونظر لي

بخوف وحيرة ونفسه يلهث من الركض ثم نظر لهما وقال " ما بكم ؟؟ "

قالت مريم بهدوء " ما بنا !! لا شيء طبعا , ما بك أنت "

نظر لي وأنا واقفة بمقربة السياج ويدي على صدري وقال

" هل كنتي تنادينني ؟؟ "

هززت رأسي بلا دون كلام فقال " سمعت صوتك ... قمر تكلمي ما بك "

نظرت للأسفل وعضضت شفتي السفلى بارتباك وأنا ابعد طرف شعري

عن وجهي فقال بجدية " مريم تكلمي "

قالت ضاحكة " قلنا لا شيء رائد ما بك ؟ "

أشار لي بإصبعه ونظره عليهما وقال بحدة

" سمعتها تستنجد بي كان صوتها فإن أخطأته أذناي لن يخطئه قلبي "

رمت مريم بيدها وقالت بلامبالاة " يبدوا قلبك قد هيئ له ذلك "

نظر جهة صبا التي تهددها مريم بيدها فقالت ضاحكة وهي تشير

بيدها للسياج " كانوا سيوقعونها من هناك "

نظر لهما بحدة وقال موجهاً كلامه لمريم

" لديك فريق أبناء وزوج وخال أيضاً وحتى جدة لتوقعيهم

ألم تجدي غير زوجتي "

قالت مبتسمة " كنا نود اختبار حرسها الشخصي "

قال بغضب " هل جننتي ألا تعلمين بحالة قلبها "

دخلت حينها الجدة التي يبدوا أنها لم تتناول الدواء بعد وقالت

" ما بك تصرخ وما الذي جاء بك هنا ألا تعلم أنه ثمة امرأة

غريبة عنك قد تكون بلا حجاب "

قال ببرود " أنوار متحجبة ها هي أمامك "

نظرت لنا وقالت " اتصل مروان يقول أن الحرس مجتمعين عند الباب ومنعهم

بأعجوبة من الصعود ويقولون أن قمر تصرخ في الأعلى هل هذا صحيح "

قالت مريم " آسفون كنا نتسلى فقط "

قال رائد بضيق " لا تتسلي بزوجتي ثانيتا "

ثم توجه نحوي فأنزلت رأسي أرضاً فوقف أمامي مباشرة ومرر

أصابعه على خدي وأحنى رأسه لي ليصبح وجهه عند وجهي وقال

بهدوء قلق " قمر هل تشعرين بشيء ؟ "

قلت بهمس " لا "

أبعد شعري خلف أذني وقبل خدي وغادر من فوره ليتركني كورقة من

أوراق هذا الخريف تسقط جافة على تلك التربة الباردة لا تعلم ما معنى

وجودها في هذه الحياة , قالت حينها الجدة بغضب

" وهل أنتم أطفالاً كل واحدة منكما بأبنائها وتفعلون هذا الجنون , ماذا لو

مرض قلبها من الخوف ألا تعلمون أن قلبها ضعيف , كم مرة سنضيعها

منا , كم مرة سنكون السبب في هلاكها "

تم دخلت تردد بضيق " ما أنا موقنة منه أنكم ستسودون وجهي أمام

والدها وتقتلونني بسبب تأنيب الضمير "

وما أن اختفت حتى قالت مريم بضيق ناظرة جهة أنوار

" أكلنا كل أنواع التوبيخ بسببك أنوار هانم "

ضحكت أنوار وقالت " وما كان يدريني أنها ستستنجد به وأنه

سيلتقط ذبذبات صوتها المنخفضة "

ثم نظرت باتجاهي وقالت " آسفة يا قمر نسيت أمر قلبك , لم أكن أقصد "
رن حينها هاتفي فكان المتصل والدي , فاجأني الأمر لأنه قال لن يتصل إلا

للضرورة القصوى , أجبت فقال قلقا " قمر هل أنتي بخير ! لما كنتي تصرخين ؟ "

قلت " أنا بخير أبي اطمئن كنت وأقارب للجدة نتسلى , فقط هذا ما في الأمر "

قال من فوره " حسناً ولكن الحراس سمعوا صراخك , هم هناك لحمايتك

بنيتي كما تعلمي لقد أعطيتهم أوامر منذ البداية أن لا يتعرضوا لسكان المنزل

ولا أقاربهم وزوارهم المعتادين من أجل التكتم لذلك امتثلوا لإيقاف ابن العجوز

لهم لقد تحدث معه بنفسي , قمر اعتني بصحتك جيداً صغيرتي "

قلت بهدوء " حسناً أنا آسفة "

قال بصوت مبتسم " لا بأس بلغي الجدة سلامي وداعاً الآن "

قلت بهدوء هامس " وداعاً واعتني بنفسك "

أغلقت الهاتف فقالت مريم " يبدوا تسببنا بمشكلة كبيرة "

جلست وقلت " الحراس اتصلوا بوالدي حين منعهم خالك من الصعود "

قالت أنوار " آسفة حقا يالي من غبية "

قلت بابتسامة " لا عليك تسليتما قليلاً بي واختبرنا سمع الحراس "

ضحكت مريم وقالت " بل اختبرنا أذنا رائد "

قلت بخجل " أردت إخافتكما فقط بمناداتي له ولم أتصور أن يسمعني "

قالت أنوار بخبث " لما لا نختبر سمع أيوب أيضاً "

ضحكت مريم وقالت " أشك أن يتحرك من مكانه وسيقول في

نفسه لعلها تموت وأتزوج بأخرى "

ضحكنا جميعاً فقالت أنوار " حتى إن سمعك أحدهم سيقول له أنت

تتوهم فقط أجلس ولا تتعب نفسك "

وأمضينا الوقت على هذا الحال حتى المساء ونحن والجدة في ضحك

مستمر , كم أسعدني وجودهما وأشعرني أني لست وحيدة ولا أحد

يهتم بي , يبدوا أني خرجت من الماضي بأشياء جيدة كما السيئة

كنت أجلس وحدي في المجلس مقتربة من السياج ومتكئه عليه فأنوار

الجو بارد على ابنتها ليلا وعليها أن تنومها ومريم في الأسفل منذ ساعات

مع الرجال فهي الوحيدة التي يمكنها التجول في الأسفل براحه , كم هي

محظوظة ... زوجها وشقيقاها وخالها لما أنا وحيدة وحتى والدي ظهر

ليختفي من جديد ولا أقارب لي سوى خالي وزوجته لا بارك الله في قرابة

كهذه وعمتي التي تسافر أكثر مما تقيم هنا , سمعت خطوات تقترب مني

تم صوت رائد يقول " قمر الجو بارد هنا حبيبتي لما تحبين هذا "

غمرت وجهي في ذراعي متكئة عليها ولم أتكلم فجاء صوت مريم قائلة

" زوجك هذا لم يدعنا نجلس في الأسفل براحتنا فادخلي ليرتاح "

قلت بهدوء " لا أريد الجدران لقد سئمت منها "

قالت مريم " هيا إذا انزلي معنا فأنوار في الأسفل أيضاً والجو في

الخارج رائع مع هذه النسمات الباردة "

قلت بعد صمت " لا رغبة لي ... شكراً "

قالت بتذمر " قمر جدتي لم ترضى أن تبقي وحيدة ولا أن يبقى رائد

معك , نريد أن نكون مجتمعين وأنتي أولنا "

رفعت رأسي ببطء وقلت مولية ظهري لهما " آسفة أعلم أني مصدر إزعاج "

قال رائد " قمر لما تقولين هذا , إن كان لأجلي لا تريدين النزول

أدخل أنا ولكن لا تبقي هنا وحيدة "

وقفت ورأسي للأسفل وقلت وأنا أمر بجوارهما " سألحق بكما بعد قليل "

تم توجهت من فوري لغرفتي لأن الدموع غلبتني ولا أعلم لما تريد الخروج

كلما اقترب مني وسمعت صوته لما الآن فقط صرت حبيبته وفي الماضي

احتجتها أكثر وبخل بها علي , لما الآن فقط يهتم بي وحين كنت بلا سند

غيره كان هوا سبب تعاستي وكنت آخر ما يهمه

بكيت كثيراً بمرارة كعادتي التي لم يغيرها حتى موتي وعودتي للحياة

ثم ارتديت فستاناً طويلاً وحجاباً ونزلت للأسفل ثم خرجت للخارج

كانوا يجلسون على بساط على الأرض فاقتربت منهم ألقيت التحية

بهدوء وجلست بجانب الجدة وما أن وقعت عيناي على رائد الذي

كان ينظر لي حتى رأيت في عينيه نظرة حزن واستفهام , مؤكد لاحظ

على عيناي أني كنت أبكي فأبعدت نظري عنه ومضى الوقت يتبادلون

الأحاديث وأنا في صمت يشاركني رائد فيه , نظر أيوب للخلف وقال

" حركة الحراس انتقلت هنا على ما يبدوا لقد كثر عددهم "

قال حيدر بضيق " ألا يرون أن النساء مجتمعات هنا عليهم احترام المكان "

نظرت للأسفل بحزن وقال رائد " هم مكلفون بمهمة وأنت

أكثر من يعلم عن الأوامر في الجيش "

قلت بهدوء وعيناي على يداي في حجري " أخبرتكم أني لا أريد مضايقة أحد "

قال حيدر " أنا آسف يا قمر لم يكن قصدي ذلك ولكن حتى

أنتي مؤكد لا تحبين خنقهم لك "

رفعت هاتفي وأجريت اتصالا فأجاب صاحبه من فوره فقلت

" مرحباً سيد نزار أعذرني هلا طلبت من رجالك الابتعاد عن

مكان جلسونا , لا تخافوا سأكون بخير "

قال " حسناً سيبتعدون عن أنظاركم ولكن لن تبتعدي عن

نظرهم , اعذريني الأوامر هكذا "

قلت باختصار " حسناً شكراً لك "

وأغلقت الهاتفي وما هي إلا لحظات وابتعدوا جميعهم وقالت مريم

ضاحكة " كم أنتي محضوضة يا قمر وكأنك في فيلم بوليسي "

قلت بابتسامة حزينة " محضوضة بماذا ؟ بأن حياتي عرضة للخطر أم

بأن والدي الذي وجدته بعد سنين حياته في خطر كبير وقد يأتيني خبره

في أي لحظة وقد بات وباء لا يمكنه الاقتراب مني وأنا أحوج الناس

إليه , أم بأنه لا يمكنني حتى الركض للهرب من أي خطر يواجهني "

سكت الجميع وكأن كلماتي سببت لهم خرسا فنزلت مني دمعتان مسحتهما

وقلت بعبرة " أم محضوضة بأن كل من يدخل حياتي لا يزيدها إلا حزناً

ولم ألقى في حياتي إلا الذل والطرد والتهميش "

وقف حينها رائد وابتعد عنا حتى وصل عند الشجر ووقف هناك مستنداً

على إحداها بيد و يدخن سيجارة بالأخرى ويسعل بين كل رشفة والتالية

فقال حيدر بضيق " لا أعلم متى سيترك هذا الداء القاتل ويأخذ العلاج

سوف يقضي على نفسه بإرادته , لا أفهم كيف يفكر "

قالت مريم ونظرها علي " يبدوا لم يعد يريد الحياة لذلك لا يتمسك بها "

عدت لصمتي وعادوا للتحدث عن مروان وعن تغيبه الآن وعن سهرته

وأصدقائه ليلة كل جمعة ورائد مكانه وعلى حاله , بعد وقت وقفت مريم

وتوجهت نحوه , كانوا بعيدين ولكنه من الواضح لمن يراهما أن يرى أنها

تتحدث معه بحدة وهوا يتجاهلها ثم عادت ناحيتنا وجلست وقالت بضيق

" أعقاب السجائر تحته في كل مكان وهوا يعاند ويقول أنه مرتاح هكذا "

قال أيوب " معتادين التدخين هكذا دائماً إن تضايقوا يدخنون بشراهة "

قال حيدر " منذ شهور وهوا على حاله هذه حتى تضررت رئته

وإن استمر هكذا فسيموت "

شعرت حينها بقلبي يتمزق , قمر يا بلهاء يكفيك حتى هنا يكفي

تثاءبت أنوار فقال حيدر بضيق " ما بك لقد أشعرتني بالنوم "

قالت بضيق أكبر " أخبرتك أني أريد النوم لكنك أصررت على نزولي معكم "

وقفت ووقف هوا بعدها تبعها وتوجها للداخل ووقفت الجدة بعد قليل

واعتذرت لتخلد للنوم وقالت " قمر هل ستصعدين الآن "

قالت مريم من فورها " لا سنتسامر قليلاً "

قالت مغادرة " إذا اصعدا معاً "

ابتعدت عنا فنظرت مريم جهة أيوب وقالت " تبدوا عيناك حمراوان وستنام "

ضحك وغادر في صمت وبقيت أنا وهي وحدنا , كانت تتحدث في أمور شتى

عن المزرعة والخريف والربيع فيها وأنا أشاركها بعض الأحيان لأني وحدي

معها ثم نظرت جهة رائد وقلت " وحتى متى سيبقى هناك وهكذا ؟ "

قالت رافعة كتفيها " لا أعلم ؟ قد يبقى حتى يسقط ميتاً مكانه "

تم تنهدت بعدها وقالت بحزن " أنتي لا تعلمي ما مر به وقت ضننا

أنك ميتة , كنا نشك أننا سنفقده أيضاً "

قلت بعد صمت " أنا لا أفهم شقيقك يا مريم ! ما يريده مني الآن بعد أن

كان يرمي بي عليك ليتخلص من مسئوليتي ووجودي معه , بعدما كان

يحرقني لأذوب كالشمعة لتضيء له , بعدما كان ينتقم مني على الماضي

و...... "

قاطعتني قائلة " أنظري إليه يا قمر "

بقيت أنظر لها بصدمة فقالت بجدية " أنظري باتجاهه هل هذا حال يسر أحد "

نظرت له فكان يسعل بقوة والسيجارة في يده فوصلني صوتها قائلة

" لا أطلب منك مسامحته يا قمر فأنتي محقة في غضبك منه لكن ارحميه

الآن وأنتي تعلمي أنه وحدك من يمكنها جعله يتوقف عن التدخين والسعال

المتواصلين تحت تلك الشجرة فلا تكوني وهي سواء ولا ترتكبي خطأه في

حقك سابقاً فهوا كان بالفعل يخاف عليك حين كنتي تمرضي ولم يكن يعلم

بأنك تموتين أما الآن فأنتي على علم بحاله "

أنزلت رأسي أرضاً ودموعي تتساقط على يداي وقلت بعبرة

" لما أنا من تلقي باللوم عليها وأنتي أكثر من علم بحالي حينها يا مريم "

قالت بهدوء " أقسم أن قلبك لا يطاوعك تتركيه هكذا , هيا يا قمر اذهبي إليه "

بقيت في جلوسي وصمتي للحظات ثم مسحت دموعي وتوجهت نحوه

كان يسعل بشدة والسيجارة في يده يمسك بها عنقه من الخلف واليد الأخرى

على صدره , رفعت يدي وأخذتها من أصابعه ورميتها أرضاً وحينها التفت إلي

نظر لي مطولاً ثم مد أصابعه ومسح بها على رموشي وقال " لا تبكي يا قمر "

أنزلت رأسي للأسفل وقلت بهدوء " توقف عن التدخين وعد هناك "

أمسك ذقني بأصابعه ورفع وجهي إليه وقبل شفتاي قبلة صغيرة لتعود لي كل

ذكرى قبلات شفتيه فسافرت بنظري للأرض فقال " هكذا يمكنني التوقف "

تم غادر أمامي عائداً حيث كنا نجلس , وصل عند مريم همس لها شيئاً

في أذنها فابتسمت وقالت له شيئاً بهمس ثم غادر هوا للداخل , وصلت

عندها وقلت " فيما كنتما تتهامسان "

ضحكت وقالت " يبدوا لي ورّثَك رائد عاداته السيئة "

نظرت لها بضيق وقلت " مريم لا أريد أن أضن بك ضنا سيئاً فأخبريني ما قاله لك "

قالت بابتسامة " قال لي اعتني بها جيداً فقط "

نظرت لها بتشكك فضحكت وقالت

" أقسم أنه قال ذلك وقال أيضاً شكراً لك يا مريم ولا أعلم لما "

قلت بضيق " ألستما متفقان على ما حدث "

هزت رأسها بلا وقالت مصدومة " لم يحدث ولم يخطر في بالي ذلك "

بقيت أنظر لها ببرود فقالت بضحكة " هناك جملة كنت أقولها له في الماضي حين

يستجوبني مثلك الآن وأخشى أن أقولها عنك وتغضبي مني وتستدعي لي حراسك "

قلت باستغراب " لم أفهم !! "

وقفت وقالت " أقسم أنك لازلت متيمة به "

وهربت مسرعة جهة المنزل , هذه المحتالة طويلة اللسان صرخت بها

" لن أدخل وستري حسابك مع جدتك ألم توصك "

وقفت والتفتت ناحيتي وقالت وهي عند الباب " سأرسل رائد ليبقى معك "

وما أن التفتت لتدخل حتى قلت وأنا أتوجه نحوها مسرعة " مريم انتظري "

لحقت بها وصعدت للأعلى توجهت لغرفتي وما أن وضعت يدي على

مقبض الباب حتى سمعت صوت يناديني التفتت وابتسمت لصاحب

الصوت وقلت " ألم تنامي بعد جدتي "

اقتربت وقالت " لن أنام قبل أن اطمئن أنك في غرفتك , قمر يا ابنتي

إن كنتي تريدين النوم معي لا تخجلي أعلم أنك لا ترتاحين في نومك "

قلت بابتسامة " شكراً لك يا جدتي لن يتغير الأمر في غرفتك أم غرفتي "

قالت بهدوء " هل صحيح أنك لا ترين الكوابيس ورائد ينام معك "

نظرت للأرض وقلت بحزن " نعم "

تنهدت وقالت مغادرة " سامح الله الكوابيس ورائد أيضاً لا أعلم كيف

تكون الرحمة من العذاب بعذاب آخر "

ابتسمت بحزن لكلماتها ودخلت غرفتي وما أن وصلت سريري حتى رن

هاتفي بنغمة رسالة , أعلم أنها منه فلا والدي ولا عمتي وابنتها يستطيعون

الاتصال بي ومؤكد تصبحين على خير لأنها أصبحت شيئاً ضرورياً , لم

يتذكرني سابقاً برسالة ... لا وكان لا يحب سماع صوتي في الهاتف

هل كان يلزم أن أموت ليشعر بي , دخلت السرير وغطيت كامل جسدي

باللحاف كعادتي , لا أعلم لما معه فقط استغني عن كل هذه الأمور التي

لا أنام إلا بها ولا أستيقظ إلا عن طريقها وكأن عللي النفسية القديمة

تتحكم بكل شيء يخص نومي وهوا يتحكم بتلك الأمور , كان حلمي

دائماً بخالي وزوجته والهوة التي أقع فيها وركضها خلفي بوجه بشع

لتزداد الآن بوالدي يموت وأنا أركض له وهي تمسكني كي لا أذهب إليه وانقده , تنهدت بضيق ثم قرأت أذكار النوم كثيراً حتى سافرت

في نومي , مر بعدها ثلاث أيام لا أحد غيرنا نحن النساء في المنزل

فمروان أخذ الرجال معه لحقول الشعير وسيعودون نهاية الأسبوع

وهوا سيبقى هناك , كانت مريم وأنوار في ساحة الخيول وأنوار

تحاول مسابقة مريم بالخيل وأنا وأطفال مريم نشاهدهما عند السياج

لم أتخيل أن مريم ماهرة هكذا في ركوب الخيل , أبناء مريم كانوا

يشجعونها وأنا أضحك على صراخهم حتى شعرت بيد تلتف حول

خصري فشهقت مذعورة وقلبي كاد يتوقف من الخوف لكني علمت

فوراً من يكون صاحبها من الشفاه التي قبلت خدي والكلمات التي

همست في أذني قائلة " اشتقت إليك قمري "

كنت أتنفس بقوة من تأثير الخوف فابتعد عني قليلاً ووقف

بجانبي وقال " آسف هل أفزعتك "

لذت بالصمت فنظر جهتهما وقال واضعاً يديه على السياج

" آسف يا قمر وحدي السبب في حرمانك من كل هذا , ليت

بإمكاني إرجاع الزمن للوراء "

قلت ونظري للبعيد حيث غروب الشمس

" لا يهم فكل هذا أصبح عندي لا يساوي شيئاً "

نظر لوجهي مطولاً ثم نظر حيث أنظر وقال

" لماذا أردتِ الموت على يدي يا قمر لماذا ؟؟ "

قلت بابتسامة حزينة " لسبب لن تفهمه يا رائد "

نظر للأرض تحته وقال بحزن " بلى أفهمه وأعيشه أيضاً "

نظرت له باستغراب فنظر لي وقال بابتسامة " أحبك يا قمر "

تم نظر للسماء وقال " أحبها يا رب لما هي لا تصدق ذلك "

وليته ظهري لأغادر فلم أشعر سوى بيده تسحبني نحوه وأوقفني أمامه

عند السياج ووضع يديه عليه ممسكاً أولى خشاباته وأنا بينهما ثم انحنى

حتى وضع ذقنه على كتفي وقال هامساً " لما لا نركبه سوياً ونسير به ببطء "

كنت أجلس وحدي في المجلس مقتربة من السياج ومتكئه عليه فأنوار

الجو بارد على ابنتها ليلا وعليها أن تنومها ومريم في الأسفل منذ ساعات

مع الرجال فهي الوحيدة التي يمكنها التجول في الأسفل براحه , كم هي

محظوظة ... زوجها وشقيقاها وخالها لما أنا وحيدة وحتى والدي ظهر

ليختفي من جديد ولا أقارب لي سوى خالي وزوجته لا بارك الله في قرابة

كهذه وعمتي التي تسافر أكثر مما تقيم هنا , سمعت خطوات تقترب مني

تم صوت رائد يقول " قمر الجو بارد هنا حبيبتي لما تحبين هذا "

غمرت وجهي في ذراعي متكئة عليها ولم أتكلم فجاء صوت مريم قائلة

" زوجك هذا لم يدعنا نجلس في الأسفل براحتنا فادخلي ليرتاح "

قلت بهدوء " لا أريد الجدران لقد سئمت منها "

قالت مريم " هيا إذا انزلي معنا فأنوار في الأسفل أيضاً والجو في

الخارج رائع مع هذه النسمات الباردة "

قلت بعد صمت " لا رغبة لي ... شكراً "

قالت بتذمر " قمر جدتي لم ترضى أن تبقي وحيدة ولا أن يبقى رائد

معك , نريد أن نكون مجتمعين وأنتي أولنا "

رفعت رأسي ببطء وقلت مولية ظهري لهما " آسفة أعلم أني مصدر إزعاج "

قال رائد " قمر لما تقولين هذا , إن كان لأجلي لا تريدين النزول

أدخل أنا ولكن لا تبقي هنا وحيدة "

وقفت ورأسي للأسفل وقلت وأنا أمر بجوارهما " سألحق بكما بعد قليل "

تم توجهت من فوري لغرفتي لأن الدموع غلبتني ولا أعلم لما تريد الخروج

كلما اقترب مني وسمعت صوته لما الآن فقط صرت حبيبته وفي الماضي

احتجتها أكثر وبخل بها علي , لما الآن فقط يهتم بي وحين كنت بلا سند

غيره كان هوا سبب تعاستي وكنت آخر ما يهمه

بكيت كثيراً بمرارة كعادتي التي لم يغيرها حتى موتي وعودتي للحياة

ثم ارتديت فستاناً طويلاً وحجاباً ونزلت للأسفل ثم خرجت للخارج

كانوا يجلسون على بساط على الأرض فاقتربت منهم ألقيت التحية

بهدوء وجلست بجانب الجدة وما أن وقعت عيناي على رائد الذي

كان ينظر لي حتى رأيت في عينيه نظرة حزن واستفهام , مؤكد لاحظ

على عيناي أني كنت أبكي فأبعدت نظري عنه ومضى الوقت يتبادلون

الأحاديث وأنا في صمت يشاركني رائد فيه , نظر أيوب للخلف وقال

" حركة الحراس انتقلت هنا على ما يبدوا لقد كثر عددهم "

قال حيدر بضيق " ألا يرون أن النساء مجتمعات هنا عليهم احترام المكان "

نظرت للأسفل بحزن وقال رائد " هم مكلفون بمهمة وأنت

أكثر من يعلم عن الأوامر في الجيش "

قلت بهدوء وعيناي على يداي في حجري " أخبرتكم أني لا أريد مضايقة أحد "

قال حيدر " أنا آسف يا قمر لم يكن قصدي ذلك ولكن حتى

أنتي مؤكد لا تحبين خنقهم لك "

رفعت هاتفي وأجريت اتصالا فأجاب صاحبه من فوره فقلت

" مرحباً سيد نزار أعذرني هلا طلبت من رجالك الابتعاد عن

مكان جلسونا , لا تخافوا سأكون بخير "

قال " حسناً سيبتعدون عن أنظاركم ولكن لن تبتعدي عن

نظرهم , اعذريني الأوامر هكذا "

قلت باختصار " حسناً شكراً لك "

وأغلقت الهاتفي وما هي إلا لحظات وابتعدوا جميعهم وقالت مريم

ضاحكة " كم أنتي محضوضة يا قمر وكأنك في فيلم بوليسي "

قلت بابتسامة حزينة " محضوضة بماذا ؟ بأن حياتي عرضة للخطر أم

بأن والدي الذي وجدته بعد سنين حياته في خطر كبير وقد يأتيني خبره

في أي لحظة وقد بات وباء لا يمكنه الاقتراب مني وأنا أحوج الناس

إليه , أم بأنه لا يمكنني حتى الركض للهرب من أي خطر يواجهني "

سكت الجميع وكأن كلماتي سببت لهم خرسا فنزلت مني دمعتان مسحتهما

وقلت بعبرة " أم محضوضة بأن كل من يدخل حياتي لا يزيدها إلا حزناً

ولم ألقى في حياتي إلا الذل والطرد والتهميش "

وقف حينها رائد وابتعد عنا حتى وصل عند الشجر ووقف هناك مستنداً

على إحداها بيد و يدخن سيجارة بالأخرى ويسعل بين كل رشفة والتالية

فقال حيدر بضيق " لا أعلم متى سيترك هذا الداء القاتل ويأخذ العلاج

سوف يقضي على نفسه بإرادته , لا أفهم كيف يفكر "

قالت مريم ونظرها علي " يبدوا لم يعد يريد الحياة لذلك لا يتمسك بها "

عدت لصمتي وعادوا للتحدث عن مروان وعن تغيبه الآن وعن سهرته

وأصدقائه ليلة كل جمعة ورائد مكانه وعلى حاله , بعد وقت وقفت مريم

وتوجهت نحوه , كانوا بعيدين ولكنه من الواضح لمن يراهما أن يرى أنها

تتحدث معه بحدة وهوا يتجاهلها ثم عادت ناحيتنا وجلست وقالت بضيق

" أعقاب السجائر تحته في كل مكان وهوا يعاند ويقول أنه مرتاح هكذا "

قال أيوب " معتادين التدخين هكذا دائماً إن تضايقوا يدخنون بشراهة "

قال حيدر " منذ شهور وهوا على حاله هذه حتى تضررت رئته

وإن استمر هكذا فسيموت "

شعرت حينها بقلبي يتمزق , قمر يا بلهاء يكفيك حتى هنا يكفي

تثاءبت أنوار فقال حيدر بضيق " ما بك لقد أشعرتني بالنوم "

قالت بضيق أكبر " أخبرتك أني أريد النوم لكنك أصررت على نزولي معكم "

وقفت ووقف هوا بعدها تبعها وتوجها للداخل ووقفت الجدة بعد قليل

واعتذرت لتخلد للنوم وقالت " قمر هل ستصعدين الآن "

قالت مريم من فورها " لا سنتسامر قليلاً "

قالت مغادرة " إذا اصعدا معاً "

ابتعدت عنا فنظرت مريم جهة أيوب وقالت " تبدوا عيناك حمراوان وستنام "

ضحك وغادر في صمت وبقيت أنا وهي وحدنا , كانت تتحدث في أمور شتى

عن المزرعة والخريف والربيع فيها وأنا أشاركها بعض الأحيان لأني وحدي

معها ثم نظرت جهة رائد وقلت " وحتى متى سيبقى هناك وهكذا ؟ "

قالت رافعة كتفيها " لا أعلم ؟ قد يبقى حتى يسقط ميتاً مكانه "

تم تنهدت بعدها وقالت بحزن " أنتي لا تعلمي ما مر به وقت ضننا

أنك ميتة , كنا نشك أننا سنفقده أيضاً "

قلت بعد صمت " أنا لا أفهم شقيقك يا مريم ! ما يريده مني الآن بعد أن

كان يرمي بي عليك ليتخلص من مسئوليتي ووجودي معه , بعدما كان

يحرقني لأذوب كالشمعة لتضيء له , بعدما كان ينتقم مني على الماضي

و...... "

قاطعتني قائلة " أنظري إليه يا قمر "

بقيت أنظر لها بصدمة فقالت بجدية " أنظري باتجاهه هل هذا حال يسر أحد "

نظرت له فكان يسعل بقوة والسيجارة في يده فوصلني صوتها قائلة

" لا أطلب منك مسامحته يا قمر فأنتي محقة في غضبك منه لكن ارحميه

الآن وأنتي تعلمي أنه وحدك من يمكنها جعله يتوقف عن التدخين والسعال

المتواصلين تحت تلك الشجرة فلا تكوني وهي سواء ولا ترتكبي خطأه في

حقك سابقاً فهوا كان بالفعل يخاف عليك حين كنتي تمرضي ولم يكن يعلم

بأنك تموتين أما الآن فأنتي على علم بحاله "

أنزلت رأسي أرضاً ودموعي تتساقط على يداي وقلت بعبرة

" لما أنا من تلقي باللوم عليها وأنتي أكثر من علم بحالي حينها يا مريم "

قالت بهدوء " أقسم أن قلبك لا يطاوعك تتركيه هكذا , هيا يا قمر اذهبي إليه "

بقيت في جلوسي وصمتي للحظات ثم مسحت دموعي وتوجهت نحوه

كان يسعل بشدة والسيجارة في يده يمسك بها عنقه من الخلف واليد الأخرى

على صدره , رفعت يدي وأخذتها من أصابعه ورميتها أرضاً وحينها التفت إلي

نظر لي مطولاً ثم مد أصابعه ومسح بها على رموشي وقال " لا تبكي يا قمر "

أنزلت رأسي للأسفل وقلت بهدوء " توقف عن التدخين وعد هناك "

أمسك ذقني بأصابعه ورفع وجهي إليه وقبل شفتاي قبلة صغيرة لتعود لي كل

ذكرى قبلات شفتيه فسافرت بنظري للأرض فقال " هكذا يمكنني التوقف "

تم غادر أمامي عائداً حيث كنا نجلس , وصل عند مريم همس لها شيئاً

في أذنها فابتسمت وقالت له شيئاً بهمس ثم غادر هوا للداخل , وصلت

عندها وقلت " فيما كنتما تتهامسان "

ضحكت وقالت " يبدوا لي ورّثَك رائد عاداته السيئة "

نظرت لها بضيق وقلت " مريم لا أريد أن أضن بك ضنا سيئاً فأخبريني ما قاله لك "

قالت بابتسامة " قال لي اعتني بها جيداً فقط "

نظرت لها بتشكك فضحكت وقالت

" أقسم أنه قال ذلك وقال أيضاً شكراً لك يا مريم ولا أعلم لما "

قلت بضيق " ألستما متفقان على ما حدث "

هزت رأسها بلا وقالت مصدومة " لم يحدث ولم يخطر في بالي ذلك "

بقيت أنظر لها ببرود فقالت بضحكة " هناك جملة كنت أقولها له في الماضي حين

يستجوبني مثلك الآن وأخشى أن أقولها عنك وتغضبي مني وتستدعي لي حراسك "

قلت باستغراب " لم أفهم !! "

وقفت وقالت " أقسم أنك لازلت متيمة به "

وهربت مسرعة جهة المنزل , هذه المحتالة طويلة اللسان صرخت بها

" لن أدخل وستري حسابك مع جدتك ألم توصك "

وقفت والتفتت ناحيتي وقالت وهي عند الباب " سأرسل رائد ليبقى معك "

وما أن التفتت لتدخل حتى قلت وأنا أتوجه نحوها مسرعة " مريم انتظري "

لحقت بها وصعدت للأعلى توجهت لغرفتي وما أن وضعت يدي على

مقبض الباب حتى سمعت صوت يناديني التفتت وابتسمت لصاحب

الصوت وقلت " ألم تنامي بعد جدتي "

اقتربت وقالت " لن أنام قبل أن اطمئن أنك في غرفتك , قمر يا ابنتي

إن كنتي تريدين النوم معي لا تخجلي أعلم أنك لا ترتاحين في نومك "

قلت بابتسامة " شكراً لك يا جدتي لن يتغير الأمر في غرفتك أم غرفتي "

قالت بهدوء " هل صحيح أنك لا ترين الكوابيس ورائد ينام معك "

نظرت للأرض وقلت بحزن " نعم "

تنهدت وقالت مغادرة " سامح الله الكوابيس ورائد أيضاً لا أعلم كيف

تكون الرحمة من العذاب بعذاب آخر "

ابتسمت بحزن لكلماتها ودخلت غرفتي وما أن وصلت سريري حتى رن

هاتفي بنغمة رسالة , أعلم أنها منه فلا والدي ولا عمتي وابنتها يستطيعون

الاتصال بي ومؤكد تصبحين على خير لأنها أصبحت شيئاً ضرورياً , لم

يتذكرني سابقاً برسالة ... لا وكان لا يحب سماع صوتي في الهاتف

هل كان يلزم أن أموت ليشعر بي , دخلت السرير وغطيت كامل جسدي

باللحاف كعادتي , لا أعلم لما معه فقط استغني عن كل هذه الأمور التي

لا أنام إلا بها ولا أستيقظ إلا عن طريقها وكأن عللي النفسية القديمة

تتحكم بكل شيء يخص نومي وهوا يتحكم بتلك الأمور , كان حلمي

دائماً بخالي وزوجته والهوة التي أقع فيها وركضها خلفي بوجه بشع

لتزداد الآن بوالدي يموت وأنا أركض له وهي تمسكني كي لا أذهب إليه وانقده , تنهدت بضيق ثم قرأت أذكار النوم كثيراً حتى سافرت

في نومي , مر بعدها ثلاث أيام لا أحد غيرنا نحن النساء في المنزل

فمروان أخذ الرجال معه لحقول الشعير وسيعودون نهاية الأسبوع

وهوا سيبقى هناك , كانت مريم وأنوار في ساحة الخيول وأنوار

تحاول مسابقة مريم بالخيل وأنا وأطفال مريم نشاهدهما عند السياج

لم أتخيل أن مريم ماهرة هكذا في ركوب الخيل , أبناء مريم كانوا

يشجعونها وأنا أضحك على صراخهم حتى شعرت بيد تلتف حول

خصري فشهقت مذعورة وقلبي كاد يتوقف من الخوف لكني علمت

فوراً من يكون صاحبها من الشفاه التي قبلت خدي والكلمات التي

همست في أذني قائلة " اشتقت إليك قمري "

كنت أتنفس بقوة من تأثير الخوف فابتعد عني قليلاً ووقف

بجانبي وقال " آسف هل أفزعتك "

لذت بالصمت فنظر جهتهما وقال واضعاً يديه على السياج

" آسف يا قمر وحدي السبب في حرمانك من كل هذا , ليت

بإمكاني إرجاع الزمن للوراء "

قلت ونظري للبعيد حيث غروب الشمس

" لا يهم فكل هذا أصبح عندي لا يساوي شيئاً "

نظر لوجهي مطولاً ثم نظر حيث أنظر وقال

" لماذا أردتِ الموت على يدي يا قمر لماذا ؟؟ "

قلت بابتسامة حزينة " لسبب لن تفهمه يا رائد "

نظر للأرض تحته وقال بحزن " بلى أفهمه وأعيشه أيضاً "

نظرت له باستغراب فنظر لي وقال بابتسامة " أحبك يا قمر "

تم نظر للسماء وقال " أحبها يا رب لما هي لا تصدق ذلك "

وليته ظهري لأغادر فلم أشعر سوى بيده تسحبني نحوه وأوقفني أمامه

عند السياج ووضع يديه عليه ممسكاً أولى خشاباته وأنا بينهما ثم انحنى

حتى وضع ذقنه على كتفي وقال هامساً " لما لا نركبه سوياً ونسير به ببطء "

لذت بالصمت لأن الكلمات عبتاً سأحاول أن أخرجها في تلك الحالة

لا أعلم لما يفعل هذا ولما لا يفهم رفضي له ويبتعد , يبدوا أني لو فعلت

سابقاً مثل ما يفعل الآن لكسبت قلبه بدلاً من التشاجر معه على الدوام

لقد أهنته البارحة أمامهم جميعاً ولم يتكلم , كنت أنا في الماضي أبرد

على قلبي برد اهانته ولا أجني شيئاً ولكن هل كان سيجدي هذا معه ؟

لا أعتقد , بعدما طال صمتي عدل وقفته مستقيماً وأبعد يديه عن

السياج وطوق بهما خصري بقوة فأغمضت عيناي بشدة محاولة

منع دموعي من النزول ثم قلت " رائد نحن في الخارج إن نسيت "

قبل رأسي وقال " لم أنسى "

قلت " هلا شرحت لي كل هذا "

قبل رأسي مجدداً وقال " ماذا بالتحديد "

قلت " كل تصرفاتك "

قبل رأسي أيضاً وقال " لما لم تخبريني عن غيداء وما قالته لك "

قلت بابتسامة سخرية " وهل كنت ستصدقني , كنت ستعاملني

أسوء من تلك المعاملة السيئة "

قال بعد صمت طويل " قمر سامحيني "

أمسكت ذراعيه المطوقة لخصري بقوة وقلت بحزن " كيف ؟؟ "

قرب شفتيه من خدي وقال بهمس " ألا أمل أبداً "

ضحكت ضحكة حزينة وقلت " مؤكد تذكر ما أجبتني حين سألتك

سؤال مشابه لهذا في رحلة البحر "

لعب بأنفه على خدي ثم قبل كتفي وقال بهدوء " لا أذكر أنني أجبتك عنه "

قلت بحزن " صمتك وحده كان يكفي "

ثم أبعدت ذراعيه عني وقلت مغادرة

" ما أن يرجع والدي سأغادر معه ... وللأبد "

عدت للمنزل ودخلت وأنا أمسح الدموع التي لا تتوقف ووجدت الجدة

تجلس هناك فتوجهت نحوها من فوري وجلست بجوارها ورأسي في

حضنها أبكي بمرارة وهي تمسح على وجهي وتقول

" قمر ما بك يا ابنتي من أزعجك ؟ "

كنت أبكي وأشهق بعبرات دون كلام وهي تحاول تهدئتي , بعد وقت دخلت

مريم وأنوار والأطفال راكضين فقالت الجدة " ما بكم من يركض خلفكم ! "

قالت مريم " المطر ينزل في الخارج بغزارة لقد تبللنا "

ثم نظرت لأبنائها وقالت " هيا بسرعة لنغير ثيابكم قبل أن تمرضوا "

ثم صعدوا جميعهم للأعلى ودخل حينها رائد ولكنه لم يكن مبتلاً

هل كان هنا عند الباب أم ماذا !! توجه ناحيتنا وجلس وقال ونظره

للأرض " قمر هلا تابعنا حديثنا الآن "

أشحت بنظري عنه وقلت " لقد انتهى "

نظر لي وقال " أنتي زوجتي يا قمر وأنا لن أطلقك "

قالت جدته بضيق " متى أتيت أنت وكم مرة نبهتك عن الاستفراد بها هلـ ..... "

بترت كلماتها حين أمسكت قلبي وانحنيت للأسفل بسبب الألم فيه

فأمسكتني وشعرت بيد رائد تنزع حجابي تم رفع وجهي له وقال

" قمر هل أنتي بخير ؟ "

عدت بوجهي للأسفل وقلت بصوت مخنوق " هذا طبيعي "

قال بحدة " هذا كان كلامك في السابق ولم تكن حقيقة "

قلت بتألم " لم تعد صحتي كما كانت وهذه النوبات ستلازمني "

شعرت حينها بيديه تسحباني نحوه وتضمانني في حضنه بقوة ونقاش

بينه والجدة عن نقلي للمستشفى ولم أكن أفهم منه إلا القليل , كنت أحاول

كتم آهاتي حتى هدأ الألم قليلاً ليتحول لبكاء , كان يشدني لحضنه بقوة

محاولاً تهدئتي وهوا لا يعلم أنه بهذا يبكيني أكثر حتى قلت بصوت

مبحوح " لقد تعبت ... لما لم أمت لما "

ارتخت حينها يداه عني ووقف وخرج للخارج وأغلق الباب , بقيت

أبكي لوقت حتى هدأت ونزلت حينها مريم وقالت " هل رائد في الخارج "

قالت جدتها " يبدوا غادر منذ وقت "

قالت " لا سمعت سعاله الآن وأنا أساعد الخادمة في

إدخال ملابس الأطفال من الشرفة "

قالت الجدة ببرود " إذا هوا يمزق رئتيه تحت مضلة الباب "

خرجت له ثم عادت وقالت وهي تتجه للأعلى

" سيموت ويرتاح وعله يرتاح بموته "

وقفت حينها الجدة وصعدت للأعلى وتركتني فتنفست بقوة ثم خرجت

له , كان يدخن ويسعل كما في تلك المرة فاقتربت منه وأخذت السيجارة من أصابعه ورميتها تحت المطر نظر لي ثم لها على لأرض وقال

" لما أطفأتها "

نظرت له وقلت بحدة " لأنك مجنون وتريد أن تخسر حياتك "

رفع نظره للبعيد وقال بحزن " ولما سأعيش , أنتي تعلمي معنى

هذا لأنك سبق وعيشتي نفسك فيه فلما تلومينني "

قلت بحدة " أنا فعلت ذلك لأني آمنت أنه لا حياة لي معك ولا حتى

بدونك , أنت تفعل هذا الآن لتشعرني بالذنب أليس كذلك "

اكتفى بالصمت وأخرج واحدة أخرى فأخذتها منه بقوة كسرتها

ورميتها تحت المطر أيضاً فأخرج العلبة مجدداً فأخذتها منه

ورميتها وقلت بغضب " رائد توقف قلت توقف "

قال ونظره عليهم تحت المطر

" لا يمكنني العيش دون إحداكما .... افهميها يا قمر "

أمسكت قميصه جهة ذراعه ولففته نحوي وقلت بضيق

" هي تقتلك يا رائد "

قال وعينيه في عيناي " وأنتي كذلك "

هززت رأسي بلا دون كلام وعيناي تمتلئ بالدموع فمسح على

وجهي بيده وقال بابتسامة حزينة " بلى تفعلينها أكثر منها "

قلت ودموعي بدأت بالنزول " أنت السبب يا رائد , أنت من كسر لي قلبي وللأبد "

مسح دموعي بأطراف أصابعه وقال " لا تبكي يا حبيبة رائد كم مرة سأقولها "

تم عاد بنظره للبعيد وادخل يده في جيبه وأخرج سيجارة فأخذتها منه ورميتها

أرضاً ودست عليها بقوة وأنا أقول بصراخ غاضب " يكفي يكفي قلت يكفي "

كنت أكرر ذات الكلمة ببكاء وغضب حتى تحولت لقطع تحت حدائي

ثم نظرت له وأمسكته من ياقة قميصه وسحبته نحوي وقربت وجهي

لوجهه ببطء ثم قبلته على شفتيه بهدوء وقلت

" هذه جعلتك تتوقف تلك المرة فهل ستفعلها الآن "

هز رأسه بنعم ثم نزل تحت المطر وغادر حتى اختفى عن نظري في الظلام

عدت للداخل وجلست أبكي لوحدي حتى نزلت مريم واقتربت مني وقالت

" قمر لما تجلسين هنا وأين رائد "

قلت ونظر للأرض " لا أعلم , غادر تحت المطر منذ ساعتين "

شهقت بقوة وما أن فتحت فمها لتتحدث حتى سمعنا صوت سعاله

يقترب ثم انفتح الباب ودخل منه مبللاً من شعره لقدميه , اقترب منا

بضع خطوات ورأسه للأسفل ثم سقط أرضاً

يتبع ........
 
الفصل الثامن و العشـرون + الفصل التـاسع و العشـرون

كنت أسمع عن اليأس الذي يجعل صاحبه يكره الحياة ولم أعرفه وأجربه

إلا حين ضننت أن قمر ميتة , وكنت أسمع عن تحكم أحدهم في مزاجك

حد أن يوصلك للثمالة بقبلة صغيرة ولم أعرف ذلك أيضاً إلا اليوم لتجعلني

قبلتها الأولى لي منذ تزوجتها أفقد نصف حواسي وأنزل تحت المطر وكأني

لا أراه موجوداً ولا أشعر به , لم أجرب الخمر يوماً ولكن إن كان كهذا فقد

علمت الآن لما هوا محرم , وصلت عند أشجار اللوز وازدادت نوبة السعال

عندي حتى ضننت قلبي سيتوقف ورئتي ستخرج من فمي فجلست تحتها

بعدما فقدت أغلب الهواء في رئتاي من كثرة ما سعلت , كنت أجلس على

الأرض المليئة بأوراق الأشجار الصفراء الممتلئة بالمياه وحبات المطر تنزل

على رأسي وأكتافي ورئتاي تتقطع وجسدي بين الماء والماء , بعد وقت

طويل هدأ المطر قليلاً فوقفت بصعوبة وسرت مستنداً بكل ما مررت به

حتى وصلت المنزل ودخلت لا أرى سوى الأرض تحتي وما أن خطوت

بضع خطوات حتى خارت باقي قواي ولم أشعر سوى بالأرض تناديني

لحضنها ولم أسمع سوى صوت قمر تصرخ باسمي ولا أعلم إن كانت

وحدها هنا أم معها أحد ولم تلتقط أذني غير صوتها أو أنه هيئ لي كل

ذلك , بعد وقت فتحت عيناي ببطء ووجدت نفسي على سرير غرفتي

وأول من وقع عليه بصري كانت مريم تجلس بجواري وقمر تقف عند

الباب وما أن نظرت لها حتى فتحته وخرجت وأغلقته خلفها بهدوء

قالت مريم وهي تضع يدها على جبيني

" رائد هل أنت بخير , حمداً لله حرارتك بدأت تنخفض "

قلت بصوت متعب " بخير ... قمر ما بها "

نظرت خلفها ثم لي وقالت " ترفض قول غير أنها بخير لكن

وجهها لا يقول ذلك وتبدوا تصارع الألم "

قلت " لما لم تأخذوها للمستشفى "

تنهدت وقالت " مع من وأنت طريح الفراش والبقية في الحقول , لقد

فزعتْ لرؤيتك تسقط , إن كنت أنا التي قلبي سليم لازال يرتجف

حتى الآن فكيف بها هي "

سعلت قليلاً ثم قلت " ورجال والدها ما نفعهم هنا , كنتم طلبتم منهم أخذها "

قالت " فكرت في ذلك لكني خفت أن تغضب "

أمسكت اللحاف عن جسدي ثم نظرت لها وقلت

" من غير لي ثيابي "

قالت وهي تعيده على صدري " قمر طبعاً فوحدها يمكنها

فعل ذلك فهي زوجتك والرجال لا أحد منهم هنا "

تنهدت واكتفيت بالصمت فقالت بلوم

" رائد ما هذا الجنون كيف تخرج هكذا في جو كهذا !

ماذا لو لم تصل للمنزل "

نظرت للسقف وقلت بحزن " قالت ستتركني للأبد يا

مريم , سترحل مع والدها وتتركني "

أمسكت يدي وقالت " وهل ترى خروجك في هذا الوقت

هو الحل ! هل تهرب من الواقع بقتل نفسك "

سعلت مجدداً ولذت بالصمت فتنهدت وقالت " قمر تعبت بسببك كثيراً

أنت شقيقي وأحبك لكن الحقيقة كذلك فأنا من عشت معها شهرين

متواصلين ورأيت ما تعاني من مشاعرها اتجاهك من شوقها وحبها

وخذلانك لها وتركها , كانت تموت شيئاً فشيئاً وأنت لا تعلم

كانت ترى عذاب تركك لها أسوء من عذابها معك وأنت تضن

أن بعدها سيكون أفضل "

تساندت بمرفقي وجلست فأمسكت كتفي وقالت

" رائد أنت متعب فلا تتحرك "

قلت وأنا أنزل قدمي من السرير " سأطمأن عليها بنفسي "

قالت وهي تمسكني بقوة " لن يزيد هذا الأمور إلا سوءً , رائد

أرجوك الضغوط النفسية سيئة لها فيكفيها اليوم "

ارتميت على السرير من جديد وقلت

" اذهبي لها إذاَ ولا تتركيها وتعالي لطمأنتي "

تنهدت بقلة حيلة وغادرت وطال غيابها فغادرت السرير رغم تعبي

وصعدت السلالم حتى وصلت غرفتها , طرقت الباب بخفة ففتحت لي

مريم ونظرت لي بصدمة وقالت

" رائد ما جاء بك هنا وأنت متعب يالك من عنيد "

قلت مستنداً بيدي على الجدار " أنا بخير كيف هي الآن "

هزت رأسها بيأس وقالت " كلما غفت قليلاً استفاقت مفزوعة , تبكي

تارة وتنادي في منامها والدها و أنت وشيء في التنين لا أفهمه "

أبعدت يدها وأنا أقول " سأدخل لها "

أمسكتني وقالت " رائد لن ترضى قمر وجدتي ستغضب إن

علمت , هي نائمة الآن فاتركها أرجوك "

أبعدتها عن طريقي متجاهلاً كل كلامها ودخلت , كانت نائمة تحتضن

الوسادة بقوة وتخفي وجهها فيها فجلست بجوارها على السرير أمسح

على شعرها بحنان فأبعدت وجهها عن الوسادة وفتحت عيناها ونظرت

لي فمسحت الدموع من عينيها وقلت بابتسامة وأنا أمسح على وجهها

" نامي يا قمر أنا ومريم هنا ولا شيء آخر حبيبتي ... نامي الآن "

أغمضت عيناها ببطء دون كلام وعادت للنوم , بعد قليل ارتخت يداها

عن الوسادة فنزعتها منها وغطيتها جيداً وقبلت جبينها وجلست بجوارها

وغادرت مريم لأبنائها وبقيت وحدي معها أمسح على وجهها وأقبل

خدها كل حين وكأنها إكسير الحياة الذي سوف يبقيني صامداً بجوارها

وابتسمت لملامحها بحب حين تذكرت كلماتها التي قرأتها في كتابها إكسير

الحياة فرددتها بهمس ( لا تعشقوا الوجوه فهي لن تعشقكم أبدا بل وحدها

القلوب مراسيل البشر إليكم وجسركم الوحيد للوصول فهي من تستحق

العشق وأنتم من تستحقون من تعشقه فلا تجعلوا ملامح البشر جسركم

الوحيد للتواصل معهم )

بعد وقت قالت بهمس وعيناها مغمضتان " رائد لا تذهب "

مسحت غرتها للأعلى وقبلت جبينها وقلت

" لن أذهب حبيبتي نامي الآن "

فعادت للنوم من جديد وتبدوا لي في غير وعيها أو الخوف من الكوابيس

سيطر عليها وإلا ما كانت طلبت مني كهذا الطلب , كنت بحاجة للنوم أكثر

من أي يوم لكني ما كنت سأرد طلبها مهما كان مستحيلا , بقيت بجوارها

لساعات حتى سمعت أذان الفجر عندها قبلت جبينها وخدها وقلت هامساً

في أذنها " قمر استيقظي إنه وقت الصلاة "

وغادرت الغرفة ونزلت لغرفتي صليت الفجر ونمت لساعات طويلة

واستيقظت عند الظهيرة , استحممت وغيرت ثيابي صليت الظهر

وخرجت فسمعت صوتاً لنقاش حاد فخرجت ابحث عنهم فكانت جدتي

ومريم تتناقشان بعصبية وجدتي تقول

" لن أطرد ضيوف يأتون لبيتي وقمر لم يعد يعنيها أمره "

قالت مريم بضيق " بلي سترين بعينك ما ستكون نتائج ذلك

ولا تنسي أنني حذرتك مسبقاً " ‏

قالت ببرود " لن أفعلها أبداً وأطرد شقيقتي وابنتها من أجل ترهات

إن كان يريدها ما تزوج بغيرها وهي تعلم ذلك جيداً " ‏

قالت مريم بحدة " لن تأتي إلا لأجله أو لأجل إغاظة قمر

فجنبينا المشاكل يا جدتي " ‏

صرخت بها " احترميني أنا لست أكبر أبنائك‎ ‎‏"

تأففت مريم وخرجت فاصطدمت بي وقالت مصدومة

" منذ متى أنت هنا !! "

قلت " منذ قليل .... ما بكما ؟ "

قالت مغادرة " الآنسة سوزان اشتاقت لخالتها , أقسم إن

ضايقت قمر طردتها بنفسي "

لحقت بها أمسكت ذراعها وقلت " ولما تضايقها إن كانت ستأتي

لساعات قليلة وتذهب ! ماذا هناك يا مريم ؟ "

قالت بغضب " سيدة الدلال تريد البقاء ليومين هذا إن لم يكن أكثر "

قلت بهدوء " سأخرج أنا إذاً "

هزت رأسها وقالت " لن يتغير شيء ولن تسلم منها أعرفها جيدا "

قلت " متى ستأتي "

قالت مغادرة " نهاية الأسبوع فكم أخشى من نتائج قدومها "

ابتعدتْ قليلاً فاستوقفها صوتي منادياً " مريم "

التفتت إلي فقلت " كيف هي الآن "

قالت بهدوء " أفضل ... تبدوا لي نامت جيداً البارحة "

هززت رأسي بنعم ثم قلت " أريد التحدث معها "

قالت بضيق " رائد لا نريد أن نخسرها يكفي يوم الأمس السيئ "

قلت بتذمر " لما كنتي تساعدينها في الماضي وأنا الآن

لا , مريم لا تكوني ظالمة "

قالت بضيق أكبر " مهما أحببتها فلن أحبها كشقيقي , رائد أنا

أخاف عليها يكفيها ما لقيت حتى الآن "

قلت بهدوء " وإن قلت لك أرجوك هذه المرة وافعليها من أجلي "

قالت باستسلام " أنا حقاً أريد المساعدة , لكن رائد أرجوك لا تقسوا

عليها بكلماتك مهما قالت "

قلت بابتسامة حزينة " وبأي قلب سأفعلها "

قالت " حسناً والمطلوب مني الآن "

قلت " تخرجيها وحدها للمجلس الخارجي وتلهي جدتي عنا "

قالت وهي تصعد السلالم " أمري لله خدمات دون مقابل "

استوقفتها مجدداً وهي في آخر الدرجات وقلت " هل سألت عني اليوم "

نظرت لي بصمت مطولاً فقلت بتذمر " مريم بالله عليك تجيبي "

قالت ببرود " لا أستطيع "

قلت " ولما "

قالت " إن سألتْ عنك فلا يمكنني قول ذلك لك فهذا لن يعجبها

وإن لم تسأل عنك لا أستطيع قول ذلك لك كي لا أجرحك "

قلت بإصرار " لن يجرحني ذلك فقولي "

قالت وهي تصعد " يالك من محتال يا رائد وورطتني , إن قلت لن

أجيب فستعلم الجواب ... ذكائك يكفي لتفهم "

ابتسمت لها وهي تصعد ... سألت عني إذا , راقبتها حتى اختفت وغابت لوقت ثم

نزلت ومرت بجواري وقالت " تمت المهمة وسأذهب لجدتي , لا تتأخر كثيراً مفهوم "

ابتسمت لها وصعدت من فوري أقفز الدرجات قفزاً ودخلت المجلس فكانت

تقف تشاهد المزرعة ترتدي بنطلون قصير من الجينز الأبيض يصل طوله

لنصف الساق وكنزه شتوية بيضاء طويلة مفتوحة ومغزولة بثقوب واسعة

يظهر من تحتها القميص الأحمر الضيق , ترتدي حداء أحمر وتربط شعرها

للخلف بشريطه حمراء وتقف مكتفة يديها , اقتربت منها ببطء حتى صرت

خلفها وهمست لها " هذا أنا حبيبتي لا تفزعي "

طوقت خصرها برفق وقبلت عنقها ونظرت لما تنظر إليه بصمت

بعد قليل قبلت خدها وقلت " هل يمكننا التحدث الآن عن كلامك بالأمس "

قالت بهمس " لا "

قلت وشفتاي على عنقها " ولما لا دعينا نصل لنتيجة ترضي كلينا "

قالت بهدوء " رائد لا أريد جرحك بكلماتي لنصبح اليوم في

محرقة جديدة من سجائرك "

قلت وأنا أستنشق خدها وشعرها " تخافين على صحتي إذا "

كنت أشعر بارتجاف جسدها بين ذراعاي مما أفعل فزدت من شدي لها

أكثر وقلت وأنا أقبل عنقها عدة قبلات " لما الصمت حبيبتي "

خرجت منها أنة صغيرة وقالت " رائد اتركني أنت تؤلمني "

قلت هامس في أذنها " ليس قبل أن تجيبي "

قالت بحزن " لأنك كنت تخاف على صحتي في الماضي أو .... تشفق علي "

أرخيت من قبضة ذراعاي وقلت بهدوء

" إذا تشفقين علي أم لا تريدي أن تحملي لي جميلاً "

أكتفت بالصمت , علمت الآن كم كان قاسيا على قلبها كوني أشفق عليها

نعم كم ذلك قاسي وعلمت لما كانت تقول أنها لا تريد شفقة مني , هيا خذي

بحقك مني يا قمر خذي , همست في أذنها " ليست الشفقة أريد "

لاذت بالصمت فقلت بهدوء

" قولي ما كنت أقول لك قوليها يا قمر هي من حقك الآن "

طأطأت برأسها حتى شعرت بدمعتها تسقط على يدي الملتفة حول خصرها

وقالت بحزن " لا أريد أن أكون بقسوتك لأنك لن تشعر بما كنت أشعر أبداً

لقد مات الورد يا رائد وانكسر ذاك الشيء للأبد "

ابتسمت بحزن .... لا تكذبي على قلبك يا قمر فارتجافك بين ذراعاي أكبر

دليل فقط جرحك مني كبير وعميق , قلت بعد صمت

" لو كنتي مكاني ما كنتي ستفعلين صارحيني "

قالت بسخرية وقد عادت بنظرها للبعيد " كنت سأحبك فهذا فقط ما أتقنه "

رفعت ذراعاي عند كتفيها وصدرها ضممتها لي بحنان وقلت

" ها قد اعترفتِ أنك لا تتقنين سوى الحب فما تغير الآن "

شهقت بعبرة ثم قالت بنفس متقطع من البكاء " مذكرتي كانت لديك وكنت تعلم ما

أشعر اتجاهك ومنذ طفولتي وكان كل ما في قلبي يظهر أمامك جليا في كل نفس

أتنفسه لكن القسوة حجبتك عن رؤية ذلك "

تم أمسكت بيديها ذراعاي المطوقتان لكتفيها ودست وجهها بينهما وقالت ببكاء

" كنت أحبك بجنون ولكنك لا تعرف الحب , أعشقك في كل نفس أتنفسه وأنت

تكرهني حد جرحي باستمرار , أخاف عليك من الهواء البارد ليلا وأنت تنتقم

مني وتقتلني , لم أكن عادلة مع نفسي كنت أستنزف كل مشاعري وأهبها لك

وكنت أنت بلا مشاعر تقتل ذاك الحب النقي "

دسست وجهي في شعرها وقلت بحزن " بل كنت أحبك رغماً عن أنفي وعن

قلبي وانتقامي كنت أحبك وأضحك من مريم كلما قالتها لي ليس لأنها ليست

حقيقة بل لأني أهرب من الاعتراف بها , كانت أمامي قمر الطفلة البريئة
وقمر الزوجة الجميلة مقابل ضوء القمر الخائنة اثنين مقابل واحدة فانتصرتا

في النهاية عليها ويوم عدنا من المزرعة كنت قد قررت التحدث معك في

الأمر لكنك سجنتِ نفسك فاحترمت عزلتك وانتظرتك لتخرجي ولم أتخيل أن

تخرجي جثة هامدة من حضني للمستشفى للمجهول , فلك أن تتخيلي إن كانتا

اثنتين انتصرتا على الحقد في قلبي فكيف بكم الثلاث مجتمعات بعدما علمت

الحقيقة , أقسم لك يا قمر أن قلبي يكاد يتفجر حبا لك ولو كانت خلايا الجسد

تتحدث لقالتها لك كل واحدة منها على حدا , عامليني بقسوة خذي بحقك مني

اكرهيني حتى ولن تكوني إلا حبيبتي "

أبعدت يديها ووجهها عن ذراعاي وقالت

" أنت لا تغفر لأحد دون سبب فأعطني شيئاً أغفر لك به "

أبعدت يداي عنها ولففتها جهتي وقلت وعيناي في عيناها الدامعتان

" حددي وأنفذ "

نظرت للأسفل و قالت بحزن " أريد أن أنسى كل ما حدث ويُمسح

من عقلي نهائيا فهل تستطيع ؟ "
أمسكت وجهها بيداي ورفعته إلي وقبلته في كل مكان فيه ثم وضعت

أنفي على أنفها وقلت " الحسنات يذهبن السيئات يا قمر أليس كذلك "

قالت والدموع تتدحرج من عينيها " لم أستطع فانسني يا رائد أنا لم أعد لك "

تم قالت وهي تمسك يداي وتبعدهما عنها " يكفي حتى هنا لا أريد جرحك

بأبعادي لك عني لترجع لحرق رئتيك مجدداً بسببي , رائد أرجوك يكفي وغادر "

ابتسمت لها وقبلت جبينها وقلت مغادراً " كما تريدين حبيبتي "

نزلت للأسفل ووجدت حيدر وأيوب فنظرت لهما وقلت " ما جاء بكما قبل الموعد !! "

ضحك أيوب وقال " هربنا مثلك , ها ما الأخبار "

قلت مغادراً جهة غرفتي " كما هي عليه "

قال أيوب وهوا يتبعني " وما تفعل كل هذا الوقت ؟ "

جلست على السرير وقلت " أي وقت وأنا وصلت بالأمس ولحقتم

بي اليوم , يالا خططكم الفاشلة "

قال واضعاً يديه وسط جسده " دبرنا بينكم كم لقاء , أنزل حيدر زوجته مرغمة

ذاك المساء لتبقى قمر وحدها في الأعلى وتنزل هي أيضاً وأجبرها على التحجب

لتأخذ أنت راحتك واتفقت ومريم على قدومك بالأمس , كل هذا ولم نساعد "

تنهدت بضيق وقلت " إن عاد والدها فسأخسرها للأبد وسيطلقها مني بكل

سهولة وأنا لم أتقدم ولا خطوة حتى الآن "

جلس معي على السرير وقال " عاملها بالوجه الآخر إذا بما أنه لم ينفع هذا الوجه "

قلت ببرود " لقد أقسمت على نفسي حين شككنا في حقيقة موتها أني لو

وجدتها حية فلن أقسوا عليها ما حييت "

ضحك وقال " لقد ورطت نفسك كيف ستعيش معها كل العمر

دون أن تقسوا عليها أحياناً "

تنهدت وقلت وأنا أهز رأسي " أقسم لن افعلها فلتعش معي

أولاً فقد بث أرى ذلك بعيداً جداً "

قال بحيرة " والحل إذا !! "

قلت " لا حلول على ما يبدوا "

وقف من فوره وفتح باب الغرفة وأخرج رأسه وهوا ينادي حيدر بصوت

مرتفع وما كذب الآخر الخبر وكان في لحظات لدينا , دخل وأغلق الباب

وقال " ماذا هناك "

ضحكت فقال بتذمر " ما المضحك أنت "

قال أيوب " دعانا منكما الآن ونريد مخططا جديداً "

قال حيدر " إن كان اليوم لا بأس غدا صباحاً سأغادر وزوجتي , لن

أستطيع التغيب أكثر من هذا "

قلت " أخرجاني من دماغيكما لم أعد أريد خططاً , خذ زوجتك يكفي "

أمسكني من يدي وقال وهوا يسحبني معه " أتركنا من هذا الآن وتعال معي فأنت

من يمكنه الصعود للأعلى , أريد معرفة سبب كل هذا الضحك الذي يصل للأسفل "

قلت وأنا اتبعه مجبراً " ولما لم تتصل بزوجتك وتعلم منها "

قال " لم تخبرني لأنها تعرف أنه لا يمكنني الصعود إليهم وزوجتك

هنا , بسرعة باغتهم حدسي يقول ثمة شيء يخفينه "

دب الفضول في جسدي وصعدت بخطوات خفيفة , كان بالفعل ضحكهم

غير طبيعي , وصلت للأعلى فكان الصوت يخرج من جهة طاولة الطعام

غريب ليس هذا وقت الغداء فما يفعلونه هناك !! نظرت لهم من خلف الباب

بحيث لا يرونني فكن جالسات على الطاولة وكل واحده منهن بيدها قلم

وورقة يكتبن أو يرسمن شيئاً ويضحكن على أوراق بعض وحتى صبا

مثلهم , دخلت ببطء فرأتني قمر المقابلة لي وفتحت فمها وعيناها من

الصدمة فأشرت لها بأصبعي أن تسكت , وصلت عند مريم التي

تعطيني ظهرها وأنوار كانت مشغولة مع ورقتها وكانت مريم تقول

ضاحكة " قمر لقد أبدعتي في رسمه لو رآها لقتلك "

استللت الورقة منها بخفة وسرعة فشهقت هي ورفعت أنوار رأسها

مصدومة ووقفت قمر وركضت مغادرة فأمسكتها من ذراعها وأعدتها

نحوي , نظرت للورقة فكانت رسمه لي والسيجارة في فمي والدخان

يخرج من أنفي وحاجباي معقودان خط واحد دليل الغضب , نظرت

لها فأخفت وجهها في يديها فانتقلت جهة أنوار وقمر ذراعها في يدي

أسحبها معي وأخذت الورقة من أمامها فكانت رسمه لحيدر ورأسه

مفتوح وتخرج منه الكتب والمعلومات وعيناه عينا أحمق , أنوار طبعاً

رسامه والورقة فيها ملامحه بحرفية , ضحكت كثيراً وأنا أنظر لها ثم

انتقلت لرأس الطاولة حيث كانت تجلس قمر وأخذت ورقة مريم من

هناك وكانت رسمه لأيوب يركب محراث ويضع رداء سوبر مان جسده

كبير والمحراث تحته وكأنه دراجة أطفال فلم أستطع إمساك نفسي فعدت

للضحك مجدداً بهستيرية فقفزت صبا وقالت " وأنا رسمت خالي مروان "

أخذت منها الورقة فكانت ألرسمه الأشد رعباً ملامح لا تعرف من أين

جاءت بها وكان يركب حصانا هوا أقرب للحمير من الأحصنة , كنت

أضحك حتى كدت أفقد توازني واستندت بالطاولة فقالت مريم بضيق

" رسمت قمر الوحيدة التي لم تضحك عليها لما يا ترى ؟

هل لجمالها أم لأنها تخصك "

نظرت جهة قمر التي لازالت في قبضتي تنظر للأرض وتعظ شفتها

في خجل وارتباك فقربتها مني أكثر وقبلت خدها وقلت

" مقبولة من قلبي وحبيبة قلبي "

حمحمت مريم وقالت " يا عباد الله بيننا أشياء صغيرة هذا لا يجوز "

ثم وقفت ومرت بجواري ووقفت قائلة بهمس وغيض

" تعبت من كثرة أسئلة أطفالي الكثيرة عما تفعله أيها العاشق "

ضحكت وقلت " حسابك ليس لدي بل لدى صاحب الصورة "

شهقت بقوة فخرجت من فوري وهما تتبعاني وتتوعدانني إن أريتها لأزواجهم

ولكني لم أكترث , وصلت للأسفل فكانا حيدر وأيوب في انتظاري وزوجاتهما

طبعاً لم يستطيعا النزول خلفي , رفعت الأوراق أمامهم وقلت " جلبت لكم سبب

كل ذاك الضحك لقد كن يرسمننا كل واحدة ترسم زوجها والأخريات يضحكن "

أخذوا الأوراق من يدي وكل واحد على ملامحه الغضب فضحكت وقلت

" تبادلا الورقتين وسيتغير هذا المزاج "

وما أن تبادلاهما حتى بدأ بالضحك الشديد ثم أعطيتهم ورقة قمر وصبا فجلسا

على الأرض من كثرة الضحك وقال بعدها حيدر بضيق

" سأريها كيف ترسمني هكذا وما تعنيه بالغباء وتطاير المعلومات "

قال أيوب " والأخرى أيضاً سترى عقابها هل تسخر من حياتي وحرثي بالجرار "

قلت مغادراً جهة غرفتي " هذا إن وجدتماهما فلن تنزلا بعد الآن "

بعد أذان العصر وصلني اتصال من مريم فتحت الخط فلم تجب وكانت

أصوات كثيرة لديها وهي تقول " هذا ظلم ولو علم رائد لغضب منكما "

قفزت من السرير وخرجت مسرعاً فكان الصوت من الخارج فخرجت من

المنزل فكانت قمر ومريم وأنوار وحتى صبا يجلسن حول تسط كبير حديدي

مليء بالماء والصابون وكومة من الثياب بجانبهم يغسلونها بأيديهم وحيدر

وأيوب فوقهم , اقتربت منهم وأمسكت قمر من ذراعها وأوقفتها وقلت مغتاظاً

" هل جننتما من سمح لكم بجعلها تغسل معهم "

قال حيدر " العقوبة للجميع وهي لم تعترض فما جاء بك أنت "

قالت مريم بضيق " اتصلت بك لتنقدنا جميعاً وليس زوجتك فقط "

قال أيوب " ستغسلون ملابس العمال الخاصة بالحقل أيضاً ولن تقوموا من

هنا إلا بعد إنهائها ولو بقيتم للصباح "

صرخت به " ارأف لحال ابنتك , انظر ليديها الصغيرتان هي لم ترسمك أنت "

توجهت بقمر جهة صنبور المياه فتحته وغسلت لها يديها وهي في صمتها

ذاته فهي باتت تفضل الصمت عن أي شيء أفعله لتتجنب جرحي وهي لا

تعلم أن قرارها الانفصال عني وحده يكفي بذبحي دون رحمة , اتجهت بها

أسحبها من يدها جهة المنزل فأوقفني صوت حيدر قائلا

" هيه زوجتك رسمت معهم وضحكت علينا فأعدها إلى هنا "

عدت ناحيتهم ويدها لازالت في يدي وقلت " قلت لن تغسل شيئاً "

قال أيوب بتحدي " رغماً عنك "

صرخت منادياً " جدتي تعالي وانظري ما يفعلون لقمر "

نظرتْ من نافذة المطبخ السفلي وقالت بصراخ

" ماذا بكم ؟ من اقترب من قمر "

ضربت مريم الماء والصابون بيدها وقالت بغيض " سألبس باروكة لشعر

بني طويل وعدستان عسليتان وأجري عملية تجميل تغير ما يمكن تغييره

لكي أحضا بما تحضا به قمركم "

ضحكت وقلت " لن يتغير شيئاً "

قالت أنوار بضيق " لما زوجها يشعر بها وأنتم لا , ابنتي تبكي عليا الذهاب لها "

قال حيدر ببرود " ليس قبل أن تنهي عملك , سأريك ما يفعله

الغبي الذي يدعي الذكاء "

صبا الوحيدة التي كانت تعمل بنشاط وصمت ومرح أيضاً وقمر الوحيدة

التي كانت تضحك في المجموعة على ما يجري , كم كنت مجرماً حين

قتلت هذه الضحكة وكم رحمني الله حين أعادها إلي , قالت مريم بحدة

" تغسل قمر أو لن أغسل "

قالت أنوار " وأنا كذلك "

قلت ببرود " أنا من رسمتني وراضٍ عن رسمها لي ولن تغسل شيئاً "

سمعنا حينها صوت قادم من بعيد يقول " لمن هذه الضحكة الحريرية

ألمائية العذبة الشفافة , ليست لعائلتنا بالتأكيد "

دسست قمر خلف ظهري , ها قد جاء طويل اللسان

اقترب منا فقلت بضيق " ما جاء بك أنت "

ضحك وقال " أنظروا للعجب العجاب يريد طردي من منزلي "

ثم نظر لهم وقال " ما سر حملة النظافة هذه "

مد له حيدر بورقة قائلا " انظر ما يفعلون ولعلمك أنت من في هذه الصورة "

نظر لها وضحك حتى تعب وكان مروان الوحيد الذي ضحك على رسمته

ثم قال " من هذه الرائعة التي رسمتني لأعطيها جائزة "

قالت صبا بسرور رافعة يدها المليئة بالصابون " أنا .. أنا "

نظر لها وقال " وقحة وستغسلين ثيابي أيضاً "

خرجت حينها جدتي اقتربت منا وقالت " ما بها قمر ؟؟ "

نظرت لها وقلت " يجبرونها على غسل ثيابهم "

قالت بضيق " خسئتم مجرمين أبناء المجرمين "

تم سحبتها من يدها الأخرى قائلة " وأنت اترك يدها , تعالي معي يا قمر "

دخلت وهي تتبعها وقال مروان بصدمة

" مجرمين أبناء المجرمين تعني نحن وآباؤنا !!! "

قالت مريم بضيق " أخبرتكم أني سأغير شكلي "

قال مروان ضاحكاً " معها حق ومن يعرفها ولا.. "

قاطعته بلكمة صغيرة على أنفه فامسكه وقال بغيض

" هذا ما كان ينقص , أصغر أبناءك أنا تضربني "

قلت مغادراً " المرة القادمة سأكسره لك إن لم تكف عن مراهقتك "

دخلت وتوجهت جهة السلالم فأوقفني العكاز الكريه وصوت جدتي

قائلة " أين يا ابن المنذر "

تنهدت وأنا أنظر للأعلى وقلت " جدتي دعيني مرة أقترب منها "

قالت وهي تبعدني بعكازها " لا تظن أني مغفلة ونائمة ولا أعلم ما يجري

هنا , تكلمت معها بما فيه الكفاية وقالت لا تريدك افهمها "

رميت بعكازها بعيداً عني وقلت مبتعداً بغضب

" لا تقولي هذه الجملة ثانيتا لا تعيديها "

صعدت مرتين عند المساء ولم أجد أحداً وكانوا جميعهم في غرفة جدتي

ويغلقونها , يعاقبونني إذا بدلاً عنها , عند الصباح غادر حيدر وأنوار

وعاد مروان للحقول فصعدت للأعلى وجلست لهم هناك , مرت مريم

بجواري وقالت " حبيبة القلب في غرفتها ما يجلسك هنا "

قلت ببرود " هكذا دون سبب هل ستمانعين "

قالت مغادرة " افعل ما تريد ولكن لعلمك أنت بهذا تتسبب بسجنها لنفسها "

بعد وقت خرجت للمجلس الخارجي أدجن سيجارتي وبعد لحظات سمعت

صوتاً سقط في قلبي كقطعة النقود على الأرض الرخامية عذباً لا يمكن

وصفه وهوا يقول " رائد "

التفتت للخلف من فوري وكأني أخشى أن يكون هيئ لي فكانت قمر بالفعل

تقف عند الباب مستندة بالجدار ويداها خلفها ترتدي فستاناً قصيراً باللون

الأزرق بأكمام طويلة ورقبة مفتوحة وعقدة تتخللها بشريطه بيضاء

مددت يدي لها وقلت بهمس " تعالي "

هزت رأسها بلا دون كلام فقلت بهدوء " حسناً "

توجهت نحوها ووقفت أمامها وأمسكت وجهها وقلت " نعم يا قلب رائد "

قالت بنظرة حزينة معلقة في عيناي " تحبني ؟؟ "

قلت بابتسامة " الجواب لديك حبيبتي "
أغمضت عينيها ببطء وقالت " إذا اتركني فأنا لست لك "

تم فتحتهما ممتلئتان بالدموع وقالت

" لم أعد لك ولا لغيرك أنا انتهيت يا رائد افهمني أرجوك "

ضممتها لصدري وقلت " أنا من قتلك يا قمر , أنا سبب كل هذا وأشعر

بك وأفهمك ولكني بدونك أموت فافهميني أنتي أيضاً "

اكتفت بالبكاء في صمت وأنا أدسها في حضني أكثر وأحاول تهدئتها حتى

قالت بصوت مبحوح " أنا متعبة متعبة جداً "

قلت هامساً في أذنها " سامحيني يا قمر اغفري لي هذه المرة فقط "

ابتعدت عن حضني ودخلت مسرعة دون أن ترحمني وكأنها تريد

تعذيبي أكثر بما فعلت , مسكينة يا قمر تشعرين بالوحدة والضياع

وأن العالم يتخلى عنك وليس أمامك سوى حضن الرجل الذي خذلك

يوماً لتلجئي إليه وتبثي همومك عنده , رائد يا أحمق كنت تركتها

بتت كل همومها في حضنك لترتاح بدل الاستعجال في الحديث عن

ذنبك اتجاهها وطلب الغفران منها , تنهدت بحسرة ونزلت للأسفل

وعند نهاية المساء صعد أيوب للأعلى وجلست أنا على السرير

مظلماً الغرفة تائهاً وحائراً في أمري حتى سافر بي الليل الطويل

بعد وقت سمعت صوتاً عند الباب ففتحته ببطء فكانت قمر تجلس

عنده تحضن ساقيها وتدس وجهها بينهما فنزلت عندها وقلت هامساً

" قمر لما أنتي هنا !! "

فزِعتْ من صوتي وعادت للوراء قليلاً ثم قالت وهي تتنفس بصعوبة

" رائد "

قلت وأنا أمسح بيدي على وجهها " نعم رائد لا تخافي , ما بك يا قمر "

قالت بصوت متقطع من الخوف " الأعلى شخص ما هناك "

غطيت لها فخديها بفستانها القطني القصير الذي كانت ترتدي

كان قصيراً جداً وبحمالات رقيقة ثم حضنتها وقلت
" لا أحد هنا قمر أنتي تتوهمين ذلك بسبب الكوابيس "

هزت رأسها بلا وقالت وهي تدس وجهها في صدري

" حداء امرأة إنها امرأة تسير إنها هي رائد لقد جاءت "

حضنتها أكثر وقلت " لا يمكنها المجيء قمر لن تؤذيك أبداً "

غريب لما نزلت لي ! آه أيوب نائم مع مريم والأطفال عند جدتي

ولكن ما سر الحداء !! أوقفتها وقلت " تعالي سأصعد معك

حتى غرفتك , لا شيء هنا قمر "

تمسكت بي أكثر وقالت " لا لا أريد الصعود إنها في الأعلى لم

أستطع النوم حاولت ولم أستطع "

يبدوا حاولت أن تنام وهاجمتها الكوابيس إنها تفقدها سيطرتها على كل

حواسها وتنسى عدوها من صديقها , أدخلتها غرفتي تركتها على السرير

وصعدت للأعلى بسرعة أبحث في الممرات حتى فوجئت بصبا ترتدي

حداء والدتها وتسير به فقلت بصدمة " صبا ما تفعلين هنا في هذا الوقت !! "

قالت بطفولية وهي تدور حولي بحداء مريم العالي " لم أشعر بالنوم وجميعهم

ناموا , لا تخبر والدتي أني أخذت حدائها ستغضب مني "

أشرت بأصبعي للممر الذي يحوي الغرف وقلت آمرا لها

" عودي للغرفة حالاً ليس هذا وقت اللعب "

غادرت راكضة باتجاه الممر ونزلت أنا عائداً للغرفة , كانت قمر تحضن

الوسادة وتدس وجهها فيها , ترى ما أيقضها هذا الوقت لأنها ما كانت ستسمع

الصوت لو كانت نائمة لابد وأنها الكوابيس ويبدوا لي لا تنام أبداً , جلست

بجوارها على السرير أراقبها بصمت فكانت تهدي ويبدوا غفت , مسحت

على شعرها وقلت بهدوء " قمر استيقظي "

ابتعدت عن الوسادة ونظرت لي فقلت ماسحا على وجهها " كانت صبا لا أحد في الأعلى "

ارتخت عضلات يديها فسحبت منها الوسادة وكانت عيناها معلقتان في

الفراغ فلازال الخوف مسيطراً عليها , قبلت جبينها وقلت " قمر تسمعينني ؟؟ "

قالت بشرود " امممممم "

بقيت ألعب بغرتها في صمت وعيناها مفتوحتان حتى قالت بصوت

مبحوح " رائد لا تذهب "

ابتسمت وقلت " حاضر حبيبتي لن أذهب "

كيف سأذهب وهي في غرفتي ! ألهذا الحد هي خائفة , عدت لستر فخذيها

بالفستان الذي لا يستر شيئاً , كان اللحاف مكوما تحتها ولا يمكنني سحبه

لأغطيها به , كان منظراً يصعب أن أقاومه في وقت لا مجال فيه للقوة

اقتربت من أذنها وهمست " قمر "

قالت بذات شرودها " همممممم "

قبلت خدها وهمست " قمر اعذريني هذه الليلة , هل تمانعي !! "

لم تجب بشيء فقبلت عنقها ووجهها بشغف وكأني أبحث عن مكان لم

أقبله فيهما من قبل وهي على حالها لا تمنعني أبداً , أخرجت اللحاف

من تحتها غطيتها به ورفعت طرفه وتسللت تحته معها أشدها لحظني

برفق, كل ما أرادته هوا الأمان وأردت حقا طمأنتها من خوفها لكن ما

كنت أكبته لأيام وافتقده لشهور كان أقوى من كل شيء , استيقظت بعد

وقت لأجدها في حضني فدسستها فيه أكثر وعدت للنوم , بعد وقت طويل

شعرت بها تبتعد عني بقوة ففتحت عيناي ونظرت لها فكانت تنظر لي

بصدمة ثم نظرت لجسدها وشهقت فزعة ثم سحبت اللحاف وسترته به

قمت مستندا بمرفقي فقالت بنظرات مصدومة " ماذا فعلت ؟؟ "

قلت وأنا المس ذراعها العاري بطرف أصابعي " قمر اهدئي "

أبعدت يدي وقالت بحدة " ماذا فعلت ؟؟ "

قلت ونظري على عينيها " الذي يفعله الزوج مع زوجته وهي

بهذه الهيئة وفي حضنه "

توقعتها ستثور غضباً لكنها انخرطت في نوبة بكاء شديدة فجلست

واقتربت منها وأمسكتها وقلت " قمر توقفي عن البكاء "

أبعدت يداي بقوة وقالت " ابتعد عني ابتعد "

قلت بهدوء " قمر "

قالت صارخة " أصمت "

تم نظرت من حولها وأمسكت فستانها المرمي بجوارها ورمته مغتاظة

لأنها لن تستطيع الخروج به وعادت تبكي بشدة فخرجت من السرير

وأخرجت معطفي من الخزانة ووضعته على كتفيها فسترتْ به كل

جسدها وغادرت الغرفة راكضة , عدت للسرير وبقيت فيه لوقت

أتقلب وأرمي الوسائد وأتأفف كل حين حتى غلبني النوم , بعد وقت

استيقظت على أصوات في الخارج فخرجت مسرعاً فكانت جدتي

ورجال والد قمر يتحدثون بحدة فتوجهت نحوهم وقلت " ماذا هناك ؟؟ "

نظر أحدهم نحوي ورافع مسدسه في وجهي ..........



الفصل التـاسع و العشـرون

كنت أشعر بالضياع سنين حياتي الماضية بلا والدين ولا طفولة

ولا شيء ولا حتى رائد أما الآن فأشعر أن حتى الآ شعور غاب

عني رغم أني صرت زوجة رائد ووجدت والدي إلا أن تلك الهوة

عادت تعيش في داخلي , عندما استيقظت صباح اليوم ووجدت نفسي

في حضنه مجردة من كل شيء حتى ثيابي عادت بي الذكرى لمعاملته

لي كجارية كشيء يطفئ شهوته فيه , استغل تلك اللحظة ليثبت لي أكثر

أني مجرد وسيلة لغاية ما , كنت أعي كل ما حدت بيننا لكن حواسي

ترفض الابتعاد , الخوف يسيطر عليها والضعف أيضاً ... نعم لا أنكر

أن لمساته لازالت تشعلني همسه قبلاته حضنه أشياء لازلت أحتاج لوقت

طويل كي أقاومها وأنساها فلحظة استيقاظي صباحاً رفض عقلي تصديق

الواقع الذي عاشه وكان يدركه فخرجت من عنده وصعدت لغرفتي جمعت

أغراضي وثيابي خرجت من الغرفة وسمعت صوت أحد رجال والدي

يهدد أحدهم بالقتل فركضت مسرعة جهة السلالم وقلت صارخة بأمر

" توقف "

نظر باتجاهي وقال " عذرا سيدتي الأوامر أن أزيل كل

من يعترض تنفيذ أي أمر "

توجه رائد جهة السلالم وقال بصراخ

" عليك قتلي أولاً قبل أخذها من هنا "

قلت بغضب " مجنون أنا من طلب هذا فابتعد عنهم يا رائد "

نظر لي وقال " أين ستذهبين ولا أحد لك غير هنا أين "

قلت بألم " للجحيم فيما سيعنيك "

شد قميصه عند صدره بقبضته وقال بألم " كم أتمنى مرة مرة واحدة

يا قمر لا تندمي على ذلك صباحاً , لما تعشقين جرحي بعنف "

قلت ببكاء " لست جارية تعاملني كذلك ... فهمت لما "

قال باستنكار " كيف سأشرح لك كيف , لم أرك يوماً جارية

أنتي من سمم عقل نفسك بهذه الأفكار "

اتكأت على جدار السلالم وقلت بهدوء حزين

" بل هي أفضل مني وها قد أخذت ما تريد "

تخطينا الحدود ونسينا الأذان الكثيرة التي تسمعنا , الجدة وثلاث

رجال من الحراس ومريم عند باب المطبخ وأيوب الذي لازال في

غرفتها بل وتخطينا حدودا وضعناها لأنفسنا

مسح وجهه بيده وكأنه يهدئ نفسه ثم نظر لي وقال بهدوء " سأخرج أنا

من هنا وابقي أنتي فسوف يجن جنوني إن أخذوك لمكان لا أعرفه "

لذت بصمت فقال " اعتبريه الطلب الأخير "

مسحت دمعة تسللت من عيني وقلت موجهة كلامي لهم " غادروا "

خرجوا في الفور وتوجه هوا لغرفته وعدت لغرفتي راكضة

أغلقت الباب خلفي وارتميت على السرير أبكي بمرارة , من لي

حتى عمتي لا يمكنني حتى الاتصال بها لا نوران ولا والدي ولا
أحد و حتى مريم باتت لا تفهمني وعاطفتها تجرها جهة شقيقها

وأصبحت في صفه , مع من سأتحدث وأبث همومي وما أشعر به

أنا حقا ضائعة أشعر بالألم هنا في قلبي يتجسد في حب اسمه رائد

وفي جرح اسمه رائد وفي حزن اسمه أنا فلم أعد سوى جثة لفتاة

ماتت منذ شهور وفقدت كل شيء كان في حياتها وحتى الحزن

بعد مسيرة طويلة من البكاء جلست وأخذت هاتفي واتصلت برئيسهم

وطلبت منه أن لا يخبر والدي عما حدث ووعدني بذلك

بعد يومين غادرت مريم أيضاً فأنا لم أرها بعد ذاك الصباح ولم

أرى أحداً وبث شبه مسجونة لا أرى أو أعلم شيئاً خارج حدود غرفتي فهذه هي أنا لم أتغير ولا شيء لي سوى الوحدة والألم لا أحد لي سوى

الكوابيس والذكريات المؤلمة

ومر الآن أكثر من شهر على ذلك وجاء رائد إلى هنا مرة واحدة قبل

أسبوعين ولم يصعد لي أو يصر على رؤيتي واكتفى بالسؤال عني

وإيصال سلامه لي وغادر ولم أخرج أنا من غرفتي فترة وجوده هنا

كم عجيبة هي حياتنا وكم ضائعون نحن فيها لا فهمناها ولا أخذنا منها

ما نريد , مسحت دمعتي المتسللة ببطء في غطاء السرير وتنهدت بأسى

سمعت طرقات خفيفة على الباب فرفعت رأسي من تحت الوسادة ثم

جلست ومسحت بقايا دموعي وقلت " تفضل "

انفتح الباب ببطء ودخلت الجدة مبتسمة واقتربت وجلست بجواري , مسحت

على شعري وقالت بحنان " متى ستتوقفين عن البكاء وستجف هذه الدموع "

أمسكت طرف اللحاف ووضعته ويداي في حجري بقوة وقلت بحزن

" لست بخير جدتي أشعر أنني أختنق "

مسحت على وجهي وقالت بحنان " هل يؤلمك شيء قمر هل تشعرين بشيء

وجهك مصفر ومُتعب وجسمك في نحول مستمر "

قلت بشهقة باكية " قلبي يؤلمني إنه يتمزق لما لا أموت "

قالت بخوف " قمر لما هذا الكلام الآن هل تشعرين بشيء هل نأخذك للمستشفى "

هززت رأسي بلا ومسحت دموعي وقلت " لن يفعل لي الطبيب شيئاً "

تنهدت وقالت " رائد يتصل بي يومياً وأنا أخبره أنك تأكلين جيداً

وتخرجين من الغرفة وأن صحتك جيدة وكله غير صحيح , لن

أكذب عليه مجدداً يا قمر وسأقول الحقيقة "

اكتفيت بالصمت فمدت لي يدها تحمل شيئاً فنظرت له ثم نظرت

لها بحيرة وقلت " ما هذا !! "

قالت " أحضره رائد لأعطيه لك "

قلت بهمس " هل كان هنا "

هزت رأسها بنعم وخرجت بعدما وضعته على السرير فحملته

وأزلت الغلاف الورقي , كان كتاباً وغلافه صورتي التي رسمتها

لي أنوار في تلك اللوحة والعنوان ( اكتمال القمر ) وتحته

( كيف تفشل العلاقات العاطفية ) هذا كتابه العنوان ذاته لكن الكلام

تحته لم يكن هكذا بل كان ( كيف تنجح العلاقات العاطفية )

فتحت أولى فصوله ثم عدت لأوله فكانت صفحة الإهداء ومكتوب فيها

سطر واحد فقط ( أهدي هذا الكتاب لزوجتي الحبيبة قمر ) مسحت دمعة

تسللت من عيني وذهبت لآخره حيث الخاتمة وكانت كما كتبتها أنا وقد

ذكر أني من كتبها , انتقلت لنهايتها وكان مكتوب بخط مميز (لا تقتل

الورد يا من زرعت الورد في قلب طفولتي كم أخشى أن تقتل حبا في

قلب نبضاته تموت كل يوم فليمت الورد بدلاً عنه مئة مرة )

كانت مأخوذة من الكلمات التي كتبتها في طرف اللوحة مع تغيير

بسيط وكأنه يذكرني أن لا أفعل كما فعل هوا بي , أغلقت الكتاب

ولمحت بطاقة في حجري يبدوا سقطت منه فرفعتها فكانت دعوى

لحفل كتابه ويبدوا أنه لم ينشره بعد والحفل سيكون نهاية الأسبوع

قلبت البطاقة فكان مكتوبا خلفها ( لا تنسي موعدك مع طبيب القلب

يوم 9/2...... وسأتصل به بنفسي لأتأكد من ذهابك أو سوف آخذك

بنفسي مجبرة ) تنهدت ووضعت البطاقة في الكتاب

بعد أسبوع استيقظت مبكراً استحممت وارتديت بذله تليق بالمكان

ارتديت حجابي ومعطفاً شتويا ونظارة سوداء وخرجت , ودعت الجدة

وركبت السيارة السوداء المظلمة المتجهة بي فوراً للعاصمة تتبعها ثلاث

أخريات من نفس النوع واللون , وصلت للمكان المقصود

فتحت باب السيارة ونزلت ونظرت للقاعة من الخارج وتنهدت

يبدوا وجودي هنا غير مقنع ولكني اعلم جيدا ما سيتعرض له

رائد من إحراج في وسط الكُتاب والأدباء حيث الجميع يعرف

نورسين وأنها زوجته والكتاب مهدي لها فسيسأل الجميع عن

الزوجة الغائبة ففي الماضي لم يضعني رائد قط في موقف محرج

أمام عائلتي رغم ما كان بيننا وها هوا وقت رد الدين

دخلت بخطوات ثابتة ودخل خلفي الحراس وتوزعوا كي لا يشك

أحد في وجودهم من أجلي , نزعت نظارتي وتجولت بنظري في

المكان حتى وقع علي رائد يقف مع اثنين يتحدثان معه ولا يظهر

لي سوي جانب من وجهه , كان يرتدي معطفاً شتويا رصاصي غامق

يصل طوله عند ركبتيه وحداء من نفس اللون وبنطلون أسود ويضع

يديه في جيوبه ويتحدث بحرية مبتسماً فاقتربت ناحيتهم قليلا فالتفت

حينها رائد نحوي بسرعة ونظر لي بصمت نظرة بدون أي تعبير ثم

اقترب مني وقف بجانبي ووضع يده علي كتفي وسار بي لحيت تجمع

كبير ووقفنا بينهم وقال رائد " أقدم لكم زوجتي قمر صاحبة الإهداء

والخاتمة في الكتاب هل سترحمونني الآن "

نظروا لي وبدؤوا في مصافحتي مهنئين لي علي صدور كتابه

وبعضهم يبدي إعجابه بالخاتمة والبعض تحدث عن كتابي الوحيد

بعد وقت تفرق تجمعهم وبدأ عدد الحاضرين يقل , كنت أقف بجانبه

حين تحدث وعيناه على الباب بعيداً وقال بجدية " هل ستذهبين للطبيب "

نظرت للأرض وقلت بهدوء " الموعد بعد يومين تحدثت معه وسأزوره اليوم "

قال " يبدوا تفقدين وزنك بسرعة , جدتي قالت أنك تتناولين طعامك جيداً "

لذت بالصمت ولم اعلق فقال " قمر هل لي أن أعرف ما الخطأ

بي لتكرهي النوم معي هكذا "

نظرت له بصدمة وعيناه لازالت معلقتان جهة الباب ثم نظر لي وقال

ببرود " هل أفعل شيئاً لا أعي به ؟ هل بي ما ينفرك هل أنا

مقرف ومقزز ولا يمكنك استحمالي "

بقى نظري معلق بعينيه ثم ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت

" تبقى لا تفهمني يا رائد مهما طال الزمن "

نظر لي باستغراب فنظرت للبعيد وقلت ببرود

" كنا في وضع لا يسمح بفعل ذلك أم نسيت "

قال " لما تهربي من جواب السؤال "

نظرت للأرض وقلت " أنا لم أهرب من الإجابة أنت ترى أني

لا أنفع سوى لتلك الأمور ولا تحتاجني إلا ذاك الوقت "

ثم نظرت له وابتسمت بسخرية وقلت " سبق وقلتها لي يا

رائد ليست الزوجة فتنة وجمال وجسد متناسق "

هز رأسه وقال " هكذا إذا لم تتخطي الماضي ولم تنسي كل ما قلته فيه "

نظرت حيث ينظر جهة الباب وقلت بحزن " ليثني أستطيع نسيانه "

وضع يده على كتفي وهمس في أذني " أقسم لو ذبحتني

ولو قطع والدك لحمي بيديه فلن أتوقف عن حبك "

ثم غادر بعيداً عني وعيناي تتبعانه وشعرت حينها بيد سحبتني للبعيد

نظرت لصاحبتها فكانت فتاة ترتدي نظارة سوداء كبيرة وتضع أحمر

شفاه غامق يكاد يكون باللون الأسود وملابس سوداء وكأنها خرجت

من فيلم خاص بالإيموا ولولا أنه لا وجود لهم في بلادنا لقلت أنها منهم

سمعت صوت سلاح يفتح خلفي فأزالت النظارة صارخة ورافعة يديها

" هيه لا تقتلوني "

نظرت لها بصدمة ثم قلت " نوران !! "

احتضنتني وقالت " قمر كم اشتقت لك "

احتضنتها أكثر وقلت " نوران لا أصدق أنك هنا "

ابتعدت عني وقالت " عدنا لأيام معدودة وسنغادر فهربت إلى هنا

دون علمهم , قمر هل أنتي غاضبة مني ؟ هل سامحتني ؟ "

احتضنتها مجدداً وقلت بحزن " لست غاضبة كان قصدك

إصلاح الأمور وهكذا شاءت أقدار الله "

تنهدت وقالت بحزن " ما كنت سأسامح نفسي لو فقدتِ

حياتك يومها أنا آسفة يا قمر "

ابتعدت عنها وقلت بابتسامة صغيرة " إنسي الأمر وأخبريني

عن أخباركم وكيف علمتِ أنني سأكون هنا "

ضحكت وقالت " مخابرات سرية , علمت بموعد حفل الكتاب

وخمنت أنك قد تكونين هنا رغم أني كنت أستبعد ذلك لكن حين

رأيت زوجك المصون يراقب الباب كل حين علمت أنك قد تأتي "

ضحكت وقلت " مخابرات وتحليلات ومراقبة ما كل هذه التطورات "

ضحكت وقالت " للضرورة أحكام "

قلت " كيف دخلتي دون دعوى "

رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم لم يمنعني أحد تبدوا الدعوة عامة ولو

كانوا منعوني لدمرت لهم الدنيا حتى دخلت "

ضحكت وقلت " ابنة عمتي وأعرفك تفعلينها "

نظرت لشيء خلفي مستاءة فجاء صوت رائد قائلا من خلفي

" رُب صدفة "

لوت شفتيها وقالت بضيق

" ليس من أجلك ولا من أجل كتابك أتيت تفهم "

وقف بجانبي وضع يده على كتفي وقال ببرود

" وليس من أجلك أنا هنا "

لبست نظارتها وقالت مغادرة

" وداعاً يا قمر واعتني بنفسك كي لا تأكلك الذئاب "

كنت سأغادر خلفها فأمسك يدي وقال " علينا أن نتحدث "

نظرت لعينيه وقلت " رائد أرجوك لن نصل لحل فكم مرة

تحدثنا وانتهى الأمر أسوء مما بدأ "

ضغط على يدي بقوة حتى آلمتني ثم رفعها وأدخلها في معطفه

ووضعها على قلبه وعيناه في عيناي في صمت تام وبقينا على

هذا الحال لوقت ونبض قلبه يتسلل من يدي لكل جسدي حتى

بث أشعر بقلبه ينبض في قلبي ثم أخرجها قبل كفها بعمق وتركني

وابتعد فغادرت القاعة راكضة وركبت السيارة متجهة للمستشفى

كنت أفرك كف يدي محاولة إبعاد الشعور الذي سكنها ولازال فيها

حتى الآن وكأنها لازالت على قلبه , فركت وفركت وبلا فائدة

كنت أشعر بنبضه فيها ومكان شفتيه لازال عالقاً عليها وشعرت

بالعبرة تخنقني فوضعتها على قلبي وسافرت في بكاء طويل لم

ينتهي إلا حين وصلت للمستشفى ونزلت أسير ببطء ورأسي

للأرض وحزن كل العالم يعيش فيني , زرت الطبيب منصور

وحين خروجي مد لي بورقة وقال " عليك بالتغذية الجيدة وضعك

صعب وسيحتاج لمراقبة فنبضك ضعيف ونتائج التخطيط غير

مرضية لحد كبير "

أخذت منه الورقة واكتفيت بابتسامة وخرجت , قد أموت هذه

المرة موته أخيرة فحتى قلبي يبدوا مل من هذه اللعبة , غادرت

المستشفى للمزرعة فوراً وصلت وصعدت لغرفتي وأغلقتها خلفي

واتصلت بوالدي فأجاب من فوره وقال قلقا " قمر ما بك يا ابنتي "

قلت ببكاء " أبي أحتاج إليك متى ستعود "

قال بهدوء " لقد أفزعتني أخبرتك أن لا تتصلي إلا للضرورة "

قلت ببكاء أشد " لا أريد ولا يهم ما سيحدث لي , أبي أرجوك

تعال خذني معك أريد أن أكون معك "

قال " ما بك بنيتي هل ضايقك أحد ! هل زوجك قال لك شيئاً هناك ؟ "

قلت بعبرة " لا شيء لا أحد يضايقني "

قال " حسناً بنيتي كلها مدة قصيرة وتنتهي هذه الأزمة "

قلت بتشكك " هل تكذب علي قل أنها حقيقة "

قال بصوت مبتسم " أقسم أنها الحقيقة فاعتني بنفسك وبصحتك

قمر الطبيب قال أنك تحتاجين لعناية أكبر "

قلت بهمس " هل تحدث إليك اليوم وأخبرك "

قال " نعم سنتحدث عن كل شيء لاحقاً حسناً "

قلت بهدوء " حسناً اعتني بنفسك أبي من أجلي أرجوك "

قال " وداعاً حبيبتي الجميلة وبلغي الجدة وابنها سلامي "

قلت بهمس " وداعاً "

أغلقت الهاتف ومسحت دموعي وأحسست أن جزئا من نفسي

التائهة عاد إلي بسماعي لصوته , في اليوم التالي اقترحت عليا

الجدة أن نزور مزرعة ابنة خالتها التي تكون شقيقتها من الرضاعة

وهي والدة أنوار فوافقت بعد إصرار منها وقضينا لديهم ثلاثة أيام

كانوا عائلة مرحة وطيبة وكم سررت بزيارتهم والتعرف عليهم

وبعد أسبوع طرقت عليا الجدة الباب فقلت بهدوء " تفضلي جدتي "

فتحت الباب مبتسمة وقالت " كيف تعرفين أنها أنا "

قلت بذات الابتسامة " من طرقتك للباب ... تفضلي "

اقتربت وقالت بشيء من التردد في ملامحها " قمر بنيتي لدي

ضيوف يريدون زيارتي إن اعترضتِ أنتي عنهم اعتذرت لهم "

قلت بحيرة " ولما سأعترض عنهم !! "

قالت " إنها شقيقتي وابنتها سوزان لقد سبق وقالت أنهما تودان زيارتي

واعتذرتا وقتها وقد حدثت مشادة بيني وبين مريم ترفض زيارتهم

وأنتي هنا , إن كنتي لا توافقي تصرفت في الأمر "

قلت " حسناً سأبقى في غرفتي حتى ذهابهم فما ألمانع "

قالت " سيبقيان لأيام "

قلت بعد صمت " ليأتوا أنا لن أمانع وجود ضيوفك في منزلك "

قالت " أخشى من سوزان , قمر هي أكبر منك لكن عقلها أصغر

من عقلك فهل ستستحملين أي كلمة طائشة , أنا لن أسمح أن تهينك

أبداً ولكن لا أريد قول شيء قبل أن يصدر عنها تصرف سيء "

قلت بابتسامة " لا تقلقي جدتي واستقبليهم متى أردتي وإن أرادت

شيئاً فلتأخذه من يمنعها وإن لم تحصل على شيء فليس ذنبنا "

ضحكت وقالت " صدقتي ولكن بعض البشر يلقون باللوم على

غيرهم ومادام رائد غير موجود فلا خوف "

قلت " ولما الخوف من وجوده !! "

تنهدت وقالت " لا مأمن من مكائد النساء ومن غضب الرجال

مريم ستكون هنا فما أن علمت حتى قالت أنها ستكون معنا "

ضحكت وقلت " ولما تريد الحضور هل تتوقع حرباً ستقوم بيننا "

قالت ضاحكة " بل أقسمتْ أن تطردها إن ضايقتك ويبدوا لن نواجه

مشكلة غيرتها منك بسبب رائد بل بسبب حبنا لك ودفاعنا عنك "

قلت بامتنان " شكراً لك جدتي أنتم فعلا نعم الأهل "

مسحت على شعري وقالت بحنان " كم أتمنى طرد هذا الحزن

عنك لقد أحبك قلبي من يوم رأتك عيني أول مرة وكأنك جزء مني

ولستِ زوجة حفيدي المستهتر المجنون ولكنه تعلم درساً جيداً وبات

يهدي باسمك في الليل "

ضحكت وقلت " ومتى نمتِ معه "

قالت مغادرة " هناك من سمعه "

بقيت أنظر لمكان خروجها بحيرة ثم تنهدت وغادرت السرير

عليا أن أكون أقوى منها ومن ضعفي فلم يعد لدي شيء أخسره

وقفت أمام المرآة ونظرت لنفسي نظرة شاملة , لقد عاد لون وجهي

لطبيعته خلال هذان الأسبوعان وحتى جسمي بات يمتلئ شيئاً فشيئاً

عند المساء اتصلت مريم تتذمر لأن أيوب لا يمكنه المجيء هههههه

تبدوا مستعجلة على لقائهم , كم اشتاق لها فأنا لم أرها منذ ذلك اليوم

ويعز على قلبي أن أفارقها والجدة وأنوار فقد كن عائلتي في غياب أهلي

لم أستطع النوم هذه الليلة وكل الأفكار تأخذني وتعيدني تحسبا للأيام

القادمة فلا أريد أن أحرج نفسي مع الجدة ولا أن أحرجها أمام أقاربها

وكم أخشى من تقلبات مزاجي الذي بات يسوء يوماً بعد يوم

عند الصباح الباكر سمعت طرقات متتالية على الباب فأخرجت رأسي

من تحت اللحاف وقلت بعينان مغمضتان " نعم تفضل "

دخلت الخادمة وقالت " صباح الخير سيدتي , السيدة الكبيرة تطلبك

في المجلس الداخلي "

نظرت لها بعين واحدة مفتوحة وقلت " من معها "

قالت " السيدة رجاء وابنتها "

تنهدت وقلت " حسناً أحضري لي كوب حليب وخبز محمص "

قالت مغادرة " في الحال "

دخلت الحمام أخذت حماما سريعاً وساخنا وخرجت , جففت

شعري وارتديت فستاناً شتويا قصيراً وأنيقا ووضعت كحلا

لعيناي وأحمر شفاه باللون الزهري ومشطت شعري وجمعته

كله للأمام عند كتفي الأيمن وارتديت بعض الإكسسوارات بلون

الفستان , تناولت الخبز والحليب حسب وصايا الطبيب أن لا يخلوا

إفطاري منهما فجعلتهما إفطاري الوحيد وخرجت بعدها من غرفتي

قاصدة مكان وجودهم , وقفت عند الباب وتنفست بقوة فلست بمزاج

مشاكل مع أحد فمنذ فترة أصبح مزاجي سيئاً ولا يتقبل حتى المزاح

دخلت ملقية التحية فكانت هناك سيدة كبيرة في السن شيئاً ما ببشرة

بيضاء وعينان زرقاء واسعة وملامح

عادية وتبدوا على وجهها البساطة والطيبة وفتاة تجلس بجوارها

قمحية البشرة وزرقاء العينان كعيني والدتها , تداخل غريب في

الألوان ولطالما هذا النوع من البشر أشعرني بالغرابة وكأني أمام

صنف هجين منهم , بشرة ليست بيضاء مع عينان زرقاء , صادفت

غيرها الكثير بهذه الصفة وتبدوا أخذت لون هذه البشرة من والدها

أو أن والدها له عينان كعيناها فقد لاحظت هذا اللون الأزرق في

بعض أفراد عائلتهم حتى من أهل أنوار وعينا رائد من قرب باللون

الأزرق الغامق ووالدته بعينان زرقاء فاتحة وابنة مريم الصغرى

كذلك , ما أن رأتاني حتى نظرت لي السيدة بابتسامة أما الفتاة بصدمة

أو دهشة أو لا أعلم ما يكون , كانت تحدق بي حتى جلست بجوار

الجدة التي مسحت على شعري وقالت " هذه قمر زوجة رائد "

قالت السيدة رجاء بابتسامة " اسم على مسمى تشرفنا بمعرفتك "

قلت بابتسامة مماثلة " وأنا كذلك شكراً لك يا خالة "

أما العينان الأخرى فلازالت تحدق بي دون أن ترمش , كان لها

شعرا أسوداً ناعماً قصيراً وترتدي بنطلون من الجينز وكنزه شتوية

سوداء تمضغ العلكة وتفرقعها كل حين , تطرقت الجدة والسيدة

رجاء لمواضيع شتى وكنت أشاركهم الرأي فيها ويبديان إعجابهما

بأفكاري وطريقة طرحي لرأيي , تبدوا هذه السيدة متعلمة ونالت

شهادة عالية فيستحيل أن تكون غير ذلك أما الحجر الصامت فقد

نطق أخيراً وقال " لا أرى رائد هنا سمعت أنه مقيم في العاصمة "

بدأت أولى جولاتها إذاً , قالت الجدة " نعم "

قالت بابتسامة جانبية " ولما يترك زوجته تارة عند شقيقته وتارة

عند جدته !! هل هما متشاجران "

قالت الجدة ببرود فهي تفهم مصابها " قمر تعب قلبها وهي هنا

للراحة الطبية ورائد منشغل مع كتابه , لو كانا متشاجران

لذهبت لأهلها وليس أهله "

قالت بنظرة ساخرة ولهجت الغير مصدق " آه فهمت "

اكتفيت بالصمت فهذا الأسلوب الاستفزازي لا ينجح معي فليس

هناك من تحملت مثلي في حياتها ولم تتكلم , قالت بعد وقت

" ألازال رائد يعشق غرفته السفلية ؟ غريب رغم أن زوجته

في الأعلى تحجباً عن مروان !! "

تأففت الجدة وقالت " سوزان تسكتين دهرا وتنطقين شيئاً لا

علاقة له بما نتحدث فيه , ما الذي تريدين الوصول إليه "

كانت جملتها تلك أقسى من السابقة ويبدوا تعلم الكثير عما يجري

هنا , وضعتْ ساق على الأخرى وقالت ببرود

" من هوا زوجها لم تتحدث فلما انزعجتِ يا خالتي "

تم قالت بابتسامة سخرية

" أم كما علمت لا تتحملين فيها شيئاً مدللتك الجديدة "

قالت الجدة ماسحة على شعري " بل مدللة العائلة كلها وأولهم رائد "

نظرت لي نظرة استهزاء وهمست شيئاً لم أفهمه ولم أهتم لفهمه

لتحمد الله أني التزم الصمت عنها فلو فارت الكلمات في عقلي

أعرف نفسي جيداً سأجرحها بعنف ولكن الجدة بردت على قلبي

في كل مرة فما حاجتي لإظهار نفسي بمظهر سيء مثلها , نطقت

والدتها أخيراً التي على ما يبدوا لا شخصية لها مع ابنتها المتغطرسة

وقالت " سوزان هناك مواضيع كثيرة غير رائد تتحدثين فيها "

رمت شعرها للخلف وقالت ببرود

" رائد صديق طفولتي وحديثي عنه شيء عادي جداً "

ضحكت الجدة وقالت " لا صديقة طفولة لرائد أكثر من قمر

ثم مروان صديق طفولتك أكثر منه لما نسيته من حديثك "

تغير وجهها دليل الضيق ثم قالت بانزعاج

" وما بكم أنتم هل الحقيقة تجرح لهذا الحد "

فاض بي منها وذقت ذرعا من تماديها كنت أود المغادرة , كيف

سأستحملها لأيام ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى استوقفني من رأيته

ظهر فجأة أمام الباب يرتدي معطفه الأسود ويداه يدسهما في جيوبه

ألقى التحية واقترب مني دون أن يسلم على أي أحد منهم ودون أن

تتحجب تلك المتوحشة أو تهتم لوجود رجل غريب عنها

جلس بجواري ورفع ذراعه وضمني بها مطبقا بها على كتفاي

وصدري وقبل خدي وهمس لي " اشتقت إليك "

أنزلت رأسي للأسفل أبعد شعري خلف أذني وابتسمت ابتسامة

صغيرة من أجل تلك المغرورة , ابتعد عني ويده لازالت على

كتفي وقال بهدوء " كيف أنتما "

قالت والدتها مبتسمة " بخير كيف حالك أنت فلم نعد نراك "

أما ابنتها فكانت الدماء ستخرج من وجهها من كتمها غيظها

أمسك يدي ولعب بأصابعي قليلاً وقبل خاتم زواجنا ثم همس

لي " كيف كانت زيارة الطبيب "

ابتسمت ونظري للأرض ثم قلت بهمس " جيدة بعض الشيء "

قال بصوت منخفض " يعني النتائج غير مرضية "

اكتفيت بالصمت فقبل رأسي ووقف وسحبني معه لخارج المجلس

خرج بي للمجلس الخارجي وأوقفني مقابلة له فتحرك هواء بارد

فحضنت ذراعاي وارتجفت قليلاً فنزع معطفه ووضع على أكتافي

وقال " كيف جيدة بعض الشيء ما الذي قاله لك "

قلت بهدوء ونظري للأرض " قال أن النبض ضعيف وطلب

مني أن أحسن تغذيتي وغير لي العلاج "

قال بهدوء ممزوج ببعض الضيق " قمر لما لا تهتمين بصحتك "

نظرت لعينيه وقلت " ولما لا تفعل أنت ذلك لنفسك "

تنهد وقال " أنا شيء وأنتي شيء آخر "

تم ابتسم بحزن ونظر جانباً جهة المزرعة وقال " أنتي الآن لك

والدك الذي حُرم منك كل حياته وانتظرته كل عمرك وعليك

البقاء من أجله أما أنا فلا أحد لي "

نظر لعيناي فنزلت دموعي فشدني لحظنه وقال بحنان " عاقبني الله

يا قمر , بث أشعر بكل ما كنتي تشعرين به ... الوحدة الضياع إحساسك

أن لا أحد لك ولا أحد تتمسكين في الحياة لأجله , علمت الآن أي معاناة

كنتي تعيشينها معي في الماضي كما أني في الماضي شعرت بما تشعرين

به الآن أن ملاذك الوحيد أكثر شخص جرحك والحضن الذي تحتاج

لأمانه هوا آخر من تفكر في اللجوء إليه ودوائك هوا سبب جراحك

أنا أعذرك يا قمر وأعلم بما تشعرين الآن "

اكتفيت بالبكاء وأنا أمسك قميصه بقوة وأدفن وجهي فيه وهوا يشدني

لحظنه أكثر ولا شيء يشهد على مأساتنا سوى برد الشتاء ولا شيء

دافئ هنا إلا هذا الحضن الذي يحتويني فلا لجوء إلا إليه ولا ضياع إلا

فيه أبعدني عنه ومسح دموعي وعدل المعطف على جسدي ثم أمسك

وجهي وقال " قمر يوم تشعرين باحتياجك لي إن كنت ضمن الأحياء

فلا تترددي لحظة وإن كنت ميت فأكون قد يئست من انتظارك "

تم وضع يداه على كتفاي وقال ونظره للأرض مطأطأ برأسه للأسفل

" ليلة البارحة كانت آخر عمليات التمشيط العسكري لكافة الأجهزة الأمنية

في البلاد لقد بتروا بؤرة الشر وأصيب والدك في ذراعه لكنه بخير , الليلة

سيظهر ومجموعة من الضباط في القناة الأرضية "

نظر بعدها لعيناي وقبل شفتي وقال بحزن " اعتني بنفسك جيداً يا قمر "

وغادر بعدها على الفور وتركني واقفة مكاني لا شيء معي سوى

معطفه الذي تحركه الريح وأشده حول جسدي بقوة , دخلت راكضة

وتوجهت لغرفتي وأخذت هاتفي اتصلت بوالدي كثيراً ولم يجب ثم

وصلتني رسالة فتحتها فكانت منه وكان فيها ( قمر اعذريني أنا مشغول

الآن عند المساء سأتصل بك .... أحبك بنيتي )

مسحت دموعي وخرجت راكضة للمجلس الداخلي ونظرت بصدمة

وقلت " جدتي لما أنتي وحدك أين ضيفتاك !! "

ضحكت وقالت " غادرتا "

قلت بحيرة " ولما أليستا ستبقيان لأيام ! "

قالت رافعة كتفيها " هكذا حكمت سوزان وأخذت والدتها وغادرت "

قلت بصدمة " لماذا !! "

قالت ببرود " لحقت برائد وهوا يغادر , غابت لوقت ثم عادت غاضبة

وأمرت والدتها بالرحيل وقالت أنها لن تأتي هنا ثانيتاً لأنه أهانها "

قلت بحزن وعيناي للأرض " أنا آسفة يا جدتي كل هذا بسببي "

قالت بابتسامة " جنت على نفسها ما دخلك أنتي , ها أخبريني ما

الشيء الذي كنتي قادمة ركضاً لقوله "

قلت بابتسامة " والدي انتهت مهمته أخيراً وسيعود إلي "

وقفت وحضنتني مباركة لي وقالت " حمدا لله يا ابنتي "

وعند المساء كنت أمام التلفاز ولم أفارقه لحظة حتى عرضوا مجموعة

الضباط الذين قاموا بالعملية ووالدي كان يجلس معهم يده مربوطة لعنقه

تكلموا جميعهم حتى حان دوره وما أن بدأ بإلقاء تحية الإسلام حتى نزلت

دموعي من فورها ثم قال " كلنا فداء للوطن من أجله نحيا فهوا من أجلنا

كان فحتى إن بُترت يدي ما كنت لأتألم لفقدها في سبيله , لقد شهدت البلاد

الأيام الماضية عملية كبيرة لإنقاذها ممن يريدون الفتك بها فأشكر جميع

الضباط والعقداء وضباط الصف وكل من ساهم معنا من المخابرات للجهاز

الأمني الداخلي والخارجي لرئيس البلاد أولاً وأخيراً ولله قبل الجميع

وأعتذر من ابنتي الحبيبة قمر نور عيناي وحياتي المتبقية من خسرت والدتها

وطفولتها بسببهم , هي فخري وعزتي ومَن أنا مِن أجلها أعيش باقي أيامي

وأشكركم على إتاحة ... "

انخرطت في نوبة بكاء شديدة والجدة تهدئني , كانت المرة الثانية في حياتي

أبكي فيها من سعادتي والسبب نفسه عودة والدي لي , بعد قليل رن هاتفي

فكان والدي المتصل أجبت على الفور فقال بصوت مبتسم

" لما البكاء قمر لو فقط أعلم ما الشيء الذي لا يبكيك "

قلت بسعادة وأنا أمسح دموعي

" أبي هل أنت بخير حمداً لله الذي ردك لي سالماً "

قال " بخير بنيتي مجرد خدش بسيط طمئنيني عنك كيف صحتك "

قلت ببحة بسبب كثرة البكاء " بخير متى ستأتي لأخذي معك "

قال بعد ضحكة " لا يسمعك أحد هناك ويضن أنك

متضايقة من وجودك معهم "

قلت بابتسامة " لا أحد سوى الجدة وهي تعلم أني أحبها

وأريدك أن تأتي سريعاً "

قال " يومين فقط حبيبتي لأني مشغول وسآتي لأخذك معي

لمنزلنا ولن نفترق ثانيتا حتى الموت "

قلت بهدوء " لن أعطلك عنهم , اعتني بنفسك أبي وعد سريعاً "

قال بحنان " بالتأكيد بنيتي سأكون لديك ما أن ننتهي من باقي عملنا

وداعاً الآن ولا تنسي أن تبلغيهم سلامي "

بعد يومين قضيتهما في الانتظار ولم أنم فيهما لحظة ولم يكن رائد

موجوداً وغادر منذ كلامه معي في المجلس , جاء أخيراً الوقت الذي

سيأتي فيه والدي دون تخفي ولا تنكر ولا خوف ولا حراس

كنت أقف في الخارج رغم إصرار الجدة أن أدخل عن البرد لكن قلبي

لم يطاوعني ولو كان الأمر بيدي لخرجت للطريق لانتظره

دخلت سيارته بعد وقت فهم تركوا الباب مفتوحاً بطلب مني ليدخل

مباشرة , اقترب بسيارته ونزل منها فركضت نحوه وارتميت في حضنه

باكية وهوا يمسح على رأسي ويقول " اشتقت لك قمر كم اشتقت لك "

كنت أبكي فقط وأتمسك به بقوة وكأنه سيطير مني أو يختفي ثم قلت

بعبرة " أحتاجك والدي أقسم أنني أحتاجك "

أبعدني عن حضنه ومسح دموعي وقال " لن تبقي بلا سند بعد اليوم

لن تنهاني ولن يجرحك أحد ولا بكلمة وسأمسح الأرض بمن يضايقك

يا ابنتي الغالية "

نمت في حضنه بهدوء وقلت " حتى آخر العمر أبي لا تتركني أبداً "

قال بابتسامة " هيا دعيني أدخل وأسلم على الجدة

وابنها وأشكرهما لنغادر "

دخلنا وودعت الجدة بحرارة وكان وداعاً مؤلما فكم اعتدت عليها وكم

أحببتها لتعاملها معي , صافحها والدي وقال بجدية " شكراً لك لما فعلته من أجل ابنتي فلن أنسى جميلك ما حييت وأي شيء تحتاجانه اتصلا بي

فقط رقم هاتفي مسجل لدى ابنك "

قالت بابتسامة " لا تشكرني على واجبي هي في مقام أحفادي

بل في قلبي أغلى من الجميع , نِعم ما أنجبت وربيت يحفظك الله

لها ويحفظها لك واعتنوا بصحتها جيداً فهي تهملها كثيراً "

قال مبتسماً " لا تخافي أنا لها بالمرصاد , شكراً لكما مجدداً

واعذرينا علينا المغادرة للوصول قبل المساء "

قالت " ألن تتناول العشاء معنا ؟! "

قال " في المرة القادمة سأزوركم وقمر ونتناول الغداء والعشاء "

قالت مبتسمة " مرحباً بكما في أي وقت واعتبرا المزرعة

بيتكما الثاني ولا تنسونا "

خرجنا مغادرين وركبت سيارة والدي للمرة الأولى ويدي في يده

طوال الطريق أنظر له غير مصدقة , أخذني لمكان غريب ومقطوع

وقال " هيا انزلي يا قمر "

قلت باستغراب " أين نحن !! "

قال مبتسماً " والدتك ألا تريدين زيارتها "

نزلت دموعي وقلت بحزن " قبرها هنا ! لما وحيد في مكان مقطوع "

قال بحزن " هكذا حكمت الظروف حينها هيا انزلي "

نزلت معه وكان الريح البارد يعصف بثيابنا بشد
 
الفصل الثامن و العشـرون + الفصل التـاسع و العشـرون

كنت أسمع عن اليأس الذي يجعل صاحبه يكره الحياة ولم أعرفه وأجربه

إلا حين ضننت أن قمر ميتة , وكنت أسمع عن تحكم أحدهم في مزاجك

حد أن يوصلك للثمالة بقبلة صغيرة ولم أعرف ذلك أيضاً إلا اليوم لتجعلني

قبلتها الأولى لي منذ تزوجتها أفقد نصف حواسي وأنزل تحت المطر وكأني

لا أراه موجوداً ولا أشعر به , لم أجرب الخمر يوماً ولكن إن كان كهذا فقد

علمت الآن لما هوا محرم , وصلت عند أشجار اللوز وازدادت نوبة السعال

عندي حتى ضننت قلبي سيتوقف ورئتي ستخرج من فمي فجلست تحتها

بعدما فقدت أغلب الهواء في رئتاي من كثرة ما سعلت , كنت أجلس على

الأرض المليئة بأوراق الأشجار الصفراء الممتلئة بالمياه وحبات المطر تنزل

على رأسي وأكتافي ورئتاي تتقطع وجسدي بين الماء والماء , بعد وقت

طويل هدأ المطر قليلاً فوقفت بصعوبة وسرت مستنداً بكل ما مررت به

حتى وصلت المنزل ودخلت لا أرى سوى الأرض تحتي وما أن خطوت

بضع خطوات حتى خارت باقي قواي ولم أشعر سوى بالأرض تناديني

لحضنها ولم أسمع سوى صوت قمر تصرخ باسمي ولا أعلم إن كانت

وحدها هنا أم معها أحد ولم تلتقط أذني غير صوتها أو أنه هيئ لي كل

ذلك , بعد وقت فتحت عيناي ببطء ووجدت نفسي على سرير غرفتي

وأول من وقع عليه بصري كانت مريم تجلس بجواري وقمر تقف عند

الباب وما أن نظرت لها حتى فتحته وخرجت وأغلقته خلفها بهدوء

قالت مريم وهي تضع يدها على جبيني

" رائد هل أنت بخير , حمداً لله حرارتك بدأت تنخفض "

قلت بصوت متعب " بخير ... قمر ما بها "

نظرت خلفها ثم لي وقالت " ترفض قول غير أنها بخير لكن

وجهها لا يقول ذلك وتبدوا تصارع الألم "

قلت " لما لم تأخذوها للمستشفى "

تنهدت وقالت " مع من وأنت طريح الفراش والبقية في الحقول , لقد

فزعتْ لرؤيتك تسقط , إن كنت أنا التي قلبي سليم لازال يرتجف

حتى الآن فكيف بها هي "

سعلت قليلاً ثم قلت " ورجال والدها ما نفعهم هنا , كنتم طلبتم منهم أخذها "

قالت " فكرت في ذلك لكني خفت أن تغضب "

أمسكت اللحاف عن جسدي ثم نظرت لها وقلت

" من غير لي ثيابي "

قالت وهي تعيده على صدري " قمر طبعاً فوحدها يمكنها

فعل ذلك فهي زوجتك والرجال لا أحد منهم هنا "

تنهدت واكتفيت بالصمت فقالت بلوم

" رائد ما هذا الجنون كيف تخرج هكذا في جو كهذا !

ماذا لو لم تصل للمنزل "

نظرت للسقف وقلت بحزن " قالت ستتركني للأبد يا

مريم , سترحل مع والدها وتتركني "

أمسكت يدي وقالت " وهل ترى خروجك في هذا الوقت

هو الحل ! هل تهرب من الواقع بقتل نفسك "

سعلت مجدداً ولذت بالصمت فتنهدت وقالت " قمر تعبت بسببك كثيراً

أنت شقيقي وأحبك لكن الحقيقة كذلك فأنا من عشت معها شهرين

متواصلين ورأيت ما تعاني من مشاعرها اتجاهك من شوقها وحبها

وخذلانك لها وتركها , كانت تموت شيئاً فشيئاً وأنت لا تعلم

كانت ترى عذاب تركك لها أسوء من عذابها معك وأنت تضن

أن بعدها سيكون أفضل "

تساندت بمرفقي وجلست فأمسكت كتفي وقالت

" رائد أنت متعب فلا تتحرك "

قلت وأنا أنزل قدمي من السرير " سأطمأن عليها بنفسي "

قالت وهي تمسكني بقوة " لن يزيد هذا الأمور إلا سوءً , رائد

أرجوك الضغوط النفسية سيئة لها فيكفيها اليوم "

ارتميت على السرير من جديد وقلت

" اذهبي لها إذاَ ولا تتركيها وتعالي لطمأنتي "

تنهدت بقلة حيلة وغادرت وطال غيابها فغادرت السرير رغم تعبي

وصعدت السلالم حتى وصلت غرفتها , طرقت الباب بخفة ففتحت لي

مريم ونظرت لي بصدمة وقالت

" رائد ما جاء بك هنا وأنت متعب يالك من عنيد "

قلت مستنداً بيدي على الجدار " أنا بخير كيف هي الآن "

هزت رأسها بيأس وقالت " كلما غفت قليلاً استفاقت مفزوعة , تبكي

تارة وتنادي في منامها والدها و أنت وشيء في التنين لا أفهمه "

أبعدت يدها وأنا أقول " سأدخل لها "

أمسكتني وقالت " رائد لن ترضى قمر وجدتي ستغضب إن

علمت , هي نائمة الآن فاتركها أرجوك "

أبعدتها عن طريقي متجاهلاً كل كلامها ودخلت , كانت نائمة تحتضن

الوسادة بقوة وتخفي وجهها فيها فجلست بجوارها على السرير أمسح

على شعرها بحنان فأبعدت وجهها عن الوسادة وفتحت عيناها ونظرت

لي فمسحت الدموع من عينيها وقلت بابتسامة وأنا أمسح على وجهها

" نامي يا قمر أنا ومريم هنا ولا شيء آخر حبيبتي ... نامي الآن "

أغمضت عيناها ببطء دون كلام وعادت للنوم , بعد قليل ارتخت يداها

عن الوسادة فنزعتها منها وغطيتها جيداً وقبلت جبينها وجلست بجوارها

وغادرت مريم لأبنائها وبقيت وحدي معها أمسح على وجهها وأقبل

خدها كل حين وكأنها إكسير الحياة الذي سوف يبقيني صامداً بجوارها

وابتسمت لملامحها بحب حين تذكرت كلماتها التي قرأتها في كتابها إكسير

الحياة فرددتها بهمس ( لا تعشقوا الوجوه فهي لن تعشقكم أبدا بل وحدها

القلوب مراسيل البشر إليكم وجسركم الوحيد للوصول فهي من تستحق

العشق وأنتم من تستحقون من تعشقه فلا تجعلوا ملامح البشر جسركم

الوحيد للتواصل معهم )

بعد وقت قالت بهمس وعيناها مغمضتان " رائد لا تذهب "

مسحت غرتها للأعلى وقبلت جبينها وقلت

" لن أذهب حبيبتي نامي الآن "

فعادت للنوم من جديد وتبدوا لي في غير وعيها أو الخوف من الكوابيس

سيطر عليها وإلا ما كانت طلبت مني كهذا الطلب , كنت بحاجة للنوم أكثر

من أي يوم لكني ما كنت سأرد طلبها مهما كان مستحيلا , بقيت بجوارها

لساعات حتى سمعت أذان الفجر عندها قبلت جبينها وخدها وقلت هامساً

في أذنها " قمر استيقظي إنه وقت الصلاة "

وغادرت الغرفة ونزلت لغرفتي صليت الفجر ونمت لساعات طويلة

واستيقظت عند الظهيرة , استحممت وغيرت ثيابي صليت الظهر

وخرجت فسمعت صوتاً لنقاش حاد فخرجت ابحث عنهم فكانت جدتي

ومريم تتناقشان بعصبية وجدتي تقول

" لن أطرد ضيوف يأتون لبيتي وقمر لم يعد يعنيها أمره "

قالت مريم بضيق " بلي سترين بعينك ما ستكون نتائج ذلك

ولا تنسي أنني حذرتك مسبقاً " ‏

قالت ببرود " لن أفعلها أبداً وأطرد شقيقتي وابنتها من أجل ترهات

إن كان يريدها ما تزوج بغيرها وهي تعلم ذلك جيداً " ‏

قالت مريم بحدة " لن تأتي إلا لأجله أو لأجل إغاظة قمر

فجنبينا المشاكل يا جدتي " ‏

صرخت بها " احترميني أنا لست أكبر أبنائك‎ ‎‏"

تأففت مريم وخرجت فاصطدمت بي وقالت مصدومة

" منذ متى أنت هنا !! "

قلت " منذ قليل .... ما بكما ؟ "

قالت مغادرة " الآنسة سوزان اشتاقت لخالتها , أقسم إن

ضايقت قمر طردتها بنفسي "

لحقت بها أمسكت ذراعها وقلت " ولما تضايقها إن كانت ستأتي

لساعات قليلة وتذهب ! ماذا هناك يا مريم ؟ "

قالت بغضب " سيدة الدلال تريد البقاء ليومين هذا إن لم يكن أكثر "

قلت بهدوء " سأخرج أنا إذاً "

هزت رأسها وقالت " لن يتغير شيء ولن تسلم منها أعرفها جيدا "

قلت " متى ستأتي "

قالت مغادرة " نهاية الأسبوع فكم أخشى من نتائج قدومها "

ابتعدتْ قليلاً فاستوقفها صوتي منادياً " مريم "

التفتت إلي فقلت " كيف هي الآن "

قالت بهدوء " أفضل ... تبدوا لي نامت جيداً البارحة "

هززت رأسي بنعم ثم قلت " أريد التحدث معها "

قالت بضيق " رائد لا نريد أن نخسرها يكفي يوم الأمس السيئ "

قلت بتذمر " لما كنتي تساعدينها في الماضي وأنا الآن

لا , مريم لا تكوني ظالمة "

قالت بضيق أكبر " مهما أحببتها فلن أحبها كشقيقي , رائد أنا

أخاف عليها يكفيها ما لقيت حتى الآن "

قلت بهدوء " وإن قلت لك أرجوك هذه المرة وافعليها من أجلي "

قالت باستسلام " أنا حقاً أريد المساعدة , لكن رائد أرجوك لا تقسوا

عليها بكلماتك مهما قالت "

قلت بابتسامة حزينة " وبأي قلب سأفعلها "

قالت " حسناً والمطلوب مني الآن "

قلت " تخرجيها وحدها للمجلس الخارجي وتلهي جدتي عنا "

قالت وهي تصعد السلالم " أمري لله خدمات دون مقابل "

استوقفتها مجدداً وهي في آخر الدرجات وقلت " هل سألت عني اليوم "

نظرت لي بصمت مطولاً فقلت بتذمر " مريم بالله عليك تجيبي "

قالت ببرود " لا أستطيع "

قلت " ولما "

قالت " إن سألتْ عنك فلا يمكنني قول ذلك لك فهذا لن يعجبها

وإن لم تسأل عنك لا أستطيع قول ذلك لك كي لا أجرحك "

قلت بإصرار " لن يجرحني ذلك فقولي "

قالت وهي تصعد " يالك من محتال يا رائد وورطتني , إن قلت لن

أجيب فستعلم الجواب ... ذكائك يكفي لتفهم "

ابتسمت لها وهي تصعد ... سألت عني إذا , راقبتها حتى اختفت وغابت لوقت ثم

نزلت ومرت بجواري وقالت " تمت المهمة وسأذهب لجدتي , لا تتأخر كثيراً مفهوم "

ابتسمت لها وصعدت من فوري أقفز الدرجات قفزاً ودخلت المجلس فكانت

تقف تشاهد المزرعة ترتدي بنطلون قصير من الجينز الأبيض يصل طوله

لنصف الساق وكنزه شتوية بيضاء طويلة مفتوحة ومغزولة بثقوب واسعة

يظهر من تحتها القميص الأحمر الضيق , ترتدي حداء أحمر وتربط شعرها

للخلف بشريطه حمراء وتقف مكتفة يديها , اقتربت منها ببطء حتى صرت

خلفها وهمست لها " هذا أنا حبيبتي لا تفزعي "

طوقت خصرها برفق وقبلت عنقها ونظرت لما تنظر إليه بصمت

بعد قليل قبلت خدها وقلت " هل يمكننا التحدث الآن عن كلامك بالأمس "

قالت بهمس " لا "

قلت وشفتاي على عنقها " ولما لا دعينا نصل لنتيجة ترضي كلينا "

قالت بهدوء " رائد لا أريد جرحك بكلماتي لنصبح اليوم في

محرقة جديدة من سجائرك "

قلت وأنا أستنشق خدها وشعرها " تخافين على صحتي إذا "

كنت أشعر بارتجاف جسدها بين ذراعاي مما أفعل فزدت من شدي لها

أكثر وقلت وأنا أقبل عنقها عدة قبلات " لما الصمت حبيبتي "

خرجت منها أنة صغيرة وقالت " رائد اتركني أنت تؤلمني "

قلت هامس في أذنها " ليس قبل أن تجيبي "

قالت بحزن " لأنك كنت تخاف على صحتي في الماضي أو .... تشفق علي "

أرخيت من قبضة ذراعاي وقلت بهدوء

" إذا تشفقين علي أم لا تريدي أن تحملي لي جميلاً "

أكتفت بالصمت , علمت الآن كم كان قاسيا على قلبها كوني أشفق عليها

نعم كم ذلك قاسي وعلمت لما كانت تقول أنها لا تريد شفقة مني , هيا خذي

بحقك مني يا قمر خذي , همست في أذنها " ليست الشفقة أريد "

لاذت بالصمت فقلت بهدوء

" قولي ما كنت أقول لك قوليها يا قمر هي من حقك الآن "

طأطأت برأسها حتى شعرت بدمعتها تسقط على يدي الملتفة حول خصرها

وقالت بحزن " لا أريد أن أكون بقسوتك لأنك لن تشعر بما كنت أشعر أبداً

لقد مات الورد يا رائد وانكسر ذاك الشيء للأبد "

ابتسمت بحزن .... لا تكذبي على قلبك يا قمر فارتجافك بين ذراعاي أكبر

دليل فقط جرحك مني كبير وعميق , قلت بعد صمت

" لو كنتي مكاني ما كنتي ستفعلين صارحيني "

قالت بسخرية وقد عادت بنظرها للبعيد " كنت سأحبك فهذا فقط ما أتقنه "

رفعت ذراعاي عند كتفيها وصدرها ضممتها لي بحنان وقلت

" ها قد اعترفتِ أنك لا تتقنين سوى الحب فما تغير الآن "

شهقت بعبرة ثم قالت بنفس متقطع من البكاء " مذكرتي كانت لديك وكنت تعلم ما

أشعر اتجاهك ومنذ طفولتي وكان كل ما في قلبي يظهر أمامك جليا في كل نفس

أتنفسه لكن القسوة حجبتك عن رؤية ذلك "

تم أمسكت بيديها ذراعاي المطوقتان لكتفيها ودست وجهها بينهما وقالت ببكاء

" كنت أحبك بجنون ولكنك لا تعرف الحب , أعشقك في كل نفس أتنفسه وأنت

تكرهني حد جرحي باستمرار , أخاف عليك من الهواء البارد ليلا وأنت تنتقم

مني وتقتلني , لم أكن عادلة مع نفسي كنت أستنزف كل مشاعري وأهبها لك

وكنت أنت بلا مشاعر تقتل ذاك الحب النقي "

دسست وجهي في شعرها وقلت بحزن " بل كنت أحبك رغماً عن أنفي وعن

قلبي وانتقامي كنت أحبك وأضحك من مريم كلما قالتها لي ليس لأنها ليست

حقيقة بل لأني أهرب من الاعتراف بها , كانت أمامي قمر الطفلة البريئة
وقمر الزوجة الجميلة مقابل ضوء القمر الخائنة اثنين مقابل واحدة فانتصرتا

في النهاية عليها ويوم عدنا من المزرعة كنت قد قررت التحدث معك في

الأمر لكنك سجنتِ نفسك فاحترمت عزلتك وانتظرتك لتخرجي ولم أتخيل أن

تخرجي جثة هامدة من حضني للمستشفى للمجهول , فلك أن تتخيلي إن كانتا

اثنتين انتصرتا على الحقد في قلبي فكيف بكم الثلاث مجتمعات بعدما علمت

الحقيقة , أقسم لك يا قمر أن قلبي يكاد يتفجر حبا لك ولو كانت خلايا الجسد

تتحدث لقالتها لك كل واحدة منها على حدا , عامليني بقسوة خذي بحقك مني

اكرهيني حتى ولن تكوني إلا حبيبتي "

أبعدت يديها ووجهها عن ذراعاي وقالت

" أنت لا تغفر لأحد دون سبب فأعطني شيئاً أغفر لك به "

أبعدت يداي عنها ولففتها جهتي وقلت وعيناي في عيناها الدامعتان

" حددي وأنفذ "

نظرت للأسفل و قالت بحزن " أريد أن أنسى كل ما حدث ويُمسح

من عقلي نهائيا فهل تستطيع ؟ "
أمسكت وجهها بيداي ورفعته إلي وقبلته في كل مكان فيه ثم وضعت

أنفي على أنفها وقلت " الحسنات يذهبن السيئات يا قمر أليس كذلك "

قالت والدموع تتدحرج من عينيها " لم أستطع فانسني يا رائد أنا لم أعد لك "

تم قالت وهي تمسك يداي وتبعدهما عنها " يكفي حتى هنا لا أريد جرحك

بأبعادي لك عني لترجع لحرق رئتيك مجدداً بسببي , رائد أرجوك يكفي وغادر "

ابتسمت لها وقبلت جبينها وقلت مغادراً " كما تريدين حبيبتي "

نزلت للأسفل ووجدت حيدر وأيوب فنظرت لهما وقلت " ما جاء بكما قبل الموعد !! "

ضحك أيوب وقال " هربنا مثلك , ها ما الأخبار "

قلت مغادراً جهة غرفتي " كما هي عليه "

قال أيوب وهوا يتبعني " وما تفعل كل هذا الوقت ؟ "

جلست على السرير وقلت " أي وقت وأنا وصلت بالأمس ولحقتم

بي اليوم , يالا خططكم الفاشلة "

قال واضعاً يديه وسط جسده " دبرنا بينكم كم لقاء , أنزل حيدر زوجته مرغمة

ذاك المساء لتبقى قمر وحدها في الأعلى وتنزل هي أيضاً وأجبرها على التحجب

لتأخذ أنت راحتك واتفقت ومريم على قدومك بالأمس , كل هذا ولم نساعد "

تنهدت بضيق وقلت " إن عاد والدها فسأخسرها للأبد وسيطلقها مني بكل

سهولة وأنا لم أتقدم ولا خطوة حتى الآن "

جلس معي على السرير وقال " عاملها بالوجه الآخر إذا بما أنه لم ينفع هذا الوجه "

قلت ببرود " لقد أقسمت على نفسي حين شككنا في حقيقة موتها أني لو

وجدتها حية فلن أقسوا عليها ما حييت "

ضحك وقال " لقد ورطت نفسك كيف ستعيش معها كل العمر

دون أن تقسوا عليها أحياناً "

تنهدت وقلت وأنا أهز رأسي " أقسم لن افعلها فلتعش معي

أولاً فقد بث أرى ذلك بعيداً جداً "

قال بحيرة " والحل إذا !! "

قلت " لا حلول على ما يبدوا "

وقف من فوره وفتح باب الغرفة وأخرج رأسه وهوا ينادي حيدر بصوت

مرتفع وما كذب الآخر الخبر وكان في لحظات لدينا , دخل وأغلق الباب

وقال " ماذا هناك "

ضحكت فقال بتذمر " ما المضحك أنت "

قال أيوب " دعانا منكما الآن ونريد مخططا جديداً "

قال حيدر " إن كان اليوم لا بأس غدا صباحاً سأغادر وزوجتي , لن

أستطيع التغيب أكثر من هذا "

قلت " أخرجاني من دماغيكما لم أعد أريد خططاً , خذ زوجتك يكفي "

أمسكني من يدي وقال وهوا يسحبني معه " أتركنا من هذا الآن وتعال معي فأنت

من يمكنه الصعود للأعلى , أريد معرفة سبب كل هذا الضحك الذي يصل للأسفل "

قلت وأنا اتبعه مجبراً " ولما لم تتصل بزوجتك وتعلم منها "

قال " لم تخبرني لأنها تعرف أنه لا يمكنني الصعود إليهم وزوجتك

هنا , بسرعة باغتهم حدسي يقول ثمة شيء يخفينه "

دب الفضول في جسدي وصعدت بخطوات خفيفة , كان بالفعل ضحكهم

غير طبيعي , وصلت للأعلى فكان الصوت يخرج من جهة طاولة الطعام

غريب ليس هذا وقت الغداء فما يفعلونه هناك !! نظرت لهم من خلف الباب

بحيث لا يرونني فكن جالسات على الطاولة وكل واحده منهن بيدها قلم

وورقة يكتبن أو يرسمن شيئاً ويضحكن على أوراق بعض وحتى صبا

مثلهم , دخلت ببطء فرأتني قمر المقابلة لي وفتحت فمها وعيناها من

الصدمة فأشرت لها بأصبعي أن تسكت , وصلت عند مريم التي

تعطيني ظهرها وأنوار كانت مشغولة مع ورقتها وكانت مريم تقول

ضاحكة " قمر لقد أبدعتي في رسمه لو رآها لقتلك "

استللت الورقة منها بخفة وسرعة فشهقت هي ورفعت أنوار رأسها

مصدومة ووقفت قمر وركضت مغادرة فأمسكتها من ذراعها وأعدتها

نحوي , نظرت للورقة فكانت رسمه لي والسيجارة في فمي والدخان

يخرج من أنفي وحاجباي معقودان خط واحد دليل الغضب , نظرت

لها فأخفت وجهها في يديها فانتقلت جهة أنوار وقمر ذراعها في يدي

أسحبها معي وأخذت الورقة من أمامها فكانت رسمه لحيدر ورأسه

مفتوح وتخرج منه الكتب والمعلومات وعيناه عينا أحمق , أنوار طبعاً

رسامه والورقة فيها ملامحه بحرفية , ضحكت كثيراً وأنا أنظر لها ثم

انتقلت لرأس الطاولة حيث كانت تجلس قمر وأخذت ورقة مريم من

هناك وكانت رسمه لأيوب يركب محراث ويضع رداء سوبر مان جسده

كبير والمحراث تحته وكأنه دراجة أطفال فلم أستطع إمساك نفسي فعدت

للضحك مجدداً بهستيرية فقفزت صبا وقالت " وأنا رسمت خالي مروان "

أخذت منها الورقة فكانت ألرسمه الأشد رعباً ملامح لا تعرف من أين

جاءت بها وكان يركب حصانا هوا أقرب للحمير من الأحصنة , كنت

أضحك حتى كدت أفقد توازني واستندت بالطاولة فقالت مريم بضيق

" رسمت قمر الوحيدة التي لم تضحك عليها لما يا ترى ؟

هل لجمالها أم لأنها تخصك "

نظرت جهة قمر التي لازالت في قبضتي تنظر للأرض وتعظ شفتها

في خجل وارتباك فقربتها مني أكثر وقبلت خدها وقلت

" مقبولة من قلبي وحبيبة قلبي "

حمحمت مريم وقالت " يا عباد الله بيننا أشياء صغيرة هذا لا يجوز "

ثم وقفت ومرت بجواري ووقفت قائلة بهمس وغيض

" تعبت من كثرة أسئلة أطفالي الكثيرة عما تفعله أيها العاشق "

ضحكت وقلت " حسابك ليس لدي بل لدى صاحب الصورة "

شهقت بقوة فخرجت من فوري وهما تتبعاني وتتوعدانني إن أريتها لأزواجهم

ولكني لم أكترث , وصلت للأسفل فكانا حيدر وأيوب في انتظاري وزوجاتهما

طبعاً لم يستطيعا النزول خلفي , رفعت الأوراق أمامهم وقلت " جلبت لكم سبب

كل ذاك الضحك لقد كن يرسمننا كل واحدة ترسم زوجها والأخريات يضحكن "

أخذوا الأوراق من يدي وكل واحد على ملامحه الغضب فضحكت وقلت

" تبادلا الورقتين وسيتغير هذا المزاج "

وما أن تبادلاهما حتى بدأ بالضحك الشديد ثم أعطيتهم ورقة قمر وصبا فجلسا

على الأرض من كثرة الضحك وقال بعدها حيدر بضيق

" سأريها كيف ترسمني هكذا وما تعنيه بالغباء وتطاير المعلومات "

قال أيوب " والأخرى أيضاً سترى عقابها هل تسخر من حياتي وحرثي بالجرار "

قلت مغادراً جهة غرفتي " هذا إن وجدتماهما فلن تنزلا بعد الآن "

بعد أذان العصر وصلني اتصال من مريم فتحت الخط فلم تجب وكانت

أصوات كثيرة لديها وهي تقول " هذا ظلم ولو علم رائد لغضب منكما "

قفزت من السرير وخرجت مسرعاً فكان الصوت من الخارج فخرجت من

المنزل فكانت قمر ومريم وأنوار وحتى صبا يجلسن حول تسط كبير حديدي

مليء بالماء والصابون وكومة من الثياب بجانبهم يغسلونها بأيديهم وحيدر

وأيوب فوقهم , اقتربت منهم وأمسكت قمر من ذراعها وأوقفتها وقلت مغتاظاً

" هل جننتما من سمح لكم بجعلها تغسل معهم "

قال حيدر " العقوبة للجميع وهي لم تعترض فما جاء بك أنت "

قالت مريم بضيق " اتصلت بك لتنقدنا جميعاً وليس زوجتك فقط "

قال أيوب " ستغسلون ملابس العمال الخاصة بالحقل أيضاً ولن تقوموا من

هنا إلا بعد إنهائها ولو بقيتم للصباح "

صرخت به " ارأف لحال ابنتك , انظر ليديها الصغيرتان هي لم ترسمك أنت "

توجهت بقمر جهة صنبور المياه فتحته وغسلت لها يديها وهي في صمتها

ذاته فهي باتت تفضل الصمت عن أي شيء أفعله لتتجنب جرحي وهي لا

تعلم أن قرارها الانفصال عني وحده يكفي بذبحي دون رحمة , اتجهت بها

أسحبها من يدها جهة المنزل فأوقفني صوت حيدر قائلا

" هيه زوجتك رسمت معهم وضحكت علينا فأعدها إلى هنا "

عدت ناحيتهم ويدها لازالت في يدي وقلت " قلت لن تغسل شيئاً "

قال أيوب بتحدي " رغماً عنك "

صرخت منادياً " جدتي تعالي وانظري ما يفعلون لقمر "

نظرتْ من نافذة المطبخ السفلي وقالت بصراخ

" ماذا بكم ؟ من اقترب من قمر "

ضربت مريم الماء والصابون بيدها وقالت بغيض " سألبس باروكة لشعر

بني طويل وعدستان عسليتان وأجري عملية تجميل تغير ما يمكن تغييره

لكي أحضا بما تحضا به قمركم "

ضحكت وقلت " لن يتغير شيئاً "

قالت أنوار بضيق " لما زوجها يشعر بها وأنتم لا , ابنتي تبكي عليا الذهاب لها "

قال حيدر ببرود " ليس قبل أن تنهي عملك , سأريك ما يفعله

الغبي الذي يدعي الذكاء "

صبا الوحيدة التي كانت تعمل بنشاط وصمت ومرح أيضاً وقمر الوحيدة

التي كانت تضحك في المجموعة على ما يجري , كم كنت مجرماً حين

قتلت هذه الضحكة وكم رحمني الله حين أعادها إلي , قالت مريم بحدة

" تغسل قمر أو لن أغسل "

قالت أنوار " وأنا كذلك "

قلت ببرود " أنا من رسمتني وراضٍ عن رسمها لي ولن تغسل شيئاً "

سمعنا حينها صوت قادم من بعيد يقول " لمن هذه الضحكة الحريرية

ألمائية العذبة الشفافة , ليست لعائلتنا بالتأكيد "

دسست قمر خلف ظهري , ها قد جاء طويل اللسان

اقترب منا فقلت بضيق " ما جاء بك أنت "

ضحك وقال " أنظروا للعجب العجاب يريد طردي من منزلي "

ثم نظر لهم وقال " ما سر حملة النظافة هذه "

مد له حيدر بورقة قائلا " انظر ما يفعلون ولعلمك أنت من في هذه الصورة "

نظر لها وضحك حتى تعب وكان مروان الوحيد الذي ضحك على رسمته

ثم قال " من هذه الرائعة التي رسمتني لأعطيها جائزة "

قالت صبا بسرور رافعة يدها المليئة بالصابون " أنا .. أنا "

نظر لها وقال " وقحة وستغسلين ثيابي أيضاً "

خرجت حينها جدتي اقتربت منا وقالت " ما بها قمر ؟؟ "

نظرت لها وقلت " يجبرونها على غسل ثيابهم "

قالت بضيق " خسئتم مجرمين أبناء المجرمين "

تم سحبتها من يدها الأخرى قائلة " وأنت اترك يدها , تعالي معي يا قمر "

دخلت وهي تتبعها وقال مروان بصدمة

" مجرمين أبناء المجرمين تعني نحن وآباؤنا !!! "

قالت مريم بضيق " أخبرتكم أني سأغير شكلي "

قال مروان ضاحكاً " معها حق ومن يعرفها ولا.. "

قاطعته بلكمة صغيرة على أنفه فامسكه وقال بغيض

" هذا ما كان ينقص , أصغر أبناءك أنا تضربني "

قلت مغادراً " المرة القادمة سأكسره لك إن لم تكف عن مراهقتك "

دخلت وتوجهت جهة السلالم فأوقفني العكاز الكريه وصوت جدتي

قائلة " أين يا ابن المنذر "

تنهدت وأنا أنظر للأعلى وقلت " جدتي دعيني مرة أقترب منها "

قالت وهي تبعدني بعكازها " لا تظن أني مغفلة ونائمة ولا أعلم ما يجري

هنا , تكلمت معها بما فيه الكفاية وقالت لا تريدك افهمها "

رميت بعكازها بعيداً عني وقلت مبتعداً بغضب

" لا تقولي هذه الجملة ثانيتا لا تعيديها "

صعدت مرتين عند المساء ولم أجد أحداً وكانوا جميعهم في غرفة جدتي

ويغلقونها , يعاقبونني إذا بدلاً عنها , عند الصباح غادر حيدر وأنوار

وعاد مروان للحقول فصعدت للأعلى وجلست لهم هناك , مرت مريم

بجواري وقالت " حبيبة القلب في غرفتها ما يجلسك هنا "

قلت ببرود " هكذا دون سبب هل ستمانعين "

قالت مغادرة " افعل ما تريد ولكن لعلمك أنت بهذا تتسبب بسجنها لنفسها "

بعد وقت خرجت للمجلس الخارجي أدجن سيجارتي وبعد لحظات سمعت

صوتاً سقط في قلبي كقطعة النقود على الأرض الرخامية عذباً لا يمكن

وصفه وهوا يقول " رائد "

التفتت للخلف من فوري وكأني أخشى أن يكون هيئ لي فكانت قمر بالفعل

تقف عند الباب مستندة بالجدار ويداها خلفها ترتدي فستاناً قصيراً باللون

الأزرق بأكمام طويلة ورقبة مفتوحة وعقدة تتخللها بشريطه بيضاء

مددت يدي لها وقلت بهمس " تعالي "

هزت رأسها بلا دون كلام فقلت بهدوء " حسناً "

توجهت نحوها ووقفت أمامها وأمسكت وجهها وقلت " نعم يا قلب رائد "

قالت بنظرة حزينة معلقة في عيناي " تحبني ؟؟ "

قلت بابتسامة " الجواب لديك حبيبتي "
أغمضت عينيها ببطء وقالت " إذا اتركني فأنا لست لك "

تم فتحتهما ممتلئتان بالدموع وقالت

" لم أعد لك ولا لغيرك أنا انتهيت يا رائد افهمني أرجوك "

ضممتها لصدري وقلت " أنا من قتلك يا قمر , أنا سبب كل هذا وأشعر

بك وأفهمك ولكني بدونك أموت فافهميني أنتي أيضاً "

اكتفت بالبكاء في صمت وأنا أدسها في حضني أكثر وأحاول تهدئتها حتى

قالت بصوت مبحوح " أنا متعبة متعبة جداً "

قلت هامساً في أذنها " سامحيني يا قمر اغفري لي هذه المرة فقط "

ابتعدت عن حضني ودخلت مسرعة دون أن ترحمني وكأنها تريد

تعذيبي أكثر بما فعلت , مسكينة يا قمر تشعرين بالوحدة والضياع

وأن العالم يتخلى عنك وليس أمامك سوى حضن الرجل الذي خذلك

يوماً لتلجئي إليه وتبثي همومك عنده , رائد يا أحمق كنت تركتها

بتت كل همومها في حضنك لترتاح بدل الاستعجال في الحديث عن

ذنبك اتجاهها وطلب الغفران منها , تنهدت بحسرة ونزلت للأسفل

وعند نهاية المساء صعد أيوب للأعلى وجلست أنا على السرير

مظلماً الغرفة تائهاً وحائراً في أمري حتى سافر بي الليل الطويل

بعد وقت سمعت صوتاً عند الباب ففتحته ببطء فكانت قمر تجلس

عنده تحضن ساقيها وتدس وجهها بينهما فنزلت عندها وقلت هامساً

" قمر لما أنتي هنا !! "

فزِعتْ من صوتي وعادت للوراء قليلاً ثم قالت وهي تتنفس بصعوبة

" رائد "

قلت وأنا أمسح بيدي على وجهها " نعم رائد لا تخافي , ما بك يا قمر "

قالت بصوت متقطع من الخوف " الأعلى شخص ما هناك "

غطيت لها فخديها بفستانها القطني القصير الذي كانت ترتدي

كان قصيراً جداً وبحمالات رقيقة ثم حضنتها وقلت
" لا أحد هنا قمر أنتي تتوهمين ذلك بسبب الكوابيس "

هزت رأسها بلا وقالت وهي تدس وجهها في صدري

" حداء امرأة إنها امرأة تسير إنها هي رائد لقد جاءت "

حضنتها أكثر وقلت " لا يمكنها المجيء قمر لن تؤذيك أبداً "

غريب لما نزلت لي ! آه أيوب نائم مع مريم والأطفال عند جدتي

ولكن ما سر الحداء !! أوقفتها وقلت " تعالي سأصعد معك

حتى غرفتك , لا شيء هنا قمر "

تمسكت بي أكثر وقالت " لا لا أريد الصعود إنها في الأعلى لم

أستطع النوم حاولت ولم أستطع "

يبدوا حاولت أن تنام وهاجمتها الكوابيس إنها تفقدها سيطرتها على كل

حواسها وتنسى عدوها من صديقها , أدخلتها غرفتي تركتها على السرير

وصعدت للأعلى بسرعة أبحث في الممرات حتى فوجئت بصبا ترتدي

حداء والدتها وتسير به فقلت بصدمة " صبا ما تفعلين هنا في هذا الوقت !! "

قالت بطفولية وهي تدور حولي بحداء مريم العالي " لم أشعر بالنوم وجميعهم

ناموا , لا تخبر والدتي أني أخذت حدائها ستغضب مني "

أشرت بأصبعي للممر الذي يحوي الغرف وقلت آمرا لها

" عودي للغرفة حالاً ليس هذا وقت اللعب "

غادرت راكضة باتجاه الممر ونزلت أنا عائداً للغرفة , كانت قمر تحضن

الوسادة وتدس وجهها فيها , ترى ما أيقضها هذا الوقت لأنها ما كانت ستسمع

الصوت لو كانت نائمة لابد وأنها الكوابيس ويبدوا لي لا تنام أبداً , جلست

بجوارها على السرير أراقبها بصمت فكانت تهدي ويبدوا غفت , مسحت

على شعرها وقلت بهدوء " قمر استيقظي "

ابتعدت عن الوسادة ونظرت لي فقلت ماسحا على وجهها " كانت صبا لا أحد في الأعلى "

ارتخت عضلات يديها فسحبت منها الوسادة وكانت عيناها معلقتان في

الفراغ فلازال الخوف مسيطراً عليها , قبلت جبينها وقلت " قمر تسمعينني ؟؟ "

قالت بشرود " امممممم "

بقيت ألعب بغرتها في صمت وعيناها مفتوحتان حتى قالت بصوت

مبحوح " رائد لا تذهب "

ابتسمت وقلت " حاضر حبيبتي لن أذهب "

كيف سأذهب وهي في غرفتي ! ألهذا الحد هي خائفة , عدت لستر فخذيها

بالفستان الذي لا يستر شيئاً , كان اللحاف مكوما تحتها ولا يمكنني سحبه

لأغطيها به , كان منظراً يصعب أن أقاومه في وقت لا مجال فيه للقوة

اقتربت من أذنها وهمست " قمر "

قالت بذات شرودها " همممممم "

قبلت خدها وهمست " قمر اعذريني هذه الليلة , هل تمانعي !! "

لم تجب بشيء فقبلت عنقها ووجهها بشغف وكأني أبحث عن مكان لم

أقبله فيهما من قبل وهي على حالها لا تمنعني أبداً , أخرجت اللحاف

من تحتها غطيتها به ورفعت طرفه وتسللت تحته معها أشدها لحظني

برفق, كل ما أرادته هوا الأمان وأردت حقا طمأنتها من خوفها لكن ما

كنت أكبته لأيام وافتقده لشهور كان أقوى من كل شيء , استيقظت بعد

وقت لأجدها في حضني فدسستها فيه أكثر وعدت للنوم , بعد وقت طويل

شعرت بها تبتعد عني بقوة ففتحت عيناي ونظرت لها فكانت تنظر لي

بصدمة ثم نظرت لجسدها وشهقت فزعة ثم سحبت اللحاف وسترته به

قمت مستندا بمرفقي فقالت بنظرات مصدومة " ماذا فعلت ؟؟ "

قلت وأنا المس ذراعها العاري بطرف أصابعي " قمر اهدئي "

أبعدت يدي وقالت بحدة " ماذا فعلت ؟؟ "

قلت ونظري على عينيها " الذي يفعله الزوج مع زوجته وهي

بهذه الهيئة وفي حضنه "

توقعتها ستثور غضباً لكنها انخرطت في نوبة بكاء شديدة فجلست

واقتربت منها وأمسكتها وقلت " قمر توقفي عن البكاء "

أبعدت يداي بقوة وقالت " ابتعد عني ابتعد "

قلت بهدوء " قمر "

قالت صارخة " أصمت "

تم نظرت من حولها وأمسكت فستانها المرمي بجوارها ورمته مغتاظة

لأنها لن تستطيع الخروج به وعادت تبكي بشدة فخرجت من السرير

وأخرجت معطفي من الخزانة ووضعته على كتفيها فسترتْ به كل

جسدها وغادرت الغرفة راكضة , عدت للسرير وبقيت فيه لوقت

أتقلب وأرمي الوسائد وأتأفف كل حين حتى غلبني النوم , بعد وقت

استيقظت على أصوات في الخارج فخرجت مسرعاً فكانت جدتي

ورجال والد قمر يتحدثون بحدة فتوجهت نحوهم وقلت " ماذا هناك ؟؟ "

نظر أحدهم نحوي ورافع مسدسه في وجهي ..........



الفصل التـاسع و العشـرون

كنت أشعر بالضياع سنين حياتي الماضية بلا والدين ولا طفولة

ولا شيء ولا حتى رائد أما الآن فأشعر أن حتى الآ شعور غاب

عني رغم أني صرت زوجة رائد ووجدت والدي إلا أن تلك الهوة

عادت تعيش في داخلي , عندما استيقظت صباح اليوم ووجدت نفسي

في حضنه مجردة من كل شيء حتى ثيابي عادت بي الذكرى لمعاملته

لي كجارية كشيء يطفئ شهوته فيه , استغل تلك اللحظة ليثبت لي أكثر

أني مجرد وسيلة لغاية ما , كنت أعي كل ما حدت بيننا لكن حواسي

ترفض الابتعاد , الخوف يسيطر عليها والضعف أيضاً ... نعم لا أنكر

أن لمساته لازالت تشعلني همسه قبلاته حضنه أشياء لازلت أحتاج لوقت

طويل كي أقاومها وأنساها فلحظة استيقاظي صباحاً رفض عقلي تصديق

الواقع الذي عاشه وكان يدركه فخرجت من عنده وصعدت لغرفتي جمعت

أغراضي وثيابي خرجت من الغرفة وسمعت صوت أحد رجال والدي

يهدد أحدهم بالقتل فركضت مسرعة جهة السلالم وقلت صارخة بأمر

" توقف "

نظر باتجاهي وقال " عذرا سيدتي الأوامر أن أزيل كل

من يعترض تنفيذ أي أمر "

توجه رائد جهة السلالم وقال بصراخ

" عليك قتلي أولاً قبل أخذها من هنا "

قلت بغضب " مجنون أنا من طلب هذا فابتعد عنهم يا رائد "

نظر لي وقال " أين ستذهبين ولا أحد لك غير هنا أين "

قلت بألم " للجحيم فيما سيعنيك "

شد قميصه عند صدره بقبضته وقال بألم " كم أتمنى مرة مرة واحدة

يا قمر لا تندمي على ذلك صباحاً , لما تعشقين جرحي بعنف "

قلت ببكاء " لست جارية تعاملني كذلك ... فهمت لما "

قال باستنكار " كيف سأشرح لك كيف , لم أرك يوماً جارية

أنتي من سمم عقل نفسك بهذه الأفكار "

اتكأت على جدار السلالم وقلت بهدوء حزين

" بل هي أفضل مني وها قد أخذت ما تريد "

تخطينا الحدود ونسينا الأذان الكثيرة التي تسمعنا , الجدة وثلاث

رجال من الحراس ومريم عند باب المطبخ وأيوب الذي لازال في

غرفتها بل وتخطينا حدودا وضعناها لأنفسنا

مسح وجهه بيده وكأنه يهدئ نفسه ثم نظر لي وقال بهدوء " سأخرج أنا

من هنا وابقي أنتي فسوف يجن جنوني إن أخذوك لمكان لا أعرفه "

لذت بصمت فقال " اعتبريه الطلب الأخير "

مسحت دمعة تسللت من عيني وقلت موجهة كلامي لهم " غادروا "

خرجوا في الفور وتوجه هوا لغرفته وعدت لغرفتي راكضة

أغلقت الباب خلفي وارتميت على السرير أبكي بمرارة , من لي

حتى عمتي لا يمكنني حتى الاتصال بها لا نوران ولا والدي ولا
أحد و حتى مريم باتت لا تفهمني وعاطفتها تجرها جهة شقيقها

وأصبحت في صفه , مع من سأتحدث وأبث همومي وما أشعر به

أنا حقا ضائعة أشعر بالألم هنا في قلبي يتجسد في حب اسمه رائد

وفي جرح اسمه رائد وفي حزن اسمه أنا فلم أعد سوى جثة لفتاة

ماتت منذ شهور وفقدت كل شيء كان في حياتها وحتى الحزن

بعد مسيرة طويلة من البكاء جلست وأخذت هاتفي واتصلت برئيسهم

وطلبت منه أن لا يخبر والدي عما حدث ووعدني بذلك

بعد يومين غادرت مريم أيضاً فأنا لم أرها بعد ذاك الصباح ولم

أرى أحداً وبث شبه مسجونة لا أرى أو أعلم شيئاً خارج حدود غرفتي فهذه هي أنا لم أتغير ولا شيء لي سوى الوحدة والألم لا أحد لي سوى

الكوابيس والذكريات المؤلمة

ومر الآن أكثر من شهر على ذلك وجاء رائد إلى هنا مرة واحدة قبل

أسبوعين ولم يصعد لي أو يصر على رؤيتي واكتفى بالسؤال عني

وإيصال سلامه لي وغادر ولم أخرج أنا من غرفتي فترة وجوده هنا

كم عجيبة هي حياتنا وكم ضائعون نحن فيها لا فهمناها ولا أخذنا منها

ما نريد , مسحت دمعتي المتسللة ببطء في غطاء السرير وتنهدت بأسى

سمعت طرقات خفيفة على الباب فرفعت رأسي من تحت الوسادة ثم

جلست ومسحت بقايا دموعي وقلت " تفضل "

انفتح الباب ببطء ودخلت الجدة مبتسمة واقتربت وجلست بجواري , مسحت

على شعري وقالت بحنان " متى ستتوقفين عن البكاء وستجف هذه الدموع "

أمسكت طرف اللحاف ووضعته ويداي في حجري بقوة وقلت بحزن

" لست بخير جدتي أشعر أنني أختنق "

مسحت على وجهي وقالت بحنان " هل يؤلمك شيء قمر هل تشعرين بشيء

وجهك مصفر ومُتعب وجسمك في نحول مستمر "

قلت بشهقة باكية " قلبي يؤلمني إنه يتمزق لما لا أموت "

قالت بخوف " قمر لما هذا الكلام الآن هل تشعرين بشيء هل نأخذك للمستشفى "

هززت رأسي بلا ومسحت دموعي وقلت " لن يفعل لي الطبيب شيئاً "

تنهدت وقالت " رائد يتصل بي يومياً وأنا أخبره أنك تأكلين جيداً

وتخرجين من الغرفة وأن صحتك جيدة وكله غير صحيح , لن

أكذب عليه مجدداً يا قمر وسأقول الحقيقة "

اكتفيت بالصمت فمدت لي يدها تحمل شيئاً فنظرت له ثم نظرت

لها بحيرة وقلت " ما هذا !! "

قالت " أحضره رائد لأعطيه لك "

قلت بهمس " هل كان هنا "

هزت رأسها بنعم وخرجت بعدما وضعته على السرير فحملته

وأزلت الغلاف الورقي , كان كتاباً وغلافه صورتي التي رسمتها

لي أنوار في تلك اللوحة والعنوان ( اكتمال القمر ) وتحته

( كيف تفشل العلاقات العاطفية ) هذا كتابه العنوان ذاته لكن الكلام

تحته لم يكن هكذا بل كان ( كيف تنجح العلاقات العاطفية )

فتحت أولى فصوله ثم عدت لأوله فكانت صفحة الإهداء ومكتوب فيها

سطر واحد فقط ( أهدي هذا الكتاب لزوجتي الحبيبة قمر ) مسحت دمعة

تسللت من عيني وذهبت لآخره حيث الخاتمة وكانت كما كتبتها أنا وقد

ذكر أني من كتبها , انتقلت لنهايتها وكان مكتوب بخط مميز (لا تقتل

الورد يا من زرعت الورد في قلب طفولتي كم أخشى أن تقتل حبا في

قلب نبضاته تموت كل يوم فليمت الورد بدلاً عنه مئة مرة )

كانت مأخوذة من الكلمات التي كتبتها في طرف اللوحة مع تغيير

بسيط وكأنه يذكرني أن لا أفعل كما فعل هوا بي , أغلقت الكتاب

ولمحت بطاقة في حجري يبدوا سقطت منه فرفعتها فكانت دعوى

لحفل كتابه ويبدوا أنه لم ينشره بعد والحفل سيكون نهاية الأسبوع

قلبت البطاقة فكان مكتوبا خلفها ( لا تنسي موعدك مع طبيب القلب

يوم 9/2...... وسأتصل به بنفسي لأتأكد من ذهابك أو سوف آخذك

بنفسي مجبرة ) تنهدت ووضعت البطاقة في الكتاب

بعد أسبوع استيقظت مبكراً استحممت وارتديت بذله تليق بالمكان

ارتديت حجابي ومعطفاً شتويا ونظارة سوداء وخرجت , ودعت الجدة

وركبت السيارة السوداء المظلمة المتجهة بي فوراً للعاصمة تتبعها ثلاث

أخريات من نفس النوع واللون , وصلت للمكان المقصود

فتحت باب السيارة ونزلت ونظرت للقاعة من الخارج وتنهدت

يبدوا وجودي هنا غير مقنع ولكني اعلم جيدا ما سيتعرض له

رائد من إحراج في وسط الكُتاب والأدباء حيث الجميع يعرف

نورسين وأنها زوجته والكتاب مهدي لها فسيسأل الجميع عن

الزوجة الغائبة ففي الماضي لم يضعني رائد قط في موقف محرج

أمام عائلتي رغم ما كان بيننا وها هوا وقت رد الدين

دخلت بخطوات ثابتة ودخل خلفي الحراس وتوزعوا كي لا يشك

أحد في وجودهم من أجلي , نزعت نظارتي وتجولت بنظري في

المكان حتى وقع علي رائد يقف مع اثنين يتحدثان معه ولا يظهر

لي سوي جانب من وجهه , كان يرتدي معطفاً شتويا رصاصي غامق

يصل طوله عند ركبتيه وحداء من نفس اللون وبنطلون أسود ويضع

يديه في جيوبه ويتحدث بحرية مبتسماً فاقتربت ناحيتهم قليلا فالتفت

حينها رائد نحوي بسرعة ونظر لي بصمت نظرة بدون أي تعبير ثم

اقترب مني وقف بجانبي ووضع يده علي كتفي وسار بي لحيت تجمع

كبير ووقفنا بينهم وقال رائد " أقدم لكم زوجتي قمر صاحبة الإهداء

والخاتمة في الكتاب هل سترحمونني الآن "

نظروا لي وبدؤوا في مصافحتي مهنئين لي علي صدور كتابه

وبعضهم يبدي إعجابه بالخاتمة والبعض تحدث عن كتابي الوحيد

بعد وقت تفرق تجمعهم وبدأ عدد الحاضرين يقل , كنت أقف بجانبه

حين تحدث وعيناه على الباب بعيداً وقال بجدية " هل ستذهبين للطبيب "

نظرت للأرض وقلت بهدوء " الموعد بعد يومين تحدثت معه وسأزوره اليوم "

قال " يبدوا تفقدين وزنك بسرعة , جدتي قالت أنك تتناولين طعامك جيداً "

لذت بالصمت ولم اعلق فقال " قمر هل لي أن أعرف ما الخطأ

بي لتكرهي النوم معي هكذا "

نظرت له بصدمة وعيناه لازالت معلقتان جهة الباب ثم نظر لي وقال

ببرود " هل أفعل شيئاً لا أعي به ؟ هل بي ما ينفرك هل أنا

مقرف ومقزز ولا يمكنك استحمالي "

بقى نظري معلق بعينيه ثم ابتسمت ابتسامة حزينة وقلت

" تبقى لا تفهمني يا رائد مهما طال الزمن "

نظر لي باستغراب فنظرت للبعيد وقلت ببرود

" كنا في وضع لا يسمح بفعل ذلك أم نسيت "

قال " لما تهربي من جواب السؤال "

نظرت للأرض وقلت " أنا لم أهرب من الإجابة أنت ترى أني

لا أنفع سوى لتلك الأمور ولا تحتاجني إلا ذاك الوقت "

ثم نظرت له وابتسمت بسخرية وقلت " سبق وقلتها لي يا

رائد ليست الزوجة فتنة وجمال وجسد متناسق "

هز رأسه وقال " هكذا إذا لم تتخطي الماضي ولم تنسي كل ما قلته فيه "

نظرت حيث ينظر جهة الباب وقلت بحزن " ليثني أستطيع نسيانه "

وضع يده على كتفي وهمس في أذني " أقسم لو ذبحتني

ولو قطع والدك لحمي بيديه فلن أتوقف عن حبك "

ثم غادر بعيداً عني وعيناي تتبعانه وشعرت حينها بيد سحبتني للبعيد

نظرت لصاحبتها فكانت فتاة ترتدي نظارة سوداء كبيرة وتضع أحمر

شفاه غامق يكاد يكون باللون الأسود وملابس سوداء وكأنها خرجت

من فيلم خاص بالإيموا ولولا أنه لا وجود لهم في بلادنا لقلت أنها منهم

سمعت صوت سلاح يفتح خلفي فأزالت النظارة صارخة ورافعة يديها

" هيه لا تقتلوني "

نظرت لها بصدمة ثم قلت " نوران !! "

احتضنتني وقالت " قمر كم اشتقت لك "

احتضنتها أكثر وقلت " نوران لا أصدق أنك هنا "

ابتعدت عني وقالت " عدنا لأيام معدودة وسنغادر فهربت إلى هنا

دون علمهم , قمر هل أنتي غاضبة مني ؟ هل سامحتني ؟ "

احتضنتها مجدداً وقلت بحزن " لست غاضبة كان قصدك

إصلاح الأمور وهكذا شاءت أقدار الله "

تنهدت وقالت بحزن " ما كنت سأسامح نفسي لو فقدتِ

حياتك يومها أنا آسفة يا قمر "

ابتعدت عنها وقلت بابتسامة صغيرة " إنسي الأمر وأخبريني

عن أخباركم وكيف علمتِ أنني سأكون هنا "

ضحكت وقالت " مخابرات سرية , علمت بموعد حفل الكتاب

وخمنت أنك قد تكونين هنا رغم أني كنت أستبعد ذلك لكن حين

رأيت زوجك المصون يراقب الباب كل حين علمت أنك قد تأتي "

ضحكت وقلت " مخابرات وتحليلات ومراقبة ما كل هذه التطورات "

ضحكت وقالت " للضرورة أحكام "

قلت " كيف دخلتي دون دعوى "

رفعت كتفيها وقالت " لا أعلم لم يمنعني أحد تبدوا الدعوة عامة ولو

كانوا منعوني لدمرت لهم الدنيا حتى دخلت "

ضحكت وقلت " ابنة عمتي وأعرفك تفعلينها "

نظرت لشيء خلفي مستاءة فجاء صوت رائد قائلا من خلفي

" رُب صدفة "

لوت شفتيها وقالت بضيق

" ليس من أجلك ولا من أجل كتابك أتيت تفهم "

وقف بجانبي وضع يده على كتفي وقال ببرود

" وليس من أجلك أنا هنا "

لبست نظارتها وقالت مغادرة

" وداعاً يا قمر واعتني بنفسك كي لا تأكلك الذئاب "

كنت سأغادر خلفها فأمسك يدي وقال " علينا أن نتحدث "

نظرت لعينيه وقلت " رائد أرجوك لن نصل لحل فكم مرة

تحدثنا وانتهى الأمر أسوء مما بدأ "

ضغط على يدي بقوة حتى آلمتني ثم رفعها وأدخلها في معطفه

ووضعها على قلبه وعيناه في عيناي في صمت تام وبقينا على

هذا الحال لوقت ونبض قلبه يتسلل من يدي لكل جسدي حتى

بث أشعر بقلبه ينبض في قلبي ثم أخرجها قبل كفها بعمق وتركني

وابتعد فغادرت القاعة راكضة وركبت السيارة متجهة للمستشفى

كنت أفرك كف يدي محاولة إبعاد الشعور الذي سكنها ولازال فيها

حتى الآن وكأنها لازالت على قلبه , فركت وفركت وبلا فائدة

كنت أشعر بنبضه فيها ومكان شفتيه لازال عالقاً عليها وشعرت

بالعبرة تخنقني فوضعتها على قلبي وسافرت في بكاء طويل لم

ينتهي إلا حين وصلت للمستشفى ونزلت أسير ببطء ورأسي

للأرض وحزن كل العالم يعيش فيني , زرت الطبيب منصور

وحين خروجي مد لي بورقة وقال " عليك بالتغذية الجيدة وضعك

صعب وسيحتاج لمراقبة فنبضك ضعيف ونتائج التخطيط غير

مرضية لحد كبير "

أخذت منه الورقة واكتفيت بابتسامة وخرجت , قد أموت هذه

المرة موته أخيرة فحتى قلبي يبدوا مل من هذه اللعبة , غادرت

المستشفى للمزرعة فوراً وصلت وصعدت لغرفتي وأغلقتها خلفي

واتصلت بوالدي فأجاب من فوره وقال قلقا " قمر ما بك يا ابنتي "

قلت ببكاء " أبي أحتاج إليك متى ستعود "

قال بهدوء " لقد أفزعتني أخبرتك أن لا تتصلي إلا للضرورة "

قلت ببكاء أشد " لا أريد ولا يهم ما سيحدث لي , أبي أرجوك

تعال خذني معك أريد أن أكون معك "

قال " ما بك بنيتي هل ضايقك أحد ! هل زوجك قال لك شيئاً هناك ؟ "

قلت بعبرة " لا شيء لا أحد يضايقني "

قال " حسناً بنيتي كلها مدة قصيرة وتنتهي هذه الأزمة "

قلت بتشكك " هل تكذب علي قل أنها حقيقة "

قال بصوت مبتسم " أقسم أنها الحقيقة فاعتني بنفسك وبصحتك

قمر الطبيب قال أنك تحتاجين لعناية أكبر "

قلت بهمس " هل تحدث إليك اليوم وأخبرك "

قال " نعم سنتحدث عن كل شيء لاحقاً حسناً "

قلت بهدوء " حسناً اعتني بنفسك أبي من أجلي أرجوك "

قال " وداعاً حبيبتي الجميلة وبلغي الجدة وابنها سلامي "

قلت بهمس " وداعاً "

أغلقت الهاتف ومسحت دموعي وأحسست أن جزئا من نفسي

التائهة عاد إلي بسماعي لصوته , في اليوم التالي اقترحت عليا

الجدة أن نزور مزرعة ابنة خالتها التي تكون شقيقتها من الرضاعة

وهي والدة أنوار فوافقت بعد إصرار منها وقضينا لديهم ثلاثة أيام

كانوا عائلة مرحة وطيبة وكم سررت بزيارتهم والتعرف عليهم

وبعد أسبوع طرقت عليا الجدة الباب فقلت بهدوء " تفضلي جدتي "

فتحت الباب مبتسمة وقالت " كيف تعرفين أنها أنا "

قلت بذات الابتسامة " من طرقتك للباب ... تفضلي "

اقتربت وقالت بشيء من التردد في ملامحها " قمر بنيتي لدي

ضيوف يريدون زيارتي إن اعترضتِ أنتي عنهم اعتذرت لهم "

قلت بحيرة " ولما سأعترض عنهم !! "

قالت " إنها شقيقتي وابنتها سوزان لقد سبق وقالت أنهما تودان زيارتي

واعتذرتا وقتها وقد حدثت مشادة بيني وبين مريم ترفض زيارتهم

وأنتي هنا , إن كنتي لا توافقي تصرفت في الأمر "

قلت " حسناً سأبقى في غرفتي حتى ذهابهم فما ألمانع "

قالت " سيبقيان لأيام "

قلت بعد صمت " ليأتوا أنا لن أمانع وجود ضيوفك في منزلك "

قالت " أخشى من سوزان , قمر هي أكبر منك لكن عقلها أصغر

من عقلك فهل ستستحملين أي كلمة طائشة , أنا لن أسمح أن تهينك

أبداً ولكن لا أريد قول شيء قبل أن يصدر عنها تصرف سيء "

قلت بابتسامة " لا تقلقي جدتي واستقبليهم متى أردتي وإن أرادت

شيئاً فلتأخذه من يمنعها وإن لم تحصل على شيء فليس ذنبنا "

ضحكت وقالت " صدقتي ولكن بعض البشر يلقون باللوم على

غيرهم ومادام رائد غير موجود فلا خوف "

قلت " ولما الخوف من وجوده !! "

تنهدت وقالت " لا مأمن من مكائد النساء ومن غضب الرجال

مريم ستكون هنا فما أن علمت حتى قالت أنها ستكون معنا "

ضحكت وقلت " ولما تريد الحضور هل تتوقع حرباً ستقوم بيننا "

قالت ضاحكة " بل أقسمتْ أن تطردها إن ضايقتك ويبدوا لن نواجه

مشكلة غيرتها منك بسبب رائد بل بسبب حبنا لك ودفاعنا عنك "

قلت بامتنان " شكراً لك جدتي أنتم فعلا نعم الأهل "

مسحت على شعري وقالت بحنان " كم أتمنى طرد هذا الحزن

عنك لقد أحبك قلبي من يوم رأتك عيني أول مرة وكأنك جزء مني

ولستِ زوجة حفيدي المستهتر المجنون ولكنه تعلم درساً جيداً وبات

يهدي باسمك في الليل "

ضحكت وقلت " ومتى نمتِ معه "

قالت مغادرة " هناك من سمعه "

بقيت أنظر لمكان خروجها بحيرة ثم تنهدت وغادرت السرير

عليا أن أكون أقوى منها ومن ضعفي فلم يعد لدي شيء أخسره

وقفت أمام المرآة ونظرت لنفسي نظرة شاملة , لقد عاد لون وجهي

لطبيعته خلال هذان الأسبوعان وحتى جسمي بات يمتلئ شيئاً فشيئاً

عند المساء اتصلت مريم تتذمر لأن أيوب لا يمكنه المجيء هههههه

تبدوا مستعجلة على لقائهم , كم اشتاق لها فأنا لم أرها منذ ذلك اليوم

ويعز على قلبي أن أفارقها والجدة وأنوار فقد كن عائلتي في غياب أهلي

لم أستطع النوم هذه الليلة وكل الأفكار تأخذني وتعيدني تحسبا للأيام

القادمة فلا أريد أن أحرج نفسي مع الجدة ولا أن أحرجها أمام أقاربها

وكم أخشى من تقلبات مزاجي الذي بات يسوء يوماً بعد يوم

عند الصباح الباكر سمعت طرقات متتالية على الباب فأخرجت رأسي

من تحت اللحاف وقلت بعينان مغمضتان " نعم تفضل "

دخلت الخادمة وقالت " صباح الخير سيدتي , السيدة الكبيرة تطلبك

في المجلس الداخلي "

نظرت لها بعين واحدة مفتوحة وقلت " من معها "

قالت " السيدة رجاء وابنتها "

تنهدت وقلت " حسناً أحضري لي كوب حليب وخبز محمص "

قالت مغادرة " في الحال "

دخلت الحمام أخذت حماما سريعاً وساخنا وخرجت , جففت

شعري وارتديت فستاناً شتويا قصيراً وأنيقا ووضعت كحلا

لعيناي وأحمر شفاه باللون الزهري ومشطت شعري وجمعته

كله للأمام عند كتفي الأيمن وارتديت بعض الإكسسوارات بلون

الفستان , تناولت الخبز والحليب حسب وصايا الطبيب أن لا يخلوا

إفطاري منهما فجعلتهما إفطاري الوحيد وخرجت بعدها من غرفتي

قاصدة مكان وجودهم , وقفت عند الباب وتنفست بقوة فلست بمزاج

مشاكل مع أحد فمنذ فترة أصبح مزاجي سيئاً ولا يتقبل حتى المزاح

دخلت ملقية التحية فكانت هناك سيدة كبيرة في السن شيئاً ما ببشرة

بيضاء وعينان زرقاء واسعة وملامح

عادية وتبدوا على وجهها البساطة والطيبة وفتاة تجلس بجوارها

قمحية البشرة وزرقاء العينان كعيني والدتها , تداخل غريب في

الألوان ولطالما هذا النوع من البشر أشعرني بالغرابة وكأني أمام

صنف هجين منهم , بشرة ليست بيضاء مع عينان زرقاء , صادفت

غيرها الكثير بهذه الصفة وتبدوا أخذت لون هذه البشرة من والدها

أو أن والدها له عينان كعيناها فقد لاحظت هذا اللون الأزرق في

بعض أفراد عائلتهم حتى من أهل أنوار وعينا رائد من قرب باللون

الأزرق الغامق ووالدته بعينان زرقاء فاتحة وابنة مريم الصغرى

كذلك , ما أن رأتاني حتى نظرت لي السيدة بابتسامة أما الفتاة بصدمة

أو دهشة أو لا أعلم ما يكون , كانت تحدق بي حتى جلست بجوار

الجدة التي مسحت على شعري وقالت " هذه قمر زوجة رائد "

قالت السيدة رجاء بابتسامة " اسم على مسمى تشرفنا بمعرفتك "

قلت بابتسامة مماثلة " وأنا كذلك شكراً لك يا خالة "

أما العينان الأخرى فلازالت تحدق بي دون أن ترمش , كان لها

شعرا أسوداً ناعماً قصيراً وترتدي بنطلون من الجينز وكنزه شتوية

سوداء تمضغ العلكة وتفرقعها كل حين , تطرقت الجدة والسيدة

رجاء لمواضيع شتى وكنت أشاركهم الرأي فيها ويبديان إعجابهما

بأفكاري وطريقة طرحي لرأيي , تبدوا هذه السيدة متعلمة ونالت

شهادة عالية فيستحيل أن تكون غير ذلك أما الحجر الصامت فقد

نطق أخيراً وقال " لا أرى رائد هنا سمعت أنه مقيم في العاصمة "

بدأت أولى جولاتها إذاً , قالت الجدة " نعم "

قالت بابتسامة جانبية " ولما يترك زوجته تارة عند شقيقته وتارة

عند جدته !! هل هما متشاجران "

قالت الجدة ببرود فهي تفهم مصابها " قمر تعب قلبها وهي هنا

للراحة الطبية ورائد منشغل مع كتابه , لو كانا متشاجران

لذهبت لأهلها وليس أهله "

قالت بنظرة ساخرة ولهجت الغير مصدق " آه فهمت "

اكتفيت بالصمت فهذا الأسلوب الاستفزازي لا ينجح معي فليس

هناك من تحملت مثلي في حياتها ولم تتكلم , قالت بعد وقت

" ألازال رائد يعشق غرفته السفلية ؟ غريب رغم أن زوجته

في الأعلى تحجباً عن مروان !! "

تأففت الجدة وقالت " سوزان تسكتين دهرا وتنطقين شيئاً لا

علاقة له بما نتحدث فيه , ما الذي تريدين الوصول إليه "

كانت جملتها تلك أقسى من السابقة ويبدوا تعلم الكثير عما يجري

هنا , وضعتْ ساق على الأخرى وقالت ببرود

" من هوا زوجها لم تتحدث فلما انزعجتِ يا خالتي "

تم قالت بابتسامة سخرية

" أم كما علمت لا تتحملين فيها شيئاً مدللتك الجديدة "

قالت الجدة ماسحة على شعري " بل مدللة العائلة كلها وأولهم رائد "

نظرت لي نظرة استهزاء وهمست شيئاً لم أفهمه ولم أهتم لفهمه

لتحمد الله أني التزم الصمت عنها فلو فارت الكلمات في عقلي

أعرف نفسي جيداً سأجرحها بعنف ولكن الجدة بردت على قلبي

في كل مرة فما حاجتي لإظهار نفسي بمظهر سيء مثلها , نطقت

والدتها أخيراً التي على ما يبدوا لا شخصية لها مع ابنتها المتغطرسة

وقالت " سوزان هناك مواضيع كثيرة غير رائد تتحدثين فيها "

رمت شعرها للخلف وقالت ببرود

" رائد صديق طفولتي وحديثي عنه شيء عادي جداً "

ضحكت الجدة وقالت " لا صديقة طفولة لرائد أكثر من قمر

ثم مروان صديق طفولتك أكثر منه لما نسيته من حديثك "

تغير وجهها دليل الضيق ثم قالت بانزعاج

" وما بكم أنتم هل الحقيقة تجرح لهذا الحد "

فاض بي منها وذقت ذرعا من تماديها كنت أود المغادرة , كيف

سأستحملها لأيام ما أن فتحت فمي لأتحدث حتى استوقفني من رأيته

ظهر فجأة أمام الباب يرتدي معطفه الأسود ويداه يدسهما في جيوبه

ألقى التحية واقترب مني دون أن يسلم على أي أحد منهم ودون أن

تتحجب تلك المتوحشة أو تهتم لوجود رجل غريب عنها

جلس بجواري ورفع ذراعه وضمني بها مطبقا بها على كتفاي

وصدري وقبل خدي وهمس لي " اشتقت إليك "

أنزلت رأسي للأسفل أبعد شعري خلف أذني وابتسمت ابتسامة

صغيرة من أجل تلك المغرورة , ابتعد عني ويده لازالت على

كتفي وقال بهدوء " كيف أنتما "

قالت والدتها مبتسمة " بخير كيف حالك أنت فلم نعد نراك "

أما ابنتها فكانت الدماء ستخرج من وجهها من كتمها غيظها

أمسك يدي ولعب بأصابعي قليلاً وقبل خاتم زواجنا ثم همس

لي " كيف كانت زيارة الطبيب "

ابتسمت ونظري للأرض ثم قلت بهمس " جيدة بعض الشيء "

قال بصوت منخفض " يعني النتائج غير مرضية "

اكتفيت بالصمت فقبل رأسي ووقف وسحبني معه لخارج المجلس

خرج بي للمجلس الخارجي وأوقفني مقابلة له فتحرك هواء بارد

فحضنت ذراعاي وارتجفت قليلاً فنزع معطفه ووضع على أكتافي

وقال " كيف جيدة بعض الشيء ما الذي قاله لك "

قلت بهدوء ونظري للأرض " قال أن النبض ضعيف وطلب

مني أن أحسن تغذيتي وغير لي العلاج "

قال بهدوء ممزوج ببعض الضيق " قمر لما لا تهتمين بصحتك "

نظرت لعينيه وقلت " ولما لا تفعل أنت ذلك لنفسك "

تنهد وقال " أنا شيء وأنتي شيء آخر "

تم ابتسم بحزن ونظر جانباً جهة المزرعة وقال " أنتي الآن لك

والدك الذي حُرم منك كل حياته وانتظرته كل عمرك وعليك

البقاء من أجله أما أنا فلا أحد لي "

نظر لعيناي فنزلت دموعي فشدني لحظنه وقال بحنان " عاقبني الله

يا قمر , بث أشعر بكل ما كنتي تشعرين به ... الوحدة الضياع إحساسك

أن لا أحد لك ولا أحد تتمسكين في الحياة لأجله , علمت الآن أي معاناة

كنتي تعيشينها معي في الماضي كما أني في الماضي شعرت بما تشعرين

به الآن أن ملاذك الوحيد أكثر شخص جرحك والحضن الذي تحتاج

لأمانه هوا آخر من تفكر في اللجوء إليه ودوائك هوا سبب جراحك

أنا أعذرك يا قمر وأعلم بما تشعرين الآن "

اكتفيت بالبكاء وأنا أمسك قميصه بقوة وأدفن وجهي فيه وهوا يشدني

لحظنه أكثر ولا شيء يشهد على مأساتنا سوى برد الشتاء ولا شيء

دافئ هنا إلا هذا الحضن الذي يحتويني فلا لجوء إلا إليه ولا ضياع إلا

فيه أبعدني عنه ومسح دموعي وعدل المعطف على جسدي ثم أمسك

وجهي وقال " قمر يوم تشعرين باحتياجك لي إن كنت ضمن الأحياء

فلا تترددي لحظة وإن كنت ميت فأكون قد يئست من انتظارك "

تم وضع يداه على كتفاي وقال ونظره للأرض مطأطأ برأسه للأسفل

" ليلة البارحة كانت آخر عمليات التمشيط العسكري لكافة الأجهزة الأمنية

في البلاد لقد بتروا بؤرة الشر وأصيب والدك في ذراعه لكنه بخير , الليلة

سيظهر ومجموعة من الضباط في القناة الأرضية "

نظر بعدها لعيناي وقبل شفتي وقال بحزن " اعتني بنفسك جيداً يا قمر "

وغادر بعدها على الفور وتركني واقفة مكاني لا شيء معي سوى

معطفه الذي تحركه الريح وأشده حول جسدي بقوة , دخلت راكضة

وتوجهت لغرفتي وأخذت هاتفي اتصلت بوالدي كثيراً ولم يجب ثم

وصلتني رسالة فتحتها فكانت منه وكان فيها ( قمر اعذريني أنا مشغول

الآن عند المساء سأتصل بك .... أحبك بنيتي )

مسحت دموعي وخرجت راكضة للمجلس الداخلي ونظرت بصدمة

وقلت " جدتي لما أنتي وحدك أين ضيفتاك !! "

ضحكت وقالت " غادرتا "

قلت بحيرة " ولما أليستا ستبقيان لأيام ! "

قالت رافعة كتفيها " هكذا حكمت سوزان وأخذت والدتها وغادرت "

قلت بصدمة " لماذا !! "

قالت ببرود " لحقت برائد وهوا يغادر , غابت لوقت ثم عادت غاضبة

وأمرت والدتها بالرحيل وقالت أنها لن تأتي هنا ثانيتاً لأنه أهانها "

قلت بحزن وعيناي للأرض " أنا آسفة يا جدتي كل هذا بسببي "

قالت بابتسامة " جنت على نفسها ما دخلك أنتي , ها أخبريني ما

الشيء الذي كنتي قادمة ركضاً لقوله "

قلت بابتسامة " والدي انتهت مهمته أخيراً وسيعود إلي "

وقفت وحضنتني مباركة لي وقالت " حمدا لله يا ابنتي "

وعند المساء كنت أمام التلفاز ولم أفارقه لحظة حتى عرضوا مجموعة

الضباط الذين قاموا بالعملية ووالدي كان يجلس معهم يده مربوطة لعنقه

تكلموا جميعهم حتى حان دوره وما أن بدأ بإلقاء تحية الإسلام حتى نزلت

دموعي من فورها ثم قال " كلنا فداء للوطن من أجله نحيا فهوا من أجلنا

كان فحتى إن بُترت يدي ما كنت لأتألم لفقدها في سبيله , لقد شهدت البلاد

الأيام الماضية عملية كبيرة لإنقاذها ممن يريدون الفتك بها فأشكر جميع

الضباط والعقداء وضباط الصف وكل من ساهم معنا من المخابرات للجهاز

الأمني الداخلي والخارجي لرئيس البلاد أولاً وأخيراً ولله قبل الجميع

وأعتذر من ابنتي الحبيبة قمر نور عيناي وحياتي المتبقية من خسرت والدتها

وطفولتها بسببهم , هي فخري وعزتي ومَن أنا مِن أجلها أعيش باقي أيامي وأشكركم على إتاحة ... "

انخرطت في نوبة بكاء شديدة والجدة تهدئني , كانت المرة الثانية في حياتي

أبكي فيها من سعادتي والسبب نفسه عودة والدي لي , بعد قليل رن هاتفي

فكان والدي المتصل أجبت على الفور فقال بصوت مبتسم

" لما البكاء قمر لو فقط أعلم ما الشيء الذي لا يبكيك "قلت بسعادة وأنا أمسح دموعي

" أبي هل أنت بخير حمداً لله الذي ردك لي سالماً "قال " بخير بنيتي مجرد خدش بسيط طمئنيني عنك كيف صحتك "

قلت ببحة بسبب كثرة البكاء " بخير متى ستأتي لأخذي معك "قال بعد ضحكة " لا يسمعك أحد هناك ويضن أنك

متضايقة من وجودك معهم "قلت بابتسامة " لا أحد سوى الجدة وهي تعلم أني أحبها

وأريدك أن تأتي سريعاً "قال " يومين فقط حبيبتي لأني مشغول وسآتي لأخذك معي

لمنزلنا ولن نفترق ثانيتا حتى الموت "

قلت بهدوء " لن أعطلك عنهم , اعتني بنفسك أبي وعد سريعاً "

قال بحنان " بالتأكيد بنيتي سأكون لديك ما أن ننتهي من باقي عملنا

وداعاً الآن ولا تنسي أن تبلغيهم سلامي "

بعد يومين قضيتهما في الانتظار ولم أنم فيهما لحظة ولم يكن رائد

موجوداً وغادر منذ كلامه معي في المجلس , جاء أخيراً الوقت الذي

سيأتي فيه والدي دون تخفي ولا تنكر ولا خوف ولا حراس

كنت أقف في الخارج رغم إصرار الجدة أن أدخل عن البرد لكن قلبي

لم يطاوعني ولو كان الأمر بيدي لخرجت للطريق لانتظره

دخلت سيارته بعد وقت فهم تركوا الباب مفتوحاً بطلب مني ليدخل

مباشرة , اقترب بسيارته ونزل منها فركضت نحوه وارتميت في حضنه

باكية وهوا يمسح على رأسي ويقول " اشتقت لك قمر كم اشتقت لك "

كنت أبكي فقط وأتمسك به بقوة وكأنه سيطير مني أو يختفي ثم قلت

بعبرة " أحتاجك والدي أقسم أنني أحتاجك "

أبعدني عن حضنه ومسح دموعي وقال " لن تبقي بلا سند بعد اليوم

لن تنهاني ولن يجرحك أحد ولا بكلمة وسأمسح الأرض بمن يضايقك يا ابنتي الغالية "

نمت في حضنه بهدوء وقلت " حتى آخر العمر أبي لا تتركني أبداً "

قال بابتسامة " هيا دعيني أدخل وأسلم على الجدة وابنها وأشكرهما لنغادر "

دخلنا وودعت الجدة بحرارة وكان وداعاً مؤلما فكم اعتدت عليها وكم

أحببتها لتعاملها معي , صافحها والدي وقال بجدية " شكراً لك لما فعلته من أجل ابنتي فلن أنسى جميلك ما حييت وأي شيء تحتاجانه اتصلا بي

فقط رقم هاتفي مسجل لدى ابنك "

قالت بابتسامة " لا تشكرني على واجبي هي في مقام أحفادي

بل في قلبي أغلى من الجميع , نِعم ما أنجبت وربيت يحفظك الله

لها ويحفظها لك واعتنوا بصحتها جيداً فهي تهملها كثيراً "

قال مبتسماً " لا تخافي أنا لها بالمرصاد , شكراً لكما مجدداً

واعذرينا علينا المغادرة للوصول قبل المساء "

قالت " ألن تتناول العشاء معنا ؟! "

قال " في المرة القادمة سأزوركم وقمر ونتناول الغداء والعشاء "

قالت مبتسمة " مرحباً بكما في أي وقت واعتبرا المزرعة بيتكما الثاني ولا تنسونا "

خرجنا مغادرين وركبت سيارة والدي للمرة الأولى ويدي في يده

طوال الطريق أنظر له غير مصدقة , أخذني لمكان غريب ومقطوع وقال " هيا انزلي يا قمر "

قلت باستغراب " أين نحن !! "قال مبتسماً " والدتك ألا تريدين زيارتها "

نزلت دموعي وقلت بحزن " قبرها هنا ! لما وحيد في مكان مقطوع "

قال بحزن " هكذا حكمت الظروف حينها هيا انزلي "

نزلت معه وكان الريح البارد يعصف بثيابنا بشدة , وصلنا لقبرها

المرتفع قليلاً عن الأرض فنزلت عنده وحضنت ترابه وبكيت بألم

وأنا أقول " أمي حبيبتي كم أشتاق لك لقد أخذ والدي بحقك وحقي

منهم جميعهم , أحبك أمي ونحتاج وجودك معنا "

أمسك كتفي وقال بهدوء " قمر توقفي فهذا لا ينفع في شيء

ادعي لها بالرحمة والمغفرة "

وقفت ومسحت دموعي ورفعت كفاي ودعوت لها كثيراً بكل ما

أعرفه من دعوات ثم نظرت لوالدي وقلت

" لما تبقى هنا وحدها لا تتركها هنا أرجوك أبي "

تنهد وقال " نبش القبور أمر لا يجوز حبيبتي ولا يرضاه الله سنبني

سورا حوله ونجعل المكان مقبرة يدفن فيها باقي أموات المسلمين

لقد اشتريت كل هذه المساحة وسنجعلها مقبرة ثوابها لوالدتك "

حضنته وقلت بحب " شكراً لك أبي رغم أن السور سيمنعني من

زيارتها لأني امرأة لكن سيسعدني أن لا تبقى وحيدة وأن لا يدنسوا

قبرها مع مرور الزمن "

حضنني وقبل رأسي ثم غادرنا المكان وتوجهنا لجسر المدينة

وأوقف السيارة وقال " هنا وعدتك قديماً بشيء وعليا الإيفاء به "

قلت باستغراب " وعدتني هنا !! "

قال مبتسماً " نعم هيا انزلي قد تتذكرينه "

نزلنا معاً وسار بي نحو رجل يبيع المثلجات , يبدوا الأمر جنونياً

ونحن في هذا الشتاء والبرد ولكن الناس تشتري منه دائماً وما أن

اقتربنا منه حتى قلت بدهشة " نعم تذكرت وعدتني أن نعود اليوم التالي

لتشتري لي لأن الجو حينها كان بارداً جداً فبكيت كثيراً في الطريق

ووالدتي تحاول إسكاتي ... نعم أذكره جيداً "

قال بابتسامة حزينة " نعم وفي اليوم التالي كانت والدتك ميتة وأنا في

السجن وأنتي في منزلنا وحيدة "

ابتسمت ومسحت عيناي كي لا أبكي , اشترى لي واحدة كبيرة أكلت منها

حتى شبعت وأنا أسعل من برودتها وهوا يضحك علي وأنا أضحك معه ثم

أخدها مني وقال " يكفي لا تنسي نفسك "

ضحكت وقلت " لا لم أنسى سأشرب شيئاً حاراً جداً لتتعادل الأمور "

ضحك وضمني بذراعه وسار بي على الجسر , كنت أتمسك بمعطفه

مثل عاشقان وليس ابنة ووالدها , نعم هذا ما كنت أحتاجه حنان والدي

ليملأ نصف الهوة في داخلي وقد أجد يوماً ما بعيداً جداً شخصاً مثله يملأ

الجزء الآخر منها , كنا نسير وهوا يحكي لي عن طفولتي ووالدتي وأنا

أضحك من تصرفاتي عندما كنت طفلة وأشعر أنني ملكت الدنيا بما فيها

حتى استوقفنا صوت رجولي مرتفع ينادي " قمر "

التفتنا كلينا لصاحب الصوت فكان ... حيدر

تنفس بقوة وكأنه كان يركض لمسافات كبيرة , نظر لي ثم لوالدي ثم لي

وقال بهدوء " قمر رائد في المستشفى

يتبع........
 
الفصل الثـلاثـون والأخير
رواية منازل القمر للكاتبة المبدعة برد المشاعر

تنفس بقوة وكأنه كان يركض لمسافات كبيرة نظر لي ثم

لوالدي ثم لي وقال بهدوء " قمر رائد في المستشفى "

بقيت أنظر له غير مستوعبة ما قال وكأن عقلي نبهني أن ثمة شيء

في حياتي ركنته جانبا , شيء عالق في عقلي الباطن واستيقظ من

جديد , كنت كصورة معلقة في الشارع ونظري عليه فتابع قائلا

بعدما طال صمتي " الشهرين الماضيين تدهورت صحته بسبب

إفراطه في التدخين وهوا على حاله يرفض العلاج وفي الثلاثة

أيام الماضية سجن نفسه في منزله حتى كسرنا عليه الباب ووجدناه

مرمي أرضاً وهوا الآن في المستشفى منذ ليلة البارحة "

تحركت عيناي من عليه ورفعت رأسي ونظرت لوالدي فابتسم

لي وقال " كما يريد قلبك يا قمر "

بقيت انظر له في صمت وعيناي تمتلئ بالدموع وكأنها تريد البوح

عما يعجز عنه لساني فضمني له وقبل رأسي ثم نظر لحيدر وقال

" في أي مستشفى هوا "

قال من فوره " هنا في مستشفى العاصمة "

عدنا للسيارة وانطلق من فوره متجها إلى هناك , كنت في صمت

الأموات كمن يحملونه للمجهول وهوا يعلمه ولا شيء يتحدث سوى

محرك السيارة , ووالدي لم يتكلم عن شيء ولا عن صمتي , وصلنا

بسرعة فنزلت راكضة دون شعور , دخلت وتوجهت من فوري جهة

السلالم , كان والدي يناديني لنسأل عن غرفته أولاً لكني صعدت من

فوري وكأن ثمة من يقودني حتى وصلت للغرفة التي أخذني إليها قلبي

قبل قدماي , كانت مفتوحة وقفت عند الباب وكان ثمة ممرضة أمام

السرير تخفيه عني ولا يظهر منه سوى ساقيه إحداهما على الأرض

والأخرى فوق السرير ويبدوا جالسا ومتكأ على ظهر السرير

كانت الممرضة تقول بضيق " يا سيد دعني أنجز عملي أرجوك

فعليا حقنك بالمغذي لنسكب فيه العلاج "

قال بصوت متقطع الأنفاس وكأنه كان يركض

" اتركيني أرحل قلت لك "

تأففت الممرضة بضيق فاستجمعت قواي المبعثرة على عتبات

أبواب المستشفى ململمة بقايا حواسي وقلت بصوت هادئ منادية

" رائد "

ابتعدت الممرضة تنظر لي وظهر هوا من خلفها , كان وجهه شاحباً

ولحيته بدأت بالظهور دون حلق , نظر لي مطولاً بعدم استيعاب لأشعر

أن أنفاسي تتقطع كأنفاسه وكأن ما به أصبح بي فابتسم ابتسامة صغيرة

وكأنه يجبر شفتيه المتعبتان عليها ثم مد يده اليمنى لي وقال بهمس خافت

بالكاد تتحرك معه شفتاه " تعالي "

هززت رأسي بلا وعيناي تكادان تدمعان فقال بهمس " لما حبيبتي "

قلت بحزن " ليس قبل أن تتركها تعطيك العلاج "

مد يده لها من فوره فغرست فيها المغذي بخفة وسرعة وبدأت بسكب

العلاج فيه ثم خرجت وفتح لي ذراعاه وقال بابتسامة " تعالي يا قمر "

ركضت جهته وارتميت في حضنه وكأني أنام فيه للمرة الأولى

بل كانت بالفعل أول مرة أرتمي في حضنه من تلقاء نفسي , لأول

مرة أشعر بمغناطيسية جسده بل لأول مرة يجذبني شيء غير الأرض

ضمني إليه بحنان وقال " وأخيراً طفلتي الحبيبة فتاة طفولتي وحب

شبابي وشريكة حياتي لقد تأخرتِ عني كثيراً "

كنت أدس وجهي في صدره ولا شيء سوى البكاء , أدفن وجهي حيث

الأضلع التي تتنفس بقوة وصعوبة ويخرج منها صوت كالصفير من تعب

رئتيه وصعوبة تنفسه , قبل رأسي وقال " يكفي بكاء يا عذاب رائد وقلبه يكفي "

كنت أتمسك به كورقة شجر تعصف بها الريح تتمسك بالغصن كي لا تفقده

وقلت بعبرات " لا تمت لا تفعل هذا "

مسح على ظهري وقال " ما كان للحياة معنى من دونك حبيبتي

لا يمكنني العيش معك لذلك لا يمكنني العيش بدونك "

ابتسمت من بين دموعي وقلت " ما أقساه من شعور لقد جربته "

ضمني له بقوة أكبر وقال " علمت الآن لما لم يستحمل قلبك كل ذلك

سحقاً للحب كم هوا مهلك ومضر "

جلست ومسحت دموعي انظر لملامحه المتعبة لوسامته التي بدأ

يشوبها المرض ثم مددت أصابعي ومسحت على وجنته المرهقة

وكأني أريد إزالة كل هذا عنها فشدني لصدره مجدداً اتكئ عليه

بهدوء وقال " لم يفهموا أن علاجي أنتي وهذا الصدر يحتاجك

ليعيش وهذه الرئتين تحتاج وجودك وقربك لتتنفس فما كان

سيجدي علاجهم دونك "

مسحت على صدره بيدي وقبلته لعلي أعطيه من صحتي الناقصة

لأزيل هذا عنه فغمر وجهي فيه بيده وقال ونظره للسقف

" أخبريهم يا وجه القمر ..... يا ضحكة سنين الطفولة يا مراجيح القدر

أخبريهم كيف يرجع بي العمر ..... وتختفي كل الرجولة عند عيناك

الخجولة وينصهر حتى الحجر ..... كيف يشتاق البشر علميهم كيف

يشتاق البشر ... حين تنعدم الكهولة والفحولة عند بابك كل لحظة

تنحسر ..... ذكريهم أنتي يا وجه القمر يا أحاديث الطفولة يا ملاذي

يا تعابير المعاني والصور .. أخبريهم يا حبيبتي يا قمر "

قبلت صدره مجدداً هذا الصدر الذي تخرج منه هذه الكلمات العذبة

ويئن بين كل كلمة وأخرى مصدراً صفيراً متألماً ثم نمت عليه وقلت

" رائعة يا رائد "

ثم رفعت وجهي له وقلت بابتسامة مائلة

" ماذا فعلت بأشعار الخيانة القديمة "

ضحك وشد أنفي بإصبعيه وقال " تخلصت منها منذ شهور "

جلست مبتعدة عنه فمسح بيده على وجهي مبتسماً ثم سعل كثيراً وقبض

بيده على قميصه بقوة عند صدره ثم بدأ بضربه بقبضته وهوا يسعل بشدة

فوقفت وأمسكت يده وقلت " رائد توقف عن ضربه أنت تؤذي نفسك بهذا "

اتكئ للخلف ونظر للأعلى وتنفس بقوة عدة مرات وقد توقف عن

السعال , نظرت للمغذي وقلت بضيق " لما هكذا يسكب بسرعة , تلك

المغفلة من أخبرها أنك تريد أن تموت وأنه لا أحد يحتاجك "

ابتسم ونظر لي وأنا أعدل سرعته وقال

" لا أحد غيرك قد يحتاجني ليشعر بي "

نظرت له وهززت رأسي بلا وقلت " ومن قال أنه لا أحد

غيري يحتاج وجودك في هذه الحياة "

عاد بنظره للأعلى وقال " الجميع يعيشون حياتهم لهم أزواجهم

وأبنائهم فإن لم تحتاجي أنتي لي فلن يحتاجني أحد يا قمر "

بقيت أنظر له باستغراب , ما الذي يجعله يفكر هكذا ! هوا الآن يمر

بكل المراحل التي مررت بها سابقاً , أمسكت يده ورفعتها نحوي قائلة

" بلى هناك من يحتاجك غيري بل وأكثر مني "

تم وضعت يده على أسفل بطني وابتسمت بعينان تمتلئ بالدموع وقلت

" هنا يوجد من يحتاجك "

نظر ليده بصدمة ثم لي وقال هامساً بابتسامة دهشة " ابني "

مسحت دمعتي وقلت بابتسامة " بل ابنيك "

فتح فمه مندهشاً ثم قال بصوت مصدوم " تؤم "

هززت رأسي بنعم مبتسمة له فحضنني عند خصري وغمر وجهه

فيه يقبله ويحضنه ويشده بقوة ويبكي دون كلام وأنا أمسح على رأسه

وأبكي وأدركت حينها أني نقطة التحول الفعلية في حياته وأني من ستوفر

له ما فقده سنين هجرانه لأهله , نعم كنت أنانية حين فكرت أني وجدت

والدي ولم أعد أحتاجه ونسيت أنه هوا من يحتاجني فلن تعود والدته للحياة

ولا والده الذي لا تؤثر عودته من عدمها فلن يجد الحنان والأمان عند أحد

إن لم يجده عندي , لعبت بشعره بين أصابعي وقلت بابتسامة حزينة

" رائد أنت تؤلمني ستخنقهما "

خفف من شده لي وقبل بطني مجدداً ثم نظر لعيناي وقال

" لا أصدق هل أنا في حلم ! هل كل هذا لي وحدي "

تحمحم حينها أحدهم في الخارج فابتعد عني ووقف والدي عند

الباب , نظر له رائد ثم لي ثم امسك يدي وقال بجدية ونظره

على والدي " لن تأخذها مني , لن تأخذها إلا على جثتي "

ابتسم والدي وقال " لن اجبرها على مالا تريد "

ثم اقترب منا وتابع قائلا " لقد حُرمت منها سنين حياتي وهي من

تبقى لي ولن أفعل شيئاً يحزنها أبداً ومهما كان ضد رغباتي "

ثم وضع يده على كتفي وقال " هيا يا ابنتي عليك أن ترتاحي

تعلمين وضعك جيداً واليوم كان شاقاً عليك "

تابع بعدها بابتسامة " ولا تنسي أنك تناولتِ علبة كبيرة من المثلجات قد تسبب الحمى لحفيداي "

شهق رائد بصدمة وقال ناظراً لي " علبة مثلجات

في هذا الوقت وأنتي حامل !! "

قلت بضحكة " سأشرب قدراً كبيراً من الشاي الساخن

ليأخذا حماماً ساخنًا "

قال بضيق " قمر لو أعلم لما لا تهتمين بصحتك "

قال والدي بابتسامة " الشيء المثلج لا يضر في الشتاء ولو كنت

أعلم أنه سيضرها ما اشتريته لها بنفسي "

نظر لنا بعدم رضا ولا اقتناع فنظرت لوالدي وقلت " هيا لنغادر "

وقف وقال " أين تأخذها سأذهب معكما "

أمسكته من ذراعيه وأجلسته على السرير وقلت " لن تخرج من هنا قبل

أن تنهي فترة العلاج وستوقف التدخين فوراً مفهوم "

ابتسم واضطجع على السرير بتعب وقال

" أمري لله تعالي لزيارتي في الغد "

اكتفيت بالابتسام له دون رد وخرجت ووالدي أسير بجانبه مجتازين

ممرات الطابق الثالث من طوابق المستشفى وقال بعد صمتنا الطويل

" الطبيب قال أن رئته اليمنى متضررة كثيراً لكن مع العلاج والتغذية

الجيدة وإيقاف التدخين ولو بالتدريج سيصبح أفضل "

قلت ونظري أرضاً ونحن ننزل السلالم

" أبي هل ترضى برائد فقط من أجلي "

وضع يده على كتفي ونحن ننزل آخر عتبة وقال

" بل لأنه يحبك وأثبت ذلك لي دون علمه "

نظرت له باستغراب فقال مبتسماً " لا تسألي عن المزيد فلن أجيب "

اتكأت على كتفه العريض سائرين للسيارة وقلت بابتسامة

" أنتم هكذا الرجال تعشقون الغموض والإثارة "

قال ضاحكاً وهوا يفتح لي الباب

" الحياة علمتنا ذلك يا صغيرتي هيا اركبي بهدوء "

ضحكت وقلت وأنا أدخلها " أعانني الله عليكما

مؤكد ستصيبانني بالجنون "

عدل معطفي على جسدي وكأنني طفلة يركبها السيارة في البرد

بل يبدوا لي والدي يعيش الآن كل ما حرم منه منذ فقدني طفلة

أغلق زر المعطف وقال بابتسامة " لا تتركيه مفتوحاً ما نفعه حينها "

أمسكت يده وقبلتها وغمرت وجهي فيها أبكي سنين فقدي له وحرماني

منه فكم احتجت هذه اليد كل حياتي , كم احتجت ليد تمسح على رأسي

بحنان وتعتني بي , يد لم تعوضها حتى يد عمتي الحنونة , أمسك

وجهي ومسح دموعي وقال بابتسامة " سيمسكون بنا الأمن هنا ضنًا

منهم أننا عاشقان يستغلان سور المستشفى "

ضحكت وقلت " وكيف يمسكون من هوا في مركزك لقد رأيت

بعضهم يضربون لك التحية "

أغلق بابي ضاحكاً ثم ركب وقال " قد يكون بينهم من يكرهني "

خرجنا من المستشفى وسرنا بعض المسافة ثم نظرت له وقلت

" أين سنذهب ؟ "

قال ضاحكاً " للمنزل طبعاً ألم تتعبي من لف الشوارع والسير "

ضحكت وقلت " ليس ذلك أعني قصدت منزلنا قديماً أم منزل آخر "

نظر لي وقال بنبرة حزن " بل اشتريت غيره , كان

صعباً عليا العيش فيه أو بيعه "

حضنت ذراعه بحب , كم عانيت يا سبب وجودي في هذه الحياة

كيف ستعيش في منزل تلطخ بدماء زوجتك وفقدتها فيه وأخرجتها

منه جثة مطعونة في كل مكان , غمرت وجهي في ذراعه وقلت

بحب " لا يفعل الله لنا أمراً إلا لخير وحمداً لله أن جمعني بك ثانيتاً "

وصلنا لمنزل كبير بطابقين في أحد الأحياء الراقية وفتح بابه بجهاز

التحكم ودخلنا بالسيارة , كان في فناء المنزل حديقة جميلة ونافورة

ذكرني بمنزل عمتي , نزلنا من السيارة ودخلنا للداخل وما أن تخطينا

الباب بخطوات حتى نادى والدي بصوت مرتفع " سويتا "

لتخرج الخادمة مسرعة من أحد الأبواب , وقفت عندنا وقالت بعربية

مكسرة " نعم سيد "

قال والدي واضعاً يده على كتفي " هذه ابنتي قمر "

انفتحت عيناها ونظرت لي بسرور ضامه يديها لصدرها وقالت " قمر جميل حمدا لله أنت رأيته "

قلت بابتسامة " تبدوان أصدقاء "

قال والدي " سويتا كانت تراني حزيناً وتسأل دائماً دون توقف فأخبرتها

أنه لي ابنة لا أستطيع الاقتراب منها ولا جلبها هنا , وحدها كانت تؤنس

وحدتي الثلاثة أعوامٍ الماضية "

نظرت لها وقلت بابتسامة " هل لديك أبناء "

هزت رأسها بلا ثم قالت بحزن " كنت مهاجر بدون شرعي أمسكوا بي

أنتم هنا كانوا سيضعونني أنا في السجن سيد بشير أحضرني "

ثم قالت بابتسامة " وأنت لديك أبناء "

قلت مشيرة لبطني " لدي هنا "

ثم أشرت لها بأصبعين وقلت " اثنان "

شهقت ثم قالت بسعادة " واحد أنت وواحد أنا "

ضحكنا عليها كلينا وقال والدي " خدي الحقيبة بسرعة وجهزي

لقمر الحمام إن وجدتي الثرثرة تنسي نفسك "

ضحكت وأخذت حقيبتي متوجهة بها للأعلى

نظر لي والدي وقال " تعالي معي هناك ما عليك رؤيته "

تبعته في صمت فدخل بي لغرفة لا يوجد بها أثاث كانت خالية

سوى من صندوقان كبيران , اقترب منهما ووضع وسائد أرضة

كبيرة أمامهم وقال " تعالي يا قمر "

توجهت نحوه وجلست على الوسادة ففتح الصندوق وبدأ يخرج ما

فيه ويقول " هذا قميص والدتك المفضل "

وضعه في حجري ثم أخرج آخر وقال " هذا ارتده في آخر عيد لها معنا "

وضعه في حجري أيضاً واستمر يخرج أغراضها " هذا عطرها

المفضل هذه ساعتها الذهبية هذا العقد أهديته لها يوم حملت بك هذه

الأساور كانت تلبسها دائماً هذا منديلها هذا خاتم زواجنا "

كان يخرج الأشياء ويضعها في حجري وكأنه يخرجها من قلبه بل

وكأنه يخرج ذكرياته من صندوق أمانيه , كانت دموعي تنزل من

عيناي تعبر خداي لتسقط على أغراضها المكومة في حجري أبكي

والدتي التي لم يتبقى منها سوى أغراضها وثيابها وأبكي أكثر والدي

الذي يعيش مع هذه الأشياء وحيداً محروماً حتى مني , فتح الصندوق

الآخر أخرج فستاناً صغيرا للغاية وقال " هذا أول فستان ألبسته لك

والدتك في أول مرة تخرجك من المنزل "

وبدأ يخرج محتوياته من فساتين للعب لدمى وحتى الرضاعة الخاصة

بي وجهاز قياس الحرارة كان يحتفظ به فيها , حضنت ثياب والدتي

أغمر وجهي فيهم استنشق عطرها وحنانها ثم جمعتهم وأعدتهم للصندوق

أثبت نفسي كي لا أعود للبكاء من أجل والدي قبل نفسي , رتبتهم بهدوء

وقلت " أبي هذه الأشياء لن تزيدك إلا حزناً وشوقاً

وفقداً عليك بدأ حياتك من جديد مع من تجبر كل كسور الماضي "

أعاد إخراجهم وقال بابتسامة " قمر يا ابنتي أنا أقوى من أن أعيش

سجين الماضي , هذه الأشياء من أجلك صغيرتي واحتراماً لذكرى

والدتك أن تكون لك من بعدها "

حضنت ذراعه بحب , كم أنت رجل رائع يا والدي وينذر وجودك

بين بني البشر , مسح على وجي وقال " ها قد عوضني الله بأن عدتي

لي سالمة وعدت لك حياً ولن يفرقني شيء عنك حبيبتي "

ابتعدت عنه ونظرت لأصابعي وقلت بهدوء " كنت أود تأجيل الحديث

في الأمر حتى الغد لكن مادمت تحدثت عنه ..... "

ساد الصمت طويلاً حتى قال " ما بك قمر تكلمي "

نظرت له وقلت " بشأن رائد قد لا يتقبل فكرة بقائنا معك , لا أود

تركك والدي ولا يوم ولا لحظة ولا حتى ثانية ولا أريد أن نفرض

عليه ذلك بالأوامر أي أعني ....... "

لعب بغرتي بأصابعه وقال بابتسامة " أفهمك لا تريدي أن تشعريه أننا نقتل

شخصيته ونفرض رأينا عليه , نعم هكذا أريدك ولن أغضب من كلامك "

قلت بابتسامة " لن أتركك وعليا إقناعه إما أن نعيش معك أو تعيش معنا "

ضحك وقال " أين ستستقبلون ضيوفي فأنتي لم تريهم "

قلت ضاحكة " إن اضطررنا نستعين بسطح المنزل "

قال وهوا يقف " سنجد حلاً للأمر لاحقاً وسنترك الحديث عنه حتى

يخرج من المستشفى , هيا عليك النوم الآن لا تُعلمي أحفادي السهر "

وقفت وقلت بابتسامة " حسناً ولكن عليا أخذ كل هذه معي لغرفتي "

قال وهوا يضم كتفي حاثاً إياي للسير معه " ستأتي سويتا لحملهم

ولكن ليس الليلة طبعاً فعليك أن تنامي الآن وفوراً "

صعد بي سلالم المنزل وأوصلني حيث غرفتي قبل جبيني وقال

" تصبحين على خير بنيتي إن احتجتِ شيئاً غرفتي المجاورة لغرفتك "

ابتسمت له بحب وأومأت برأسي موافقة فأمسك وجهي وقال

" الكوابيس أعني قمر "

ابتسمت ابتسامة صغيرة وقلت " لا عليك سننتهي من مشكلتها قريباً "

قال ضاحكاً " نعم فسيأتي طارد الكوابيس , ذاك المجرم ما يحز

في نفسي أنه لم ينل عقابه مني "

قلت بتذمر " أبيييي "

ضحك وقبل خدي وقال " لا تقلقي لن أضايقه ولا بكلمة ياله من

محضوض ذاك الرائد يفترض به أن يقبل قدما خالك وزوجته

على سجنهم لك في سطح ملاصق لمنزلهم "

ضحكنا كلينا ثم غادر ودخلت أنا الغرفة , كانت جميلة ومرتبة ستائرها

الأغطية المفارش فرش الأرض كلها باللون البنفسجي , أخذت حماماً

دافئاً وصليت العشاء المتأخر قبل أن يخرج وقته وقرأت في كتاب الله

كثيراً ودعوت لوالدتي وحمدته على كل ما أعطاني ونمت على سريري

الجديد في منزل والدي , أمور ضننت أنها لن تتحقق يوماً , كانت أحداث

اليوم أقوى من أن أرتب أفكاري لاستيعابها ... زيارة قبر والدتي ورائد

ومنزل والدي وأغراض والدتي , كان اليوم حافلاً بالأحداث الجديدة

الغريبة , مر الوقت وأنا على هذا الحال وقد فارق النوم عيني حتى
شعرت بالضجر فخرجت من سريري ومن الغرفة لباب غرفة والدي

وطرقت الباب طرقات خفيفة لأتأكد إن كان نائماً أم لا فجاءني صوته

مباشرة " ادخلي يا قمر "

فتحت الباب بهدوء فكان يجلس على السرير ممسكاً جهازه الحاسوب

ويرتدي النظارات الطبية , نظر لي بابتسامة ثم ربت بيده على السرير بجانبه وقال " تعالي بنيتي أنا لم أنم بعد "

دخلت مبتسمة وأغلقت الباب خلفي وتوجهت لسريره وجلست بجانبه

فضمني له بذراعه وقال " هل نمتِ واستيقظتِ أم خفتي ولم تنامي "

قلت مبتسمة " وهل تراني طفلة سأخاف دون سبب لقد فارق النوم عيني

فجئت لأتأكد أنني لا أحلم وأنك حقيقة "

ضحك وقبل رأسي ثم قال " حسناً أنظري ما سأريك "

فتح ملفاً في حاسوبه كان مليئاً بالصور كلها لي في طفولتي وله ووالدتي

صور لحفلات ورحلات وزياراتنا للبحر وصوري وأنا مولودة وكل مراحل

عمري , كنا نضحك على صور كثيرة متجنبين كلينا الحديث عن ذكرى

والدتي وكل واحد منا يراعي مشاعر الآخر ولا يريد أن يحزنه

كانت بينهم صورة لي ووجهي مليء بالشيكولاته وذبابة تقف على

أنفي وأنا أكشر محاولة تحريك أنفي لتطير منه وكانت مضحكة للغاية

قلت بضيق " كيف تلتقطون لي كهذه الصورة "

قال ضاحكاً " هي الأجمل والمفضلة لدي وسأجعلها واجهة لحاسوبي "

قلت باعتراض " لا هي سيئة امسحها قبل أن يراها رائد وتضحكان عليها معاً "

قال ضاحكاً " هكذا إذاً لا تريدي أن يراها "

وجهت الحاسوب ناحيتي وقلبت في الصور حتى وصلت لصورة

لي أحضن دباً صغيراً متكئة برأسي عليه وأبتسم فقلت

" هذه الأجمل ضع هذه وتلك تخلص منها "

أغلق الملف ثم الحاسوب وقال " هيا للنوم يكفي سهر "

غادرت سريره وقلت " إن أريتها له غضبت منك "

قال ضاحكاً " أعدك أن لا يراها حسناً "

قبلت خده وقلت مبتسمة " أجل هكذا أفضل تصبح على خير "

قال بابتسامة " تصبحين على خير "

عند الصباح استيقظت مبكراً استحممت وغيرت ثيابي ونزلت للأسفل

ووجدت الخادمة تعد طاولة الإفطار فقلت " سويتا أين أبي "

قالت وهي منشغلة بالأطباق " أبي أبي من أبي "

قلت ضاحكة " السيد بشير أب لي أنا يعني أبي "

نظرت لي وقالت " آآآآآآآآآآآه سويتا فهم , هوا يذهب باكراً ويعود في غداء ثم يذهب يعود في عشاء "

تم لوحت بيدها قائلة " شغل شغل وكثير يأتون هنا في مجلس

وهههههه أوووووه كثير ناس يرتدي مثل سيد بشير يأتي هنا "

ابتسمت وأنا ألف حجابي ثم ارتديت معطفي فقالت بتساؤل

" الفطور قمر جميل !! "

ضحكت وقلت " لا رغبة لي في الأكل سويتا جميل "

هزت رأسها بلا وقالت " سيد يقول تتناول إفطار يعني تتناول هيا بسرعة "

دخلت معها في صراع طويل ولم تتركني حتى أكلت , كم هي عنيدة

لذلك اعتمد عليها والدي في إفطاري , خرجت بعدها من المنزل وركبت

سيارة والدي الخاصة به لأنه يستخدم السيارة الخاصة بعمله وقد ترك لي

هذه لأتنقل بها حيث أريد , خرجت من المنزل متوجهة من فوري

للمستشفى , وصلت هناك أصعد الدرجات وشيء يناديني ويشدني بقوة

دخلت غرفته فكانت فارغة وسريرها مرتب فأمسكت بطرف الباب وأنا

أنظر للسرير بصدمة , لقد شعرت الآن بشعور من يدخلون على مريضهم

ويجدون غرفته خالية ياله من شعور مؤلم بل مرعب يفتت كل خلايا

جسدك خرجت للممر أنظر في كل اتجاه وقد شُلت حواسي وفقد عقلي

الإجابة عن كلمة تعني كيف أتصرف , شعرت بكم هائل من المشاعر

تخرج من قلبي , يبدوا هوسي به لم يغادرني لحظة ويبدوا أن رائد باقٍ

في قلبي هوا ذاته رائد طفولتي , كنت كتائه يبحث عمن ينقده مما هوا فيه حتى مر أحد الأطباء بجانبي فاستوقفته قائلة

" عذرا أيها الطبيب أين صاحب هذه الغرفة "

نظر لرقم الغرفة ثم لدفتر في يده وقال " غير مدون لدي في الكشوف

اليومية , لا أعلم فلم أناوب إلا الآن يمكنك السؤال عنه هناك لتعلمي

إن كان خرج أو مات "

ثم غادر بعدما صفع قلبي بآخر كلماته وبعدما شقني نصفين , ما أهون

هذه الكلمة لديكم معشر الأطباء ... مات هكذا بكل بساطة يقولها لي

ولا يعلم أنها تقتلني وتمزق أحشائي , استندت بيدي على الجدار لأني

بدأت أفقد توازني , خرجت حينها من آخر الممر تلك الممرضة التي

وجدتها بالأمس عنده , كانت في كل خطوة تقترب مني فيها تدوس بحدائها

على قلبي , كم تمنيت أن يصبح هذا الممر أطول بكثير كي لا تصل سريعاً

كنت أنظر لها كمن ينظر لملك الموت قادماً إليه , اقتربت أكثر فاستوقفتها

قائلة " أين رائد ؟؟ "

نظرت لي باستغراب وقالت " من رائد "

كم تهوون قتل البشر ! تنفست بقوة وقلت وأنا أشير على الغرفة

" المريض الذي كان هنا قابلتك عنده بالأمس "

قالت " آه نعم تذكرتك لقد خرج في الصباح الباكر أعتقد عند الفجر "

ثم غادرت وتركتني , كيف يخرج والطبيب قال لوالدي أنه يحتاج

لفترة علاج وقد طلب مني بنفسه أن أزوره اليوم ! غادرت المستشفى

في حيرة من أمري , اتصلت به ولا يجيب فاتصلت بمريم فأجابت من

فورها قائلة مرحباً قمر كنت أود التحدث معك لأبارك لك عودة

والدك ولكني خفت أن تكوني مشغولة "

قلت من فوري " مريم أين رائد هل هوا عندك "

قالت باستغراب " رائد !!! ولكن لما تبحثين عنه "

قلت بحيرة " ألا تعلمين أنه كان في المستشفى ! "

شهقت وقالت " في المستشفى متى ولما !! "

تنهدت وقلت " حسناً يا مريم سأتحدث معك لاحقاً وداعاً الآن "

أغلقت الخط واتصلت بأنوار فرقم حيدر ليس لدي , أجابت بعد

وقت فقلت من فوري " مرحباً أنوار هل حيدر بجانبك "

قالت بعد صمت " حيدر ولما ؟ "

قلت بنفاذ صبر " أجيبيني يا أنوار أين هوا "

قالت " ليس هنا هل أساعدك في شيء "

قلت " هلا اتصلتِ به وسألته عن مكان رائد "

قالت " حسناً في الحال ولكن ما الذي يجري "

قلت " أتصلي به واسأليه ثم نتحدث "

ركنت السيارة جانباً وبقيت أنتظر بملل , أين يختفي ولا أحد يعلم ولا

يجيب على هاتفه ؟ بعد قليل اتصلت أنوار فأجبت من فوري قائلة

" أين قال لك "

قالت بتوجس " لا يجيب على اتصالاتي , ماذا حدث

يا قمر هل تعلمين شيئاً ؟ "

قلت " لا لا أعلم شيئاً وداعاً الآن "

أنهيت الاتصال معها وشغّلت السيارة وتحركت , أين ذهب ومن

سيخبرني ؟ هل اتصل بوالدي يا ترى ولكن لا أريد شغله بأمر لا أعرف

مدى خطورته , آه نعم منزله هنا ولكن أين وكيف سأعرف عنوانه وحيدر

لا يجيب , اتصلت بأسعد فرقمه مدون لدي من أيام عملي لصالح صحيفتهم

فأجاب من فوره قائلا " نعم من معي "

قلت بهدوء " أنا قمر بشير ضننت رقمي مسجلا لديك "

قال " آه قمر زوجة رائد اعذريني لقد مسحت رقمك بأوامر

من زوجك الغيور بما أخدمك "

قلت بعد تردد " هل تعرف عنوان منزل رائد هنا "

قال " نعم هل تريدينه "

قلت " نعم لو سمحت "

أعطاني العنوان وتوجهت له من فوري وصلت المنزل ونزلت ووقفت

عند الباب بتردد ثم مددت يدي لأطرق عليه فانفتح ما أن لمسته يدي

فأمسكت قلبي من شدة خوفي ... يا إلهي ما حدث معه لما منزله مفتوح

أعرف رائد جيداً حريص ناحية هذه الأمور , لما يحدث معي هذا من

أخبرهم أنني أريد أن أفقد حياتي بفقدي له لما لم يرحمني منهم أحد

دفعت الباب ببطء ودخلت فكان المكان ساكنًا ولا أصوات تخرج منه

فتوجهت للصالة دفعت الباب ودخلت ففوجئت بالزينة والهدايا وبالجميع

هنا رائد ومريم وأبنائها الذين يغلقون لهم أفواههم ليسكتوا وأنوار وحيدر

نظرت لهم بصدمة ثم لرائد الذي فتح ذراعاه لي لأركض نحوه وأرتمي

في حضنه كمن عادت له الحياة مجدداً كمن وجد الماء بعدما فقد الأمل في

الحياة وسيموت عطشًا , كنت أتعلق بعنقه وأدفن وجهي فيه وهوا يشدني

لحظنه بقوة وكأن ثمة من سيسرقني منه , كنت أحتضنه وأبكي وقد عجز

لساني عن نطق الحروف فقال وهوا يشد على جسدي بذراعيه بقوة

" يكفي بكاء يا حبيبة رائد ويا قلب رائد يا ماضيه وحاضره وأمل مستقبله "

تمسكت به أكثر وقلت " لقد أخفتني عليك وكدت أموت "

مسح على ظهري وقال " آسف حبيبتي أردتها مفاجأة "

كنت أتعلق به أكثر وهوا يرفعني إليه ويحضنني بقوة وكأننا لوحدنا في

هذا المنزل بل وفي الكون بأسره وقد رفضت دموعي أن تتوقف ورفض

البكاء أن يفارقني وكيف لي أن لا ابكي وأنا أحضن الرجل الذي طالما

تمنيت أن أتملكه أن يحضنني بحب وأن يشعر بي وبمشاعري اتجاهه

أحضن الحلم الذي ضاع مني يوماً وضننت أنه لن يعود , كنت ألف

ذراعاي حول عنقه متعلقة به كتعلقي بالحياة لأجله كتعلق الطفل بوالدته

حتى وصلني صوت مريم قائلة " أريد أن أبارك لها أتركها لنا قليلاً "

أنزلني على الأرض فابتعدت عنه ومسحت دموعي فتوجهت

مريم نحوي قائلة بابتسامة وفاتحة ذراعيها لي

" هل جئت بنا هنا لنهنئها على حملها أم لنشاهدك تستقبلها "

حضنتني بحب وقالت " مبارك لكما يا قمر مبارك رجوعكما

سوياً والتوأمين لقد بت أحسدك "

ضحكت وقلت " لديك ثلاثة لما الحسد "

ابتعدت عني وقالت " أحسدك وانتهى لا تناقشي "

ضحكت بهدوء فاقتربت أنوار وحضنتني وباركت لي فنظرت لهم وقلت " إذاً كان الأمر مدبر له وكدتم تفقدونني عقلي يا مجرمين "

ضحكوا جميعهم وقالت أنوار " كدت أكشف لك كل شيء

لأني خفت من نبرة صوتك "

وضعت يدي على قلبي وقلت " كاد قلبي يتوقف حين لم أجده في غرفته

ثم حين لم يجب على اتصالي وزدتم أنتم الأمر سوءً ولولا لطف الله

لوجدتموني ميتة عند عتبة باب المنزل من صدمتي حين وجدته مفتوحاً "

وقف بجانبي ولف يده حول خصري وقبل رأسي وقال

" أردنا أن نفاجئك وكدنا نقتلك لن نعيدها مجدداً "

نظرت له بابتسامة أردت بها قول ما تبعثرت حروفه عند شفتاي فابتسم

لي ووضع أنفه على أنفي وحركة ضاغطا عليه فضحكت ودفنت وجهي

في كتفه فقالت مريم " أحم أحم هناك مفاجأة أخرى "

نظرت لها بحيرة فقالت بصوت مرتفع " أخرجي يا مفاجئة "

انفتح باب أحدى الغرف وخرج منه والدي بلباس الجيش يضع القبعة

تحت ذراعه ويبتسم لي واقترب منا فمددت ذراعيا له فحضنني

بحب وتعلقت بعنقه قائلة " أنت أيضاً تعلم , جيد أني لم

أتصل بك لزدتم انشغالي أكثر "

مسح على ظهري وقال بحنان " ما كنت سأوافق على هذا

لو لم أشرح للطبيب وأذن لنا "

بقيت متعلقة به وهوا يحضنني حتى قالت مريم

" أخرجي يا المفاجئة الأخرى"

التفتت للخلف انظر باستغراب وانتظر ما يخبؤه أيضاً فسمعت باباً

يفتح من الجانب الآخر نظرت خلفي مباشرة فكانت عمتي وزوجها

ونوران ومؤمن يخرجون منها فشهقت باكية من فوري وركضت

جهتهم وارتميت في حضن عمتي أحضنها بقوة وأبكي بشدة وهي تبكي

أكثر مني , بقيت ممسكة لها لوقت حتى أبعدتني عنها نوران قائلة

" يكفيها إنه دوري "

حضنتها مطولاً ودموعنا مختلطة بضحكاتنا على تعليقاتها الهامسة

على استقبال رائد لي ثم سلمت على زوج عمتي ومؤمن وعدت أحضن

عمتي من جديد وكأني أعوض فقدي لها الأشهر الماضية , كم كانت

مفاجأتهم رائعة كل واحدة أجمل من الأخرى وهاهم عائلتي وأهلي

كما تمنيت وكما أردت دائماً لا أحد مكره على قبولي وتقبلي ولا أحد

يكرهني ويعاملني بقسوة لا ضرب لا شتم لا إهانات ولا تجريح

اقتربت منا نوران ووضعت رأسها بين رأسينا وقالت هامسة

" هيه يكفي أنتما أنظري لزوجك سيقفز عليكما بعد قليل ويستلك منها "

ضحكنا كلينا وابتعدت عنها ودعوت الجميع للجلوس فاستأذن حيدر

مغادراً وغادرت أنوار معه رافضة البقاء رغم إصرارنا وخرج زوج

عمتي أيضاً بسبب موعد له مع أحدهم أو أنه تحجج بذلك من أجل مريم

وسحبتني عمتي قائلة " تعالي واجلسي بجانبي "

توجه رائد نحوي أمسك ذراعي وأوقفني قائلاً

" عذراً منكم هذا الشيء يجلس بجانبي أنا "

سحبني للأريكة الأخرى بين ضحكات الجميع وأجلسني بجانبه فقالت عمتي

بضيق " أنا لم أرها منذ أشهر لما كل هذا الاحتكار ... أتركها لي قليلاً "

ضم كتفي بذراعه ودس وجهي في حضنه وقال

" لديك ما يكفيك وزيادة هذه لي وحدي "

استسلمت عمتي للأمر الواقع وانخرطوا في الأحاديث ... نوران تُعرف عن نفسها لمريم وتتعرف على أبناءها وعمتي تتحدث مع والدي ورائد

وجهه عند وجهي يحدثني بهمس عن كل ما فعله في هذا المنزل وما

سيرتبه من أجل طفلينا ويشاورني على كل شيء وأنا أستمع له باهتمام

كيف سأطرح عليه موضوع عيشنا مع والدي وهوا متحمس كل هذا

الحماس لحياتنا هنا كيف سأقنعه دون أن أجرح مشاعره , استيقظت من

أفكاري على صوته يناديني فقلت بانتباه " هممم "

ابتسم وقال " أين كنتي وأنا أتحدث منذ وقت "

دسست وجهي في كتفه وقلت " في أمر يشغل بالي "

حضنني وقال " وما يشغل حبيبتي عني "

ابتعدت عنه وقلت " لا تهتم للأمر سنتحدث لاحقاً "

وضع يده تحت ذقني وفتح حجابي ونزعه ثم فتح أزرار معطفي ونزعه

أيضاً قائلا " الجو دافئ هنا حبيبتي لا داعي لهذا "

همست له " أنت ووالدي تشعرانني أني طفلة "

قال مبتسماً وهوا يعدل غرتي " لو كان لي طفلة ما

كانت بمكانتك في قلبي "

كنت أنظر له باهتمام وهوا يرتب لي شعري بعدما نزع حجابي , نعم

هذا هوا من يأخذ مكان الوالدان في غيابهما أجل هذا هوا رائد طفولتي

الذي انتظرته لأعوام , كان يعدل الغرة بأصابعه ثارة ويرفع شعري خلف

أذناي تارة أخرى وهوا منسجم في الحديث عن غرفة الطفلين ومهديهما

وكل شيء , أنهى ترتيب شعري ثم قبل أنفي ووضع عليه أنفه وقال مبتسماً

وعيناه في عيناي " كل سنين حياتي في كفة وهذا اليوم في كفة لوحده "

ابتسمت له وعيناي تمتلئ بالدموع ثم سرعان ما شهقت باكية ولم أشعر

سوى بيديه تطوقانني وشفتاه تهمس في أذني

" أششش يكفي حبيبتي لما البكاء "

لاحظت الجميع توقف عن الحديث فابتعدت عنه فكانوا جميعهم ينظرون لنا اقترب مؤمن حاملاً شيئاً في يده وقال " هذه هديتي لك قمري لا أريد

وضعها مع الهدايا هناك "

أخذتها منه مبتسمة ثم نظرت لعينيه وقلت

" شكراً يا مؤمن لقد كبرت وأصبحت رجلا "

ابتسم ابتسامة واسعة وقال ناظرا جهة والدته " نعم لقد ازداد طولي

ألم أقل لكم وفي العام القادم سأصبح كرائد والذي بعده كخالي بشير "

ضحكنا عليه جميعنا فوكزت صبا مريم عدة مرات فضحكت وقالت

لها " اذهبي واحضريها وأريحيني "

توجهت للطاولة وأحضرت صندوقاً صغيراً وقدمته لي فقبلتها بحب وأخذته

منها وفتحته فكان فيه حداءان صغيران جميلان جداً ومتشابهان ذكراني بما

أحمل في أحشائي فأدمعت عيناي وعدت لاحتضانها مجدداً فاقترب وائل

يحمل ورقة مبرومة بعشوائية بشكل طولي وقال " هذه أجمل هديتي جميلة "

أخذتها منه وفتحت الورقة فكانت قلم رصاص ومستعمل أيضاً فضحك الجميع

وقالت مريم " لقد أحضره دون علمي ... وائل سترى "

وضع يديه وسط جسده وقال بضيق " اشتريتم لصبا هدية ولي لا "

حضنته وقلت بحب " شكراً لك يا وائل إنها رائعة وسأحتفظ به كل حياتي "

ابتسم بسعادة وقال " حقاً جميلة "

هززت رأسي بنعم فقبل خدي وغادر جهة والدته ووقف رائد ودخل المطبخ

فوقفت ونظرت لهم فكانوا ينظرون لي فنظرت للأرض وقلت

" معذرة منكم آسفة من حماقتي نسيت أن أضيفكم "

قالت نوران بابتسامة جانبية " نعم كثري الضيافة وأعديها على مهل "

عضضت شفتي مهددة لها وأشرت بنظري على والدي المنشغل بهاتفه

فغمزت لي مبتسمة ثم ضحكت فغادرت قبل أن تضعني في موقف أسوأ

منه , دخلت المطبخ فكان رائد منشغلا بوضع الكؤوس في صحن

التقديم ويعطيني ظهره فاقتربت منه وحضنته أشد بيداي على خصره

بقوة وأدفن وجهي بين كتفيه أشم عطره وأتحسس عضلات جسده التي

تتنفس رجولة أسبح في عالم يخصني وحدي وشيء يكون لي وحدي يحل

لي أنا وحدي أمسك يداي وأبعدهما عن بعضهما والتفت إلي ثم أمسك وجهي

وقبل جبيني ثم حضنني يشدني لصدره بقوة مستمعة لأزيز رئتيه المتعبتان

الصوت الذي يزيدني ألماً ثم قال مبتسماً " ستجعلينني أتهور وأسحبك للغرفة

ونترك ضيوفنا وحدهم "

غمرت وجهي في صدره أكثر وقلت " أحبك رائد "

شدني له بقوة وأصابعه تتخلل في شعري وقال بهدوء

" ما أسعدني بها من كلمة تخرج من أغلى شفتين على قلبي "

ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقلت " كم تمنيت كل عمري أن أقولها

لك وتشعر بصدقي وبمعناها وقيمتها لدي "

أمسك وجهي وقبل شفتي ثم خداي فعيناي ثم حضنني مجدداً وقال

" كم كنت غبياً ومتهوراً , سامحيني يا قمر على كل تلك القسوة "

قلت بهدوء " جميعنا نمر بظروف تجعل منا قساة حتى على من

نحب وأنت كنت في وضع لا تحسد عليه "

قال بهمس حنون " سأعوضك عن كل ما فات حبيبتي وأنسيك كل

ما سببته لك من ألم أقسم وربي يشهد على ذلك "

ابتعدت عنه وقلت بابتسامة " أصبح بقائنا هنا مشبوهاً هيا

بسرعة لنأخذ لهم الضيافة "

ضحك وقبل خدي وقال " أنا سأعد العصير ... الكعك هناك

حبيبتي والآخر في الثلاجة "

قلت وأنا أتجه نحوها " هل أحضرت واحدة بالجبن "

قال معطياً ظهره لي " كعكة الجبن في الثلاجة من الأسفل "

فتحتها فكانت مليئة ومرتبة فكم تُصعب المهمة عليا يا رائد وأنا أراك

تجهز كل شيء هنا بسخاء من أجلي , وقع نظري على صحن مليء

بالجبن المملح فأمسكته يدي فوراً ولا شعورياً وأكلت منه قطعة ثم

زدت الثانية فالثالثة فمنذ شهر وجنوني أصبح في الجبن ويبدوا أنني

أتوحم عليه شعرت بيديه تتسللان لخصري ثم قبل كتفي وقال

" قلنا أخرجي الكعكة وليس كلي الجبن "

ضحكت وقلت " لا يمكنني مقاومته أبداً "

شدني إليه أكثر وقبّل خدي وقال " إذا سأشتريه لك بكل أنواعه "

أخرجت صحن الكعك قائلة " هيا ابتعد عني تأخرنا عن الضيوف "

ضحك ورفعني عن الأرض وأنا أصرخ بصوت مكتوم كي لا يسمعونه

قائلة " رائد ستوقع الصحن من يدي أنزلني "

أنزلني فرتبت الكعك في الأطباق وأنا أدفعه عني كل حين وهوا يحاول

مضايقتي , كان يأخذ الكريمة من الكعك بأصبعه ويضعها على أنفي وأنا

أضربه وأدفعه بعيداً وأمسحها وهوا يضحك على شكلي وتضايقي ثم يضعها

على خدي ويوزعها عليه بأصبعه بحركة عشوائية فضربت يده وأخذت

صحن التقديم وخرجت به مسرعة كي أهرب منه , ضيفناهم جميعهم وجلسنا

فقالت نوران " كنا نتناقش ومريم على رحلة في مطلع الربيع من أجلكما "

قال رائد من فوره " لا لن نخرج وقمر حامل "

قالت نوران بتذمر " خالي بشير أين لسانك أو سلاحك "

ابتسم رائد ابتسامة محاولاً بها إخفاء ضيقه الواضح لي فنظرت جهة والدي

فأومئ لي برأسه مبتسماً ثم قال " لا سلطة لي عليها الحكم لزوجها هوا من يقرر "

قال رائد بابتسامة رضا " وأنا قلت لن أخرج بها لأي مكان وهي حامل "

قالت بضيق " بعدها لن تخرج بها وهي نفساء ثم لن تخرج بها وأبنائكم

صغاراً وضاعت الفرصة فخالي بشير كان سيتكفل بالرحلة "

قال والدي " الرحلة محجوزة ومتى قررا ذلك هي على حسابي "

قفز مؤمن وقال بمرح " رائع سنذهب للبحر مجدداً وسنلعب اللعبة التي كان يلعبها رائد لقمر بمنشفــــ .... "

وقف رائد وسحبه نحوه مبتعدا به قائلا " تعال سأخبرك أمراً "

ضحك الجميع وأخفيت وجهي عنهم في الأرض خجلا ووقف والدي وقال

" عليا المغادرة الآن لقد تأخرت عنهم كثيراً "

وقفت وقلت " ألن تبقى قليلاً بعد !! "

قال مبتسماً وهوا يرتدي قبعته " الأيام القادمة كثيرة بنيتي هناك جيشاً

كاملاً ينتظرني في المنزل وسويتا سوف يجن جنونها منهم "

ضحكت وقلت " لا تخف عليها لم أرى واحدة بعنادها "

ضحك واقترب رائد وقال " لما تغادر مبكراً ابق معنا "

وضع يده على كتفه وقال " في وقت آخر , ولن أوصيك على قمر يا

رائد لو لديك مكان أغلى من عينيك ضعها فيه "

شد على يده بقوة وقال " لا تخف عليها هي في قلبي قبل عيناي "

اقترب مؤمن من والدي يشد له قميص بذلته العسكرية فقرب أذنه منه

فهمس له شيئاً فابتسم والدي وقال " حسنا أحضرها "

غادر من فوره كالصاروخ وأحضر علبة مربعة الشكل وراقية مدها لوالدي

فنظر لي وقال مبتسماً " هذه هديتي يا قمر شيء أقل من مكانتك عندي بنيتي "

امتلأت عيناي بالدموع أخذتها منه وحضنته بحنان وبكاء فمسح على

ظهري وقال " حتى متى ستبقى دموعك على خداك أعانني الله على

حفيدان يبكيان طوال النهار "

ضحكنا جميعنا وابتعدت عنه مسحت دموعي وقلت

" شكراً لك يا أبي عودتك لي كانت أروع هدية "

اقتربت نوران مبتسمة وقالت " افتحيها هيا لنرى "

فتحتها فكان فيها طقما ذهبيا رائعا وراقيا نظرت له بانبهار وقلت" كم هوا

رائع أبي لقد كلفك الكثير كان يكفيني حلي والدتي الذي قدمته لي كله "

قال بابتسامة " ذاك من والدتك وهذا مني ويوم تقومين لنا

سالمة سأهديك أجمل من هذه "

حضنته بحنان وحب وغادر ووقفت بعده عمتي وقالت

" هيا بسرعة سنغادر نحن أيضاً "

قال مؤمن بتذمر " لا لن نغادر قبل صبا "

ضحكت نوران وقالت " هيا هيا قبل أن يطلب ابنك يدها للزواج "

ضحكنا جميعنا ونظر لها مؤمن بغيض وقال

" ستري إن لم أخبر والدي عن سيارته بالأمس "

سحبته معها وهي تقول مغادرة " تصبحون على خير

أمي بسرعة انتظرك في الخارج "

ضحكت عمتي وقالت " أعان الله من سيتزوجها عليها "

ودعتنا وغادرت هي أيضاً وجلسنا ومريم وأبنائها فنظرت لنا بابتسامة

وقالت " أعلم أن وجودي أصبح غير لائق لكن أيوب في الطريق "

ضحكت وقلت " مريم كيف تقولين هذا أقسم أني لا أشبع منك أبداً "

نظرت لرائد بنصف عين فضحك وحضن كتفي وقبل رأسي وقال

" تعودنا على وجودك في اللحظات الخاصة "

ضحكت كثيراً ثم قالت " الذنب كان ذنبكما وليس ذنبي , ثم أنت اليوم لم

تترك شيئاً في نفسك ولم تكترث لأحد "

قال بمكر " مريم لا تجعليني أقص لأبنائك تلك الحكاية حين ذهبت لمنزلك "

انفتحت عيناها من الصدمة وقالت بحدة " رائد تصمت أو ..... "

ضحك ووضع ساق على الأخرى وقال " أو ماذا "

قالت بنصف عين " ما هي اللعبة التي تحدث عنها مؤمن ها أخبرني "

ضحك وقال " سأخبرك ولما لا "

نظرت له بصدمة ووضعت يدي على فمه وقلت

" رائد أصمت حالاً "

ضحكت مريم وابنيها اللذان لا يفهمان من الأمر سوى أنه عليهما الضحك

مع والدتهما وأبعد رائد يدي عن فمه وقبل كفها عدة قبلات ثم همس في

أذني قائلا " ذاك اليوم وتلك المنشفة آخ منك كدتِ تقضين علي "

ضحكت ودفعته بعيداً عني فحمحمت مريم وقالت بضيق " أقسم إن

انحرف أحد أبنائي مستقبلا لتزوجونه من أحد أبنائكم لأنكم السبب "

ضحك رائد وقال " من أين سنجد لابنتيك وأحداً أكبر منهما "

قالت ببرود " لا بأس بالصغير للكبيرة لست أمانع "

ضحكنا كلينا ونظر لها وائل وقال بسرور

" هل سأتزوج ابنة خالي رائد "

انفجرنا ضاحكين وقالت مريم وهي تضربه على رأسه

" هذا ما كنت خائفة منه قد حدث , لم يدمرك سوى خالك هذا "

حك رأسه وقال بتألم " لما تضربيني لا

أريد ابنة خالي حيدر ليست جميلة "

نظرت له مريم بصدمة وقالت " من علمك هذا يا وقح "

وقف ووضع يديه وسط جسده وقال بغضب " أنتي قلتي لها

زوجونا ابنتكم , لا أريدها أريد ابنة خالتي قمر "

نظرت لنا بصدمة فضحكنا ورن هاتفها فوقفت وقالت

" هيا بسرعة للسيارة والدكم في الخارج لا بارك الله في هذا الجيل "

ثم نظرت لنا وقالت " لا تنجبا لنا فتاة رجاءً لا أتخيل كيف ستكون

ولسنا بمزاج لحرب بين ابني وابن عمتك "

ضحكت وقلت " قد تكونان ابنتين ولن نكون في مشكلة "

ضحكت وقالت " فآتتني هذه "

ثم ودعتنا وغادرت ورافقها رائد للباب فيبدوا سيتحدث مع أيوب

وانشغلت أنا في جمع الكؤوس والأطباق , بعد قليل سمعت الباب

يغلق ثم شعرت بيديه تتسللان من خلفي وأمسك يداي وأبعدهم قائلا

" لا تلمسي شيئاً ولا تنسي ما قال الطبيب الراحة فقط

ضحكت وقلت " ومن أين علمت بما قال "

ضمني لصدره بقوة وقال " منذ البارحة زرته في قسمه

واطمأننت بنفسي وعلمت منه كل شيء "

أبعدت يديه والتفتت له وأمسكت وجهه وقلت

" رائد لما غادرت المستشفى ماذا بشأن العلاج "

أبعد يداي عن وجهه قبل كف كل واحدة منهما ودسهما في حضنه وقال

" سمح لي الطبيب بالمغادرة والاستمرار معه على العلاج وأعطاني

برنامجا لأوقف التدخين تدريجيا وانتهت المشكلة حبيبتي "

نمت على صدره وقلت بحزن " وهذا الصوت الذي يخرج منهما

يا قلب حبيبتك إنه يقلقني ويؤلمني حقاً "

شد يديه عليا وقبل رأسي وقال " سيزول مع العلاج قمر

لا تقلقي المهم هوا أنتي الآن "

ثم سحبني من يدي جهة الطاولة قائلا " تعالي لتري هديتي "

قلت بابتسامة " ما هذا اليوم المليء بالهدايا والمفاجأات "

مد لي بعلبة كبيرة بعض الشيء وقال " هيا افتحيها "

أخذتها منه ثم قبلت شفتيه واتكأت على كتفه وأنا أفتحها وما أن فتحتها

حتى شهقت من الصدمة وأخرجت ما كان فيها ورميت العلبة وحضنتها

بحب وأنا أقول " دميتي الحبيبة دمية والدتي ظننتها ضاعت ولن أجدها "

حضنني وقال بحزن " كانت معي طوال المدة الماضية وكادت تصيبني

بالجنون حين كنت أضن أنك ميتة حتى للحمام كنت أدخلها معي وأحدثها

كالمجانين وبعد أن وجدناك لم يطاوعني قلبي لإعادتها إليك فقد خفت أن

لا تعودي إلي ولا يبقى لي منك شيء أبداً "

قلت بسعادة " شكراً لك رائد هي أروع هدية وأغلى ما امتلكت في حياتي "

أبعدني عن حضنه وقال مبتسماً " لما رميتي العلبة يا

مجرمة فيها الهدية الخاصة بي "

نظرت له بصدمة ثم ضحكت وقلت " يالي من مجرمة حقا لم

أنتبه لشيء فما أن رأيت الدمية فقدت عقلي "

ضحك ورفعها عن الأرض وأخرج منها علبة قماشية صغيرة وفتحها

كان فيها خاتما ذهبيا جميلاً أخرجه منها وألبسني إياه قبل يدي وقال

ونظره للأسفل " ليست ذات قيمه حبيبتي لكن المنزل وتجديده وأثاثه

كلفني كل ما لدي حتى ثمن الكتاب الجديد "

رفعت وجهه بأصبعي وقالت

" رائد لما هذه النظرة المكسورة الحزينة "

حضنني وقال " كم أشعر بعجزي عن تعويضك عما فات وكم

أشعر بجرمي حيالك يا قمر "

شددت يداي عليه وقلت بحزن " لا تقل هذا يا رائد أقسم أني عشت

تأنيب الضمير لثلاث أعوام وأنا في الخارج بسبب خذلاني لك وكسر

قلبك حينها فلست اقل جرما منك فلننسى كل الماضي ونبدأ من جديد

أرجوك رائد "

أبعدني عن حضنه فمسحت على وجهه بيدي فأمسكها وقبلها وقال

" كيف تقولين مصيبة كهذه كيف ننسى الماضي وماذا عن طفولتنا "

ضحكت وقلت " يالها من جريمة حقاً "

ضحك وأخذ معطفي وحجابي من على الأريكة وقال وهوا يلبسهما

لي " هيا ورائنا مشوار مهم "

نظرت له باستغراب وهوا يعدل وشاحي على وجهي وقلت

" أين سنذهب !! "

قبل شفتاي وقال " مفاجئه جميلة كزوجتي الفاتنة الغالية على قلبي "

ثم سحبني من يدي قائلا " سنغادر الآن وكل هذه الفوضى لن

تلمسي منها شيئاً أنا من سينظفها "

خرج بي من المنزل أغلقه وركبنا سيارته وانطلق بها يتحدث معي

عن ذكرياته عن طفولته عن أيام دراسته وعن كل الأمور التي لم

يكن يتحدث معي فيها يوماً وانتهى ذاك الصمت القاتل الذي كان يغلف

رحلاتنا معا في السيارة في الماضي ومن اندماجي معه لم أشعر بالطريق

التي أخذت منا ساعة كاملة ووجدت نفسي فجأة أمام منزل خالي نظرت

له بصدمة ثم لرائد وأمسكت قلبي وقلت بخوف " لا رائد لما أتينا هنا "

أمسك وجهي وقال " لما الخوف حبيبتي أريد فقط أن أريك شيئاً وأخبرك بآخر "

هززت رأسي بلا وعيناي تمتلئ بالدموع فقبل شفتاي وقال بخيبة أمل

" حسناً حبيبتي لا تبكي كله إلا دموعك "

تنهدت بحيرة لقد كلف نفسه عناء إحضاري هنا ويخطط لشيء من

أجلي وأنا عدت لأنانيتي من جديد أمسكت يده من وجهي وقبلت

كفها وقلت " حسناً رائد سننزل "

شغل السيارة وقال " مستحيل لن تدخليه مادمتِ لا تريدين ذلك "

أمسكت ذراعه وقلت برجاء " غيرت رأيي فلننزل الآن أرجوك "

تنهد وأوقف السيارة ونزلنا دخلنا فناء المنزل وكان باب المنزل مفتوحا

فنظرت لوجهه بحيرة فوضع يده على كتفي وقال " لم يقم أحد

بإغلاقه منذ اليوم الذي أخرجتك منه للمستشفى "

تقدمنا بخطوات بطيئة دفع الباب ودخلنا وما أن وصلنا للصالة

حتى شهقت من الصدمة كان المنزل مدمراً وكأن إعصارا قد مر

عليه نظرت له فقال ونظره على حطام المنزل " لقد دمرته كله

وأحرقت ذاك المخزن من يأسي وحزني وقتها ولو كان بإمكاني

تدمير جدرانه حجراً حجراً لفعلت "

قلت بحيرة " وأين أصحابه كيف أبقوه هكذا "

تنهد تنهيدة طويلة ثم نظر باتجاهي أمسك وجهي بيديه وقال " خالك توفي

بسبب التليف الكبدي وزوجته في مستشفى الأمراض العقلية بسبب الحالة

النفسية التي تطورت معها وظهر من أوراق المنزل أنه كان ملكا لجدك أي

أنه ورث لوالدتك وخالك وهوا الآن ملك لك لأنك الوريثة الوحيدة لهما "

كنت أنظر لعينيه بصدمة وضياع وحيرة ثم قلت بهمس

" لا لا أريده... لا رائد "

حضنني وقال " أعلم حبيبتي وتحدثت ووالدك في الأمر وقال سيهدمه

ولن يبيعه لتأخذي حقه وسنبني مكانة ما تريديه أنتي "

قلت ببكاء " لا ليس لي هوا ليس لي "

حضنني بقوة أكبر وقال " قمر يكفي لا تبكي حبيبتي أخبرتك أننا سنهدمه "

ابتعدت عن حضنه ومسحت دموعي فحملني بين ذراعيه وقال ضاحكاً

" يبدوا لي وزنك أصبح يزداد "

غمرت وجهي في عنقه وأنا أتمسك به وقلت بابتسامة

" هذا بسبب ابنيك ولم ترى شيئاً بعد "

ضحك وسار بي في المنزل يضرب بقدمه قطع الأثاث المحطمة ليبعدها عن

طريقه أخذني حتى المطبخ ووقف وقال " قمر ارفعي وجهك وانظري حبيبتي "

نظرت للمخزن المحترق المسود ونزلت دموعي مباشرة حين وقعت عيناي

على المكان الذي كنت أنام فيه وغمرت وجهي في عنقه مجدداً أبكي بحرقة

فقال " قمر ارفعي وجهك وانظري لذاك المكان مجدداً هيا حبيبتي "

قلت بصوت مخنوق " لا أريد رائد أرجوك "

قال بجدية " هيا قمر تذكري كل الأشياء الجميلة التي حدث

معك اليوم وارفعي وجهك وانظري هناك "

تذكرت كل ما حدث معي منذ الصباح والدي رائد عائلتي وعائلته وهداياهم

وحبهم لي فشعرت بالسعادة تدب في قلبي ورفعت وجهي ببطء من عنقه

ونظر للمخزن فقال رائد بهمس " هيا قمر حدثيها إنها نائمة هناك أخبريها

عن كل ما ينتظرها من سعادة في المستقبل وكل ما ستجده اليوم "

نزلت دموعي وعجز لساني عن الحديث ثم أبعدت شفتاي ببطء

وقلت بهمس حزين مخنوق " قمر "

قبل خدي وقال حاثا إياي " نعم حبيبتي هيا تكلمي "

قلت " قمر انظري هذا رائد سيصبح زوجك وستحملين في أحشائك

تؤمين منه وسيشتري لك منزلا لك وحدك وستجدين والدك وسينتقم لك

منهما , قمر لا تبكي ولا تحزني والداك لم ينسيانك والله لم ينساك أبداً "

ثم شهقت وتابعت " رائد لن يضيع منك للأبد يا قمر سيعود إليك "

شعرت حينها بكم هائل من التعب يخرج من جوفي ومن قلبي وشعرت

بالماضي يخرج مع أنفاسي دسست وجهي في عنقه مجدداً وقبلته وقلت

" شكراً لك رائد شكراً "

لف مغادراً بي وقال بصوت مبتسم " هيا يا قمر أخرجي معنا لقد جئنا لإخراجك

ولن تعودي هنا أبداً تعالي معنا للمستقبل تعالي نعم قفي وتعالي أجل رائع "

ثم سار بي خارجا من المطبخ وأنا أشعر بالفعل أنها تخرج خلفنا , سار بي

مسافة وقال " قمر افتحي عينيك "

أبعدت وجهي ونظرت فكنا عند الباب السفلي للسطح نظرت له فابتسم

وقال " سنصعد حسناً "

هززت رأسي بحسنا فصعد بي الدرجات ببطء وقال هامسا في أذني

" إنها تتبعنا أليس كذلك "

أدمعت عيناي وقلت بهمس مخنوق " نعم "

قال مبتسماً " وماذا تفعل "

قلت بابتسامة حزينة " تقفز الدرجات وتغني نشيدنا "

قال " هي سعيدة بما أخبرتها به أليس كذلك "

هززت رأسي بنعم فابتسم أكثر وقال " ولم تعد في المخزن "

هززت رأسي وقلت " لا "

قبل خدي ودفع باب السطح بقدمه وخرجنا هناك وأنزلني نظرت لكل

مكان فيه وكل زاوية ثم نظرت له وقلت مبتسمة من بين دموعي

" إنها هنا "

مسح دموعي وقال " نعم حبيبتي وسنخرجها معنا كما وعدناها حسناً "

نمت على كتفه وقلت " ولما لا نتركها هنا هي تحب هذا المكان "

شدني بذراعيه وقال " كما تريدين حبيبتي تعالي وانظري "

أخذني حيث نهاية السطح الفاصل لمنزلهم نظرت له بصدمة وقلت

" ما هذا !! "

قال بابتسامة " ألسنا سنتركها هنا "

هززت رأسي بنعم فقال " لذلك فتحت لها هذه الفتحة على سقف رائد لتذهب

إليه في الليل سيحظر لها بطانية وطعاما ويجلس معها ويتحدثان ويضحكان "

هززت رأسي له بنعم مبتسمة فمسح على وجهي وقال

" هي سعيدة هكذا ولن تحزن أبداً حبيبتي أليس كذلك "

حضنته بحب وقلت " نعم سعيدة ولن تحزن "

حضنني بقوة وقال " لقد اشتريت منزل والدي بعدما دفعت لهم ثمن حصتهم

وأصبح لي لكننا الآن لن نهدم هذا المنزل لأن قمر ورائد يعيشان في السطح "

نظرت له وقلت بابتسامة " ستهرب قمر من تلك الفتحة وتعيش معه قبل أن يسقط المنزل "

حضنني وقال بسعادة " إذا ستخرج قمر من هنا "

قلت " نعم لمنزل رائد "

أبعدني عن حضنه أمسك وجهي وقبله عدة قبل وقال

" تعالي هناك مفاجئة لك "

قلت بابتسامة " لا تقل أننا سنفسد على قمر ورائد لعبهما هناك "

ضحك كثيراً وقال " المحتالة سبقتنا للسطح الآخر إذاً "

ضحكت وقلت " كان يفترض بنا أن تحدثنا همسا كي لا تسمعنا "

سحبني من يدي ضاحكاً ومررنا من الفتحة الكبيرة في الجدار

المشترك وصلنا لصندوق خشبي نزل وجلس أمامه ومد يده لي

وقال " تعالي حبيبتي أجلسي لتري "

أمسكت يده وجلست على الأرض بجانبه فتح الصندوق فكان فيه قطع

منظاره القديم فنظر لي وضحكت ثم مد يده داخل الصندوق أكثر وأخرج

شيئاً ما أن رأيته حتى فتحت فمي من الصدمة وقلت " لا تقلها يا رائد لا "

حركها أمام وجهي وقال مبتسماً " بلى إحدى كراساتك خبأتها هنا منذ تلك السنين لأنها الوحيدة التي وجدتها هناك لقد قفزت لسطحكم بعدما ناديتك

كثيراً ولم تجيبي وطالت بي الأيام أنتظرك فلم أجد من كراساتك غير

هذه تبدوا تلك الحقودة التي انتقم الله لقمر الطفلة منها أحرقت كل شيء "

أخذتها من يده غير مصدقة وفتحتها كانت هي بالفعل كراستي الأولى التي

كتبت فيها , أشرت بإصبعي للحرف وضحكت كثيراً ثم قلت " هل هذا حرف ثاء أم سفينة "

ثم نظرت له وقلت " ما أبشعهم كيف تضع لي علامة كاملة

عليهم وقتها يالك من معلم فاشل "

ضمني لكتفه وقال ضاحكاً " كيف كان سيطاوعني قلبي أن

أكتب لك غير علامة كاملة "

حضنت الكراسة بقوة وقلت " ما أجملها من مفاجأة يا رائد ما أجملها "

قبل رأسي وقال " هيا سنغادر لقد أزعجنا حصتهم بما فيه

الكفاية وسنأخذ الكراسة معنا "

نظرت له وهززت رأسي بلا وقلت " سنتركها لها رائد كيف نأخذها منها "

ابتسم وشد أنفي بإصبعيه وقال " أوامرك مولاتي فقط لا تتركيني أنا هنا لها "

أحطت خصره بيداي واتكأت على كتفه وقلت

" لا أنت لا أعطيك لأحد , لديها واحد لها وستذهب وإياه للمستقبل "

ثم ابتعدت عنه ونظرت لعينيه وقلت

" رائد هناك أمر يشغل بالي كثيراً أود أن نتحدث فيه "

هز رأسه لي بنعم لأتحدث فمسحت على وجهه بيدي وقلت بهدوء

" والدي رائد لا أريد تركه بعدما وجدته هوا يحتاجني أكثر مما أنا

أحتاجه لقد حُرم مني كل سنين حياته و ..... "

ضمني لحضنه قبل أن أنهي كلامي وقال " أفهمك حبيبتي وسنتناقش معه

في الأمر ولن أحرمك منه أبداً ولن يأخذك مني سنزوجه ونتخلص منه

ليطردنا بنفسه من منزله "

ابتعدت عنه وقلت بسرور " حقا سنعيش معه لا تمانع رائد "

قال بهدوء " لا حبيبتي رغم أني أعددت المنزل لأجلك

واشتريته كبيراً من أجل أبنائنا "

نظرت له بحزن وحيرة فقبل شفتي وقال بابتسامة

" سنجد من يساعدنا على تربيتهم والدك وضيوفه وخادمته "

ضحكت وقلت " يالك من استغلالي "

ضحك ووقف ومد يده لي وقال " هيا حبيبتي سننزل من هنا "

أمسكت يده ووقفت وقلت " ماذا ستفعل بهذا المنزل "

وضع إصبعه على شفتيه وقال بهمس " أششش لا يسمعانك

ويقذفاننا من السطح للشارع مباشرة "

ضحكت وأغلقت فمي بيدي فوضع يده على كتفي وقال وهوا يتجه

بي لباب سطح منزلهم " سيبقى هذا المنزل لهما لا يأخذه منهما

أحد ولا يزعجهما أحد أبداً "

ونزلنا من هناك لباب المنزل الخارجي فوراً ومنه للخارج لحياتنا

الجديدة التي لا رائحة للماضي فيها بعدما حررني من قمر الطفلة

وحررها من سجنها ووضعها حيث كانت تريد فهكذا هي الحياة نحن

من نتحكم بها نسجن أنفسنا في ماضيها ونتوقف عند عتبات قهرنا فيها

لتقدم لنا اليد التي تخرجنا من هناك ونحن نقبلها أو نرفضها بملء إرادتنا

فلا شي اسمه تعاسة للأبد وحزن لا ينتهي وأيام كلها سوداء فلكل عذاب

نهاية ولكل ظالم يوم ينال فيه جزائه من رب عادل في الأرض وفي السماء

عادل في الدنيا قبل الآخرة لا يظلم ولا يحب الظلم

وها قد جاء اليوم أخيراً الذي تنتهي فيه قمر القديمة عند تلك العتبات لتولد الجديدة

وتمضي للمستقبل كزوجة وكأم وكعائلة أصبحت تتمسك في الحياة لأجلها

بعد إصرار كبير مني ورائد وافق أبي أن أبحث له عن عروس , كان كل

رفضه لأنه لا يريد أن يظلم معه امرأة بسبب طبيعة عمله ولكنه يستحق أن

يعيش ما فقده من عمره وأن يكون لي إخوة حُرمت منهم كل عمري

لا تتساءلوا عن الأعزبان لقد تزوجت نوران هههههه والعريس هوا مروان

أعانهما الله على بعض , لقد تعرف عليها في زيارة لهم للمزرعة بدعوة

من الجدة وسحرته بمصائبها تخيلوا أنها تركت باب إسطبل الخيول مفتوحا

في أول يوم لهم هناك وكادت تصيبه بالجنون يومها , لا وكانت تضحك

عليه أمامه وهوا غاضب

أفقت من سرحاني ونظرت بعيناي للأسفل فكان قد نام أخيراً هذا المزعج المتعب , جلست وعدلت قميصي ونظرت للبعيد وقلت

" رائد لا تهزه هكذا لقد أسقطت أحشائه "

نظر باتجاهي وقال بتذمر " لما لا يسكت لقد أتعبني "

هززت رأسي بيأس وقلت مبتسمة " هات سأرضعه قد ينام كشقيقه

يا لها من مساعدة قدمتها لي "

اقترب وقال بضيق " الحق علي أردت أن ترتاحي من أحدهما "

مددت يداي له وقلت " شكراً على مدينة الملاهي التي أخذته لها الآن "

ضحك كثيراً وقال غامزا بعينه " ما رأيك بجولة معي فيها "

ضحكت وقلت " لا لست مستغنية عن قلبي يكفيك ابنك "

اقترب من الباب فتحه و نادى على والدي بصوت مرتفع وما هي إلا

لحظة وكان عنده فدخل رائد وهوا يتبعه قائلا " ما بكما !! "

أعطاه رائد بشير الصغير وقال " خد حفيدك مشتاق لك "

ثم توجه نحوي أمسك يدي وسحبني منها وقال موجهاً كلامه له

" ولن نوصيك اعتني بمنذر إن استيقظ بسبب صراخ أخيه "

ثم خرج بي يسحبني بيده من الغرفة مسرعا وأنا أركض خلفه قائلة

" رائد انتظر أين تأخذني أبي لا يعرف كيف يتصرف معهما "

وصلنا عند غرفتنا حملني بين ذراعيه وقال مبتسماً " اشتقت لك يا

قاسية لقد جنننني طفليك هادان , دعيهما له قليلاً واعدلي يا ظالمة "

ابتسمت وتمسكت بعنقه ودسست وجهي فيه فدخل بي الغرفة وضرب بابها خلفه بقدمه ..............

النـــهــايـة
 
شكرااااااااااااااااااااااااااااااااااااا
 
الوسوم
القمر رواية منازل
عودة
أعلى