البردة

صفا النعمان

الادارة
طاقم الإدارة
ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺒﺮﺩﺓ ﺃﻭ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺒُﺮﺃﺓ ﺃﻭ ﺍﻟﻜﻮﺍﻛﺐ ﺍﻟﺪﺭﻳَّﺔ
ﻓﻲ ﻣﺪﺡ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺒﺮﻳﺔ ، ﺃﺣﺪ ﺃﺷﻬﺮ ﺍﻟﻘﺼﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﺡ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻣﺤﻤﺪ ، ﻛﺘﺒﻬﺎ الأمام شرف الدين ﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺳﻌﻴﺪ ﺍﻟﺒﻮﺻﻴﺮﻱ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺴﺎﺑﻊ ﺍﻟﻬﺠﺮﻱ ﺍﻟﻤﻮﺍﻓﻖ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﺤﺎﺩﻱ ﻋﺸﺮ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ.
ﻭﻗﺪ ﺃﺟﻤﻊ ﻣﻌﻈﻢ ﺍﻟﺒﺎﺣﺜﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻣﻦ ﺃﻓﻀﻞ ﻭﺃﻋﺠﺐ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﺍﻟﻤﺪﻳﺢ ﺍﻟﻨﺒﻮﻱ،ﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﺃﻓﻀﻠﻬﺎ، ﺣﺘﻰ ﻗﻴﻞ : ﺇﻧﻬﺎ ﺃﺷﻬﺮ ﻗﺼﻴﺪﺓ ﻣﺪﺡ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﻭﻗﺪ ﺍﻧﺘﺸﺮﺕ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻧﺘﺸﺎﺭًﺍ ﻭﺍﺳﻌًﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻼﺩ
ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻳﻘﺮﺃﻫﺎ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﻌﻈﻢ ﺑﻼﺩ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻛﻞ ﻟﻴﻠﺔ ﺟﻤﻌﺔ. ﻭﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﻟﻬﺎ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﻋﺮﻓﺖ ﺑـﻣﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﺒﺮﺩﺓ ﺍﻟﺸﺮﻳﻔﺔ ، ﺃﻭ ﻣﺠﺎﻟﺲ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺒﻲ .
ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭ ﺯﻛﻲ ﻣﺒﺎﺭﻙ : «ﺍﻟﺒﻮﺻﻴﺮﻱ ﺑﻬﺬﻩﺍﻟﺒﺮﺩﺓ ﻫﻮ ﺍﻷﺳﺘﺎﺫ ﺍﻷﻋﻈﻢ ﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ، ﻭﻟﻘﺼﻴﺪﺗﻪ ﺃﺛﺮ ﻓﻲ ﺗﻌﻠﻴﻤﻬﻢ ﺍﻷﺩﺏ ﻭﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﻭﺍﻷﺧﻼﻕ، ﻓﻌﻦ ﺍﻟﺒﺮﺩﺓ ﺗﻠّﻘﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻃﻮﺍﺋﻒ ﻣﻦ ﺍﻷﻟﻔﺎﻅ ﻭﺍﻟﺘﻌﺎﺑﻴﺮ ﻏﻨﻴﺖ ﺑﻬﺎ ﻟﻐﺔ ﺍﻟﺘﺨﺎﻃﺐ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺒﺮﺩﺓ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﺑﻮﺍﺑًﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻴﺮﺓ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ، ﻭﻋﻦ ﺍﻟﺒﺮﺩﺓ ﺗﻠّﻘﻮﺍ ﺃﺑﻠﻎ ﺩﺭﺱ ﻓﻲ ﻛﺮﻡ ﺍﻟﺸﻤﺎﺋﻞ ﻭﺍﻟﺨﻼﻝ. ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻠﻴﻞ ﺃﻥ ﺗﻨﻔﺬ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺑﺴﺤﺮﻫﺎ ﺍﻷﺧﺎﺫ ﺇﻟﻰ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻷﻗﻄﺎﺭ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ، ﻭﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺗﻼﻭﺗﻬﺎ ﻭﺣﻔﻈﻬﺎ ﻣﻦ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻟﺘﻘﺮﺏ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ
ﻭﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ».
ﺳﺒﺐ ﻧﻈﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﻳﻘﻮﻝ ﺍﻟﺒﻮﺻﻴﺮﻱ ﻋﻦ ﺳﺒﺐ ﻧﻈﻤﻪ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ :
ﻛﻨﺖ ﻗﺪ ﻧﻈﻤﺖ ﻗﺼﺎﺋﺪ ﻓﻲ ﻣﺪﺡ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺍﻗﺘﺮﺣﻪ ﻋﻠﻲّ ﺍﻟﺼﺎﺣﺐ ﺯﻳﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻌﻘﻮﺏ ﺑﻦ ﺍﻟﺰﺑﻴﺮ، ﺛﻢ ﺍﺗﻔﻖ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﺩﺍﻫﻤﻨﻲ ﺍﻟﻔﺎﻟﺞ (ﺍﻟﺸﻠﻞ ﺍﻟﻨﺼﻔﻲ) ﻓﺄﺑﻄﻞ ﻧﺼﻔﻲ، ﻓﻔﻜﺮﺕ ﻓﻲ ﻋﻤﻞ ﻗﺼﻴﺪﺗﻲ ﻫﺬﻩ ﻓﻌﻤﻠﺘﻬﺎ ﻭﺍﺳﺘﺸﻔﻌﺖ ﺑﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻲ ﺃﻥ ﻳﻌﺎﻓﻴﻨﻲ، ﻭﻛﺮﺭﺕ ﺇﻧﺸﺎﺩﻫﺎ، ﻭﺩﻋﻮﺕ، ﻭﺗﻮﺳﻠﺖ، ﻭﻧﻤﺖ ﻓﺮﺃﻳﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻓﻤﺴﺢ ﻋﻠﻰ ﻭﺟﻬﻲ ﺑﻴﺪﻩ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻛﺔ، ﻭﺃﻟﻘﻰ ﻋﻠﻲّ ﺑﺮﺩﺓ، ﻓﺎﻧﺘﺒﻬﺖ ﻭﻭﺟﺪﺕُ ﻓﻲّ ﻧﻬﻀﺔ، ﻓﻘﻤﺖ ﻭﺧﺮﺟﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﺘﻲ، ﻭﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺃﻋﻠﻤﺖ ﺑﺬﻟﻚ ﺃﺣﺪﺍً، ﻓﻠﻘﻴﻨﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻔﻘﺮﺍﺀ ﻓﻘﺎﻝ ﻟﻲ : ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻌﻄﻴﻨﻲ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﺪﺣﺖ ﺑﻬﺎ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻘﻠﺖ : ﺃﻱ ﻗﺼﺎﺋﺪﻱ؟ﻓﻘﺎﻝ : ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﺸﺄﺗﻬﺎ ﻓﻲ ﻣﺮﺿﻚ، ﻭﺫﻛﺮ ﺃﻭﻟﻬﺎ ﻭﻗﺎﻝ : ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺇﻧﻲ ﺳﻤﻌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺒﺎﺭﺣﺔ في رؤيا ﻭﻫﻲ ﺗﻨﺸﺪ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺁﻟﻪ ﻭﺳﻠﻢ،ﻭﺃﻋﺠﺒﺘﻪ ﻭﺃﻟﻘﻰ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺃﻧﺸﺪﻫﺎ ﺑﺮﺩﺓ . ﻓﺄﻋﻄﻴﺘﻪﺇﻳﺎﻫﺎ.
••••• •••••
قصيدة البردة كاملة:
أمن تذكر جــــــــــــيران بذي سلمِ مزجت دمعا جـــــــــرى من مقلة بدمِ
***
أم هبّت الريح مـــــــــن تلقاء كاظمة وأومض البرق فــــــي الظلماء من إضمِ ***
فما لعينيك إن قلــــــــــت أكففا همتا وما لقلبك إن قلــــــــــت أستفق يهم ِ ***
أيحسب الـــــــــصبّ أن الحب منكتم
ما بين منسجــــــــــم منه ومضطرم
***
لولا الهوى لم تـــــــرق دمعا على طلل ولا أرقت لذكـــــــــــر البان والعلم ***
فكيف تنـكر حبّا بـــــــــعدما شهدت به عـليك عـــــــــدول الدّمع والسّقم ***
وأثبت الوجد خــــــــطيّ عبرة وضنى مثل البـهار علـــــــــى خدّيك والعنم ***
نعم سـرى طيف مــــــن أهوى فأرّقني والـحبّ يعترض اللـــــــــّذات بالألم ***
يا لائمـي في الهــــــوى العذري معذرة مني إليك ولو أنــــــــــصفت لم تلم
***
عدتك حالي لا ســـــــــرّي بمستتر
عن الوشـــــــــاة ولا دائي بمنحسم
***
محضتني النّصح لــــــكن لست أسمعه
إن المحبّ عن الــــــــعذّال في صمم
***
إني اتهمت نصيــــــح الشيب في عذلي والشيب أبعد فـــــــي نصح عن التهم
***
فإن أمّارتي بالــــــــسوء ما اتعظت من جهلها بنذيــــــــر الشّيب والهرم
***
ولا أعدّت من الفـــــــعل الجميل قرى ضيف ألمّ برأســــــــي غير محتشم
***
لو كنت أعلــــــــــم أنّي ما أوقره كتمت سرّا بدا لـــــــــي منه بالكتم ***
من لي بردّ جمــــــــاح من غوايتها
كما يردّ جماح الــــــــــخيل باللجم ***
فلا ترم بالمعـــــــاصي كسر شهوتها
إن الطعام يقوّي شـــــــــهوة النهم
***
والنفس كالطفل إن تـــــهمله شبّ على حبّ الرّضاع وإن تــــــــفطمه ينفطم
***
فاصرف هواها وحـــــــاذر أن تولّيه
إن الهوى ما تولّـــــــى يصم أو يصم
***
وراعها وهي فـــــــي الأعمال سائمة وإن هي استحلت الــــــمرعى فلا تسم
***
كم حسنت لذة للــــــــــمرء قاتلة
من حيث لم يـــــدر أن السّم في الدّسم
***
واخش الدّسائس من جــــوع ومن شبع
فرب مخمصة شـــــــــرّ من التّخم
***
واستفرغ الدّمع مـــــن عين قد امتلأت من المحارم والــــــــزم حمية الندم
***
وخالف النّفس والشّـــــيطان واعصهما وإن هما محّضـــــــاك النّصح فأتهم
***
ولا تطع منهما خـــــــصما ولا حكما فأنت تعرف كيد الـــــــخصم والحكم
***
ظلمت سنّة من أحـــــــيا الظلام إلى
أن اشتكت قدماه الـــــــضرّ من ورم
***
وشدّ من سغب أحـــــــشاءه وطوى
تحت الحجارة كشــــــحا مترف الأدم
***
وراودته الجبال الـــــــشمّ من ذهب
عن نفسه فـــــــــأراها أيّما شمم
***
وأكدت زهده فيـــــــــها ضرورته
إنّ الضرورة لا تــــــعدو على العصم
***
محمد سيّد الكــــــــونين والثقلين والفريقين من عــــــرب ومن عجم
***
نبيّنا الآمر الـــــــــنّاهي فلا أحد أبرّ في قـــــــــول لا منه ولا نعم
***
هو الحبيب الذي تــــــرجى شفاعته
لكلّ هول من الأهــــــــوال مقتحم
***
دعا إلى الله فالمـــــــستمسكون به مستمسكون بحـــــــبل غير منفصم
***
فاق النّبيين فـــــــي خلْق وفي خُلق ولم يدانوه فـــــــــي علم ولا كرم
***
وكلّهم من رســــــــول الله ملتمس غرفا من البحـــــر أو رشفا من الدّيم ***
وواقفون لــــــــــديه عند حدّهم
من نقطة العلم أو مـــــن شكلة الحكم
***
فهو الذي تمّ مــــــــعناه وصورته
ثم اصطفاه حــــــــبيبا بارئ النّسم
***
منزّه عن شريك فــــــــي محاسنه
فجوهر الحسن فـــــــيه غير منقسم
***
دع ما أدّعته النـــــــصارى في نبيهم واحكم بما شئت مــــــدحا فيه واحتكم
***
وانسب إلى ذاته مـــــا شئت من شرف وانسب إلى قدره مـــــا شئت من عظم
***
فإنّ فضل رســـــــــول الله ليس له حدّ فيعرب عـــــــــــنه ناطق بفم
***
لو ناسبت قــــــــــدرة آياته عظما أحيا اسمه حين يــــــدعى دارس الرّمم ***
لم يمتحنّا بما تعــــــــــيا العقول به حرصا علينا فلم نـــــــــرتب ولم نهم
***
أعيا الورى فهم مـــــــعناه فليس يرى في القرب والبـــــــعد فيه غير منفحم
***
كالشمس تظهــــــــر للعينين من بعد صغيرة وتكلّ الـــــــــطّرف من أمم
***
وكيف يدرك فــــــــي الدنيا حقيقته قوم نيّام تســــــــــلّوا عنه بالحلم
***
فمبلغ العلم فـــــــــــيه أنّه بشر وأنّه خير خـــــــــــلق الله كلّهم
***
وكلّ آي أتى الرّســـــــل الكرام بها فإنما اتصلت مـــــــــن نوره بهم
***
فإنه شمس فــــــــضل هم كواكبها يظهران أنوارها للــــــناس في الظّلم ***
أكرم بخلق نبــــــــــيّ زانه خلق بالحسن مشتمــــــــل بالبشر متّسم
***
كالزّهر في ترف والـــــبدر في شرف والبحر في كرم والــــــدّهر في همم
***
كأنّه وهو فــــــــــرد من جلالته
في عسكر حين تـــــــلقاه وفي حشم
***
كأنّما اللؤلؤ المـــــــكنون في صدف من معدني منطـــــــق منه ومبتسم
***
لا طيب يعدل تـــــــربا ضمّ أعظمه طوبى لمنتشـــــــــق منه وملتثم
***
أبان مولده عـــــــن طيب عنصره
يا طيب مبتدأ مـــــــــنه ومختتم
***
يوم تفرّس فيــــــــه الفرس أنهم
قد أنذروا بحــــــلول البؤس والنّقم ***
وبات إيوان كســـــرى وهو منصدع
كشمل أصحاب كـــــسرى غير ملتئم
***
والنّار خامدة الأنفــــــاس من أسف عليه والنّهر ســــاهي العين من سدم
***
وساء ساوة أن غـــــاضت بحيرتها
وردّ واردها بالــــــغيظ حين ظمي
***
كأن بالنار مـــــــا بالماء من بلل حزنا وبالماء مـــــا بالنار من ضرم
***
والجنّ تهتف والأنــــــوار ساطعة والحق يظهر مـــــن معنى ومن كلم
***
عموا وصمّوا فاعـــــلان البشائر لم تسمع وبارقة الإنـــــــذار لم تشم
***
من بعد ما أخـــــبر الأقوام كاهنهم بأن دينهم المــــــــعوجّ لم يقم
***
وبعد ما عاينوا فـــي الأفق من شهب منقضّة وفق ما فـــي الأرض من صنم
***
حتى غدا عن طــــريق الوحي منهزم
من الشياطين يــــــقفو إثر منهزم
***
كأنّهم هربا أبـــــــــطال أبرهة
أو عسكر بالحصى مـــن راحتيه رمي
***
نبذا به بعد تســـــــبيح ببطنهما
نبذ المسبّح مــــــن أحشاء ملتقم
***
جاءت لدعوته الأشـــــجار ساجدة
تمشي إليه علــــــى ساق بلا قدم
***
كأنّما سطرت ســــــطرا لما كتبت فروعها من بديـــــع الخطّ في اللّقم
***
مثل غمامة أنـــــــى سار سائرة
تقيه حرّ وطــــــيس للهجير حمي
***
وما حوى الغار مــــن خير ومن كرم
وكل طرف من الـــــكفّار عنه عمي
***
فالصدق في الـــغار والصّديق لم يرما وهم يقولون مــــــا بالغار من أرم
***
ظنّوا الحمامة وظنـــّوا العنكبوت على خير البريّة لـــــــم تنسج ولم تحم
***
وقاية الله أغــــــنت عن مضاعفة
من الدّروع وعـــــن عال من الأطم
***
ما سامني الدّهر ضيمـــا واستجرت به إلا ونلت جوارا مــــــــنه لم يضم
***
ولا التمست عنـــــى الدّارين من يده إلا استلمت النّدى مـــــن خير مستلم
***
لا تنكر الوحي مــــــن رؤياه أن له قلبا إذا نــــــــامت العينان لم ينم ***
وذاك حين بـــــــــلوغ من نبوّته
فليس ينكر فـــــــــيه حال محتلم
***
تبارك الله مــــــــا وحي بمكتسب
ولا نبيّ علـــــــــى غيب بمتهم
***
كم أبرأت وصــــــبا باللمس راحته وأطلقت أربا مــــــــن ربقة اللّمم
***
وأحيت السّنة الشـــــــهباء دعوته حتى حكت غرّة فــــي الأعصر الدّهم
***
بعارض جاد أو خــــــلت البطاح بها
سيب من اليمّ أو ســــــيل من العرم
***
دعني ووصفـــــــي آيات له ظهرت
ظهور نار القـــــــرى ليلا على علم
***
فالدّر يزداد حــــــــسنا وهو منتظم وليس ينقص قــــــــدرا غير منتظم
***
فما تطاول آمـــــــــال المديح إلى
ما فيه من كـــــــرم الأخلاق والشّيم
***
آيات حقّ مــــــــن الرّحمن محدثة قديمة صفة المــــــــوصوف بالقدم
***
لم تقترن بزمــــــــان وهي تخبرنا
عن المعاد وعـــــــن عاد وعن إرم
***
دامت لدينا ففــــــــاقت كلّ معجزة
من النبيين إذ جــــــــاءت ولم تدم
***
محكمات فما تبـــــــــقين من شبه
لذي شقاق ومـــــــا تبغين من حكم
***
ما حوربت قـــــــط إلا عاد من حرب
أعدى الأعادي إليـــــــها ملقي السّلم
***
ردّت بلاغتها دعــــــــوى معرضها
ردّ الغيور يد الـــــــجّاني عن الحرم ***
لها معان كمـــــــوج البحر في مدد وفوق جوهره فــــــي الحسن والقيم
***
فما تعدّ ولا تحـــــــصى عجائبها
ولا تسام علـــــــى الإكثار بالسأم
***
قرّت لها عــــــين قاريها فقلت له
لقد ظفرت بـــــــحبل الله فاعتصم
***
كأنها الحوض تـــــبيضّ الوجوه به
من العصاة وقد جــــــاؤوا كالحمم
***
وكالصراط وكــــــــالميزان معدلة فالقسط من غيرها فــــي الناس لم يقم
***
لا تعجبن لـــــــحسود راح ينكرها تجاهلا وهو عـــــــين الحاذق الفهم
***
قد تنكر العين ضــــوء الشمس من رمد وينكر الفم طعـــــــم الماء من سقم
***
يا خير من يمّـــــــم العافون ساحته سعيا وفوق مـــــــتون الأينق الرّسم
***
ومن هو الآية الــــــــكبرى لمعتبر ومن هو النّـــــــعمة العظمى لمغتنم ***
سريت من حــــــــرم ليلا إلى حرم
كما سرى البدر فــــــي داج من الظّلم
***
وبتّ ترقى إلــــــــى أن نلت منزلة
من قاب قوسين لــــــم تدرك ولم ترم
***
وقدّمتك جميـــــــــع الأنبياء بها والرّسل تقديم مــــــخدوم على خدم
***
وأنت تخترق السّــــــبع الطباق بهم
في موكب كنت فـــــيه صاحب العلم
***
حتى إذا لم تـــــــدع شأوا لمستبق
من الدّنو ولا مــــــــرقى لمستنم
***
خفضت كل مقـــــــام بالإضافة إذ
نوديت بالرفع مــــــثل المفرد العلم ***
كيما تفوز بــــــــوصل أيّ مستتر
عن العيون وســــــــرّ أيّ مكتتم
***
فحزت كلّ فخـــــــار غير مشترك
وجزت كلّ مـــــــقام غير مزدحم
***
وجلّ مقدار مــــــا وليت من رتب
وعزّ إدراك مــــــا أوليت من نعم
***
بشرى لنا مـــــعشر الإسلام إن لنا
من العناية ركنـــــــا غير منهدم
***
لمّا دعى الله داعـــــــينا لطاعته بأكرم الرّسل كـــــــنّا أكرم الأمم
***
راعت قلوب الــــــعدا أنباء بعثته كنبأة أجفلت غـــــــفلا من الغنم
***
ما زال يلقاهم فـــــــي كلّ معترك
حتى حكوا بالقنا لــــحما على وضم
***
ودّوا الفرار فكــــــادوا يغبطون به أشلاء شالت مـــــع العقبان والرّخم
***
تمضي اللّيالـــــي ولا يدرون عدّتها ما لم تكن من ليـــالي الأشهر الحرم
***
كأنما الدّين ضــــــيف حلّ ساحتهم بكلّ قرم إلى لــــــــحم العدا قرم
***
يجرّ بحر خــــــميس فوق سابحة
يرمي بموج مـــــن الأبطال ملتطم
***
من كلّ منـــــــتدب لله محتسب
يسطو بمستـــــأصل للكفر مصطلم
***
حتى غدت ملّة الإســــلام وهي بهم
من بعد غربتها مـــــوصولة الرّحم
***
مكفولة أبدا مـــــــنهم بخير أب
وخير بعل فلـــــــم تيتم ولم تئم
***
هم الجبال فسل عـــــنهم مصادمهم
ماذا لقي منهــــــم في كلّ مصطدم
***
وسل حنينا وسل بـــــدرا وسل أحدا
فصول حتف لهــــم أدهى من الوخم
***
المصدري البيض حــمرا بعد ما وردت
من العدا كل مــــــسود من اللّمم
***
والكاتبين بسمـــــر الخطّ ما تركت أقلامهم حرف جـــــسم غير منعجم
***
شاكي السّلاح لهــــم سيمى تميّزهم والورد يمتاز بالســــيمى عن السّلم
***
تهدي إليك ريـــــاح النّصر نشرهم فتحسب الزّهر فــــي الأكمام كلّ كمي
***
كأنهم في ظهور الـــــخيل نبت ربا
من شدّة الحزم لا مــــن شدّة الحزم
***
طارت قلوب العدا مــــن بأسهم فرقا
فما تفرّق بـــــــين البهم والبهم
***
ومن تكن برســــــول الله نصرته
إن تلقه الأسد فـــــي آجامها تجم
***
ولن ترى من ولـــــي غير منتصر
به ولا من عــــــدّو غير منعجم
***
أحلّ أمته فــــــــي حرز ملّته
كالليث حلّ مــــع الأشبال في أجم
***
كم جدّلت كلمـــــات الله من جدل
فيه وكم خصم الـــبرهان من خصم
***
كفاك بالعلم فـــــي الأميّ معجزة
في الجاهلية والــــتأديب في اليتم
***
خدمته بمديــــــــح أستقيل به
ذنوب عمر مضى فــي الشّعر والخدم
***
إذ قلّداني ما تــــــخشى عواقبه
كأنني بهما هــــــدي من النعم
***
أطعت في الصّبا فـــي الحالتين وما حصلت إلا علــــــى الآثام والنّدم
***
فيا خسارة نــــــفس في تجارتها
لم تشتر الدّين بـــــالدنيا ولم تسم
***
ومن يبع آجلا مـــــــنه بعاجله
بين له الغبن فــــي بيع وفي سلم
***
إن آت ذنبا فما عــــهدي بمنتقص
من النبيّ ولا حــــــبلي بمنصرم
***
فإنّ لي ذمّة مـــــــنه بتسميتي محمّدا وهو أوفــــى الخلق بالذمم
***
إن لم يكن في مــــعادي آخذا بيدي
فضلا وال فقل يـــــــا زلّة القدم
***
حاشاه أن يحرم الــــرّاجي مكارمه
أو يرجع الجّار مـــــنه غير محترم
***
ومنذ ألزمت أفكـــــــاري مدائحه وجدته لخلاصـــــــي خير ملتزم
***
ولن يفوت الغنـــــى منه يدا تربت
إنّ الحيا ينبت الأزهـــــار في الأكم ***
ولم أرد زهرة الدّنيـــــا التي أقتطفت يدا زهير بما أثنـــــــى على هرم
***
يا أكرم الخلق مـــــا لي من ألوذ به سواك عند حلول الــــــحادث العمم
***
ولن يضيق رســـــول الله جاهك بي
إذا الكريم تجـــــــلّى باسم منتقم
***
يا نفس لا تقنطي مــــن زلّة عظمت
إن الكبائر فــــــي الغفران كالّلمم
***
لعلّ رحمة ربّي حـــــــين يقسمها
تأتي على حسب العـــصيان في القسم
***
يا ربّ واجعل رجـــــائي غير منعكس
لديك وأجعل حســــــابي غير منخرم
***
وألطف بعبدك فـــــــي الدّارين إنّ له صبرا متى تدعــــــــه الأهوال ينهزم
***
وائذن لسحب صــــــــلاة منك دائمة
على النبيّ بمنــــــــــهلّ ومنسجم
***
ما رنّحت عذبات البـــــــان ريح صبا وأطرب العيس حــــــادي العيس بالنغم
***
ثمّ الرّضا عن أبـــــــي بكر وعن عمر وعن عليّ وعن عــــــثمان ذي الكرم
***
والآل والصّحب ثـــــــم التّابعين فهم أهل التّقى والنّقــــــى والحلم والكرم ***
يا ربّ بالمصطــــــفى بلّغ مقاصدنا واغفر لنا ما مضـــــى يا واسع الكرم
***
بجاه من بيته فــــــــي طيبة حرم واسمه قسم مــــــــن أعظم القسم
***
وهذه بردة المــــــــختار قد ختمت فالحمد لله في بــــــــدء وفي ختم
***
أبياتها قد أتت ســــــــتين مع مائة ففرّج بها كربنا يـــــــا واسع الكرم.
*******
 
الوسوم
البردة
عودة
أعلى